شرح عمدة
الأحكام عبد الكريم الخضير بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (8)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
يعني هل القراءة؟ ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) كما سيأتي، هل
يكفي في ركعة أو في الغالب لأن الغالب له حكم الكل، أو في جميع الصلاة؟
((ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) يعني مثل هذه الركعة صل صلاتك كلها، سواء
كانت ثنائية ضم إليها أخرى، ثلاثية ضم إليها ركعتين، رباعية ضم إليها أربع
ركعات مثل هذه الركعة.
باب: القراءة في الصلاة
عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
الكتاب)) " لا صلاة، لا نافية للجنس، جنس الصلاة، والنفي قد يرد على العين
ويراد به الحقيقة اللغوية، وقد يرد على العين ويراد به الحقيقة العرفية،
ويرد ويراد به الحقيقة الشرعية، فإذا قلنا: المنفي الحقيقة الشرعية للصلاة،
قلنا: لا صلاة صحيحة، أو لا صلاة مجزئة ومسقطة للطلب؛ لأن صورة الصلاة التي
لا تجزئ لو افترضنا أن شخص جاء بالصلاة على وجهها بأركانها، بواجباتها،
بسننها، واطمأن فيها، لكنها فقدت شرط، هذه ليست بصلاة، ليست بصلاة شرعية
لتخلف شرطها، هنا يقول: ((لا صلاة)) والنفي يرد ويراد به النهي، وحينئذٍ
يكون أبلغ من النهي الصريح، لو جاء: لا تصلوا إلا بفاتحة الكتاب، الأصل في
الأمر الوجوب، وقد يرد ما يصرفه إلى الاستحباب، لكن هنا نفي، يعني هذه
الصلاة وجودها مثل عدمها، هي مجرد حركات.
((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))
فاتحة الكتاب هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، فلا تصح الصلاة بدونها،
واختلفوا فيمن يلزمه قراءة الفاتحة، فأبو هريرة -رضي الله عنه- والبخاري
والشوكاني يرون أن الفاتحة لازمة لكل مصلٍ، يعني الإمام والمأموم، والمنفرد
والمسبوق، فعلى هذا من جاء والإمام راكع، أو قبل الركوع بحيث لا يتمكن من
قراءة الفاتحة لم يدرك الركعة، على هذا القول فلا بد من قراءة الفاتحة،
الشافعية يرون أن الفاتحة تلزم كل مصلٍ إلا المسبوق، أخرج المسبوق بحديث
أبي بكرة، حينما ركع دون الصف وأدرك، هذا رأي الإمام الشافعي، والحنابلة
والمالكية يقولون: تلزم الإمام والمنفرد على خلاف بينهم في المأموم في
السرية دون الجهرية، فمنهم من يلزم بها المأموم في السرية، ومنهم من يقول:
قراءة الإمام قراءة لمن خلفه، فلا تلزم المأموم أصلاً، لا في جهرية ولا في
سرية، والحنفية يقولون: لا تتعين الفاتحة، ومنهم من يوجبها على أنها ليست
بفرض ولا ركن، في الصلاة تجبر بسجود سهو، ومنهم من يقول: يكفي ما تيسر من
القرآن ولو بغير الفاتحة، وحصل مناظرات وإلزامات لبعض الحنفية؛ لأنهم
يجيزون الترجمة للقرآن بغير العربية، ويجيزون قراءة ما تيسر، فلما صلى
المصلي على مذهب الحنفية بين يدي محمود بن سبكتوكين، والقصة معروفة عند أهل
العلم، ومنهم من يشكك فيها، جاءوا بشخص توضأ بنبيذ، تعرفون النبيذ الماء
الذي يمرس فيه شيء من التمر، ويتصور هذا النبيذ في وقت حار، ولبس جلد ما
أدري والله عاد جلد كلب أو غيره، مدبوغ، وهذه إلزامات للحنيفة، فجاء هذا
فقال: الله العظيم دوسابز، دوسابز هذه إيش هي؟ ترجم المداهمتان، واقرأ ما
تيسر، مداهمتان آية من القرآن، وهذا الذي تيسر يجوز قراءته بغير العربية،
وجاء ونقر الصلاة على مذهب متأخري الحنفية، وتشوفه متوضئ بنبيذ، والحشرات
والذبابين عليه، والخليفة السلطان يراه، قال: هذه صلاتكم يا الحنفية؟ قال
واحد من الشافعية حاضرين: نعم هذه مذهب أبي حنيفة، فكان حنفياً ثم صار
شافعياً كسبوه بهذه الصلاة، ويغفلون عن أن الأئمة إذا اجتهدوا استفرغوا
الوسع، وهذا ما أدى إليه اجتهادهم، هم مأجورون على هذا، لكن لا يرى أبو
حنيفة
أن الصلاة تؤدى بهذه الطريقة أبداً، يعني
تجمع كل شواذ أبي حنيفة، وشواذ أحمد، وشواذ مالك، لا يمكن، هذا لا يراه
أحد، الصلاة مجتمعة بهذه الطريقة لا يمكن أن يراها أبو حنيفة، لكن لو قدر
أنه توضأ بنبيذ، أو مثلاً فعل كذا وكذا، ممكن، أما تجمع الصلاة على هذه
الهيئة المخالفة للشرع من كل وجه، هذا ما يرضاه أبو حنيفة ولا غيره، لكن
يسلك مثل هذا المسلك في المناظرات، تجد الخصم يجلب على خصمه بكل ما يملك من
أسلوب وبيان للتنفير من الخصم، وما يراه الخصم، لكن لو كان المراد من هذه
المناظرات إصابة الحق على لسانه، أو على لسان خصمه ما حصل مثل هذا، وعلى كل
حال بعض الفقهاء يشكك في نسبة هذه إلى إمام الحرمين أو غيره.
((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))
عرفنا المذاهب في قراءة الفاتحة، والخلاف الطويل في المأموم، والنصوص هنا
من أصح الأدلة في الصحيحين وغيرهما ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))
والذين لا يرون القراءة على المأموم يستدلون بأدلة منها: {وَإِذَا قُرِئَ
الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} [(204) سورة الأعراف] وفي
حديث الإتمام: ((وإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا ركع فاركعوا))
المقصود أن المسألة أن الأدلة كثيرة جداً، والمسألة من عضل المسائل، وألف
فيها أيضاً (القراءة خلف الإمام) وللإمام البخاري -رحمه الله تعالى- (جزء
القراءة خلف الإمام) وللبيهقي (جزء القراءة خلف الإمام) المقصود أن فيها
مؤلفات، والخلاف فيها قديم، والأدلة المتعارضة تكاد أن تكون متكافئة،
والترجيح يكاد يكون بالقشة، كثير من الناس يستروح إلى ترجيح بعض الأقوال
دفعاً للحرج، بعض الناس يقول في التراويح مثلاً، أو في الصلاة الجهرية
والإمام ما يتنفس يواصل القراءة، وكثير من الناس ما يقدر يقرأ، لو بغى يقرأ
ما استطاع، ما يجمع الفاتحة بعض الناس، والإمام يجهر، هذا صحيح واقع، لكن
مثل هذا إذا عجز معذور، العاجز معذور، بعض الناس يقول: الإمام ما يمكنا من
قراءة الفاتحة، يركع قبل أن نقرأ، نقول: هذا بحكم المسبوق، لكن يبقى أن
الحديث نص صحيح صريح شامل لكل مصلٍ، وإذا أخرجنا المسبوق في حديث أبي بكرة،
يبقى الإمام والمأموم والمنفرد كلهم داخلون في هذا الحديث، وجاء ما يخص
الفاتحة خلف الإمام ((ما لي أنازع القرآن؟ لعلكم تقرؤون خلف إمامكم))
قالوا: نعم، قال: ((لا تفعلوا إلا بأم الكتاب)) وهذا نص في المأموم، على كل
حال المسألة الترجيح فيها من الصعوبة بمكان، والأدلة من الطرفين كلها فيها
قوة، وإذا رجح الإنسان، أو قلد من يرجح وجوب الفاتحة لزمه أن يقرأ؛ لأنه
يعمل ما يدين الله به ويعتقد، لزمه أن يقرأ خلف الإمام، ولو جهر الإمام،
وإذا ترجح عنده واستروح ومال إلى القول الآخر، ورأى أن المأموم عليه أن
ينصت، وعليه أن يستمع له ذلك، وجاء في حديث أبي هريرة: ((من صلى صلاة لم
يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج)) خداج يعني ناقصة، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه-
قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة
الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطول في الأولى، ويقصر في الثانية، يسمع
الآية أحياناً، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطول في الأولى،
ويقصر في الثانية، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في
الثانية، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن أبي قتادة -الحارث بن ربعي- الأنصاري
-رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الركعتين
الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب" في الركعتين بفاتحة الكتاب، يعني في
كل ركعة من الركعتين بفاتحة الكتاب "وسورتين" يعني في كل ركعة سورة "يطول
في الأولى، ويقصر في الثانية" وجاء في بعض الروايات: من أجل أن يدرك
المسبوق، من أجل أن تدرك الصلاة يطول الأولى، فهذه سمة صلاة الظهر تطول
كالصبح "يطول في الأولى، ويقصر في الثانية" ويسمعنا الآية أحياناً، نعم في
الصلاة السرية الأصل الإسرار، فإذا أسمعهم الآية أحياناً فعلَ فعل النبي
-عليه الصلاة والسلام-، وامتثل السنة، فأحياناً يسمعهم الآية، لكن هل معنى
هذا أن تكون القراءة جهرية؟ لا، لو جهر في صلاة الظهر أو أسر في صلاة الصبح
عند أهل العلم كره ذلك، ولو كان ديدنه ذلك، لا يصلي الصبح إلا سراً، ولا
يصلي الظهر إلا جهراً، قلنا: هذا مبتدع، هذا متعمد للمخالفة، لمخالفة النبي
-عليه الصلاة والسلام- فهو مبتدع، لكن لو فعله أحياناً، أو نسي أو سها ما
عليه شيء.
