فقه المعاملات

الإجارة


تعريف الإجارة
الإجارة هي عقد على منفعة مقصودة مباحة معلومة بعوض معلوم.


الإجارة لغة
اسم للأجرة على وزن فعالة , من أجر يأجر.

أما في الاصطلاح الفقهي
فقد عرفها الفقهاء بتعريفات كثيرة , وهي تعريفات متقاربة في المعنى وإن اختلفت في العبارة. فبعض الفقهاء يزيد قيودا في التعريف لا يرى الآخرون حاجة لذكرها.
فقد عرف الحنفية الإيجار بأنه عقد على المنافع بعوض.
وعرفها المالكية بقولهم هي تمليك منافع شيء مباحة مدة معلومة بعوض.
وتعريف الحنابلة: هي عقد على منفعة مباحة معلومة , مدة معلومة , من عين معينة , أو موصوفة في الذمة , أو على عمل شيء معلوم , بعوض معلوم.
وتعريف الشافعية: هي عقد على منفعة مباحة مقصودة معلومة , قابلة للبذل والإباحة , بعوض معلوم. وهو شبيه بمن سبقهم.
ويمكن أن نقول في الجملة أن الإجارة هي عقد على منفعة مقصودة مباحة معلومة بعوض معلوم.

ومحترزات هذا التعريف هي التالية
- هي عقد: أي ارتباط إيجاب بقبول على وجه مشروع يظهر أثره في محله.
- على منفعة: هو احتراز من العقد على العين , فإنه يكون بيعا أو هبة وليس إجارة. والمنفعة تشمل بإطلاقها المنافع المباحة والمحرمة سواء كانت متقومة أو غير متقومة , ويدخل فيها عمل الإنسان ومنافع غيره من الحيوان والأشياء.
- منفعة مباحة: وهذا قيد يخرج العقد على منفعة محرمة , كالاستئجار على الرقص والغناء المحرم وغير ذلك من المحرمات.
- منفعة مقصودة: وهذا قيد يخرج المنفعة التافهة أي ما لا قيمة له تقصد غالبا من المنافع , مثل استئجار بياع على كلمة لا تتعب , أو استئجار تفاحة لشمها.
- منفعة معلومة: وهذا احتراز من المنفعة المجهولة فإنها لا تصح الإجارة عليها , لأن فيها غرر. فوجب العلم بالمنفعة لتصح الإجارة عليها , والعلم بالمنفعة يكون بتحديدها بالزمن كاستئجار شهر أو سنة , أو بنوع العمل كاستئجار على خياطة ثوب أو بناء جدار. وبهذا القيد خرجت المنفعة في المضاربة لأن مقدار الربح يكون مجهولا كما خرجت الجعالة على عمل مجهول كرد الضالة إذ أنه قد يجدها بعد يوم وقد يجدها بعد ساعة.
- بعوض: وهذا القيد لإخراج هبة المنافع وإعارتها والوصية بها , فإنها عقد على منافع معلومة لكنها بغير عوض.
- بعوض معلوم: وهذا للاحتراز عن العوض المجهول , لأن العوض في الإجارة ثمن للمنفعة , وشرط الثمن أن يكون معلوما. وهذا القيد أخرج المساقاة فإن العوض فيها مجهول المقدار , وأخرج المضاربة فإن مقدار الربح فيه غير معلوم.

ملاحظة
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الإجارة والكراء لفظان مترادفان لمعنى واحد , غير أن فقهاء المالكية اصطلحوا على تسمية العقد على منافع الآدمي , وما ينقل كالثياب والأواني إجارة. والعقد على منافع ما لا ينقل كالأرض والدور , وما ينقل من سفينة وحيوان كالرواحل كراء. وهذا في الغالب عندهم.


دليل مشروعية الإجارة
استدل جمهور الفقهاء على جواز الإجارة بأدلة كثيرة من القرآن الكريم ومن السنة المطهرة والإجماع.


اتفق جمهور الفقهاء على جواز عقد الإجارة ولم يخالف في جوازها إلا طائفة من المتأخرين كأبي بكر الأصم وإسماعيل ابن علية والحسن البصري والقاشاني والنهرواني وابن كيسان فإنهم لم يجيزوه , لأن الإجارة عندهم:
تتضمن بيع منفعة معدومة , إذ المنافع حال انعقاد العقد معدومة القبض , فتكون الإجارة باطلة قياسا على البيع لأن بيع المعدوم باطل باتفاق الفقهاء.
- وتتضمن الغرر , إذ أنها تعقد على منافع لم تخلق بل هي توجد شيئا فشيئا , فكان العقد عليها باطلا لأن الغرر منهي عنه.

وناقش الجمهور أدلة المانعين فقالوا إن الغرر ما تردد بين أمرين على السواء.
أما الإجارة فالأغلب فيها حال السلامة , ولو فرض أن في الإجارة غررا فإنه قليل ويغتفر بالأدلة الواردة لحاجة الناس إليه وضرورته , وكونه قليلا.
كما ذكروا أن قياسهم الإجارة على البيع في بطلانه على ما لم يخلق قياس مع الفارق وذلك أن بيع المعدوم لا يصح لأن العقد لم يقع على شيء يتناوله البيع بخلاف الإجارة , فإن المنافع وإن كانت معدومة فالعين موجودة معلومة وقع عقد الإجارة على تلك العين المعلومة المعينة لاستيفاء منافعها ففرقا بين عين معينة معلومة منافعها وبين العقد على معدوم لا وجود له.

وأدلة الجمهور على مشروعية الإجارة: القرآن والسنة , والإجماع والمعقول.

الدليل من القرآن الكريم
قول الله تعالى على لسان إحدى ابنتي شعيب عليه السلام
{قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك} (القصص: 26 , 27)
ووجه الاستدلال بالآية الكريمة هو أن الله سبحانه وتعالى قص علينا خبر تأجير موسى عليه السلام نفسه لرعي الغنم بأجرة معلومة , وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ , فدل ذلك على جواز الإجارة.
وقوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} (الطلاق: 6)
وفي هذه الآية أمر بإيتاء الأجر إذا أرضعت المرأة الطفل.
وهذا دليل على مشروعية الإجارة.

الدليل من السنة الشريفة
قوله صلى الله عليه وسلم: أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه وهذا حديث رواه أبو يعلى في مسنده من حديث أبي هريرة وروى عن آخرين.
وقوله صلى الله عليه وسلم: من استأجر أجيرا فليعلمه أجره.

وهذان الحديثان يدلان على جواز الإجارة , لأن فيهما الأمر بإعطاء الأجير أجرته وإعلامه بمقدارها.

ومنها ما رواه سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا نكري الأرض بما على السواقي من الزرع , فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك , وأمرنا أن نكريها بذهب أو ورق أي فضة وروى ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم , وأعطى الحجام أجره.

الدليل من الإجماع
فقد أجمع السلف الصالح من الصحابة والتابعين على جواز الإجارة قبل وجود الأصم ومن وافقه من الفقهاء المتأخرين , الذين لا يعتبر اجتهادهم صحيحا لأنه يخالف النصوص الصريحة من القرآن والسنة.

يقول الإمام الكاساني وأما الإجماع فإن الأمة أجمعت على ذلك قبل وجود الأصم حيث يعقدون عقد الإجارة من زمن الصحابة إلى يومنا هذا من غير نكير فلا يعبأ بخلافه , إذ هو خلاف الإجماع , وبه تبين أن القياس متروك لأن الله تعالى إنما شرع العقود لحوائج العباد وحاجتهم إلى الإجارة ماسة.

الدليل من المعقول
وأما دليل مشروعية الإجارة من المعقول فالناس بحاجة إليها كحاجتهم إلى الأعيان , لتوفير السكنى في الدور , والاتجار في المحلات التجارية والركوب للمسافر وغيره على الدواب والسيارات والسفن والقطارات والطائرات , وعمل أصحاب الصنائع بأجر , ولا يمكن كل أحد عمل ذلك , ولا يجد متطوعا به , فلا بد من الإجارة لذلك , بل ذلك مما جعله الله طريقا للرزق , حتى إن أكثر المكاسب بالصنائع كما قال ابن قدامة في المغني.


الوصف الفقهي للإجارة
الإجارة هي بيع المنافع , لكنها تختلف عن البيع في أنها مؤقتة المدة خلافا عن البيع فهو مؤبد.

واختلف الفقهاء في صفة مشروعية الإجارة هل هي مشروعة على وفق القياس أو على خلافه.
فقال جمهور الفقهاء: إنها شرعت على خلاف القياس.
وقال بعض فقهاء الحنابلة: إنها مشروعة على وفق القياس وقد نصر هذا الرأي ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.


الإجارة بيع منفعة لكنها تختلف عن البيع في أنها مؤقته المدة , وعقد البيع لا يقبل التأقيت , وإنما هو مؤبد , لأنه يترتب عليه انتقال ملكية العين المعقود عليها من المنقولات والعقارات وغيرها.
قال ابن قدامة في المغني:
الإجارة نوع من البيع , لأنها تمليك من كل واحد منهما لصاحبه , فهي بيع المنافع , والمنافع بمنزلة الأعيان , لأنه يصح تمليكها في حال الحياة وبعد الموت , وتضمن باليد والإتلاف , ويكون عوضها عينا ودينا.

واختلف الفقهاء في صفة مشروعية الإجارة هل هي مشروعة على وفق القياس أو على خلافه.
فقال جمهور الفقهاء: إنها شرعت على خلاف القياس
وقال بعض فقهاء الحنابلة: إنها مشروعة على وفق القياس وقد نصر هذا الرأي ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.

الإجارة مشروعة على خلاف القياس
استدل جمهور الفقهاء بأن الإجارة شرعت على خلاف القياس بقولهم:
أن الإجارة بيع معدوم , وبيع المعدوم لا يجوز لذا لم تكن الإجارة جائزة في الأصل إلا أنه لما وردت الأدلة الشرعية بجوازها كان هذا الجواز استثناء على خلاف الأصل والقاعدة التي قامت الأدلة الشرعية عليها.
أما أن الإجارة بيع فلأن البيع مبادلة مال بمال , والإجارة كذلك لأنها مبادلة منفعة بمال هو الأجرة وأما أن بيع المعدوم باطل فللأدلة الشرعية الكثيرة ومنها حديث لا تبع ما ليس عندك.

الإجارة مشروعة على وفق القياس
أجاب بعض الحنابلة على استدلال جمهور الفقهاء فقالوا بأن الإجارة شرعت على وفق القياس وهي ليست بيعا , لأن البيع الذي جاءت الأدلة على بطلانه إذا ورد على المعدوم هو الوارد على الأعيان التي يمكن أن توجد عند التعاقد , أما الإجارة فإنها ترد على منافع يتعذر وجودها عند التعاقد.
وردوا على قياسهم الإجارة بالبيع بقولهم:
إن أردتم بالبيع الذي قستم عليه الإجارة معناه المطلق الشامل لبيع العيان والمنافع فإننا نسلم لكم أن الإجارة نوع منه بهذا المعنى. غير أننا لا نوافقكم على أن البيع بهذا المعنى هو الذي ورد النهي عنه إذا كان محله معدوما لأن العقد على المنافع حال وجودها لا يتصور عقلا فكيف يشترطه الشارع , ولهذا كان النهي عن بيع المعدوم واردا على بيع الأعيان التي يمكن تأخير العقد عليها حتى توجد دون ضرر ولا شدة حاجة.
أما المنافع فإنه يمتنع العقد عليها حال وجودها لأنها تكون معدومة عند العقد دائما فجاز العقد عليها ويكون هذا الجواز أصلا في ذاته وليس مستثنى من غيره.

ويقول أصحاب هذا الرأي أن العلة في المنع ليست هي العدم ولا الوجود , لأنه قد ورد في السنة النهي عن بيع بعض الأشياء المعدومة كما نهى عن بيع بعض الأشياء الموجودة ولكن العلة في المنع هي الغرر , فالمعدوم الذي هو غرر نهى عنه للغرر لا للعدم.
ولذا فالشيء الذي يكون له حال وجود وحال عدم كان في بيعه حال العدم مخاطرة وغرر , وأما ما ليس له إلا حال واحدة والغالب فيه السلامة فليس العقد عليه مخاطرة , وإن كان فيه مخاطرة يسيرة فالحاجة داعية إليه.


الحكم التكليفي للإجارة
الأصل في الإجارة الإباحة , وقد تجب للضرورة أو الحاجة بعوض , أو مجانا في رأي ابن تيمية وابن قيم الجوزية.


الإجارة كالبيع عقد مباح مشروع للحاجة , وحكمة مشروعيتها عظيمة , لأن فيها تبادل المنافع بين الناس بعضهم مع بعض , لأن العمل الذي يقوم به الفرد الواحد , غير العمل الذي يقوم به الاثنان أو الثلاثة مثلا.
وإذا كانت الإجارة إجارة عين , كهذه السيارة , يشترط أن يذكر في عقد الإجارة قدرها ووصفها. . . . إلى آخر الشروط التي ستذكر. والحكمة في ذلك منعا للخصام والنزاع.
كما أنه لا يجوز استئجار عين لمنفعة مجهولة , تقدر بمقتضى الظن والرجم بالغيب , إذ ربما طرأ طارئ يعطل هذه العين عن الفائدة.

وهكذا يكون الأصل في الإجارة الإباحة إلا إذا كان فيها إنقاذ نفس من الهلاك , أو كانت هناك ضرورة لبذل المنافع , حفاظا على النفس الإنسانية في وقت الأزمات والحروب , والتشرد والضياع , أو إيواء غريب , فتصبح واجبة , بل يجب في هذه الأحوال بذلها مجانا كما صرح بعض الحنابلة كابن تيمية وابن القيم.

قال ابن القيم في (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية)
فإذا قدر أن قوما اضطروا إلى السكنى في بيت إنسان , لا يجدون سواه , أو النزول في خان مملوك , أو استعارة ثياب يستدفئون بها , أو رحى للطحن , أو دلو لنزع الماء , أو قدر , أو فأس , أو غير ذلك:
وجب على صاحبه بذله بلا نزاع.

لكن هل له أن يأخذ عليه أجرا؟ فيه قولان للعلماء , وهما وجهان لأصحاب أحمد.
ومن جوز له أخذ الأجرة , حرم عليه أن يطلب زيادة على أجر المثل. قال شيخنا (أي ابن تيمية) :
والصحيح أنه يجب عليه بذلك ذلك مجانا كما دل عليه الكتاب والسنة: قال تعالى: {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون} قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة: (هو إعارة القدر والدلو والفأس) .
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم - وذكر الخيل - قال: هي لرجل أجر , ولرجل ستر , وعلى رجل وزر. فأما الذي هي له أجر: فرجل ربطها في سبيل الله. وأما الذي هي له ستر: فرجل ربطها تغنيا وتعففا , ولم ينس حق الله في رقابها , ولا في ظهورها.
وفي الصحيحين عنه أيضا: من حق الإبل: إعارة دلوها , واطراق فحلها.
وفي الصحيحين عنه: أنه نهى عن عسب الفحل أي عن أخذ الأجرة عليه , والناس يحتاجون إليه فأوجب بذله مجانا , ومنع من أخذ الأجرة عليه.
وفي الصحيحين عنه أنه قال: لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره.


أقسام الإجارة
قسم الفقهاء الإجارة تقسيمات مختلفة باعتبارات مختلفة.
فقد قسمت من حيث تعيين المحل وعدم تعيينه إلى:
إجارة العين
وإجارة الذمة.

وقسمت من حيث المحل الذي تستوفى منه المنفعة إلى:
إجارة على منافع الإنسان
وإجارة على منافع الأعيان.


أقسام الإجارة من حيث نوع المحل المعقود عليه
اتفق الفقهاء على أن الإجارة نوعان:
نوع ترد فيه الإجارة على منافع الأعيان , ونوع ترد فيه الإجارة على منافع الإنسان أي على عمله.

