شرح عمدة الأحكام عبد الكريم الخضير

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (9)
باب: المرور بين يدي المصلي - باب: جامع
الشيخ: عبد الكريم الخضير
الشافعية يقولون: الأفضل في السجود كله أن يكون قبل السلام، وهذا بالنسبة للمأمومين سواء منهم المدرك للصلاة كلها والمسبوق هذا لا شك أنه أضبط لصلاة المأموم، يعني ينتهي من الصلاة قبل أن يسلم؛ لأنه إذا سلم حصل اضطراب من المأمومين، منهم من .. ، السرعان يخرجون من المسجد، والذين يقضون الصلاة ينوون الانفراد، هذا عند الشافعية يكون أضبط فهو أفضل، هذا رأي الحنفية والشافعية، المالكية يستدلون بحديثي الباب، ويقولون: إذا كان السجود سببه الزيادة في الصلاة فيكون موضعه بعد السلام؛ لئلا تشتمل الصلاة على زيادات، يعني زائدة عن المسهو عنه، المسهو فيه نزيد أيضاً سجدتين داخل الصلاة، وهي الأصل فيها زيادة؟! لا تشتمل الصلاة على هذه الزيادة كلها، وإذا كان السجود عن نقص كما في حديث عبد الله بن بحينة يكمل هذا النقص بسجدتين قبل السلام، مذاهب الأئمة واضحة وإلا ما هي بواضحة؟ ومآخذها ظاهرة، الحنفية يقولون: كله بعد السلام، والشافعية يقولون: قبل السلام، والمالكية: إن كان لزيادة بعد السلام، وإن كان لنقص قبل السلام، والحنابلة الإمام أحمد -رحمه الله- يرى السجود كله قبل السلام، إلا ما ورد النص فيه أنه بعد السلام، ومنه إذا سلم عن نقص، كما في قصة ذي اليدين، ومنها إذا ما بنى الإمام على غالب ظنه، وفيه: ((فليتحر ثم ليسجد بعد السلام)) يعني الأصل أن الصلاة تختتم بالتسليم، وكل ما يتعلق بها يكون قبل التسليم؛ لأنه خاتمتها، هذا الأصل، لكن جاء بعض الصور ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سجد بعد ما سلم، تكون هذه على خلاف الأصل، ويقتصر فيها على مواردها، على كل حال الأمر فيه سعة، والاتباع هو المطلوب، فإذا كان النص يدل على أن السجود قبل السلام أو بعده يتبع النص، وما عدا ذلك كونه قبل السلام هو الأصل، ومسائل السهو كثيرة جداً، متعلقات الباب فرعها الفقهاء بتفريعات كثيرة، فتراجع كتب الفروع، نعم.
عفا الله عنك.

باب: المرور بين يدي المصلي


عن أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)) قال أبو النضر: لا أدري قال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنةً.
باب: المرور بين يدي المصلي


لا شك أن المرور بين يدي المصلي يشوش على المصلي صلاته، يشوش عليه صلاته، والمطلوب في الصلاة حضور القلب والخشوع، تدبر ما يقرأ وما يسمع، فإذا مر بين يدي المصلي شيء لا شك أنه يشوش عليه، ولذا جاء الوعيد الشديد، في حديث الباب يقول: "عن أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يقف بين يديه)) " لو يعلم، لو هذه حرف امتناع لامتناع، يعني امتنع وقوف هذا المار لامتناع علمه بالإثم ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم)) من الإثم هذه ليست في الصحيحين، وانتقد الحافظ ابن حجر الحافظ عبد الغني حيث ادخلها؛ لأنه صنيعه يوهم أنها في الصحيحين ((لو يعلم المار ماذا عليه)) من الإثم لا توجد في الصحيحين، انتقد ابن حجر مؤلف العمدة، وذكر أنها لم تثبت إلا في رواية أبي الهيثم الكشميهني، وهو ليس من العلماء، إنما هو من الرواة لصحيح البخاري، فتوجد هذه في روايته تفرد بها، وروايته ليست قوية مثل الروايات الأخرى؛ لأنه ليس من أهل العلم، الكشميهني، ومع ذلك الحافظ ابن حجر ينتقد الحافظ عبد الغني، ويوردها في البلوغ، أوردها في البلوغ، فيتجه عليه الانتقاد مثل ما انتقد، والنقد بابه مفتوح، إذا كان القصد منه النصيحة، فالنصيحة لا بد منها، والدين النصيحة، وحينما انتقد من أدخل هذه اللفظة يشكر على هذا الانتقاد؛ لأنه بين للناس، وكونه يقع فيما انتقد ليعلم العلماء وطلاب العلم أنه ليس هناك عصمة، كونه ينتقد، ويقع في الخطأ، وهو من الحفاظ -رحمه الله-، ما هو بإنسان عادي، لكن يقع، وكثيراً ما ينتقد الإنسان ولا أقصد ابن حجر، ينتقد الإنسان في شيء ولا يكون في ذلك مخلصاً فيقع فيه، وقيل لشخص من الأئمة المعروفين: إن فلاناً قرأ الآية كذا فضحك، فقرأها كما قرأها من ضحك عليه، وقع فيها، ولا أريد أن أذكر الآية؛ لئلا يعرف الطرفان؛ لأن المسألة مشهورة، على كل حال النقد إذا كان القصد منه النصيحة، يعني لو أن الحافظ عبد الغني موجود في وقت الحافظ ابن حجر، المناسب أن يكتب له أن هذه اللفظة لا توجد في


الصحيحين، فيتولى هو نفسه حذفها، بدلاً من أن يكون هذا في مصنف يقرأ إلى يوم القيامة، هذا تمام النصيحة، لكن شخص مات وانتشر كتابه لا بد أن ينبه، ينبه عليه ويبين، وليس القصد من ذلك تنقص أهل العلم، ليس الهدف من ذلك نتقص أهل العلم، وإنما القصد منه بيان الحق، وتصحيح ما يقع من أوهام وأخطاء، وأوصي طلاب العلم أن يقرؤوا في مقدمة (موضح أوهام الجمع والتفريق) للخطيب البغدادي؛ لأنه يصحح على الأئمة الكبار، يصحح على البخاري وأحمد وغيره، يصحح على الكبار (موضح أوهام الجمع والتفريق) طالب العلم إذا تصور موقف الخطيب وهو إمام من أئمة المسلمين، ويقول مثل هذا الكلام بالنسبة للكبار عرف كيف يتعامل أهل العلم بعضهم مع بعض بصدق وإخلاص، وأن القصد من ذلك كله بيان الحق، والوصول إلى الصواب، والاعتراف بالفضل لأهله، هذا أمر مطلوب؛ لأنه قد يجول بخاطر شخص يقول: إن هذا يصحح على البخاري ومسلم وأبي حاتم وأبي زرعة وأحمد وابن معين، وش يصير هذا؟ ولولا هذه المقدمة التي ذكرها، والتي على كل طالب علم أن يراجعها مع ما كتبوه كثير في هذا الباب، بين الخطيب -رحمه الله- أنه لولا هؤلاء ما صار شيء، لكن لا يمنع أن يهم الإنسان ويخطئ، يقع في شيء من الخطأ هذا أمر لا ينفك منه أحد.


((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين)) أربعين إيش؟ ما يدرى هل هي أربعين يوم أربعين شهر أربعين سنة؟ هي مبهمة، إذا لم يذكر التمييز فالمميز مبهم، ولذا لما جيء بالتاريخ، بداية التاريخ من قبل عمر -رضي الله عنه- جاء إليه شخص بصك فيه دين على شخص إلى شعبان، يعني يحل في شعبان، لكن شعبان سنة كم؟ ما فيه، قال: شعبان الماضي أو شعبان القادم؟ ما يدرى، وبعض الناس يعرف أنه مولود في نصف رمضان، لكن سنة كم؟ ما يدري، هذا موجود، وهنا: ((لكان أن يقف أربعين)) وأحياناً يحذف التمييز للتفخيم؛ ولتعظيم الأمر وتهويله، وش الأربعين ذا؟ ما هذه الأربعين؟ احتمال تكون أربعين قرن بعد، احتمال ((لكان أن يقف أربعين خيراً له)) فيحذف المتعلق، أحياناً يحذف المفعول، وأحياناً يحذف الظرف ليسرح الذهن كل مسرح، كل ما يخطر على البال يتصوره هنا، فيكون أشد وأعظم ((لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يدي المصلي)) الأمر ليس بالسهل، ليس بالهين.
"قال أبو النضر" الراوي "لا أدري قال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة" والمسألة خمس دقائق، تجد السرعان يخترقون الصفوف ويتخطون المصلين من أجل خمس دقائق أو أقل، وهنا: ((لو يعلم المار)) يقف أربعين الأمر ليس بالهين، والمسألة مسألة إثم عظيم، أبيحت المقاتلة من أجله، فليس من السهل أن يمر الإنسان بينه وبين سترته وهو يصلي، وهذا يدل على تحريم المرور بين يدي المصلي إذا استتر، كما سيأتي في الحديث الذي يليه، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان)).