"ويقصر في الثانية، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب" فقط، وجاء ما يدل
على أنه يقرأ في الركعتين الأخريين على النصف من قراءته في الركعتين
الأوليين، كما في صحيح مسلم، يطول في الركعتين الأوليين وفي الركعتين
الأخريين على النصف، وفي الركعتين الأوليين من صلاة العصر كالأخريين من
صلاة الظهر، وفي الأخريين على النصف، فهذا يفعله النبي -عليه الصلاة
والسلام- أحياناً، يقرأ في الركعتين الأخريين قدراً زائداً على الفاتحة،
وأحياناً يقتصر على أم الكتاب كما هنا.
"وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة
الصبح، ويقصر في الثانية" تقصير نسبي، ليس معنى هذا أنه يقرأ في الأولى
سورة طويلة، ثم يقرأ في الثانية من السور القصار، لكنها أقصر من الأولى،
والصلاة كما تقدم، والتمثيل بصلاة الكسوف تطويل وتقصير تدريجي، نسبي، وهذا
سبق الكلام فيه فلا يعاد، يقتصر على الركعتين الأخريين بأم الكتاب، كان
يقرأ أحياناً على النصف مما قرأه في الركعتين الأوليين، وثبت في الموطأ عن
أبي بكر أنه كان يقرأ في الركعة الثالثة من صلاة المغرب: {رَبَّنَا لاَ
تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ
رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [(8) سورة آل عمران] هذا ثابت عن أبي
بكر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، ولما جاء في الخبر ما يدل على المغرب وتر
النهار، أراد أن يدعو بهذه الآية في الركعة الثالثة، تشبيهاً لها بالوتر
{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [(8) سورة آل
عمران] جاء في الحديث القصر أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فزيد في الحضر،
فأقرت صلاة السفر، وزيد في الحضر إلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة، وإلا
المغرب فإنها وتر النهار، ولذا كان أبو بكر -رضي الله عنه- يقرأ في الركعة
الثالثة من صلاة المغرب {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ
هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ
الْوَهَّابُ} [(8) سورة آل عمران].
عفا الله عنك.
وعن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-
يقرأ في المغرب بالطور.
جبير بن مطعم بن عدي لما جاء إلى النبي
-عليه الصلاة والسلام- في فداء الأسرى، يكلمه -عليه الصلاة والسلام- في
فداء الأسرى، فسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في المغرب بسورة
الطور، هذا قبل أن يسلم حال كفره، فسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- في
المغرب بسورة الطور، ويقول: وكان ذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي، هو جاء
غير مسلم، وانصرف ولم يسلم، لكنه بدأ الإيمان يدب إلى قلبه؛ لأنه سمع كلام
مذهل، لا شك أن العربي الذي على سليقته لا يملك نفسه، إذا سمع مثل هذا
الكلام، بخلاف أحوال المسلمين الآن لا يتذوقون القرآن، ولا يستشعرون عظمة
القرآن، وكأن القرآن كغيره من الكلام، القرآن عظيم، وهو كلام الله، وثقيل
أيضاً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أنزل عليه في الليلة الشديدة
البرد يتصبب عرقاً من عظم ما يلقى إليه {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا
ثَقِيلًا} [(5) سورة المزمل] ثقيل، فمن يستشعر هذه العظمة، وهذا الثقل؟ من
منا من يلقي بالاً لقوله -جل وعلا-: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8)
سورة المدثر] في أحد يلقي لها بالاً؟ والله هذه عند كثير من المسلمين لا
تحرك شعرة، ولا يستشعر لها شيء، وزرارة بن أوفى في صلاة الصبح لما سمعها
مات، بدون مبالغة، ولا هو بتمثيل هذا، ولا يمكن إنكاره؛ لأن بعض الناس إذا
سمع مثل الكلام قال: ما هو بصحيح، هذا تمثيل، وسبقهم إلى ذلك ابن سيرين
-رحمه الله-، يقول: الذي يصعق ويغمى عليه ويغشى عند قراءة القرآن، اجعلوه
فوق جدار، واقرؤوا القرآن إن طاح إن سقط فهو صادق، لكن ما هو بصحيح هذا
الكلام، هذا ثابت مقطوع به، وكثُر في التابعين، وأقره أئمة الإسلام؛ لأن
الإنسان قد يغلب على أمره، لماذا؟ لا شك أن القرآن عظيم وثقيل، وأنزل على
قلب قوي، قلب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وسمعه الصحابة، وهم من أقوى
الناس قلوباً، وأمتنهم ديانة، فإذا نزل القوي على شيء قوي صار له أثره
العملي، وتحمله ذلك القلب القوي، لكن بعدهم تستشعر عظمة القرآن، وضعفت
القلوب التي تحتمل هذه العظمة وهذه القوة فحصل ما حصل، ثم بعد أن خلف خلوف
لا يستشعرون قوة ولا عظمة مع ضعف القلوب، قال: لماذا لا يتأثرون؟ ما
استشعروا
شيء، ما كأن شيء يقرأ عليهم، أبداً،
أحياناً تدهاك مصيبة ما تملك نفسك تبكي، بل أحياناً تتصرف تصرفات لا تدري
ما هي؟ لأن هذه المصيبة التي وقعت عليك أقوى من قلبك من مقاومة قلبك،
فغلبتك، القلوب ضعيفة بلا شك، بدليل لو أنه دهاها أي أمر من أمور الدنيا
طاشت وضاعت، لكن أمر الدين لا يهم كثير من الناس، ولذلك لا يؤثر فيهم.
هذا وهو في حال كفره تحمل هذا الخبر، فيجوز في حال التحمل أن لا تتوافر
الشروط، شروط قبول الرواية، في حال التحمل، فيتحمل الكافر، ويتحمل الطفل
الصبي الصغير، محمود لما عقل المجة، وهو ابن خمس سنين، رواها بعد ذلك فنقلت
عنه، جبير بن مطعم لما تحمل هذا الخبر، وهو كافر أداها سنة بعد إسلامه،
فقبلها الناس منه، وخرجت في الصحيحين، فالشروط إنما يطلب توافرها للأداء لا
للتحمل؛ لأنه إنما يحاسب عند قبول خبره، ومتى يقبل خبره؟ إذا أداها، يعني
لو قال لك ثقة من الناس كان فاسق ثم تاب ثم قال لك بعد توبته وبعد
استقامته، وبعد توافر الشروط: إنا كنا سمعنا من فلان قال كذا، تقول: لا أنت
سمعته لما كنت فاسق خبرك مردود؟ لا تحاسبه الآن؛ لأن المطلوب العدالة
والضبط من أجل أن لا يكذب ولا يخطئ، نعم في حال فسقه يحتمل يكذب، لكن بعد
توبته واستقامة أمره لا يتصور، وهذا بعد إسلامه لا يمكن أن يكذب، فالتحمل
بعد توافر الشروط.
"سمعت النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في
المغرب بالطور" والطور من طوال المفصل، لكن الخلاف بين أهل العلم فيما يقرأ
في الصلوات الخمس، وما يناسب كل صلاة مقصودهم الأمر الأغلبي، فتطال صلاة
العصر، تطال صلاة الفجر، تطال صلاة الصبح، يقرأ فيها بين الستين والمائة،
الظهر تطال أيضاً كما في الحديث السابق، والخلاف بينهم هل هي كالصبح أو مثل
الفروض الثلاثة؟ يقرأ فيها من أوساط المفصل معروف، لكن أكثر من وصف صلاة
النبي -عليه الصلاة والسلام- الظهر ذكر أنه يطليها، العصر والعشاء من أوساط
المفصل، المغرب من قصار المفصل، هذا أغلبي، وإلا فقد ثبت عن النبي -عليه
الصلاة والسلام- قرأ في المغرب بالطور، وثبت أنه قرأ الأعراف، وثبت أنه قرأ
الزلزلة في صلاة الصبح، المقصود أن مثل هذه الأمور على خلاف القاعدة، على
خلاف الأغلب، الأغلب أن تطال صلاة الصبح، لكن إن خففها لأمر لا بأس، يعني
لو كان الناس في العشر الأخيرة من رمضان تعبوا في صلاة التهجد، فلاحظهم
الإمام في صلاة الصبح، وخفف عليهم لا بأس، إذا كانوا في سفر وتعبوا من جراء
السفر خفف عليهم لا بأس، لكن الأصل أن صلاة الصبح مما يطال، وكذلك الظهر،
وصلاة المغرب جاء فيها سورة الطور، وجاء فيها سورة الأعراف، لكن هي من
الصلوات القصيرة التي ينبغي أن تقصر القراءة فيها، والسبب أن الناس بعد كد
النهار وكدحهم تنبغي مراعاتهم، ومعاذ لما صلى سيأتي حديثه -إن شاء الله
تعالى-، لما صلى في صلاة العشاء بسورة البقرة أنكر عليه النبي -عليه الصلاة
والسلام-، وشدد عليه، وسيأتي حديثه -إن شاء الله تعالى-، نعم.