إجارة على المنافع
المعقود عليه في هذا النوع من الإجارة هو المنفعة , كإجارة الدور والمنازل والحوانيت والضياع , والدواب للركوب والحمل , والثياب والحلي للبس , والأواني وغيرها , حيث يتم دفع هذه الأعيان لمن يستخدمها لقاء عوض معلوم. .
ويمكن تقسيم هذا النوع إلى ثلاثة أقسام:
(1) إجارة العقار كإيجار الدور والأراضي والمنازل.
وهي تشمل الأعيان التي تستوفى منفعتها بالاستخدام بالسكنى أو الزراعة أو غيرها.
(2) إجارة الدواب كالحيوان والإبل والخيل وما يلحق بها من سيارات وطائرات وسفن.
وهي تشمل الأعيان التي تستوفى منفعتها بالركوب والحمل.
(3) إجارة العروض كالملابس والأواني والخيام وغيرها من المنقولات.
وهي تشمل الأعيان التي تستوفى منفعتها بالاستعمال.

إجارة على الأعمال
المعقود عليه في هذا النوع من الإجارة هو العمل , وهو ما يبذله الأجير من مهارات أو جهد لأداء عمل معلوم لقاء أجر معلوم.
ومثال ذلك بناء دار وخياطة قميص وحمل إلى موضع معين , وصباغة ثوب وإصلاح حذاء ونحوه.
وهذا العقد شائع بين أرباب الحرف والمهارات اليدوية والفكرية من صناع وأطباء ومهندسين وغيرهم ممن يحتاج المجتمع إلى خدماتهم.
والشخص المستأجر في مثل هذه العقود يسمى أجيرا.
ويمكن تقسيم هذا النوع إلى قسمين:
أجير خاص وأجير مشترك.
(1) الأجير الخاص:
هو الذي يقع العقد عليه في مدة معلومة , يستحق المستأجر نفعه في جميعها , كرجل استؤجر للخدمة أو عمل في بناء أو خياطة أو رعاية يوما أو شهرا , سمي خاصا لاختصاص المستأجر بنفعه في تلك المدة دون سائر الناس.
فالأجير الخاص يعمل لشخص واحد مدة معلومة ولا يجوز له العمل لغير مستأجره.

(2) الأجير المشترك:
هو الذي يقع العقد معه على عمل معين كخياطة ثوب وبناء حائط وحمل شيء إلى مكان معين أو على عمل في مدة لا يستحق جميع نفعه فيها. . . كالطبيب سمي مشتركا لأنه يتقبل أعمالا لاثنين وثلاثة وأكثر في وقت واحد , ويعمل لهم فيشتركون في منفعته واستحقاقها , فسمي مشتركا لاشتراكهم في منفعته.
فالأجير المشترك يعمل لعامة الناس ولا يجوز لمن استأجره أن يمنعه عن العمل لغيره.

أقسام الإجارة من حيث تعيين المحل وعدم تعيينه
قسم الفقهاء الإجارة إلى قسمين أحدهما إجارة معينة , وثانيهما إجارة موصوفة بالذمة.

الإجارة المعينة
الإجارة المعينة هي التي يكون محلها معينا بالرؤية والإشارة إليه أو نحو ذلك مما يميزه عن غيره , بحيث يتمكن المستأجر من استيفاء المنفعة منه بذاته سواء كان عينا أو شخصا.
ومن أمثلتها الإجارة الواردة على منافع أعيان معينة كإجارة هذه السيارة شهرا وإجارة هذا البيت عاما , وكذلك الإجارة الواردة على عمل شخص معين كاستئجار شخص للخياطة سنة أو استئجار شخص لرعاية الغنم شهرا , إذ يقتضي ذلك تسليم الشخص نفسه للمستأجر ويسمى الأجير الخاص.

الإجارة الموصوفة بالذمة
الإجارة الموصوفة بالذمة هي التي يكون محلها غير معين بل موصوف بصفات يتفق عليها مع التزامها في الذمة , بحيث لا يقتضي قيام المؤجر بتسليم نفسه أو تسليم عين معينة للمستأجر.
ومن أمثلتها الإجارة الواردة على منافع أعيان غير معينة كاستئجار سيارة صفتها كذا شهرا , وكذلك الإجارة الواردة على عمل معلوم في الذمة مضبوط بصفات كاستئجار أجير مشترك وإلزام ذمته خياطة ثوب أو بناء دار أو حمل بضاعة ونحوها.
هذا ولا تجوز الإجارة في الذمة بالنسبة للعقارات من دور وأراضي لأنها لا تنضبط بالصفة.


صيغة الإجارة
اتفق الفقهاء على صحة انعقاد الإجارة باللفظ الصريح فيها أو بأي لفظ دال عليها , واختلفوا في صحة انعقاد الإجارة بلفظ البيع.
كما اتفق الفقهاء على أن الإجارة غير قابلة للتعليق , وأن الأصل في الإجارة أن تكون منجزة , فإذا لم يوجد ما يصرف الصيغة عن التنجيز أو لم ينص على بداية العقد , فإن الإجارة تبدأ من وقت العقد وتكون منجزة. ولم يفرق الجمهور بين إجارة الأعيان والإجارة في الذمة في صحة الإضافة للمستقبل خلافا للشافعية.


جعل الفقهاء الصيغة التي تعبر عن إرادة العاقدين ركنا في الإجارة يتوقف وجود العقد عليه.

وقد اتفق الفقهاء على صحة انعقاد الإجارة باللفظ الصريح فيها كلفظ الإجارة والاستئجار , والاكتراء والإكراء ونحو ذلك مما يفيد تمليك المنفعة بشرط النص على قدر الأجرة , فتنعقد بقول المؤجر: أعرتك هذه الدار مثلا شهرا بكذا من المال , لأن العارية بعوض إجارة. وتنعقد أيضا بقول: وهبتك منافع هذه الدار لمدة شهر بكذا , أو ملكتك منافعها سنة بكذا. . .

واختلف الفقهاء في صحة انعقاد الإجارة بلفظ البيع كقوله بعني عملك شهرا أو بعتك هذه الدار سنة بكذا.
فقد قال بصحة ذلك المالكية , وهو قول عند الشافعية , وقول عند الحنابلة , والقول الأظهر عند الحنفية بشرط التوقيت. واستدلوا بأن الإجارة نوع من البيع فتنعقد بلفظه كالصرف ولأن المنافع شبيهة بالأعيان فإنه يصح العوض فيها وتضمن بالتعدي.
ولأن العبرة في العقود بما دل على مقصود المتعاقدين ورضاهما , فجاز انعقادها بكل لفظ دل على ذلك القصد والرضا.

وأجاز جمهور الفقهاء الإجارة بالمعاطاة.
فذهب المالكية والحنابلة وبعض فقهاء الشافعية وبعض فقهاء الحنفية إلى جواز الإجارة بالأفعال بدون تلفظ من الجانبين أو من أحدهما , وذلك في إجارة الأشياء الخسيسة أو النفيسة ما دام الرضا قد تحقق وفهم القصد لأن الشرع لم يطلب غير الرضا في صحة العقود , وليس فيه دليل على اشتراط اللفظ في التعبير عن هذا الرضا.

ومنع صحة انعقاد الإجارة بالمعاطاة جمهور الشافعية في القول المعتمد عندهم وبعض الحنفية في المدة الطويلة لأن الرضا أمر خفي لا يطلع عليه فأنيط الحكم بسبب ظاهر وهو الإيجاب والقبول , والمعاطاة لا تدل بوضعها على الرضا.

واتفق الفقهاء على أن الإجارة غير قابلة للتعليق كالبيع وصرح قاضي زاده من الحنفية بذلك وقال: الإجارة لا تقبل التعليق.

والأصل في الإجارة أن تكون منجزة فإذا لم يوجد ما يصرف الصيغة عن التنجيز أو لم ينص على بداية العقد , فإن الإجارة تبدأ من وقت العقد وتكون منجزة.
وذهب الشافعية إلى صحة إضافة صيغة الإجارة إلى المستقبل وذلك فيما يثبت في الذمة فقط ولم يجيزوا إلا بعض صور مستثناة في إضافة إجارة الأعيان والتي تكون المدة بين العقد وبين المدة المضاف إليها زمنا يسيرا.
والسبب في اشتراط اتصال المدة بالعقد هو أن الإجارة بيع المنفعة , وطريق جوازها عندهم , أن تجعل منافع المدة موجودة تقديرا عقيب العقد , لأنه لا بد من كون محل العقد موجودا , فجعلت المنافع كأنها أعيان قائمة بنفسها , وإضافة البيع إلى عين ستوجد لا تصح , كما في بيع الأعيان.

أما الجمهور فلم يفرقوا بين إجارة الأعيان والإجارة في الذمة في صحة الإضافة للمستقبل , كأن يقول رجل لآخر: أجرتك هذه الدار رأس الشهر الفلاني , أو أجرتكها سنة من غير شهر رمضان , وكان العقد قبل ذلك في رجب مثلا , فيجوز لأن عقد الإيجار ينعقد شيئا فشيئا على حسب حدوث المعقود عليه شيئا فشيئا , فكان العقد مضافا إلى حين وجود المنفعة , من طريق الدلالة الضمنية , وقد أجيزت الإضافة للمستقبل في الإجارة دون البيع للضرورة.
وترتب على مذهب الحنفية: أن المؤجر لو باع الدار المؤجرة لا يصح في حق المستأجر , وإن لم يجيء الوقت الذي أضيف إليه عقد الإجارة.


جاء في الشرح الصغير (4 / 7 - 9)
أركان الإجارة أربعة: عاقد من مؤجر ومستأجر , كالبيع فشرط صحتهما العقل والبلوغ , وصيغة كالبيع , فتنعقد بما يدل على الرضا وان بمعاطاة , وأجر كالبيع , من كونه طاهرا , أو منتفعا به , مقدورا على تسليمه , معلوما ذاتا أو أجلا , وحلولا , ومنفعة: وهي المعقود عليها , بشرط كونها متقومة , معلومة , مقدورا على تسليمها , غير حرام , ولا متضمنة استيفاء عين (أي ذات) قصدا , احترازا من استئجار شاة مثلا لشرب لبنها أو شجرة لأكل ثمرها , فإن المقصود إنما هو شرب اللبن وأكل الثمر , واستثنوا الرضاع.

وجاء في القوانين الفقهية (ص 274)
أركان الإجارة أربعة: المستأجر , والأجير , ويشترط فيهما ما يشترط في المتبايعين , والأجرة , والمنفعة , ويشترط فيها ما يشترط في الثمن والمثمون على الجملة.

وقال شيخ الإسلام أبو زكريا الأنصاري في تحفة الطلاب مع حاشية الشرقاوي (2 / 84) وفي مغني المحتاج (2 / 332) وما بعدها
أركان الإجارة أربعة: عاقد (أي مكر ومكتر , ويشترط فيهما ما يشترط في البائع والمشتري من الرشد وعدم الإكراه بغير حق) وصيغة (وهي آجرتك هذا أو أكريتك أو ملكتك منافعه سنة بكذا , فيقول: قبلت , أو استأجرت , أو اكتريت , والأصح انعقادها بقوله: آجرتك منفعتها , ومنعها بقوله: بعتك منفعتها , والأصح ألا تنعقد بالمعاطاة , ويشترط فيها ما يشترط في صيغة البيع إلا عدم التأقيت , وهي إما صريحة كما ذكر , أو كناية كجعلت لك منفعة سنة بكذا , أو اسكن داري شهرا بكذا , ومنها الكتابة , لا بعتك منافعه سنة بكذا , فليس صريحا كما ذكر , أو كناية على المعتمد , وتنعقد بإشارة أخرى أفهمت) وأجرة (وشرط فيها كونها معلومة جنسا وقدرا وصفة , إلا أن تكون معينة فتكفي رؤيتها) ومنفعة (وشرط فيها أن يكون لها قيمة , وأن تكون معلومة عينا وقدرا وصفة , مقدورة التسليم حسا وشرعا , واقعة للمكتري) .

وجاء في المعتمد في الفقه الحنبلي (1 / 513)
وأركان الإجارة ثلاثة: العاقدان , والعوضان , والصيغة.

وفي غاية المنتهى (2 / 190)
وتنعقد بلفظ أجارة وكراء وبما بمعناهما وبلفظ بيع إن لم يضف لعين , كبعتك نفعها عاما , ويتجه: وبمعاطاة.

وقال في المغني (5 / 398)
تنعقد الإجارة بلفظ الإجارة والكراء , لأنهما موضوعان لها.
وذكر وجهين في انعقادها بلفظ البيع.

وفي التقنين الحنبلي (م511)
(تنعقد الإجارة بلفظها وبكل ما يدل على معناها) أي أنها تنعقد بلفظ الإجارة والكراء , لأنهما موضوعان لها , وكذلك كل ما يؤدي معناهما , لحصول المقصود به , كملكتك نفع هذه الدار مدة كذا , وبلفظ البيع إذا أضيف إلى النفع ووقت كبعتك نفع هذه العين , أو سكنى هذه الدار مدة كذا , ونحو ذلك.


العاقدان في الإجارة
يشترط في عاقدي الإجارة ما يشترط في عاقدي البيع من أهلية التعاقد وذلك بالتمييز والعقل , فلا يصح عقد الإجارة من مجنون ولا صبي غير مميز باتفاق الفقهاء لانعدام أهلية الأداء عنهما. أما عقد إيجار الصبي المميز فهو صحيح موقوف عند الحنفية والمالكية باطل عند الشافعية والحنابلة.

ويشترط لنفاذ الإجارة في رأي جماعة من الفقهاء: الملك أو الولاية , وتلحق الإجازة الإجارة الموقوفة إذا كان المعقود عليه مازال قائما , فإن استوفى المستأجر المنفعة قبل الإجازة بأن سكن الدار أو ركب السيارة مثلا , لم تصح الإجازة , وكانت الأجرة للعاقد: الفضولي أو الغاصب.


يشترط في العاقد عند الحنفية: العقل أي أن يكون العاقد عاقلا , أي مميزا , فلا تنعقد الإجارة من المجنون والصبي غير العاقل , كما لا ينعقد البيع منهما , ولا يشترط عندهم البلوغ للانعقاد , ولا للنفاذ , فلو أجر الصبي المميز ماله أو نفسه , فإن كان مأذونا في ذلك وغيره , ينفذ عقده , وإن كان محجورا عن التصرفات , يقف على إجازة وليه.
وأما كون العاقد طائعا جادا عامدا , فليس بشرط عند الحنفية لانعقاد هذا العقد , ولا لنفاذه , لكنه من شرائط الصحة , كما في بيع العين. وكذلك إسلامه ليس بشرط أصلا , فتجوز الإجارة والاستئجار من المسلم والذمي والحربي المستأمن.

وذهب المالكية إلى أن التمييز شرط في انعقاد الإيجار والبيع وأن البلوغ شرط للنفاذ (وقد يعبرون عنه بأنه شرط لزوم) فالصبي إذا أجر نفسه أو سلعته صح عقده , وتوقف العقد على رضا وليه.

كما اشترط الحنفية والمالكية خلافا لغيرهم لنفاذ عقد الإجارة توافر الملك أو الولاية فلا تنفذ إجارة الفضولي لعدم الملك والولاية وإنما العقد ينعقد موقوفا على إجازة المالك , كما في عقد البيع. والإجازة تلحق الإجارة الموقوفة بشروط , منها قيام المعقود عليه , فإذا آجر الفضولي شيئا لغيره , وأجاز المالك العقد , ينظر:
- إن أجاز العقد قبل استيفاء المنفعة , جازت إجازته , وكانت الأجرة للمالك , لأن المعقود عليه قائم.
- وإن أجاز العقد بعد استيفاء المنفعة بأن سكن المستأجر الدار المدة المعقود عليها , لم تجز إجازته , وكانت الأجرة للعاقد , لأن المنافع المعقود عليها تلاشت في الماضي , فتكون عند الإجازة معدومة , فلا يبقى العقد بعدئذ , لفوات محله فلا تصح الإجازة , ويصير العاقد الفضولي حينئذ غاصبا بالتسليم.