يقول -رحمه الله تعالى-: "عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره)) " هذه يستدل بها أهل العلم على أن الأمر باتخاذ السترة ليس على سبيل الوجوب، وإنما على سبيل الاستحباب ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره)) مما يدل على أن له أن يصلي إلى غير سترة، وسيأتي بحديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بالناس بمنى إلى غير جدار، وجاء توضيحه في بعض الروايات: "إلى غير سترة" والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى في المسجد الحرام إلى غير سترة، والطائفون يمرون بين يديه، فدل على أن الأمر باتخاذ السترة ((ليستتر أحدكم في الصلاة ولو بسهم)) هذا الأمر للاستحباب، وليس على سبيل الوجوب، وهو قول عامة أهل العلم، أوجبه بعضهم للأمر، لكن هذا صارف ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس)) فالسترة مستحبة، وتكون بالجدار، وتكون بمؤخرة الرحل، وتكون بالسهم، المقصود أنها تكون بشيء يعرف المار أن هذا يصلي، شيء شاخص.
وأما الخط ((فإن لم يجد فليخط خطاً)) هذا الحديث مثل به ابن الصلاح للمضطرب، فقد روي على نحو عشرة أوجه مختلفة، مثل به للمضطرب، وابن حجر -رحمه الله- رجح بعض الطرق على بعض، وانتفى عنه الاضطراب، وقال في البلوغ: ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حديث حسن، فعلى هذا تكون السترة بالخط، وفي حكم الخط طرف السجادة، عند من يقول بأن هذا يجزئ، وإلا فالحديث فيه كلام طويل لأهل العلم، والحكمة من السترة عند أهل العلم ليكف المصلي بصره عما وراءها، ينظر في موضع سجوده، وليمنع من أراد الاجتياز دونها، أما إذا لم يستتر فليس له أن يمنع.


((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس)) يعني ما تتصور أن الساتر بحيث لا يراه الناس، لا، ولو مؤخرة رحل، عنزة وإلا عصا، وإلا جدار وحائط قصير، أو أدنى شيء، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، أي أحد كائناً من كان ((فليدفعه)) يرده الأسهل فالأسهل، إذا كانت ترده الإشارة فليفعل، إذا كان لا يرده إلا الدفع باليد يفعل ((فإن أبى فليقاتله)) رفض، دفعه رجع، دفع رجع .. ((فليقاتله)) يعني ينتقل من الأسهل إلى الأشد، لكن هل يصل الأمر إلى أن يخرج المسدس من جيبه ويقتله؟ هذا ليس بقتل، ما قال: فليقتله، إنما قال: ((فليقاتله)) لتكون مدافعة بين الاثنين هذه هي المقاتلة ((فإنما هو شيطان)) هذه هي العلة، فإنما هو شيطان، لا شك أن الشخص الذي يصر على أن يؤثر في صلاة أخيه المسلم هذا شيطان، مثل هذا شيطان ليست له حرمة، منهم من يقول: ((فليقاتله)) هذا من باب المقاتلة، كما تقول: قاتل الله فلاناً، قاتل الله اليهود والنصارى يعني لعنهم، فليقاتله بالسب والشتم، هذا قول قيل به، لكنه قول ضعيف؛ لأن السب والشتم ينافي مقتضى الإقبال على الصلاة، بل هذا مبطل للصلاة، قاتل الله فلان يعني لعنه، أنت تشتم وأنت في الصلاة بعد، هذه مشكلة، هذا قيل به، وهو قول ضعيف، فكأن مثل هذا استبعد مسألة القتل، قال: شتمه ولعنه أسهل من قتله، وجاء في الحديث الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله)) وليس في هذا مستمسك لمن أراد أن يتقصد الناس يكون بينه وبينهم شيء يصلي في طريقهم إذا أراد أن يجتاز ومعه مسدس، لا، لا، ليس المراد به القتل، المقاتلة هي المفاعلة بين الاثنين، يكون فيه شيء من المدافعة، أما أن تصل إلى القتل فلا.


تأتي صيغة المفاعلة وهي من طرف واحد، لكن ليس هذا منها ((فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه)) يجب الدفع؛ لئلا يعرض صلاته لخلل، والمالكية عندهم تفاصيل وتفاريع، فعندهم أنه إذا صلى الشخص في طريق الناس والمار ليست له مندوحة عن هذا الطريق، ما في طريق إلا هذا، والمصلي قد استتر فبرئت عهدته، والمار ليست له مندوحة، إذا لا إثم عليه يمر ولا عليه شيء، وإذا كان للمار مندوحة والمصلي مستتر، فالإثم على المار، وإذا كان المار ليست له مندوحة ما له طريق ثاني، والمصلي لم يستتر فالإثم على المصلي دون المار، وإذا لم يستتر المصلي والمار له مندوحة فالإثم عليهما، لكن في هذا الحديث استتر فأراد أحد أن يجتازه، وسبب الحديث أن شاباً من بني أبي معيط أراد أن يجتاز بين أبي سعيد وسترته، فدفعه أبو سعيد فنظر الشاب فلم يجد مساغاً، ما وجد طريق إلا هذا، فدفعه أبو سعيد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره)) فقال أبو سعيد: "سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره)) ... إلى آخره، فالشاب لم يجد مساغاً، ليست له مندوحة، ومع ذلك دفعه أبو سعيد، فعليه أن ينتظر، وفي الحديث السابق: ((لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يدي المصلي)) ولو لم يكن له مندوحة، ينتظر يا أخي، لكن على المصلي أن يلاحظ صلاته، ويلاحظ المارين، ما يعرض صلاته للبطلان، بعض الناس إذا صف يصف في مكانه كأنه يقصد أن يمر الناس بين يديه، كأنه مختبئ بحيث لا يشعر به أحد، مختبئ من اليمين والشمال وإلا القدام مفتوح ما في ستره، صحيح هذا يفعله بعض الناس، تجد بعض الناس يصف بأي مكان، ما عليه من أحد، مثل هذا .. ، عليك أن تحتاط لصلاتك ((إذا صلى أحدكم فليستتر)) أقل الأحوال الاستحباب، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان، والمقاتلة المراد بها المدافعة.
نعم نأخذ الحديث الذي بعده.
عفا الله عنك.


وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: أقبلت راكباً على حمار أتان، وأنا يومئذٍ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت فأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد.


جاء في الحديث الصحيح أنه يقطع صلاة الرجل إذا مر بين يديه المرأة والحمار والكلب، وجاء في بعض الروايات تقييد بالأسود، وهنا في هذا الحديث حديث ابن عباس، قال: أقبلت راكباً على حمار أتان، لو قال: على أتان ما يكفي؟ هي أنثى الحمار، فالحمار يطلق على الجنس مثل الإنسان على الذكر والأنثى، والأتان خاص بالأنثى، ولذا لا يقال: أتانة "أقبلت راكباً على حمار أتان، وأنا يومئذٍ قد ناهزت الاحتلام" النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي في منى في السنة العاشرة، وابن عباس ولد قبل الهجرة بثلاث، يعني عمره ثلاثة عشرة سنة، ما احتلم، ناهز الاحتلام "ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي" والحال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي "بالناس في منى إلى غير جدار" يقول ابن دقيق العيد: لا يلزم من عدم الجدار عدم السترة، وجاء التفسير في بعض روايات الحديث إلى غير جدار، يعني إلى غير سترة "فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع -ترعى- ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد" والعبرة بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، إلا أنه لو كان مما ينكر لبادر الصحابة بالإنكار عليه، كما بادروا بالإنكار على من بال في المسجد، ابن عباس يريد أن يستدل على أن مرور الأتان بين يدي المصلي لا تقطع صلاته، واستدل به بالحديث، وبحديث عائشة الآتي: أن الصلاة لا تقطع بمرور شيء، لا يقطع الحمار الصلاة، وحديث عائشة الآتي: المرأة لا تقطع الصلاة، فحملوا القطع على النقص من الأجر، لا البطلان، والمشهور عند الحنابلة أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم، وأخرجوا الحمار بحديث ابن عباس، وأخرجوا المرأة بحديث عائشة، والاستدلال إنما يتم لو مر الحمار بين يدي المصلي وسترته، وهو يصلي منفرد أو إمام، أما بالنسبة للمأموم فحكمه معروف، سترة الإمام سترة لمن خلفه، ومنهم من يقول: الإمام سترة لمن خلفه، فلو مر بين يدي الإمام بطلت صلاته، وتبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه، فلا يتم الاستدلال بمثل هذا الحديث على عدم بطلان الصلاة بمرور الحمار؛ لأن الحمار ما مر بين يدي لا إمام ولا منفرد، والمأموم سترته إمامه، وجاء في بعض الأخبار أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، لكن


مثل هذا .. ، ما جاء في هذا الحديث يحمل على هذه الحالة، فإذا مر بين يدي المأموم لا يؤثر، بخلاف ما إذا مر بين يدي الإمام أو المنفرد، ويبقى الحديث محفوظ ببطلان صلاة المصلي بمرور الحمار، ومثله المرأة على ما سيأتي، فصلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف بالحمار، فكونه مر بين يدي بعض الصف ولم يمر بين يدي الإمام ولا المنفرد، لا يستدعي هذا أن يخرج الحمار من عموم ((يقطع صلاة الرجل)) ... الثلاث المذكورة، نعم.
عفا الله عنك.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما، والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح.


