فقه
المعاملات المزارعة
تعريف المزارعة
المزارعة هي معاقدة على الزرع بين صاحب الأرض والمزارع لقسم الحاصل بينهما
بالحصص المتفق عليها وقت العقد
المزارعة في اللغة والاصطلاح هي المعاملة
على الأرض ببعض ما يخرج منها
فهي عقد بين جهتين أو شخصين أحدهما يملك الأرض والآخر يعمل فيها على أن
يكون المحصول أو الناتج مشتركا بينهما بالنسب التي يتفقان عليها.
والمزارعة تقتضي وجود:
المزارع: وهو صاحب الأرض.
العامل: وهو من يعمل في الأرض.
الأرض: وهى محل عقد المزارعة.
البذر: إذ يشترط بيان من عليه البذر في العقد على اختلاف بين الفقهاء في من
عليه البذر.
آلة المزارعة: كالمحراث والبقر ونحوه.
حصص طرفي العقد من الناتج: حيث يجب تحديدها بالاتفاق مسبقا.
ويطلق على المزارعة كذلك اسم المخابرة من خبر الأرض وهو شقها أو من الخبار
وهي الأرض اللينة أي الصالحة للزراعة وقال بعضهم سميت المخابرة لأنها
معاملة أهل خيبر على ما يخرج منها من تمر أو زرع.
حاشية رد المحتار (6 / 274)
هي عقد على الزرع ببعض الخارج منه.
المجموع (14 / 420)
قال الشافعي والمخابرة (يعنى بها المزارعة) استكراء الأرض (أي إجارتها)
ببعض ما يخرج منها.
حاشية الدسوقي (3 / 372)
المزارعة هي الشركة في الزرع أو الحرث.
المغني (5 / 416)
دفع الأرض إلى من يزرعها أو يعمل عليها والربح بينهما.
دليل مشروعية
المزارعة
قال بصحة المزارعة ومشروعيتها جمهور الفقهاء من الحنابلة , والصاحبان من
الحنفية وهو مذهب الثوري وابن أبي ليلى وداود الظاهري وابن تيمية وأجازها
مالك والشافعي تبعا للمساقاة
أما الشافعية وفي أصح الأقوال عنهم أنها لا تجوز لا مستقلة عن المساقاة ولا
تابعة لها ,
وقال بعدم مشروعيتها أبو حنيفة وزفر وقالا هي فاسدة
وكرهها عكرمة ومجاهد والنخعي
وثبتت مشروعية المزارعة عند القائلين بجوازها بالسنة وإجماع الصحابة
والقياس والمعقول.
الدليل من السنة
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر
ما يخرج من ثمر أو زرع.
وفي رواية أخرى: عن ابن عمر قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر
بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع رواه مسلم كتاب المساقاة والمزارعة والبخاري
كتاب المزارعة.
ولقد رد المانعون للمزارعة على هذا الدليل من السنة بقولهم
إن حديث خيبر محمول على الجزية دون المزارعة حيث إن خيبر فتحت عنوة فكان
أهلها عبيدا فما أخذه من الخارج منها فهو له أي لرسول الله صلى الله عليه
وسلم وما تركه فهو له أو أن معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر كان
خراج مقاسمة بمعنى فرض مقدار نسبة محددة من غلة الأرض كالنصف بطريق المن
والصلح وهو جائز.
ويرد المجيزون على ذلك بالاحتجاج بظاهر الحديث وبقوله صلى الله عليه وسلم:
أقركم ما أقركم الله وهذا صريح في انهم لم يكونوا عبيدا.
أما المانعون للمزارعة فلقد استدلوا كذلك بالسنة حيث أوردوا حديث جابر بن
عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له أرض فليزرعها
فإن لم يزرعها فليزرعها أخاه رواه مسلم.
وفي رواية أخرى: نهى الرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ للأرض أجر أو
حظ رواه مسلم.
وفي رواية ثالثة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له أرض
فليزرعها فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا
يؤاجرها إياه رواه مسلم.
كذلك استدلوا بما رواه مسلم أن رافع بن خديج قال كنا نحاقل الأرض على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمى فجاءنا
ذات يوم رجل من عمومتي فقال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان
لنا نافعا وطواعية الله ورسوله انفع لنا نهانا أن نحاقل بالأرض فنكريها على
الثلث والربع والطعام المسمى وأمر رب الأرض أن يزرعها أو يزرعها أخاه وكره
كراءها وما سوى ذلك.
ويحمل المجوزون للمزارعة هذه الأحاديث على أنه إذا اشترط لطرفي العقد قطعة
معينة من الأرض فالنهى محمول على الوجه المفضى إلى الضرر والجهالة ويوجب
المشاجرة كما هو الشأن في حمل المطلق على المقيد فيحمل على ما فيه مفسدة أو
يحمل على اجتنابها ندبا واستحبابا.
الدليل من الإجماع
عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بالشطر ثم أبو بكر ثم عمر
وعثمان وعلي ثم أهلوهم وعمل به أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده
ولم يبق بالمدينة بيت إلا عمل به فيعد ذلك إجماعا منهم لم يخالفهم فيه أحد.
