شرح عمدة الأحكام عبد الكريم الخضير

عمدة الأحكام - كتاب البيوع (1)
شرح حديث: (البيعان بالخيار .. ) وباب ما نهي عنه من البيوع ...
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فموضوع الدرس كما لا يخفى في أحاديث البيوع، من كتاب عمدة الأحكام، يمثل الربع الثاني من أرباع الأحكام.
والكتاب في أحاديث الأحكام؛ لأن كتب الأحكام سواءً كانت فقهية أو حديثية، بنيت على أربعة أرباع، الربع الأول: للعبادات، والثاني: للمعاملات، والثالث: للأنكحة، وما يتعلق بها، مما يسميه المتأخرون الأحوال الشخصية، والربع الرابع: في الأقضية والجنايات، على هذا يبني أهل العلم كتب الأحكام، سواءً كانت فقهية أو حديثية.
والكتاب مختصر، من المتون المختصرة التي دونت في العصور المتوسطة، قد كان التدوين عند أهل الحديث مبني على الإسناد، وذكر الطرق للأحاديث، تنوعت المؤلفات عند المتقدمين، وإن كان يجمعها ما ذكرت، من ذكر الأسانيد والطرق، وإن تنوعت أهداف أربابها وأصحابها.
فمما ألف عند المتقدمين: الجوامع التي تجمع ما يحتاج إليه المسلم في جميع أبواب الدين، كالبخاري ومسلم وجامع أبي عيسى الترمذي، وغيرها من الجوامع التي تجمع أبواب الدين مرتبة، ومنها المصنفات والسنن، والموطأت، وهذه متقاربة في ترتيبها، إلا أن السنن عمدتها الأحاديث المرفوعة، والمصنفات يكثر مؤلفوها من ذكر الموقوفات والآثار، إضافة إلى ذكر ما يحتاج إليه من المرفوع.
وأما الموطأت ففيها شوب من السنن والمصنفات، فيكثر فيها المؤلف من ذكر أقواله هو، كموطأ الإمام مالك.


كتب الأحكام صورة مصغرة للسنن؛ لأن الهمم قد قصرت وفترت عن التطاول على الكتب المسندة، المشتملة على المكررات، وضعفت الهمم فاحتج الناس إلى الاختصار، فحذفوا الأسانيد والتكرار، من أجل أن يحفظ طلاب العلم ما يستطيعون حفظه من هذه الكتب، استمر الناس على هذه المختصرات حفظاً ودراسة، إقراءً وقراءة، دراسة وتدريساً، حتى دب اليأس إلى قلوب كثير من المتعلمين بالنسبة لحفظ الكتب المسندة لاعتمادهم وتوارثهم هذه الجواد المطروقة عند أهل العلم من المتون المشتهرة عند أهل العلم في كل فن من الفنون، ومن ذلكم الحديث.
فصار يندر أن يذكر في ترجمة عالم من أهل العلم أن يقال: حفظ البخاري أو مسلم أو سنن أبي داود أو الترمذي، فضلاً عن مسند أحمد.
انبعثت الهمم من جديد فصار الناس يحفظون، ووجدوا الأمر ليس بالمستحيل، فوجد في العصور المتأخرة من يحفظ الكتب الستة بأسانيدها وتكرارها، على كل حال احتيج إلى هذه المؤلفات المختصرة لما ضعفت الهمم، وعرفنا أن كتب أحاديث الأحكام صورة مختصرة للسنن، والسنن تأتي في الدرجة الثانية بعد الصحاح، كما قرره أهل العلم، وهي فوق المسانيد التي رتبها مؤلفوها على أسماء الصحابة من الرواة، والسبب في ذلكم أن صاحب السنن يترجم بحكم شرعي ويستدل له بأقوى ما يجد في الباب، بخلاف صاحب المسند فإنه يترجم بصحابي، أحاديث أبو بكر، أحاديث عمر، أحاديث عثمان -رضي الله عن الجميع-، أحاديث علي، وهكذا، فهو يحشد تحت هذه الترجمة ما يقف عليه من أحاديث، أو ما يصله من أحاديث هذا الراوي، من أحاديث هذا الصحابي، ولا يحتاط مثل احتياط من يترجم بحكم شرعي، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر السنن:

ودونها في رتبة ما جعلا ... على المسانيد فيدعى الجفلا
كمسند الطيالسي وأحمد ... وعده للدارمي انتقد

على كل حال تقسيم هذه الكتب وتبويبها على الأحكام يعني أنها مبنية على الأرباع الأربعة التي سبق أن أشرنا إليها.


وعمدة الأحكام إذا أطلقت انصرفت إلى الصغرى، كما أن سنن النسائي إذا أطلقت انصرفت إلى الصغرى أيضاً، وإلا فالحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي -رحمة الله عليه- له كبرى وصغرى، وعناية أهل العلم بالصغرى؛ لأنه اقتصر فيها على شرطه، وهو أن يكون الحديث مخرجاً في الصحيحين، وإن كان شرطه قد اختل نادراً، لكنه اختل غفلة وذهولاً، فلا تجد في ترجمة من تراجم أهل العلم في القرن السابع والثامن والتاسع إلى يومنا هذا إلا ويقال في ترجمة هذا العالم: حفظ عمدة الأحكام، بعد أن حفظ القرآن حفظ المتون المطروقة التي منها عمدة الأحكام، ولما اتفق الإخوان على أن يكون الشرح لأحاديث البيوع من عمدة الأحكام، ما تم الاستفصال هل المراد الكبرى أو الصغرى؟ لأنه عند الإطلاق ينصرف إلى الصغرى.
وقد أحضرت الكبرى معي لنذكر الزائد من الكبرى على الصغرى، وإن لم نسترسل في شرحه؛ ليكون طالب العلم على بينة.
فنبدأ، سم.
أحسن الله إليكم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
هناك تنبيه يسأل عنه كثيراً بالنسبة لكتب الأحكام أجودها لا شك في أن أصحها عمدة الأحكام؛ لأن مؤلفه اشترط أن يكون من أحاديث الصحيحين، هذا أصحها، ويوجد في غير العمدة ما لا يوجد فيها من أحاديث السنن والبيهقي والدارقطني والمسند غيرها، كما في بلوغ المرام والمحرر والمنتقى وغيرها، فمن أراد أن يقتصر على الصحيح فعليه بالعمدة، مع أنه لا يستغني عن الكتب الأخرى في أحاديث الأحكام كالمحرر والبلوغ، وإن أسعفته الحافظة وعلت به الهمة إلى حفظ المنتقى فهو أجود؛ لأن فيه أربعة آلاف حديث، العمدة لا تصل إلى الثمن من هذا المقدار، يعني أقل من خمسمائة حديث، والله المستعان، نعم.
أحسن الله إليك:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: كتاب البيوع:
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً، أو يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع)).