وقال الحنفية في هذا الشأن: إن الغاصب إذا آجر ما غصبه , وسلم ذلك , ثم قال المالك , (أجزت ما آجرت) فإن كانت مدة الإجارة قد انقضت , فللغاصب الأجر , لأن المعقود عليه قد انعدم , والإجازة لا تلحق المعدوم كما تقدم. وإن كانت الإجازة بعد مضي بعض المدة , فالأجر كله للمالك في رأي أبي يوسف لأنه إذا بقي بعض المدة , لم يبطل العقد , فكان محلا للإجازة , فهو قد نظر إلى المدة.
وذهب محمد بن الحسن إلى أن أجر ما مضى للغاصب , وأجر ما بقي للمالك , لأن كل جزء من أجزاء المنفعة معقود عليه , مستقل عن غيره , فإذا مضى بعض مدة الإجارة , كان الماضي منعدما حين الإجارة , فلا يصح إلحاق الإجازة به , لانعدامه , فهو قد نظر إلى المعقود عليه.
ويجري هذا الخلاف بين أبي يوسف ومحمد فيمن غصب أرضا , فأجرها للزراعة , فأجاز صاحب الأرض عقد الإجارة.
وفصل محمد فيما إذا أعطاها الغاصب مزارعة: إن كان الزرع قد سنبل , ولم ييبس , فأجاز صاحب الأرض , جازت المزارعة , ولا شيء للغاصب من الزرع , لأن المزارعة بمنزلة شيء واحد , لا ينفصل بعض عملها عن بعض , فكانت إجازة العقد قبل الاستيفاء بمنزلة ابتداء العقد. وأما إذا كان الزرع يبس , فقد انقضى عمل المزارعة , فلا تلحق الإجازة العقد , ويكون الزرع حينئذ للغاصب. والراجح رأي أبي يوسف حين خلافه مع محمد كما هو مقرر في قواعد الحنفية.

واتجه الشافعية والحنابلة إلى أنه يشترط التكليف (البلوغ والعقل) لانعقاد الإيجار لأنه عقد تمليك في الحياة , فأشبه البيع. أما الصبي المميز فلا تصح إجارته لأنه فاقد لأهلية تعاطي الأسباب القولية ولا تنعقد منه ولأن العقل لا يمكن معرفة الحد الذي يصلح به التعرف لخفائه فجعل الشارع له ضابطا وهو البلوغ , فلا يصح تصرفه قبل البلوغ.


المعقود عليه في الإجارة
تخصيص المعقود عليه في الإجارة بالمنفعة هو رأي جماهير العلماء , وأجاز ابن القيم إجارة الشيء لعينه , لا لمنفعته , كثمر الشجر , ولبن الحيوان , وماء البئر.


اختلف الفقهاء في محل عقد الإجارة على ثلاثة أقوال:
مورد عقد الإجارة هو المنافع
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة والمالكية وأكثر الشافعية إلى أن مورد عقد الإجارة هو المنافع لأنها هي التي يجوز التصرف فيها ولأن الأجر يدفع في مقابلة المنافع , ولهذا تضمن المنفعة دون العين وما كان العوض في مقابلته فهو المعقود عليه.

مورد عقد الإجارة هو العين
ذهب بعض الشافعية ومنهم أبو إسحاق المروزي إلى أن مورد عقد الإجارة هو العين , لأن المنافع معدومة , ومورد عقد الإجارة يجب أن يكون موجودا , والعقد أيضا يضاف إلى العين لأنها التي تستوفى منها المنافع فوجب أن تكون العين مورد العقد.

ولا يوجد في الحقيقة خلاف بين القولين السابقين لأن:
- من قال أن مورد عقد الإجارة هي المنفعة , لا يعني به أن تحدث منفعة بدون عين , ولكن مراده هو المنفعة المستفادة من العين.
لذلك فهو لا يقطع النظر عن العين بل يجب أن تسلم وتمسك مدة العقد لينتفع بها.
- ومن قال أن مورد عقد الإجارة هي العين , لا يعني به أن العين تملك بالإجارة كما تملك بالبيع , وليس مراده ومقصوده من الإجارة هو تمليك العين.
لذلك فهو لا يقطع النظر عن المنفعة المطلوب استيفاءها.
فالنتيجة الواحدة لهذين القولين أن محل عقد الإجارة في إجارة الأشياء هي المنافع دون الأعيان , وقد اتفق الفقهاء على اشتراط أن لا يتضمن استيفاء المنفعة استهلاك العين مثل استئجار الشمع للاستضاءة به , والصابون للغسل به , فلا تصح الإجارة على ذلك لأن الإجارة عقد على المنافع وهذه لا ينتفع بها إلا بإتلاف عينها.
وهذا هو الأصل , وهو امر مقرر عند جمهور الفقهاء. فلا يجوز عند أكثر الفقهاء إجارة الشجر والكرم للثمر ذاته , لأن الثمر عين , والإجارة بيع المنفعة , لا بيع العين.
ولا تجوز أجارة الشاة للبنها أو سمنها أو صوفها , أو ولدها , لأن هذه أعيان , فلا تستحق بعقد الإجارة.
ولا تجوز إجارة ماء في نهر أو بئر أو قناة أو عين , لأن الماء عين.
ولا يجوز استئجار الآجام التي فيها الماء للسمك وغيره , من القصب والصيد , لأن كل ذلك عين.
وعليه , لا تجوز إجارة البرك أو البحيرات للاصطياد فيها , أي ليصاد منها السمك.
ولا تجوز إجارة المراعي في البادية أو الحقل مثلا لأن الكلأ عين , فلا تحتمل الإجارة.
ولا يجوز عند الجمهور استئجار الفحل للضراب , لأن المقصود منه النسل , بإنزال الماء , وهو عين وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل أي كرائه , وقد حذفت كلمة الكراء من باب المجاز المرسل مثل {واسأل القرية} (سورة يوسف 82) أي أهلها , لأن الجدران والمباني لا تسأل.
ولا يجوز استئجار الدراهم والدنانير والمكيلات والموزونات , لأنه لا يمكن الانتفاع بها إلا بعد استهلاك أعيانها , والمعقود عليه في الإجارة: هو المنفعة , لا العين.
لهذا كله قرروا أن (كل ما ينتفع به مع بقاء عينه تجوز إجارته , وما لا فلا) .
واستثنوا إجارة الظئر (المرضع) للضرورة وأجاز المالكية كراء الفحل للنزو على الإناث وأباح أكثر العلماء أجرة الحجام للحاجة.
وقالوا إذا حدث ما يرد على العين وهو مشابه للمنفعة مع بقاء أصله فيمكن القول بجوازه استثناء من القاعدة العامة , ورخصة للضرورة أو الحاجة.
وذلك مثل لبن الظئر وماء البئر وغيرهما فتدخل على طريق التبع قياسا على الصبغ في الثوب , فإن الاستئجار على صبغ الثوب أما عين الصبغ فتدخل تبعا.

مورد عقد الإجارة العين التي تحدث شيئا فشيئا مع بقاء أصلها
خالف ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من قبلهم , وقالوا بجواز عقد الإجارة على العين التي تحدث شيئا فشيئا مع بقاء أصلها كالمنفعة.
فتصح الإجارة على لبن الظئر وماء البئر لأن الماء واللبن لما كان حدوثهما شيئا بعد شيء مع بقاء الأصل كانا كالمنفعة. فقد قاسا الأعيان التي تتجدد مع بقاء الأصل على المنفعة لاشتراكهما في علة الحدوث والتجدد مع بقاء الأصل.
وقال ابن تيمية
إن الأعيان المتجددة أحق بالجواز من المنفعة لأن الأجسام أكمل من صفاتها.
وقال ابن القيم
إن الأصل الذي سار عليه الفقهاء (وهو أن المستحق بعقد الإجارة إنما هو المنافع لا الأعيان) أصل فاسد , فهو لم يدل عليه كتاب , ولا سنة , ولا إجماع , ولا قياس صحيح , بل الذي دلت عليه الأصول:
أن الأعيان التي تحدث شيئا فشيئا مع بقاء أصلها , حكمها حكم المنافع , كالثمر في الشجر , واللبن في الحيوان , والماء في البئر , ولذلك سوى بين العين والمنفعة في الوقف فجاز وقف المنفعة كالسكنى , وجاز وقف العين كوقف الماشية للانتفاع بلبنها.
وكذلك سوي بينهما في التبرعات , كالعارية لمن ينتفع بالمتاع , ثم يرده , والمنيحة (الهبة) لمن يشرب لبن الشاة ثم يردها , والقرض لمن ينتفع بالدراهم ثم يرد بدلها , فكذلك في الإجارة تارة تكون على منفعة , وتارة تكون على عين تحدث شيئا فشيئا مع بقاء الأصل , كلبن الظئر ونفع البئر , فإن هذه الأعيان لما كانت تحدث شيئا فشئيا مع بقاء الأصل كانت كالمنفعة.
والجامع بينهما هو حدوث المقصود بالعقد شيئا فشيئا , سواء أكان الحادث عينا أم منفعة.

والأخذ برأي ابن القيم رحمه الله أوجد سعة وفرجا وتيسيرا في عمل الناس اليوم فعلا وقانونا في إجارة الأعيان , كالمراعي والبحيرات والأنعام المحلوبة.


أن تكون المنفعة معلومة
يشترط في المنفعة أن تكون معلومة علما يمنع المنازعة سواء أكان العلم بها نتيجة للعرف أم لذكرها مع وصفها , أو مع الإشارة إليها.

واتفق الفقهاء على أن المنفعة في الإجارة يحصل العلم بها بواحد من أمرين: المدة أو العمل.
ولكنهم اختلفوا في حكم الجمع بين بيان المدة والعمل معا في الإجارة على العمل.


يشترط في المنفعة أن تكون معلومة علما يمنع المنازعة ويرفع الخلاف , فإن كانت مجهولة جهالة مفضية إلى المنازعة لا يصح العقد لأن هذه الجهالة تمنع من التسليم والتسلم , فلا يحصل المقصود من العقد.
والعلم بالمعقود عليه وهو المنفعة يكون إما بالعرف أو بالوصف , كما اتفق الفقهاء على أن تمام معرفة المنفعة تكون إما ببيان المدة أو بيان العمل ولكنهم اختلفوا في حكم الجمع بين بيان المدة والعمل معا.

معرفة المنفعة بالعرف
العلم بالمعقود عليه وهو المنفعة يكون بالعرف في مثل إجارة الدور والحوانيت , فإن استعمال الدور معروف عرفا , وكذلك استعمال حوانيت كل ناحية من نواحي البلد , فتنعقد إجارتها على منفعته المتعارفة , لأن المعروف بالعرف كالمشروط , وعلى ذلك يتقيد بها المستأجر فلا يخرج عنها.
ومثل ذلك إجارة بعض الأراضي لزراعتها , فإن العرف إذا قضى بزراعتها بأصناف معينة وجب على المستأجر ألا يتجاوزها إلى ما يضر بالأرض.
ولكن إذا استأجرها على أن يزرع فيها ما يشاء لم يتقيد بالعرف , لأن النص أقوى دلالة منه.

معرفة المنفعة بالوصف
وتعرف المنفعة أيضا بالوصف كالاستئجار على صبغ هذا الثوب بلون كذا , أو على خياطته بشكل كذا , أو على دهان المنزل أو على نقل هذا المتاع من جهة كذا إلى جهة كذا , وكذلك مثل استئجار الأرض ليزرع فيها نوع معين من النبات أو ليبني فيها منزلا أو ليغرس فيها أشجار معينة , واستئجار الدابة لركوبها من جهة كذا إلى جهة كذا وغير ذلك من الأمثلة.

معرفة المنفعة ببيان العمل
تعرف المنفعة بتحديد العمل , كاستئجار العامل على بناء حائط أو بناء منزل , أو استئجاره على خياطة هذا الثوب المعين أو حمل البضاعة من مكان إلى مكان آخر محدد , ويصير المعقود عليه هنا معلوما بدون الحاجة لتقدير مدة معينة للبناء أو للخياطة أو للحمل.
وبيان العمل مطلوب في الاستئجار على الأعمال , لأن جهالة العمل تفضي إلى المنازعة , فيفسد العقد. فلو استأجر عاملا , ولم يسم له العمل من الخياطة والرعي وعزق الأرض ونحوه , لم يجز العقد.
وفرق الحنفية بين الأجير الخاص والمشترك فإذا كان الأجير مشتركا , لزم بيان المعمول فيه , إما بالإشارة والتعيين , أو ببيان الجنس والنوع والقدر والصفة.
فلو استأجر رجل حفارا لحفر بئر , فلا بد من بيان مكان الحفر وعمق البئر ونوعها وعرضها , لأن عمل الحفر يختلف باختلاف هذه الأوضاع أما في الأجير الخاص فلا يشترط في العقد معه بيان جنس المعمول فيها ونوعه ومقداره وصفته , وإنما يشترط بيان المدة فقط , وكذلك يشترط بيان المدة في استئجار الظئر.
ولا يشترط الفقهاء في إجارة المنافع تعيين العمل فذهب الحنفية إلى أنه لو استأجر رجل دارا وحانوتا , ولم يسم ما يعمل فيه جازت الإجارة , وله أن يسكن فيه بنفسه مع غيره , وله أن يسكن فيه مع غيره بالإجارة والإعارة , وله أن يضع فيه متاعا وغيره , غير أنه لا يستعمل البناء بما يضره ويوهنه , ولا يجعل فيه حدادا ولا قصارا , ولا طحانا , لأن العقد المطلق عن الشرط مقيد بالعرف والعادة.

معرفة المنفعة ببيان المدة
تعرف المنفعة بتحديد المدة , كاستئجار دار للسكنى مدة سنة , أو استئجار العامل على البناء أو رعي الغنم أو الخياطة أو تدريس الحساب والهندسة مدة محددة من الزمن , وفي هذه الحالة يستحق العامل الأجرة بمضي المدة عمل أو لم يعمل , ما دام أنه مستعد للعمل.
وبيان المدة مطلوب في إجارة الدور والمنازل والبيوت والحوانيت (المحلات التجارية) وفي استئجار الظئر (المرضع) لأن المعقود عليه لا يصير معلوم القدر بدونه , فترك بيانه يفضي إلى المنازعة.
وهو شرط متفق عليه , فالحنفية يشترطون تعيين المدة في إجارة المنافع كإجارة المنازل ونحوها , كما اشترط ذلك الحنابلة في كل ما ليس له عمل كالدور والأراضي.

وتصح الإجارة على أي مدة طالت أو قصرت لأن المدة إذا كانت معلومة كان قدر المنفعة فيها معلوما وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة والمالكية , ومنهم الشافعية على الصحيح , فإنهم قالوا:
يصح عقد الإجارة مدة تبقى فيها العين غالبا بحسب رأي أهل الخبرة , ولا يقدر للإجارة أقصى مدة , لأنه دليل من الشرع على ذلك.
والضابط في تحديد المدة عند المالكية هو ألا يتغير الشيء غالبا في مدة الإجارة.

واختلف الفقهاء في صحة العقد في حالة الاتفاق على مدة الإجارة ولكن دون تعيين وقت ابتداء المدة فذهب جمهور الفقهاء وبعض الشافعية إلى صحة العقد عند الاطلاق , ويكون ابتداؤه من حين العقد , واستدلوا على ذلك بقوله تعالى في قصة موسى عليه السلام {على أن تأجرني ثماني حجج} ففي هذه الآية لم يذكر ابتداء المدة فدل ذلك على صحة العقد عند الاطلاق من تقييد ابتداء المدة.
وذهب البعض الآخر من الشافعية إلى عدم صحة العقد حتى يسمى الشهر أو السنة لأن جهالة الوقت تستلزم جهالة المعقود عليه فلا يصح ذلك.

وبحث الفقهاء مسألة الإجارة مشاهرة أو مياومة أو مسانهة فارتأى الشافعية في الصحيح أنه لا تجوز الإجارة مشاهرة , فإن أجر رجل داره كل شهر بدينار مثلا , أو كل يوم أو كل جمعة أو كل سنة بكذا , فالإجارة باطلة لأن كل شهر ونحوه يحتاج إلى عقد جديد لإفراده بأجرة معينة , ولم يوجد عقد , وذلك يقتضي البطلان , هذا بالإضافة إلى جهالة مدة الإجارة فصار كما لو قال: آجرتك مدة أو شهرا.
وذهب الجمهور إلى أنه تصح الإجارة في الشهر الأول ونحو وتلزم , وأما ما عداه من الشهور فلا يلزم إلا بالدخول فيه أو التلبس فيه , لأن شروعه مع ما تقدم في العقد من الاتفاق على تقدير أجره , والرضا ببذله , جرى مجرى ابتداء العقد عليه , وصار كبيع المعاطاة إذا جرى من المساومة ما دل على التراضي بها.