دليل المشروعية من العقل والقياس
المزارعة مشروعة عقلا إذ ليس كل من ملك أرضا صالحة للزارعة قادر على
زراعتها أو متفرغا لذلك كذلك من كانت له طاقة للعمل وخبرة في أمور الزراعة
وليس لديه أرض يعمل بها يمكنه العمل في أراضي الغير ومشاركة أصحابها في
الناتج وهذا مفيد في تشغيل موارد الأمة وطاقاتها وعدم تعطيلها.
ويمكن قياس المزارعة على المضاربة لأنها كما قال ابن تيمية عين تنمو بالعمل
عليها فجاز العمل فيها ببعض نمائها.
المغني (5 / 416)
هي جائزة في قول كثير من أهل العلم قال البخاري قال أبو جعفر ما بالمدينة
أهل بيت إلا ويزرعون على الثلث والربع وزارع علي وسعد وابن مسعود وعمر بن
عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل على وابن سيرين وممن رأى ذلك
سعيد بن المسيب وطاوس. . . . الخ
وعامل عمر الناس على أنه إذا جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاءوا
بالبذر فلهم كذا وكرهها عكرمة ومجاهد والنخعي وأبو حنيفة.
بدائع الصنائع (5 / 175)
وأما شرعية المزارعة فقد اختلف فيها
قال أبو حنيفة عليه الرحمة إنها غير مشروعة وبه أخذ الشافعي رحمه الله
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إنها مشروعة.
تكملة المجموع شرح المهذب (14 / 416 - 417)
لا تجوز المزارعة على بياض لا شجر فيه فأما إذا كانت الأرض بين النخل لا
يمكن سقى الأرض إلا بسقيها نظرت فإذا كان النخيل كثيرا والبياض قليلا جاز
أن تساقيه على النخل وان تزارعه على الأرض وان عقد المزارعة على الأرض ثم
عقد المساقاة على النخل لم تصح المزارعة لأنها إنما أجيزت تبعا للمساقاة
للحاجة ولا حاجة قبل المساقاة
وان عقدت بعد المساقاة ففيه وجهان
احدهما لا تصح لأنه إفراد للمزارعة بالعقد فاشبه إذا قد مت
والثاني: تصح لأنهما يحصلان لمن له المساقاة.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2 / 249)
واختلفوا إذا كان مع النخل أرض بيضاء أو مع الثمار هل يجوز أن تساقى الأرض
مع النخل بجزء من النخل أو بجزء من النخل وبجزء مما يخرج من الأرض؟ (ويقصد
بذلك المزارعة) فذهب إلى جواز ذلك طائفة وبه قال صاحبا أبي حنيفة والليث
وأحمد والنووي وابن أبي ليلى وجماعة
وقال الشافعي وأهل الظاهر لا تجوز المساقاة إلا في الثمر فقط
وأما مالك فقال: إذا كانت الأرض تبعا للثمر وكان الثمر أكثر ذلك فلا بأس
بدخولها في المساقاة اشترط جزءا خارجا منها أو لم يشترطه وحد ذلك الجزء بأن
يكون الثلث فما دونه.
وحجة من أجاز المساقاة عليها جميعا - أي على الأرض بجزء مما يخرج منها -
حديث ابن عمر
وحجة من لم يجز ذلك ما روى من النهى عن كراء الأرض بما يخرج منها في حديث
رافع بن خديج.
وأما تحديد مالك ذلك بالثلث فضعيف وهو استحسان مبنى على غير الأصول لأن
الأصول تقتضى أنه لا يفرق بين الجائز من غير الجائز بالقليل والكثير من
الجنس الواحد.
مجموع فتاوى ابن تيمية (30 / 227)
أن المزارعة على الأرض كالمساقاة على الشجر وكلاهما جائز عند فقهاء الحديث
كما دل على جواز المزارعة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع أصحابه
من بعده والذين نهوا عنها ظنوا أنها من باب الإجارة لتكون إجارة بعوض مجهول
وذلك لا يجوز.
والتحقق أن هذه المعاملات هي من باب المشاركات والمزارعة مشاركة هذا بنفع
بدنه وهذا بنفع ماله وما قسم الله من ربح كان بينهما كشريكي العنان.
والمزارعة جائزة بلا ريب سواء كان البذر من العامل أو المالك وسواء كان
بلفظ الإجارة أو المزارعة وغير ذلك هذا أصح الأقوال في هذه المسألة.
المحلى لابن حزم
إن آخر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن مات كان إعطاء الأرض بنصف
ما يخرج منها من الزرع ومن الثمر والشجر وعلى هذا مضى أبو بكر وعمر وجميع
الصحابة رضي الله عنهم فوجب استثناء الأرض ببعض ما يخرج منها من جملة ما صح
النهي عنه من أن تكرى الأرض أو يؤخذ لها أجر أو حظ وكان هذا العمل المتأخر
ناسخا للنهى المتقدم عن إعطاء الأرض ببعض ما يخرج منها لأن النهى عن ذلك قد
صح فلولا أنه قد صح لقلنا: ليس نسخا لكنه استثناء من جملة النهى ولولا أنه
قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات على هذا العمل لما قطعنا بالنسخ
لكن ثبت أنه آخر عمله عليه السلام فصح أنه نسخ صحيح متيقن لا شك فيه وبقي
النهى عن الإجارة جملة بحسبه إذ لم يأت شيء ينسخه ولا يخصصه البتة.
الوصف الفقهي
للمزارعة
يرى المانعون للمزارعة أنها إجارة للأرض ببعض الخارج منها فهي من جنس
الإجارات فتمنع لجهالة العوض.