عفا الله عنك.
وعن البراء بن عازب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سفر، فصلى العشاء
الآخرة، فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون، فما سمعت أحداً أحسن صوتاً
أو قراءة منه.
يقول في الحديث الرابع: "عن البراء بن عازب
-رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سفر، فصلى العشاء
الآخرة، فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون، فما سمعت أحداً أحسن صوتاً
أو قراءة منه -صلى الله عليه وسلم-" قرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون،
وهذه من القصار أو من الطوال؟ من القصار، وكان في سفر، والمسافر يلاحظ حاله
وحال من خلفه؛ لأن السفر مظنة المشقة والتعب، لكن النبي -عليه الصلاة
والسلام- كان حسن الصوت بالقرآن "فما سمعت أحداً أحسن صوتاً أو قراءة منه
-عليه الصلاة والسلام-" وجاء الأمر بتحسين الصوت ((وما أذن الله لعبد ما
أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن)) ((زينوا القرآن بأصواتكم)) فالمطلوب تحسين
الصوت بالقرآن، أن يحسن صوته بالقرآن، ويزين القرآن بصوته، ويذكر الناس
بالقرآن {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [(45) سورة ق] ولا شك أن هذا له أثر في
قلب السامع، فأنت تسمع الآية والسورة بصوت فلان فلا تتأثر، وتسمع نفس
السورة بصوت فلان فتتأثر، فهل التأثير للصوت أو للقرآن؟
الطالب:. . . . . . . . .
نعم للقرآن المؤدى بهذا الصوت، لو كان التأثير للصوت ما أجر عليه الإنسان،
ولا أجر من يتأثر، إنما التأثر بالقرآن المؤدى بهذا الصوت، بدليل أن هذا
الصوت الجميل لو قرئ فيه غير القرآن ما أثر؛ لأنه يستشكل، مأمور بالخشوع،
مأمور بالتدبر، مأمور بالتأثر بالقرآن، فإذا تأثرت بصوت فلان دون فلان ما
امتثلت الأمر، فلا بد أن يكون القرآن هو المؤثر، فقد يقول قائل: افترض أن
القرآن يؤثر بذاته، سواء كان بصوت جميل أو غير جميل، نقول: لو كان الأمر
كذلك لما أمرنا بتزيين الصوت بالقرآن، ولما أمرنا بتحسين القرآن، وتزيينه
بأصواتنا، ولا أمرنا بالتغني بالقرآن، فدل على أن الصوت له أثر، لكنه أثر
تابع لأثر القرآن، فلا يقول قائل: إن التأثير للصوت فقط، لا، التأثير
للقرآن المؤدى بهذا الصوت الحسن.
"فما سمعت أحداً أحسن صوتاً، أو قراءة منه
-عليه الصلاة والسلام-" كان يتأثر، وكان يؤثر في قراءته، وكثير من المسلمين
اليوم يدخل المسجد وقلبه خارج المسجد، يعني لو صلى ركعة واحدة أو عشر
ركعات، لو قرأ آية أو قرأ سورة، طول أو قصر ما في فرق، بل العكس بعض الناس
إذا طول الإمام صار في مجال؛ لأن يسرح ويتجول بذهنه في أماكن ومواقع
متعددة، الله المستعان، ولا واعظ مثل القرآن، وجاء الأمر بالتذكير بالقرآن
{فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] نعم.
عفا الله عنك.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلاً
على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد، فلما رجعوا
ذكروا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟
)) فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن -عز وجل-، فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أخبروه أن الله تعالى يحبه)).
في هذا الحديث: "عن عائشة -رضي الله عنها-
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلاً على سرية" يعني أمره عليهم
"فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد" إذا قرأ الفاتحة وقرأ
السورة قرأ قل هو الله أحد، اجتهاداً منه، وحباً لهذه السورة التي تشتمل
على صفة الرحمن، اجتهاداً منه من غير نص، وهذا سائغ في وقت التنزيل
والتشريع، واكتسب الشرعية من إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم-، قد يقول
قائل: أنا أريد أن اجتهد مثل ما اجتهد هذا، نقول: لا، هذا إنما اكتسب
الشرعية؛ لأنه في وقت التنزيل، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، أبو
سعيد اجتهد في رقية اللديغ بالفاتحة، وما أدراك أنها رقية، ما سمع شيء من
النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولكنه اجتهد فأقره النبي -عليه الصلاة
والسلام- على ذلك، فالاجتهاد في عهد التشريع سائغ، وكانوا يفعلون، وكانوا
يتركون، والقرآن ينزل، ويستدلون بهذا: "كنا نعزل والقرآن ينزل" ولو كان
شيئاً لنهى عنه القرآن، على كل حال الاجتهاد مثل هذا إنما يكتسب الشرعية من
الإقرار، قد يقول قائل: كيف يقدم صحابي على أن يفعل شيء لم يسبق له شرعية؟
ما سمع النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ وفعل الشيء الذي لم يسبق له شرعية في
الكتاب ولا في السنة مما يتعبد به داخل في حيز البدع؟ نقول: هؤلاء خيار
الناس إنما فعلوا هذا رجاء أن ينزل ما يؤيد أو يخالف؟ ولم ينكر عليهم النبي
-عليه الصلاة والسلام-، لكن لو فعلت فعلاً تعتقده صالحاً، تتعبد به وتعتقده
صالحاً من ينبهك على الصواب بعد أن انقطع الوحي؟ تستمر تتعبد بهذا وأنت على
غير هدى، المقصود أن عمل هذا الصحابي اكتسب الشرعية من إقرار النبي -عليه
الصلاة والسلام-.
"فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو
الله أحد، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:
((سلوه)) " وش السبب؟ " ((لأي شيء يصنع ذلك؟ )) فقال: لأنها صفة الرحمن -عز
وجل-، فأنا أحب أن أقرأها" يعني هل مجرد محبة الشخص يبرر له أن يفعل شيئاً
لم يسبق له شرعية؟ لا، ما يكفي، أولئك في عصر التنزيل، ولو كان فعلهم غير
لائق شرعاً، أو مما ينهى عنه لنهوا عنه، ولكنه يكتسب الشرعية من الإقرار "
((لأي شيء يصنع ذلك؟ )) فقال: لأنها صفة الرحمن -عز وجل-" صفة الرحمن
المذكور في سورة الإخلاص، قل هو الله أحد هل هي أسماء أو صفات؟ نعم أسماء
وصفات {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [(1 - 2) سورة
الإخلاص] هذه إيش أسماء؟ أسماء.
الطالب:. . . . . . . . .
نعم صفات منفية، أي غير مثبتة.
الطالب:. . . . . . . . .
قد يقول قائل: ما في صفات؟ قال: صفة الرحمن، كل اسم متضمن لصفة، فالأسماء
يشتق منها الصفات، ولا عكس، الأسماء يشتق منها الصفات، لكن لا عكس، الصفات
لا يشتق منها الأسماء، فدائرة الأسماء أضيق من دائرة الصفات، ودائرة الصفات
أضيق من دائرة الإخبار، ولذا يختلفون في مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-:
((إن الله طيب)) ((إن الله وتر)) هل هي صفات أو أسماء؟ صفات، هل تقول: عبد
الطيب أو عبد الوتر؟ ما تقول؛ لأنها ليست أسماء، وإن قال بعضهم: إنه يمكن
أن يؤخذ من هذين الحديثين أسماء لله -جل وعلا-، ولو استطردنا في إثبات
الأسماء بمثل هذه النصوص للزم عليه أن نقول بما قال أهل الظاهر: إن الدهر
من أسماء الله -جل وعلا-، مثل هذا مجرد إخبار.
"لأنها صفة الرحمن -عز وجل-، لذا أنا أحب أن أقرأها" وفي هذا حث على تعلم
وقراءة وفهم ما جاء في الأسماء والصفات، نعم هذا في غاية الأهمية.
((إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً، مائة
إلا واحده، من أحصاها دخل الجنة)) فلا بد من تعلمها {وَلِلّهِ الأَسْمَاء
الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [(180) سورة الأعراف] والإفادة من معانيها،
ودعاؤه بها، وكذلك الصفات، والذين ينكرون هذه الأسماء أو هذه الصفات على
خطر عظيم؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح: ((أن الله -جل وعلا- يأتي على هيئة
يوم القيامة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: لا، لست بربنا، ثم يأتيهم على
الصفة التي يعرفونها)) يعني مما جاء في الكتاب والسنة، فيقرون ويذعنون أنه
هو الرب -جل وعلا-، فماذا عن الذي ينفي الصفات وينكر الصفات؟ إيش موقفه من
هذا الحديث؟ كيف يعرف الله -جل وعلا- بصفاته التي جاءت في نصوص الكتاب
والسنة وهو ينكر الأسماء والصفات أو الصفات فقط؟ هذا خطر عظيم، فحب الصفة
يجعل الإنسان يبحث عن هذه الصفات، ويعرف معاني هذه الصفات، وما يليق بالله
-جل وعلا-، وما يجب له، وما يستحيل في حقه، وهذا هو الفقه الحقيقي، يعني ما
هو بعبث أن تقول: إن لله -جل وعلا- تسعة وتسعين اسماً من أحصاها، إيش معنى
الإحصاء؟ هو مجرد أن تحفظها في قصيدة وترددها؟ لا تعرف معانيها، ولا تدعو
الله بها، ولا تستحضر عظمة الله -جل وعلا- من خلالها، ما تستفيد؛ لأن
الإحصاء له معنى غير العدد، من طاف أسبوعاً يحصيه، هل معناه أنه يعده سبعة
أشواط؟ لا، يحصيه يحضر قلبه فيه، هذا معنى الإحصاء، بعضهم يقول: الأسماء
الحسنى مائة، والحديث: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، من
أحصاها دخل الجنة)) كلامه صحيح وإلا ما هو صحيح؟ الذي يقول: مائة كاملة،
كلامه صحيح وإلا هي تسعة وتسعين؟ الأسماء الحسنى تسعة وتسعين وإلا مائة؟
الطالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .
في هذا الحديث، أنا أقصد من خلال هذا الحديث.
وإلا مائة؟
الطالب:. . . . . . . . .
بعض العلماء أخذ من هذا الحديث أنها مائة،
ولفظ الجلالة تمام المائة، تسعة وتسعين للمسمى بهذا الاسم الذي هو الله،
فإذا أضفنا لفظ الجلالة إلى التسعة والتسعين صارت مائة، هذا قول لبعض أهل
العلم، لكن الحديث يدل على أن له تسعة وتسعين اسماً هي الموصوفة بهذا الوصف
والموعود محصيها بهذا الوعد، وأما أسماء الله -جل وعلا- لا يمكن إحصاؤها،
ولا يمكن الإحاطة بها؛ لأن في الحديث الصحيح: ((أو استأثرت به في علم الغيب
عندك)) يعني في من الأسماء ما لا يعرفه أحد.
"فأنا أحب أن أقرأها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أخبروه أن
الله تعالى يحبه)) " وفي لفظ: ((حبك إياها أدخلك الجنة)) وفي الحديث إثبات
المحبة لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وفيه أيضاً مشروعية الجمع
بين السور بدليل الإقرار، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما جمع، وهذا
الصحابي جمع، فهل نقول: إن مثل هذا الصحابي اكتسب المشروعية من الإقرار،
وكونه يحب أيضاً قدر زائد على مجرد القراءة، وأدخله حبه إياها الجنة أن
نفعل هذا أو لا نفعل؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يفعل؟ ولم يكن
الله ليختار لنبيه إلا الأكمل، نقول: نعم فعله أكمل -عليه الصلاة والسلام-،
وهذا يدل على الجواز، فمن فعل فلا إشكال، ومن ترك اقتداء به -عليه الصلاة
والسلام- أيضاً فهو الأصل، نعم.
عفا الله عنك.
وعن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ: ((فلولا صليت بسبح اسم
ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير
والضعيف وذو الحاجة)).
نعم هذا حديث جابر -رضي الله عنه- في قصة معاذ، كان معاذ بن جبل الصحابي
الجليل يصلي مع النبي -عليه الصلاة والسلام- العشاء، ثم يرجع إلى قومه
فيصلي بهم العشاء، وهذا الحديث عمدة من يقول بصحة صلاة المفترض خلف
المتنفل، والمذهب عند الحنابلة كما تعرفون لا تصح صلاة المفترض خلف
المتنفل، لكن هذا الحديث عمدتهم.
وعند أبي العباس ذلك جائز ... لفعل معاذ مع صحابة أحمدِ
يصلي بهم نفلاً وهم ذوو فريضة ... وقد كان صلى الفرض خلف محمدِ
صلى معاذ بقومه ليلة فافتتح البقرة، صلى
معه شخص معه نواضحه، فلما افتتح البقرة نوى الانفراد وانصرف، صلى وانصرف،
فتناوله معاذ، ووصف هذا الرجل بالنفاق، فشكاه إلى النبي -عليه الصلاة
والسلام-، شكا معاذاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال النبي -عليه
الصلاة والسلام-: ((أفتان أنت يا معاذ؟ )) والفتان الذي يصرف الناس عن
دينهم أو عن عبادتهم، الذي يفتن الناس أو يصرفهم عن دينهم، هذه هي الفتنة،
والفتنة أشد من القتل؛ لأنه بالقتل يخسر الدنيا، وبالفتنة يخسر الدين.
وكل كسر فإن الدين جابره ... وليس لكسر قناة الدين جبرانُ
فعلى الإنسان أن يعنى بدينه، وأن يهتم بدينه، وأما دنياه ما يأتي تبعاً
لذلك فمطلوب منه أن لا ينسى نصيبه من الدنيا، لكنه خلق للعبودية.
((أفتان أنت يا معاذ؟ )) والفتنة تطق على الشيء الكبير والصغير ((كادت أن
تفتنني)) الخميصة التي أهداها أبو جهيم له ((كادت أن تفتنني)) {إِنَّمَا
أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [(15) سورة التغابن] فكل ما يشغل
فتنة، لكن هناك فتن دون فتن، وفتنة معاذ أراد أن يصرف هذا الرجل المسلم
التعبان من جراء العمل، كاد أن يفتنه ويصرفه عن صلاته، ثم وجهه -عليه
الصلاة والسلام-: ((فلولا)) هلاّ عرض ((صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس
وضحاها والليل إذا يغشى)) لماذا؟ لأنه ((يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو
الحاجة)) وهؤلاء بحاجة إلى مراعاة ((أيكم أم الناس فليخفف)) ((فإذا صلى
أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)) فيصلي الكبير والضعيف وذو الحاجة، وهم بحاجة
إلى مراعاة، والكبير والضعيف أيضاً بحاجة إلى مراعاة من جهة أخرى، قد تكون
مراعاة الضعيف والكبير بعدم العجلة في الصلاة، في التأني في الركوع
والسجود؛ لأنه لا يتمكن من أن يسجد بسرعة، أو أن يقوم بسرعة، فالمحافظة على
مثل هذا مطلوب من الأئمة، أن لا يضجروا المصلين، ويمللوهم، ويكرهوهم في
الصلاة، ويصرفونهم عنها، ويفتنونهم، وأن لا يسرعوا سرعة تخل بالمأمومين،
فالضعيف والكبير بحاجة إلى مراعاة، وذو الحاجة أيضاً يجب أن يراعى، نعم.
عفا الله عنك.
باب: ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي
-صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- كانوا يفتتحون الصلاة
بالحمد لله رب العالمين، وفي رواية: صليت مع أبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع
أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ولمسلم: صليت خلف النبي -صلى الله
عليه وسلم- وأبي بكر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا
يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا آخرها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
باب ترك الجهر، في النهاية في آخر الحديث
يقول: لا يذكرون، ما قال: باب ترك الذكر ببسم الله الرحمن الرحيم، قال: باب
ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم أورد حديث أنس بألفاظه، عن أنس بن
مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر -رضي
الله عنهما- كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، الصلاة إنما
تفتتح بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وهذا تقدم، تفتتح الصلاة
بتكبيرة الإحرام، وهي مفتاح الصلاة، ثم بعد ذلك بعد التكبير، وقبل القراءة
في سكوت كما في حديث أبي هريرة، أرأيت سكوتك قبل التكبير والقراءة ما تقول؟
قال أقول: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) إلى أخر دعاء الاستفتاح، ثم بعد
ذلك القراءة، وهذه القراءة تفتتح بالحمد لله رب العالمين، تفتتح بهذه
السورة، وفي رواية: صليت مع أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ
ببسم الله الرحمن الرحيم، وصلاته خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- لمدة عشر
سنوات، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان خمس وعشرين سنة، يصلي وراءهم، ما سمع منهم
أحداً يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، خلال خمسة وثلاثون سنة، صليت مع أبي
بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، وعلى
هذا يترجح القول بعدم القول ببسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن هذا الصحابي
الملازم الخادم للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ما سمعه يقرأ بسم الله الرحمن
الرحيم، ولا يمنع من عدم سماعه عدم ذكرها سراً، لا يلزم، اللهم إلا الرواية
التي فيها: وكانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم
الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها، وهذه الرواية التي تنفي ذكر
البسملة هي مبنية على فهم الراوي للروايات السابقة، لما قال أنس: يفتتحون
الصلاة بالحمد لله رب العالمين، فهم الراوي أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن
الرحيم، يعني لا جهراً ولا سراً، فروى الحديث على حسب فهمه، وأعل الحديث
بذلك، ومثل به لعلة المتن، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وعلة المتن كنفي البسمله ... إذ ظن راوٍ نفيها فنقله
ظن الراوي أنها لا تذكر، يفتتحون القراءة
بالحمد لله رب العالمين، إذاً لا تذكر بسم الله الرحمن الرحيم، وفي هذا حجة
لمن يقول، الرواية الأخيرة حجة للمالكية الذين لا يرون ذكر البسملة، إنما
يقول: الله أكبر الحمد لله رب العالمين، والحنفية والحنابلة يقولون: عدم
الذكر -لتتحد الروايات- عدم الذكر في الرواية الأخيرة، يعني لا يذكرون بسم
الله الرحمن الرحيم جهراً، لكي تتحد الروايات.