وهذا حديث: "عائشة -رضي الله عنها- قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما، والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح" المؤلف وهو من الحنابلة، من أئمتهم المعروفين، يريد ويقصد من إيراد حديث ابن عباس وحديث عائشة تخصيص الحديث ((فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود)) رواه الجماعة إلا البخاري، ولو كان الحديث على شرطه لأورده قبلهما، لكنه أورد مفردات مسلم، على كل حال هذا الحديث صحيح، القطع بمرور الثلاثة صحيح، والمؤلف يريد استثناء الحمار، وإخراجه من عموم الحديث، ويريد استثناء المرأة من شمول الحديث لها، وعرفنا ما في الحمار أنه لا يستثنى من الحديث إلا لو كان مروره بين مصلي وبين سترته، والإمام سترة لمن خلفه، ومنهم من يطلق سترة الإمام سترة من خلفه، فالمأموم لا يطلب له سترة، وعلى هذا للإنسان أن يمر بين يدي الصف، لا سيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك، أحياناً في الحرمين الشريفين يحتاج الإنسان إلى أن يمر بين يدي الصف، ولا أثر له في صلاة المأمومين، فلا يتم الاستدلال بالاستثناء إلا لو مر بين يدي منفرد أو إمام، وكذلك حديث: "عائشة -رضي الله عنها- قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني" طعن بأصبعه في رجلها "فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتهما" الحجرة ضيقة، لا تستوعب واحد يصلي وواحد نايم، وهنا نتصور عيشه -عليه الصلاة والسلام-، أفضل الخلق، وأشرف الخلق، في غرفة لا تستوعب نائماً ومصلياً "كنت أنام" وهذا يدل على أنه تكرر هذا، والصيغة للاستمرار "بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني" ويحتمل أن يكون بحائل، يعني مستترة، ويحتمل أن يكون بدون حائل، لكن من غير شهوة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يملك إربه "فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتهما" تحتاج إلى بسط الرجلين "والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح" هذا اعتذار منها؛ لأنه قد يقول قائل: لماذا ما تكف الرجل وتبسط من غير غمز؟ ما تدري هو راكع وإلا ساجد وإلا قائم وإلا .. ؟ لأنها ليس فيها مصابيح، ليس فيها إضاءة ولا


كهرباء، ولا سرج، هكذا كانت الحياة، حياة الناس إلى وقت قريب، يعني إن شئت فقل: نصف قرن، أو أقل، ليس فيها مصابيح، فهذا الذي يجعلها تحوجه إلى غمز، لو كان فيها مصابيح كفت رجلها بمجرد ما يهوي إلى السجود، والحنابلة يستدلون بهذا على أن المرأة لا تقطع صلاة الرجل، لكن هل صنيع عائشة هذا مرور؟ وهل حكم القار هو حكم المار؟ لا، يختلف، يعني لو صلى إنسان إلى إنسان، جالس وصلى إلى شخص، لا بأس، لو اتخذ إنسان سترة، هذا ما هو بمرور ذا، والحكم معلق بالمرور، حكم القطع معلق بالمرور، وليس القار كالمار، فاستثناء عائشة واستثناء المرأة من عموم حديث: ((يقطع صلاة الرجل إذا مر بين يديه)) ... الثلاثة، لا يستقيم ولا يتم إلا لو مرت بجسمها كاملاً، عائشة تستنكر على من يروي الحديث، وتقول: "ساويتمونا بالحمر والكلاب" يعني هل الملحوظ في هذا استواء الرتبة بين النساء والحمر والكلاب؟ أو الملحوظ أن المرأة وافتتان الرجل بها، ومرورها بين يديه أشد من الحمار والكلب؟ لأنه قد يسمع بعض الناس المفتونين مثل هذا الكلام ويقولون: وين حقوق الإنسان؟ وين ... ؟ سووا امرأة بكلب وحمار؟! لا، لا، المسألة الملاحظ فيها المصلي، وحفظ صلاته عن كل ما يشغله، أعظم ما يشغل الرجال النساء، فلو قيل: إن المرأة في هذا الباب أشد من الكلب، وأشد من الحمار، هل يعني أنها أخس من الكلب والحمار؟ لا، ليس هذا، وإنما هي تفتن الرجل أكثر من الكلب والحمار، يعني هذه الدلالة دلالة اقتران، هل هي تدل على الاشتباه بالحكم من كل وجه؟ أولاً: دلالة الاقتران ضعيفة عند أهل العلم، وضعفها عند جماهير أهل العلم معروف، الأمر الثاني: أن وجه الشبه بين الثلاثة شغل القلب، القلب ينشغل بمرور هذه الأمور، وإن لم تكن المرأة أشد فليست بأقل، وليس قرنها مع الكلب والحمار لخستها مثل الكلب والحمار، لا، المقصود أن ما قالته عائشة -رضي الله عنها- مرده إلى اجتهادها، مما يدل على أنها لم تسمع الحديث من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإلا لو سمعته منه -عليه الصلاة والسلام- ما كان لها خيرة في الأمر أبداً، وليس لها أن تناقش أو تجادل، نعم يوجد من يناقش ويجادل في الأحاديث الصحيحة الصريحة، لكن هؤلاء قوم


من المفتونين، أما من كان هواه تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-، من رضي الله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، لا يمكن أن يناقش إذا صح الخبر {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [(36) سورة الأحزاب] ما لأحد كلام، وفتح باب النقاش والحوار بالمسائل الشرعية حقيقة مؤذن بخطر عظيم، إذا صح الخبر انتهى الإشكال، ما لأحد كلام، الإنسان معبد مذلل لله -جل وعلا-، ليس له أن يناقش، الله المستعان، فيبقى الحديث: ((يقطع صلاة الرجل إذا مر بين يديه الحمار والمرأة والكلب)) محفوظ، فمرور هذه الأمور بين يدي المصلي مبطل لصلاته، والجمهور يحملون البطلان على نقص الأجر، لا على أنها لا تجزئ ولا تصح، لا، والحنابلة معروف مذهبهم أنه لا يبطل الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم، وأخرجوا الحمار بحديث ابن عباس، والمرأة بحديث عائشة، وعرفنا ما في ذلك، حديث: ((إذا صلى أحدكم)) يشمل كل مصلي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، إذا قلنا: إن المرأة داخلة في مثل هذا يكون الذي يقطع صلاتها الرجل، باعتبار أنه هو الذي يشغل قلبها، وإذا كانت العلة منصوصة، وأنها شغل القلب، لو كانت منصوصة في حديث من الأحاديث قلنا: إن الحديث يدور معها، لو وجد شخص لا حاجة له بالنساء ألبتة، ومرور رجل أو امرأة أو طفل، لا فرق، بعض الناس تمر من عنده المرأة الفاتنة في كامل زينتها كما لو كانت محمولة على الأعناق، جنازة، بعض الناس هكذا، هل نقول: إن مثل هذا لا تبطل صلاته، لا؛ لأن العلة ليست منصوصة، إذا نصت العلة دار الحكم معها، وإذا استنبطت لا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: إذا كانت الغرفة ضيقة -يعني بيت عائشة -رضي الله عنها- كيف النبي -عليه الصلاة والسلام- يعلم عن الكلب عندما انقطع الوحي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
هو كان تحت السرير، فلم يره النبي -عليه الصلاة والسلام-