وذهب المجيزون إلى أنها من جنس المشاركات لأن النماء الحادث فيها ينتج من
منفعة أصلين هما منفعة العامل سواء بيديه أو بحيوانه ومنفعة الأرض
فالمزارعة عندهم ليست من قبيل الإجارات لأنه ليس للمزارع أن يطالب بأجره
إذا لم تأت الأرض بمحصول فهو يخسر مقابل عمله كما يخسر صاحب الأرض منفعة
أرضه.
تتفق المزارعة في بعض خصائصها وشروطها مع
بعض سمات وصفات عقود الإجارة والشركة والمضاربة بحيث يرى الأحناف أن عقد
المزارعة يشترك مع عقدي الإجارة والشركة
ونص المالكية على أن المزارعة هي الشركة في الزرع والحرث
وعند الحنابلة المزارعة من جنس المشاركات والمضاربة
ويري المانعون لها أنها من قبيل إجارة الأرض ببعض ما يخرج منها.
المزارعة من جنس المشاركات
يرى المجيزون للمزارعة أن المزارعة ليست مثل المؤاجرة المطلقة لأن النماء
إنما يحصل باجتماع عنصرين متكاملين هما الأرض وما يتبعها من حرث أو بذر
ونحوهما وجهد العامل.
وهي بالتالي تنطوى على مشاركة بين طرفين كما أن شروط هذه المشاركة تجعلها
أقرب إلى عقد المضاربة الذي يجمع بين العامل وصاحب المال حيث تتفق المزارعة
مع المضاربة في حصر الإدارة بالطرف العامل وأن المال ينمو بالعمل مع
استمرار الملك لربه والاشتراك في نتيجة الاستثمار على أساس نسبى.
المزارعة مؤاجرة
يرى المانعون للمزارعة أنها إجارة للأرض ببعض الخارج منها وذلك ممنوع
اعتمادا على الأحاديث الدالة على المنع ومنها ما رواه مسلم عن عطاء عن جابر
من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها فليمنحها أخاه
المسلم ولا يؤاجرها إياه
وحديث جابر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ للأرض أجر أو حظ.
مغني المحتاج (2 / 322)
لما شابهت القراض في العمل في شيء ببعض نمائه وجهالة العوض والإجارة في
اللزوم والتأقيت جعلت بينهما.
بدائع الصنائع (6 / 175) ط2 - 177 - 178
قول أبي حنيفة إن عقد المزارعة استئجار ببعض الخارج منها وانه منهي بالنص
والمعقول.
المزارعة فيها معنى الإجارة والشركة تنعقد إجارة ثم تتم شركة
أما معنى الإجارة فلأن الإجارة تمليك المنفعة بعوض والمزارعة كذلك وأما
معنى الشركة فلان الخارج يكون مشتركا بينهما على الشرط المذكور.
مجموعة فتاوى ابن تيمية (29 / 98 ,101)
المزارعة مشاركة ومن جنس المضاربة وليست مثل المؤاجرة المطلقة لأنها تنمو
بالعمل فيها فجاز العمل عليها ببعض نمائها.
الحكم التكليفي
للمزارعة
المزارعة جائزة عند جمهور الفقهاء , وبعضهم أجازها تبعا للمساقاة , وبعضهم
منعها.
المزارعة جائزة عند جمهور الفقهاء
(الحنابلة , والصاحبين من الحنفية والثوري وابن أبي ليلى وداود الظاهري
وابن تيمية) , وأجازها مالك والشافعي تبعا للمساقاة
أما الشافعية وفي أصح الأقوال عنهم أنها لا تجوز لا مستقلة عن المساقاة ولا
تابعة لها ,
وقال بعدم مشروعيتها أبو حنيفة وزفر وقالا هي فاسدة وكرهها عكرمة ومجاهد
والنخعي.
الأرض من طرف والعمل
من الطرف الآخر مع توزع المستلزمات بينهما
ذهب الفقهاء إلى جواز المزارعة التي تقوم على أساس تقديم الأرض من طرف
والعمل من طرف الآخر سواء قدمت البذور والمعدات (الآلات والبقر) من صاحب
الأرض أو من جانب العمل.
ولا يشترط أن يكون البذر من رب الأرض خلافا لبعض الفقهاء.
هناك عدة صور وأشكال يأخذها عقد المزارعة
في حالة كون الأرض من طرف والعمل من الطرف الآخر مع توزع العدد والآلات
والبقر على الطرفين أو أحدهما وذلك على النحو التالي
- أن تكون الأرض والبذر وآلات الزراعة من طرف والعمل من الطرف الآخر.
- أن تكون الأرض من طرف والعمل والبذر وآلات الزراعة من الطرف الآخر.
- أن تكون الأرض والبذر من طرف والعمل وآلات الزراعة من الطرف الآخر.
- أن تكون الأرض والبقر من طرف والعمل والبذر والآلات من الطرف الآخر.
- وتعتبر تلك الصور كلها ما عدا الصورة الأخيرة جائزة عند من يقول بصحة
المزارعة من الأحناف والمالكية والحنابلة حيث أن المزارعة تنعقد إجارة وتتم
مشاركة وتنعقد على منفعة الأرض والعامل ولا يجوز على منفعة غيرهما حيث
يعتبر في هذه الصورة صاحب الأرض مستأجرا للعامل لا غير ليعمل في أرضه ببعض
الخارج الذي هو نماء ملكه.