معرفة المنفعة بتعيين المدة والعمل معا
اختلف الفقهاء في بيان المنفعة بالجمع بين تحديد العمل والمدة معا , كاستئجار العامل على بناء منزل في مدة معينة.

فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز في الإجارة على العمل تحديد المنفعة بالمدة والعمل معا لما فيه من الغرر ذلك أن:
- الجمع يجعل المعقود عليه مجهولا , وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد.
فقد يفرغ المستأجر من العمل قبل أن تنتهي المدة المحددة , وقد تنتهي المدة المحددة قبل أن يفرغ من العمل فتكون المنفعة مجهولة.
لذلك أجاز المالكية الجمع فقط إذا كان الزمن أوسع من العمل أو مساويا له عادة.
- الجمع يجعل حكم العقد مضطرب , فالعقد على المدة يقتضي وجوب الأجر من غير عمل لأن الأجير يصبح أجيرا خاصا أما العقد على العمل فهو يقتضي وجوب الأجر بالعمل لأن الأجير يصبح أجيرا مشتركا.

بينما أجاز الجمع بعض الفقهاء من الحنابلة وكذلك محمد وأبو يوسف من الحنفية , وقالوا بأن ذلك ليس فيه غرر ولا مخاطرة , لأن المقصود هو عمل معلوم وهو المعقود عليه , أما ذكر المدة فيقصد به الاستعجال فقط ولا يمنع ذكرها جواز العقد.
فإذا فرغ الأجير من العمل قبل تمام المدة , فقد وفى التزامه ولا يلزمه زيادة عمل في المدة الباقية بل يستحق أجره كاملا , أما إن لم ينته من العمل في المدة المحددة فعليه أن يكمله بعد ذلك للوفاء بما التزمه ويكون المستأجر بالخيار بين إمضاء العقد أو الفسخ.
هذا وقد منع الحنابلة الجمع بين العمل والمدة في إجارة منافع الأعيان فقد جاء في التقنين الحنبلي (م518) : (العين إما تكون معينة أو موصوفة , وتقدر المنفعة فيها بالمدة أو العمل) .
وعليه إن لم يكن المأجور له عمل كالدار والأرض , لم تجز إجارته إلا على مدة , ومتى تقدرت المدة لم يجز تقدير العمل , لأن الجمع بينهما يزيد الإيجار غررا لأنه قد يفرغ من العمل قبل انقضاء المدة فإن استعمل المأجور في بقية المدة , فقد زاد على ما وقع عليه العقد , وان لم يعمل , كان تاركا للعمل في بعض المدة.
وقد لا يفرغ الأجير من العمل في المدة , فإن أتمه بعدها عمل في غير المدة , وإن لم يعمله , لم يأت بما وقع عليه العقد , وهذا غرر أمكن التحرز عنه.


أن تكون المنفعة مقدورة الاستيفاء
اتفق الفقهاء على أن المنافع في عقد الإجارة يجب أن تكون مقدورة التسليم , فما لا يقدر المؤجر على تسليمه من المنافع حسا أو شرعا لا يجوز العقد عليه.


اتفق الفقهاء على أن المنافع في عقد الإجارة يجب أن تكون مقدورة الاستيفاء , فما لا يقدر المؤجر على تسليمه من المنافع حسا أو شرعا لا يجوز العقد عليه.
فلا تجوز إجارة متعذر التسليم حسا: كإجارة البعير الشارد والسيارة المفقودة , والأخرس للكلام , أو شرعا: كإجارة الحائض لكنس المسجد , والطبيب لقلع سن صحيحة , والساحر على تعليم السحر. وهذا متفق عليه بين الفقهاء.

كيفية التسليم في الإجارة على منافع الأعيان
والقدرة على التسليم في الإجارة على منافع الأعيان تشمل ملك الأصل وملك المنفعة , فإن غير المالك لا يستطيع تمليك غيره حسا , وما لا يجيزه الشرع لا يكون مقدور التسليم شرعا وإن كان ممكنا حسا.

كيفية التسليم في الإجارة على منافع الإنسان
أما في الإجارة على منافع الإنسان , فإن القدرة على التسليم تتمثل في إمكانية أداء العمل من العامل حسا وشرعا , ويكون العقد باطلا إذا كان أداء العمل غير ممكن شرعا كالتعهد بقتل نفس دون حق ونحوه , كما يبطل إذا كان أداء العمل مستحيلا فعلا مثل تعهد العامل بتدريس الطب أو إصلاح سيارة وهو يجهله أو التعهد بنقل جبل. ولكن إذا ظهر من إرادة العاقدين في العقد أنهما اتفقا على أداء الأجير العمل بنفسه أو بواسطة غيره فإن العقد يصح لأن المتعهد وإن كان لا يقدر على الأداء إلا أن هناك أناسا يمكنهم ذلك.

ويترتب على اشتراط القدرة على استيفاء المنفعة:
أنه لا يصح عند الحنفية على الراجح , والشافعية والحنابلة استئجار الفحل للإنزاء , واستئجار الكلب المعلم والبازي المعلم للاصطياد , لأن المنفعة معجوزة التسليم في حق المستأجر لأنه لا يمكن إجبار الفحل على الضراب والإنزال , ولا إجبار الكلب والبازي على الصيد ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل أي أجرة ضرابه.
وأجاز الإمام مالك هذا العقد إذا كانت الإجارة على مدة معلومة , تشبيها للمذكور بسائر المنافع.

إجارة المشاع
لا تجوز إجارة المشاع من غير الشريك عند أبي حنيفة وزفر والحنابلة , كأن يؤجر نصيبا من داره , أو نصيبه من دار مشتركة من غير الشريك , سواء أكان النصيب معلوما كالربع ونحوه أم مجهولا , لأن منفعة المشاع غير مقدورة الاستيفاء , إذ استيفاءها يكون بتسليم المشاع , والمشاع غير مقدور التسليم بنفسه , لأنه سهم شائع ضمن كل , وإنما يتصور تسليمه مع غيره , وهو غير معقود عليه , فلا يتصور تسليمه شرعا.
وذهب الجمهور إلى جواز إجارة المشاع لأن الإجارة أحد نوعي البيع , فتجوز إجارة المشاع كما يجوز بيعه , والمشاع مقدور الانتفاع بالتخلية والمهايأة ولهذا جاز بيعه.
وأما إذا كانت الإجارة للمشاع من الشريك بمعنى إجارة أحد الشريكين منفعة حصته , فهذه الإجارة للشريك جائزة باتفاق الفقهاء لأن المعقود عليه مقدور الاستيفاء بدون المهايأة , لأن منفعة كل الدار تحدث مثلا على ملك المستأجر لكن بسببين مختلفين: بعضها بسبب الملك , وبعضها بسبب الإجارة.


أن تكون المنفعة مباحة
يشترط الفقهاء في المنفعة أن تكون مباحة شرعا فلا يجوز الاستئجار على المعاصي لأن المعصية لا تستحق بالعقد.


يشترط الفقهاء في المنفعة أن تكون مباحة شرعا: كاستئجار كتاب للنظر والقراءة فيه والنقل منه , واستئجار دار للسكنى فيها , وشبكة للصيد ونحوها. وهذا شرط متفق عليه.

وشرط المنفعة هنا هو الإباحة المطلقة أي في غير حالة الضرورة أو الحاجة , فإذا لم تكن مباحة إلا في حالة الضرورة كاستئجار أواني الذهب واستئجار الكلب , كان العقد عليها باطلا. فالقاعدة الفقهية هي أنه ما لا يباح نفعه لا يصح تأجيره ولا استئجاره ولا دفع الأجرة في مقابله.

ويتفرع على هذا الشرط أنه لا يجوز الاستئجار على المعاصي كاستئجار الإنسان للعب واللهو المحرم , وتعليم السحر , والشعر الحرام , وانتساخ كتب البدع المحرمة الضالة , وكاستئجار المغنية والنائحة للغناء والنوح , لأنه استئجار على معصية والمعصية لا تستحق بالعقد. أما الاستئجار لكتابة الغناء والنوح فهو جائز عند الحنفية فقط , لأن الممنوع عنه نفس الغناء والنوح , لا كتابته.

وكذلك لا يجوز لذمي استئجار دار من مسلم في بلد إسلامية ليتخذها مصلى للناس , أو كنيسة , أو لبيع الخمر , أو القمار , لأنه استئجار على المعصية. وهذا رأي جمهور العلماء.
وكان أبو حنيفة يجيز الاستئجار للمصلى في سواد العراق لأن أكثر أهل السواد في زمانه كانوا أهل ذمة من المجوس فكان لا يؤدي ذلك إلى الإهانة والاستخفاف بالمسلمين.

وكذلك لا يجوز استئجار رجل لقتل آخر أو سجنه أو ضربه ظلما , أو لأي مظلمة أخرى , لأنه استئجار لفعل المعصية , فلا يكون المعقود عليه مقدور الاستيفاء شرعا.


أن تكون منفعة العمل حاصلة للمستأجر
يشترط الفقهاء ألا يكون العمل المستأجر له فرضا ولا واجبا على الأجير قبل الإجارة , ومفاد هذا الشرط أنه لصحة عقد العمل أن تكون منفعة العمل راجعة إلى المستأجر , لأنه هو الذي بذل الأجرة في سبيل الحصول عليها , فإذا لم تكن المنفعة حاصلة للمستأجر بل للمؤجر أو لغيرهما كانت الإجارة باطلة.
ولكنهم اختلفوا في جواز الاستئجار على بعض العبادات والقربات , كما اختلفوا في جواز إعطاء الأجرة من ناتج العمل.


اشترط الفقهاء لصحة عقد العمل أن تكون منفعة العمل راجعة إلى المستأجر لأنه هو الذي بذل الأجرة في سبيل الحصول عليها , فإذا لم تكن المنفعة حاصلة للمستأجر بل للمؤجر أو لغيرهما كانت الإجارة باطلة. ولكنهم اختلفوا في جواز الاستئجار على بعض العبادات والقربات , كما اختلفوا في جواز إعطاء الأجرة من ناتج العمل.

الاستئجار على العبادات والواجبات
يشترط عند الفقهاء بصفة عامة ألا يكون العمل المستأجر له فرضا ولا واجبا على الأجير قبل الإجارة , فلا تصح الإجارة إذا كانت واردة على القيام بفرض أو واجب على الأجير مثل:
- الاستئجار على القيام بفرض مثل العبادات التي لا تقبل النيابة كالصلوات المفروضة , وصيام رمضان , فإن الإنسان لا يجوز له أن يستأجر آخر ليصلي عنه , لأن الصلاة لا تقبل النيابة , ولا يعود نفعها على غير المصلي فلم يجز دفع أجرة لمن يقوم بها.
ومثل الصلاة والصيام كل عمل واجب على الإنسان لا يستحق عليه أجرة.
- الاستئجار على القيام بما هو واجب على الإنسان كمن قضى دينا عليه , فلا يستحق مثل هذا الأجرة على فعله , لأن الأجر عوض الانتفاع ولم يحصل لغيره ههنا انتفاع فأشبه إجارة الأعيان التي لا نفع فيها.
وقد اتفق الفقهاء على الاستئجار على تعليم اللغة والأدب والحساب والخط والفقه والحديث والشعر المباح ونحوها , وبناء المساجد والقناطر والرباطات , لأنها ليست بفرض ولا واجب. وقد تقع قربة تارة , وتارة غير قربة.

وفيما يلي تفصيل أقوال الفقهاء:
يبدو أن سبب الخلاف بين الفقهاء في جواز أخذ الأجرة على فعل العبادة وعدم جواز أخذها هو اختلافهم في وصول النفع إلى المستأجر وعدمه , فمن قال أن النفع يحصل للمستأجر قال بجواز أخذ الأجرة , ومن قال أن النفع لا يحصل إلا للأجير قال بعدم جواز أخذ الأجرة.
فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه لا يجوز أخذ الأجرة على القربات والعبادات لأن الأصل أن كل طاعة يختص بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليها , ولا يستحق الأجرة على فعلها كالصلاة والصوم والحج والإمامة والأذان والإقامة وتعليم القرآن.
فمن شرط صحة هذه الأفعال كونها قربة إلى الله تعالى , فلم يجز أخذ الأجر عليها.
وقد روي أن عثمان بن أبي العاص قال: إن آخر ما عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن أتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا رواه أصحاب السنن الأربعة.
وعن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اقرءوا القرآن , ولا تغلوا فيه , ولا تجفوا عنه , ولا تأكلوا به , ولا تستكثروا به. رواه أحمد.
ومن قواعد الحنفية في هذا: (لا يستحق الأجر من استؤجر على الطاعة) , وكذلك (الاستئجار لما هو مستحق عليه لا يجوز) , فمن استأجر امرأته شهرا لخدمة البيت , لا تجوز هذه الإجارة لأنها مستحقة عليها.
ثم أفتى المتأخرون من علماء الحنفية بجواز أخذ المعلم أجرة المثل في زمانه على تعليم القرآن.
وظاهر كلام أحمد أنه إن أعطي المعلم شيئا من غير شرط جاز.
وذهب الإمامان مالك والشافعي إلى أنه تجوز الإجارة على قراءة القرآن وتعليمه , لأنه استئجار لعمل معلوم ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا بما معه من القرآن , وجعل ذلك يقوم مقام المهر , فجاز جعل القرآن عوضا
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح رواه البخاري وابن ماجه أنه قال: إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله.
فقد أجاز المالكية أخذ الأجرة على الأذان مع الإمامة , والقيام بالمسجد , لا على الصلاة بانفرادها قياسا على الأفعال غير الواجبة.
كما أجازوا للمفتي أخذ الأجر إن لم يكن له رزق.
وقالوا: يجوز الإجارة للمندوبات وفروض الكفاية.
وكذلك أجازوا مع الشافعية الإجارة على الحج لإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم حج صحابي عن غيره.
أما الإمامة في الفروض فلا يجوز فيها الإجارة عند الشافعية , ولا يجوز ذلك بانفرادها عن الأذان في المشهور عند المالكية.

الاستئجار بأجرة من ناتج العمل
اختلف الفقهاء في الاستئجار بأجرة من ناتج العمل , فأجازه فريق ومنعه آخرون.
فذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يصح استئجار رجل لطحن قفيزا من حنطة بجزء من دقيقها , أو ليعصر له قفيزا من سمسم بجزء معلوم من دهنه , لأن الأجير ينتفع بعمله من الطحن والعصر , فيكون عاملا لنفسه وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قفيز الطاحان في حديث رواه الدارقطني عن أبي سعيد الخدري كما استدل هذا الفريق بأن الاستئجار بأجرة من ناتج العمل فيه نقضا لشرط من شرائط الإجارة: وهو القدرة على تسليم الأجر وقت التعاقد.
وتكون القاعدة المقررة عند الحنفية ومن وافقهم هي: (تعيين الأجر مما يعمل فيه الأجير مفسد للعقد) .
وأجاز الحنابلة والمالكية ذلك إذا كان الكيل معلوما , وعليه عمل الناس , والحديث الوارد بالنهي عن قفيز الطحان لم تثبت صحته عندهم.
ومنه: ما يتعامل به الزراع في الريف من إعطاء بعض القمح لدارسه أو حامله , صرح الحنابلة بجوازه.


الأجرة مالا معلوما متقوما
اتفق الفقهاء على أن يجب في الأجرة أن تكون مالا معلوما متقوما. فلا يصح كونها مجهولة كما في هذا الوعاء أو ما في هذه اليد , ولا كونها غير متقومة كالخمر والخنزير.
ومما يتفرع على شرط العلم بالأجرة: أنه لو استأجر إنسان شخصا بأجر معلوم وبطعامه , أو استأجر دابة بأجر معلوم وبعلفها , لم تجز الإجارة , لأن الطعام أو العلف يصير أجرة , وهو قدر مجهول , فكانت الأجرة مجهولة.