وعن حكيم بن حزام -رضي الله تعالى عنه- قال:
ما عندك "وفي معناه"؟ وما في معناه من حديث حكيم بن حزام؟
طالب: النسخة التي عندي تختلف، أنا اطلعت على نسخة أخرى فيها ما ذكرت.
على كل حال العمدة طبعت طبعات كثيرة، طبعت ضمن مجموعة الحديث النجدية مراراً في الهند وفي مصر وفي غيرها، طبعت في المنار في مصر، وطبعت في مطابع كثيرة؛ لأن لها قبول عند أهل العلم، وهذه النسخ يوجد في بعضها ما لا يوجد في البعض، ثم طبعت أخيراً، وادعى طابعوها أنهم قابلوها على نسخ، لكن من أجود طبعات الكتاب طبعة الشيخ أحمد شاكر؛ لأنه طبع الكتاب ضمن مجموع ضم ألفية العراقي والتدمرية لشيخ الإسلام، والعمدة، نعم.
على كل حال في بعض النسخ: "وفي معناه من حديث حكيم بن حزام" وهو .. ، إلى آخره.
"وعن حكيم بن حزام -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)) أو قال: ((حتى يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)) ".

شرح حديث: (البيعان بالخيار):
نعم هذا الحديث الأول من أحاديث البيوع، والثاني، والكتاب: مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتباً، ويجع على كُتب، وأصل المادة للجمع، كما يقال: تكتب بنو فلان إذا اجتمعوا، ويقال لجماعة الخيل: كتيبة، والكلام في هذه المادة مكرور، ذكر في مناسبات كثيرة.
والبيوع جمع بيع، وهو مصدر باع يبيع بيعاً، والبيع يشمل النوع الواحد والأنواع، إلا أنه جمع هنا لتعدد أنواعه، وإن كان البيع المصدر يشمل الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة، كما أنهم جمعوا الماء على مياه، وهو اسم جنس تدخل فيه جميع أنواع الماء، لكنهم لاحظوا فيه تعدد الأنواع فجمعوا.
مصدر باع يبيع، منهم من يقول: إنه مأخوذ من الباع؛ لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه للآخر لإبرام الصفقة أولاً، ولذا سميت صفقة، ولأخذ المشتري السلعة والبائع القيمة، كل واحد منهما يمد باعه، وعرفنا أن البيع مصدر، وهل يمكن أن يؤخذ المصدر من غيره، أو المصدر هو الأصل الذي تشتق منه؟ نعم، المصدر أصل وإلا فرع؟ أصل.

. . . . . . . . . ... وكونه أصلاً لهذين انتخب


كيف يقولون: مأخوذ من الباع؟ والأصل مصدر يؤخذ منه ولا يؤخذ هو من غيره؟ يمكن؟
طالب: كونه يطلق على اليد وهي أصل.
الباع يطلق على اليد، لكن البيع؟ قلنا: إن البيع مصدر، والمصدر أصل لجميع المشتقات، والأصل يؤخذ منه، يقول ابن مالك:

. . . . . . . . . ... وكونه أصلاً لهذين انتخب

يعني للفعل والمشتق، هو الأصل عند البصريين، وإن كان الكوفيون يرون أن الأصل الفعل.
على كل حال النقل أو إيجاد هذا اللفظ للدلالة على العقد هو مجرد نقل وليس اشتقاق، وليس من باب الاشتقاق، نضير ما يقال في لفظ الجلالة (الله) هل هو مشتق أو جامد؟ جمع غفير من أهل العلم يقولون: مشتق، يستدرك عليهم بأن الله -سبحانه وتعالى- سابق على كل شيء فمما اشتق؟ يقال: إن هذا من حيث الأوزان والأبنية العربية مشتق، وإن كان الله -سبحانه وتعالى- واللفظ علم على الذات الإلهية لم يسبقه شيء.
البيع عرف بأنه: مبادلة مال بمال، قالوا: ولو في الذمة، أو منفعة مباحة، على سبيل التمليك، والبيع له شروط لا يصح بدونها، وفيه شروط، له شروط وفيه شروط، وفرق بين شروط البيع والشروط في البيع، ويأتي التنبيه عليها من خلال الأحاديث اللاحقة.
شرح حديث: (إذا تبايع الرجلان .. ):
" عن عبد الله بن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إذا تبايع الرجلان)) "


وفي حكم الرجال كل من هو جائز التصرف من امرأة ونحوها، كصبي مميز فيما يسوغ له التصرف فيه، والعبد فيما وكل إليه التصرف فيه، رجلان خرج مخرج الغالب، وإلا فالنساء مثله، الحكم واحد، ((إذا تبايع الرجلان)) التبايع والمبايعة من المفاعلة، تكون من طرفين، تكون من طرفين، فإذا وجد العقد من الطرفين ((فكل واحد منهما بالخيار)) له أن يختار أحد النظرين من إمضاء البيع أو فسخه، وهذا هو معنى الخيار ((ما لم يتفرقا)) بأبدانهما في قول أكثر العلماء، وهو ظاهر الحديث، وإن قال مالك والحنفية: إن المراد التفرق بالأقوال، الظاهر من اللفظ يدل على أن المراد التفرق بالأبدان، ((وكانا جميعاً)) يعني في مكان واحد، هذا دليل على ثبوت خيار المجلس، وهو كالصريح في الدلالة له، وما يجيب به من لا يرى خيار المجلس كالمالكية والحنفية هي مجرد شبه لا ترقى لمعارضة مثل هذا الخبر الصحيح، فهم يحملون التفرق على التفرق بالأقوال، ويقولون -المالكية على وجه الخصوص- يقولون: إنه خلاف عمل أهل المدينة، وعمل أهل المدينة عندهم حجة، ومالك قد روى الحديث، شدد بعضهم في حق الإمام مالك -رحمة الله عليه-، حتى قال ابن أبي ذئب: ينبغي أن يستتاب مالك، يعني لا مندوحة له عن العمل بهذا الحديث، فكيف يحمله على التفرق بالأقوال؟ نعم لو لم يرد من طريقه لقلنا خفي عليه الحديث، لكن ورد الحديث من طريق مالك.
كيف يسمى المتعاقدان بيعان؟ وكيف يتم التبايع ما لم يتم العقد بالإيجاب والقبول؟
معنى الحديث عند المالكية والحنفية: ((إذا تبايع الرجلان)) يعني تساوم ((فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا)) يعني بالأقوال، فإذا تفرقا بالأقوال فقد وجب البيع، إذا قال البائع: بعت، وقال المشتري: اشتريت، تفرقا بالأقوال، لكن هل يظهر من السياق أو من دلالة اللفظ ما يؤيد هذا القول؟ الإمام مالك -رحمه الله تعالى- احتج بعمل أهل المدينة، وأن عملهم على خلاف هذا الحديث.