ويستدل على صحة أن يكون البذر من العامل بقصة خيبر حيث لم يذكر النبي صلى
الله عليه وسلم أن البذر على المسلمين فقد جاء فيما رواه مسلم أنه صلى الله
عليه وسلم دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم
ولرسول الله شطر ثمرها.
كما يستدل على صحة كون البذر من العامل أو صاحب الأرض بحسب الاتفاق على ما
رواه البخاري عن عمر رضي الله عنه أنه عامل الناس على أن ما جاء عمر بالبذر
من عنده فله النصف وان جاءوا بالبذر فلهم كذا واشتهر ذلك ولم ينكر فكان
إجماعا.
أما الآلات والبقر فلا يضير أن تكون من العامل أو صاحب الأرض لأنها توابع
للمعقود عليه وهو منفعة العامل أو منفعة الأرض.
وبالرغم من أن أبو يوسف جوز صحة أن تكون الأرض والبقر من جانب والعمل
والبذر والآلات من الجانب الآخر حيث اعتبر منفعة البقر تابعة لمنفعة الأرض
إلا أن المذهب عند الأحناف عدم جواز ذلك حيث لا يتصور انعقاد الشركة بين
منفعة البقر ومنفعة العامل ولأن جواز المزارعة عندهم ثبت بالنص مخالفة
للقياس لأن الأجرة معروفة ومجهولة فيقتصر جوازها على المحل الذي ورد النص
فيه وهو إذا ما كانت الآلة تابعة.
فلا يجيز الأحناف اشتراط كون آلة الزرع من البقر ونحوه على صاحب الأرض لأن
ذلك يجعل منفعة البقر معقودا عليها فتكون مقصودة بذاتها بينما يشترطون أن
تكون آلة الزراعة تابعة في العقد لا معقودا أصليا.
بدائع الصنائع (5 / 179)
المزارعة أنواع
(منها) أن تكون الأرض والبذر والبقر والآلة من جانب والعمل من جانب وهذا
جائز لأن صاحب الأرض يصير مستأجرا للعامل لا غير ليعمل له في أرضه ببعض
الخارج الذي هو نماء ملكه وهو البذر
(ومنها) أن تكون الأرض من جانب والباقي كله من جانب وهذا أيضا جائز لأن
العامل يصير مستأجرا للأرض لا غير ببعض الخارج الذي هو نماء ملكه وهو البذر
(ومنها) أن تكون الأرض والبذر من جانب والبقر والآلة والعمل من جانب فهذا
أيضا جائز لأن هذا استئجار للعامل لا غير مقصود فأما البذر فغير مستأجر
مقصود ولا يقابله شيء من الأجرة بل هي توابع للمعقود عليه وهو منفعة العامل
لأنه آلة للعمل فلا يقابله شيء من العمل كمن استأجر خياطا فخاط بإبرة نفسه
جاز ولا يقابلها شيء من الأجرة
(ومنها) أن تكون الأرض والبقر من جانب والبذر والعمل من جانب وهذا لا يجوز
في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف أنه يجوز.
المدونة الكبرى (4 / 13)
قلت أرأيت إن قال رب الحائط خذ النخل مساقاة على أن تزرع البياض بيننا على
أن البذر من عندك أيها العامل (قال) قال مالك ذلك جائز أجازه مالك إذا
اشترط على العامل أن يزرع البياض والبذر من عند العامل والعمل على أن يكون
ما يخرج من البياض بينهما.
المغني (5 / 423)
ظاهر المذهب أن المزارعة إنما تصح إذا كان البذر من رب الأرض والعمل من
العامل نص عليه أحمد واختاره عامة الأصحاب
وقد روي عن أحمد ما يدل على أن البذر يجوز أن يكون من العامل.
تكملة المجموع (14 / 321)
واما الضرب الثاني الذي اختلف فيه الفقهاء فهو أن يزارعه على أرضه ليكون
العمل على الأجير والأرض لربها والبذر منهما أو من احدهما بحسب شرطهما على
أن ما أخرج الله تعالى من زرع كان بينهما على سهم معلوم من نصف أو ثلث
(وربع) فهذه المزارعة التي اختلف الفقهاء فيها على ثلاث مذاهب:
(المذهب الأول) وهو مذهب الشافعي أنها باطلة سواء شرط البذر على الزارع أو
على رب الأرض.
(المذهب الثاني) أنها جائزة سواء شرط البذر على الزارع أو على رب الأرض وبه
قال من الصحابة علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن
جبل
(والمذهب الثالث) أنه إن شرط البذر على صاحب الأرض لم يجز وان شرطه على
الزارع جاز وهو مذهب أحمد بن حنبل
بدائع الصنائع (5 / 180 - 181)
وأما الشرائط المفسدة للمزارعة فأنواع. . .
(منها) شرط البقر عليه لأن فيه جعل منفعة البقر معقودا عليها مقصودة في باب
المزارعة ولا سبيل إليه.
بدائع الصنائع (5 / 180 - 181)
وأما الشرائط المفسدة للمزارعة فأنواع. . .