اتفق الفقهاء على أن يجب في الأجرة أن تكون مالا معلوما متقوما.
فلا يصح كونها مجهولة كما في هذا الوعاء أو ما في هذه اليد , ولا كونها غير متقومة كالخمر والخنزير , لأنه لا يباح للمسلم الانتفاع شرعا بغير المتقوم. فالأجرة هي عوض في عقد معاوضة , فوجب أن تكون معلومة كالثمن في البيع لأن جهالتها مدعاة للخصام والنزاع , وقد جاءت الشريعة لإزالة أسباب النزاع. والقاعدة الفقهية هي أن كل ما يصلح ثمنا في البيع يصلح أن يكون أجرة في الإجارة.
والأصل في اشتراط العلم بالأجرة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: من استأجر أجيرا , فليعلمه أجره وكما تكون الأجرة نقدا تكون أيضا عينا.
والعلم بالأجر , قد يكون برؤيته إن كان حاضرا , أما إذا كان غائبا فيلزم معرفة جنسه وقدره وصفته أو معرفة جنسه وعدده إذا كان نقدا , وكذلك معرفة الأجل إذا كان مؤجلا.
ولابد من معرفة مكان إيفاء الأجرة فيما يحتاج لحمل ومؤونة عند أبي حنيفة. وأما عند الصاحبين: فلا يشترط ذلك , ويتعين مكان العقد للإيفاء.

الأجرة بعضها معلوم وبعضها مجهول
ومما يتفرع على شرط العلم بالأجرة: أنه لو استأجر إنسان شخصا بأجر معلوم وبطعامه , أو استأجر دابة بأجر معلوم وبعلفها , لم تجز الإجارة , لأن الطعام أو العلف يصير أجرة , وهو قدر مجهول , فكانت الأجرة مجهولة.
وأجاز المالكية استئجار الأجير للخدمة , والدابة ونحوها بالطعام والكسوة ونحوها , عملا بالمتعارف بين الناس.
كما أجاز جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة استئجار الظئر (المرضع) بطعامها وكسوتها
وذهب صاحبي أبي حنيفة إلى المنع لأن القياس يقتضي عدم جواز هذه الإجارة لجهالة الأجرة وهي الطعام والكسوة. ولكن استحسن أبو حنيفة الجواز بالنص: وهو قوله تعالى: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف} (البقرة: 233) , فالمولى عز وجل نفى الجناح في الاسترضاع مطلقا. وجهالة الأجرة في تلك الحالة لا تفضي إلى المنازعة , لأن العادة جرت بالمسامحة مع الأظآر والتوسعة عليهن , شفقة على الأولاد , فأشبهت حالة جهالة القفيز من الصبرة.
تردد الأجرة بين أمرين
وكذلك مما يتفرع على شرط العلم بالأجرة , مسألة تردد الأجرة بين أمرين , كأن يقول صاحب عمل لأجير: إن عملت هذا العمل اليوم فأجرتك عشرون ريالا , وإن عملته غدا فأجرتك خمسة عشر ريالا. أو كأن يقول للخياط: إن خطت ذلك الثوب اليوم فلك درهم , وإن خطته غدا فلك نصف درهم. فقد اختلف الفقهاء في ذلك.
فقال المالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد وهي المذهب عند الحنابلة: إن العقد فاسد , وللعامل أجرة المثل إذا عمل. وبهذا قال زفر من الحنفية وإسحاق والثوري وأبو ثور.
وعللوا الفساد بجهالة العوض لاختلافه بالتقديم والتأخير في عقد واحد فلم يعلم قدر الأجرة فكان مجهولا.
وقال أبو حنيفة إن خاطه في اليوم الأول فله شرطه , وإن تأخر فسد العقد وله أجرة المثل بشرط أن لا يزيد على درهم , ولا ينقص عن نصف درهم لأن المؤجر رضي بأحد العوضين في هذا العمل فوجب له أجر مثله في أحدهما.
وقال أبو يوسف ومحمد الشرطان جائزان , وبه قال الإمام أحمد في رواية عنه , وعللوا الجواز بأن ذكر اليوم للتوقيت , وذكر الغد للتعليق , فلا يجتمع في كل يوم تسميتان ولأن التعجيل والتأخير مقصود فنزل منزلة اختلاف النوعين.


الأجرة بعض المعمول
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز أن تكون الأجرة بعض المعمول أو بعض الناتج من العمل المتعاقد عليه , لما فيه من غرر.
وأجاز ذلك بعض المالكية , لأنه استأجره على جزء من الطعام معلوم , وأجرة الطحان ذلك الجزء وهو معلوم أيضا.
وذهب الحنابلة إلى جواز ذلك إذا كانت الأجرة جزءا شائعا مما عمل فيه الأجير , تشبيها بالمضاربة والمساقاة.


قد تكون الأجرة جزءا محددا من الإنتاج كصاع من الدقيق الذي يطحنه العامل , أو مشاعا من الإنتاج كله كسدس الزيت الذي يعصره.
وقد اختلف الفقهاء في تحقيق مناط شرط العلم بالأجرة وتحديدها , ووجودها على الجزء من الإنتاج.
فمن رأى أن هذا الجزء مجهول غير معين أو معدوم حكم ببطلان الإجارة وهم جمهور الفقهاء , ومن رأى أن هذا الجزء معلوم مقدر موجود عند التعاقد حكم بصحة العقد وهم الحنابلة وبعض المالكية.
الأجرة جزء شائع من الإنتاج
إذا كانت الأجرة جزء شائع من الإنتاج , كأن يتفق عامل وصاحب عمل على أن تكون الأجرة مشاعا من الإنتاج كالثلث أو الربع:

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية وهو أحد القولين عند المالكية إلى أن هذه الإجارة باطلة لجهالة الأجرة فيها إذ لا يعلم مقدار الخارج , والصفة التي يخرج عليها , لأن ذلك يختلف باختلاف المادة وكيفية العمل ومهارة العمال.
هذا وقد استدل المانعين لصحة هذا النوع من الإجارة بما روي عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان وقد جاء في تفسير قفيز الطحان بأنه طحن الطعام بجزء منه مطحونا.
والسبب في المنع من ذلك هو عجز المستأجر عن تسليم الأجرة , وهو بعض ما ينتجه الأجير , والقدرة على تسليم الأجرة وقت إبرام العقد شرط في صحة الإجارة.
وعليه كل أجرة تكون بعض ما يخرج من عمل العامل لا تصح عندهم لأنها في معنى قفيز الطحان وقد نهي عنه.

وذهب فقهاء الحنابلة وبعض فقهاء المالكية إلى جواز هذه الإجارة لأن الأجرة بالمشاع من الإنتاج معلومة وليست كما قال غيرهم مجهولة , فالعامل قد شاهد الذي سيعمله , والرؤية أعلى طرق العلم , وإذا رآه فقد علمه , ومن علم شيئا علم جزأه المشاع.
والاختلاف في قدر الخارج منه والصفة التي يخرج عليها اختلاف يسير وغرر مغتفر مثله , فلا يضر لأنه لا يؤدي إلى النزاع ولا يمنع من تنفيذ العقد. وقد قاس الحنابلة ذلك على الشجر في المساقاة والأرض في المزارعة بجامع أن الكل عين تنمى بالعمل , والأجرة بعض الإنتاج.
وناقش المجوزين للإجارة بجزء شائع من الإنتاج قول المانعين واستنادهم في ذلك على حديث النهي عن قفيز الطحان , فقال ابن تيمية إن هذا الحديث باطل لا أصل له , وليس في شيء من كتب الحديث المعتمدة , ولا رواه إمام من الأئمة , والمدينة النبوية لم يكن بها طحان يطحن بالأجرة , ولا خباز يخبز بالأجرة. وأيضا فأهل المدينة لم يكن لهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مكيال يسمى القفيز , وإنما حدث هذا المكيال لما فتحت العراق وضرب عليهم الخراج , فالعراق لم يفتح على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا وغيره مما يبين أن هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام بعض العراقيين الذين يسوغون مثل هذا قولا باجتهادهم.
كما رد المجوزين أيضا بأنه حتى على احتمال صحة حديث نهي عن قفيز الطحان فإنه ليس فيه نهي عن اشتراط جزء مشاع من الدقيق , بل النهي عن شيء مسمى وهو القفيز أي كيل معلوم.

الأجرة جزء محدد من الإنتاج
إذا كانت الأجرة جزء محدد من الإنتاج كأن يتفق العامل مع صاحب العمل على طحن أردب من القمح بخمسة آصع من دقيقه أو عصر الزيتون بكمية محددة من الزيت الناتج.

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية وفي القول الراجح عند الحنابلة إلى عدم جواز هذه الإجارة لأنه يشترط في محل العقد أن يكون موجودا وقت التعاقد على الهيئة التي تم عليها العقد , والأجرة هنا ليست كذلك فالدقيق غير موجود وقت التعاقد على طحنه , والزيت ليس موجودا وقت التعاقد على عصر الزيتون , وهكذا كل أجرة ليست على الهيئة المشروطة حال العقد لا تصح.
وذهب المالكية إلى إجازة هذه الإجارة بشرط عدم الاختلاف في الصفة التي يخرج عليها , بأن يكون كله جيدا أو رديئا , ويكون كل الحب له دقيق , فإن اختلف في الصفة والخروج فلا يجوز للغرر. وهذا هو أيضا قول عند الحنابلة لأن الأجرة معلومة في الجزء المعين , وهو عدد الآصع , وليست مجهولة ولكنها أجزاء هذا القمح أو الزيتون.

وأساس اختلاف الفقهاء هنا هو الاختلاف في تحقيق مناط شرط العلم بالأجرة وتحديدها , ووجودها على الجزء المحدد من الإنتاج , فمن رأى أن هذا الجزء مجهول غير معين أو معدوم حكم ببطلان الإجارة وهم الحنفية ومن معهم , ومن رأى أن هذا الجزء معلوم القدر موجود عند التعاقد حكم بصحة العقد وهم المالكية وقول عند الحنابلة.


مقابل الخلو
يجوز أخذ ما يسمى بالفروغ أو مقابل الخلو , وهو مبلغ مقطوع زائد عن الأجرة الدورية , إذا كان ضمن مدة الإيجار المتفق عليها.


إن ما يؤخذ اليوم مما يسمى بالفروغ أو مقابل الخلو جائز إذا كان ضمن مدة الإيجار المتفق عليها , كما صرح فقهاء الشافعية والحنفية والمالكية في التنازل عن الوظائف أو الاختصاص بعوض وبغير عوض.
أما بعد انتهاء المدة الإيجارية أو أثناء امتداد الإجارة بقوة القانون الجائر من غير رضا المالك المؤجر أو كانت الإجارة طويلة أكثر من المقرر فقها , فلا يجوز أخذ الفروغ إلا برضا المالك.

وهذا ما أخذ به مجمع الفقه الإسلامي في جدة في القرار التالي رقم (6) في الدورة الرابعة حيث ورد فيها الآتي:
إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغا مقطوعا زائدا عن الأجرة الدورية (وهو ما يسمى في بعض البلاد خلوا) فلا مانع شرعا من دفع هذا المبلغ المقطوع , على أن يعد جزءا من أجرة المتفق عليها , وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة.
إذا تم الاتفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر مبلغا مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقية المدة , فإن بدل خلو هذا جائز شرعا , لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك.
أما إذا انقضت مدة الإجارة , ولم يتجدد العقد صراحة أو ضمنا عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له , فلا يحل بدل الخلو , لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر.
إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية مدة العقد , لقاء مبلغ زائد عن الأجرة الدورية , فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا , مع مراعاة مقتضى عقد الإجارة المبرم بين المالك والمستأجر الأول , ومراعاة ما تقضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية.
على أنه في الإجارات الطويلة المدة خلافا لنص عقد الإجارة , طبقا لما تسوغه بعض القوانين , لا يجوز للمستأجر إيجار العين لمستأجر آخر , ولا أخذ بدل الخلو فيها إلا بموافقة المالك.
أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة , فلا يحل بدل الخلو , لانقضاء حق المستأجر الأول في منفعة العين.


الأجرة منفعة
يجوز عند جمهور الفقهاء أن تكون الأجرة منفعة.
واشترط الحنفية في ذلك ألا تكون من جنس المعقود عليه.


اتفق الفقهاء على جواز أن تكون الأجرة منفعة يقدمها صاحب العمل للعامل مقابل عمله , كمن يصلح سيارة مقابل أن يصلح الآخر مذياعه , أو كمن يعمل عند آخر مقابل تأمين السكن والملابس والمواصلات المعلومة له , وقد تكون المنفعة تامة وقد تكون جزءا من الأجرة.

ولكن اختلف الفقهاء بعد ذلك في شرط اختلاف المنافع.
فأجاز جمهور الفقهاء أن تكون الأجرة منفعة من جنس المعقود عليه أي من جنس المنفعة التي يلتزم بأدائها العامل كإجارة السكنى بالسكنى , والخدمة بالخدمة , والركوب بالركوب , والزراعة بالزراعة وغيرها , كما أجازوا أن تكون الأجرة من غير جنس المنفعة المعقود عليها كإجارة السكنى بالخدمة وغيرها. واستدل الجمهور على ذلك بقوله تعالى في قصة موسى {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج} ففي هذه الآية الكريمة دليل على جواز أن تكون الأجرة منفعة , لأن النكاح جعل عوضا في الإجارة , وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه.
ويقول الشيرازي ويجوز إجارة المنافع من جنسها ومن غير جنسها , لأن المنافع في الإجارة كالأعيان في البيع. ثم الأعيان يجوز بيع بعضها ببعض فكذلك المنافع.
وخلافا للجمهور منع ذلك الحنفية , واشترطوا ألا تكون الأجرة منفعة من جنس المعقود عليه بل يجب اختلاف المنفعة في الجنس كإجارة السكنى بالخدمة. أما إن اتحد جنس المنفعة كإجارة السكنى بالسكنى , والخدمة بالخدمة , والركوب بالركوب , والزراعة بالزراعة فهذا يكون على حكم الربا عندهم وهو غير جائز. فالحنفية يعتبرون اتحاد الجنس وحده صالحا لتحريم العقد في ربا النسيئة. وتطبيق المبدأ في الإجارة: هو أن انعقاد هذا العقد عندهم ينعقد شيئا فشيئا على حسب حدوث المنفعة , فتكون المنفعة وقت العقد معدومة , فيتأخر قبض أحد العاقدين , فيتحقق ربا النساء.


لزوم الإجارة
اتفق الفقهاء على أن عقد الإجارة عقد لازم , فلا ينفرد أحد المتعاقدين بفسخه إلا لمقتض تنفسخ به العقود اللازمة من ظهور العيب أو ذهاب محل استيفاء المنفعة وذهب الحنفية إلى أنها تفسخ كذلك بالأعذار الطارئة على المستأجر.


اتفق الفقهاء على أن عقد الإجارة عقد لازم لأنه من عقود المعاوضات التي يتم فيها مبادلة مال بمنفعة , واللزوم أصل في المعاوضات كما هو مقرر عند العلماء.
واستدل الفقهاء لذلك بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} وهذا دليل لزوم العقد إذ الفسخ من جانب واحد ليس من الوفاء بالعقد.
ولكن قال الفقهاء أن عقد الإجارة يفسخ لسببين: العيوب والأعذار.

فسخ عقد الإجارة بالعيوب
المقصود بالعيب هو ما تنقص به المنفعة ويظهر به تفاوت في الأجرة , واتفق الفقهاء أنه متى حدث عيب يخل بالانتفاع كان المستأجر بالخيار بين الإبقاء على الإجارة ودفع كامل الأجرة وبين فسخها , كما إذا حدث بالدابة المؤجرة مرض أو عرج أو حدث خلل أو عطل في محرك السيارة أو انهدم بعض بناء الدار وغير ذلك من العيوب في إجارة منافع الأعيان , وكذلك مثل أن يحصل في إجارة منافع الأشخاص ضعف في البصر أو جنون أو برص للشخص المستأجر للخدمة.
والشرط في جواز فسخ العقد للعيب هو تأثيره في المنافع أما إذا لم يؤثر فيها بالنقص فلا يثبت حق الفسخ , ويستوي في ذلك حدوث العيب قبل العقد أو بعده لأن عقد الإجارة على المنافع وهي تحدث شيئا فشيئا , فإذا حدث العيب بالشيء المستأجر , كان هذا عيبا قبل القبض فيوجب الخيار كما في عقد البيع.
فالشرط لبقاء عقد الإجارة لازما هو إذن سلامة العين المؤجرة عن حدوث عيب يخل بالانتفاع بها. فإذا حدث عيب ولكنه زال قبل أن يفسخ المستأجر العقد بأن صح المريض مثلا أو زال العرج عن الدابة أو بني المؤجر ما سقط من الدار , ففي هذه الحالة يبطل خيار المستأجر بالفسخ لأن الموجب للخيار قد زال , والعقد قائم فيزول الخيار.
والمستأجر يمارس الفسخ إذا كان المؤجر حاضرا أثناء الفسخ فإن كان غائبا فحدث بالشيء المستأجر ما يوجب الفسخ فليس للمستأجر الفسخ , لأن فسخ العقد لا يجوز إلا بحضور العاقدين أو من يقوم مقامهما. أما في حالة سقوط الدار أو انهدامها , فللمستأجر أن يخرج منها , سواء أكان المؤجر حاضرا أم غائبا , وهذا دليل الانفساخ.