يقول: من حصل له مثل ما حصل للرسول -عليه الصلاة والسلام- في حديث ذي اليدين، فهل إذا أراد إتمام الصلاة يكبر للصلاة أو يدخل فيها بدون تكبير؟
ينظر إلى المتروك، فإن كان مما يبدأ بالتكبير ولم يمر في وقته، مثلاً الانتقال من الجلوس إلى القيام، لو افترضنا أنه جلس في الثلاثة، كبر وجلس وأراد أن يتشهد فسبحوا به، يقوم إلى الرابعة من دون تكبير لأنه انتقل إلى السجود بالتكبير، لكن في مثل حديث ذي اليدين سلم عن نقص، فهل نقول: إن تكبيره حينما قام من السجود إلى التشهد يكفي أو لا بد من التكبير للقيام إلى الركعة الثالثة؟ لا بد من التكبير؛ لأن الموضع موضع جلوس، والجلوس يحتاج إلى تكبير، انتقل من السجود إلى الجلوس بالتكبير، والقيام يحتاج إلى تبكير ثاني فيكبر.
يقول: ماذا عن السترة في الحرم؟ وهل يترك المار يمر أو يدافع أو يمنع؟
على كل حال الرجل الذي يستتر، يصلي إلى ساتر يدفع، والذي يصلي إلى غير سترة لا يدفع؛ لأنه في الحديث: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز فليدفعه)) هذا مشروط بما إذا صلى إلى سترة، وأما الفرق بين الحرم وغيره مقرر عند أهل العلم أن الحرم كغيره إلا أن المشقة تجلب التيسير، بحيث إذا كثر الناس كثرت الجموع ولا يستطيع أن يرد لا يرد.
يقول: ما المقدار المشروع للمار بين يدي المصلي هل هو متر أو أقل أو أكثر؟
ثلاثة أذرع عند أهل العلم، قدروها بثلاثة أذرع، متر ونصف.
يقول: هل الأولى في المسجد الذي جماعته قلة أن يصلى فيه بدون مكبرات، أم يصلي فيه بمكبرات حتى لو كان المصلون قلة؟ وما وجه المنع إن كان يمنع من ذلك؟
لا شك أن المكبرات من المحدثات، وتستعمل في عبادة، ويتقرب إلى الله -جل وعلا- بوجودها؛ لأنها تبلغ هذه العبادة إلى من لم يسمعها، لكن مثل هذه الأمور يقتصر فيها على موضع الحاجة.
يقول: هل رفع اليدين قبل الركوع وبعد الركوع مستحب أم واجب؟
عامة أهل العلم على أنه مستحب في المواضع كلها، وأوجبه بعضهم مع تكبيرة الإحرام، وأما ما عدا ذلك فهو مستحب، ويبقى أنه مع تكبيرة الإحرام عامة أهل العلم على أنه مستحب وليس بواجب.


يقول: ما رأيكم بكتاب إحياء علوم الدين للغزالي؟ وما هي السلبيات الموجودة فيه؟ وما هي الإيجابيات؟
هذا الكتاب أولاً: الرجل معروف بأخطائه العقدية، الرجل مخالف في العقيدة لما عليه سلف هذه الأمة في كثير من أبواب الاعتقاد، وعنده تصوف مشوب بفلسفة، وهذا شديد عند أهل العلم، فأمره شديد في كثير من القضايا، تؤخذ منه على حذر شديد.
الأمر الثاني: بضاعته في الحديث مزجاة، أورد في الكتاب من الأحاديث الموضوعة والواهية الشيء الكثير، ويصرح بذلك، بضاعته مزجاة، والكتاب لا يخلو من فائدة، طالب العلم المتأهل الذي يدرك مثل هذه الأمور لا مانع من أن يقرأ مثل هذا الكتاب، وفيه فوائد، لكن الطالب المبتدئ الذي لا يدرك مثل هذه المخالفات لا يجوز له النظر في مثل هذا الكتاب، ولا في غيره مما اشتمل على مخالفات عقدية؛ لأنهم يبثون شبه، فإذا لصقت هذه الشبهة في قلب خالٍ، لا يستطيع إزالتها هذا يعرض نفسه للخطر، فلا يجوز له أن يعرض نفسه للخطر، إذا كان عنده من العلم ما يستطيع به دفع هذه الشبه لا بأس، وأهل العلم قرؤوا فيه، ونقلوا عنه، شيخ الإسلام وابن القيم ينقلون عنه، لكن مع ذلك ينبغي أن يقرأ على حذر من قبل طالب علم متأهل، وما عدا ذلك فلا.
يقول: خمسة أفراد كنا في رحلة صلى بنا أحدنا صلاة العصر أربعاً، فلما فرغنا من الصلاة قال أحد المأمومين: إني لم أقرأ الفاتحة في الركعة الأخيرة بسبب عجلة الإمام، سؤالي هل يأتي بركعة أم أنها صحيحة، وهل إذا أتى بها تكون ركعة زائدة؟
أقول: الذي لا يستطيع قراءة الفاتحة كاملة مع الإمام لا شيء عليه، حكمه حكم المسبوق، لكن إذا عرف أن هذا الإمام هذه طريقته وهذه عادته وهذا ديدنه لا يمكنهم من قراءة الفاتحة يبحث عن غيره؛ لئلا يكون في حكم المسبوق باستمرار.
يقول: أحياناً يمر الإنسان على مؤذن يؤذن فيسمع من أذانه لفظة أو لفظتين، ثم يمضي بسيارته فهل يردد معه هذه الألفاظ التي سمعها عملاً بعموم: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول))؟


إذا كان يغلب على ظنه أنه يسمع مؤذناً بجميع جمل الأذان لا يردد مع هذا، ينتظر حتى يصل المؤذن الذي يغلب على ظنه أنه يدرك معه الأذان كاملاً؛ لأن الأصل أن الأذان جمل مترابطة، كامل، ما يؤتى ببعضه دون بعض، وإذا كان لا يغلب على ظنه فما يدركه يأتي به.
يقول: أيهما أفضل للطالب المتوسط في علم أصول الفقه شرح مختصر الروضة أم شرح الكوكب المنير؟
على كل حال المفاضلة بين هذين الكتابين فيه شيء من الصعوبة، ويحتاج إلى شيء من التفصيل، مختصر التحرير كتاب نفيس إلا أنه صعب، ومعقد على طالب العلم المتوسط، ويحتاج إلى شيخ بارع ماهر يحلل ألفاظه، والشرح طيب مناسب جداً، وصيتي لطالب العلم أن يعتني بهذا الكتاب، ويكون دور طالب العلم إما قراءته على الشيخ أو اختصار هذا الكتاب، يعنى بالمتن مختصر التحرير، ويراجع عليه الشرح، ويختصر هذا الشرح، المتن صغير جداً، الشرح في أربعة مجلدات، يعني لو اختصر هذا الشرح بقدر ما يحتاج إليه، وتترك المباحث التي لا يدركها أوساط المتعلمين، ويقتصر على ما يدركه ويفهمه في مجلد واحد بحجم الربع، من أنفع ما يكون لطالب العلم، أما مختصر الروضة للطوفي فالمتن كتاب لطيف جداً، وجميل، والتقسيم تقسيم فاهم، والشرح أيضاً من أمتع كتب الأصول، شرح مختصر الروضة للطوفي نفسه، هناك شروح أخرى لمختصر الروضة، لكن من أنفسها شرح المؤلف للطوفي نفسه، ويفعل به الطالب مثل ما يفعل بشرح الكوكب، شرح المختصر، فيختصر هذا الكتاب، بدل ما هو ثلاث مجلدات كبار يمكن اختصاره، والتعليق على المتن في مجلد لطيف، واختصار الكتب وسيلة من وسائل تحصيل العلم؛ لأن بعض الإخوان ما يدرك إذا كان يقرأ، لكن إذا كان معه القلم يحاول يفهم ويختصر ويصوغ بعبارته، يفهم، إذا حاول فهم -إن شاء الله تعالى-، وإذا أشكل عليه شيء، استغلق عليه شيء يسأل عنه.
يقول: فرقت بين وقت نهي مغلظ ووقت نهي مخفف، فما الدليل على هذا التفريق؟ وهل نفهم أن رأيكم أن ذوات الأسباب تؤدى في وقت النهي المخفف دون المغلظ؟


هذا صرحنا فيه مراراً، حتى في أكثر من مناسبة في هذا الدرس، أما بالنسبة للتفريق بين وقت النهي المغلظ والمخفف، الموسع والمضيق، فلما عُرف من أن وقت النهي الموسع حصل فيه إقرار من صلى راتبة الصبح بعد صلاة الصبح، أقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قضى راتبة الظهر بعد صلاة العصر، فالأمر فيه سعة، حتى قرر جمع من أهل العلم مثل ابن عبد البر وابن رجب وغيرهما أن النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين إنما هو من باب سد الذريعة، من باب نهي الوسائل؛ لئلا يسترسل الإنسان يصلي حتى يصل إلى الوقت المضيق، وأما الأوقات المضيقة فأمرها أشد، وجاء فيها حديث عقبة: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" فالصلاة في الوقت الموسع لا بأس بها -إن شاء الله تعالى-، ولو امتنع الإنسان عن الصلاة في الأوقات كلها، ولو كان ذات سبب لكان له وجه، وهو قول جمهور العلماء، وإذا فعل ذوات الأسباب فقد اقتدى بأئمة وعلماء تبرأ الذمة بتقليدهم، وأما من حيث الدليل فقد بسطناه سابقاً، وأول حديث في درس اليوم هو في ذوات الأسباب، يعني في ركعتي تحية المسجد.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

باب: جامع
عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: جامع


جرت عادة أهل العلم أن يذكروا مثل هذا الباب في أواخر الكتب، إذا انتهى من الأبواب التي يريدها قال: باب جامع، يضع فيه أحاديث لا تندرج تحت الأبواب السابقة ولا الكتب السابقة، أما هنا وضع أحاديث من كتاب الصلاة فلو ترجم لكل حديث أو حديثين كما مضى بترجمة تخصه، وأيضاً هو جعل هذه الأحاديث بين أجزاء الصلاة، بين صفتها وبين التشهد، والتشهد من صفتها، فلا أعرف وجهاً لهذا الباب في هذا الموضع، مع أن الأحاديث كلها الموجودة كلها تندرج تحت كتاب الصلاة، وقد جرت عادتهم في جعل الباب الجامع في أواخر الكتب، بحيث يجمعون أحاديث لا تندرج تحت أبواب سبقت، أما ما يمكن إدراجه في الأبواب السابقة يدرج، وعلى كل حال الكتاب بهذا الترتيب وبهذا الانتقاء، وبهذا التحرير، محل عناية وحفاوة من أهل العلم فمنذ أن ألف الكتاب إلى يومنا هذا، وتراجم أهل العلم يندر أن تجد فيهم من لا ينص في ترجمته على أنه حفظ كذا وكذا، وكتاب العمدة للحافظ عبد الغني؛ لأنه كتاب منتقى من الصحيحين، فهو من أفضل كتب الأحكام، نعم فيه إعواز كبير؛ لأن هناك أحاديث من أحاديث الأحكام لا توجد في الصحيحين، موجودة في السنن والمسانيد وغيرها، امتازوا بها الكتب الأخرى، كالمنتقى والمحرر والبلوغ وغيرها.