(منها) شرط العمل والأرض جميعا من جانب واحد لأن ذلك خلاف مورد الشرع
(ومنها) شرط الحمل والحفظ على المزارع بعد القسمة لأنه ليس من عمل المزارعة
(ومنها) شرط الحصاد والرفع إلى البيدر والدياس والتذرية لأن الزرع لا يحتاج
إليه إذ لا يتعلق به صلاحه
(ومنها) أن يشترط صاحب الأرض على المزارع عملا يبقى أثره ومنفعته بعد مدة
الزراعة.
الأرض والعمل من طرف
وباقي مستلزمات الزراعة من الطرف الآخر
منع الفقهاء تقديم الأرض والعمل من طرف واقتصار الطرف الآخر على تقديم باقي
المستلزمات من بذر وآلات الزراعة ذلك أن المزارعة تنعقد على منفعة الأرض أو
على منفعة العامل ولا تنعقد على غيرهما من المستلزمات.
فيشترط أن تكون دائما الأرض في طرف والعمل في الطرف الآخر.
في هذا النوع من المزارعة يكون صاحب الأرض
هو الزارع ويقدم الطرف الشريك الآلات والبذور والبقر. وهذه الصيغة تسمح لمن
لا يملك الأرض ولا الخبرة أو القدرة على العمل من الاكتفاء بتقديم التمويل
بشراء البذور واستئجار آلات العمل.
ويجمع الفقهاء على عدم صحة هذا النوع من المزارعة لأن موضوع المزارعة أن
تكون الأرض من أحدهما والعمل من الآخر وحسب رأى الأحناف فإن المزارعة تنعقد
إجارة وتتم شركة وإنما تنعقد إجارة على منفعة الأرض أو العامل ولا تجوز على
منفعة غيرهما من بقر وبذر ونحوهما.
بدائع الصنائع (5 / 179)
ومنها - أي من أنواع المزارعة - أن يكون البذر والبقر من جانب والأرض
والعمل من جانب وهذا لا يجوز أيضا
لأن صاحب البذر يكون مستأجرا للعامل والأرض جميعا ببعض الخارج والجمع
بينهما يمنع صحة المزارعة.
شرح منتهى الإرادات (2 / 348)
ولا يصح كون الأرض والعمل من واحد والبذر من الآخر لأن موضوع المزارعة كون
البذر والأرض من أحدهما والعمل من الآخر.
المدونة الكبرى (4 / 13)
لا يصح أن يشترط العامل على رب النخل حرث البياض وإن جعلا الزرع بينهما.
دخول طرف ثالث
بتقديم أي من مستلزمات الزراعة
منع الفقهاء دخول طرف ثالث بتقديم المستلزمات من بذور وآلات وقالوا بأنها
يجب أن تقد م من أحد العاقدين أي من صاحب الأرض أو من العامل وليس من
غيرهما.
في هذا النوع من المزارعة لا تقتصر أطراف
المزارعة على العامل وصاحب الأرض وإنما يدخل طرف ثالث بتقديم البذور أو
الآلات أو البقر. فقد يتوفر شخص مالك للأرض بأى من أسباب التملك الشرعية
إلا أنه لا يجيد أعمال الزراعة وغير متفرغ لها كما أنه ليست له موارد للصرف
على البذر والآلات والبقر ونحوها وفي نفس الوقت يكون العامل غير مستعد إلا
لتقديم جهده فقط دون باقي مستلزمات الزراعة فيتطلب الأمر وجود طرف ثالث
يقدم مستلزمات الزراعة الأخرى غير العمل والأرض.
ولقد منع جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة هذه الصورة من المزارعة لحديث
مجاهد عن أربعة اشتركوا في زرع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
أحدهم علي الفدان (الثور أو الثوران يفرق بينهما للحرث أو المحراث ونحوه)
وقال الآخر قبلي الأرض وقال الآخر قبلي البذر وقال الآخر قبلي العمل فجعل
النبي صلى الله عليه وسلم الزرع لصاحب البذر وألغى صاحب الأرض وجعل لصاحب
العمل كل يوم درهما ولصاحب الفدان شيئا معلوما.
وتعليل الفقهاء للمنع لأن موضوع المزارعة على أن البذر من رب الأرض أو من
العامل وليس هاهنا من واحد منهما وليست شركة لأن الشركة تكون بالأثمان وإن
كانت بالعروض فلا بد أن تكون معلومة مقومة ولا يوجد شيء من ذلك هنا كما
أنها ليست بإجارة لعدم وجود أجرة معلومة ومدة محددة.
المغني (5 / 428)
وإن اشترك ثلاثة من احدهم الأرض ومن الآخر البذر ومن الآخر البقر والعمل
على أن ما رزق الله بينهم فعملوا فهذا عقد فاسد
وقال أحمد لا يصح لأن موضوع المزارعة على أن البذر من رب الأرض أو من
العامل وليس هو هاهنا من واحد منهما.
حاشية رد المحتار (6 / 278 - 279)
ومتى دخل الثالث فاكثر بحصة فسدت لو اشترك ثلاثة أو أربعة ومن البعض البقر
وحده أو البذر وحده فسدت وكذا لو من أحدهم البذر فقط أو البقر فقط لأن رب
البذر مستأجر للأرض فلا بد من التخلية بينه وبينها وهى في يد العامل لا في
يده.
بدائع الصنائع (5 / 979 - 180)
(ومنها) أن يشترك جماعة من أحدهم الأرض ومن الآخر البقر ومن الآخر البذر
ومن الرابع العمل وهذا لا يجوز وورد الخبر بفساده حيث روى أن أربعة نفر
اشتركوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الوجه فأبطل رسول
الله صلى الله عليه وسلم مزارعتهم.