فسخ عقد الإجارة بالأعذار
معنى العذر هو عجز العاقد عن المضي في موجب العقد إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحق بالعقد.
والفرق بين العيب والعذر يتمثل في كون العيب هو ما ينقص منافع العين المعقود عليها بحيث لا تعد صالحة للانتفاع , أما العذر فهو الذي لا ينقص من المنافع ولكن يترتب على تنفيذ العقد معه ضرر على أحد العاقدين.
وخلافا عن جمهور العلماء الذين قالوا بأن الإجارة عقد لازم كالبيع , والعقود اللازمة لا يجوز فسخها بالعذر , فلا تفسخ الإجارة عندهم إلا بوجود عيب أو ذهاب محل استيفاء المنفعة.
ذهب الحنفية إلى أن الإجارة تفسخ بالأعذار لأن الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر , فلو لزم العقد عند تحقق العذر للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد. قال ابن عابدين كل عذر لا يمكن معه استيفاء المعقود عليه إلا بضرر يلحقه في نفسه أو ماله , يثبت له حق الفسخ.

والحنفية قسموا الأعذار الموجبة للفسخ إلى ثلاثة أنواع:
1 عذر من جانب المستأجر:
مثل إفلاس المستأجر , أو انتقاله من الحرفة إلى الزرعة أو من الزراعة إلى التجارة , أو من حرفة إلى أخرى لأن المفلس أو المنتقل من عمل لا ينتفع به إلا بضرر , لا يجبر على البقاء في الحرفة الأولى مثلا , ومثله السفر أي انتقال المستأجر عن البلد , لأن في إبقاء العقد مع السفر ضررا به.
ويترتب عليه: أنه إذا لم يحصل النفع للمستأجر إلا بضرر يلحقه في ملكه أو بدنه , فله فسخ الإجارة , كما إذا استأجر رجل صباغا لتنظيف ثياب وكيها أو خياطتها , أو دارا له , أو ليقطع شجرا , أو ليزرع أرضا أو ليحدث في ملكه شيئا من بناء أو حفر , أو ليحتجم أو يفتصد , أو يقلع ضرسا له ونحو ذلك , ثم بدا له ألا يفعل فله أن يفسخ الإجارة ولا يجبر على شيء مما ذكر لأنه تبين له ألا مصلحة له في العمل , فبقي الفعل ضررا في نفسه. . .
2 عذر من جانب المؤجر:
مثل لحوق دين فادح به لا يجد طريقا لقضائه إلا ببيع الشيء المأجور وأدائه من ثمنه.
هذا إذا ثبت الدين قبل الإجارة بالبينة أو بالإقرار , أو ثبت بعد عقد الإجارة بالبينة , وكذا بالإقرار عند أبي حنيفة لأن الظاهر أن الإنسان لا يقر بالدين على نفسه كاذبا.
وقال الصاحبان: لا يقبل ثبوت الدين بالإقرار بعد الإجارة , لأنه متهم في هذا الإقرار.
ومثل أن يشتري المؤجر شيئا ثم يؤجره , ثم يطلع على عيب به , فله أن يفسخ الإجارة , ويرده بالعيب.
ولا يعد السفر أو النقلة عن البلد عذرا للمؤجر يبيح له فسخ الإجارة على عقار , لأن استيفاء منفعة العقار في غيبته لا ضرر عليه فيه.
وأما مرض الحمال والجمال بحيث يضره الحمل , فيعد عذرا في رأي أبي يوسف لأن غير الحمال أو الجمال لا يقوم مقامهما على الدابة أو الإبل إلا بضرر , والضرر لا يستحق بالعقد وهو الراجح.
ويرى محمد في كتاب (الأصل) أن مرض الجمال لا يعد عذرا , لأن خروج الجمال بنفسه مع الإبل غير مستحق بالعقد فإن له أن يبعث غيره معها.
ولعل هذا الرأي بالنسبة لسائق السيارة في عصرنا هو الراجح , لأنه لا يشترط سائق معين.
عذر راجع للعين المؤجرة أو الشيء المأجور:
مثال الأول: أن يستأجر رجل حماما في قرية ليستغله مدة معلومة , ثم يهاجر أهل القرية , فلا يجب عليه الأجر للمؤجر.
ومثال الثاني: أن يوجر رجل خادمه (عبده) سنة , فلما مضت ستة أشهر أعتق العبد , وأبى الخدمة فيكون العبد مخيرا بين الإبقاء على الإجارة أو فسخها.


جاء في القوانين الفقهية لابن جزي ص 274 - 275
يشترط في المستأجر والأجير ما يشترط في المتبايعين , ويكره أن يؤاجر المسلم نفسه من كافر. ويشترط في الأجرة والمنفعة ما يشترط في الثمن والمثمون على الجملة. وأما على التفصيل فيشترط في الأجرة أن تكون معلومة , خلافا للظاهرية , ولا يجب تقديم الأجرة بمجرد العقد , وإنما يستحب تقديم جزء من الأجرة باستيفاء ما يقابله من المنفعة.
وأما المنفعة فيشترط فيها:
الأول - أن تكون معلومة إما بالزمان كالمياومة والمشاهرة , وإما بغاية العمل كخياطة الثوب , ولا يجوز أن يجمع بينهما , لأنه قد يتم العمل قبل الأجل أو بعده , وإذا استأجر على رعاية غنم بأعيانها لزمه رعاية الخلف عند ابن القاسم.
الثاني - أن تكون المنفعة مباحة , لا محرمة , ولا واجبة.
أما المحرم فلا يجوز إجماعا , وأما الواجب كالصلاة والصيام فلا تجوز الأجرة عليه وتجوز الإجارة على الإمامة مع الأذان والقيام بالمسجد , لا على الصلاة بانفرادها , ومنعها ابن حبيب مفترقا ومجتمعا , وأجازها ابن الحكم مفترقا ومجتمعا.

وقال القرافي في الفروق (3 / 4)
متى اجتمعت في المنفعة ثمانية شروط ملكت بالإجارة , ومتى انخرم منها شرط لا تملك:
الأول - الإباحة: احترازا من الفن وآلات الطرب ونحوها.
الثاني - قبول المنفعة للمعاوضة: احترازا من النكاح.
الثالث - كون المنفعة متقومة: احترازا من التافه الحقير الذي لا يقابل بالعوض , واختلف في استئجار الأشجار لتجفيف الثياب , فمنعه ابن القاسم ومثله في عصرنا تجفيف طيات القمر الدين.
الرابع - أن تكون مملوكة: احترازا من الأوقاف على السكنى , كبيوت المدارس والخوانق.
الخامس - ألا يتضمن استيفاء عين: احترازا من إجارة الأشجار لثمارها , أو الغنم لنتاجها واستثني من ذلك إجارة المرضع للبنها للضرورة في الحضانة.
السادس - أن يقدر على تسليمها: احترازا من استئجار الأخرس للكلام.
السابع - أن تحصل للمستأجر: احترازا من العبادات , والإجارة عليها كالصوم ونحوه.
الثامن - كونها معلومة: احترازا من المجهولات من المنافع , كمن استأجر آلة لا يدري ما يعمل بها , أو دارا مدة غير معلومة.
فهذه الشروط إذا اجتمعت جازت المعاوضة , وإلا امتنعت.

وجاء في المنهاج للنووي ومغني المحتاج (2 / 332 - 334)
شرط الركن الأول - وهو المؤجر والمستأجر: كبائع ومشتر
وشرط الركن الثاني - وهو الصيغة: كونها بنحو آجرتك هذا أو أكريتك أو ملكتك منافعه سنة بكذا , فيقول: قبلت أو استأجرت أو اكتريت. والأصح انعقادها بقوله: آجرتك منفعتها , ومنعها بقوله: بعتك منفعتها.
وهي قسمان: واردة على عين كإجارة العقار ودابة أو شخص معينين , وعلى الذمة كاستئجار دابة موصوفة , وبأن يلزم ذمته خياطة أو بناء.
ولو قال: استأجرتك لتعمل لي كذا , فإجارة عين , وقيل: ذمة. ويشترط في إجارة الذمة تسليم الأجرة في مجلس العقد , وإجارة العين لا يشترط فيها ذلك. ويجوز فيها التعجيل والتأجيل إن كانت في الذمة. وإذا أطلقت تعجلت.
وشرط الركن الثالث - وهو الأجرة:
كون الأجرة التي في الذمة معلومة جنسا وقدرا وصفة كالثمن في البيع , فإن كانت معينة , كفت مشاهدتها إن كانت على منفعة معينة على المذهب , أو في الذمة على الأصح.
فلا تصح إجارة الدابة بنحو العلف , ولا يصح استئجار سلاخ ليسلخ الشاة بالجلد الذي عليها , ولا طحان على أن يطحن البر مثلا ببعض الدقيق منه كربعه , أو بالنخالة منه للجهل بثخانة الجلد وبقدر الدقيق والنخالة ولعدم القدرة على الأجرة حالا.
وشروط الركن الرابع وهو المنفعة خمسة:
الأول - كون المنفعة متقومة: فلا يصح استئجار بياع على كلمة لا تتعب , وإن روجت السلعة.
وفي الإحياء لا يجوز أخذ عوض على كلمة يقولها طبيب بدواء ينفرد به بمعرفته , إذ لا مشقة عليه في التلفظ به. وكذا دراهم ودنانير للتزيين للحوانيت ونحوها , وكلب معلم للصيد ونحوه كحراسة ماشية أو زرع أو درب , لا يجوز استئجار كل من ذلك في الأصح في الجمع , لأن منفعة التزيين بالنقود غير متقومة فلا تقابل بمال بخلاف إعارتها للزينة , والكلب لا قيمة لعينه , فكذا لمنفعته.
الثاني - كون المؤجر قادرا على تسليمها حسا أو شرعا , ليتمكن المستأجر منها. والقدرة على التسليم تشمل ملك الأصل وملك المنفعة.
فلا يصح استئجار آبق ومغصوب وأعمى للحفظ , وأرض للزراعة لا ماء لها دائم , ولا يكفيها المطر المعتاد.
ويجوز بالماء الدائم وبالمطر المعتاد , وماء الثلوج المجتمعة , والغالب حصولها في الغالب.
والامتناع الشرعي كالحسي , فلا يصح استئجار لقلع سن صحيحة , ولا حائض لخدمة المسجد , ولا منكوحة لرضاع أو غيره بغير إذن الزوج في الأصح.
ويجوز تأجيل المنفعة في إجارة الذمة كألزمت ذمتك الحمل إلى مكة أو شهر كذا. ولا يجوز إجارة عين لمنفعة مستقبلة.
ويجوز كراء العقب في الأصح: وهو أن يؤجر دابة رجلا ليركبها بعض الطريق , أو رجلين ليركب هذا أياما , وذا أياما , ويبين البعضين , ثم يقتسمان.
الثالث - كون المنفعة في كل من إجارة العين أو الذمة فيما له منافع كدار معلومة عينا وصفة وقدرا , ثم تارة تقدر بزمان كدار سنة , وتارة بعمل كدابة إلى مكة وكخياطة ذا الثوب , فلو جمعها , فاستأجره ليخيطه بياض النهار , لم يصح في الأصح. ويقدر تعليم القرآن بمدة أو تعيين سور , وفي البناء يبين الموضع والطول والعرض والسمك , وما يبني به إن قدر بالعمل.
الرابع - يشترط في إجارة دابة لركوب معرفة الراكب بمشاهدة أو وصف تام , ومعرفة ما يركب عليه من محمل وغيره إن كان له.
الخامس - يشترط في إجارة العين تعيين الدابة , وفي إجارة الذمة ذكر الجنس والنوع والذكورة أو الأنوثة.
ويشترط فيهما بيان قدر السير كل يوم , إلا أن يكون بالطريق منازل مضبوطة فينزل عليها.
ويجب في الإيجار للحمل أن يعرف المحمول وجنسه إن كان غائبا , لاختلاف تأثيره في الدابة. كما في الحديد والقطن , فإن الحديد يثقل في محل أقل من القطن والقطن يعمها ويتثاقل بالريح. فلو قال مئة رطل مما شئت , صح , وبدون: مما شئت , ويكون رضا منه بأقل الأجناس.

وقال في منار السبيل لابن ضويان الحنبلي (1 / 383 - 386)
شروط الإجارة ثلاثة:
أ - معرفة المنفعة:
لأنها المعقود عليها , فاشتراط العلم بها كالبيع , مثل بناء حائط يذكر طوله وعرضه , وسكنى دار شهرا وخدمة آدمي سنة , لأنها معلومة بالعرف فلا تحتاج لضبط.
ب - معرفة الأجرة:
قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا , ولأنه عوض في عقد معاوضة فاعتبر علمه كالثمن وعن أبي سعيد مرفوعا: نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره رواه أحمد.
ج - وكون النفع مباحا:
فلا تجوز على المنافع المحرمة , كالغناء والزمر والنياحة , ولا إجارة داره لتجعل كنيسة , أو بيت نار , أو يبيع فيها الخمر ونحوه , لأنه محرم , فلم تجز الإجارة لفعله , كإجارة الأمة للزنا.
ويشترط كون النفع يستوفى دون الأجزاء:
فلا يجوز عقد الإجارة على ما تذهب أجزاؤه بالانتفاع به , كالمطعوم والمشروب والشمع ليشعله , والصابون ليغسل به , لأن الإجارة عقد على المنافع , فلا تجوز لاستيفاء العين. ولا يصح إجارة ديك ليوقظه للصلاة. نص عليه. لأنه غير مقدور عليه.
فتصح إجارة كل ما أمكن الانتفاع به مع بقاء عينه , كالدور والحوانيت والدواب , إذا قدرت منفعته بالعمل كركوب الدابة لمحل معين , لأنها منفعة مقصودة. أو قدرت بالأمد , وإن طال حيث كان يغلب على الظن بقاء العين إلى انقضاء مدة الإجارة.
هذا قول عامة أهل العلم , قاله في الشرح , لقوله تعالى {على أن تأجرني ثماني حجج} الآية (القصص: 27) .
ثم قالوا كالشافعية: الإجارة ضربان:
الأول - على عين:
فإن كانت موصوفة , اشترط فيها استقصاء صفات السلم , لاختلاف الأغراض باختلاف الصفات , ولأن ذلك أقطع للنزاع , وأبعد عن الغرر , فإن لم توصف أدى إلى التنازع.
الثاني - على منفعة في الذمة:
فيشترط ضبطها بما لا يختلف , كخياطة ثوب بصفة كذا , أو بناء حائط بذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته , وحمل شيء يذكر جنسه وقدره , وأن الحمل لمحل معين , لما تقدم.


تسليم العين المؤجرة
في إجارة الأعيان يلتزم المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالمعقود عليه , وذلك بتسليمه العين.
أما في إجارة الأعمال فإن قيام الأجير بالعمل (وهو المؤجر لخدماته) هو التزامه بالتسليم.


يلتزم المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالمعقود عليه , وذلك بتسليمه العين حتى انتهاء المدة أو قطع المسافة.
ويشمل التسليم توابع العين المؤجرة التي لا يتحقق الانتفاع المطلوب إلا بها حسب العرف.

ويترتب على أن التسليم تمكين من الانتفاع أن ما يعرض أثناء المدة مما يمنع الانتفاع بغير فعل المستأجر يكون على المؤجر إصلاحه , كعمارة الدار وإزالة كل ما يخل بالسكن , مع ملاحظة ما سبق من اشتراط القدرة على التسليم واشتراط بيان المنفعة وتحديدها.