ابن عمر وجمع غفير من الصحابة فهموا من التفرق أنه التفرق بالأبدان، وابن المسيب والزهري وهما من كبار فقهاء المدينة فهموا من التفرق أنه التفرق بالأبدان، فكيف يقال: إنه خلاف عمل أهل المدينة؟ ولو قدر أن أهل المدينة قاطبة خالفوا العمل بالحديث، يلتفت إليهم؟ مع وجود النص الصحيح المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا حجة بقول أحد، فالسنة تقضي على غيرها، ولا يقضى عليها بغيرها، ودعوى تأويل الحديث أن المراد بالتفرق التفرق بالأقوال، نقول: لم يحصل بيع حتى ينظر في هذا التفرق، وإنما يتم البيع ويسمى كل من العاقدين بيعين أو متبايعين إنما يسمى إذا تم الإيجاب والقبول.
ابن عمر فهم من الحديث التفرق بالأبدان، ولذا كان -رضي الله عنهما- يمشي خطوات لكي يقطع الطريق على البائع في حالة ما إذا كان مشترياً، أو على المشتري في حالة ما إذا كان بائعاً، يقطع عليه الطريق الموصل إلى الخيار، ويأتي النهي عن مثل هذا العمل، لكن ابن عمر لم يبلغه هذا النهي، هذا المظنون به -رضي الله عنه وأرضاه-، يهمنا أن ابن عمر فهم أن المراد بالتفرق هو التفرق بالأبدان، وليس المراد به التفرق بالأقوال، ولذا لكل من العاقدين المتبايعين الخيار، وما يسميه أهل العلم خيار المجلس، ما داما في مكانهما، وكانا جميعاً كما جاء في الحديث، والتفرق أمر نسبي، فإذا قام كل واحد عن الآخر مولياً إياه دبره، فقد حصل التفرق، وإن كان في بيت فخروج أحدهما تفرق، وإن كان البيت ذا أدوار فطلوع أحدهما أو نزول أحدهما إلى دور آخر يسمى تفرق، وإن لم يخرجا عن البيت، إذا كانا في برية فإذا قام أحدهما وترك المجلس فإنه يعد تفرقاً، وحينئذ يلزم البيع، وليس لأحدهما مندوحة، وليس لأحدهما إبطال البيع إلا بالإقالة.
هذا نوع من أنواع الخيار خيار المجلس.


النوع الثاني: أو يخير أحدهما الآخر بإسكان الراء، وهو المعروف بخيار الشرط، إذا اشترط أحدهما الخيار، أو اشترط أحدهما على ألا خيار له أو لغيره، فالأمر حينئذ لا يعدوهما، لو اشترط البائع أن له خيار ثلاثاً له ذلك، اشترط المشتري له خيار ثلاثاً له ذلك دون صاحبه، اشترط أحدهما على ألا خيار له من الآن يثبت البيع قبل التفرق، ويبقى الخيار لصاحبه، خيار المجلس، إذا اتفقا على ألا خيار لأحدهما من تمام العقد الأمر لا يعدوهما، ((فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع)) يعني لزم، وحينئذ تترتب الآثار على هذا البيع، بمعنى أن السلعة تنتقل إلى ملك المشتري، والقيمة تنتقل إلى ملك البائع، ويتصرف كل واحد منهما بما انتقل إليه تصرفاً مطلقاً.
((وإن تفرقا)) تكملة الحديث، وهذا موجود في الكبرى دون الصغرى، وذكرت أني أشير إلى الزيادات التي في الكبرى لنجمع الفائدة من الكتابين.


((وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع)) هذا تأكيد، منطوق هذا الكلام تأكيد لمفهوم أول الحديث، وفي معناه، في معنى حديث ابن عمر الحديث الثاني حديث حكيم بن حزام، عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)) أو قال: ((حتى يتفرقا)) هو في معنى الحديث السابق، فلا حاجة إلى شرحه، ((فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما))، إن صدقا صدق كل واحد منهما صاحبه، فصدق البائع في بيان الصورة الكاملة للسلعة، وما فيها من محاسن ترغب المشتري، وما فيها من عيوب، إن صدقا في كل ما يتعلق بالعقد، السلعة وما يرغب فيها، وما ينفر عنها، وفي القيمة كماً وكيفاً، فالمشتري يبين ما في نقوده من عيب، لما كانت النقود الدراهم والدنانير يدخلها ما يدخلها كالسلع، فلا بد حينئذ من البيان من قبل المشتري، إذا حصل البيان والصدق حصلت البركة، والبركة شيء محسوس وملحوظ بين الناس، التاجر الصدوق الأمين لا شك أنه يبارك له في ماله، والقدر اليسير من المال الذي يكسبه بهذه الطريقة ينفعه أكثر مما يكسب من أضعافه بالطرق الأخرى، والناس يعتمدون هذا الرجل الصادق الذي ينصح لهم، ويقبلون عليه، وينفرون من ضده، كثير من الناس يذهب إلى التاجر الصادق وإن كانت سلعته أغلى من غيرها، وأكثر قيمة، بينما ينفرون من المخادع الغشاش، وإن عرض السلع بأقل من غيره، شواهد الأحوال كثيرة على هذا، فالقدر والعدد ليس بعبرة، هذا موجود في جميع الأعمال، الموظف الذي يؤدي عمله على الوجه المطلوب تجد في دخله من البركة ما لا تجده في من هو أكثر منه بالدخل، إذا لم يكن مخلصاً نفسه، مبرئاً لذمته، وكم سمعنا ونسمع في الدوائر الحكومية من المستخدَمين وصغار الموظفين ممن يقرض الكبار ويداينهم، هذا موجود، والسبب في ذلك الحرص على براءة الذمة في الأعمال، والله المستعان.


((فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)) كم من شخص يبيع بالأموال الطائلة في اليوم الواحد، ومع ذلكم لا يستفيد من هذه الأموال، وإن كثرت عنده الأموال؛ لأنه ليس العبرة بكثرة العرض، وليس الغنى هو مجرد كثرة العرض، كما جاء في الحديث الصحيح: ((الغنى غنى النفس)) فإذا تصورنا أن شخصاً دخله في اليوم الواحد عشرة آلاف عشرين ألف وهذا موجود، وآخر دخله مائة مائتين تجد أحياناً صاحب المائة والمائتين مستفيد من هذا المبلغ فائدة على الوجه المطلوب وكما ينبغي، بينما ذاك تذهب سدى، وينفقها في غير وجهها غالباً، والسبب الصدق والحرص على براءة الذمة وعدمه.
كم من شخص له من الأموال والأرصدة ما يستفيد منه البنوك، وقد حرم منه صاحبه، كم من شخص له الملايين في البنوك، هذا وإن كان المبلغ موجود لكنه محروم من بركته لا يستفيد منه، إن أراد أن يأكل فهو محجوب، إن أراد أن يتزوج ما يستطيع، إن أراد أن ينفق يده مقبوضة، نسأل الله السلامة والعافية، وقل مثل هذا في بركة البدن، كم من شخص تضيع عليه الأوقات سدى لا يستفيد من نفسه، ولا يستفيد منه غيره، ومن الناس ولا يقال الآن: الأوقات ما فيها بركة، لا، هذا يختلف من شخص إلى شخص، يعني يعرف من الشباب من يقرأ القرآن في سبع، ويحضر ثلاثة دروس في اليوم، ويؤدي عمله اليومي على الوجه المطلوب، ويزور المقابر كل أسبوع، ويزور المستشفيات والمرضى كل أسبوع، ويصل رحمه، ويأنس بأحبابه وأترابه، وكل هذا موجود، وما ضاع ولم يضع عليه من أمور دنياه شيء، ما فاته شيء من أمور الدنيا، وبعض الناس لهث وراء هذه الدنيا وقد ضيع نفسه وأهله ولم يدرك من الدنيا إلا ما كتب له، وإن أدرك منها شيء لم ينتفع به، والله المتسعان.
المقصود أن الصدق له أثر مشاهد وواضح في نماء الأموال وبركتها والإفادة منها، والكذب على الضد من ذلك.


