فقه المعاملات

موسوعة فقه المعاملات
وتشمل:

1- الأبحاث
2- التطبيقات
3- الفتاوى
4- المصطلحات


البيع


تعريف البيع
البيع هو مبادلة مال بمال بقصد الاكتساب.


البيع لغة مبادلة مال بمال , والشراء ضد البيع وقد يطلق أحدهما ويراد به البيع والشراء معا لتلازمهما والبائع باذل السلعة , والمشتري هو باذل العوض.
والبيع اصطلاحا هو مبادلة مال بمال بقصد الاكتساب , أو هو عقد معاوضة مالية تفيد ملك العين والمنفعة على التأبيد لا على وجه القربة.
وهذا التعريف يتميز به البيع عن الهبة لأن الهبة هي تمليك بلا عوض حال الحياة بينما البيع هو تمليك بعوض.
ويتميز البيع عن الإجارة لأن فيها تمليك للمنفعة وليس لذات الشيء كما في البيع , والإجارة محددة بالمدة أو بالعمل خلافا للبيع.


دليل مشروعية البيع
البيع مشروع على سبيل الجواز , ويدل على إباحته الكتاب , والسنة , والإجماع , والمعقول.


دليل المشروعية من الكتاب
يقول تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} (البقرة: 275) ويقول تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} (النساء: 29) .

دليل المشروعية من السنة
سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور.
وكذلك فعله صلى الله عليه وسلم وتقريره.
دليل المشروعية من الإجماع
لقد أجمع الفقهاء على جواز البيع.
دليل المشروعية من المعقول
إن الحكمة تقتضى إباحة البيع لتعلق حاجة الإنسان لما في يد صاحبه , ولا سبيل إلى المبادلة إلا بعوض غالبا ولا يمكن الوصول إلى هذا الغرض إلا بإباحة البيع.


الوصف الفقهي للبيع
البيع أصل في ذاته , وهو مبادلة مال بمال فلا يخضع لتكييف آخر بل تكيف بعض التصرفات الأخرى بردها إلى البيع , مثل الصلح على بدل حيث يعتبر بيعا.
والبيع هو من عقود المبادلات وكذلك من عقود المعاوضات.


البيع أهم أبواب المعاملات المالية , ولذا صدر الفقهاء به زمرة المعاملات , ويمكن وصفه بأوصاف أخرى تدل على طبيعته في مجموعة المعاملات.
والبيع من عقود المبادلات لأنه يقوم على مبادلة مال بمال كمبادلة السلعة بالثمن.
كما أنه من عقود المعاوضات لأنه لا يخلو من عوض بخلاف الهبة والإعارة مثلا فهما بدون عوض.


الحكم التكليفي للبيع
حكم البيع الأصلي هو الإباحة وقد تعتريه بحسب الأحوال الأحكام التكليفية الأخرى من الحظر أو الكراهة أو الوجوب أو الندب.


الحكم الأصلي للبيع الإباحة لأن في تجويزه دفع لحاجة الناس وتحقيق أغراضهم. ولكن قد تعتريه أحكام أخرى , فيصبح محظورا إذا اشتمل على ما هو ممنوع بالنص لأمر في الصيغة أو العاقدين أو المعقود عليه , فيحرم الإقدام على مثل هذا البيع.

وقد يكون الحكم الكراهة إذا وقع فيما نهى عنه نهيا غير جازم.
ويصبح البيع واجبا في حال الاضطرار إلى الحصول على طعام أو شراب لحفظ النفس.
وقد يكون البيع مندوبا كمن حلف على غيره أن يبيعه سلعة لا ضرر عليه من بيعها , فتندب إجابته لأن إبرار المقسم فيما ليس فيه ضرر مندوب إليه.


تقسيم البيع باعتبار المبيع
ينقسم البيع باعتبار موضوع المبادلة فيه إلى أربعة أنواع:
البيع المطلق , السلم , الصرف , المقايضة.


البيع المطلق
البيع المطلق هو مبادلة العين بالدين وهو أشهر الأنواع , ويتيح للإنسان المبادلة بنقوده على كل ما يحتاج إليه الأعيان , وإليه ينصرف البيع عند الإطلاق فلا يحتاج كغيره إلى تقييد.

بيع السلم
بيع السلم ويسمى السلف هو مبادلة الدين بالعين , أو بيع شيء مؤجل بثمن معجل.
والفقهاء يسميه: بيع المحاويج , لأنه بيع دعت إليه ضرورة كل واحد من المتبايعين وقد ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أحله الله في كتابه وأذن فيه) , ثم قرأ قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} (البقرة:282) .

بيع الصرف
بيع الصرف هو مبادلة الأثمان , أي بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة.
وكذلك بيع أحدهما بالآخر ويسمى صرفا , ولا بد فيه من التقابض في المجلس , اتحد الجنس أو اختلف.
وعند الاتحاد يجب مع التقابض التساوي وزنا , ولا اعتبار بالصنعة فيهما.
ويخص المالكية الصرف بما كان نقدا بنقد مغاير وهو بالعد , فإن كان بنقد من نوعه فهو (مراطلة) وهو بالوزن.

بيع المقايضة
بيع المقايضة هو مبادلة مال بمال سوى النقدين ويشترط لصحته التساوي في التقابض إن اتفقا جنسا وقدرا فيجوز بيع لحم بشاة حية لأنه بيع موزون بما ليس بموزون وخبز بدقيق متفاضلا لأنه بيع مكيل بموزون.
ولا يجوز بيع التين الرطب بالتين اليابس إلا متماثلا.
ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق أو البرغل مطلقا ولو متساويا لانكباس الأخيرين في المكيال أكثر من الأول.


تقسيم البيع باعتبار طريقة تحديد الثمن
ينقسم البيع باعتبار طريقة تحديد الثمن إلى ثلاثة أنواع:
هي المساومة , والمزايدة , والأمانة.


بيع المساومة
بيع المساومة هو البيع الذي لا يظهر فيه رأس ماله أي البيع بدون ذكر ثمنه الأول.

بيع المزايدة
بيع المزايدة هو أن يعرض البائع سلعته في السوق ويتزايد المشترون فيها , فتباع لمن يدفع الثمن الأكثر.
ويقابل المزايدة الشراء بالمناقصة , وهي أن يعرض المشتري شراء سلعة موصوفة بأوصاف معينة , فيتنافس الباعة في عرض البيع بثمن أقل , ويرسو البيع على من رضي بأقل سعر , ولم يتحدث الفقهاء قديما في مثل هذا البيع ولكنه يسري عليه ما يسري على المزايدة مع مراعاة التقابل.

بيوع الأمانة
بيوع الأمانة هي التي يحدد فيها الثمن بمثل رأس المال أو أزيد أو أنقص , وسميت بيوع الأمانة لأنه يؤتمن فيها البائع في إخباره برأس المال , وهي ثلاثة أنواع:
بيع المرابحة: وهو بيع السلعة بمثل الثمن الأول الذي اشتراها البائع مع زيادة ربح معلوم متفق عليه.
بيع التولية: وهو بيع السلعة بمثل ثمنها الأول الذي اشتراها البائع به من غير نقص ولا زيادة.
بيع الوضعية: وهو بيع السلعة بمثل ثمنها الأول الذي اشتراها البائع به مع وضع (حط) مبلغ معلوم من الثمن , أي بخسارة محددة.
هذا وفي حالة كون البيع يتم لجزء من المبيع , فإنه يسمى بيع (الإشراك) .
وهو لا يخرج عن الأنواع المتقدمة المذكورة من البيوع.


تقسيم البيع باعتبار طريقة تسليم الثمن
ينقسم البيع باعتبار طريقة تسليم الثمن إلى منجز الثمن , ومؤجل الثمن , ومؤجل المثمن , ومؤجل العوضين.


بيع منجز الثمن:
البيع منجز الثمن هو ما لا يشترط فيه تأجيل الثمن , ويسمى بيع النقد , أو البيع بالثمن الحال.

بيع مؤجل الثمن:
البيع مؤجل الثمن هو ما يشترط فيه تأجيل الثمن.

بيع مؤجل المثمن:
البيع مؤجل المثمن هو مثل بيع السلم وبيع الاستصناع.

بيع مؤجل العوضين:
البيع مؤجل العوضين هو بيع الدين بالدين وهو ممنوع في الجملة.


تقسيم البيع باعتبار الحكم الشرعي
ينقسم البيع باعتبار الحكم الشرعي إلى أنواع كثيرة منها:
البيع المنعقد ويقابله البيع الباطل ,
والبيع الصحيح ويقابله البيع الفاسد ,
والبيع النافذ ويقابله البيع الموقوف ,
والبيع اللازم ويقابله البيع غير اللازم (ويسمى الجائز أو المخير) .


البيع الصحيح
البيع الصحيح هو بيع المال المتقوم الحائز على جميع أوصافه الشرعية المقبول شرعا.

البيع الفاسد
البيع الفاسد هو بيع المال المتقوم غير الحائز على جميع الأوصاف الشرعية كالبيع الذي سكت فيه عن الثمن.

البيع اللازم
البيع اللازم هو البيع الذي يقع باتا إذا عري عن الخيارات كبعتك هذا الثوب بعشرة قروش وقبل المشتري.

البيع غير اللازم
البيع غير اللازم إذا كان فيه إحدى الخيارات كبعتك هذا الثوب بعشرة قروش فقال المشتري قبلت على أنى بالخيار ثلاثة أيام.

البيع الموقوف
البيع الموقوف هو البيع الذي تعلق به حق الغير كبيع إنسان مال غيره بغير إذنه.

البيع الباطل
البيع الباطل هو الذي لا ينعقد إذا لم يكن مشروعا أصلا كما إذا لم يكن مالا متقوما كبيع الميتة.


صيغة البيع
الصيغة: هي الإيجاب والقبول ويصلح لهما كل قول يدل على الرضا مثل قول البائع:
بعتك أو أعطيتك , أو ملكتك بكذا.
وقول المشتري: اشتريت أو تملكت أو ابتعت أو قبلت , وشبه ذلك.


الصيغة:
هي الإيجاب والقبول ويصلح لهما كل قول يدل على الرضا مثل قول البائع: بعتك أو أعطيتك , أو ملكتك بكذا.
وقول المشتري: اشتريت أو تملكت أو ابتعت أو قبلت , وشبه ذلك.

والإيجاب عند الجمهور هو ما يصدر من البائع دالا على الرضا , والقبول عندهم هو ما يصدر من المشتري كذلك.
وقال الحنفية
إن الإيجاب يطلق على ما يصدر أولا من كلام أحد العاقدين , سواء أكان هو البائع أم المشتري , والقبول ما يصدر بعده.
وقد صرح المالكية والشافعية والحنابلة
بأن تقدم لفظ المشتري على لفظ البائع جائز لحصول المقصود.

ومن شروط الصيغة أيضا أن تكون الصيغة بالماضي مثل أن يقول البائع: بعت , ويقول المشتري: قبلت , أو بلفظ المضارع إن أريد به الحال مثل: أبيع وأشترى , مع إرادة الحال.
فإذا أراد به المستقبل أو دخل عليه ما يحوله للمستقبل كالسين وسوف ونحوهما مثل سأبيعك , أو أبيعك غدا فيكون ذلك وعدا بالعقد , والوعد بالعقد لا يعتبر عقدا شرعيا , ولهذا لا يصح العقد.

ولا ينعقد البيع إذا كان الإيجاب أو القبول بصيغة الاستفهام , مثل: أتبيعني؟
وفي حالة صيغة الأمر مثل: بعني , فإذا أجابه الآخر بقوله: بعتك , كان اللفظ الثاني إيجابا واحتاج إلى قبول من الأول (الآمر بالبيع) وهذا عند الحنفية , وفي رواية عند الحنابلة , ومقابل الأظهر عند الشافعية.
أما عند المالكية , وهو الأظهر عند الشافعية , وإحدى الروايتين عند الحنابلة: ينعقد البيع بقول المشتري بعني , وبقول البائع: بعتك , للدلالة على الرضا , ولا يحتاج إلى قبول من الأول.

وقال الشافعية: لو قال المشتري بلفظ الماضي أو المضارع: بعتني أو تبيعني , فقال البائع: بعتك , لم ينعقد البيع حتى يقبل بعد ذلك.

وصرح الحنفية بصحة الإيجاب بلفظ الأمر أو المضارع , إذا كان في العبارة إيجاب أو قبول ضمني , مثل: خذ هذه السلعة بكذا , فقال: أخذتها لأن خذ تتضمن بعتك فخذ , وكذلك قول البائع بعد إيجاب المشتري: يبارك الله بك في السلعة , لأنه يتضمن معنى قبلت البيع.
وبذلك تكون العبرة بالدلالة على المقصود , سواء أكان ذلك بوضع اللغة أم بجريان العرف.
ويشترط للصيغة كذلك: اتحاد المجلس , وهو يجمع المتفرقات فيه , فلو تراخى القبول عن الإيجاب أو عكسه صح المتقدم منهما , ولم يلغ , ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه عرفا.
ويشترط عدم الهزل في الإيجاب أو القبول.
ويشترط لبقاء الإيجاب صالحا: عدم رجوع الموجب , وعدم وفاته قبل القبول , وعدم هلاك المعقود عليه.
ويشترط ألا يطرأ قبل القبول تغيير على المعقود عليه بحيث يصير مسمى آخر غير المتعاقد عليه كتحول العصير خلا.

ويحصل التوافق بين الإيجاب والقبول بأن يقبل المشتري كل المبيع بكل الثمن. فلا توافق إن قبل بعض العين التي وقع عليها الإيجاب أو قبل عينا غيرها , أو قبل ببعض الثمن الذي وقع به الإيجاب أو قبل عينا غيرها , وكذلك لا توافق إن قبل ببعض الثمن الذي وقع به الإيجاب أو بغيره , إلا إن كان القبول إلى خير مما في الإيجاب , كما لو باع شخص السلعة بألف فقبلها المشتري بألف وخمسمائة أو اشترى شخص سلعة بألف فقبل البائع بيعها بثمانمائة , وهذه موافقة ضمينة ولكن لا تلزم الزيادة , إلا إن قبلها الطرف الآخر.


صفات العاقدين في البيع
لما كانت عقود المعاوضات المالية كالبيع والسلم والاستصناع والصرف تنشأ بين متعاقدين بإرادتهما , اشترط الفقهاء في كل واحد من العاقدين أن يكون أهلا لصدور العقد عنه , وأن يكون له ولاية إذا كان يعقد لغيره.


البيع هو عقد معاوضة مالية ينشأ بين طرفين متعاقدين بإرادتهما الحرة فلا بد لانعقاد البيع ونفاذه أن يكون عاقداه من أهل العبارة المعتبرة في إنشاء العقود والالتزام بآثارها ويتحقق ذلك بتوافر شرطين فيهما:

الأول:
أن يكونا أهلا للمعاملة والتصرف , أي أن يكون عندهما أهلية أداء. وأهلية الأداء التي تعني صلاحية الشخص لصدور الأقوال منه على وجه يعتد به شرعا. وتتحقق هذه الأهلية عند جمهور الفقهاء في الإنسان المميز العاقل الرشيد غير المحجور عليه بأي سبب من أسباب من الحجر , ولم يكتف الشافعية بالتمييز بل اشترطوا البلوغ فلا ينعقد عندهم بيع الصبي لعدم أهليته.

الثاني:
أن يكون لهما ولاية على العقد أي أن يكون للعاقد سلطة تمكنه من تنفيذ العقد وترتيب آثاره عليه , ويكون ذلك إما بتصرف العاقد أصالة عن نفسه وإما أن يكون مخولا في ذلك بأحد طريقين:
بالنيابة الاختيارية التي تثبت بالوكالة. ولابد فيها أن يكون كل من الوكيل والموكل أهلا لإنشاء عقود المعاوضات المالية.
أو بالنيابة الإجبارية التي تثبت بتولية الشارع , وتكون لمن يلي مال المحجور عليهم من الأولياء والأوصياء الذي جعلت لهم سلطة شرعية على إبرام العقود وإنشاء التصرفات المالية لمصلحة من يلونهم.


أن يكون مالا طاهرا
يشترط في المبيع أن يكون مالا طاهرا.


يشترط في المبيع أن يكون مالا طاهر العين. وعبر المالكية والشافعية عن هذا الشرط بلفظ النفع والانتفاع.
ثم قالوا: ما لا نفع فيه ليس بمال فلا يقابل به , أي لا تجوز المبادلة به , وهو شرط انعقاد عند الحنفية.

والمال ما يميل إليه الطبع , ويجرى فيه البذل والمنع , فما ليس بمال ليس محلا للمبادلة بعوض , والعبرة بالمالية في نظر الشرع , فالميتة والدم المسفوح ليس بمال.

واشتراط طهارة العين لحديث جابر أنه سمع صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله: أرأيت شحوم الميتة , فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس , فقال: هو حرام.