والخلاف في البسملة، وهل هي آية من الفاتحة أو ليست بآية؟ تقدم ذكره، وعلى
كل حال مذهب الشافعية أنها آية من الفاتحة، ولذا يجهرون بها، وأكثر
الروايات على عدم الجهر، وعدم الذكر يحمل على عدم الجهر، وجاء ما يدل على
عدم الجهر بها، لكن من أصرح الأدلة التي يستدل بها على عدم الجهر مثل هذا
الحديث، وحديث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: العبد الحمد
لله رب العالمين)) ما قال: إذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم ((حمدني عبدي،
وإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين
قال: مجدني عبدي)) والخلاف في المسألة في الذكر وعدمه، في الجهر والإسرار
تقدم بسطه قبل هذا الموضع، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ذكرت أن لبس النعل في الصلاة مرة تحقق السنة، ومخالفة لليهود،
فهل صيام اليوم التاسع من محرم مرة واحدة في العمر يحقق المخالفة؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- داوم على صيام عاشوراء، ولم يثبت عنه أنه داوم
على الصلاة بالنعل، بل صلى حافياً ومنتعلاً.
يقول: ما صفة وضع اليدين على الصدر في الصلاة؟
يقبض يده اليسرى باليمنى، ويضعهما على صدره.
يقول: هل القيام للجنازة واجب أم على الاستحباب؟
جاء الأمر به، وجاء تركه، فمن أهل العلم من يرى أن الترك نسخ، ومنهم من
يقول: إنه صرف للنهي، أو للأمر من الوجوب إلى الاستحباب.
يقول: أفضل طبعة لصحيح البخاري يركز عليها غير الطبعة ذات الحجم الكبير؟
ما أدري إذا كان القصد السبب الحجم هذه مشكلة؛ لأن مسألة الحجم سهل بالنسبة
للفائدة العظمى المرجوة من هذه الطبعة التي هي أفضل الطبعات.
يقول: هل يلزم طالب العلم أن يتتبع الحديث
في جميع مصادره، وكل كتاب خرجه، وكل من رواه في مسنده وسننه، أم ماذا؟
إذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما أو جمع من طرقه ما يصحح به،
فالقدر الزائد زيادة خير -إن شاء الله-، لكن ليس بلازم، يجمع من طرقه ما
يصح بها، فإذا وصل إلى درجة الصحة فإن عورض يجمع من الطرق ما يرجح به على
معارضه، وإلا فلا يلزم أن يُخرج الحديث من عشرة مصادر، عشرين مصدر، عشرين
طريق، ما يلزم، إذا صح انتهى الإشكال.
يقول: المستدرك للحاكم -رحمه الله- أي طبعة من طبعاته الأسلم؟
لا يوجد طبعة سليمة، لكن كل هذه الطبعات مفرعة عن الطبعة الهندية، في أربعة
مجلدات كبار، هي الأصل لكل هذه الطبعات.
يقول: لماذا يدلس بعض الأئمة وهو معروف بإمامته؟
التدليس له أغراض، فالأغراض الحاملة عليه مختلفة من شخص إلى شخص، منهم من
يدلس للتفنن، ومنهم من يدلس للاختبار والامتحان، ومنهم يدلس لتغطية أمر
الراوي، إلى غير ذلك.
هل يعتبر التدليس من التورية؟
لا التدليس في الأصل غش.
متى يوقع الإمام التكبير عند جلسة الاستراحة؟
إذا قام من الجلسة إلى القيام.
إذا كبرت في سنة راتبة بعد الصلاة، ثم كبر الإمام لصلاة الجنازة هل تكمل
السنة أم تقطعها للصلاة على الجنازة؟ ثم تأتي بالسنة الراتبة بعد ذلك؟
على كل حال هذه مفاضلة بين سنن، فإذا خشي أن تفوت الصلاة على الجنازة،
فالأمر الذي يفوت عند أهل العلم مقدم على ما في وقته سعة، فإن أتمها خفيفة،
وأدرك صلاة الجنازة فهو أفضل، وإن لم يستطع ذلك قطعها ثم كبر، صلى على
الجنازة، ثم أتى بالراتبة صنع خيراً -إن شاء الله-.
يقول: بعض المصطلحات مثل: "حسن لغيره" "حسن بشواهده" ظهرت بعد عهد
المتقدمين من السلف فكيف نطبقها على كلامهم وروايتهم؟
لا شك أنه تقويه بكثرة الطرق معروف،
التقوية بكثرة الطرق معروفة، ولذا يحكم الترمذي على حديث بأنه حسن صحيح، لو
نظرت إلى سنده وجدت فيه ضعف، لكن إنما صححه لما يشهد له في الباب، يقول:
وفي الباب عن فلان وفلان وفلان، فهو يقوي حديث الباب بهذه الشواهد، فالعمل
معروف عندهم، التقوية بالطرق، لكن التسمية ما يلزم، المصطلحات منها ما هو
موجود، ومنها ما هو حادث، والاصطلاح إذا لم يخالف أمراً متقرراً في علم من
العلوم مقرر عند أهله، إذا لم يخالف ما عليه الناس فلا مشاحة في الاصطلاح،
وهذه يطلقها أهل العلم، وهي مقبولة إلى حد ما إذا لم تتضمن مخالفة لما عليه
الناس، فلو قال شخص لنفسه: أنا أصطلح لنفسي "السماء تحت، والأرض فوق" نقول:
لا يا أخي، هذا يخالف ما عليه الناس، ويخالف ما عليه سائر العقلاء، لكن لو
قال: أنا في الخارطة، في الخريطة يعني في الرسم، الناس يجعلون الشمال فوق،
أنا بحط الجنوب فوق، يقلب الخريطة، هذا ما فيه شيء، هذا لا يتضمن مخالفة،
ولا يترتب عليه مخالفة لما عليه الناس، ابن حوقل في صورة الأرض جعل الجنوب
فوق، ما يضر هذا، لو قال: أنا أؤلف في الفرائض وأسمي أخ الأب خالاً، وأخ
الأم عماً، قلنا: لا يا أخي أنت تخالف، وهذا يترتب عليه حكم شرعي، هذا فيه
مخالفة، تشاحح في اصطلاحك، لكن لو قال: أسمي والد الزوجة الذي يسمونه الناس
خالاً أنا اسميه عم، قلنا: لا مشاحة في الاصطلاح، ما يخالف؛ لأنه ما يترتب
عليه حكم شرعي، كونه عم أو خال أمره سهل، فهذه ينبغي أن يتنبه لها،
فالاصطلاحات التي لا تتضمن مخالفة مقبولة عند أهل العلم، ولا مشاحة فيها.
يقول: من فاتته ركعة واحدة متى يتورك في الصلاة الرباعية؟
يتورك بعد الثانية له التي هي الثالثة بالنسبة للإمام.
هذا يشكو من بعض ما يرد في الصحف اليومية من مخالفات ومن ...
لكن إلى الله المشتكى، والمشايخ جزاهم الله خير أدوا بعض الواجب، هناك
مكاتبات وهناك مناصحات، نسأل الله -جل وعلا- أن تجد آذاناً صاغية من
المسئولين؛ لتكف هؤلاء السفهاء.
يقول: ما كيفية الجلسة التي تسمى جلسة الاستراحة؟ هل هي مثل جلسة التشهد؟
نعم افتراش.
يقول: قلتم: إن الشرح هو كتاب جوامع
الأخبار، فما هو الاسم الكتاب كاملاً؟
جوامع الأخبار هذا هو للشيخ ابن سعدي، يشتمل على تسعة وتسعين حديثاً من
الأحاديث الجامعة، وشرحه الشيخ نفسه في كتاب مشهور أسماه (بهجة قلوب
الأبرار).