يقول الحديث الأول: "عن أبي قتادة حارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) " (إذا دخل أحدكم) أحد مفرد مضاف فيعم الجميع، أي داخل للمسجد لا بد أن يصلي ركعتين، لكن هل يشمل خطيب الجمعة مثلاً؟ دخل خطيب الجمعة يصعد إلى المنبر وإلا يصلي ركعتين عملاً بهذا الحديث؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لما دخل المسجد رقي المنبر، وهذا مخصص لهذا الحديث، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى العيد ركعتين، لم يصل قبلهما ولا بعدهما، فمن دخل لصلاة العيد يصلي وإلا ما يصلي؟ هل نقول: إنه يشمله عموم هذا الحديث أو نقول: لا يصلي لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يصل؟ وهل ترك الركعتين قبل العيد وبعدها من قبله -عليه الصلاة والسلام- من أجل تخصيص صلاة العيد بهذا؛ ليشمل عموم الأمة أو لأنه انشغل بالصلاة؟ انشغل بالصلاة، والمقصود شغل البقعة، وعلى هذا إذا صليت العيد في مسجد، ودخل المأموم قبل الإمام يصلي ركعتين وإلا ما يصلي؟ يصلي، يشمله عموم هذا الحديث، يصدق عليه أنه دخل المسجد، فيصلي ركعتين، كونه -عليه الصلاة والسلام- لم يصل قبلهما ولا بعدهما في مكانها، النبي -عليه الصلاة والسلام- انشغل بالصلاة؛ لأن الصلاة تقدم، كما لو دخل المأموم وقد أقيمت الفريضة، ينشغل بها عن تحية المسجد، وعن الراتبة القبلية، والمقصود من وجود الركعتين شغل البقعة، ولذا تتأدى هاتان الركعتان بأي صلاة، لكن لا بد أن تكون ركعتين فأكثر ((حتى يصلي ركعتين)) إذا قال: أنا أدخل المسجد بعد صلاة العشاء، وبدلاً من أن أجلس وأخالف النهي أصلي ركعة واحدة أنويها وتر وتكفي، نقول: لا بد من ركعتين، لكن لو قال: أوتر بثلاث، أوتر بخمس، أوتر بتسع، نقول: لك ذلك؛ لأنه صدق عليك أنك أتيت بركعتين، والمسألة خلافية بين أهل العلم، لكن لا تتأدى ولا يتم الامتثال في هذا الحديث إلا بركعتين فأكثر ((إذا دخل أحدكم المسجد)) هل يشمل كل ما يمكن أن يطلق عليه مسجد؟ مصلى العيد مثلاً، مصلى الجنائز، كان الجنائز لها مصلى خاص خارج البلد يسمى جبانة، يصلون هناك، تكون قريب من المقبرة، وأحياناً في جزء المقبرة، وأما


مصلى العيد الذي أمر الحيض باعتزاله فله أحكام، أي نعم هو دون المسجد في الأحكام، وفوق مصلى الجنائز، ولذا يقرر أهل العلم أن مصلى العيد مسجد، ومصلى الجنائز ليس بمسجد، طيب المسجد الذي معروف حدوده ومعالمه لا شك أن له جميع أحكام المسجد، لكن المصليات في الأماكن العامة، وفي الدوائر الحكومية، يصلى فيه وقت واحد، الظهر مثلاً هل يأخذ أحكام المسجد؟ لا يأخذ أحكام المسجد، بدليل لو أنه بيع هذا المكان بيع معه، لم يوقف على أساس أنه مسجد، وليست فيه معالم المسجد، ولا تتأدى به الجماعة المطلوبة حيث ينادى بها، ولذا من يسمع النداء يلزمه الإجابة، ولا يكفي أن يصلي في مصلى الدائرة أو في غيرها، اللهم إلا إذا ترتب على خروجه من هذا المكان ضياع للعمل، أو تضييع للطلاب، أو ما أشبه ذلك، هذه المسألة رخص فيها أهل العلم من أجل حفظ العمل، وحفظ الطلاب من الضياع والتسيب.


((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس)) لو قال: أريد أن أدخل المسجد وأستمر واقفاً، أو قال: لن أجلس أبى أضطجع، أنا جاي أبا أنام خلاص، هو قال: ((لا يجلس)) ما أنا بجالس، انسدح على طول، يتم أو ما يتم؟ تلزمه الصلاة؟ ولو قال: أبا أقف؟ نعم؟ المكث، لو وقف ساعة؟ يقول: أنا ما جلست، أنا ما خالفت، ولو كان بيده عمل يسير يقتضي الجلوس، وهذا العمل يفوت، يعني مثل الذي يركبون الآلات هذه للدروس، وفيها مصلحة تخدم الدرس، يقول: أنا أركب الذي بيدي وأصلي ركعتين، يعني جلوس غير مقصود، وقل مثل هذا لو خرج من باب ودخل مع باب، هو يريد الدخول في المسجد، دخل مع هذا الباب وصلى ركعتين، قال: لا أبا أجلس بتلك الزاوية، لكن ما أنا مؤذي اللي أمر عليهم، أطلع وأدخل، نقول: هذا خرج ليدخل يلزمه ركعتين أو ما يلزمه؟ وقل مثل هذا من صلى في المسجد الحرام مثلاً، صلى الفرض مثلاً في الدور الأرضي، ووجده ضنك وضيق وحر ومدري إيش؟ قال: أطلع السطح، فطلع مع الباب، ورقى السلم الكهربائي، وصلى في السطح، قبل ما. . . . . . . . . نقول: تصلي ركعتين وإلا ما تصلي؟ لأن منهم من يفرق بين من خرج لذات الخروج، ودخل لذات الدخول، ومن خرج ليدخل، ومنهم من يفرق بينما إذا كان الفاصل قصير، يعني يتردد على المسجد، هو جالس في المسجد، فأراد أن يخرج إلى البرادة برع يشرب ويرجع، يلزم وإلا ما يلزم؟ خرج ليتوضأ ويرجع، والدورة قريبة جداً، هم يقولون: إذا كان الفاصل قصير، وهذا مقيس على من يتكرر دخوله على مكة، كالحطاب والجمال وغيرهم، يتكرر دخولهم، يومياً يدخلون على اليموزينات وعلى .. ، يلزمه إحرام وإلا ما يلزمه؟ عند من يقول: إن الإحرام يلزم كل داخل، وهو المذهب عند الحنابلة، وجمع من أهل العلم، أما من يقول: إنه لا يلزم الإحرام إلا من أراد الحج والعمرة، كما هو منصوص ومنطوق الخبر، ممن أراد الحج والعمرة، هذا ما فيه إشكال، لكن الذي يقول: بأنه يلزم كل داخل يقولون: هذا الذي تكرر دخوله ما يلزمه يحرم كل ما دخل، فالذي تكرر دخوله إلى المسجد مع فاصل يسير هذا عندهم لا يلزمه تحية؛ لأن هذا يشق والمشقة تجلب التيسير، فمن دخل ليخرج يتسامحون في أمره، من خرج قريباً ليعود ليشرب أو شبهه،


أو بيكلم شخص عند الباب يدخل هو حي المسجد والحمد لله، فمثل هذا يتسامح في حقه، وإلا من دخل جاء التوجيه النبوي ((فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) وعامة أهل العلم على أن النهي للكراهة، والأمر بالركعتين للاستحباب، هذا عامة أهل العلم عليه، ولم يقل بوجوبه إلا نزر يسير من أهل العلم، وهو مقتضى اللفظ الوجوب، لكن الصوارف، ذكروا صوارف كثيرة، فمثلاً حديث الثلاثة لما مروا بالمسجد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- جالس في المسجد، ثلاثة، واحد جلس، وجد فرجة فجلس، وآخر جلس في آخر الحلقة، والثالث انصرف، ثم قال: ((ألا أخبركم بخبر الثلاثة؟ أما الأول فآواه الله، والثاني فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه)) وما حفظ أنهما صليا تحية المسجد، هذا من الصوراف، ويذكرون مثل هذه القضايا الكثير، يعني قضايا متعددة في مثل هذا، فللموجب أن يقول: إن ما تقرر في الشرع، وجاء الأمر به على وجه التخصيص لا يلزم نقله في كل حادثة؛ لأنه نقله من تقوم الحجة بنقله، فلا يلزم أن ينقله كل أحد، خلاص، يصير هذا معروف، ما يحتاج نقل ثاني، احتمال أنهما صليا تحية المسجد، لو ما صليا لاتجه إليهما ما أتجه إلى غيرهما، صليت ركعتين؟ يعني لو لم يكن صليا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب، جلس، قال: ((صليت ركعتين؟ )) قال: لا، قال: ((قم فصل ركعتين)) ولا يلزم أن ينقل، ومنهم من يقول -وهذا مذهب عامة أهل العلم- على أنها للاستحباب، وذكروا من الصوارف ما ذكروا، ومنها: ((خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة)) وليس منها تحية المسجد، على كل حال الأمر المعتبر والمفتى به عند أهل العلم أن الأمر للاستحباب وليس للوجوب.