أن يكون مملوكا لمن يلي العقد
يشترط أن يكون المبيع مملوكا لمن يلي العقد أو مأذونا ببيعه من جهة المالك , فلا يصح بيع الإنسان ما لا يملك.


يشترط أن يكون المبيع مملوكا لمن يلي العقد أو مأذونا ببيعه من جهة المالك , وقد قسم الحنفية هذا الشرط من شروط الانعقاد إلى شقين:

الأول:
أن يكون المبيع مملوكا في نفسه , فلا ينعقد بيع الكلأ مثلا , لأنه من المباحات غير المملوكة , ولو كانت الأرض مملوكة له.

والثاني:
أن يكون المبيع ملك البائع فيما يبيعه لنفسه , فلا ينعقد بيع ما ليس مملوكا , وإن ملكه بعد , إلا السلم , والمغصوب بعد ضمانه , والمبيع بالوكالة أو النيابة الشرعية , كالولي والوصي والقيم.

وقد استدل لعدم مشروعية بيع ما لا يملكه الإنسان بحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبع ما ليس عندك.
وبهذا لا بد أن يكون المتصرف فيه مملوكا للعاقد أو مأذونا ببيعه من جهة المالك , فإن وقع البيع أو الشراء قبل إذنه فإن هذا يعتبر من تصرفات الفضولي (وهو الذي يعقد لغيره دون إذنه) كأن يبيع الزوج ما تملكه الزوجة دون إذنها , أو يشترى لها ملكا دون إذنها له بالشراء.

وعقد الفضولي يعتبر عقدا صحيحا , إلا أنه يجب الحصول على إجازة المالك أو وليه فإن أجازه نفذ , وإن لم يجزه بطل.
ودليل ذلك ما رواه البخاري عن عروة البارقي أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بدينار لأشتري له به شاة , فاشتريت له به شاتين , بعت إحداهما بدينار وجئته بدينار وشاة , فقال لي: بارك الله في صفقة يمينك.


أن يكون معلوما
يجب أن يكون المبيع معلوما , وأن يكون معينا.
فإذا كان مجهولا , فإن البيع لا يصح لما فيه من غرر.


لا بد من معرفة المبيع من أن يكون معلوما بالنسبة للمشتري بالجنس والنوع والمقدار
فالجنس كالقمح مثلا , والنوع كأن يكون من إنتاج بلد معروف , والمقدار بالكيل أو الوزن أو نحوهما , فيصير المبيع معلوما ببيان أحواله وصفاته التي تميزه عن غيره.
مثلا لو باع عشرين مدا من الحنطة الحورانية أو باع أرضا مع بيان حدودها صار المبيع معلوما وصح البيع.
وهذا التمييز إما أن يحصل في العقد نفسه بالإشارة إليه , وهو حاضر في المجلس , فيتعين حينئذ , وليس للبائع أن يعطى المشتري سواه من جنسه إلا برضاه.
والإشارة أبلغ طرق التعريف , كما لو قال البائع للمشترى بعتك: هذا الحيوان وقال المشتري: اشتريته وهو يراه صح البيع.

والعلم بالمبيع يكتفى بالمشاهدة في المعين ولو لم يعلم قدره كما في بيع الجزاف (وهو الذي يعلم قدره على التفصيل) وهذا النوع من البيع كان متعارفا عليه بين الصحابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وإما أن لا يعين المبيع في العقد , بأن كان غائبا موصوفا , أو قدرا من صبرة حاضرة في المجلس , وحينئذ لا يتعين إلا بالتسليم. وهذا عند الحنفية والمالكية والحنابلة ومقابل الأظهر عند الشافعية , وفي الأظهر عندهم: أنه لا يصح بيع الغائب.

ومن المبيع غير المتعين بيع حصة على الشيوع , سواء أكانت من عقار أم من منقول , وسواء أكان المشاع قابلا للقسمة أم غير قابل لها , فإن المبيع على الشيوع لا يتعين إلا بالقسمة والتسليم.

ومما يتصل بتعيين المبيع: بيع شيء واحد من عدة أشياء على أن يكون للمشترى خيار التعيين , أي تعيين ما يشتريه منها , ويمكنه بذلك أن يختار ما هو أنسب له منها , وهذا عند من يقول بخيار التعيين.
وذهب الحنفية إلى أن بيع واحد من اثنين أو ثلاثة صحيح استحسانا , لمساس الحاجة إليه وجريان العرف به , دون أن يؤدي إلى منازعة.

وإذا اقترن عقد البيع بخيار التعيين هذا لم يكن صحيحا إلا بتوافر الشروط التالية:
أ - أن يكون المبيع واحدا من ثلاثة أو اثنين كأن يشترى شخص ثوبا من هذه الأثواب الثلاثة على أن يكون له اختيار أحدها , فإذا اشترى ثوبا من أربعة على أن يكون له اختيار أحدها كان العقد فاسدا للجهالة.

ب - أن تتفاوت هذه الأعيان الثلاثة التي سيكون منها الاختيار في أوصافها , وأن يبين ثمن كل عين منها , حتى يكون للتخيير بينها فائدة.

ج - أن يوقت هذا الخيار بمدة معلومة , وألا تتجاوز هذه المدة ثلاثة أيام عند أبي حنيفة خلافا لصاحبيه , وذلك لشبهه بخيار الشرط عندهم.
وذهب بعض العلماء إلى عدم اشتراط توقيته.

د - أن يشترط معه خيار الشرط , مثال ذلك أن يقول البائع مثلا: بعتك أحد هذين الثوبين على أن تختار أيهما شئت وعلى أنك بالخيار ثلاثة أيام , وثمن هذا الثوب كذا وثمن الثوب الآخر كذا , فإذا قبل المشتري كان له أن يختار أحد الثوبين بمقتضى خيار التعيين , وإذا اختاره قبل مضى ثلاثة أيام من وقت العقد كان له فيه خيار الشرط إلى انتهاء الأيام الثلاثة , فإن شاء أمضى البيع فيها , وإن شاء فسخ فرد الثوبين وإن شاء فسخ فرد الثوبين جميعا.
وذلك مقتضى خيار الشرط , فإن مضى على العقد ثلاثة أيام له ردها جميعا.


أن يكون موجودا حين العقد
يشترط أن يكون المبيع موجودا حين العقد مقدورا على تسليمه شرعا وحسا.


لا يصح بيع المعدوم كأن يبيع الثمرة قبل أن تخلق.
ولا يصح بيع السمك في الماء فهو مما لا يقدر على تسليمه حسا , وقد روى أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر.
ولا يجوز بيع الملاقيح وهى ما في البطون من الأجنة وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة وذلك لما فيه من الغرر والجهالة وللحديث نهى عن بيع الغرر ونهى عن ضربة الغائص: وهو أن يقول من اعتاد الغوص في البحر لغيره: ما أخرجته من هذه الغوصة فهو لك بكذا من الثمن.


وسيلة معرفة المبيع وتعيينه
إذا كان المبيع غائبا عن المجلس ولم تتم معرفة المبيع برؤيته أو الإشارة إليه , فإنها تتم بالوصف الذي يميزه عن غيره , مع بيان مقداره.

وإذا كان عقارا كان لا بد من بيان حدوده , لاختلاف قيمة العقار باختلاف جهته وموقعه.

وإذا كان من المكيلات أو الموزونات أو المذروعات أو المعدودات فإنه تحصل معرفتها بالمقدار الذي تباع به.


إذا كان المبيع غائبا عن المجلس ولم تتم معرفة المبيع برؤيته أو الإشارة إليه , فإنها تتم بالوصف الذي يميزه عن غيره , مع بيان مقداره.
وإذا كان عقارا كان لا بد من بيان حدوده , لاختلاف قيمة العقار باختلاف جهته وموقعه.
وإذا كان من المكيلات أو الموزونات أو المذروعات أو المعدودات فإنه تحصل معرفتها بالمقدار الذي تباع به.

ويصح بيع الجزاف , وهو إما يكون بإجمال الثمن على الصبرة كلها , فيصح باتفاق مع مراعاة ما ذكره المالكية من شروط في بيع الجزاف.
وإما بتفصيله بنحو كل صاع بكذا , فيصح عند المالكية والشافعية والحنابلة وأبي يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة يصح في صاع واحد , ويبطل فيما سواه لجهالة المجموع الذي وقع عليه العقد , وقال الشافعية: إن قدر الصبرة كأن قال: بعتك الصبرة كل صاع بدرهم , على أنها مائة , صح البيع إن خرجت مائة لتوافق الجملة والتفصيل , وإن لم تخرج مائة , بأن خرجت أقل أو أكثر , ففي الصحيح لا يصح البيع لتعذر الجمع بين جملة الثمن وتفصيله , والقول الثاني يصح.

ويجوز بيع المكيل بالوزن وعكسه , وهذا في الجملة في غير الربويات , أي فيما لا يحرم التفاضل فيه , للنص على ذلك في الربويات.

ويجوز البيع بمكيال أو ميزان خاص كحجر معين للمتبايعين , ولو لم يكن متعارفا عليه عند غيرهما.
أما البيع بمكيال غير منضبط , بأن كان يتسع ويضيق فلا يجوز.
مع استثناء بيع الماء بالقرب , فيجوز استحسانا لجريان العرف به , كما يقول الحنفية.


شمول المبيع
يقع البيع على العين ومنافعها وتوابعها , ولذا كان من مقتضاه أحيانا أن يدخل في المبيع ما له صلة به , لتحقيق المنفعة المرادة منه , أو أن يقضي العرف بشمول المبيع لأشياء تدخل فيه ولو لم يصرح بذلك في العقد.

فالأصل أن ما جرى العرف في بلد بدخوله في المبيع تبعا دخل فيه ولا ينفصل عنه إلا بالاستثناء.


يدخل في المبيع كل ما يتناوله مدلول اسم المبيع , بحيث يعتبر جزءا من أجزائه
فبيع الدار مثلا يدخل فيه غرفها وكل ما كان فيه من البناء أو متصلا به تبعا لتلك الدار أو جرت العادة بدخوله , وكذلك تدخل المفاتيح والسلالم المتصلة في بيعها حيث لا تقبل الانفكاك عن المبيع.
ويدخل الأشجار في بيع الأرض بلا ذكر , مثمرة كانت أو لا إذا كانت موضوعة فيها للقرار كبيع الدار تدخل فيه الأبواب والأحواض.

وهناك ما جرى العرف ببيعه مع المبيع تابعا له كالخطام بالنسبة للبعير.
ولا يدخل الزرع في بيع الأرض بلا تسمية ولا الثمر في بيع الشجر بدون شرط ويؤمر البائع بقطع الزرع والثمر وإن لم يظهر صلاحه.
ولا يدخل في بيع الدار الطريق الخاص أو مسيل الماء.
والطريق الخاص كأن يكون للدار ممر من عند الجيران أو مسيل ميزاب مثلا إلا أن يقول اشتريت هذه الدار بكل حق هو لها أو نحو ذلك فحينئذ يدخل في المبيع.

وما دخل في البيع تبعا لا يلزم بمقابلته تنزيل شيء من الثمن إذا هلك قبل القبض , غير أنه يثبت حينئذ الخيار للمشترى بين الأخذ بكل الثمن أو الترك.
والزيادة الحاصلة في المبيع بعد العقد وقبل القبض كالثمرة وشبهها هي للمشترى.


الاستثناء من المبيع
كل ما يجوز بيعه منفردا يجوز استثناؤه , وما لا يجوز إيقاع البيع عليه بانفراده لا يجوز استثناؤه ولا بد من كون المستثنى معلوما لأنه إن كان مجهولا عاد على الباقي بالجهالة , فلم يصح البيع.


ينبني حكم الاستثناء من المبيع على نص هو ما رواه البخاري من أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم.

وعلى ذلك لا يجوز استثناء الحمل من بيع الدابة , لأنه لا يجوز إفراده بالبيع وهو قول الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلا فيما نقل عن الإمام أحمد بصحة استثنائه , وبه قال الحسن والنخعي وإسحاق وأبو ثور لما روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه باع جارية واستثنى ما في بطنها , ولأنه يصح استثناؤه في العتق , فصح في البيع قياسا عليه.

وهكذا كل مجهول لا يجوز استثناؤه , كاستثناء شاة غير معنية من قطيع , ولا يجوز بيع الحائط واستثناء شجرة أو نخلة غير معنية لأن استثناء المجهول من المعلوم يصيره مجهولا فإن عين المستثنى صح البيع والاستثناء , وهذا عند الجمهور.

ويجوز عند الإمام مالك استثناء نخلات أو شجرات وإن لم تكن بأعيانها , على أن يختارها , إذا كان ثمرها قدر الثلث أو أقل , وكانت ثمار الحائط لونا واحدا لخفة الغرر في ذلك.

ويجوز عند الحنابلة بيع الحيوان المأكول واستثناء رأسه وجلده وأطرافه وسواقطه وجوز مالك ذلك في السفر فقط لعدم التمكن من الانتقاع بها وكرهه في الحضر.
والدليل على جواز استثناء ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن الثنيا إلا أن تعلم وهذه معلومة.

وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة مروا براعي غنم فذهب أبو بكر وعامر فاشتريا منه شاة , وشرطا له سلبها (أي جلدها وأكارعها وبطنها) , ولا يجوز ذلك عند الحنفية الشافعية.

ومما اختلف الفقهاء فيه من الاستثناء ما اعتبره بعضهم شرطا صحيحا , فأجازه وأجاز البيع , واعتبره غيرهم شرطا فاسدا , فأبطله وأبطل البيع.
ومثال ذلك: من يبيع الدار ويستثنى سكناها شهرا مثلا , فأجاز ذلك المالكية والحنابلة , واستدلوا بحديث جابر أنه: باع النبي صلى الله عليه وسلم جملا واشترط ظهره (أي ركوبه) إلى المدينة وفي لفظ: قال: بعته واستثنيت حملانه إلى أهلي.
وعند الحنفية والشافعية لا يجوز ذلك ويبطل الشرط والبيع لأنه شرط غير ملائم.


بيع الأصول وبيع الثمار
الأشياء منها ما هو أصل ومنها ما هو تابع لغيره , فالأرض أصل والبناء تابع , والشجر أصل والأغصان والثمار تابعة لها.
وعند البيع يتبع الأصل كل ما يلتحق به حكما.
ويجوز باتفاق الفقهاء بيع الثمار وحدها منفردة عن الشجر , ولكن لا يجوز بيعها إلا بعد بدو صلاحها.


الأصول جمع أصل , وهو ما ينبني عليه غيره , وقد عبر عنه النووي بقوله الأصول: الشجر والأرض , وفي شرح منتهى الإرادات: المراد بالأصول هنا: هي أرض ودور وبساتين.
وقد درج الفقهاء على إفراد فصل بعنوان (بيع الأصول) ذاكرين فيه ما يتبع هذه الأصول في البيع وما لا يتبعها.

وبيان ذلك كما يأتي:
بيع الأرض
من باع أرضا دخل فيها الغراس والبناء لاتصالها بها اتصال قرار , وهي من حقوقها , وهذا في جميع المذاهب إلا في قول عند الشافعية أنه إن أطلق ولم يقل بحقوقها فلا يدخل البناء والشجر لكن المذهب دخوله عند الإطلاق.

كما أن الشافعية فسروا الشجر الذي يتبع الأرض بالشجر الرطب , أما الشجر اليابس فلا يدخل , على ما صرح به ابن الرفعة والسبكي تفقها , وقال الإسنوي لا يدخل جزما.

كما يدخل في بيع الأرض الحجارة المخلوقة المثبتة فيها لأنها من أجزائها دون المدفونة كالكنز فلا تدخل في البيع وتكون للبائع , لكن قال القرافي لا تدخل المدفونة إلا على القول بأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها.
وإن كان في الأرض زرع يجز مرة بعد أخرى فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة عند البيع للبائع.

بيع الدار
ومن باع دار دخل في البيع بناؤها , وفناؤها وما فيها من شجر مغروس وما كان متصلا بها لمصالحتها , كسلالم , ورفوف مسمرة , وأبواب ورحى منصوبة , ولا يتناول ما فيها من كنز مدفون ولا ما هو منفصل عنها كحبل ودلو , ولا ما ينقل كحجر وخشب.

أما الغلق المثبت فيدخل مفتاحه عند الحنفية والمالكية , وهو الأصح عند الشافعية وفي رواية عند الحنابلة.

بيع الشجر
ومن باع شجرا تبعه الأغصان والورق وسائر أجزاء الشجر , لأنه من أجزائها خلق لمصلحتها.
وإن كان في الشجر أو النخل ثمر فالمؤبر للبائع , إلا أن يشترط ذلك المشتري لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع , إلا أن يشترط المبتاع.