المشاركة في ملكية
عناصر المزارعة من أرض وبذر
أجاز الفقهاء اشتراك أطراف العقد في ملكية الأرض وفي العمل ومنع الحنفية
وبعض الحنابلة اشتراكهما في تقديم البذر.
هناك بعض صور المزارعة التي يشترك طرفاها
في تقديم بعض عناصرها نحو:
إذا كانت الأرض لثلاثة فاشتركوا على أن يزرعوها ببذرهم ودوابهم على أن ما
اخرج الله بينهم على قدر مالهم فهو جائز عند الحنابلة ومالك والشافعي.
أن يكون البذر مشتركا بينهما وهذا منعه الأحناف ومن يشترط إخراج البذر من
العامل من الحنابلة.
ولا خلاف في جواز إمكانية اشتراك أصحاب أرض واحدة في زراعتها والعمل فيها
وتقديم كافة مستلزماتها بالتساوي على أن ما يرزق الله يكون بينهم جميعا إذ
لا توجد مشكلة تقويم فلا غبن ولا ظلم ولا يفضل احدهم صاحبيه بشيء.
ولقد منع فقهاء الأحناف أن يشترك طرفا المزارعة في تقديم البذر لأن كل واحد
منهما يصير مستأجرا لصاحبه في قدر بذره فيجتمع استئجار الأرض والعمل من
جانب واحد ومنعه بعض فقهاء الحنابلة الذين يشترطون لصحة المزارعة أن يكون
البذر من رب الأرض.
المغني (5 / 428)
ولو كانت الأرض لثلاثة فاشتركوا على أن يزرعوها ببذرهم ودوابهم وأعوانهم
على أن ما اخرج الله بينهم على قدر مالهم فهو جائز ولا نعلم فيه خلافا
لأن احدهم لا يفضل صاحبه بشيء وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور وابن
المنذر.
بدائع الصنائع (5م180)
ومنها أن يكون بعض البذر من قبل احدهما والبعض من قبل الآخر وهذا لا يجوز
لأن كل واحد منهما يصير مستأجرا لصاحبه في قدر بذره فيجتمع استئجار الأرض
والعمل من جانب واحد وأنه مفسد.
المغني (5 / 425)
فإن كان البذر منهما نصفين وشرطا أن الزرع بينهما نصفان فهو بينهما سواء
قلنا بصحة المزارعة أو فسادها لأنها إن كانت صحيحة فالزرع بينهما على ما
شرطاه وإن كانت فاسدة فلكل واحد منهما بقدر بذره
وان قلنا من شرط صحتها - أي - المزارعة - إخراج رب المال البذر فهي فاسدة
فعلى العامل نصف أجر الأرض وله على رب الأرض نصف أجر عمله فيتقاصان بقدر
الأقل منهما ويرجع احدهما على صاحبه بالفضل.
الصيغة
يرى الأحناف أن صيغة عقد المزارعة تنعقد بالإيجاب والقبول
وقال الحنابلة بأن المزارعة لا تتوقف على القبول من العامل لفظا بل يكفى
الشروع في العمل من العامل ويعتبر شروعه فيه قبولا منه للمزارعة.
يرى الأحناف أن صيغة عقد المزارعة أن يقول
صاحب الأرض للعامل دفعت إليك هذه الأرض مزارعة بكذا ويقول العامل قبلت أو
رضيت أو ما يدل على قبوله ورضاه.
وعند الحنابلة لا تتوقف المزارعة على القبول من العامل لفظا ويكفى الشروع
في العمل من العامل ويعتبر شروعه فيه قبولا منه للمزارعة.
ووجهة نظر الحنابلة في عدم الحاجة إلى القبول لفظا تعتمد على قياس ذلك على
الوكالة.
وتنعقد المزارعة عند الحنابلة بلفظ المزارعة والمساقاة
وعند المالكية تنعقد بلفظ المزارعة والشركة وإذا عقدت المزارعة بلفظ
الإجارة تفسد.
كما أجاز الجمهور العقد على المزارعة والمساقاة مجتمعين فيساقيه على النخل
ويزارعه على الأرض.
بدائع الصنائع (5 / 176)
وأما ركن المزارعة فهو الإيجاب والقبول وهو أن يقول صاحب الأرض للعامل دفعت
إليك هذه الأرض مزارعة بكذا ويقول العامل قبلت أو رضيت أو ما يدل على قبوله
أو رضاه فإذا وجدا تم العقد بينهما.
كشاف القناع عن متن الإقناع (3 / 533 , 534)
يتحدث باسم المساقاة ويقصد المساقاة والمزارعة معا ويقول: وتصح المساقاة
بلفظ مساقاة لأنه لفظها الموضوع لها وبلفظ معاملة ومفالحة واعمل بستاني هذا
حتى تكمل ثمرته وبكل لفظ يؤدى معناها لأن القصد المعنى فإذا دل عليه بأي
لفظ كان صح وأنه يصح بما يدل عليه من قول وفعل فشروعه في العمل قبول وتصح
مزارعة بلفظ إجارة فلو قال استأجرتك لتعمل لي في هذا الحائط بنصف زرعه صح
لأنه القصد المعنى وقد وجد ما يدل على المراد منه.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3 / 175)
الإطلاق محمول على الإجارة فتكون ممنوعة لأنها إجارة بجزء مجهول القدر
وحمله سحنون على الشركة فأجازها وقال فيها ابن رشد إن عقداها بلفظ الشركة
جاز اتفاقا وان عقداها بلفظ الإجارة لم تجز اتفاقا وان عر ى العقد عن
اللفظين أجاز ذلك ابن القاسم ومنعه سحنون وحاصله أن ابن عرفة قال: الموافق
لأقوال المذهب أنها إجارة ولو وقعت بلفظ الشركة وأنها فاسدة أما كونها
إجارة لا شركة لأن من خواص الشركة أن يخرج كل واحد مالا وهذه ليست كذلك
واما كونها فاسدة فلان من شرط صحة الإجارة كون عوضها معلوم وهنا غير معلوم.