يقول: ماذا على طالب العلم الذي يبحث عن مسألة هل يبحث في كتب الحديث
والفقه وشروحهما، أو يكتفي بفن واحد؟
لا كلما أكثر البحث كلما بانت له أطراف المسألة وخفاياها، فعليه أن يستقرئ
الكتب سواء كانت من كتب الفقه، أو شروح الأحاديث، أو التفاسير التي تعنى
بالأحكام.
يقول: يلاحظ على كثير ممن يحضرون مجالس أهل العلم عدم التطبيق للعلم الذي
يدرسونه، فمنهم من يغش، ومنهم من يكذب، ومنهم من يتكلم في العلماء، ومنهم
من يتأخر عن الصلوات ...
الخلل موجود، والتقصير حاصل، وعلى كافة المستويات، لكن نسأل الله -جل وعلا-
أن يلطف بنا، وكل شخص مسئول عن نفسه، وإذا كانت الرجعة إلى الله -جل وعلا-
مطلوبة، والتوبة واجبة في كل زمان ومكان فلئن تكون في هذا الوقت الذي كشرت
فيه الفتن عن أنيابها أوجب وآكد، فلا بد من الرجوع إلى الله -سبحانه
وتعالى-، والرجوع يبدأ من الأفراد، إذا أصلح كل إنسان نفسه ومن تحت يده
صلحت الأمة -إن شاء الله تعالى-.
يقول: هناك ملصقات توزع وتلصق في أبواب المساجد مكتوب فيها عبارة: "ارجع
فصل فإنك لم تصل" ما رأيكم في هذا؟ وتوزيعها ونشرها؟
من يقصد بهذا؟ يقصد بها جميع من جاء إلى المسجد، أو يقصد من أخل بصلاته؟ هو
بعد ما صلى، ما بعد دخل المسجد، لا هذا لا يصلح توزيعه، هناك من الأحاديث
والعبارات ما هو أنفع من هذا، إنما هذا خطاب يتجه لمن أخل بصلاته.
أيهما مقدم يمين الصف أم القرب من الإمام؟
اليمين هو الأفضل، فإذا ظهرت الزيادة في يمين الصف ترجح القرب منه، من
الإمام، لا سيما في صلاة الصبح، لكي يستمع لقراءة الإمام، ويتدبر ما يقوله
الإمام؛ لأن هذه الصلاة مشهودة، ابن القيم -رحمه الله تعالى- أطال في تقرير
هذا في شرح حال المقربين، من طريق الهجرتين، فليرجع إليه، كلام في غاية
النفاسة، وجاء في الخبر عند ابن ماجه لكنه ضعيف ((من عمر شمال الصف كان له
كفلان من الأجر)).
الحديث الضعيف غير شديد الضعف هل يرتقي إلى
الحسن لغيره إذا أتى من حديث آخر مثله، وإن لم يوافقه الثقات؟ يقول: لأني
قرأت بعض المؤلفات وهم لا يحسنون الحديث الضعيف بمثله إلا إذا وافق الثقات.
إيش معنى الموافقة؟ وإيش معنى المخالفة؟ إذا تضمن مخالفة لا يحتج به.
الطالب:. . . . . . . . .
يعني حديث تفرد به، وهو لا يحتمل تفرده، ووجد ما يشهد له، هو ما تفرد،
الصدوق الآن يحسنون حديثه، يكون حسن لذاته، لكن يبقى أن الحديث إذا تفرد به
من لا يحتمل تفرده يحكم عليه أهل العلم بالنكارة، لكن إن وافقه مثله عرف أن
له أصل، لو جاءت كلها غير شديدة الضعف تدل على أن له أصلاً -إن شاء الله-.
الأسئلة كثيرة جداً، وتحتاج إلى وقت طويل، فنكتفي بهذا.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: سجود السهو
عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي، قال ابن سيرين: وسماها أبو هريرة، ولكن
نسيت أنا، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد
فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه،
وخرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر
وعمر، فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجل في يديه طول، يقال له: ذو اليدين،
فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: ((لم أنسَ ولم تقصر)) فقال:
((أكما يقول ذو اليدين؟ )) فقالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك، ثم سلم، ثم
كبر، وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو
أطول، ثم رفع رأسه وكبر، فربما سألوه ثم سلم، فنبئت أن عمران بن حصين قال:
ثم سلم.
هذا يسأل عن كلام ابن القيم الذي أشرنا إليه قريباً في شرح حال المقربين.
هذا في طريق الهجرتين، رسم منهج وخطة يسير
عليها المقربون من أول اليوم إلى آخره، وبعد أن رسمها بدقة أقسم أنه ما شم
لهم رائحة، لكن عل الله -جل وعلا- أن يفيد منها بعض المسلمين، فيكتب له مثل
أجره، وهي خطة مرسومة بدقة، تنبئ عن حال من يقوم بها، ويطبقها، والله
المستعان.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: سجود السهو
الباب مر بنا مراراً، والسجود معروف، الهيئة المعروفة المعهود في الصلاة،
وإضافة السجود إلى السهو من إضافة المسبب إلى سببه، فالمسبب هو السجود،
وسببه السهو في الصلاة، والسهو والغفلة والنسيان أمور متقاربة جداً، السهو
والغفلة والنسيان كلها عزوب ذكر الشيء عن القلب.
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن محمد
بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي" إما الظهر أو العصر، هاتان هما صلاتا العشي،
وجاء في رواية عند مسلم الجزم بأنها العصر، يقول: وسماها "قال ابن سيرين:
وسماها أبو هريرة، و ... نسيت أنا، قال: فصلى بنا" هذا هو السبب في ذكره في
السند وإلا فالأصل الاقتصار على الصحابي، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم؛
لأنه لو قال: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي، ولم يذكر تعيينها أو الشك فيها نسب
الإبهام إلى أبي هريرة، لكن أبا هريرة سمى الصلاة، لكن الذي نسيها ابن
سيرين، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم، صلاة الظهر أو العصر، قد يقول قائل:
هذا النبي -عليه الصلاة والسلام-، فعلى أسلوب العامة: "إحنا ما علينا شرهة"
لو نسلم من ركعة، إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- سلم من نصف الصلاة،
والنبي -عليه الصلاة والسلام- بشر ينسى كما تنسون، لكن إنما ينسى ليسن،
يعني لو لم يقع مثل هذا متى يتبين الحكم، من نعم الله -جل وعلا-، وفي هذا
سلوة للمسلمين أن نسي النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته، والمسلمون
ينسون كغيرهم، وجاء الحث على أن يعقل المسلم صلاته، ويحرص على ذلك، لكن لا
يمنع من وقوع السهو في الصلاة، والإشكال في السهو عن الصلاة، أما السهو في
الصلاة، فهو حاصل من النبي -عليه الصلاة والسلام-، حتى ذكر بعض أهل العلم
الخلاف في الشخص الذي يحصل منه ويقع منه السهو في صلاته، والذي لا يقع منه
السهو ألبتة، أيهما أفضل؟ وإذا لحظنا أن بعض الناس إذا كان منفرد أو مأموم
كثر السهو عنده والغفلة، وإذا صار إمام تمر السنين ما سها ولا غفل، هذا
يوضح لنا مأخذ الخلاف، لماذا لا يسهو إذا كان إمام، وإذا كان مأموم أو
منفرد لا يحضره قلبه؟
نعم مراعاة المأمومين، فيخشى من مرآتهم،
أما مراعاتهم وتصحيح صلاتهم؛ لأنه ضامن من أجل أن تصح صلاة من خلفه، هذا
مطلوب، لكن الإشكال في المرآة، بعضهم يقول: الذي يسهو في صلاته أفضل من
الذي لا يسهو، لماذا؟ لأنه يقول: إنه منتبه إلى حقيقتها ولبها، غافلاً عن
صورتها، والذي لا يسهو مهتم بالصورة غافل عن اللب؛ لأن العقل عند بعضهم لا
يحتمل الالتفات إلى كل شيء، لكن ما يمنع، الناس يتفاوتون في هذا، بعض الناس
يدرك كل ما يدور حوله، وبعض الناس يدرك خلقة ثلاثة أرباع ما يدور حوله،
وبعض الناس ما يدرك الشيء الذي أمامه، الله -جل وعلا- وزع هذه المواهب، لكن
يبقى أن على المسلم أن يهتم لصلاته، للبها الذي هو الخشوع، وأن يخرج منها
بأكبر قدر ممكن من أجرها، قد يقول قائل: إنه لا يتصور إنسان لا يغفل ألبتة،
لكن لا يكون مثل الذي خرج بعشرها بربعها، يحرص على أن يخرج بأكبر قدر ممكن،
وبعض الناس لا يدري هل هو في المسجد أو لا؟ من الغفلة، وعدم حضور القلب،
والمشاريع إنما تزاول في الصلوات، ويمهد لأمور الدنيا، ويخطط لبقية يومه
إذا صف يصلي، برنامجه اليومي يرتبه إذا صف، هذا خذلان، هذه خسارة، فعلى
الإنسان أن يهتم لهذا.