أما إذا لم تكن مؤبرة فهي للمشترى , لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم دل على أنها إذا لم تكن مؤبرة فهي للمبتاع , ولأن ثمرة النخل كالحمل , لأنه نماء كامن لظهوره غاية وهذا عند الجمهور.
وعند الحنفية لا تدخل الثمرة مؤبرة أو غير مؤبره على الصحيح إلا بالشرط للحديث المتقدم , لكن برواية ليس فيها التأبير.

بيع الحيوان
ومن باع حيوانا تبعه ما جرى العرف بتبعيته له كاللجام والمقود والسرج , وفرق الشافعية بين ما هو متصل بالحيوان كالبرة (الحلقة التي في أنف الدابة , وكالنعل المسمر , فهذا يدخل في بيع الحيوان تبعا.
أما اللجام والسرج والمقود , فلا يدخل في بيع الحيوان اقتصارا على مقتضى اللفظ.
بيع الثمار
أما الثمار وحدها منفردة عن الشجر فلا يجوز بيعها باتفاق الفقهاء إلا بعد بدو صلاحها بدليل حديث النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها وهو يعني ظهور النضج والحلاوة ونحو ذلك عند جمهور الفقهاء , ويعني أمن العاهة والفساد عند الحنفية.

ويجوز كذلك بيع الثمار بعد ظهورها قبل بدو الصلاح بشرط القطع في الحال , وذلك إذا كان ينتفع به. وهذا باتفاق , إلا أن المالكية زادوا على ذلك شرطين
أحدهما: أن يحتاج المتبايعان أو أحدهما للبيع.
والثاني: أن لا يتمالأ أكثر أهل البلد على الدخول في هذا البيع.


حضور المبيع وغيابه
من المقرر أن الإشارة إلى المبيع هي أقوى طرق التعريف والتعيين ولذلك إذا كان المبيع في حضرة المتعاقدين (مجلس العقد) وتم تعيينه بالإشارة بحيث عرفه المشتري ورآه , فإن البيع لازم.
وأما إذا كان غائبا فإما أن يباع بطريقة السلم مع الوصف الكامل له , واما أن يحدد مكانه أو بما يميزه عن غيره.


لو اقترنت الإشارة بالوصف , وكان الوصف مغايرا لما رآه المشتري ورضى به , فإنه ليس له المطالبة بعدئذ بالوصف , ما دام العقد قد تم بعد الرؤية والرضا , ويعبر عن ذلك بالقاعدة الفقهية التالية (الوصف في الحاضر وفي الغائب لغو معتبر) .
وهذا بخلاف التغاير بين اسم المبيع والإشارة إليه كقوله: بعتك هذه الفرس , وأشار إلى ناقة مثلا فالتسمية هي المعتبرة , لأن الاسم يحدد به جنس المبيع , فهذا غلط في الجنس لا في الوصف , والغلط في الجنس غير مغتفر لأنه يكون به المبيع معدوما.

وقد صرح القرافي بأنه إن لم يذكر الجنس في البيع , بأن قال: بعتك ثوبا امتنع إجماعا.
وهذا إذا كان الوصف مما يدركه المشتري , أما لو كان مما يخفى عليه , أو يحتاج إلى اختبار , كالوصف للبقرة بأنها حلوب , ثم تبين للمشترى أنها ليست كذلك , فإن فوات الوصف هنا مؤثر , إن كان قد اشترط في العقد , ولو كان المبيع حاضرا مشارا إليه لأن الوصف هنا معتبر من البائع , ويترتب على فواته خيار للمشترى يسمى: خيار فوات الوصف.
ويستوى في استحقاق الخيار بفوات الوصف أن يكون المبيع حاضرا أو غائبا.
وإذا كان المبيع غائبا , فإما أن يشترى بالوصف الكاشف له , على النحو المبين في عقد السلم , وإما أن يشترى دون وصف , بل يحدد بالإشارة إلى مكانه أو إضافته إلى ما يتميز به.

فإن كان البيع بالوصف , وهو هنا غير الوصف المرغوب السابق , فإذا تبينت المطابقة بين المبيع بعد مشاهدته وبين الوصف لزم البيع , وإلا كان للمشترى خيار الخلف عند جمهور الفقهاء.
أما الحنفية فإنهم يثبتون للمشترى هنا خيار الرؤية , لقوله صلى الله عليه وسلم: من اشترى شيئا ولم يره كان له الخيار حتى يراه فإذا رآه كان مخيرا: فإن شاء قبله وإن شاء فسخ المبيع , وإذا مات المشتري لزم البيع ولا خيار لوارثه.

وبيع الغائب مع الوصف صحيح عند الجمهور في الجملة (الحنفية والمالكية والحنابلة وهو مقابل الأظهر عند الشافعية) , فقد أجازه الحنفية ولو لم يسبق وصفه.
وفي قول للشافعية لابد من الوصف لأن للمشترى هنا خيار الرؤية على كل حال , سواء مع الوصف والمطابقة , أو المخالفة , ومع عدم الوصف.
وهو خيار حكمي لا يحتاج إلى اشتراط , وأجازه الحنابلة مع الوصف على الوجه المطلوب لصحة السلم , وقصروا الخيار على حال عدم المطابقة.

وأجازه المالكية بثلاثة شروط ,
الأول: ألا يكون قريبا جدا بحيث تمكن رؤيته بغير مشقة , لأن بيعه غائبا في هذه الحال عدول عن اليقين إلى توقع الضرر فلا يجوز.
وثانيا: ألا يكون بعيدا جدا , لتوقع تغيره قبل التسليم , أو لاحتمال تعذر تسليمه.
وثالثا: أن يصفه البائع بصفاته التي تتعلق الأغراض بها وهى صفات السلم.

والأظهر في مذهب الشافعية: أنه لا يصح بيع الغائب , وهو ما لم يره المتعاقدان أو أحدهما , وإن كان حاضرا , للنهي عن بيع الغرر. أما البيع على البرنامج , وهو الدفتر المبينة فيه الأوصاف , أو على الأنموذج بأن يريه صاعا ويبيعه الصبرة على أنها مثله فقد أجازه الحنفية , وهو قول للحنابلة صوبه المرداوي والمالكية , والأصح للحنابلة منعه وأجازه الشافعية فيما لو قال مثلا: بعتك الحنطة التي في هذا البيت , وهذا أنموذجها , ويدخل الأنموذج في البيع.


ظهور النقصان أو الزيادة في المبيع
يختلف الحكم في المبيع إذا ظهر فيه نقصان أو زيادة بين أن يكون البيع على أساس المقدار وبين أن يكون من قبيل بيع الجزاف (أي المجازفة) وهو ما يسمى أيضا (بيع الصبرة) ومنه بعض صور البيع على البرنامج أو الأنموذج , حيث يظهر القدر مخالفا لما كتب في البرنامج.


إذا ظهر نقص أو زيادة فيما بيع مقدرا بكيل أو وزن أو زرع أو عد , فينظر في المبيع , هل هو مما يضره التبعيض أولا يضره؟
كما ينظر إلى أساس الثمن الذي تم عليه البيع هل هو مجمل أو مفصل على أجزاء؟

فإذا كان المبيع مما لا يضره التبعيض كالمكيلات بأنواعها , وكذلك بعض الموزونات كالقمح , والمذروعات كالقماش الذي يباع بالذراع دون نظر إلى ما يكفي للثوب الواحد , وكذلك المعدودات المتقاربة , فإن الزيادة في المبيع هي للبائع , والنقص على حسابه , ولا حاجة في هذه الحال للنظر إلى تفصيل الثمن أو إجماله.

وإذا كان الثمن مفصلا , كما لو قال: كل ذراع بدرهم , فالزيادة للبائع والنقص عليه , ولا حاجة للنظر إلى كونه يضره التبعيض أو لا.

أما إذا كان الثمن غير مفصل , والمبيع مما يضره التبعيض , فإن الزيادة للمشترى والنقص عليه , ولا يقابله شيء من الثمن , لكن يثبت للمشترى الخيار في حال النقص , وهو خيار تفرق الصفقة.
وذلك لأن ما لا يضره التبعيض يعتبر التقدير فيه كالجزء , وما يضره التبعيض يعتبر التقدير فيه كالوصف. والوصف لا يقابله شيء من الثمن بل يثبت به الخيار. هذا ما ذهب إليه الحنفية.

وذهب الشافعية في الصحيح وهو رواية عند الحنابلة إلى أنه إن ظهر في المبيع المقدر زيادة أو نقصان فالبيع باطل , لأنه لا يمكن إجبار البائع على تسليم الزيادة , ولا المشتري على أخذ البعض , وهناك ضرر في الشركة بين البائع والمشتري بالنسبة لما زاد.

وللمالكية تفصيل بين كون النقص قليلا أو كثيرا. . فإن كان قليلا لزم المشتري الباقي بما ينوبه من الثمن , وإن كثيرا كان مخيرا في الباقي بين أخذه بما ينوبه , أو رده.
وقيل: إن ذلك بمنزلة الصفة للمبيع , فإن وجده أكثر فهو للمشترى , وإن وجده أقل كان المشتري بالخيار بين أخذه بجميع الثمن أو رده.

ومقابل الصحيح عند الشافعية في ظهور الزيادة أو النقصان: صحة البيع للإشارة تغليبا. ثم للشافعية تفصي , وهو أنه إن قابل البائع الجملة بالجملة , كقوله: بعتك الصبرة بمائة على أنها مائة , ففي حال الزيادة أو النقصان يصح البيع , ويثبت الخيار لمن عليه الضرر.
أما إن قابل الأجزاء بالأجزاء كقوله: بعتك الصبرة كل صاع بدرهم على أنها مائة صاع , فإذا ظهرت زيادة أو نقص فالبيع صحيح عند الإسنوي وفرق الماوردي بين النقصان فيكون البيع صحيحا , وبين الزيادة ففيه الخلاف السابق , وهو بطلان البيع على الصحيح , أو صحته على ما يقابله.

وذكر ابن قدامة في المغني أنه إذا قال: بعتك هذه الأرض أو هذا الثوب على أنه عشرة أذرع , فبان أحد عشر , ففيه روايتان ,
إحداهما: البيع باطل , لأنه لا يمكن إجبار البائع على تسليم الزيادة وإنما باع عشرة , ولا المشتري على أخذ البعض , وإنما اشترى الكل , وعليه ضرر في الشركة أيضا.
والثانية: البيع صحيح والزيادة للبائع , لأن ذلك نقص على المشتري , فلا يمنع صحة البيع كالعيب , ثم يخير البائع بين تسليم المبيع زائدا , وبين تسليم العشرة , فإن رضي بتسليم الجميع فلا خيار للمشتري , لأنه زاده خيرا , وإن أبي تسليم المبيع زائدا فللمشترى الخيار بين الفسخ , والأخذ بجميع الثمن المسمى وقسط الزائد , فإن رضى بالأخذ أخذ العشرة , والبائع شريك له بالذراع.

وهل للبائع خيار الفسخ؟ وجهان ,
أحدهما: له الفسخ لأن عليه ضررا في المشاركة.
والثاني: لا خيار له , وقواه ابن قدامة.

وإن بان المبيع تسعة ففيه روايتان ,
إحداهما: يبطل البيع كما تقدم.
والثانية: البيع صحيح , والمشتري بالخيار بين الفسخ والإمساك بنسبة أعشار الثمن.

وإن اشترى صبرة على أنها عشرة أقفزة , فبانت أحد عشر , رد الزائد ولا خيار له هاهنا , لأنه ضرر في الزيادة وإن بانت تسعة أخذها بقسطها من الثمن.
ومتى سمى الكيل في الصبرة لا يكون قبضها إلا بالكيل , فإن وجدها زائده رد الزيادة , وإن كانت ناقصة أخذها بقسطها من الثمن.

وهل له الفسخ في حالة النقصان , الجواب على وجهين ,
أحدهما: له الخيار.
والثاني: لا خيار له.


ما يصح ثمنا
الثمن هو ما يبذله المشتري من عوض للحصول على المبيع , وكل ما صلح أن يكون مبيعا صلح أن يكون ثمنا والعكس صحيح أيضا , هذا ما يفهم من اتجاه الجمهور.
وذهب الحنفية إلى أنه لا عكس فما صلح أن يكون ثمنا قد لا يصلح أن يكون مبيعا.


الثمن هو ما يبذله المشتري من عوض للحصول على المبيع والثمن أحد جزئي المعقود عليه: وهو الثمن والمثمن , وهما من مقومات عقد البيع , ولذا ذهب الجمهور إلى أن هلاك الثمن العين قبل القبض ينفسخ به البيع في الجملة.

ويرى الحنفية أن المقصود الأصلي من البيع هو المبيع , لأن الانتفاع إنما يكون بالأعيان , والأثمان وسيلة للمبادلة , ولذا اعتبروا التقوم في الثمن شرط صحة , وهو في المبيع شرط انعقاد , وهي تفرقة خاصة بهم دون الجمهور , فإن كان الثمن غير متقوم لم يبطل البيع عندهم , بل ينعقد فاسدا , فإذا أزيل سبب الفساد صح البيع.
كما أن هلاك الثمن قبل القبض لا يبطل البيع , بل يستحق البائع بدله , أما هلاك المبيع فإنه يبطل البيع.

والثمن إما أن يكون مما يثبت في الذمة , وذلك كالنقود والمثليات من مكيل أو زون أو مذروع أو عددي متقارب.

وإما أن يكون من الأعيان القيمية كما في بيع السلم إذا كان رأس المال عينا من القيميات , وكما في بيع المقايضة.
والذهب والفضة أثمان بالخلقة , سواء كانا مضروبين نقودا أو غير مضروبين.
وكذلك الفلوس أثمان , والأثمان لا تتعين بالتعيين عند الحنفية والمالكية (واستثنى المالكية الصرف والكراء) فلو قال المشتري: اشتريت السلعة بهذا الدينار , وأشار إليه , فإن له بعد ذلك أن يدفع سواه , لأن النقود من المثليات , وهي تثبت في الذمة , والذي يثبت في الذمة يحصل الوفاء به بأي جزء مماثل ولا يقبل التعيين.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها تتعين بالتعيين. .

أما إذا كان الثمن قيميا فإنه يتعين , لأن القيميات لا تثبت في الذمة ولا يحل جزء منها محل آخر إلا بالتراضي.

والثمن غير القيمة , لأن القيمة هي ما يساويه الشيء في تقويم المقومين (أهل الخبرة) , أما الثمن فهو كل ما يتراضى عليه المتعاقدان , سواء أكان أكثر من القيمة , أم أقل منها , أم مثلها.
فالقيمة هي الثمن الحقيقي للشيء , أما الثمن المتراضى عليه فهو الثمن المسمى.
والسعر هو: الثمن المقدر للسلعة.
والتسعير: تحديد أسعار بيع السلعة , وقد يكون التسعير من السلطان (الدولة) ثم يمنع الناس من البيع بزيادة عليها أو أقل منها.


تعيين الثمن وتمييزه عن المبيع
ذهب الحنفية لتمييز الثمن عن المبيع إلى أنه إذا كان أحد العوضين نقودا اعتبرت هي الثمن , وما عداها هو المبيع مهما كان نوعه , ولا ينظر إلى الصيغة.
وإذا كان أحد العوضين أعيانا قيمية , والآخر أموالا مثلية معينة أي مشارا إليها , فالقيمي هو المبيع , والمثلى هو الثمن.

أما إذا كانت الأموال المثلية غير معينة (أي ملتزمة في الذمة) أو كان كل من العوضين مالا مثليا , فالثمن هو العوض المقترن بالباء.
وإذا كان كل من العوضين من الأعيان القيمية , فإن كلا منهما ثمن من وجه ومبيع من وجه.

وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الثمن: هو ما دخلت عليه الباء , وأما المالكية فقد نصوا على أنه لا مانع من كون النقود مبيعة , لأن كلا من العوضين مبيع بالنسبة للآخر.


لتمييز الثمن عن المبيع صرح الحنفية بالضابط التالي , وهو متفق مع عبارات المالكية والشافعية.
إذا كان أحد العوضين نقودا اعتبرت هي الثمن , وما عداها هو المبيع مهما كان نوعه , ولا ينظر إلى الصيغة , حتى لو قال: بعتك دينارا بهذه السلعة , فإن الدينار هو الثمن رغم دخول الباء على (السلعة) وهي تدخل عادة على الثمن.
إذا كان أحد العوضين أعيانا قيمية , والآخر أموالا مثلية معينة أي مشارا إليها , فالقيمي هو المبيع , والمثلى هو الثمن , ولا عبرة أيضا بما إذا كانت الصيغة تقتضى غير هذا.

أما إذا كانت الأموال المثلية غير معينة (أي ملتزمة في الذمة) , فالثمن هو العوض المقترن بالباء , كما لو قال بعتك هذه السلعة برطل من الأرز , فالأرز هو الثمن لدخول الباء عليه.
ولو قال بعتك رطلا من الأرز بهذه السلعة , فالسلعة هي الثمن , وهو من بيع السلم لأنه بيع موصوف في الذمة مؤجل بثمن معجل.