((فلا يجلس)) الأمر بالشيء يقول أهل العلم: نهي عن ضده، والنهي عن الشيء أمر بضده، فإذا نهي عن الجلوس هل هو أمر بالقيام؟ هو نهي عن الجلوس مغيا بغاية، وهي صلاة ركعتين، فإذا لم يحصل منه الجلوس لا تلزمه هذه الغاية؛ لأنه مربوط بغاية، فلا تلزمه هذه الغاية، ومعلوم عند أهل العلم أن الأمر بالشيء إذا كان ضده واحد صار النص أمر بالشيء بمنطوقه، ونهي عن ضده بمفهومه، لكن إذا كان له أضداد، أكثر من ضد، فهل هو نهي عن جميع الأضداد أو عن واحد منها، أو لا يتناول الأضداد كلها؟ فعندنا فلا يجلس، هل معنى هذا فليقف؟ يعني الجلوس ضده القيام، وعند الظاهرية أيضاً من أضداده الاضطجاع، فإذا اضطجع عند الظاهرية ما عليه شيء، خلاص لأنه ما جلس، إلا عند من يقول: إنه لا يمكن أن يضطجع حتى يمر بالجلوس، ما يتصور اضطجاع من غير جلوس، يتصور وإلا ما يتصور؟ يعني على طول بيطيح، ما يمكن، فإذا اضطجع صدق عليه أنه جلس؛ لأنه لا ينفك الاضطجاع من الجلوس، فالاضطجاع لا يحل الإشكال كما يقول أهل الظاهر، نعم إن وقف فلا يتجه إليه النهي، لكن من الذي يقف مدة طويلة وبإمكانه أن يصلي هاتين الركعتين في دقيقتين؟ خشية أن يصلي؟ هذا محروم، فيصلي ركعتين ثم يجلس، لكن إذا قال: أنا لن أجلس، أقف، لا سيما إذا كان المانع شرعي، إيش المانع الشرعي؟ النهي مانع شرعي، فمثل هذا له وجه إذا كان المانع مرغب فيه، له وجه، إذا قال: والله أنا الآن درس، إن صليت فلن أعقل من صلاتي شيء، ولن أستفيد من الدرس، يعني لن أستفيد من الدرس، ولن أعقل من صلاتي شيء، فأنا با أقف إلى أن ينتهي الدرس، هذا مبرر أنه يقف، لكن شخص ما عنده .. ، يبي ينتظر شخص، قال: ميعادك المسجد، وطال قيامه، قال: أنا بأجيك الساعة ثمان، ودخل المسجد سبع ونصف، قال: نصف ساعة أقف، إيش يصلي ركعتين؟ الله المستعان، نقف بدل أن نصلي، نقول: لا يا أخي أنت محروم، صل ركعتين وأجلس.


هنا مسألة لو دخل إلى المسجد وهو بغير طهارة، يستحسن بعضهم أن ينشغل بالتسبيح والذكر ويجلس، لكن هل من لازم الأمر بهاتين الصلاتين الأمر بالوضوء؛ لأنه ما لا يتم إلا به؟ أو نقول: إن عدم الوضوء مبرر للجلوس؟ مسألة الاضطجاع التي يقولها الظاهرية ترى يحتاجها كثيراً الذي يحتاج إلى أن ينام في المسجد، يعني معتكف، وكل ما انتبه يبي ينتبه يروح إلى الدورة يتوضأ ويجئ يصلي ركعتين، معناه ما ينام، يطير عنه النوم، فيقول: أنا ما أنا بجالس، أضطجع على مذهب الظاهرية، نقول: هذا حكمه حكم من يكثر التردد، إذا صلى أول مرة فالخروج اليسير هذا مبرر سهل، عند كثير من أهل العلم يرخص له في أن لا يصلي، أقول: الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به، فهل الأمر بهاتين الركعتين أمر بالوضوء لهما؟ نقول: نعم أمر بالوضوء لهما، لكن ما دام الركعتان مستحبتين، فالأمر بالوضوء لهما مستحب؛ لأنه لا يتأدى هذا المستحب إلا بهما، ومسألة الإتيان بهاتين الركعتين في أوقات النهي بحثت أكثر من مرة، يعني بسطت أكثر من مرة، فلا نحتاج إلى إعادتها، نعم.
عفا الله عنك.
وعن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام.
هذا يقول: الوقت الذي قبل صلاة العيد أليس وقت نهي؟
ليس وقت نهي، نعم من دخل في وقت النهي، لكن المسألة مفترضة فيمن دخل بعد خروج وقت النهي؛ لأن وقت النهي الذي قبل صلاة العيد هذا وقت مغلظ معروف، لكن تأخير الفطر مثلاً، لو أخرت بعد خروج وقت النهي بنصف ساعة مثلاً، ودخل قبل الصلاة بعد ارتفاع الشمس، إن كان صلاة العيد في المسجد يصلي ركعتين، وإن كانت في غير المسجد فالأمر فيه سعة، أما بالنسبة لما بعد صلاة العيد فثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يصلي ركعتين في بيته، ولعلهما ركعتا الضحى، وإلا فصلاة العيد ليس لها راتبة.


في الحديث الثاني يقول: "عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه إلى جنبه في الصلاة" إذا عطس شمته، إذا سلم رد عليه، إذا احتاج إلى شيء كلمه "حتى نزلت: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] " القنوت له معاني كثيرة، منها: داوم الطاعة، ومنها: الطاعة، ومنها: طول القيام، ومنها: الصلاة، ومنها: السكوت، وما الذي يرجح السكوت معنا؟ السياق، يكلم مقابله السكوت "يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه، حتى نزلت: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" أمرنا بالسكوت يعني أمرنا بهذه الآية أو بنصوص أخرى؟ ((أن هذه الصلاة لا يصلح فيها ... كلام الناس)) لكن هل هذه الآية، يعني هل قول الصحابي: فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام بهذه الآية، وإلا بأدلة أخرى؟ نعم؟
وهذه الآية تدل على النهي {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] يعني ساكتين، فأمرنا بالسكوت "قوموا قانتين" يعني حال كونكم قانتين ساكتين، معناه: اسكتوا، هنا هنا السياق، يكلم الرجل منا صاحبه إلى جنبه، فنزلت: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] الغاية "قوموا لله قانتين".
طالب:. . . . . . . . .
لا سياق الخبر، سياق الخبر يدل على أنه في السكوت؛ لأنها غاية للكلام؛ لأن الصحابي ساقه على أنه غاية للكلام، وسبب نزولها إيش؟ كلامهم، فجاء النهي عن الكلام والأمر بالسكوت لأنهم كانوا يتكلمون، والغاية هنا {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] هو مشترك لمعاني كثيرة، لكن السياق ما الذي يرجح أحد معاني المشترك؟ السياق، وهنا السياق يدل على أن قانتين ساكتين، الآن الخبر مرفوع وإلا موقوف؟ نعم؟ له حكم الرفع من أي وجه؟
الطالب:. . . . . . . . .