هنا في الكبرى قال في الحديث الأول: "متفق عليه"، وفي الثاني: "متفق عليه"، وهذا لا يوجد في الصغرى، لماذا؟ نقول: في الصغرى لا يحتاج إلى تنصيص؛ لأنها في الأصل من الصحيحين، فلا يحتاج إلى أن يقال: متفق عليه، بينما الكبرى وقد أدخل فيها المؤلف أحاديث ليست من الصحيحين يحتاج أن ينص على المتفق عليه.
والحديث الذي يلي هذين الحديثين وهو من زيادات الكبرى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)) ((فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)) يعني يحتال لإسقاط الخيار من أجل تفويت هذه الفرصة الممنوحة من الشرع لكل من المتعاقدين؛ لأن المتعاقدين أو أحدهما قد يكون في أموره مستعجلاً يقدم على إبرام العقود من غير نظر ولا روية، فتركت له هذه الفرصة من الشارع لكي يستدرك ما يتضرر به بواسطة إقدامه على هذا العقد، وكم من شخص اشترى وندم، فمنهم من يتدارك المجلس، ومنهم من لا يتدارك فيندم بعد فوات الأوان، ولا يبقى حينئذ أمامه إلا الإقالة، ((فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)) وعرفنا أن ابن عمر كما في الصحيح يفعل ذلك -رضي الله عنه-، وهذا وهو المظنون بمثل هذا الصحابي المؤتسي أنه لم يبلغه مثل هذا الخبر، هو مخرج في سنن أبي داود والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن، وهو من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والاختلاف في الاحتجاج بمثل هذا الإسناد معروف عند أهل العلم، والخلاف ومنشأه، والراجح أن ما يرد بواسطة هذه السلسلة إن كان من فوق أو من بعد عمرو بن شعيب مقبولاً فأقل أحواله أن يكون من قبيل الحسن.


يقول المؤلف في الكبرى: "ولو كانت الفرقة بالكلام، ولم يكن خيار بعد البيع لم يكن لهذا الحديث معنى"، قال: ((ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله)) هذا كلام الحافظ عبد الغني في الكبرى، وقريب منه كلام الترمذي في السنن، يقول بعد أن قال: هذا حديث حسن: "ومعنى هذا أن يفارقه بعد البيع خشية أن يستقيله، ولو كانت الفرقة بالكلام ولم يكن له خيار بعد البيع لم يكن لهذا الحديث معنى، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله)) ".
سم.

شرح: باب ما نهي عنه من البيوع:
أحسن الله إليك:
"باب ما نهي عنه من البيوع:
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المنابذة وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، ونهى عن الملامسة، والملامسة: لمس الثوب ولا ينظر إليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تلّقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصروا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين، بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)) وفي لفظ: ((وهو بالخيار ثلاثاً)).
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع حبل الحبلة.
وكان بيعاً يتبايعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها، قيل: إنه كان يبيع الشارف -وهي الكبيرة المسنة- بنتاج الجنين الذي في بطن ناقته".


هذه صور وأنواع من البيوع الموجودة في الجاهلية، " فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المنابذة، وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه "، هذا أولى ما قيل في تفسير المنابذة، ويكون حينئذ الطرح قائم مقام الإيجاب والقبول، الأصل في المنابذة أنها مفاعلة من الطرفين، منابذة مفاعلة، فكأن البائع ينبذ الثوب ويطرحه إلى المشتري، والنبذ أيضاً يحصل من المشتري بنبذ القيمة إلى البائع، وكل منهما لا يقلب ما نبذه إليه صاحبه، الثوب ملفوف فينبذه إلى المشتري، والدراهم في صرة ينبذها إلى البائع، هذا الأصل في المنابذة؛ لأنها مفاعلة، والمفاعلة في الأصل تكون من طرفين.
قد ترد المفاعلة وتكون من طرف واحد كالمسافرة، إذا قيل: سافر فلان، سافر فلان، من طرف واحد وإلا من طرفين؟ نعم من طرف واحد، المطارقة طارق زيد النعل، من طرف واحد، ليس معنى هذا أنه يطرق النعل والنعل يطرقه، لا، من طرف واحد، وهذا على خلاف الأصل، وفسرت هنا المنابذة طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، فعلى هذا التفسير هي من طرف واحد وهو البائع.
والسبب في النهي الغرم والجهالة، من شروط البيع أن يكون -بعد أن ذكروا كون العاقد جائز التصرف- أن تكون العين المباعة –السلعة- معلومة، برؤية أو صفة، وهنا السلعة غير معلومة، غير مرئية، الثوب مطوي، طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه، وإذا قلنا: إن المنابذة من الطرفين أيضاً أن يكون الثمن معلوماً، وهذا شرط من شروط البيع، لكن على التفسير طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، السلعة غير معلومة، لا برؤية ولا بوصف، فاختل شرط من شروط البيع للغرر والجهالة.


ونهى عن الملامسة، والملامسة: لمس الثوب لا ينظر إليه، أي ثوب لمسته فهو عليك بكذا، والثياب ملفوفة وموضوعة في الأدراج، يلمس الأول الثاني الثالث، ما يدري عن صفته، فلا بد أن تكون السلعة معلومة، وهذان النوعان من بيوع الجاهلية، وهما محرمان اتفاقاً لوجود الغرر والجهالة، فسرت المنابذة ببيع الحصاة الوارد في بعض النصوص، وهي أي ثوب أو أي رأس من الغنم أو الإبل أو البقر تنبذ إليه هذه الحصاة وتقع عليه فهو عليك بكذا، والجهالة والغرر موجودة.
ونهى عن الملامسة والملامسة: لمس الثوب لا ينظر إليه، هذا التفسير يحتمل أن يكون مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحينئذ يتعين المصير إليه؛ لأنه لا قول لأحد مع قوله -عليه الصلاة والسلام-، وأولى ما يفسر به قوله بقوله -عليه الصلاة والسلام-، وإذا كان من الراوي الصحابي فمن دونه فالصحابة أعرف من غيرهم بمدلولات الألفاظ، ويغلب على الظن أنه هو الموافق لمراد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان حديث: ((رب مبلغ أوعى من سامع)) يعني أنه قد يأتي من المتأخرين من يفهم مراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من فهم المتقدم، لكن (رب) للتقليل، وإلا فالأصل أن مدلولات الألفاظ الشرعية أعرف الناس بها من عاصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعرف المقاصد من نصوص الوحيين، هم أعرف الناس وأدرى الناس بذلك، وعلى كل حال إذا كان التفسير من قوله -عليه الصلاة والسلام- فلا مندوحة لأحد من العمل به، وإن كان من أحد الرواة فلا شك أنهم أولى من غيرهم، لكن يبقى للنظر مجال، للنظر مجال.
الحديث الذي يليه:

شرح حديث: (لا تلّقوا الركبان .. )


عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تلّقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد)) أربع جمل ((لا تلّقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد)) هذه الأربع الجمل هي مروية من طرق كثيرة عن أبي هريرة، وعن ابن عمر وغيرهما، وهي مروية على نسق في المسند من طريق الإمام أحمد عن الشافعي عن مالك عن ابن عمر، عن مالك عن نافع عن ابن عمر، بأصح الأسانيد، أحمد عن الشافعي عن مالك، متى يجتمع مثل هؤلاء؟ أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، وهذا ما يقال فيه: إنه سلسلة الذهب، فمالك عن نافع عن ابن عمر أصح الأسانيد عند البخاري، وإذا زيد بعد مالك أحد فأولى الناس الشافعي، وإذا زيد بعده أحد فأحمد، وليس في المسند على طوله وكثرة أحاديثه حديث يروى بهذا الإسناد إلا هذا الحديث، توجد رواية أحمد عن الشافعي لكن عن غير مالك، وقد توجد عن مالك لكن عن غير نافع، وهكذا، لكن هذه السلسلة مجتمعة لا توجد إلا في هذا الحديث.
هذا حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تلّقوا الركبان))، الركبان: جمع راكب ويقال: ركب أيضاً جمع راكب، كصحب وصاحب، ((لا تلقوا الركبان)) وهذا وصف خرج مخرج الغالب وإلا فلو كانوا مشاة دخل متلقيهم في النهي، الغالب أن من يقدم ومعه سلعة أنه يكون راكباً، يقدم على البلد من بلد آخر أو من البرية في الغالب أنه يكون راكب، لكن إذا كان ماشياً على قدميه فإنه يأخذ الحكم نفسه، ((لا تلقوا الركبان)) والمقصود بهم لبيع السلع التي يحملونها، وجاءوا بها إلى البلد، والمنظور له أمران:


الأول: نفس الركبان، فلا يتلقى الركبان فيغروا بقيمة لا تناسب السلع التي يحملونها، جاهل بسعر البلد هذا الراكب القادم جاهل بسعر البلد، فإذا تلقي من خارج البلد كيف يعرف أن هذه السلعة تستحق كذا من الثمن؟ فيحصل الضرر على البائع بالمقابل ((لا يبع حاضر لباد)) لو تلقي هذا البادي، وأراد هذا الحاضر النصيحة لهذا البادي؛ لئلا يغلب إذا وصل إلى البلد الملحوظ مصلحة أهل البلد، فالشرع بشموله وعنايته بالجميع لا يرضى الضرر لأحد لا للبائع ولا لأهل البلد، كما جاء في الحديث الصحيح: ((دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) ففي الصورة الأولى: ((لا تلقوا الركبان)) الملحوظ مصلحة الراكب القادم الوافد إلى البلد، فيترك حتى يصل ويدخل البلد ويبيع بما تستحقه سلعته ويستفيد، فلا يغر بالتلقي، ويستوون في ذلك في عموم اللفظ ما الناس بحاجة إليه وما لا حاجة لهم به، بعض الناس يقول: إذا كان الناس بحاجة إلى هذه السلعة منع، وإذا لم يكونوا بحاجة لم يمنع؛ لأن الحاجة نسبية، قد تكون حاجة عموم الناس متعلقة بهذا أو العكس، عموم الناس لا يحتاجون هذا الأمر، لكن قد يحتاجه شخص، فيترك الناس يرزق الله بعضهم من بعض.


((ولا يبع بعضكم على بيع بعض)) شخص اشترى سلعة سيارة بخمسين ألف، فيأتيه من يأتيه فيقول: السيارة غالية ردها على صاحبها وأنا أبيع عليك مثلها بأربعين ألف، هذا باع على بيع أخيه، قد يقول قائل: البيع لزم بالإيجاب والقبول، لزم البيع بالإيجاب والقبول، والنص محتمل لما في مدة الخيار ولما كان بعد انتهاء مدة الخيار، أما كون البيع على بيع البعض في مدة الخيار فظاهر، يذهب المشتري إلى البائع ويفسخ، وإذا كان بعد لزوم البيع وانتهاء مدة الخيار لا شك أن هذا المشتري يذهب إلى البائع ويحرجه بالإقالة، فالضرر حاصل، وإن لم تحصل الإقالة حصلت البغضاء والشحناء، وتكدر خاطر المشتري؛ لأنه اشترى سلعة بأكثر من قيمتها، البشر كلهم مجبولون على هذا، ما في أحد يرضى أنه يغلب ولو بشيء يسير، فإذا كان في مدة الخيار، قال: أنا عندي لك سيارة أفضل منها بأربعين ألف وأنت شاري بخمسين، ذهب وفسخ البيع تضرر البائع، إذا كان بعد مدة الخيار ذهب المشتري وطلب الإقالة وأصر وكدر نفسه وكدر صاحبه، والشرع يوصد جميع الأبواب الموصلة إلى مثل هذه الشحناء، وهذه المشاكل.
((ولا يبع بعضكم على بيع بعض)) ومثل النهي عن بيع البعض على بيع أخيه الشراء، الشراء على شراء أخيه، هذه السيارة التي اشتراها زيد من عمرو بخمسين ألف يأتي شخص إلى عمرو يقول: أنت بعت السيارة بخمسين ألف أنا مستعد أدفع ستين ألف، ويحصل نظير ما حصل في الصورة الأولى، إن كان في مدة الخيار فسخ، وتضرر المشتري، عكس المسألة الأولى، وإن كان بعد انتهاء مدة الخيار طلب البائع من المشتري الإقالة وأحرجه، وأكثر عليه الكلام وكدره، تكدر الطرفان.


((ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا)) جاء في الصحيح: "نهى عن تلقي الركبان، ونهى عن النجش" هنا ((لا تلقوا .. ، ولا تناجشوا)) وجاء بلفظ النهي، نهى عن تلقي الركبان، ونهى عن النجش، ولا فرق بين الصيغتين؛ لأن صيغة النهي الأصل فيها (لا) الناهية، ومن صيغ النهي الإتيان بلفظ النهي، فإن كان الناهي مصرحاً به، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن تلقي الركبان، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن النجش، فلا خلاف في كونه من المرفوع، أما إذا قال الصحابي: نهينا عن تلقي الركبان، ونهينا عن النجش، فجماهير أهل العلم على أنه مرفوع أيضاً، وإن قال بعضهم: إنه موقوف حتى يصرح بالناهي، والمسألة معروفة، لكن جماهير أهل العلم على أنه مرفوع، وقوله: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كذا، هو في القوة في حكم (لا) الناهية ((لا تلقوا)) فإذا قال: نهى عن النجش، كأنه قال: لا تناجشوا، سواءً بسواء، لا اختلاف بينهما.
خالف من خالف وقال: إنه لا يعتد بقول الصحابي: أمرنا رسول الله، ولا نهانا رسول الله، حتى ينقل اللفظ النبوي، لكن لا عبرة بمثل هذا الخلاف.
((ولا تناجشوا)) النجش: الزيادة في السلعة ممن لا يريد شرائها، ويستوي في ذلك إرادة الضرر للمشتري أو نفع البائع؛ لأن نفع البائع لا يتم إلا بالإضرار بالمشتري، والعكس، فالنجش منهي عنه، وهو محرم؛ لأن فيه ضرر، والضرر لا بد من إزالته، ((ولا تناجشوا)).
يأذن؟ أذن، أذن يا أخي.
في حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تلقوا الركبان)) وعرفنا المراد بالتلقي والمراد بالركبان، والبيع على بيع البعض، والنجش والمراد به الزيادة في السلعة ممن لا يريد شرائها ويستوي في ذلك إرادة نفع البائع أو ضرر المشتري؛ لأن هذا لا يحصل إلا بهذا.
((ولا يبع حاضر لباد)) الحاضر: ساكن القرى والأمصار، والبادي: ساكن البادية.
((لا يبع حاضر لباد)) سئل ابن عباس قال: لا يكون له سمساراً، يعني لا يكون دلال، يترك البادي هذا ليبيع لنفسه ليستفيد من ورائه أهل البلد؛ لأنه إذا باع الحاضر للبادي ما ترك فرصة لأهل البلد.


((ولا تصروا الغنم)) المراد بالتصرية: حبس اللبن في ضرع الغنم، وفي حكمها الإبل والبقر وغيرها مما يقصد لبنه، تُصر الغنم، وهل هذا خاص ببهيمة الأنعام، أو يشمل كل ذات اللبن ولو لم يكن اللبن مباح للآدمي؟ لو شخص صرّ أتان الأنثى من الحمر، وباعها في السوق وضرعها كبير؛ لأنها صريت، يؤثر وإلا ما يؤثر؟ يؤثر، لماذا؟ قد يقول قائل: هذا اللبن مآله إلى .. ، نعم، من يشربه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الشرب من يشرب؟ نعم، كونه صرّ لبن الأتان، والأتان معروفة أنثى الحمار، الآن التصرية في لبن الإبل والبقر والغنم ظاهر هذا؛ لأنه يستفيد منها الإنسان، ويستفيد منها ولدها كونها تجلب إلى السوق وضرعها كبير، لا شك أن هذا يغرر بالمشتري الذي يظن أن هذاك لبن كثير، وواقعها أقل من ذلك، فهل يسري المنع إلى غيرها من الحيوانات ذوات الألبان ولو لم يكن لبنها مشروباً من قبل الآدمي كالأتان مثلاً؟
النص ورد في الغنم، وجاء التنصيص على الإبل أيضاً، وفي حكم الإبل والغنم البقر، لكن لقلتها في الحجاز ما جاء التنصيص عليها، وهي داخلة في الحكم، والمعنى واحد، وأما تصرية غيرها من الدواب لا شك أنه غرر وجهالة، لكن كونها تصر يعني مقصد لبعض الناس، كون البائع يربط أخلافها لكي تظهر بالمظهر المناسب المغرر بالمشتري يدل على أن هذه التصرية لها أثر، فيعدّ الحكم من هذه الحيثية، ونفعها وإن لم يكن للآدمي فهو لنسلها، وقد يكون نسلها مقصد عند المشتري، حينما كانت الحمر هي وسائل النقل.
((ولا تصروا الغنم)) والمقصود بالتصرية: حبس اللبن في الضرع بأن تربط أخلافها فتظهر بمظهر كثيرة اللبن ووقعها أقل من ذلك، هذا نهي للبائع عن أن يصنع مثل ذلك تغريراً للمشترين.
((ومن ابتاعها -يعني اشتراها- فهو بخير النظرين)) يعني له الخيار إن شاء أمضى البيع، وإن شاء رد، هو بخير النظرين بعد أن يحلبها، ويتبين له حقيقة الحال، إن رضيها أمسكها؛ لأن الأمر لا يعدوه، اشترى سلعة على أساس أنها على مستوى من الجودة فبانت أقل، فرضي بذلك، الأمر لا يعدوه، وإثم البائع عليه يتحمله.


((وإن سخطها –يعني لم يرضها المشتري- ردها -رد هذه الدابة من الغنم أو الإبل والبقر- وصاعاً من تمر)) ((ردها وصاعاً)) حينئذ يجوز العطف على ضمير النصب المتصل من غير فاصل كما هنا، بخلاف ضمير الرفع، ((وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)) يعني ورد صاعاً من تمر في مقابل اللبن الذي ثاب واجتمع في ملك البائع، أما اللبن الذي ثاب واجتمع بعد الشراء فإنه في مقابل العلف والغنم مع الغرم، والخراج بالضمان.
((وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)) إن رضيها أمسكها، في هذا ما يدل على صحة البيع مع وجود هذا النهي، البيع صحيح، والنهي مقتضٍ للتحريم، فيحرم على البائع أن يصري، يحرم على البائع أن يفعل هذا الفعل الذي هو التصرية، لكن العقد صحيح؛ لأنه ليس كل نهي يقتضي البطلان، فإن عاد النهي إلى ذات المنهي عنه، إلى حقيقة الشيء، أو إلى شرطه، فإنه حينئذ يبطل العقد، تبطل العبادة بهذا، لكن إذا عاد إلى أمر خارج لا إلى ذاته، ولا إلى شرطه، فإنه يصح مع التحريم، وإن قال من قال من أهل العلم: إن النهي مقتضي للبطلان مطلقاً كالظاهرية.


ظهوره في العبادات واضح، يعني شخص صلى وعليه عمامة حرير عند الظاهرية صلاته باطلة، منهي عن لبس الحرير فكيف يتعبد وهو عاصٍ؟ لكن جمهور أهل العلم على أن صلاته صحيحة والجهة منفكة؛ لأن النهي عاد إلى أمر خارج عن الذات والشرط، وهنا عاد النهي إلى أمر خارج لا يعود إلى ذات العقد، ويدل على ذلك: ((إن رضيها أمسكها)) دل على صحتها، ((وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)) هذا الحكم في المصراة أن المشتري بالخيار، لكن هل للبائع الخيار؟ حصلت التصرية من البائع، هذه الناقة صريت ثلاثة أيام وثاب في ضرعها عشر لترات من اللبن، وهي في الحقيقة لا يجتمع في اليوم إلا لتر أو لترين، نعم، فاشتراها زيد من الناس فاحتلبها فتبين أنها مصراة، كون الخيار للمشتري ظاهر بالنص، وهو الذي يقتضيه المعنى أيضاً، لو جاء شخص للبائع قال: أنت فعلت ما فعلت، وأنت بعت هذه الناقة بألفين، ثلاثة أنا اشتريها بأربعة، نقول: له خيار؟ الخيار أثبت للمشتري؛ لأنه غر بالتصرية، لكن هل الخيار يثبت للطرف الثاني؟ أو نقول: لزم البيع بشروطه، وتم العقد وليس لك حق، والخيار إنما هو لطرف واحد.
((وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)) وفي لفظ: ((وهو بالخيار ثلاثاً)) وهو يعني المشتري، أقرب مذكور.
((لا تلقوا الركبان)) فتلقيهم قبل وصولهم إلى السوق داخل في النهي، وهل يكفي مجرد دخول البلد وقبل وصول السوق، دخل في النطاق العمراني لكنه لم يصل إلى السوق الذي يعرف به حقيقة الأمر وما تستحقه هذه السلعة، يعني دخول طرف البلد يكفي وإلا لا؟ المعنى يقتضي أنه لا يكفي، حتى يصل إلى مكان يعرف فيه الواقع وحقيقة الأمر، لكن لو حصل التلقي وباع الراكب على هذا المتلقي العقد صحيح وإلا باطل؟ النهي يعود إلى إيش؟ التلقي هو ذات العقد أو شرطه؟ أو أمر خارج عن العقد والشرط؟ أمر خارج عن الشرط، لكن يبقى أن الراكب هذا إذا كان قد غبن في الثمن ثبت له خيار الغبن، ورد إلى البلد وتلقاه شخص اشترى منه قبل وصوله إلى السوق بنصف القيمة له الخيار، ثلثي القيمة له الخيار، ثلث كثير، الغبن في الثلث كثير.