وإذا كان كل من العوضين مالا مثليا , فالثمن هو ما اقترن بالباء كما لو قال: بعتك أرزا بقمح , فالقمح هو الثمن.

وإذا كان كل من العوضين من الأعيان القيمية , فإن كلا منهما ثمن من وجه ومبيع من وجه. وهذا التفصيل للحنفية.
أما عند الشافعية والحنابلة فإن الثمن: هو ما دخلت عليه الباء , وأما المالكية فقد نصوا على أنه لا مانع من كون النقود مبيعة , لأن كلا من العوضين مبيع بالنسبة الآخر , وفي البهجة: كل من العوضين ثمن للآخر.

ومن أحكام الثمن عدا ما سبقت الإشارة إليه:
إذا تنازع المتعاقدان فيمن يسلم أولا , فإنه يجب تسليم الثمن أولا قبل تسليم المبيع.
كلفة تسليم الثمن على المشتري , وكلفة تسليم المبيع على البائع.
اشتراط القبض لجواز التصرف في العوض خاص بالمبيع لا بالثمن.
تأجيل الثمن (رأس المال) في بيع السلم لا يجوز بخلاف المبيع فهو مؤجل بمقتضى العقد , وهذا في الجملة.


حكم التسعير
الأصل عدم التسعير واطلاق الحرية للباعة في البيع بما يقع عليه التراضي ولكن هناك حالات يحق فيها لولي الأمر التسعير إذا لم يمكن إصلاح الحال إلا به , درءا للضرر عن الجماعة.


الثمن هو غير القيمة , لأن القيمة هي ما يساويه الشيء في تقويم المقومين (أهل الخبرة) , أما الثمن فهو كل ما يتراضى عليه المتعاقدان , سواء أكان أكثر من القيمة , أم أقل منها , أم مثلها.
فالقيمة هي الثمن الحقيقي للشيء , أما الثمن المتراضى عليه فهو الثمن المسمى.
ونطلق على الثمن المقدر للسلعة تسمية السعر , فالتسعير هو تحديد أسعار بيع السلعة , وقد يكون التسعير من السلطان (الدولة) ثم يمنع الناس من البيع بزيادة عليها أو أقل منها.

وقد اختلف الفقهاء في التسعير , فذهب الحنفية والمالكية إلى أن لولي الأمر ذلك , إذا كان الباعة يتعدون القيمة , وعجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير بمشورة أهل الرأي والبصر , وذلك لفعل عمر رضي الله عنه حين مر بحاطب في السوق فقال له: إما أن ترفع السعر وإما أن تدخل بيتك فتبيع كيف شئت.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى تحريم التسعير وكراهة الشراء به وحرمة البيع وبطلانه إذا كان بالإكراه.
وذلك لحديث إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق , وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال أخرجه الترمذي وأبو داود.


إبهام الثمن
يشترط معلومية الثمن , لا بد من بيان نوعه ووصفه وقدره إن كان الثمن غائبا عن مجلس العقد.
وفي حالة اطلاق الثمن ينصرف الثمن إلى ما هو أروج في البلد.


إذا بين ثمنا وأطلق , فلم يبين نوعه , كما لو قال: بكذا دينارا , وفي بلد العقد أنواع من الدنانير مختلفة في القيمة متساوية في الرواج , فالعقد فاسد لجهالة مقدار الثمن.

أما إذا كان بعضها أروج فالعقد صحيح , وينصرف إلى الأروج , كما لو قال في البحرين بعتك بدينار فالعقد صحيح والثمن دنانير بحرينية , لأنها أروج من غيرها من الدنانير الموجودة في ذلك البلد.

وأما أن يكون الثمن غائبا عن مجلس العقد , وحينئذ لا بد من بيان نوعه ووصفه وقدره , ثم إن الثمن إما أن لا يبنى على ثمن الشراء (رأس مال البائع) وهو بيع المساومة وهو الأغلب في البيوع , أو يبنى على ذلك بلا ربح ولا خسارة , أو بربح معلوم , أو بخسارة معلومة وهو بيع الأمانة المنقسم إلى تولية , أو مرابحة , أو وضيعة.


الزيادة والحط في المبيع أو الثمن
يجوز للمشترى أن يزيد في الثمن بعد العقد , وكذلك يجوز للبائع أن يزيد في المبيع على أن يقترن ذلك بقبول الطرف الآخر في مجلس الزيادة.
ويجوز للمشترى الحط من المبيع , ويجوز للبائع الحط من الثمن , إذا قبل الطرف الآخر في مجلس الحط , ويستوي أن يكون الحط بعد التقابض أو قبله.


يجوز للمشترى أن يزيد في الثمن بعد العقد , وكذلك يجوز للبائع أن يزيد في المبيع على أن يقترن ذلك بقبول الطرف الآخر في مجلس الزيادة. ويشترط أن يكون المبيع قائما , إذا كانت الزيادة في الثمن , لأنه إذا كان هالكا قوبلت الزيادة بمعدوم , وإذا كان في حكم الهالك وهو ما أخرجه عن ملكه , قوبلت الزيادة بما هو في حكم المعدوم.
ولا فرق فيما لو كانت الزيادة بعد التقابض أو قبله , أو كانت من جنس المبيع أو الثمن أو من غير جنسه.

وحكم الزيادة أنها تعديل للعقد السابق وليست هبة , ولذا لا تحتاج إلى القبض المشروط لتمام الهبة , هذا مذهب الحنفية.
أما عند الشافعية والحنابلة فإن الزيادة بعد لزوم البيع بانقضاء خيار المجلس وخيار الشرط لا تلحق , بل هي في حكم الهبة.

وكذلك يجوز للمشترى الحط من المبيع , ويجوز للبائع الحط من الثمن , إذا قبل الطرف الآخر في مجلس الحط , ويستوي أن يكون الحط بعد التقابض أو قبله , فلو حط المشتري أو البائع بعد القبض كان للآخر حق الاسترداد للمحطوط.

ولا يشترط لجواز حط البائع من الثمن أن يكون المبيع قائما , لأن الحط إسقاط , ولا يلزم أن يكون في مقابلة شيء.
أما في حط المشتري بعض المبيع عن البائع , فيشترط أن يكون المبيع دينا ثابتا في الذمة ليصح الحط.
أما لو كان عينا معينه فإنه لا يصح الحط من المبيع حينئذ , لأن الأعيان لا تقبل الإسقاط.


آثار الزيادة أو الحط
من المقرر عند فقهاء الحنفية أن الزيادة والحط يلتحقان بأصل العقد السابق بطريق الاستناد , ما لم يمنع من ذلك مانع.
بمعنى أنه تثبت للزيادة في المبيع حصة من الثمن , كما لو كان الثمن مقسما على الأصل والزيادة , وكذلك عكسه إذا كانت الزيادة في الثمن.


من المقرر عند فقهاء الحنفية أن الزيادة والحط يلتحقان بأصل العقد السابق بطريق الاستناد , ما لم يمنع من ذلك مانع.
بمعنى أنه تثبت للزيادة في المبيع حصة من الثمن , كما لو كان الثمن مقسما على الأصل والزيادة , وكذلك عكسه إذا كانت الزيادة في الثمن.

ومن آنار ذلك:
إذا تلف المبيع قبل القبض وبقيت الزيادة , أو هلكت الزياد وبقي المبيع , سقطت حصة الهالك من الثمن. وهذا بخلاف الزيادة الناشئة من المبيع نفسه.
للبائع حبس جميع المبيع حتى يقبض الثمن الأصلي والزيادة عليه.
إمكان البيع بالأمانة من مرابحة أو تولية أو وضيعة. فإن العبرة بالثمن بعد الزيادة أو الحط.
إذا استحق المبيع , وقضي به المستحق , رجع المشتري على البائع بالثمن كله من أصل وزيادة , وكذلك في الرجوع العين.
في الأخذ بالشفعة , يأخذ الشفيع العقار بما استقر عليه الثمن بعد الحط. ولو زاد البائع شيئا في المبيع يأخذ الشفيع أصل العقار بحصته من الثمن لا بالثمن كله.

وهذا بالاتفاق في الجملة وعند المالكية: الزيادة والحط يلحقان بالبيع , سواء أحدث ذلك عند التقابض أم بعده.
والزيادة في الثمن تكون في حكم الثمن الأول , فترد عند الاستحقاق , وعند الرد بالعيب , وما أشبه ذلك.
ويجوز حط كل الثمن عن المشتري , أي هبته له , وللحط أثره في البيع المرابحة وفي الشفعة.

وأما الشافعية فقد قالوا: إن الزيادة أو الحط في الثمن أو المثمن , إن كانت بعد لزوم العقد بانقضاء الخيار فلا تلحق به , لأن البيع استقر بالثمن الأول , والزيادة أو الحط بعد ذلك تبرع , ولا تلحق بالعقد.
وإن كان ذلك قبل لزوم العقد في مدة خيار المجلس أو خيار الشرط , فالصحيح عند جمهور الشافعية , وبه قطع أكثر العراقيين أنه يلحق بالعقد في مدة الخيارين جميعا , وهو ظاهر نص الشافعي لأن الزيادة أو الحط في مدة خيار المجلس تلتحق بالعقد , وقيس بخيار المجلس خيار الشرط بجامع عدم الاستقرار.

وهذا أحد الأوجه التي ذكرها النووي وفي وجه آخر لا يلحق ذلك وصححه المتولي.
وفي وجه ثالث: يلحق في خيار المجلس دون خيار الشرط , قاله الشيخ أبو زيد والقفال.
أما أثر ذلك في العقود ففي الشفعة تلحق الزيادة الشفيع كما تلزم المشتري , ولو حط من الثمن شيء فحكمه كذلك.

والحنابلة كالشافعية في ذلك , فقد جاء في شرح منتهى الإرادات: ما يزاد في ثمن أو مثمن زمن الخيارين (خيار المجلس وخيار الشرط) يلحق بالعقد , فيخبر به في المرابحة والتولية والإشراك كأصله.


موانع التحاق الزيادة أو الحط في حق الغير
يمتنع التحاق الزيادة بالثمن أو التحاق الحط به إذا ترتب عليه انتقاص من حق الغير ثابت بالعقد , فتقتصر حكم الالتحاق على المتعاقدين دون الغير سدا لذريعة الإضرار به.
كما يمتنع ذلك إذا ترتب على الالتحاق بطلان البيع , كما لو شمل الحط جميع الثمن , لأنه بمنزلة الإبراء المنفصل عن العقد , وبذلك يخلو عقد البيع من الثمن , فيبطل.


يمتنع التحاق الزيادة بالثمن , أو التحاق الحط به بأحد أمرين:
الأول: إذا ترتب على التحاق الزيادة أو الحط بالثمن انتقاص من حق الغير ثابت بالعقد , فتقتصر حكم الالتحاق على المتعاقدين دون الغير سدا لذريعة الإضرار به.
ومن آثار هذا المانع: أن المشتري إذا زاد في الثمن وكان المبيع عقارا , فإن الشفيع يأخذه بالثمن الأصلي دون الزيادة , سدا لباب التواطؤ لتضييع حق الشفعة.
أما الحط من الثمن فيلتحق لعدم إضراره بالشفيع , وكذلك الزيادة في المبيع.

والثاني: إذا ترتب على الالتحاق بطلان البيع , كما لو شمل الحط جميع الثمن , لأنه بمنزلة الإبراء المنفصل عن العقد وبذلك يخلو عقد البيع من الثمن , فيبطل.
ومن آثار هذا المانع: أنه لو حط البائع كل الثمن في العقار , فإن الشفيع يأخذه بجميع الثمن الأصلي , لأن الحط إذا اعتبر إبراء منفصلا ترتب عليه خلو البيع عن الثمن , ثم يطلانه , وبذلك يبطل حق الشفيع , ولذا يبقى المبيع مقابلا بجميع الثمن في حقه , ولكن يسقط الثمن عن المشتري بالحط , ضرورة صحة الإبراء في ذاته , وهذا إن حط الثمن بعد القبض , أما إن حط قبله فيأخذه الشفيع بالقيمة.


مؤونة أو تكاليف تسليم المبيع أو الثمن
اتفق الفقهاء على أن أجرة الكيال للمبيع , أو الوزان أو الذراع أو العداد تكون على البائع , وكذلك مؤونة إحضاره إلى محل العقد إذا كان غائبا.
واتفقوا على أن أجرة كيل الثمن أو وزنه أو عده , وكذلك مؤونة إحضاره إذا كان غائبا تكون على المشتري.


اتفق الفقهاء على أن أجرة الكيال للمبيع , أو الوزان أو الذراع أو العداد تكون على البائع.
وكذلك مؤونة إحضاره إلى محل العقد إذا كان غائبا. إذ لا تحصل التوفية إلا بذلك.
واتفقوا على أن أجرة كيل الثمن أو وزنه أو عده , وكذلك مؤونة إحضار الثمن الغائب تكون على المشتري , إلا في الإقالة والتولية والشركة عند المالكية.

ولكنهم اختلفوا في أجرة نقاد الثمن وهو الذي يرجع إليه في معرفة صحيح النقد من زائفه: فعند الحنفية روايتان , الأولى: تكون على البائع لأن النقد يكون بعد التسليم , ولأن البائع هو المحتاج إليه ليميز ما تعلق به حقه من غيره , أو ليعرف المعيب ليرده وبهذا قال الشافعية.
أما الرواية الأخرى: فهي أنها تكون على المشتري , لأنه يحتاج إلى تسليم الجيد المقدر , والجودة تعرف بالنقد , كما يعرف القدر بالوزن , فيكون عليه.
وهذا ما ذهب إليه المالكية.
وقال الحنابلة: إن أجرة النقاد على الباذل , سواء أكان البائع أم المشتري.


هلاك المبيع أو الثمن المعين قبل التسليم
يلزم البائع تسليم المبيع إلى المشتري , ولا يسقط عنه هذا الحق إلا بالأداء , ويظل البائع مسئولا في حالة هلاك المبيع , وتكون تبعة الهلاك عليه , سواء كان الهلاك بفعل فاعل أم بآفة سماوية.


من آثار وجوب البيع: أن البائع يلزمه تسليم المبيع إلى المشتري , ولا يسقط عنه هذا الحق إلا بالأداء , ويظل البائع مسئولا في حالة هلاك المبيع , وتكون تبعة الهلاك عليه , سواء كان الهلاك بفعل فاعل أم بآفة سماوية.
وهذا ينطبق على الثمن إذا كان معينا , وهو ما لم يكن ملتزما في الذمة , لأن عينه في هذه الحال مقصودة في العقد كالبيع , أما الثمن الذي في الذمة فإنه يمكن البائع أخذ بدله.

والهلاك إما أن يكون كليا أو جزئيا:
الهلاك الكلى
إن هلك المبيع كله قبل تسليمه بآفة سماوية , فإنه يهلك على ضمان البائع , لحديث: نهى عن ربح ما لم يضمن ويترتب على ذلك أن البيع ينفسخ ويسقط الثمن , وذلك لاستحالة تنفيذ العقد , وهذا عند الحنفية.
أما الشافعية فلهم قولان: الأول ينفسح كالتلف بآفة سماوية وهو المذهب , والآخر: يتخير المشتري بين الفسخ واسترداد الثمن , وبين إمضاء البيع وأخذ قيمة المبيع.

واعتبر الحنابلة الهلاك بفعل البائع كالهلاك بفعل الأجنبي.
لذا إذا هلك المبيع بفعل المشتري , فإن البيع يستقر ويلتزم المشتري بالثمن , ويعتبر إتلاف المشتري للمبيع بمنزلة قبض له , وهذا بالاتفاق.
وإذا كان الهلاك بفعل أجنبي (ومثله هلاكه بفعل البائع عند الحنابلة) فإن المشتري مخير , فإما أن يفسخ البيع لتعذر التسليم ويسقط عنه بذلك الثمن , وإما أن يتمسك بالبيع ويرجع على الأجنبي , وعليه أداء الثمن للبائع , ورجوعه على الأجنبي بالمثل إن كان الهالك مثليا , وبالقيمة إن كان قيميا.

الهلاك الجزئي
وفي حالة هلاك بعض المبيع , فإن الحكم يختلف أيضا تبعا لمن صدر منه الإتلاف.
فإن هلك بعض المبيع بآفة سماوية وترتب على الهلاك نقصان المقدار , فإنه يسقط من الثمن بحسب القدر التالف.
ويخير المشتري بين أخذ الباقي بحصته من الثمن , أو فسخ البيع لتفرق الصفقة , وهذا عند الحنفية والحنابلة.
وإذا هلك البعض بفعل البائع سقط ما يقابله من الثمن مطلقا , مع تخيير المشتري بين الأخذ والفسخ , لتفرق الصفقة.
أما إذا هلك البعض بفعل أجنبي , كان للمشتري الخيار بين الفسخ وبين التمسك بالعقد والرجوع على الأجنبي بضمان الجزء التالف.
وأما إذا هلك بفعل المشتري نفسه , فإنه على ضمانه ويعتبر ذلك قبضا.