دعنا من آخره، لو ما فيه "كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] " نعم؟ الحاكم يرى أن تفسير الصحابي له حكم الرفع؛ لأن الصحابي الذي عاصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعرف ما جاء في التفسير من قبل الرأي لن يقدم على تفسير القرآن إلا وعنده أصل حجة من النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن عامة أهل العلم حملوا ذلك على ما يتعلق بأسباب النزول، له حكم الرفع، وما عدا ذلك يحتمل أنه قاله باجتهاده، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-:
وعُدّ ما فسره الصحابي ... رفعاً فمحمول على الأسبابِ


يعني على أسباب النزول، وهنا أمروا بالسكوت، ونهوا عن الكلام بهذه الآية وبغيرها من النصوص، وأمرنا ونهينا معروف أن له حكم الرفع عند أهل العلم، والكلام من عالم بتحريمه، متعمد له، ذاكر لصلاته، لغير مصلحة الصلاة، قالوا: أو إنقاذ مسلم، مبطل لها، لمصلحة الصلاة مثل ما جاء في حديث: ذي اليدين، تكلموا، لكنه لمصلحة الصلاة فلم تبطل، لإنقاذ مسلم من هلكة، أعمى يقع في حفرة فينبه، قالوا: لإنقاذ مسلم من هلكة، هذا الكلام مفسدة مغمورة بالنسبة لإنقاذ المسلم، ومع ذلك الكلام مبطل للصلاة؛ لأن هذه الصلاة لا يصلح معها شيء من كلام الناس، فمن مبطلات الصلاة الأكل والشرب والكلام والضحك وغيرها، كلها مبطلات الصلاة، الكلام المبطل، أما الإشارة المفهمة التي تؤدي ما يؤديه الكلام من فهم هذه لا تبطل الصلاة، وسبقت الإشارة إليها، عندنا الإشارة غير المفهمة، الإشارة ولو كانت مفهمة هذه لا تبطل الصلاة، غير الإشارة مما لا يسمى كلام، هو لا يسمى كلام، لكن من لازمه خروج بعض الحروف، تنحنح، انتحب، بكى، حصل له أنين في الصلاة، كل هذه قد يخرج منها الحرف والحرفان، ولذا عند الحنابلة والشافعية من فعل شيئاً من هذا فبان منه حرفان بطلت، تبطل عنده ببيان حرفين، ومن عداهم يقول: لا، ما دام ما تكلم، ولا يصدق عليه أنه كلام لا لغوي ولا شرعي ولا عرفي لا يبطل الصلاة، النبي -عليه الصلاة والسلام- يسلم عليه فيرد بالإشارة، يرد السلام بالإشارة، والإشارة مفهمة، وفي حديث أسماء في صلاة الكسوف "أشارت إلى السماء أن آية؟ " فأشارت برأسها: "أن نعم".
الكلام لمصلحة الصلاة أو لإنقاذ مسلم قلنا: إنه يجوز، لكن هل يبطل الصلاة؟ وهل يلزمه الإعادة؟
لا يبطل الصلاة، ولا تلزمه الإعادة.
هل يوجد وقت نهي يوم الجمعة قبل الظهر؟
حفظ عن الصحابة أنهم يتطوعون ويصلون حتى يخرج الإمام، وجاء في الباب حديث: ((إن الجمعة لا تسجر فيها جهنم)) مثل هذا اليوم، فيوم الجمعة استثناه أهل العلم من وقت النهي، وسلف هذه الأمة لا يزالون يصلون حتى يخرج الإمام، نعم.
عفا الله عنك.


وعن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إذا أشتد الحر فابردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)).
هذا الحديث المروي عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- يعني الثلاثة، عمر وابن عمر وأبو هريرة "عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- أنهما" أنهما يعود إلى الراويين، لابن عمر وأبي هريرة "عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إذا أشتد الحر فابردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) " وسبق أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الظهر بالهاجرة، وسبق الحديث فيه، وأن الهاجرة هي وقت شدة الحر، يعني أول الوقت، ثم صارت تطلق على المبادرة بصلاة الظهر في أي فصل من فصول السنة، وسبق الكلام فيه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا اشتد الحر فابردوا عن الصلاة)) وهذا من شفقته ورحمته بأمته -عليه الصلاة والسلام-؛ لئلا يشق عليهم، فيخرجهم من بيوتهم في هذا الوقت الشديد الحر.
((فابردوا عن الصلاة)) ...
هذا يقول: لقد سألتك أكثر من مرة فلم تجب –الآن لا بد أن نجيب- إذا أتيت إلى زواج وفيه تصوير فيديو فما العمل؟
على كل حال إذا كنت ممن يرى تحريم التصوير بالفيديو فلا يجوز لك البقاء، تنكر إن امتثلوا بها ونعمت، وإلا فلا يجوز لك البقاء، وإن كنت ممن يقلد من يرى جواز ذلك، وأنت لست من أهل النظر، فأفتى به من تبرأ الذمة بتقليده، لكن على الإنسان أن يعمل بما يعتقد ويدين الله به، لا يساوم في دينه، لا يجامل في دينه، إذا كان يرى هذا أمر محرم لا يصوغ له البقاء، والله المستعان.


((إذا أشتد الحر فابردوا عن الصلاة)) الزوال اثنا عشر، ويخرج الوقت بعد ثلاث ساعات ونصف مثلاً، وكله وقت أداء للصلاة، إيش معنى نبرد؟ يعني في شدة الحر، العصر شدة الحر، فابردوا هل معناه أننا نصلي الظهر في آخر النهار إذا برد الجو أو في وقتها؟ لكن هل ينحل الإشكال في وقتها؟ يعني بعد ساعتين من الزوال، ثلاث ساعات من الزوال يبرد الوقت وإلا يستمر حار؟ يستمر حار، لكن المقصود أن يكون للجدران ظل، يستظل به الناس للخروج إلى الصلاة، ومنهم من يقول: تؤخر الصلاة -صلاة الظهر- إلى آخر وقتها ليكون الظل مستوعب للناس وقت دخولهم وخروجهم، وأيضاً للتيسير على الناس ليخرجوا إلى الصلاتين مرة واحدة، فيكون كالجمع الصوري، منهم من يرى هذا من أهل العلم، ويقول: لو تأخرنا ساعتين ما أنحل الإشكال، سنطلع بين الشمس طالعين طالعين أول الوقت أفضل، الملاحظ أنه في شدة الحر ما ينحل الإشكال إذا أخرنا ساعة أو ساعتين، لكن وجه التأخير ليكون للحيطان ظل يستظل به الناس، وإلا بعد الزوال مباشرة يصعب أن يوجد ظل يستظل به جميع الناس الذين يريدون أن يخرجوا إلى الصلاة، ويخرجون منها، وعلى كل حال هذا من رأفته -عليه الصلاة والسلام- بأمته، وهذا من تيسير الله -جل وعلا-، لكن هل التأخير رخصة وإلا هو السنة؟ لأنه جاء ما يدل على أن أفضل الوقت أوله، أول الوقت هو أفضله، فهل نقول: إن هذه رخصة أو نقول: سنة؟ وإذا قلنا: رخصة فمن لا يحتاج إلى هذه الرخصة يفعلها يؤخر وإلا يقدم يرجع إلى الأصل؟ وإذا قلنا: سنة يفعلها ولو لم يحتج إليها، طيب مجموعة من الناس طالعين في نزهة، وفي استراحة، ولا عندهم إشكال، ولا يسمعون النداء، ويصلون في استراحتهم، والمكيفات شغالة، والمكان يستوعب، ودورات المياه في جانب .. ، ما عندهم مشكلة، هؤلاء يقدمون وإلا يؤخرون؟ إذا قلنا: رخصة يرجعون إلى الأصل يقدمون؛ لأنهم ما عندهم مشكلة، العلة للتأخير ليست موجودة، وإذا قلنا: هذه هي السنة يؤخرون ولو لم يتأذوا بالحر، وقل مثل هذا في الجمع لسبب في الحضر، إذا قلنا: إنه رخصة لا يسوغ لمن لا تنطبق عليه العلة، وإذا قلنا: هو السنة قلنا: يجمع مع الناس ولو ساكن في غرفة في المسجد.


((فابردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) لأن جهنم اشتكت إلى الله -جل وعلا-، وأن بعضها أكل بعضاً، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما يوجد من البرد من ذلك النفس، فيستعيذ المسلم من حرها وبردها، وأشد ما يوجد من الحر فهو من النفس الثاني ((فإن شدة الحر من فيح جهنم)) كونها اشتكت هل هو بلسان الحال أو بلسان المقال؟ لا يمنع أن يكون بلسان المقال، وأن تشتكي بالصوت والحال، وش المانع؟ {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [(11) سورة فصلت] إيش المانع؟ تتكلم، القدرة الإلهية صالحة لهذا، منهم من يقول: أبداً اشتكت بلسان المقال، والله -جل وعلا- رأى ذلك منها فنفس لها، لكن الأصل الحقيقة، والشكوى الأصل فيها أن تكون باللسان، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)) وتلا قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه] ولمسلم: ((من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها)).
هذا يقول: هل التبسم مبطل للصلاة؟
الأكثر على أنه لا يبطل الصلاة؛ لأنه ليس ضحك، لكنه منافٍ لمتقضى الخشوع، الخشوع ينافيه التبسم، وعند ابن حزم التبسم مبطل للصلاة؛ لأنه ضحك، بدليل قوله تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} [(19) سورة النمل] فدل على أن التبسم من الضحك، والجمهور على أنه لا يبطل الصلاة.
من خرج من المسجد وذهب إلى مسجد آخر فهل تلزمه السنة؟
نعم تلزمه تحية المسجد للمسجد الثاني.
"عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)) وتلا قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه] ولمسلم: ((من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها)) ".


من نسي صلاة، نعم الإنسان معرض للنسيان، لكن على المسلم أن يكون من الاهتمام بحيث لو ينسى الأكل والشرب والنوم والعمل والوظيفة والأهل والمال ما ينسى رأس المال الذي هو الدين، لكن إذا حصل هذا غفل، والإنسان يأتيه ما يشغله، وينسيه ويلهيه ويذهله، أحياناً بعض المواقف تجعل الإنسان يذهل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- شغله الكفار يوم الخندق عن صلاة العصر، على كل حال من نسي، والناسي {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] قال: قد فعلت.