وفي إجارة العمل يكون الأجير هو المؤجر لخدماته , وقيام الأجير بالعمل هو التزامه بالتسليم.
فإن كان العمل يجري في عين تسلم للأجير - وهو أجير مشترك - كان عليه تسليم المأجور فيه بعد قيامه بالعمل. وإن كان العمل لا يجري في عين تسلم للأجير فإن مجرد قيامه بالعمل المطلوب يعتبر تسليما , كالطبيب أو السمسار , وإن كان الأجير خاصا كان تسليم نفسه للعمل في محل المستأجر تسليما معتبرا.


إصلاح العين المؤجرة
إن المؤجر ملزم بإصلاحات العين المؤجرة المتعلقة بالعين , والمستأجر ملزم بما يحدث من فعله.


قد تحتاج الدار المؤجرة مثلا في مدة الإيجار إلى بعض الإصلاحات , كتطيين الجدران , وانسداد مجاري المياه , وتعطل الأدوات الصحية للماء , وانقطاع تيار الكهرباء , فمن هو الملتزم بالإصلاح والترميم؟
ذهب الحنفية إلى أن المؤجر صاحب الدار هو الملزم وحده دون المستأجر بتطيين الجدران وإصلاح ميازيب الدار وما ينهدم ويسقط من بنائها حتى تكون صالحة للانتفاع لأن الدار ملك للمؤجر , وإصلاح الملك يكون على المالك , لكن لا يجبر على الإصلاح لأن المالك لا يجبر على إصلاح ملكه وإنما يثبت للمستأجر الخيار في فسخ الإجارة لأن هذا الخلل يعتبر عيبا في المعقود عليه.
وكذلك على المؤجر إصلاح دلو الماء والبئر والبالوعة والمخرج , وإن امتلأ من فعل المستأجر لكن لا يجبر عليه , لما ذكر.
وأما المستأجر: فيلزم برفع التراب الذي يحدث من كنسه إذا انقضت مدة الإجارة , لأن التراب حدث بفعله , فصار كتراب وضعه في الدار.

والقياس يقضي بأن المستأجر هو المطالب بنقل ما يمتلئ به المخرج والبالوعة , لأن الملء حدث بفعله فيلزمه نقله كالكناسة والرماد , إلا أن الحنفية استحسنوا وجعلوا نقله على صاحب الدار أخذا بالعرف والعادة , لأن العادة بين الناس أن ما كان مغيبا في الأرض , فنقله على صاحب الدار.
فإن أصلح المستأجر شيئا مما ذكر يكون متبرعا به , ولا يحتسب له , لأنه أصلح ملك غيره بغير طلب منه ولا ولاية عليه فإن فعل ذلك بطلب المؤجر أو نائبه احتسب له.


ضمان العين المستأجرة وضمان الأجير
يد المستأجر على العين المستأجرة في إجارة المنافع تعتبر يد أمانة , فلا يضمن ما يتلفه بيده إلا بالتعدي أو بالتقصير في الحفظ , وكذلك يد الأجير الخاص يد أمانة لا يضمن إلا بالتعدي والتقصير.

أما يد الأجير المشترك فهي يد أمانة عند جماعة من الفقهاء وذلك قياسا على الأجير الخاص وعلى مستأجر العين وذهب آخرون إلى أن يده يد ضمان لما في ذلك من حماية لأموال الناس خاصة في وقت قلت فيه الأمانة وضعف الوازع الديني.

هذا وتتغير صفة الأمانة عند الفقهاء إلى الضمان في حالة ترك الحفظ , والإتلاف والإفساد , ومخالفة شرط المؤجر نصا أو دلالة.


ضمان العين المستأجرة
إذا استأجر رجل شيئا للانتفاع به كدار أو سيارة , فإن يد المستأجر على العين المستأجرة في إجارة المنافع تعتبر يد أمانة , فلا يضمن ما يتلفه بيده إلا بالتعدي أو بالتقصير في الحفظ , ويتقيد في الانتفاع بمقتضى العقد وبما شرط فيها أو جرى به العرف.

ضمان الأجير الخاص
أما الأجير الخاص (وهو الذي يستحق الأجر بتسليم نفسه في المدة , وإن لم يعلم) كالخادم في المنزل والأجير في المحل , فاتفق أئمة المذاهب الأربعة على أنه لا يكون ضامنا العين التي تسلم إليه للعمل فيها لأنه يده يد أمانة , كالوكيل والمضارب كما إذا استأجر إنسان خياطا أو حدادا مدة يوم أو شهر ليعمل له وحده , فلا يضمن العين التي تهلك في يده ما لم يحصل منه تعد أو تقصير في حفظه سواء تلف الشيء في يده أو أثناء عمله.

ضمان الأجير المشترك
وأما الأجير المشترك (وهو الذي يعمل لعامة الناس , أو هو الذي يستحق الأجرة بالعمل لا بتسليم النفس , كالصانع والصباغ والقصار ونحوهم) فقد اتفق الفقهاء على أنه يضمن إذا تعدى أو فرط ولكنهم اختلفوا في تضمينه في حالة عدم التعدي وعدم التقصير:

فذهب جماعة من الفقهاء إلى عدم تضمين الأجير المشترك وتكون يده يد أمانة كالأجير الخاص , فلا يضمن ما تلف عنده إلا بالتعدي أو التقصير , وهذا هو قول أبو حنيفة وزفر والحسن بن زياد والحنابلة في الصحيح من مذهبهم , وأيضا في القول الصحيح للشافعية.
ودليلهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه فإذا جعلناه ضامنا أخذنا ماله بغير رضاه دون سبب شرعي ولأن الأصل ألا يجب الضمان إلا بالاعتداء لقوله تعالى: {فلا عدوان إلا على الظالمين} (البقرة: 193) ولم يوجد التعدي من هذا الأجير لأنه مأذون في القبض والهلاك ليس هو سببا فيه , وإذا لم يوجد التعدي لا ضمان.
كما أنهم قاسوا الأجير المشترك على الأجير الخاص وكذلك على مستأجر العين , فتكون يده يد أمانة مثلهما.

وذهب جماعة من الفقهاء إلى تضمين الأجير المشترك فقال الصاحبان وأحمد في رواية أخرى: يد الأجير المشترك يد ضمان , فهو ضامن لما يهلك في يده , ولو بغير تعد أو تقصير منه , إلا إذا حصل الهلاك بحريق غالب عام , أو غرق غالب ونحوهما.
قال البغدادي عن بعض كتب الحنفية: وبقول الصالحين يفتى اليوم لتغير أحوال الناس , وبه يحصل صيانة أموالهم.
كما ذهب المالكية إلى أنه يضمن الأجير المشترك الذي يؤثره الأعيان بصنع , ما تلف بيده ولو بغير تعد أو تقصير , إذا كان الشيء مما يغاب عليه (أي يمكن إخفاؤه) فالقصار ضامن لما يتخرق بيده , والطباخ ضامن لما أفسده من طبيخه , والخباز ضامن لما أفسده من خبزه , والحمال يضمن ما يسقط من حمله عن رأسه , أو تلف أثناء عثرته , والجمال يضمن ما تلف بقيادته وسوقه وانقطاع حبله الذي يشد به بعيره , والملاح يضمن ما تلف من يده , أو مما يعالج به السفينة وكذلك يضمن الأجير عند الإمام مالك الطعام الذي يحمله إذا كانت تتشوق النفس إلى تناوله سدا للذرائع.
ودليلهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: على اليد ما أخذت حتى ترده والعامل أخذ العين فوجب عليه ردها أو ضمانها.
وأيضا جاء عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه أنه كان يضمن الصباغ والصواغ , ويقول: لا يصلح الناس إلا ذلك.
كما روى الشعبي عن أنس رضي الله عنه قال: استحملني رجل بضاعة فضاعت من بين متاعي فضمنها عمر رضي الله عنه.
وكذلك قضى الخلفاء الراشدين بتضمين الصناع وإن لم يتعدوا ذلك أن التضمين من المصالح العامة فوجب أن يكون مشروعا لأن الصناع يسهل عليهم التصرف فيما تحت أيديهم ويدعون هلاكه , ففي تضمينهم حفظ لأموال الناس وصيانته.
ما يغير صفة الشيء من أمانة إلى ضمان
إذا كان الشيء المأجور , كثوب الصباغة والخياطة والمتاع المحمول في السفينة أو على الدابة يعتبر أمانة في يد الأجير , فذلك بحسب الأصل العام عند أبي حنيفة ومن وافقه.
وبناء عليه , فقد تتغير صفة الأمانة إلى الضمان في الأحوال التالية:

أولا - الحفظ:
أي أن الأجير يهمل في حفظ المتاع , فيلتزم بضمانه , لأن الأجير لما قبض المأجور فقد التزم حفظه , وترك الحفظ موجب للضمان , كالوديع إذا ترك حفظ الوديعة حتى ضاعت.

ثانيا - الإتلاف والإفساد:
إذا تعدى الأجير , بأن تعمد الإتلاف أو بالغ في دق الثوب مثلا , ضمن سواء أكان الأجير مشتركا أم خاصا.
وإن لم يكن الأجير متعديا في الإفساد , بأن أفسد الثوب خطأ بعمله من غير قصده: فإن كان الأجير خاصا , لم يضمن اتفاقا.
وإن كان الأجير مشتركا , كالقصار إذا دق الثوب فتخرق , أو ألقاه في المواد الكيماوية فاحترق , أو كالملاح إذا غرقت السفينة من عمله , أو الحمال إذا سقط على الأرض وفسد الحمل , أو الراعي المشترك إذا ساق الدواب فضرب بعضها بعضا في حال سوقه حتى هلك بعضها , ففي كل هذه الحالات يكون الهالك مضمونا عند أبي حنيفة وصاحبيه لأن العمل المأذون فيه هو العمل المصلح لا المفسد , لأن العاقل لا يرضى بإفساد ماله , ولا يلتزم الأجرة بمقابلة الفاسد , فيتقيد الأمر بما يصلح دلالة.
وذهب الشافعية وزفر إلى أن الأجير في تلك الحالات لا يضمن ما لم يحصل منه تعد أو تقصير في عمله لأن عمله مأذون فيه في الجملة.
وإذا لم يكن مأذونا فيه فلا يمكنه التحرز عن هذا الفساد , لأنه ليس في وسعه القيام بأصل مهمته إلا بحرج , والحرج منفي.
فالبزاغ والفصاد والختان ومثلهم الطبيب الجراح , إذا كانوا يقومون بعملهم , ثم سرى أثر العمل إلى تلف النفس والموت فلا ضمان عليهم , لأنه ليس في وسعهم الاحتراز من ذلك.

ثالثا - مخالفة المستأجر شرط المؤجر نصا أو دلالة:
تكون المخالفة هذه سببا لوجوب الضمان , وللمخالفة صور وهي إما في الجنس أو القدر أو الصفة أو المكان أو الزمان.
وتحدث المخالفة عادة إما في استئجار الدواب ومثلها السيارات , وإما في استئجار الصناع.

أ - استئجار الدواب:
في حالة استئجار الدواب إما أن يكون ضرر الدابة من جهة الخفة والثقل , أو بسبب اختلاف الجنس.
فإذا كان ضرر الدابة من ناحية الخفة والثقل:
فإن كان الشيء المحمول مثل المتفق عليه مع المؤجر أو أخف , فلا شيء على المستأجر بهلاك الدابة لأن التعيين بشيء محمول لا فائدة منه , وليس هناك مخالفة في المعنى في تحميل مثل الشيء أو دونه.
وإن كان الشيء المحمول أثقل من المتفق عليه:
فإن كان بخلاف جنسه بأن حمل مكان الشعير الحنطة , فعطبت الدابة , فهو ضامن قيمتها ولا أجر عليه لأنها هلكت بفعل غير مسموح به من المؤجر , ولأن الأجر والضمان لا يجتمعان , لأن وجوب الضمان لصيرورته غاصبا , ولا أجرة على الغاصب.
وإن كان الشيء المحمول الذي هو أثقل من جنس المتفق عليه , بأن حمل أحد عشر رطلا مثلا , مكان عشرة أرطال , فإن سملت الدابة , فعليه ما سمي من الأجرة , ولا ضمان عليه.
وإن عطبت ضمن جزءا من أحد عشر جزءا من قيمة الدابة , وعليه الأجر الذي سمي , لأن الدابة ماتت بفعل مأذون فيه وغير مأذون فيه , فيقسم التلف على قدر ذلك أي أحد عشر جزءا , ويضمن بقدر الزيادة.
وإذا كان ضرر الدابة , لا من حيث الثقل والخفة وإنما بسبب اختلاف الجنس
وذلك كأن يستأجر رجل دابة ليحمل عليها قنطارا من قطن , فحمل عليها قنطارا من حديد أو أقل فتلفت الدابة , فيضمن قيمتها لأن ثقل القطن ينبسط على ظهر الدابة , وأما ثقل الحديد فيتجمع في موضع واحد , فيكون أنكى لظهر الدابة وأعقر لها , فلم يكن مأذونا فيه , فصار غاصبا , فيضمن ولا أجرة لما ذكر سابقا.
ويترتب عليه: أنه لو استأجر رجل دابة ليركبها بنفسه , فأركبها غيره ممن هو مثله في الثقل , أو أخف منه , ضمن قيمتها بالتلف لأن المحافظة هاهنا , لا من جهة الخفة والثقل , بل من حيث الخدمة والعلم , فالناس يختلفون فيها اختلافا واضحا.
ولو استأجر دابة ليركبها بنفسه , فأركب معه غيره , فعطبت , فهو ضامن لنصف قيمتها إذا كانت الدابة مما يمكن أن يركبها اثنان , لأن التلف حصل بركوبهما المشتمل على مأذون فيه وغير مأذون فيه , فإن كانت الدابة لا تطيق أن يركبها اثنان , فيضمن جميع قيمتها , لأنه أتلفها بإركاب غيره.
وإن كانت المخالفة في المكان:
وذلك كأن يستأجر دابة للركوب أو للحمل إلى مكان معلوم , فجاوز المكان , فيضمن كل القيمة.
وأما المخالفة في الزمان:
وذلك كان يستأجر دابة ليركبها أو يحمل عليها مدة معلومة , فانتفع بها زيادة على المدة , فعطبت في يده , فيضمن القيمة أيضا , لأنه صار غاصبا بالانتفاع بها فيما وراء المدة المحدودة.
واستئجار السيارات كالدواب , مع مراعاة العرف والعادة وتقدير الخبراء , في جعل الضرر مظنونا أو غالبا أو متيقنا في حال زيادة الوزن , أو كون الحمل عاليا يعرض السيارة للانقلاب , أو لتجاوز مسافات كثيرة , أو متابعة السير عليها ليلا ونهارا , بحيث يحمى المحرك , فكل ذلك يكون سببا للضمان.

ب - استئجار الصناع:
وأما استئجار الصناع: كالحائك والخائط والصباغ ونحوهم.
ففي حالة المخالفة في الجنس:
وهو كأن يسلم إنسان ثوبا إلى صباغ ليصبغه لونا معينا , فصبغه بلون آخر: يكون صاحب الثوب بالخيار: إن شاء ضمن الصباغ قيمة الثوب , وإن شاء أخذ الثوب , وأعطى الصباغ ما زاد الصبغ فيه.
ومثله أن يسلم رجل قماشا , خياطا ليخيطه قميصا , فخاطه معطفا مثلا , يكون صاحب القماش بالخيار بين أن يضمن الخياط قيمة القماش , أو أن يأخذ المخيط , ويعطى أجر المثل.
وأما المخالفة في الصفة:
وهو كأن يسلم صباغا ثوبا ليصبغه بصبغ معين , فصبغه بصبغ آخر من جنس اللون المتفق عليه , فيكون صاحب الثوب أيضا مخيرا بين تضمين قيمة الثوب أو أخذه وإعطاء أجر المثل.
وكذلك الخلاف في القدر: مثل أن يسلم شخص غزلا إلى حائك ينسجه بغلظ معين , ثخين أو رفيع , فخالف بالزيادة أو بالنقصان , يكون صاحب الثوب حال الزيادة مخيرا بين تضمين مثل الغزل , أو أخذ استحقاق الأجرة وتملكها المسمى.