أما المالكية فهم يعتبرون هلاك المبيع إذا كان بفعل البائع أو الأجنبي وسواء إن كان الهلاك جزئيا أم كليا , يوجب عوض المتلف على البائع أو الأجنبي , ولا خيار للمشتري.
أما إن تلف بسبب آفة سماوية فهو من ضمان المشتري ولو لم يقبض المشتري المبيع , لأن الضمان يتصل بالعقد.

واستثنى المالكية ست صور هي:
ما لو كان في المبيع حق توفية (تسليم) لمشتريه , وهو المثلي من مكيل أو موزون أو معدود حتى يفرغ في أواني المشتري , فإذا هلك بيد البائع عند تفريغه فهو من ضمان البائع.
السلعة المحبوسة عند بائعها لأجل قبض الثمن.
المبيع الغائب على الصفة أو على رؤية متقدمة , فلا يدخل ذلك كله في ضمان المشتري إلا بالقبض.
المبيع بيعا فاسدا.
الثمار المبيعة بعد بدو صلاحها , فلا تدخل في ضمان المشتري إلا بعد أمن الجائحة.
الرقيق حتى تنتهى عهدة الثلاثة الأيام عقب البيع.

وللمالكية في الهلاك الجزئي تفصيل , حيث إنه إذا كان الباقي أقل من النصف , أو كان المبيع متحدا فحينئذ للمشتري الخيار.
أما إذا كان الهالك هو النصف فأكثر , وتعدد المبيع , فإنه يلزمه الباقي بحصته من الثمن.


انتقال الملك
يملك المشتري المبيع , ويملك البائع الثمن , ويكون ملك المشتري للمبيع بمجرد عقد البيع الصحيح , ولا يتوقف على التقابض , وإن كان للتقابض أثره في الضمان.


يملك المشتري المبيع , ويملك البائع الثمن , ويكون ملك المشتري للمبيع بمجرد عقد البيع الصحيح , ولا يتوقف على التقابض , وإن كان للتقابض أثره في الضمان.
ويترتب على انتقال الملك في البدلين ما يلي:
أن يثبت للمشتري ملك ما يحصل في المبيع من زيادة متولدة منه , ولو لم يقبض المبيع. ولا يمنع من انتقال ملكية المبيع إلى المشتري كون الثمن مؤجلا.

أن تنفذ تصرفات المشتري في المبيع , وتصرفات البائع في الثمن , كما لو أحال شخصا به على المشتري , وهذا بعد القبض. أما تصرف المشتري قبل القبض فإنه فاسد أو باطل.

إذا قبض البائع الثمن , ولم يقبض المشتري المبيع , حتى لو مات البائع مفلسا , فإن للمشتري حق التقدم في المبيع على سائر الغرماء. ويكون المبيع في هذه الحال أمانة في يد البائع , ولا يدخل في التركة.

لا يجوز اشتراط بقاء البائع محتفظا بملكية المبيع إلى حين أداء الثمن المؤجل , أو إلى أجل آخر معين.


أداء الثمن الحال
الأصل في الثمن الحلول , وهذا متفق عليه بين الفقهاء في الجملة , قال ابن عبد البر الثمن أبدا حال إلا أن يذكر المتبايعان له أجلا فيكون إلى أجله.


الأصل في الثمن الحلول وهذا متفق عليه بين الفقهاء في الجملة. قال ابن عبد البر الثمن أبدا حال إلا أن يذكر المتبايعان له أجلا فيكون إلى أجله.

فالثمن إما عين معينة , وإما دين ملتزم في الذمة.
ففي الثمن , إذا كان دينا يختلف الحكم في أدائه بحسب كونه معجلا أو مؤجلا أو منجما , فإذا كان مؤجلا أو منجما يتعين أن يكون الأجل معلوما للمتعاقدين.
ولو دفع المشتري بعض الثمن لم يحق له تسلم المبيع , ولا تسلم ما يعادل الجزء المدفوع من الثمن ما دام البيع قد تم بصفقة واحدة سواء أكان المبيع شيئا واحدا أو أشياء متعددة وسواء فصل الثمن على تلك الأشياء أم وقع عليها جملة.
وهذا ما لم يكن هناك شرط على خلاف ذلك.


تسليم المبيع
اختلف الفقهاء فيمن يطالب بالتسليم أولا: البائع أو المشتري , وذلك بحسب الحالات المختلفة من حيث محل البيع هل هو عين أو ثمن.


اختلف الفقهاء فيمن يسلم أولا: البائع أم المشتري حسب نوعي البدلين , وينقسم ذلك إلى أحوال:

الحالة الأولى
أن يكونا معينين (المقابضة) أو ثمنين (الصرف) : ذهب الحنفية إلى أن المتعاقدين يسلمان معا تسوية بينهما في العينية والدينية.
وذهب المالكية إلى أنهما يتركان حتى يصطلحا , فإن كان بحضرة حاكم وكل من يتولى ذلك لهما.
وعند الشافعية في الأظهر: يجبران على التسليم لاستواء الجانبين , لأن الثمن المعين كالمبيع في تعلق الحق بالعين.
وعند الحنابلة , يعين الحاكم عدلا بينهما يقبض منهما , ثم يسلمه إليهما قطعا للنزاع لاستوائهما في تعلق حقهما بعين الثمن والمثمن.

الحالة الثانية
أن يكون أحدهما معينا والآخر دينا في الذمة: اتفق الحنفية والمالكية والشافعية على القول بمطالبة المشتري بالتسليم أولا.
وذلك لأن حق المشتري تعين في المبيع , فيدفع الثمن ليتعين حق البائع بالقبض , وتحقيقا للمساواة.
وذهب الشافعية في المذهب والحنابلة: إلى أن البائع يجبر على التسليم أولا , لأن قبض المبيع من تتمات البيع , واستحقاق الثمن مرتب على تمام البيع , ولجريان العادة بذلك.

أما ما يترتب على إخلال المشتري بأداء الثمن الحال , وكذلك الثمن المؤجل إذا حل أجله , فقد انفق الفقهاء على إجبار المشتري على أداء الثمن حالا إن كان موسرا , كما ذهب الجمهور إلى أن للبائع حق الفسخ إذا كان المشتري مفلسا , أو كان الثمن غائبا عن البلد مسافة القصر.

بينما رأى الحنفية عدم حق البائع في الفسخ وذلك لإمكانية التقاضي للحصول على حقه ويعتبر في هذه الحالة دائن كغيره من الدائنين , وهذا إذا لم يشترط لنفسه خيار النقد , بأن يقول مثلا إن لم تدفع الثمن في موعد كذا فلا بيع بيننا , واختلف في مقتضى هذا الشرط , هل هو انفساخ البيع , أو استحقاقه الفسخ باعتباره فاسدا؟ والمرجح عند الحنفية أنه يفسد ولا يفسخ.

وللشافعية والحنفية تفصيل في حال ما إذا أخل المشتري بأداء الثمن الحال لا للفلس بل لغياب ماله غيبه قريبة في بلده , أو في أقل من مسافة القصر , فهم يقولون بالحجر على المشتري في المبيع وسائر أمواله حتى يسلم الثمن , خوفا من أن يتصرف في ماله تصرفا يضر بالبائع.
وكذلك الحال لو كان المال غائبا مسافة القصر فأكثر , فإنه يتم الحجر على المبيع ومال المشتري , ولا يكلف البائع بالصبر إلى إحضاره.
ويملك البائع الفسخ في الأصح عند الشافعية وهو وجه للحنابلة , وهذا فضلا عن حق البائع في حبس مبيعه حتى يقبض ثمنه.

أما الحنابلة فيرون أنه لا خيار للبائع في الفسخ فيما دون مسافة القصر لأنه بمنزلة الحاضر.
وقول آخر للشافعية كذلك ليس له الفسخ , بل يباع المبيع , ويؤدي حقه من الثمن كسائر الديون.


اشتراط التراد بالتخلف عن الأداء
أداء الثمن أثر من آثار البيع , وهو التزام على المشترى وحق للبائع. لذا فإن للبائع عند الحنفية أن يشترط حق الفسخ لعدم أداء الثمن في موعده من غير مانع.


يصرح المالكية فيما يراه الحنفية من إثبات حق الفسخ إذا اشترطه لعدم الأداء في الموعد (وهو خيار النقد) , بأنه يصح البيع ويبطل الشرط كما جاء في المدونة , وروي عن مالك قولان آخران: صحة البيع والشرط , وفسخ البيع.
هذا وإذا كان الثمن مؤجلا , فإن على البائع تسليم المبيع , ولا يطالب المشتري بتسليم الثمن إلا عند حلول الأجل.
وكذلك إذا كان الثمن منجما.

وقد صرح الشافعية أنه في الثمن المؤجل ليس للبائع حبس المبيع به , وإن حل قبل التسليم لرضاه بتأخيره.
أما إذا كان بعض الثمن معجلا وبعضه مؤجلا , فإن للبعض المعجل حكم تعجيل الثمن كله , فلا يطالب المشتري البائع بتسليم المبيع إلا بعد تسليم الجزء المعجل من الثمن.
ولا بد أن يكون الأجل معلوما في جميع الأحوال.

وقد صرح المالكية بأنه لا بأس ببيع أهل السوق على التقاضي , وقد عرفوا قدر ذلك بينهم.
والقاضي: تأخير المطالبة بالدين إلى مدى متعارف عليه بين المتعاقدين.
ومن حق المشتري إذا كان المبيع معيبا , أو ظهر أنه مستحق أن يمتنع من أداء الثمن , إلى أن يستخدم حقه في العيب فسخا أو طلبا للأرش (تعويض العيب) أو إلى أن يتبين أمر الاستحقاق.
ويجوز تأخير الدين الحال , أو المؤجل بأجل قريب إلى أجل بعيد , وأخذ مساوي الثمن أو أقل منه من جنسه , لأنه تسليف أو تسليف مع إسقاط البعض وهو من المعروف ولكن لا يجوز تأخير رأس مال السلم.
وأجاز المالكية تأخير رأس المال في حدود ثلاثة أيام ولو بشرط.


الجهالة
الجهالة من الشوائب التي تؤثر على إرادة العاقدين. وإذا كانت الجهالة كثيرة (وتسمى الجهالة الفاحشة) فإنها تعتبر عيبا من عيوب العقد يؤدي لفساده إذا كان من عقود المعاوضات (المبادلات المتكافئة) . ومن البيوع الممنوعة للجهالة: بيع ما ليس عند الإنسان , بيعتان في بيعة , البيع بشرط , بيع الثنيا.


الجهالة من الشوائب التي تؤثر على إرادة العاقدين. وإذا كانت الجهالة كثيرة (وتسمى الجهالة الفاحشة) فإنها تعتبر عيبا من عيوب العقد يؤدي لفساده إذا كان من عقود المعاوضات (المبادلات المتكافئة) .
فلابد من العلم بالمعقود عليه سواء في ذلك المبيع بتحديده بما يميزه عن غيره أو بيان صفاته أو مقداره , أو الثمن ببيان مقداره أو أجله إذا كان مؤجلا.

والحكمة في فساد العقد بوجود الجهالة فيه , أنه لا يتوافر التراضي المشترط في العقود , وذلك لأن الجهالة الفاحشة تؤدى إلى النزاع , كما لو باع شاة من قطيع , فإن المشتري يطالب بالأحسن والبائع يقدم الأسوأ والشريعة تمنع كل ما يفسد العلاقات ويسبب المشكلات وتحرص على وضع الضوابط التي يستقر بها التعامل , وتحقيق مصالح الاطراف المختلفة.

وإذا أمكن إزالة الجهالة في مجلس التعاقد فإن العقد ينقلب صحيحا لانتفاء السبب الذي أدى لفساد العقد.
كما أنه يستعان بالأعراف لدى التجار وأهل الصناعات بديلا عن كثير من البيانات , لأن الإحالة إلى العرف الصحيح والرجوع إليه , كثيرا ما تحقق المعلومية المشترطة في العقد.

بيع ما ليس عند الإنسان أو بيع ما لا يملك قال حكيم بن حزام رضي الله عنه قلت: يا رسول الله , يأتيني الرجل يسألني البيع , ليس عندي ما أبيعه , ثم أبتاعه من السوق , فقال: لاتبع ما ليس عندك.
أخرجه
أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
والحالة الممنوعة هي أن يبيع فعلا ما ليس عنده ثم يشترى السلعة ويسلمها.
وهذا يجعل الربح حاصلا بدون ضمان , لأنه لا يخشى بقاء السلعة على ملكه وتعرضها للتلف , فيتسلمها ويسلمها فورا.
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم.

والسلم أو السلف هو بيع أشياء موصوفة وصفا دقيقا مع تحديد موعد تسليمها ويشترط فيه دفع الثمن فورا حتى لا يكون المبيع والثمن مؤجلين.
عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث فقال: من اسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم إلى اجل معلوم أخرجه البخاري ومسلم.

ومما يشترط لصحة عقد السلم أن تكون المبيعات به موجودة عند حلول الأجل , وهو مفيد لمن يفتقدون الأموال للإنفاق منها على الزراعة والصناعة لانهم يتسلمون الثمن فورا , وفي الوقت نفسه مفيد للمشترى لحصوله على أسعار منخفضة بسبب تأجيل تسلمه للمبيع.

وليس من الممنوع وعد البائع للمشترى الراغب في سلعة ليست متوافرة عند البائع بأنه سيشتريها ويبيعها إليه , لأن الوعد بالمبيع ليس بيعا , فلا ينطبق عليه أنه بيع ما ليس عند الإنسان.
فإذا ملكها الواعد فعلا قام ببيعها للموعود وهذه الصيغة مستخدمة لدى البنوك الإسلامية وتسمى: بيع المرابحة للآمر بالشراء.

بيعتان في بيعة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة.
أخرجه أحمد والترمذي.
وفي رواية عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا أخرجه أبو داود والحاكم.
ومعنى أوكسهما: أنقصهما من حيث الثمن.
ولهذه المعاملة تسمية أخرى وهى (صفقتان في صفقة) والصفقة هي العقد. . . والصفقة تشمل البيع وغيره من العقود , كالإجارة والقرض وغيرهما.

وللفقهاء في تفسير (البيعتين في بيعة) آراء متعددة , وكلها من الصور الممنوعة شرعا , بصرف النظر عن الأصح منها في إطلاق هذا الاسم عليه , ومنها:
- إذا كان البيع بالأجل (وهو جائز شرعا مع زيادة الثمن عن البيع الحال) فالممنوع هو تحديد ثمنين في حالة النقد وفي حالة التأجيل وإبرام العقد دون اختيار احدهما بل يترك لمشيئة كل من العاقدين.
- أن يشترط المتعاقدان في العقد عقدا آخر كأن يقول احدهما: بعتك داري هذه بكذا على أن تؤجرني دارك لمدة سنة بكذا. . والممنوع إنما هو اشتراط عقد في عقد آخر أما إذا اشترط في العقد شرط فيه مصلحة ولا ينافى مقتضى العقد فهذا جائز.

أما الحكمة من منع (البيعتين في بيعة) بشتى التفسيرات فهي وجود الجهالة , وعدم استقرار التعامل للتردد في الثمن أو في الشيئين المعقود عليهما , وقد يرضى المتعاقدان إحدى الصفقتين دون الأخرى المربوطة بها , فيلغيانهما معا.
ويشبه هذا زواج الشغار , وهو إن يتزوج احد الرجلين اخت الآخر على أن يزوجه اخته بدون مهر , وهو ممنوع شرعا لما في ذلك من عدم الاستقرار في الزواجين لتعريض احدهما للفسخ بسبب فسخ الزواج الآخر.

البيع بالشرط عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل سلف وبيع , ولا شرطان في بيع , ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك أخرجه الترمذي.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قلت: يا رسول الله , إنا نسمع منك أحاديث أفتأذن لنا بكتابتها؟ قال: نعم , فكان أول ما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة لا يجوز شرطان في بيع واحد , ولا بيع وسلف جميعا.. أخرجه النسائي.