((ولا يبع بعضكم على بيع بعض)) عرفنا أن في حكمه الشراء على الشراء، والبيع مع النجش، بل في جميع هذه الصور عند أكثر العلماء العقد صحيح مع الإثم، ومن أدل الأدلة على ذلك: ((إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها)) مع ثبوت هذا النهي؛ لأن النهي عاد إلى أمر خارج، كم باقي من الوقت؟ كم باقي للإقامة؟
طالب:. . . . . . . . .
باقي خمس، شوف لنا سؤالين.
الأسئلة كثيرة جداً يا إخوان نأخذ منها:
يقول: هل أدعو على من غشني وقد سألته عن السلعة فمدحها وعندما تفرقنا اتضح أنه غشني فيها حيث أخذ مبلغاً كبيراً عليها ولم أجده بعدها؟
على كل حال الدعاء بالشر على أخيك المسلم هو جهر بالسوء من القول، والله -سبحانه وتعالى- لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، وأنت حينئذ مظلوم، لك أن تدعو عليه بقدر مظلمتك، لكن إن تركت الحق ليقتص منه في الآخرة، فهو أعظم لأجرك، وإن أبحته وأعفيته من هذا الغش، من أثر هذا الغش فهو أعظم وأعظم للأجر ما لم يترتب على ذلك استرسال منه للغش؛ لأن بعض الناس إذا ترك زاد شره، فمثل هذا لا ينبغي أن يترك، إذا تبين أنه يغش يحاسب، ويبحث عنه، ويوقف عند حده.
يقول: هو رجل مصاب في قدمه فهل يعذر عن الحج حيث أنه لا يستطيع أن يسير مسافة طويلة؟
على كل حال إذا كان هو أعرف بنفسه، وإذا كانت إصابته تعوقه عن أداء الأركان، واستيفاء الشروط والواجبات فهو معذور.
يقول: دخلت المسجد والناس يصلون صلاة الظهر، وقد فاتني ركعة فأحرمت معهم ثم سها الإمام وأتى بركعة خامسة لهم ورابعة لي فهل علي أن آتي بركعة أخرى مع أني صليت أربعاً؟
الأصل أنه إذا زاد خامسة لا تجوز متابعته، لا ممن أدرك الصلاة كاملة ولا ممن فاته شيء من الصلاة، هذا بالنسبة لمن يعلم، والغالب أنه يعلم حتى المسبوق يعرف ترتيب الركعات، فلا تجوز متابعته، وإذا توبع على ذلك فهذه الركعة باطلة، لا يدرك بها شيء، تعتبر لاغية باطلة من تابعه عمداً بطلت صلاته، وهو عالم أنه زيادة ومتعمد لذلك تبطل صلاته، فيعيد الصلاة من جديد، الجاهل يعفى عنه لجهله، وعلى هذا السائل الذي أتى بثلاث ركعات مع الإمام وتابعه في الركعة الزائدة عليه أن يأتي بركعة، وإذا طال الفصل عليه أن يعيد الصلاة.


يقول: هل لك أن تبين ما الإقالة وأمثلة منها؟
الإقالة طلب فسخ البيع اشتريت سيارة بخمسين ألف فوجدت أنك لست بحاجة إلى هذه السيارة فبدلاً من أن تذهب إلى المعارض لبيعها بخسارة تذهب إلى صاحبها وتقول له: أقلني، وجاء في الخبر: ((من أقال نادماً أقال الله عثرته يوم القيامة)) تذهب إلى صاحبها وتطلب منه أن يفسخ البيع، ومثله البائع إذا تبين أن له حاجة ماسة إلى هذه السلعة، وأن بيعها يترتب عليه ضرر بالنسبة له، يستقيل المشتري وهكذا.
هذا يطلب حث الحاضرين على التبرع لصالح حلقات التحفيظ في هذا الجامع؟
لا شك أن تعليم القرآن وتعلمه من أفضل الأعمال ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) فالذي لا يستطيع أن يعلم بنفسه يستطيع أن يعلم بماله، والله المستعان.
يقول: نرجو توضيح مسألة هل يثبت الخيار للبائع في بيع المصراة؟
لا يثبت له الخيار؛ لأنه لم يحصل له غرر ولا جهالة، ولا أي شيء يستدعي الخيار.
يقول: ما يحصل الآن من بعض الأشخاص عندما يريد أن يبيع السيارة فإنه يقوم بتغسيلها وتنظيفها أليس هذا من الغرر؟
لا هذا ليس من الغرر، وما زاد عليها إلا أن نظفها والنظافة مطلوبة، لكن على المشتري ألا يسترسل ويغتر بالبريق واللمعان، ينظر إلى المؤثرات الحقيقية في السيارة، العكس بعض الناس يغر الناس بالغبار، إذا أراد أن يبيعها زاد الغبار عليها ليخفى بعض العيوب، ويعرف الناس أن السيارات الجديدة تأتي بالغبار، فيظهرها في مظهر الجديدة والنظيفة أما تغسيلها هذا ما فيه، ما فيه غرر.
هذا يسأل عن فتح المغيث للسخاوي؟
جاري طبعه الآن -إن شاء الله تعالى-.
يقول: زيادة بعض الروايات ألفاظها على الروايات الأخرى هل يعني أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قاله بألفاظ متعددة؟
زيادة بعض الألفاظ قد يكون الحديث واحد، لكن حفظ بعض الرواة ما لم يحفظه الآخر، فروى هذه الزيادة، وقد يحفظ هذا الراوي مثلما يحفظه غيره، وينسى بعض الجمل ويوردها غيره.
يقول: قول بعض الباعة: السلعة أمامك، أو على النظر أو نحو ذلك بحيث لا يذكر عيوب السلعة المباعة فما حكمه؟ وذكر عيوب كثيرة في السلعة شيء منها .... ؟