العاقد
يشترط في العاقد أهلية التعاقد سواء أكان شخصا طبيعيا أو معنويا.
يشترط في العاقد أهلية التعاقد بأن يكون
العاقد عاقلا مميزا فلا تصح مزارعة المجنون والصبى غير المميز
أما البلوغ فليس بشرط لجواز المزارعة فتجوز مزارعة الصبى المأذون كالإجارة
ويشترط الشافعية اتحاد العاقد المزارع بأن يكون العامل في المزارعة هو نفس
العامل في المساقاة لتتحقق تبعية المزارعة للمساقاة.
بدائع الصنائع (5 / 176)
واما شرائط المزارعة - فهي في الأصل نوعان شرائط مصححة للعقد على قول من
يجيز المزارعة وشرائط مفسدة له
(أما) المصححة فأنواع بعضها يرجع إلى المزارع وبعضها يرجع إلى الزرع وبعضها
يرجع إلى ما عقد عليه وبعضها يرجع إلى آلة المزارعة وبعضها إلى الخارج
وبعضها يرجع إلى المزروع فيه وبعضها يرجع إلى مدة المزارعة.
أما الذي يرجع إلى المزارع فنوعان الأول أن يكون عاقلا فلا تصح مزارعة
المجنون والصبى والذي لا يعقل لأن العقل شرط أهلية التصرفات
وأما البلوغ فليس بشرط لجواز المزارعة حتى تجوز مزارعة الصبى المأذون لأن
المزارعة استئجار بنصف الخارج والصبى المأذون يملك الإجارة
وكذلك الحرية ليست بشرط لصحة المزارعة فتصح المزارعة من العبد المأذون وألا
يكون مرتدا على قول أبي حنيفة وغيرهما - أي أبو يوسف ومحمد - هذا ليس يشرط
لجواز المزارعة.
مغني المحتاج (2 / 324)
وإنما يجوز ذلك بشرط اتحاد العامل فيهما فلا يصح أن يساقى واحدا ويزارع آخر
لأن الاختلاف يزيل التبعية وليس المراد باتحاده كونه واحدا بل أن لا يكون
من ساقاه غير من زارعه.
المعقود عليه
يختلف المعقود عليه في المزارعة باختلاف من عليه البذر فإذا كان من قبل
صاحب الأرض كان المعقود عليه منفعة الأرض وإذا كان من قبل العامل فالمعقود
عليه منفعة العمل.
يتردد محل العقد بين أن يكون منفعة الأرض
أو عمل العامل وذلك بحسب اتفاق الطرفين على الجهة التي توفر البذر.
فإن كان البذر من جانب صاحب الأرض فهو يصير مستأجرا للعامل ليعمل له في
أرضه ببعض الخارج الذي هو نماء ملكه وهو البذر. ويكون المعقود عليه في هذه
المعاملة عمل المزارع.
وإن كان البذر من جانب العامل فهو يصير مستأجرا الأرض ببعض الخارج الذي هو
نماء ملكه وهو البذر. ويكون المعقود عليه في هذه المعاملة منفعة الأرض.
أن يكون معلوما
يشترط أن يكون المزروع معلوما ببيان ما يزرع من قمح أو ذرة أو قطن. . الخ
كما يشترط تعيين من عليه البذر قطعا للمنازعة فإن لم يبين يطبق المتعارف
عليه في ذلك.
ويجوز للعامل أن يزرع أي نوع أراد إذا ترك له صاحب الأرض الحرية في ذلك وفو
ض إليه الأمر.
ورد هذا الشرط: وهو أن يكون المزروع معلوما
ببيان ما يزرع لأن بعض أنواع المزروعات تزيد من خصوبة الأرض وبعضها ينقص من
تلك الخصوبة فلا بد من البيان.
أما إذا قال صاحب الأرض للمزارع ازرع ما شئت فيها فيجوز أن يزرع أي الأنواع
أراد لأن صاحب الأرض إذ فوضه في نوع الزراعة فإنه راضى وقابل بما قد يحصل
من نقص في درجة خصوبة الأرض أو درجة تماسكها
ويرى الظاهرية أنه يستحسن إطلاق العقد عن اشتراط ما يزرع لأن رسول الله صلى
الله عليه وسلم لم يذكر لأهل خيبر شيئا من ذلك ولا نهى عن ذكره فهو مباح
إلا أنه يجوز لهما الاتفاق تطوعا على ذكر أنواع ما يصح زراعته في الأرض.