فسر الإمام محمد بن الحسن السلف والبيع بأن يقول شخص لآخر: أبيعك داري هذه بكذا على أن تقرضني كذا.
وذلك لأن الانتفاع بالقرض هو من جملة الثمن حيث يكون منخفضا , والقرض هنا جر نفعا للمشترى المقرض , أو هو من جملة السلعة المبيعة إن كان المقرض هو البائع.
فهو وسيلة إلى الربا الممنوع شرعا , وإن كان في الظاهر بيعا , فيحرم سدا للذريعة.
وقد جاء في الحديث المذكور المنع من اشتراط شرطين في العقد الواحد , لأن في ذلك اضطرابا في التعاقد حين يوجد احد الشرطين دون الآخر , والحاجة تتحقق باشتراط شرط واحد مما لا ينافى مقتضى العقد وفيه نفع معلوم للبائع أو المشتري.
وإذا كان الشرط من مصلحة العقد فهو جائز حتى لو تعدد , مثل أن يشترط تقديم رهن , ويشترط تقديم كفيل أيضا , أو يشترط الخيار , لحديث: المسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو احل حراما.

بيع الثنيا بيع الثنيا هو أن يبيع شيئا ويستثنى بعضه دون تحديد كاف , مثل أن يبيع أشجارا ويستثنى بعض الأشجار غير المعلومة فلا يصح البيع وقد ورد في ذلك حديث رواه جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم أخرجه مسلم والترمذي.
إذا كان المستثنى من المبيع معلوما صح البيع , مثل أن يستثنى شجرة معلومة من الأشجار التي يبيعها.
وكذلك لو باع شيئا واستثنى منه جزءا شائعا كالربع أو الثلث فإنه بيع صحيح , للعلم بالمبيع في أجزائه.

لقد وضع الفقهاء قاعدة لما يصح استثناؤه , وهى أن كل ما جاز أن يقع عليه التعاقد بانفراده يصح استثناؤه من الصفقة مثل أن يبيع قطيعا من الغنم ويستثنى شاة معينة , ولا يصح استثناء ما لا يصح بيعه منفردا مثل: بيع قطيع إلا شاة غير معينة , أو بيع شاة واستثناء حملها.
هذا , ويجوز بيع شاة واستثناء بعض أعضائها كالرأس والجلد والأكارع.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة رضي الله عنه لما مروا براعي غنم فاشتروا منه شاة وشرطوا له سلبها أي جلدها وأكارعها وبطنها.
والحكمة في ذلك أنه ليس كل الناس يمكنه الانتفاع بالجلد والسواقط فجاز شراء اللحم دونها.


الغرر
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ومعنى الغرر المخاطرة والتردد بين أمرين أحدهما مقصود ومرغوب للعاقد , والآخر على عكسه , وقد يقع الشك في وجود الشيء أو في عاقبته كيف تكون , أو في المقدرة على تسليمه , أو مقداره أو أوصافه.

والغرر إما إن ينشأ عن صيغة العقد , أو عن طبيعة المعقود عليه.
ومن بيوع الغرر بيع المنابذة والملامسة والحصاة , البيع قبل القبض , بيع الذهب والفضة والعملات بالأجل , بيع الكالئ بالكالئ , بيع الثمار قبل صلاحها.


ورد النهي عن بيع الغرر في الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الغرر. أخرجه مسلم.
ومعنى الغرر: المخاطرة والتردد بين أمرين أحدهما مقصود ومرغوب للعاقد , والآخر على عكسه , وقد يقع الشك في وجود الشيء أو في عاقبته كيف تكون , أو في المقدرة على تسليمه , أو مقداره أو أوصافه. . .

والغرر إما أن ينشأ عن صيغة العقد , أو عن طبيعة المعقود عليه. . .
ويكون الغرر مؤثرا في إفساد العقد إذا توافرت فيه أربعة شروط هي:
أ - أن يقع في عقد معاوضة , أي مبادلة تجارية , كالبيع والإجارة , فلا يصل إلى كل من الطرفين ما قصد المبادلة عليه بسبب الغرر.
أما الغرر في عقود التبرع فلا يؤثر.
ب - أن يكون الغرر كثيرا.
أما الغرر اليسير فلا يؤثر , لعدم خلو العقود عنه.
ج - أن يكون الغرر في المعقود عليه أصالة , فلو كان في توابعه لم يؤثر.
فبيع الحمل مع أمه جائز , أما بيعه وحده فلا يجوز , لأنه إذا لم يحصل بطل المعقود عليه.
د - أن لا يكون للناس حاجة ماسة إلى العقد المشتمل على غرر يسير.
كعقد السلم والإجارة.

الحكمة من النهى عن بيوع الغرر هي اختلال الرضا , بحيث يترتب على ذلك أكل المال بالباطل , وهذا مظنة العداوة والبغضاء: قال الإمام النووي النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدا.
من بيوع الغرر ما جاءت بشأنه نصوص خاصة , ومنها ما دخل تحت عموم النهى في هذا الحديث.

بيع المنابذة والملامسة والحصاة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة رواه البخاري.
وفي حديث آخر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة , وعن بيع الغرر.
رواه مسلم وأحمد والترمذي.

وبيع الملامسة: لمس المشتري أو البائع سلعة من سلع مختلفة فيتم البيع دون أن ينظر إليها أو يقلبها.

وبيع المنابذة: طرح البائع سلعة من سلع فيلزم بها المشتري دون أن يقلبها أو ينظر إليها.

وبيع الحصاة: هو البيع بإلقاء الحجر دون تحديد للمبيع , بأن يقول المشتري للبائع: إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب البيع , أو يقول البائع للمشترى: لك من السلع ما تقع عليه حصاتك إذا رميت بها , أو يقول في شراء الأراضي: لك من الأرض إلى حيث تنتهى حصاتك.

هذه البيوع كانت معروفة في الجاهلية , وهي قائمة على الغرر , أي التردد بين حصول المقصود وعدم حصوله , والتراضي فيها غير متوافر لاستخدام وسائل لا تعبر عن إرادة العاقدين إذ يلزم البيع على ما تقع عليه الحصاة من الثياب مثلا بلا قصد من الرامي لشيء معين وبلا تأمل ولا روية.
وليس له أن يختار بعدئذ غيره.
كما أن فيها جهالة لعين المبيع وهي تؤدى إلى التنازع.

قال الفقيه ابن قدامة الحنبلي: كل هذه البيوع فاسدة , لما فيها من الغرر والجهل , ولا نعلم فيه خلافا.
والمنع من هذه البيوع هو في حالة وقوعها على اللزوم , أما لو كان للمشترى الخيار في انتقاء ثوب من أثواب متساوية القيمة , أو سلعة من سلع عديدة قيمة كل منها تماثل قيمة الأخرى , فلا يمنع هذا البيع مع هذا الحق الممنوح للمشترى من البائع , لأن الرضا يتحقق بما يقع عليه اختيار المشتري , ويسمى هذا: (البيع مع خيار التعيين) .

البيع قبل القبض عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه.

وقد تعددت الاجتهادات الفقهية في اختصاص النهي ببيع الأطعمة (الأقوات والأغذية) أو عمومه في كل مبيع كما هو قول ابن عباس عقب روايته للحديث: ولا أحسب كل شيء إلا مثله , أي مثل الطعام في الحكم وكما جاء في الحديث الذي رواه حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله إنى أشترى بيوعا , فما يحل لي منها وما يحرم علي؟ قال: إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه.
والمراد بالبيع: الشيء المبيع.

الحكمة في النهي عن أن يبيع الإنسان ما اشتراه قبل أن يقبضه أن الشيء قبل قبض المشتري له لا يدخل في ضمانه , فإذا باعه قبل قبضه له نشأ الربح عن بيع شيء لم يضمنه , وقد روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل سلف وبيع , ولا شرطان في بيع , ولا ربح ما لم يضمن , ولا بيع ما ليس عندك أخرجه الترمذي.
ولأن الملك قبل القبض ضعيف , لاحتمال انفساخ العقد بتلفه , فيكون بيعه قبل قبض المشتري له لونا من ألوان الغرر , لاحتمال عدم تمام الصفقة.

وهناك حكمة أخرى , بالنسبة للمنع من بيع الطعام قبل قبضه , وهي أن المنع يؤدى لتقليل تداول أيدى التجار للأغذية قبل وصولها للمنتفع بها , لكيلا ترتفع أثمانها دون أي إضافة ويتضرر المشترون لها لسد حاجتهم بها.

والقبض كما يكون بأخذ الشيء باليد , فإنه يحصل بوسائل أخرى حسب طبيعة الشيء: فالمنقولات تقبض بالحيازة بالكيل أو الوزن أو العدد , أو بتسلمها جزافا (جملة) .
والعقار يقبض بالتخلية بينه وبين المشتري ليتمكن من التصرف , وذلك بتسليم المفتاح بعد تفريغه مما يخص البائع.
والمبالغ النقدية يحصل قبضها بالأخذ , أو بالقيد في حسابات البنوك إذا كان يترتب على القيد إمكانية التصرف.
والبضائع المحفوظة في مخازن عمومية تقبض بتسليم شهادات التخزين أو المستندات التي تخول المشتري الحصول عليها. . .

بيع الذهب والفضة والعملات بالأجل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الورق بالورق (الفضة بالفضة) إلا مثلا بمثل , ولا تشفوا (تزيدوا) بعضها على بعض , ولا تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز أخرجه البخاري ومسلم وفي رواية فإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم على أن يكون يدا بيد.

بيع الذهب والفضة والعملات بعضها ببعض يسمى (الصرف) أو (المصارفة) وهو جائز شرعا سواء كان للحاجة إلى النوع الذي ليس عند المشتري , أو للتجارة وتحصيل الربح , مع مراعاة الشروط الشرعية للصرف وهي:
أ - إذا بيع الجنس بجنسه وجب التماثل , كما يجب أيضا التقابض.
ب - إذا بيع الذهب بالفضة , أو بيع الذهب أو الفضة بإحدى العملات , أو بيعت عملة بأخرى الريال بالجنيه مثلا , فإنه يجوز التفاوت في المقدار أي كمية البدلين , ولكن يجب التقابض بين المتصارفين في المجلس قبل أن يفترقا.

واتفق الفقهاء على تحريم بيع الذهب أو الفضة أو العملات بالنسيئة (الأجل) , فلا يجوز إبرام العقد على شيء من ذلك مع تأخير تسليم البدلين أو احدهما , بل يجب أن يقترن العقد بالتقابض يدا بيد.
وكذلك لا يجوز المواعدة على الصرف إذا كانت تحمل معنى الإلزام.

وكما لا يجوز الأجل في عقد الصرف (بيع العملات) لا يجوز وجود خيار الشرط (أي حق الفسخ خلال مدة) لأنه يترتب عليه تأخير لزوم العقد , وتأجيل التقابض للبدلين.
والحكمة في تحريم بيع الذهب أو الفضة أو العملات بالأجل , أو مع تأخير التقابض هي أن التأخير يعتبر ذريعة إلى ربا النسيئة.

والأثمان سواء بالخلقة (الذهب والفضة) أم ما أخذ حكمها (العملات النقدية) هي وسيلة للتبادل , فيجب وقوع التبادل الفوري. . ويراعى في ذلك ما جرى العرف على اعتباره قبضا , كالقيود المصرفية , مع التسامح في التأخير الذي يحصل بسبب عمليات التحويلات المصرفية , وقد اعتمدت ذلك مقررات المجامع الفقهية.

بيع الكالئ بالكالئ روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ (وقال: هو:) النسيئة بالنسيئة أخرجه البيهقي والكالئ هو الدين , وسمي بذلك لأنه متأخر , لتأجيل تسليمه عند العقد.

وبيع الكالئ بالكالئ هو بيع الدين بالدين , ويطلق عليه أيضا: بيع النسيئة.
ومعنى النسيئة التأخير أيضا.
مثاله: أن يشتري شخص سيارة , وتجرى المبادلة بين الثمن الذي يثبت في ذمته وبين دين للمشتري ثابت في ذمة شخص آخر غير البائع فيكون قد باع دينا عليه بدين له , فقد يتمكن البائع من قبضه وقد لا يتمكن.
الحكمة في المنع من بيع الدين بالدين هي وجود الغرر , لأن الدائن لا يقدر على تسليم المعقود عليه لأنه في الذمة.
والغرر هنا كثير لأن البدلين (المبيع والثمن) دينان في الذمة.
ولذلك اشترط في بيع السلم تعجيل الثمن ليبقى المؤجل هو المبيع فقط.
ومن بيع الكالئ بالكالئ بيوع المستقبليات التي تسمى عقود الفيوتشر لأن تسليم البدلين فيها مؤجل إذ لا يعجل الثمن كالسلم بل يدفع جزء يسير منه. .

واستثنى فقهاء الحنفية من بيع الدين لغير من عليه الدين - الممنوع شرعا - ثلاث حالات جائزة وهي:
أ - إذا سلط الدائن دائنه على قبض الدين على شخص ثالث واستيفاء حقه عليه , فيكون وكيلا قابضا للموكل , ثم لنفسه.
ب - الحوالة , بأن ينقل دينه من ذمة شخص إلى ذمة شخص آخر.
ج - الوصية , بأن يوصي لشخص بتملك ديونه لدى الغير بعد الموت.
أما بيع الدين إلى المدين نفسه فقد أجازه الحنفية , لأن المانع هو العجز عن التسليم , وهو في هذه الحالة غير محتاج إليه لأن المبيع في ذمة المشتري أصلا.

بيع الثمار قبل صلاحها عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها , نهى البائع والمبتاع.
وفي رواية لأنس رضي الله عنه نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها , وعن بيع النخل حتى يزهو.
قيل: ما (يزهو) ؟
قال: يحمار أو يصفار.
وكان ابن عمر إذا سئل عن صلاح الثمار يقول: تذهب عاهتها.
أي الآفات الزراعية التي تتلفها لضعفها.

وجاء في رواية أخرى لأنس نهى عن بيع العنب حتى يسود , وعن بيع الحب حتى يشتد. أخرجه البخاري ومسلم وقد بينت إحدى الروايات الحكمة من منع هذا البيع , بقوله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه وفي رواية: بم يستحل مال صاحبه.
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث.

وللفقهاء تفسيرات واجتهادات من شأنها توضيح العمل بهذه الأحاديث , حيث فسروا (بدو الصلاح) بأنه الأمن من العاهات وفساد الثمار. أو ظهور مبادئ النضج والحلاوة فيما لا يتلون عادة , واما ما يتلون فهو بأن تأخذ الثمرة في الحمرة والسواد والصفرة.
ومن الواضح أن (بدو صلاح الثمار) هي مرحلة لاحقة لظهور الثمار فلا يكفى أن ينعقد الثمر حتى يشتد ويظهر صلاحه.
لا يجوز بيع الثمار قبل بدو صلاحها حتى لو شرط ترك الثمار على الشجر حتى تنضج لأنه شرط يؤدى إلى شغل ملك الغير , ولوجود الغرر , لاحتمال صلاح الثمار وعدم صلاحها إلا بعد زمن طويل.

وهناك صور مستثناة من هذه البيوع الممنوعة , منها:
- لو باع الثمر قبل بدو صلاحه , بشرط قطعه في الحال , يجوز لأنه بذلك تتم الصفقة وينتفي الغرر , وربما تقتصر حاجة المشتري على هذه المرحلة , لأن المنع كان لخوف تلف الثمار قبل اخذ المشتري لها وهذا مأمون فيما يقطع في الحال.
- إذا بدا صلاح الثمار , لكن لم يكتمل نضجها , وشرط المشتري على البائع تركها على الشجر حتى ينتهي عظمها فهذا جائز , لأن شرط بدو الصلاح قد تحقق , والترك في هذه الحالة يحصل لفترة قصيرة فلا يتضرر البائع.


الكسب الخبيث
حرم الإسلام أكل أموال الناس بالباطل وكل المكاسب غير الشرعية مثل الربا , بيع العينة , بيع المحرمات أو وسائلها , كسب المال بالمقامرة (الميسر) , الرشوة , والبيع وقت الجمعة.


الكسب الخبيث تشكيل النص
الربا
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء أخرجه مسلم.
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل ... (إلى أن قال) , فمن زاد أو ازداد فقد أربى , بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد. . . وفي رواية: فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد أخرجه مسلم.

وفي رواية أخرى: لا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد , وأما النسيئة فلا أخرجه أبو داود.
معنى الربا في اللغة الزيادة , ومعناه شرعا: فضل خال عن العوض المشروط في المعاوضة.

وهو ينقسم إلى:
ربا الفضل
وهو الزيادة في مقدار احد البدلين المتماثلين , وغالبا تقع هذه المعاملة عند جودة أحد البدلين.
والطريقة المشروعة هي بيع الرديء بالنقود , وشراء الجيد بها حسب الثمن المتفق عليه.

ربا النسيئة
وهو الزيادة في الدين نظير التأجيل , وكان الدائن في الجاهلية يقول للمدين: (زدني أنظرك) أي أخر الأجل لقاء الزيادة , أو يقول: (أتقضي أو تربي) .