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم
ركعتين، ثم سلم "فقام إلى خشبة معروضة في المسجد" هو عنده إحساس بشيء، لكن
لا يكاد يجزم به "فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها، كأنه
غضبان" يعني وضعه وضع الغضبان، لكن هل يغضب النبي -عليه الصلاة والسلام-
إلا إذا انتهكت محارم الله -جل وعلا-، لا، لكن الصحابة توقعوا للأمر الذي
أهمه شيء يجول في نفسه، كأنه غضبان، يتوقون هذا "ووضع يده اليمنى على
اليسرى، وشبك بين أصابعه" كيف وضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه؟
هذا وضع اليد اليمنى على اليسرى، معروف، لكن شبك بين أصابعه، يعني ما هو في
آن واحد، أول الأمر وضع اليمنى على اليسرى، ثم شبك بين أصابعه، وشبك بين
أصابعه، التشبيك بين الأصابع مكروه في الصلاة، وقبل الصلاة لقاصد الصلاة؛
لأنه في صلاة ما انتظر الصلاة، لكن بعد الانتهاء من الصلاة لا بأس، فعله
النبي -عليه الصلاة والسلام-، شبك بين أصابعه؛ لأنه انتهى من الصلاة، أما
داخل الصلاة، وقبل الصلاة حال انتظار الصلاة فلا، مكروه، طيب شخص انتهى من
صلاته، وأراد أن ينتظر الصلاة التي تليها، انتهى من صلاة المغرب، ويبي يجلس
إلى صلاة العشاء، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- لما فرغ من الصلاة شبك
بين أصابعه، فهل نقول: أنت فرغت من الصلاة شبك، أو نقول: ما دمت تنتظر
الصلاة فأنت في صلاة فلا تشبك؟ وهل في حكم التشبيك المكروهات الأخرى في
الصلاة، الفرقعة بين الأصابع، وبعض الحركات المكروهة في الصلاة، يعني سلم
وبدأ يطقطق أصابعه، نقول: ما دام شبك، وهذا مكروه، وفرغنا من الصلاة
انتهينا، هل الحكم واحد؟ أما من ينتظر الصلاة فهو منهي عن التشبيك.
الطالب:. . . . . . . . .
نعم مكروه أن يشبك بين أصابعه، لا في
الصلاة ولا في انتظار الصلاة، وأما ما بعد ذلك فالأمر فيه سعة، إلا لمن
ينتظر الصلاة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما قام إلى الخشبة المعروضة،
وشبك بين أصابعه، وخرجت السرعان، العطف بالواو لا يقتضي الترتيب، فقد يكون
خروجهم قبل قيامه، كما يلاحظ على بعض الناس، كأنه طير في قفص، مجرد ما يسمع
الإمام يقول: السلام عليكم ورحمة الله يقوم، ولا يدرى ما الذي أعجله؟ هل
هناك حاجة لهذا القيام؟ لا بأس، لكن في الغالب أنه لا حاجة، وقل مثل هذا في
الذين يمشون يجوبون الشوارع في سياراتهم بسرعة متناهية، طيب وواحد من
الفضوليين يقول: "ودي بس أشوف ها اللي طاير شو بيزيين لو وصل بيته؟ " ما
هذا الأمر الذي يفوت؟ وقل مثل هذا فيمن إذا سلم الإمام قام، هذا يوحي بعدم
الرغبة في الخير، الملائكة تصلي على المصلي ما دام في مصلاه، هل أنت غني عن
هذا الدعاء، اللهم اغفر له، اللهم أرحمه، أنت بأمس الحاجة لمثل هذا الدعاء،
فما الذي يعجلك؟
"خرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة" قَصُرت وضبطت، بـ
(قُصِرت) إضافة القصر إلى الصلاة نفسها، قصرت الصلاة، وإضافة القصر إلى
المجهول، إسناد القصر إلى المجهول، والذي قصرها هو النبي -عليه الصلاة
والسلام-، فلما حذف قصرت الصلاة، على الرواية الثانية، يعني قصر النبي -صلى
الله عليه وسلم- الصلاة، بل نزل أمر أو خبر جديد بمشروعية قصر الصلاة في
الحضر، هذا التردد الذي حصل سببه ما حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- من
صلاة رباعية ركعتين، هذه صفة الصلاة المقصورة.
"قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه" النبي -عليه الصلاة
والسلام- له هيبة عظيمة، مع أنه من أحسن الناس وأطيبهم خلقاً، والهيبة ليس
مردها إلى الخوف، بل مردها التعظيم، والتعظيم لا يلزم أن يقترن بقوة، كما
يقول الشاعر:
أهابكِ إجلالاً وما بكِ قدرة ... عليّ ولكن ملء عين حبيبها
فالهيبة سببها التعظيم، وتجد من أضعف الناس
بنية وخلقة، بل قد تجد شخص معوق مشلول تهابه، تعلوك الرحضاء، ويتصبب العرق
من رؤيته وهو لا يحرك أطرافه، تأتي وهو من أهل العلم لتسأله، عندك عشر
مسائل ما تسأل إلا واحدة، وتنسى الباقي، هذا تعظيم، وهذا الهيبة بقدر الإرث
من النبي -عليه الصلاة والسلام- في العلم والعمل، والنبي عليه الصلاة نصر
بالرعب مسيرة شهر، وفي رواية: مسيرة شهرين، وبعض الناس يتطاول عليه
السفهاء، وإن كان عنده شيء من العلم، لماذا؟ لأن الله -جل وعلا- نزع الهيبة
في قلوب العباد له؛ لأن ما عنده من علم، وإن أدعاه علماً وهو في الحقيقة
ليس بعلم؛ لأن العلم إنما هو ما نفع، فهذه الهيبة ليس مردها إلى القوة ولا
إلى البطش، ولا إلى الخوف، لا، مردها إلى التعظيم، يعظمون النبي -عليه
الصلاة والسلام-.
"فهابا أن يكلماه" طيب عطاء بن أبي رباح من يعرف أوصافه؟ تهابه الملوك، وهو
رجل مصاب بعاهات كثيرة، الهيبة هذه مردها إيش؟ مردها الإرث من هذه الهيبة
النبوية، وكل بحسبه.
"وفي القوم رجل في يديه طول، يقال له: ذو
اليدين" واسمه الخرباق "يقال له: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله" أين
الهيبة يا ذا اليدين؟ لا بد أن يوجد في الأمة مثل ذي اليدين، لو هاب الناس
كلهم، ما بان كثير من الأحكام، وهناك مسائل وقضايا يجب أن يكون هناك تبادل،
تقدير واحترام وتعظيم بين الراعي والرعية، العالم والطلاب، وما أشبه ذلك،
لكن لا بد أن يوجد شخص .. ، قد تستدعي الحال في بعض الأوقات أن تقول: عل
الله -جل وعلا- أن يسوق لنا شخصاً ما يستحي ولا يهاب، ولذا الصحابة -رضوان
الله عليهم- لما نهوا عن السؤال، كانوا يتمنون أن يأتي الرجل العاقل من أهل
البادية ليسأل، هناك قضايا يتتابع عليها الناس، هيبة لمن يرتكب هذا الأمر،
أو تقديراً وتعظيماً له، واستحياء منه، ثم يأتي شخص ما عليه من أحد، نعم
الحياء لا يأتي إلا بخير، لكن الخجل الذي يمنع من إنكار بعض الأمور، تقول:
لعل الله -جل وعلا- أن يبعث شخص في عرف الناس ممن لا يستحي يقول مثل هذا
الكلام، فوجود مثل هؤلاء تجعل الإنسان يحسب لهم حساب، وإلا فقد يقول قائل:
لماذا أبو بكر وعمر يهابون الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ الرسول -عليه
الصلاة والسلام- مهيب هيبة شرعية ربانية، فكيف ذو اليدين لا يهابه؟ والله
-جل وعلا- جعل من الأجر لهذا بسبب الهيبة، وجعل من الأجر لهذا بسبب ما ظهر
من سؤاله من خير، بسببه من خير وعلم.
"فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟
فقال: ((لم أنسَ ولم تقصر)) " طيب ركعتين صليت، النبي –عليه الصلاة
والسلام- نفى النسيان ونفى حدوث أمر جديد بناء على غلبة ظنه، والأمور إنما
تبنى على غلبة الظن، حتى أجاز العلماء أن يحلف على غلبة الظن، كيف تحلف على
غلبة الظن؟ الذي أقسم بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- "والذي بعثك
بالحق ما بين لابتيها أفقر مني" هل يجزم بأنه بحث عن البيوت، بيوت المدينة
بيتاً بيتاً، وجزم وقطع أنه لا يوجد أحوج منه، هذا بناء على غلبة ظنه، كثير
من الناس يتوقع أنه في حالة لا يوجد أسوأ منه حالاً، فيغلب على ظنه ذلك،
وهنا النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لم أنس ولم تقصر)) هذه غلبة ظن،
مشى عليها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وخرج من صلاته بسببها، عورضت غلبة
الظن بقول واحد، معارضة غلبة الظن بقول الواحد توجد شك، يعني غلبة الظن عند
الشخص، هل ينقض غلبة الظن الذي عنده بقول شخص، لا ينزل عنده مستوى الجزم
إلى الشك، يتردد، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أكما يقول ذو
اليدين؟ )) يبي مرجح، الآن غلبة ظنه -عليه الصلاة والسلام- قاومها كلام ذو
اليدين؛ لأن عندنا المعلوم، ويقولون: ما عنه الذكر الحكمي، الذي هو
المعلوم، إما أن لا يحتمل النقيض ألبتة، يعني نتيجته مائة بالمائة، هذا
علم، هذا لا يمكن أن ينقض بأي خبر من الأخبار، إذا نزلت هذه النسبة أفاد
الظن، الظن الغالب، وإذا تساوى الاحتمالان صار شك، إذا نزل عن النصف صار
الاحتمال المرجوح يقال له: وهم، والاحتمال الراجح يقال له: ظن، والمساوي هو
الشك، نزلت نسبة الاحتمال الراجح من الظن الغالب إلى الشك، الآن إذا وجد
الشك وتساوت المرتبتان تساوى الاحتمالان، لا بد من إيش؟ لا من مرجح ((أكما
يقول ذو اليدين؟ )) يعني لو قالوا: نعم ترجحت كفة ذو اليدين، لو قالوا: لا،
ما هو صحيح كلامه، ترجحت كفة النبي -عليه الصلاة والسلام-، صار ما يقوله ذو
اليدين لا قيمة له، ولذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- طلب مرجحاً ((أكما
يقول ذو اليدين؟ )) قالوا: نعم، خلاص انتهى، صار ما عند النبي -عليه الصلاة
والسلام- بدل أن يكون غلبة ظن، سلّم بسبب غلبة الظن، ثم
أورث عنده كلام ذو اليدين شك، ثم بترجيحهم
لكلام ذي اليدين صار كلامه وهم، احتمال مرجوح، فترجحت كفة ذي اليدين، وهذا
كله من أجل التشريع، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- المؤيد بالوحي في
الظروف العادية، في الأمور البلاغية، التي يبلغ بها الدين، لا يمكن أن يقال
مثل هذا الكلام، لا يعارض قوله بأحد كائناً من كان، لكن في مثل هذه الأمور
التي فيها تشريع، يعني لو تصورنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما سها في
صلاته أبداً، ولا نام عن صلاة الصبح، ويش تصير حالنا؟ هذه تسلية لنا، كونه
وقع منه السهو، وقع منه النوم عن صلاة الصبح، لكن ليس في هذا حجة لا من
قريب ولا من بعيد لمن يتساهل في صلاة الصبح، أو في غيرها من الصلوات؛ لأنها
حصلت مرة واحدة في العمر، إذا حصل منك مرة أو مرتين في عمرك، أو مرات
يسيره، هذا سهل، لك أسوة، أما أن يكون ديدنك، تركب الساعة على الدوام، تقول
لي: والله النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى الصبح إلى أن أيقظهم حر
الشمس، ما هو بصحيح، وقد لا يركب الساعة على الدوام ينام بالسطح، ومعروف
أنه إذا قرب الدوام احترت الشمس، يقول: ما يوقظنا إلا حر الشمس، نقول: لا
يا أخي، لا بد من بذل الأسباب، ولا بد من انتفاء الموانع؛ لأنك بصدد ترك
واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، النبي -عليه الصلاة والسلام- وكل
إيقاظهم إلى بلال، فنام بلال، وأخذ بنفسه الذي أخذ بنفس النبي -عليه الصلاة
والسلام-، وفي هذا مصلحة كبرى، مصلحة تشريعية.
" ((أكما يقول ذو اليدين؟ )) قالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم" تقدم
لأنه قام من مجلسه، ولو قدر أنه كان في مجلسه يستقبل القبلة، ثم يقوم إلى
الركعة الثالثة، يقوم من غير تكبير؛ لأنه كبر في الانتقال من السجود أو ما
كبر؟ لأنه في التشهد، المسألة مسألة تشهد أول، يعني لو كان سلم من ثلاث
نقول: كبر من انتقاله من السجود، وفي مثل هذه الصورة يحتاج إلى تكبيرة
انتقال من التشهد إلى الركعة الثالثة.
"فتقدم فصلى ما ترك، ثم سلم" صلى الركعتين
الأخريين ثم سلم ثم كبر "وسجد مثل سجوده أو أطول" يعني على هيئة سجود
الصلاة، ويقال فيه ما يقال في سجود الصلاة "ثم رفع رأسه فكبر، ثم كبر فسجد
مثل سجودها أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، فربما سألوه ثم سلم، قال: فنبئت"
ربما للتقليل، ربما سألوا الراوي هل سلم النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ هل
قال: "ثم سلم" وجزم بها عمران بن حصين، لكن ابن سيرين لم يجزم بالنسبة إلى
عمران، بل "قال: فنبئت -بواسطة- أن عمران بن حصين قال: "ثم سلم" ولا شك أن
الخروج من الصلاة إنما يكون بالتسليم، وهذا السهو مشتمل على زيادة أو على
نقص؟
هذا يقول: ما رأيكم في من يتعمد السهو حتى يرشد الناس بعد الصلاة إلى أحكام
السهو؛ لأن ذلك أجدى مما لو شرح لهم دون حدوث السهو في الصلاة؟
لا يجوز التعمد، صار عمد هذا، ولا يشرع له سجود، فإن تعمد ترك واجب بطلت
الصلاة، إن تعمد ترك سنة فلا سجود لها، والسجود إنما يكون للسهو زيادة
ونقصاً، وللشك وأما العمد فلا سجود له.
ترجم الإمام البخاري في كتاب الصلاة: باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره،
فهل هذا إيماء منه إلى أن الأحاديث الواردة في تشبيك الأصابع معلولة؟
التشبيك المطلق الذي لا ارتباط له بالصلاة لا يثبت، لكن التشبيك في الصلاة،
وفي انتظار الصلاة، وفي الطريق إلى الصلاة هذا ثابت.
الطالب:. . . . . . . . .
يقول: ربما سألوا أبا هريرة، يعني هل سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- في
هذه الصلاة أو ما سلم؟
الطالب:. . . . . . . . .
ثم قال: ثم سلم، فربما سألوه، يعني هل قال: ثم سلم أو ما قال؟ هذا تردد؛
لأن ربما للتقليل الأصل فيها، لكن جزم بها عمران بن حصين، نعم.
عفا الله عنك.
وعن عبد الله بن بحينة، وكان من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النبي
-صلى الله عليه وسلم- صلى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين، ولم يجلس،
فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس،
فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم.
هذا حديث عبد الله بن بحينة، عبد الله بن
مالك بن القشب، وبحينة أمه على ما تقدم، وكان من أصحاب النبي -صلى الله
عليه وسلم- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم الظهر" هل نحن بحاجة
إلى أن يقال: كان من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد صلى خلفه
الظهر؟ لا، لسنا حاجة، لكن هو تصريح بما هو مجرد توضيح "أن النبي -عليه
الصلاة والسلام- صلى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس" يعني
التشهد الأول، ما جلس في أثناء الصلاة في منتصفها، فترك الجلوس، وذكره الذي
هو التشهد الأول "ولم يجلس، فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة، وانتظر
الصلاة تسلميه، كبر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم" إذا ترك
التشهد الأول، نسي التشهد الأول وقام أهل العلم يقولون: إذا لم يستتم
قائماً يلزمه الرجوع، وإذا استتم قائماً كره الرجوع، وإذا شرع في القراءة
حرم الرجوع، وهنا استتم قائماً -عليه الصلاة والسلام- فلم يرجع، أو شرع في
القراءة والأمر آكد، على كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يرجع، لم
يجلس، وقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة، وانتظر الناس تسليمه كبر وهو
جالس، فسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم سلم.
في حديث ذي اليدين السجود بعد السلام، وفي حديث عبد الله بن بحينة السجود
قبل السلام، والعلماء يختلفون في موضع السجود على أنه نقل الاتفاق على
الجواز، على أنه يجوز أن يسجد للسهو قبل السلام وبعده، نقل الإجماع على
هذا، لكن الخلاف في الأفضل، فالحنفية عندهم السجود كله بعد السلام، فلا
يُجمع إلى الخلل الذي حصل في الصلاة زيادة على ما شرعه الله فيها في الأصل،
فهذه الزيادة ينبغي أن تكون جابرة لما حصل من خلل في الصلاة، كالنافلة التي
بعد الصلاة، تجبر الخلل، فموضع السجود حينئذٍ يكون بعد السلام، وهذا رأي
الحنفية، الشافعية يقولون: الأفضل في السجود كله أن يكون قبل السلام ....
|