((من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها)) لو وجد شخص كل يوم ينسى فرض ويستدل بالآية، وما سمي الإنسان إلا لنسيانه، هذا يدل على عدم اهتمام، يدل على عدم اكتراث، نعم قد ينسى في السنة، قد ينسى في العمر، أما إذا دل الأمر على عدم الاكتراث فإنه يؤاخذ بهذا، وإلا فالأصل أن النسيان معفو عنه، من نسي صلاة فليصليها إذا ذكرها، هذا وقتها، مجرد ما يذكرها في أي وقت من ليل أو نهار فليصلها، تعقيب بالفاء، يعني مباشرة فوراً ((فليصلها إذا ذكرها)) إذا تذكرها صلى ((لا كفارة لها إلا ذلك)) يعني لا يلزمك أن تتصدق، لا يلزمك أن تعتق، لا يلزمك أن تصوم، فهذه كفارتها تصليها إذا ذكرتها، هل يلزمك أن تتوب؟ تستغفر؟ نعم ليس على سبيل الوجوب، لكن من تمام العمل أن تنسب التقصير إلى نفسك، مهما بذلت من الأسباب فالتقصير حاصل، لكن هل يتصور أن الإنسان ينسى الدوام؟ هل يتصور أن الإنسان ينسى الدراسة؟ ما معنى كونه ينسى الصلاة ولا ينسى دوامه ولا دراسته، ولا أكله ولا شربه؟ لا بد من التقصير، مع أن الإنسان مجبول على النسيان، لكن يبقى أنه عدم الاهتمام جعله ينساها، وحينئذٍ يعترف بتقصيره، ويندم، وهذا رفعة لدرجاته، لا لأنه يأثم إذا نسي لا هذه مسألة أخرى، يعني قد يقول الفقهاء -فقهاء الظاهر-: أنت ما يلزمك إلا تصليها، لكن أرباب القلوب يقولون: عليك تبعات أخرى، تندم وتنكسر بين يدي الله، ولعل الله -جل وعلا- أن يتجاوز عنا وعنك، وهذا ينبغي أن يكون ديدن المسلم وحاله، أن ينسب نفسه إلى التقصير باستمرار ولو أدى العبادة، ولذلك شرع في نهاية كل عبادة ذكر من الأذكار، بعد الصيام التكبير، بعد الصلاة الاستغفار، بعد .. ، نعم {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ} [(185) سورة البقرة] وبعض الناس يفعل ويفتي غيره، إذا قيل له: إن فلان حصل له مانع من صلوات أسبوع مثلاً، عليه صلوات أسبوع، يفتي لنفسه أن يصلي كل فرض مع فرض، صلى الفجر اليوم يصلي الفجر من اليوم الأول، صلى الظهر اليوم يصلي الظهر من اليوم الأول، أو يسرد صلوات الفجر كلها؟ حق أسبوع، إذا صلى الظهر صلى صلوات الظهر كلها، ثم إذا صلى العصر صلى صلوات العصر كلها وهكذا، فيفعل في نفسه، وقد يفتي غيره،


وسمعنا من يقول بهذا من العوام، لكن قضاء الفوائت فوراً، عليك صلوات أسبوع اسردها الآن، والمشقة تجلب التيسير، إذا كانت تعوقك عن تحصيل الحاضرة، وعند أهل العلم الترتيب واجب، ولا يسقط إلا بنسيانه، أو بخشية فوات وقت اختيار الحاضرة، فإذا نسي وصلى العصر قبل الظهر ما عليه، لكن مع الذكر لا يجوز أن يصلي الظهر قبل العصر، ومن سرد الفجر سبعة أيام قبل الظهر هذا مرتب؟ ما رتب هذا، يصلي اليوم الأول الفجر ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء، في وقت ولو كان وقت نهي؛ لأن هذه فرائض لا تدخل في النهي، ثم يأتي اليوم الثاني كذلك واليوم الثالث كذلك ... إلى آخره إلى أن تنتهي، للمبادرة في إبراء الذمة.
((فليصلها إذا ذكرها)) يعني بمجرد ذكره إياها يصليها ((لا كفارة لها إلا ذلك)) ما في بديل عن كونه يصليها، لا بديل عن صلاته إياها، ولا ينوب عنه أحد فيها، ما يقول: والله أنا مشغول، وورائي صلوات، قم يا فلان صل عني، ما في أحد يصوم عن أحد ...
"وتلا قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه] " لا شك أن الصلاة إنما شرعت، والمساجد إنما بنيت لإقامة ذكر الله، فهي مشتملة على الذكر، وقد يكون المراد من الآية وما يدل عليه السياق أقم الصلاة لذكرك إياي، وذهاب النسيان عنك، يعني لتذكرك هذه العبادة المشتملة على ذكري.


"ولمسلم: ((من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها)) " وقل مثل هذا فيمن صلى صلوات مع الإخلال بها، وأمر بقضائها، صلى صلوات غير مجزئة، فأمر بإعادتها، يكون حكمه حكم من نام عنها، أو نسيها، يقضيها فوراً ((فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها)) ومثل ما تقدم، لا كفارة لها إلا ذلك، لا يلزمه غير هذا، وهل نقول: إن من نام عن الصلاة فانتبه هو الوقت، ويكون فعله إياها أداء، باعتبار أن وقتها بدأ الآن من استيقاظه، أو نقول: هو قضاء؟ ومثله من نسي ثم ذكر، وقته من ذكره إياها أو وقتها الحقيقي، ومع ذلك ثم يقضيها بعد ذلك، مقتضى تعريفهم للقضاء والأداء أنها قضاء، لكن لا إثم في ذلك؛ لأنه معذور شرعاً، هذا من نسي، ومن نام المعذور في الجملة، لكن غير المعذور، ذاكر ومنتبه وجالس يسولف مع زملائه ومع زوجته وأولاده إلى أن خرج الوقت، هذا في المعذور فليصلها إذا ذكرها، غير المعذور يصليها إذا خرج وقتها، يعني متعمد لإخراجها عن وقتها.


يقول: عند مسلم: وإذا كان من الغد فليصلها عند وقتها، فهذا فيه إشكال، أي أنها تصلى مرتين، لا، يصلي عند وقتها، يعني صلاة اليوم الثاني يصليها في وقتها، فلا يؤخرها كما مضى، أقول: المتعمد للتأخير هل يصليها إذا أراد أن يصليها بعد خروج وقتها؟ وعرفنا بالنسبة للنائم والناسي معذور ويصليها إذا ذكرها، النائم يصليها إذا استيقظ، فهل المتعمد حكمه حكم الناسي؟ المنصوص عليه الناسي والنائم، عامة أهل العلم، ونقل عليه الإجماع أنه يأثم بتأخيرها عن وقتها، وعليه قضاؤها، نقل على هذا الإجماع، أنه يجب عليه أن يقضيها، فإذا طولب المعذور فلئن يطالب غير المعذور من باب أولى، هذا نقل عليه الإجماع، ويرى جمع من أهل التحقيق، بل نقل عليه ابن حزم الإجماع على أنه لا يقضيها، إذا فرط فيها عالماً متعمداً مصراً حتى خرج وقتها، وأن فعلها بعد خروج الوقت كفعلها قبل دخوله، وهذه من غرائب المسائل التي ينقل فيها الإجماع على القولين المتناقضين، يعني ينقل الإجماع على أنه يلزمه القضاء، فإذا أمر المعذور بالقضاء فلئن يأمر غير المعذور من باب أولى، فلا أن لا يعذر، بل يلزمه القضاء، يؤمر بالقضاء من باب أولى، وهذا قول الجماهير، بل نقل عليه الإجماع.
أما القول الآخر ونقل عليه ابن حزم الإجماع، ويرجحه شيخ الإسلام، وأفتى به بعض المحققين، أنه لا يقضيها، خلاص خرج وقتها، انتهى وقت فعلها، الوقت المحدد لها انتهى، يعني كما لو صلاها قبل الوقت، كذلك إذا صلاها بعد الوقت مع العمد، وقول الجمهور واضح يعني ومأخذهم واضح، إذا أمر المعذور بالقضاء فلئن يأمر غير المعذور من باب أولى، ومما يستدل به شيخ الإسلام وغيره أن هذه صلاة ليست على أمره، وليست على هديه -عليه الصلاة والسلام-، فهي مردودة مردودة، فلا يكلف نفسه، وجاء في الحديث الصحيح ((من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر لم يقضه صيام الدهر ولو صامه)) لكن جماهير أهل العلم يلزمه القضاء، قضاء هذا اليوم، وأما بالنسبة للإثم آثم، من نام عن صلاة فانتبه قبل خروج وقتها بخمس دقائق، بحيث يمكنه أداؤها، لكن انتبه محتلماً، يلزمه الغسل، إن اغتسل خرج الوقت، وإن تيمم أدرك الوقت ...