ربا القرض
وهو النفع الذي يشترطه المقرض على المقترض , بزيادة المبلغ المسترد , أو بمنفعة مع المبلغ.
والقاعدة في ذلك أن كل قرض جر نفعا للمقرض فهو ربا.
والربا في الأنواع الثلاثة محرم شرعا , وقد ثبت تحريمها بالقرآن والسنة وإجماع الفقهاء وهو قائم على الظلم لأن المتعامل بالربا لا يتحمل المخاطرة إذ ينفرد بها المقترض ومع ذلك يحصل المقرض على زيادة عن أصل ماله.

قال الله تعالى {وأحل الله البيع وحرم الربا} وقال: {وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} .

والربا مدمر لاقتصاد الأمة , لأن فيه تعطيلا لطاقات الاستثمار المنتج , وزيادة في أعباء الآخرين دون المبادلة المتكافئة في السلع والمنافع , وهو يخرج النقود عن دورها الاقتصادي في إنها وسيلة للتبادل ومعيار للقيم فيجعلها سلعة بذاتها. والفوائد البنكية هي من ربا القرض , وربا النسيئة , وهي محرمة , والبديل الإسلامي عنها هو المشاركة في الربح الناتج عن استثمار الأموال مع تحمل المخاطرة , وهو ما قامت لأجله البنوك الإسلامية.

بيع العينة
عن ابن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ضن الناس بالدينار والدرهم , وتبايعوا بالعينة , واتبعوا أذناب البقر , وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفع حتى يراجعوا دينهم وفي رواية سلط الله عليهم ذلا لا ينزعه حتى يرجعوا إلى ربهم أخرجه أحمد في مسنده , وأبو داود في سننه.

ومعنى العينة في اللغة: السلف والتأجيل , وسمي هذا البيع بالعينة لأن الغرض منه تحصيل مال بأجل مع الزيادة , ويرى بعض الفقهاء أنه سمى كذلك لأن العين تسترجع.
وهو بيع شخص سلعة بثمن مؤجل ثم قيامه بشرائها من المشتري نفسه بثمن حاضر أقل.
فتعود السلعة إلى مالكها الأول ويستقر الدين في ذمة المشتري مع الزيادة لقاء الأجل.
هذا البيع حرام , لأنه حيلة إلى الربا مع ظهوره في صورة البيع لأن نتيجته أخذ مال حاضر بمقابلة مال مؤجل أزيد منه ولذلك يقول عنه ابن عباس رضي الله عنه: أرى مائة بخمسين بينهما حريرة , أي قطعة من الحرير جعلها الطرفان موضوعا للبيع بحسب الظاهر , مع قصدهما الاقتراض بفائدة تحت ستار هذه المعاملة الصورية.

ويستند تحريم بيع العينة أيضا إلى قاعدة (سد الذرائع) أي منع الوسائل المؤدية للمحرمات , لأنه وسيلة إلى المراباة.
وإبطال هذا البيع هو مقتضى القاعدة الشرعية العامة بأن العبرة في العقود للمقاصد والمعانى لا للألفاظ والمباني.
قال محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة (هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال , اخترعه أكلة الربا) .
والحكمة التشريعية في تحريمه هي نفس المعنى الموجود في الربا من انتفاء المخاطرة وتحصيل المال بدون جهد أو نفع حقيقي للاقتصاد , ولذا أشار الزيلعي إلى أنه من ربح ما لم يضمنه الإنسان , لأنه استرجع العين دون مخاطرة بثمنها.

ولا يتحقق بيع العينة لو وقع البيع الثاني على ثمن مال للأول أو بأكثر من ثمن الآجل , وكذلك لو تغيرت السلعة بمرور الزمن وتغير الأسعار , أو طرأ على السلعة نقص , لأنه ليس في هذه الحالات ذريعة إلى الربا.
بيع المحرمات أو وسائلها
قال الله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به} (المائدة: 3)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل: يا رسول الله , أرأيت شحوم الميتة , فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا هو حرام. أخرجه البخاري
وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب , ومهر البغي , وحلوان الكاهن. أخرجه البخاري والمراد بالكلب ما كان لغير الحراسة أو الصيد. . لهذه النصوص الشرعية أورد الفقهاء بين شروط صحة البيع أن يكون المبيع متقوما.

والتقوم معناه إباحة الانتفاع أي أن يكون للشيء قيمة في نظر الشرع.
فإذا كان للشيء منفعة محرمة فإنه ليس محلا للتعاقد عليه.
لأنه إذا كان حرام الاستعمال فإنه يحرم تمليكه , لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان , ومقتضى التحريم هو الاجتناب بشتى الصور.
عن تميم الداري رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل ثمن شيء لا يحل اكله وشربه أخرجه الدارقطني.

وكما يحرم بيع المحرمات , يحرم أيضا بيع ما هو وسيلة إليها وذلك كبيع السلاح لمن يعلم انه يستخدمه في جريمة , وبيع العنب لمن يصنعه خمرا , لأن تلك المعاملات ذريعة إلى الفساد.
والواجب على المسلم إنكار المنكر , وليس له المعونة عليه.

ومن هذا القبيل بيع وشراء الأموال المسروقة أو المغصوبة , لأن في ذلك اشتراكا مع السارق أو الغاصب في جريمته وإخفاء لمعالمها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اشترى سرقة وهو يعلم فقد شرك في عارها. أخرجه الحاكم وصححه.

كسب المال بالمقامرة (الميسر)
قال الله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} (المائدة: 90) والميسر هو القمار قال ابن عمر وابن عباس رضي الله عنه: الميسر هو القمار كانوا يتقامرون في الجاهلية إلى أن جاء الإسلام فنهاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة.

والقمار هو الحصول على المال بوسيلة تعتمد على المصادفة لظهور رقم معين أو نحو ذلك وهو من وجوه الكسب الخبيث ومن أكل المال بالباطل.
قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} (النساء: 29)
قال ابن كثير في تفسير الأموال المأكولة بالباطل: هي المكاسب غير الشرعية , كأنواع الربا والقمار.

والمقامرات كلها حرام , سواء كانت على وجه اللعب والتسلية , أم للحصول على المال , أم في السباقات التي يراهن فيها المؤيدون لكل فريق , أو ما يلتزم بدفعه كل متسابق للآخر , بحيث يخسر أو يربح , إذ يصبح بذلك نوعا من المقامرة.

وكذلك من القمار المحرم اليانصيب الذي تطرح أوراقه للحصول عليها بمال طمعا في تحصيل المبالغ المخصصة لفئة من المتعاملين بذلك.

قال ابن الأثير كل شيء فيه قمار (أي منافسة على مال) فهو من الميسر , حتى لعب الصبيان بالجوز.
ليس من القمار (أو الميسر) ما يقدمه طرف ثالث من غير المتنافسين لمن يفوز في السباق والمسابقات الثقافية. .
لأنه في هذه الحالة يكون من قبيل الجوائز التشجيعية , فليس فيه معنى المقامرة بأن يخسر أو يربح وإنما هي هبة ممن يرغب في الحث على الموضوع المتنافس عليه , سواء كان من ولي الأمر أو من غيره.

وكذلك تجوز الهدايا التي تعطى من الباعة لترويج بضائعهم , إذا كانت تقدم بدون مقابل مستقل من المشترين للحصول على الهدية , وهي هبة يرتبط الحصول عليها بالشراء لسلعة معينة.

الرشوة
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش أخرجه الحاكم والبزار وأحمد والطبراني.
والرائش: هو الذي يتوسط بين المرتشي والراشي.
تشمل الرشوة كل ما يعطيه الشخص لغيره لإبطال حق , أو لإحقاق باطل.
سواء أعطيت للحاكم ليقضى لصالح الراشي , أو للشاهد ليشهد بالباطل , أو أعطيت للموظف ليفضل الراشي على غيره , أو أعطيت للعاملين في شركة أو متجر لمراعاة العميل على حساب مصالح الشركة.

الرشوة محرمة , فلا يجوز طلبها , ولا بذلها لمن يطلبها , ولا قبولها من الراشي ولو لم يسبقها طلب.
كما يحرم التوسط بين الراشي والمرتشي للسعى في التوفيق بينهما لأن عمله هذا معونة على الإثم.

قال الله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} (البقرة: 188) وقد سمى الله الرشوة (سحتا) أي كسبا خبيثا يهلك صاحبه , وذم بعض اليهود بأنهم (أكالون للسحت) .

وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ابن اللتبية على جمع الزكاة فلما رجع ومعه الزكوات وبعض الهدايا قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال العامل نبعثه فيجيئ فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلى , ألا جلس في بيت أمه فينظر أيهدى إليه أم لا , والذي نفس محمد بيده لا نبعث أحدا منكم فيأخذ شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته. . أخرجه البخاري ومسلم.

يستثنى من التحريم حالة الاضطرار , فيما إذا عجز الشخص عن تحصيل حقه الثابت شرعا وليس لديه حجة أو مقدرة على تحصيله ولا يمكنه الاستعانة بمن يوصله إليه فيجوز له دفع ما يرد به الظلم عن نفسه أو يوصله إلى حقه.
ويقع الإثم على الآخذ , دون المعطى , وقد ورد أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه اعتقل في الحبشة بدون وجه حق , فرشى بدينارين حتى خلي سبيله , وقال: إن الإثم على القابض لا على الدافع.
ويجب على من وصلت إليه رشوة أن يردها لأصحابها وإذا تعذر ذلك يتخلص منها بصرفها في المصالح العامة , لأنها كسب خبيث.
وفي الرشوة عقوبة تعزيريه مفوضة إلى الحاكم بما يراه رادعا عنها. .

البيع وقت الجمعة
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} (الجمعة: 9)
والأمر في هذه الآية بترك البيع عند السعي إلى الجمعة هو نهي عن البيع الذي يقع في هذه الحالة.
والمراد بالنداء للجمعة هو الأذان الأول على المنارة , لأنه هو الذي يجب السعي عنده إلى المسجد , والنهى اشد عند النداء الثاني بين يدى الخطيب.

ويستمر النهى عن البيع حتى الفراغ من الصلاة ويدل على ذلك قوله تعالى في الآية التالية: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين} (الجمعة: 10 - 11) .

والنهي عن البيع وقت النداء للجمعة هو للتحريم ويأثم بذلك البائع والمشتري.
ويشمل هذا النهي جميع العقود من الإجارة والشركة والنكاح وغيرها كما يشمل مزاولة الصناعات والمهن.
ويجب عند سماع النداء ترك كل ما يشغل عن الجمعة , كالأكل والكتابة والمساومة والمناداة على السلعة , وكذلك ترك الاشتغال بعبادة أخرى كما يحرم المكث في بيته إذ تجب المبادرة إلى المسجد الجامع.

وحكم العقود التي أبرمت عند النداء إلى الجمعة صحيحة , لأن النهى لمعنى في غير البيع خارج عنه وهو ترك السعي , فكان البيع في الأصل مشروعا جائزا لكنه اتصل به أمر غير مشروع.
وذهب بعض الفقهاء إلى أن البيع يفسخ , أو لا ينعقد أصلا.

والحكمة من النهى عن البيع ونحوه منذ النداء للجمعة هي التفرغ عن الشواغل عن تلك العبادة التي فيها ذكر الله والموعظة والتعلم وهى تمثل التجمع الإسلامي الأسبوعي , وذلك لأن التشاغل عنها يؤدى لتركها , وقد ورد في الترهيب من ترك الجمعة ما رواه كعب بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لينتهين أقوام يسمعون النداء يوم الجمعة ثم لا يأتونها أو ليطبعن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم. أخرجه مسلم
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليسع إلى الجمعة , ومن استغنى عنها بلهو أو تجارة استغنى الله عنه , والله غني حميد.
أخرجه الطبراني.


الغبن
الغبن عند الفقهاء هو عدم التكافؤ بين قيمة البدلين في عقد المعاوضة وهو محرم في الإسلام لدفع الضرر عن الناس.
والغبن نوعان: غبن كثير , وغبن يسير.
ومن أمثلة ذلك الغبن الاستغلالي , تلقى الركبان , بيع الحاضر للبادي , النجش , مخالفة التسعير , الاحتكار.


الغبن الاستغلالي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غبن المسترسل حرام وفي رواية: غبن المسترسل ظلم أخرجه الطبراني.
المسترسل: المستسلم للبائع. الغبن في اللغة النقص , والخداع في البيع والشراء , ومعناه عند الفقهاء: عدم التكافؤ بين قيمة البدلين في عقد المعاوضة.

والغبن نوعان: غبن كثير , وغبن يسير. والغبن الكثير ويسمى (غبنا فاحشا) هو ما لم تجر به عادة الناس , أو ما يتجاوز أكبر تقويم للسلعة من ذوى الخبرة.
وقدره بعضهم بما يزيد عن الثلث , والغبن اليسير عكسه , ولا أثر له على العقد , ولا يطالب من وقع عليه غبن يسير بالتعويض , وذلك لكثرة وقوعه في المعاملات وصعوبة التحرز عنه.

الغبن الفاحش لا يترتب عليه أي حق للمغبون إذا كان عالما بالغبن أثناء التعاقد , فإذا علم وسكت فالعقد نافذ , لحصول الرضا منه.
وأما إن كان المغبون غير عالم بالغبن فإنه يثبت الخيار (حق الفسخ) في الحالات التالية التي يوجد فيها مع الغبن تغرير بالمشتري:
أ - إذا كان المشتري مسترسلا: أي مستسلما للبائع جاهلا بثمن السلعة.
ب - إذا قال المشتري للبائع: بعني كما تبيع الناس , فباعه بأزيد من ذلك.
ج - إذا كان الشراء لصالح قاصر أو مفلس.

أما الغبن الفاحش الخالي عن التغرير فإنه لا يترتب عليه الخيار للمغبون , لأن نقصان قيمة السلعة مع سلامتها من العيوب لا يمنع لزوم العقد , والمشتري هو المفرط في ترك التأمل. مع كراهة هذا الغبن.
وهناك من الغبن نوع يترتب عليه الحق في تعديل السعر , وهو ما يقع في بيوع الأمانة التي يحدد فيها الثمن بحسب ما اشتراه البائع أو بالتكلفة وهو بيع التولية , أو مع الربح وهو بيع المرابحة , فإذا ظهرت خيانة في بيان ذلك فإن الغبن يلغى ويصحح الثمن.

تلقى الركبان
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتلقى الركبان أخرجه مسلم في صحيحه.
وفي رواية: لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشتري منه , فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار.
والمراد بالركبان هم القادمون إلى البلد , والتلقي هو الخروج إلى خارج البلد لشراء الأرزاق المجلوبة إليه قبل أن تهبط إلى الأسواق.

ومعنى الجلب: الأشياء المجلوبة إلى البلد من خارجه.
والحكمة في النهي عن الشراء بتلقي الركبان منع الغبن والإضرار. لأن المتلقين للركبان ربما غبنوهم غبنا فاحشا بشراء السلع منهم بأثمان بخسة مستغلين جهلهم بالأسعار , وربما أضر ذلك بالبلد أيضا لأن الركبان إذا وصلوا البلد باعوا أمتعتهم فورا , والذين يتلقونهم لا يبيعونها بسرعة ويتربصون بها أسعارا مرتفعة.

والمقصود بالخيار الذي أثبته الحديث للراكب المتلقى هو إعطاؤه حق فسخ الصفقة إذا دخل السوق وعرف أنه قد غبن.
على أن العقد هنا صحيح لأن النهي ليس لمعنى خاص بالبيع نفسه بل لما قد يقع فيه من الخديعة , وهي حالة يمكن استدراكها بإثبات الخيار للمغبون.

بيع الحاضر للبادي
عن ابن عباس رضي الله عنه قال نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتلقى الركبان وأن يبيع حاضر لباد.
فقيل لابن عباس ما قوله (حاضر لباد) ؟ قال: لا يكون له سمسارا , أخرجه مسلم.

ومعنى السمسرة هو التوسط بين البائع والمشتري بأجرة معلومة , لتسهيل الصفقة , وهي جائزة شرعا.
والممنوع منها هو ما كان بين البادي وأهل الحضر.

والحكمة من النهى عن أن يتولى الحاضر (أي المقيم بالبلد) عملية بيع ما يجلبه البادي (أي القادم من البادية أو القرى) الحكمة هي دفع الضرر عن الناس , لأن توسط شخص بين الحاضر والبادي يؤدى إلى زيادة الأسعار عما كان البادي مستعدا للبيع به.
قال النبي صلى الله عليه وسلم دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض. أخرجه مسلم.

أما السمسرة بين الحاضر والحاضر فليس فيها ضرر لأن الأسعار معلومة للطرفين.
ولا تؤدى السمسرة هنا إلى ارتفاعها وحدوث الغلاء بل تقرب وجهات نظر الطرفين لتمام الصفقة وهي عمل نافع لهما وللسمسار لأن كثيرا من الناس لا يعرف طرق الوصول إلى شراء وبيع واستئجار ما يرغبون فيه وقد اصبح للسمسرة في العصر الحاضر أهمية كبيرة في التجارة والأسواق المالية.