هذا تغرير كونه يعرف العيوب لا بد من بيانها، العيوب الظاهرة لا تحتاج إلى بيان، العيوب الظاهرة لا تحتاج إلى بيان، لكن إن بين فهو من تمام النصح، وزيادة في البركة، أما العيوب الخفية التي لا يدركها إلا أهل الخبرة التامة هذه لا بد من بيانها، بعض الناس يذكر عيوب في السلعة، ويضيف إليها عيوب ليست حقيقية، فإذا قال: السيارة تبي جير، وتبي مكينة، وتبي وتبي، وهي ما تبي إلا واحد من هذه الأمور بحيث إذا فحصها المشتري وشاف أنها ما تبي جير، قال: أكيد إنها ما تبي مكينة بعد، بس هذا من زود الورع يذكر هذه الأمور، لا يجوز له ذلك، لا يجوز له أن يغرر، هذا من أساليب التغرير.
يقول: إذا اشترى الإنسان سلعة عن طريق الإنترنت أو الهاتف فكيف يكون التفرق في هذا البيع؟
التفرق بمغادرة المكان.
يقول: ما تعليقكم على عقود البيع التي تبرمها البنوك مع راغب الشراء للحصول على المال أو على العقار أو السيارات خاصة أن بعضها لديها هيئة شرعية؟ وهل التعامل معهم جائز أم لا؟


إذا عرف من هذا الشخص أو من هذه الجهة أنها تتعامل بالمعاملات الربوية المحرمة أو فيها عقود ممنوعة في الشرع فالتعاون معهم إذا وجد غيرهم، لا شك أنه تعاون على الإثم والعدوان، أما إذا لم يوجد غيرهم فالإنسان لابد أن يقضي حاجته، والنبي -عليه الصلاة والسلام- تعامل مع اليهود، وهم يتعاملون بالربا، باع واشترى ورهن واقترض، المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حيث لم يجد غيرهم تعامل معهم، وإلا فالأصل أن التعاون على البر والتقوى، تتعامل مع شخص يستفيد من هذا المال فائدة على الوجه المشروع، أما شخص يستفيد من هذا المال الذي أعنته به على معصية الله، مثل هذا تعاون على الإثم والعدوان، لكن إذا لم تجد غيرهم واستوفت العقود الشروط الشرعية، وانتفت الموانع، وتوافرت .. ، حينئذ لا مانع من التعامل معهم، فإذا كان البنك مالك للسلعة التي يريد بيعها عليك، وأنت تريد هذه السلعة بعينها، أو تريد قيمتها على سبيل التورق فجماهير أهل العلم إذا كان البائع الأصلي مالك لهذه السلعة اشتريتها أنت وقبضتها القبض الشرعي المعتبر وحزتها وبعتها بنفسك أو وكلت ثقة يبيعها لك وأخذت قيمتها تبيعها على طرف ثالث لا يبيعها على الطرف الأول؛ لئلا تكون عينة، يبيعها على طرف ثالث فلا مانع -إن شاء الله تعالى-.
ترى الأسئلة كثيرة جداً، أنتم ما بغيتوا الإقامة؟
طالب:. . . . . . . . .
انتهى، لا بأس نترك بقية الأسئلة، الأسئلة كثيرة جداً، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لدينا مجموعة من الأسئلة كثيرة جداً بقيت من الأسبوع الماضي، نبدأ ببعضها حتى يكتمل عدد الأخوة الذين يحضرون.
في البداية هذا تنبيه من أحد الأخوة، وله أو لشخص آخر تنبيه نظير له، نظير لهذا التنبيه إلا أن الأول قال: خاص، والثاني هذا قال: وأرجو التنبيه لذلك، أو التنبيه على ذلك، ولا علاقة له بالدورة، لكن يقول هذا -طالب التنبيه- جزاه الله خير.


يقول: قلتم أمس في شرح مختصر البخاري في الإذاعة: يعاتبني قومي بالدين، والصحيح أنه بالدَين.
وجاء تنبيه آخر في الأسبوع الماضي، وليس المراد أمس، أمس القريب، السبت الذي قبله؛ لأن هذه الورقة أرسلت في الأسبوع الماضي.
أنا أدركت هذا، وعرفت أنها .. ، وهي سبقت لسان فقط، وعرفت أنه وقع قبل أن يذاع، وطلب من المخرج أن يعدل، لكنه وعد بذلك وكأنه نسي، وعلى كل حال الصحيح كما ذكره الإخوة، يعاتبني قومي بالدَين، وليس بالدِين.
يقول: باع الحاضر للبادي ما هو العلة في النهي؟
بيع الحاضر للبادي العلة ملاحظة مصلحة الجماعة، وهو أن البادي يأتي ليبيع سلعته بما تستحقه في السوق، وقد يحصل لعموم الناس منفعة من هذه السلعة برخص ونحوه مما لا يتضرر به البادي، فإذا تولى الحاضر البيع للبادي واستقصى في قيمتها، ولذا قال ابن عباس: "لا يكون له سمساراً" يعني دلال، يستقصي القيمة كلها فلا يستفيد الناس من روائه، فالعلة في ذلك في النهي إفادة الجماعة من سلعة هذا الوارد على البلد، كما جاء في الحديث: ((دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) يقابل هذا النهي عن تلقي الركبان، لئلا يتضرر هذا الراكب الوافد بتلقيه، فالشارع كما يلاحظ مصلحة الجماعة يلاحظ أيضاً مصالح الأفراد، وفي الشريعة من التوازن ما يجعل الكل على البال.
يقول: لقد ذكرت في حديث أبي هريرة أن هناك نفس تلقي الركبان، ولم نسمع؟
على كل حال هو فرع من السؤال الماضي، هو فرع من السؤال الماضي، النهي عن تلقي الركبان لئلا يتضرر هذا الراكب فيتلقاه شخص يشتري منه سلعته بثمن أقل.
يقول: هناك تاجر لديه سفينة قادمة من خارج المملكة محملة بالبضائع، وقبل أن تصل إلى ميناء جدة بيوم جاءته العروض من تجار البلد، هل يبيع أم ماذا يفعل؟
هذا ليس براكب، ليس بوافد على البلد، وإنما هو في البلد، هو في السوق موجود، وبضاعته قادمة من بعيد، فلا يدخل في هذا.
يقول: إن رضيها أمسكها، يعني المصراة وإن لم يرضها إلى آخره، يقول: لكن الذهاب إليه والبحث عنه يكلفان كثيراً، وكذلك فإن نقل الإبل يكلف مالاً ووقتاً فهل يتحمل البائع هذا المبلغ أم لا؟


شخص اشترى ناقة مصراة من الرياض مثلاً، ونقلها بسيارته فوراً إلى أقصى الشمال أو أقصى الجنوب، ثم بعد ثلاث تبين له أنها مصراة، هل يردها ويتحمل من الخسائر في نقلها أكثر من تحمله من الغرر الناشئ من التصرية، هو أعرف بمصلحته إذا كان الضرر اللاحق بالسلعة بسبب التصرية أعظم من أجرة النقل يرده، وهو أدرى بمصلحته.