استحقاق الأجرة وتملكها
يذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الأجرة تملك بالعقد ولكن لا تستقر إلا باستيفاء المنافع شيئا بعد شيء بينما يرى الحنفية والمالكية أن الأجرة لا تملك بالعقد وإنما تلزم جزءا فجزءا بحسب ما يقبض من المنافع.

واتفق الفقهاء على أن للعاقدين أن ينظما طريقة دفع الأجرة , فلهما أن يتفقا على تعجيلها , أو تأجيلها , أو دفعها على دفعات (تنجيمها) .
غير أن هناك حالات يرى فيها الشافعية والحنابلة وجوب تعجيل الأجرة لكي لا يؤول العقد إلى بيع الدين بالدين كما إذا كانت الإجارة في الذمة , أو لاجتناب الغرر والنزاع كما في حالة كون الأجرة عينا معينة.


يرى الحنفية والمالكية أن عقد الإجارة على المنافع يثبت حكمه شيئا فشيئا , على حسب حدوث ووجود محل العقد وهو المنفعة , لأنها تحدث أو تستوفي شيئا فشيئا.
وارتأى الشافعية والحنابلة أنه يثبت حكم الإجارة في الحال , وتجعل مدة الإجارة في موجودة تقديرا , كأنها أعيان قائمة.

ويترتب على هذا الخلاف ما يأتي:
أن الأجرة تثبت الملكية فيها بمجرد العقد إذا أطلق عند الشافعية والحنابلة لأن الإجارة عقد معاوضة , والمعاوضة إذا كانت مطلقة عن الشرط تقتضي الملك في العوضين عقب العقد , كما يملك البائع الثمن بالبيع.
وأما تأجيل الأجرة وتعجيلها عند الشافعية والحنابلة: فهو أنه إذا كانت الإجارة إجارة ذمة , فيشترط فيها تسليم الأجرة في مجلس العقد , لأنها بمثابة رأس المال في عقد السلم , كأن يقول المستأجر: أسلمت إليك عشرة دنانير في جمل صفته كذا , يحمل لي متاعي إلى جهة كذا أو يقول: استأجرت منك سيارة بكذا. . الخ لأن تأخير الأجرة حينئذ من باب بيع الدين بالدين , وهو لا يجوز.
وأما إذا كانت الإجارة إجارة عين: فإن كانت الأجرة فيها معينة , مثل استأجرتك لتخدمني سنة بهذا الجمل أو بهذه السلعة , فإنه لا يصح تأجيلها لأن تأجيل الأعيان فيه غرر , فقد تتلف الأجرة أو تتغير أوصافها فيكون ذلك مدعاة للخصام والنزاع وإن كانت الأجرة في الذمة , كأن يقول: بجمل صفته كذا , أو بكتاب بوصف كذا , فيجوز تأجيلها وتعجيلها. وفي حالة الإطلاق يجب تعجيلها , كما في عقد البيع , يصح بثمن حال أو مؤجل.

أما عند الحنفية والمالكية فلا تملك الأجرة بنفس العقد وإنما تلزم جزءا فجزءا , بحسب ما يقبض من المنافع , فلا يستحق المؤجر المطالبة بها إلا تدريجيا يوما فيوما , لأن المعاوضة المطلقة عن الشرط إذا لم يثبت الملك فيها في أحد العوضين , لا يثبت في العوض الآخر , لأن المساواة في العقود مطلوبة بين المتعاقدين.
ومتى تجب الأجرة وتملك عند الحنفية والمالكية؟
تجب الأجرة وتملك كلها بأحد أمور ثلاثة:
الأول - بأن يشترط تعجيلها في نفس العقد.
الثاني - بتعجيلها من غير شرط: لأن تأخير التزام المستأجر بالأجرة ثبت حقا له , فيملك إبطاله بالتعجيل , كما لو كان عليه دين مؤجل , فعجله.
الثالث - باستيفاء المعقود عليه: وهو المنافع شيئا فشيئا , أو بالتمكين من الاستيفاء بتسليم العين المؤجرة إلى المستأجر , وتسليم المفتاح أيضا , لأن المستأجر يملك حينئذ المعوض , فيملك المؤجر العوض في مقابلته , تحقيقا للمعاوضة المطلقة وتسوية العاقدين في حكم العقد.
واذا تم الاتفاق بين العاقدين على أن الأجرة لا تجب إلا بعد انقضاء مدة الإجارة , فهو جائز , لأنه يكون تأجيلا للأجرة بمنزلة تأجيل الثمن.
وأما إذا لم يشترط في العقد شيء فالقول المشهور المتأخر الذي استقر عليه الإمام أبو حنيفة وهو قول الصاحبين: أن الأجرة تجب حالا فحالا , كلما مضى يوم يسلم المستأجر أجرته , لأن الأجرة تملك على حسب ملك المنافع , وملك المنافع يحدث شيئا فشيئا على مر الزمان , فتملك الأجرة شيئا فشيئا بحسب ما يقابلها.
وبما أن هذه القاعدة توجب تسليم الأجرة ساعة فساعة , وهو أمر متعذر , فتقدر الأجرة باليوم أو بالمرحلة استحسانا.


ضمانات الوفاء بالأجرة
إذا كانت الأجرة مؤجلة في إجارة الأشخاص , فإن للمؤجر (وهو الأجير) حبس ما وقع عليه العقد حتى يستوفي الأجرة عند الحنفية والمالكية وفي قول للشافعية , لأن عمله ملكه فجاز له حبسه لأن المنافع في الإجارة كالمبيع في البيع.
ولا يحق له ذلك في القول الآخر عند الشافعية وهو مذهب الحنابلة لأنه لم يرهن العين عنده.
ولكل صانع لعمله أثر في العين أن يحبس العين لاستيفاء الأجر عند من أجاز له الحبس , وكل صانع ليس لعمله أثر في العين فليس له أن يحبسها عندهم لأن المعقود عليه نفس العمل وهو قائم في العين فلا يتصور حبسه خلافا للمالكية حيث أثبتوا له حق الحبس.


لما كان أداء الأجرة التزاما يفرضه عقد الإجارة على عاتق المستأجر وهو رب العمل في إجارة الأشخاص , فإن الشارع قد منح العامل أو الأجير بعض الضمانات التي تعاونه في الحصول على هذه الأجرة.
وأهم هذه الضمانات هو حقه في حبس السلعة التي بيده , والتي سلمت إليه للعمل فيها حتى يستوفى أجرته. وكذلك حق حامل المتاع أو الناقل في حبس البضاعة أو المتاع الذي سلم إليه لنقله حتى يستوفى أجرته , كما أن بعض الفقهاء يمنح الناقل والعامل حقا في التقدم على غيره من دائني المستأجر في استيفاء أجرته إذا عجزت أموال المستأجر عن الوفاء بجميع ديونه.

وقسم الفقهاء العامل إلى صانع له أثر في العين كالصباغ والخياط والنجار ونحوهم , وصانع ليس لعمله أثر في العين كالحمال الذي يحمل على رأسه أو دابته أو سفينته.
فإذا كان العامل له أثر في العين المستأجر على عملها فقد اختلف الفقهاء في حكم حبس العين ضمانا للوفاء بالأجرة:
فذهب المالكية والحنفية (أبو حنيفة وصاحبيه) وفي قول للشافعية إلى أنه يجوز حبس العين حتى يستوفي الأجرة سواء كان المستأجر مفلسا أو غير مفلس , لأن عمل العامل من خياطة ونحوها ملك له , وقد اتصل بالعين اتصالا لا يمكن انفكاكه فجاز له حبسه على العوض كالمبيع في يد البائع.
وذهب خلاف ذلك زفر من الحنفية وفي قول للشافعية , وهو قول الحنابلة إذا لم يفلس المستأجر , فلا يجوز عندهم حبس العين للأجرة. وقد استدل هؤلاء بأن الأجرة في الذمة ولم يشترط رهن العين فيها , فلا يملك حبسها بدون إذن أو شرط رهن.
ومن ثم فإن العامل يفقد كل أساس شرعي لحبس العين عن مالكها في أجرته , إذ أن هذا الحبس لا يكون إلا برضا مالك المال , أو نص من الشرع.

أما إذا كان العامل ليس في عمله أثر في العين كأن يستأجر على الحمل مثلا , فقد اختلف الفقهاء أيضا في حكم حبس العامل لما استؤجر على العمل فيه في هذه الحالة حتى يقبض الأجرة إلى قولين:
فقال الحنفية والشافعية والحنابلة لا يحبس للأجر من لا أثر لعمله كالحمال والملاح لأن المعقود عليه نفس العمل وهو عرض يفنى , ولا يتصور بقاؤه , وليس له أثر يقوم مقامه , فلا يتصور حبسه.
وقال المالكية للعامل حبس ما حمل , أو عمل فيه حتى يستوفي أجره لأنه بائع منفعته فكان أحق بما عمل فيه في الموت والفلس.
ولأن العامل تسلم العمل بيده , فصار كأنه سلعة مبيعة بيده , فللعامل الحق في حبس ما تسلمه حتى يقبض الأجرة كالبائع يحبس السلعة حتى يتسلم الثمن.


إيجار المستأجر العين لآخر
جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والأصح عند الحنابلة على جواز إيجار المستأجر إلى غير المؤجر الشيء الذي استأجره وقبضه في مدة العقد , ما دامت العين لا تتأثر باختلاف المستعمل , وقد أجازه كثير من فقهاء السلف سواء أكان بمثل الأجرة أم بزيادة.
وقد اختلف الفقهاء في إجارة العين المستأجرة للمؤجر نفسه , فأجاز ذلك المالكية والشافعية ومنعها الحنفية.


إيجار المستأجر لغير المؤجر
ذهب المالكية والشافعية إلى جواز إيجار المستأجر لغير المؤجر , سواء كانت الأجرة الثانية مساوية أم زائدة أم ناقصة لأن الإجارة بيع , فله أن يبيعها بمثل الثمن أو بزيادة أو بنقص كالبيع ووافقهم أحمد في أصح الأقوال عنده.
وذهب الحنفية إلى جواز الإجارة الثانية إن لم تكن الأجرة فيها من جنس الأجرة الأولى , للمعنى السابق.
أما إن اتحد جنس الأجرتين فإن الزيادة لا تطيب للمستأجر.
وعليه أن يتصدق , وصحت الإجارة الثانية لأن الفضل فيه شبهة.
أما إن أحدث زيادة في العين المستأجرة فتطيب الزيادة لأنها في مقابلة الزيادة المستحدثة.
وذهب الحنابلة في قول ثان لهم إلى أنه إن أحدث المستأجر الأول زيادة في العين جاز له الزيادة في الأجر دون اشتراط اتحاد جنس الأجر أو اختلافه , وسواء أذن له المؤجر أو لم يأذن.
وللإمام أحمد قول ثالث أنه إن أذن المؤجر بالزيادة جاز , وإلا فلا.
فجمهور الفقهاء يجيزونه بعد القبض على التفصيل السابق.

أما قبل القبض فيجوز عند المالكية مطلقا عقارا كان أو منقولا , بمساو أو بزيادة أو بنقصان , وهو غير المشهور عند الشافعية وأحد الوجهين عند الحنابلة , لأن المعقود عليه هو المنافع , وهي لا تصير مقبوضة بقبض العين فلا يؤثر فيها القبض.
وفي المشهور عند الشافعية ووجه آخر عند الحنابلة: لا يجوز كما لا يجوز بيع المبيع قبل قبضه.
وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى جواز ذلك في العقار دون المنقول.
وذهب محمد إلى عدم الجواز مطلقا.
وهذا الخلاف مبني على اختلافهم في جواز بيع العقار قبل قبضه.
وقيل إنه لا خلاف بينهم في عدم جواز ذلك الإجارة.

إيجار المستأجر للمؤجر
وأما إجارة العين المستأجرة للمؤجر فالمالكية والشافعية يجيزونها مطلقا , عقارا أو منقولا , قبل القبض أو بعده , وهو أحد وجهين للحنابلة.
والوجه الثاني لهم أنه لا يجوز قبل القبض , بناء على عدم جواز بيع ما لم يقبض.
ومنع الحنفية إيجارها للمؤجر مطلقا , عقارا كان أو منقولا قبل القبض أو بعده , ولو بعد مستأجر آخر.


انتهاء الإجارة
تنتهي الإجارة بالإقالة , أو هلاك العين المؤجرة المعينة لا في الذمة , وبانقضاء المدة إلا لعذر باتفاق الفقهاء.
وقال الحنفية أن الإجارة تنتهي كذلك بموت أحد العاقدين خلافا لما ذهب إليه جمهور الفقهاء لأن الإجارة عند الجمهور عقد لازم.


انتهاء الإجار بموت أحد العاقدين
تنتهي الإجارة عند الحنفية بالموت , لأن الإرث يجرى في الموجود المملوك. وبما أن المنافع في الإجارة تحدث شيئا فشيئا , فتكون عند موت المورث معدومة , فلا تكون مملوكة له. وما لم يملكه يستحيل توريثه , فيحتاج عقد الإجارة للتجديد مع الوارث , حتى يصير العقد قائما مع المالك. ولو مات الوكيل بالعقد , لا تبطل الإجارة لأن العقد لم يقع له , وإنما هو مجرد عاقد عن غيره ولو ماتت الظئر (المرضع) أو الصبي , انتقضت الإجارة , لأن كل واحد منهما معقود له.
وذهب الجمهور إلى أنه لا ينفسخ عقد الإيجار بموت أحد العاقدين , لأنه عقد لازم كالبيع , أي أن المستأجر ملك المنافع بالعقد دفعة واحدة , ملكا لازما , فيورث عنه ولكن تنفسخ الإجارة بموت الظئر أو الصبي , لفوات المنفعة بهلاك محلها وهو الظئر , ولتعذر استيفاء المعقود عليه , لأنه لا يمكن إقامة غير هذا الصبي مقامه.

انتهاء الإجارة بالإقالة
تنتهي الإجارة بالإقالة (فسخ العقد برضا الطرفين) لأن الإجارة معاوضة مال بمال , فكانت محتملة للإقالة كالبيع. وهذا متفق عليه.

انتهاء الإجارة بهلاك العين المؤجرة
تنتهي الإجارة بالهلاك كالدار أو الدابة أو السيارة المعنية , وهلاك المؤجر عليه , كالثوب المؤجر للخياطة أو القصارة , لوقوع اليأس عن استيفاء المعقود عليه بعد هلاكه , فلم يصر في بقاء العقد فائدة. وهذا متفق عليه.
فإن كانت الإجارة على دواب بغير أعيانها للحمل أو الركوب , فتسلم المستأجر الدواب , فهلكت , لا تبطل الإجارة. وعلى المؤجر أن يأتي بغيرها لتحمل المتاع , وليس له أن يفسخ العقد , لأن الإجارة وقعت على منافع في الذمة , ولم يعجز المؤجر عن وفاء ما التزمه بالعقد , وهو حمل المتاع إلى موضع كذا. وهذا باتفاق المذاهب الأربعة.
قال الزيلعي أخذا برأي الإمام محمد بن الحسن والأصح أن الإجارة لا تنفسخ في هذه الحالة , لأن المنافع قد فاتت على وجه يتصور عودها وساحة الدار بعد انهدام البناء يتأتى فيها السكنى بنصب فسطاط (خيمة) ونحوها.
ويظهر أن هذا الرأي عند الحنفية هو الأصح , أي أن الإجارة لا تنفسخ بالقوة القاهرة , كانهدام الدار كلها , بدليل ما قال صاحب الدر المختار , وأيده ابن عابدين لو خربت الدار سقط كل الأجر , ولا تنفسخ به , ما لم يفسخها المستأجر , وهو الأصح. وأضاف ابن عابدين قائلا: وبانهدام الدار كلها , للمستأجر الفسخ بغيبة المؤجر , ولا تنفسخ ما لم يفسخ هو الصحيح , لصلاحيتها لنصب الفسطاط.

انتهاء الإجارة بانقضاء المدة
تنتهي الإجارة بذلك , لأن الثابت إلى غاية ينتهي عند وجود الغاية فتنفسخ الإجارة بانتهاء المدة , إلا إذا كان هناك عذر , بأن انقضت المدة , وفي الأرض زرع لم يستحصد , فإنه يترك إلى أن يستحصد بأجر المثل , وانتهاء الإيجار بانقضاء المدة في الجملة متفق عليه بين الفقهاء.