النجش
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تناجشوا.
وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش. أخرجه البخاري ومسلم.
ومعنى النجش , والتناجش: الإثارة يقال: نجش الطائر: إذا أثاره من مكان ليصيده.
ويأتي أيضا بمعنى الاستتار , لأن ما قصده الناجش مستور.

ويحصل النجش المنهي عنه شرعا بأن يزيد شخص في ثمن سلعة معروضة للبيع ليس له حاجة بها وذلك ليخدع غيره فيظن أنها تساوى ذلك الثمن فيغتر بهذه المساومة التي لم تحصل لرغبته في الشراء , ولكن للتغرير قاصدا من ذلك نفع البائع على حساب إلحاق الضرر بالمشتري.

وكذلك يتحقق النجش بمدح السلعة بما ليس فيها بقصد ترويجها فهو كما لو زاد في ثمنها لتوريط المشتري.
وغالبا ما يكون الناجش متواطئا مع البائع أو يكون البائع عالما بالنجش ويسكت ليغتر المشتري.
ويكثر النجش في حالات المزايدة حيث يطرح بعض الأشخاص سعرا وليس في نيته الشراء.

الحكمة في المنع من النجش وتحريمه ما فيه من الخداع والتدليس , ولذلك يثبت الخيار لمن اشترى السلعة بتأثير النجش , فله الحق في أن يوافق على الصفقة أو يفسخها.
أما العقد في ذاته فهو صحيح , وذهب بعض الفقهاء إلى إبطاله أصلا.
إعطاء الخيار للمشترى بسبب النجش مشروط بأن تكون الزيادة في قيمة السلعة متجاوزة لقيمتها في السوق. . وهذا مع اتفاق جميع الفقهاء على تحريم النجش وتأثيم الناجش بل استدل بعضهم لجواز لعنه بحديث رواه الطبراني الناجش آكل ربا خائن ملعون.

مخالفة التسعير
التسعير: تقدير ولى الأمر سعرا معلوما وإجبار الباعة على التزامه.
والأصل عدم التسعير وإطلاق الحرية للباعة في البيع بما يقع عليه التراضي , لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} (النساء: 29) وروى أنس رضي الله عنه أنه غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس: يا رسول الله , غلا السعر فسعر لنا , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق , إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال. أخرجه أبو داود والترمذي.
وهذا الحديث هو للحالة التي لا يصل فيها الغلاء إلى مستوى ضار.

وهناك حالات يحق فيها لولي الأمر التسعير , درءا للضرر عن الجماعة , وهى: مجاوزة أسعار الأطعمة للقيمة بشكل غير مألوف.
احتكار التجار للسلع , فيجبر أصحابها على البيع بسعر يحدده ولي الأمر.
انحصار بيع بعض السلع بفئات مخصوصة ومنع غيرها , فتحدد الأسعار منعا للتحكم.
تواطؤ التجار على البيع بسعر يحقق ربحا فاحشا.
ففي هذه الحالات يجوز التسعير , لما فيه من صيانة حقوق الناس وصلاح أمرهم ودفع الضرر عن جماعتهم , بالرغم من تأثير ذلك على التجار , لأن درء الضرر العام مقدم على درء الضرر الخاص. ينطبق جواز التسعير في التجارة على الصناعة أيضا , فإذا امتنع الصناع عن العمل إلا بسعر مرتفع جدا عن اجر المثل , فإن لولي الأمر تسعير الأجور , حماية للناس من الظلم.

وحكم البيع المخالف للتسعير أنه صحيح , ولكن لولى الأمر تعزير من خالف التسعير , لوجوب الطاعة في المعروف بما يحقق مصلحة المجتمع.

الاحتكار
معنى الاحتكار هو امتلاك السلع في وقت الغلاء وحبسها لبيعها عند اشتداد الحاجة , والمحتكر لا يستجيب لمتطلبات السوق , بل يدخر الأشياء رغم دواعي بيعها بربح معقول , وينتظر تقلب الأسواق ليحقق من بيع ما ادخره أرباحا كبيرة , من غير مبالاة بما يلحق الناس من الضرر بحبس الأشياء عنهم , وكثيرا ما يتلف المحتكرون كميات كبيرة مما احتكروه للتحكم بالسوق ورفع الأسعار.

وروى معمر بن أبي معمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من احتكر فهو خاطئ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي.
وروى معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة. أخرجه أحمد والطبراني.

وللفقهاء آراء متعددة في تفسير الأشياء التي يعتبر حبسها احتكارا , فبعضهم خص ذلك بالأقوات (المواد الغذائية) , وبعضهم عممه في كل شيء من الأقوات وغيرها من سائر السلع التي يلحق الناس بحبسها ضرر.
إذا علم ولي الأمر بوقوع الاحتكار فإنه يأمر المحتكر بإخراج ما احتكره وعرضه في السوق لبيعه , فإن امتنع اجبره , أو تولى بيعه عنه وأعطاه مثله عند وجوده أو قيمته , وذلك لأن الاحتكار فيه تسلط على الأسواق وله آثار سلبية على الاقتصاد فهو يهدد حرية التجارة , ويسد أبواب الفرص أمام الناس ويقتل روح المنافسة.


التدليس والتغرير والغش
حرم الإسلام التدليس والتغرير والغش , ومن ذلك بيع المعيب , التطفيف في الكيل أو الوزن , البيع على بيع الغير والسوم على سوم الغير , المماطلة والتفليس الكيدي.


التدليس والتغرير والغش تشكيل النص
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا أخرجه مسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا , فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما , وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما. أخرجه البخاري ومسلم
التدليس:
نوع من الغش , وهو من الدلس أي الظلمة , أو الدلسة أي الخديعة وهو كتمان عيب السلعة.

التغرير:
إيجاد الرغبة عند المتعاقد بأفعال مموهة أو قول باطل أو إطراء موهوم.

الغش:
تحسين السلعة بطرق خادعة لتظهر سلامتها مع أنها معيبة.

والتدليس: قد يكون بالأقوال كالكذب في الثمن في بيوع الأمانات التي يشترط فيها بيان الثمن الأصلي للسلعة.
وقد يكون بالأفعال وهي كل ما يستر عيب السلعة.
والتدليس والتغرير والغش حرام , وإذا كان التدليس مؤثرا في اختلاف الثمن في المعاملات , يثبت به الخيار لمن وقع عليه شيء من ذلك , فله أن يفسخ الصفقة ليدفع عن نفسه الضرر الناشئ عن التدليس ويثبت حق الفسخ هنا دون اشتراط , لأن الأصل في البيع السلامة من العيوب , وانتفاء التدليس.

على أنه إذا بين البائع عيب السلعة للمشترى , أو اشترط البائع لنفسه البراءة من عيوب المبيع فإن ذلك جائز لعدم الخداع والتدليس.

من صور التدليس: التصرية وهى حبس اللبن في الضرع بترك الحلب أياما عند إرادة بيع الشاة أو البقرة ليوهم المشتري أنها غزيرة اللبن وأن ذلك عادة لها , فإذا حلبها المشتري بعد البيع وتبين له أنها مصراة فله حق الفسخ مع رد صاع من تمر عن اللبن الذي حصل عليه.

وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تصروا الغنم , ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحتلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر رواه البخاري ومسلم.
وتنطبق هذه الصورة على كل شيء تدخل عليه عند البيع تحسينات مؤقتة من أجل خداع المشتري , فله حق الرد مع تقرير مقابل الانتفاع بحسب العرف والخبرة.

بيع المعيب
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعا فيه عيب أن لا يبينه. أخرجه أحمد في مسنده والحاكم.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام وقد حسنه صاحبه , فأدخل يده فيه فإذا طعام رديء , فقال: بع هذا على حدة وهذا على حدة , فمن غشنا فليس منا أخرجه أحمد والبزار.
المراد بالعيب كل ما ينقص ثمن الشيء في عادة التجار , لأنه يحصل الضرر بنقص القيمة المالية.

والمرجع في تحديد العيب ومعرفته هو إلى المتعارف عليه عند أهل الخبرة بالشيء.
التعاقد على شراء شيء يقتضى توافر صفة السلامة فيه , ولو لم يشترطها المشتري , لأنها هي الأصل.
وإذا علم البائع في سلعته عيبا لم يجز له بيعها حتى يبينه للمشترى أو يشترط لنفسه البراءة مما فيه من العيوب ليكون المشتري على بصيرة من أمره فيتفحص المبيع جيدا ويكتشف ما فيه من عيوب ويسأل البائع عنها.

على انه إذا باعه سلعة ولم يبين عيوبها فالبيع صحيح - رغم المخالفة الشرعية - لوجود خيار العيب.
إذا اشترط البائع لنفسه البراءة من العيوب فإن الصفقة تامة وليس للمشترى المطالبة بالفسخ إن ظهر له عيب قديم.
وهذا البيع يسمى (بيع البراءة) .
إذا ظهر في المبيع عيب وثبت أنه بسبب قديم , أي قبل تسلم المشتري , فإن له خيار العيب (الحق في الفسخ أو في التمسك بالعقد) وله الاتفاق مع البائع للتعويض عن العيب , وليس له إجبار البائع على التعويض إذا أراد الفسخ فإن الضرر يندفع عن المشتري بتمكينه من رد المبيع المعيب.

يمتنع الرد بخيار العيب إذا طرأ على المبيع عيب جديد عند المشتري , وفي هذه الحالة ينحصر حق المشتري في الحصول على تعويض عن العيب القديم. ولا مانع من تفاهم المشتري مع البائع على الرد مع إضافة تعويض من المشتري عن العيب الجديد.
ولكن هذا يتوقف على رضا البائع لأن في الرد إضرارا بالبائع , لأن المبيع خرج عن ملكه سالما من العيب الجديد فيتعين الرجوع بالنقصان إلا أن يرضى البائع أخذه بعيبه لأنه رضى بالضرر.

التطفيف في الكيل أو الوزن
عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: خمس بخمس: ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم , ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر , وما ظهرت الفاحشة فيهم إلا ظهر فيهم الطاعون , وما طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذو بالسنين , ولا منعوا الزكاة إلا حبس الله عنهم المطر أخرجه مالك في الموطأ , والبزار في المسند.

والتطفيف هو نقص المقدار في الكيل أو الوزن وهي كلمة مأخوذه من الطفيف وهو القليل , لأن من يسرق من المكيال والميزان يقتصر على الشيء الطفيف حتى لا يكتشف.
وفي شأن التطفيف نزل قوله تعالى: {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين}
قال ابن عباس هي أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة نزل المدينة وكان هذا فيهم , كانوا إذا اشتروا استوفوا بكيل راجح , فإذا باعوا بخسوا المكيال والميزان , فلما نزلت السورة انتهوا , فهم أوفى الناس كيلا إلى يومهم هذا.

وقال أبو هريرة نزلت في رجل من أهل المدينة كان له صاعان , يأخذ بأحدهما , ويعطى بالآخر.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا تلتمس المروءة ممن مروءته في رءوس المكاييل ولا ألسنة الموازين. إذا حصل نقص في الكيل أو الوزن دون تعمد من البائع فإنه يستحق المشتري تكملة ما نقص عليه وإذا كان الشراء واقعا على صبرة (أي جملة غير معروفة المقدار) واشترط المشتري أن مقدارها هو كذا , فظهر إنها أقل أو اكثر كانت العبرة بالمقدار الفعلى , ويعدل الثمن بالنسبة نقصا أو زيادة.
هذا , ومن السماحة في البيع أن يرجح الكيل أو الوزن , وذلك بتوفية المقدار المبيع ثم إضافة شيء يسير للتأكد من التوفية.

وقد مر علي بن أبي طالب رضي الله عنه على رجل وهو يزن الزعفران , وقد أرجح , فأكفأ الميزان (أي أفرغه) ثم قال له: أقم الوزن بالقسط , ثم أرجح بعد ذلك ما شئت.
قال القرطبي كأنه أمره بالتسوية أولا ليعتادها ويفصل الواجب من النفل (أي الإرجاح المرغب فيه) .

السوم على سوم الغير والبيع على بيع الغير
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبع بعضكم على بيع بعض حتى يبتاع.
وفي رواية: لا يبع الرجل على بيع أخيه , ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له وفي رواية: نهى أن يستام الرجل على سوم أخيه.

والبيع على البيع هو أن يتراضى البائع والمشتري على ثمن السلعة ويعقدان البيع فيأتي شخص ثالث ويعرض على المشتري أن يبيعه مثلها بثمن اقل , فيطلب المشترى فسخ الصفقة. .
والشراء على الشراء أن يعرض شخص على البائع بعد تمام الصفقة ثمنا أكثر مما باع به لكى يطلب من المشتري الفسخ. . .
والسوم على السوم أن يحصل الاتفاق بين البائع والمشتري على السلعة فيعرض مشتر آخر ثمنا اكثر ليأخذها دون الذي سامها قبله.
يحرم القيام بإحدى الحالات المشار إليها , ولكن البيع الثاني يقع صحيحا , لأن النهي ليس لأمر في ذات المبيع , فقد استوفى العقد ركنه وشروطه , وإنما هو لأمر خارجي , وهو الإيذاء والضرر والإفساد وقد جاء ذكر الأخر في الحديث لزيادة التنفير ولإثارة العطف مع عموم الحرمة فيه وفي غيره.

يستثنى من النهى بيع المزايدة , بالمناداة على السلعة وزيادة الناس بعضهم على بعض حتى تقف على آخر زائد فيها فيأخذها.
فهذا البيع جائز بالسنة والإجماع لأنه قائم أصلا على التنافس ولا يفاجأ المشتري أو المساوم بذلك فلا يتضرر.
روى أنس بن مالك أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه الحاجة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما عندك شيء؟ فأتاه بحلس (بساط) وقدح , فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يشتري هذا؟ فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم , قال: من يزيد على درهم؟ فسكت القوم , فقال: من يزيد على درهم؟ فقال: رجل أنا أخذهما بدرهمين , قال: هما لك. ثم أمره أن يشترى قدوما يحتطب ويبيع.
ويدل هذا الحديث على مشروعية بيع المزايدة , في حالة خلوه من التلاعب.
كما يدل على دور ولى الأمر في منع التسول وإيجاد فرص العمل لمعالجة البطالة.
المماطلة والتفليس الكيدي
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مطل الغنى ظلم , يحل عرضه وعقوبته وفى رواية لي الواجد ظلم أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي.
والمماطلة: التسويف وتأخير سداد الدين.
يدل هذا الحديث على تحريم المماطلة بالحقوق التي يحين موعد أدائها مع المقدرة والملاءة.
وهذا موجب للإثم , ويستحق المماطل العقوبة المعنوية بإغلاظ القول له والتنديد به والتحذير منه , وكذلك العقوبة الزاجرة له عن فعله.
كما يحق للدائن ملازمته إلى أن يحصل على مستحقاته.

إذا ثبت أن المدين المماطل موسر وقد أخفى أمواله عن دائنه فإنه يحق للمدين رفع أمره إلى القضاء لاتخاذ الوسائل الكفيلة باستخلاص الحق منه , ومن ذلك حبسه ومضايقته إلى أن يخرج الأموال التي أخفاها.
وإذا عثر القاضي على موجودات للمدين المماطل فإنه يبيعها جبرا عنه ويقضى منها ديونه , سواء كان السبب المماطلة أو بسبب التفليس كما وقع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث باع على معاذ رضي الله عنه ماله - حين أفلس - وقضى ديونه.
وإذا لم تكف أموال المدين عند إفلاسه لسداد جميع ديونه فإنها توزع على الدائنين بنسبة ديونهم وهذه الطريقة تسمى قسمة الغرماء.

وقد حثت الآيات والأحاديث على المبادرة لأداء الأمانات والحقوق قال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} .
وقال أيضا: {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه} .
وقال صلى الله عليه وسلم على اليد ما أخذت حتى تؤديه وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه , ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله. أخرجه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم إن خيركم أحسنكم قضاء أخرجه البخاري ومسلم.


انتهاء البيع
ينتهى البيع بتسليم المبيع إلى المشترى والثمن إلى البائع أو بالاتفاق على الإقالة أو بالفسخ لأحد الأسباب الموجبة له.


ينتهى البيع بتنفيذ آثاره وهي الالتزامات المترتبة على البائع والمشتري , وذلك بتسليم الثمن إلى البائع والسلعة إلى المشتري ,
كما ينتهي باتفاق الطرفين على الإقالة ويترتب على ذلك التراد بإعادة الثمن إلى المشتري واعادة السلعة إلى البائع ,
وينتهي أيضا بطروء سبب من أسباب الفسخ المقررة شرعا ومن ذلك ظهور العيب إذا اختار المشترى الفسخ دون التعويض (الأرش) .