بدائع الصنائع (5 / 177)
أما الذي يرجع إلى الزرع - من الشروط - فنوع واحد
وهو أن يكون معلوما بأن يبين ما يزرع لأن حال المزروع يختلف باختلاف الزرع
بالزيادة والنقصان فرب زرع يزيد في الأرض ورب زرع ينقصها وقد يقل النقصان
وقد يكثر فلا بد من البيان ليكون لزوم الضرر مضافا لالتزامه إلا إذا قال له
ازرع فيها ما شئت فيجوز له أن يزرع فيها ما شاء لأنه لما فوض الأمر إليه
فقد رضى بالضرر إلا انه لا يملك الغرس لأن الداخل تحت العقد الزرع دون
الغرس.
حاشية رد المحتار (6 / 276)
قوله وذكر جنسه لأن الأجر بعض الخارج وإعلام جنس الأجر شرط ولأن بعضها أضر
بالأرض فإذا لم يبين البذر من رب الأرض جاز لأنها لا تتأكد عليه قبل إلقائه
وعند الإلقاء يصير الأجر معلوما وإن من العامل - أي البذر - لا يجوز إلا
إذا كان عمم بأن قال تزرع ما بدأ لك وإلا فسدت.
المحلى (8 / 225)
فإن اتفقا تطوعا على شيء يزرع في الأرض فحسن وإن لم يذكر شيئا فحسن لأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر لهم شيئا من ذلك ولا نهى عن ذكره فهو
مباح ولا بد من أن يزرع فيها شيء ما فلا بد من ذكره إلا أنه إن شرط شيء من
ذلك في العقد فهو شرط فاسد وعقد فاسد لأنه ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل
إلا أن يشترط صاحب الأرض أن لا يزرع فيها ما يضر بأرضه أو شجره إن كان له
فيها شجر فهذا واجب ولا بد لأن خلافه فساد واهلاك للحرث.
أن يكون قابلا لعمل
الزراعة
يشترط في المزروع أن يكون قابلا لعمل الزراعة أي أن يؤثر فيه العمل
بالزيادة.
يشترط في المزروع أن يكون قابلا لعمل
الزراعة
أي أن يؤثر العمل فيه بالزيادة بمجرى العادة لأن ما لا يؤثر فيه العمل
بالزيادة عادة لا يتحقق فيه عمل الزراعة.
بدائع الصنائع (5 / 177)
واما الذي يرجع إلى المزروع فهو أن يكون قابلا لعمل الزراعة وهو أن يؤثر
العمل فيه بالزيادة بمجرى العادي لأن ما لا يؤثر فيها العمل بالزيادة عادة
لا يتحقق فيه عمل الزراعة حتى ولو رقع أرضا فيها زرع قد استحصد مزارعة لم
يجز كذا قالوا لأن الزرع إذا استحصد لا يؤثر فيه عمل الزراعة بالزيادة فلا
يكون قابلا لعمل الزراعة.
أن تكون معلومة
صالحة للزراعة
يشترط كون الأرض معلومة صالحة للزراعة منعا للغرر لكي يعرف العامل تناسب
ربحه مع حجمها ولكيلا يضع جهده إذا لم تكن صالحة للزراعة إذ لا فائدة حينئذ
من العقد.
يشترط الفقهاء أن تكون الأرض صالحة لزراعة
ما يراد زراعته فيها بحسب العادة فلو كانت الأرض سبخة أو نازة وغيرها من
موانع الزراعة لا يجوز التعاقد على زراعتها لأن عقد المزارعة عقد استئجار
ببعض الناتج والأرض التي لا يجوز إجارتها لا تجوز مزارعتها.
ولا ينفى صلاحية الأرض للمزارعة عدم إمكانية زراعتها وقت العقد لعارض قابل
للزوال في مدة معقولة كانقطاع الماء أو الفيضانات أو تغير المناخ والفصول.
وكذلك يشترط الفقهاء معلومية الأرض بمساحتها وموقعها فإن كانت مجهولة لا
تصح المزارعة لأنها تودى إلى المنازعة.
ولا يشترط أن تكون الأرض مملوكة لأحد المتعاقدين فيجوز أن تكون الأرض
مستأجرة من احدهما بأجرة غير منسوبة إلى الخارج.
بدائع الصنائع (5 / 178)
وأما الذي يرجع إلى المزروع فيه وهو الأرض فأنواع منها أن تكون صالحة
للزراعة حتى لو كانت سبخة أو نزة لا يجوز العقد لأن المزارعة عقد استئجار
لكن ببعض الخارج والأرض السبخة أو النزة لا تجوز إجارتها فلا تجوز
مزارعتها.
(فأما) إذا كانت صالحة للزراعة في المدة لكن لا يمكن زراعتها وقت العقد
لعارض من انقطاع الماء وزمان الشتاء ونحوه من العوارض التي هي على شرف
الزوال في المدة تجوز مزارعتها كما تجوز إجارتها.
(ومنها) أن تكون معلومة فإن كانت مجهولة لا تصح المزارعة لأنها تؤدى إلى
المنازعة.
حاشية رد المحتار (6 / 276)
وينبغي أن يكون العامل يعرف الأرض لأنه إذا لم يعلم والأراضي متفاوتة لا
يصير العمل معلوما.
التخلية بين الأرض
والعامل عليها
يشترط تمكين العامل من العمل بأن يخلي صاحب الأرض بينه وبينها.
ولذلك يمتنع عند الحنفية شرط العمل على صاحب الأرض.
من الشروط المتفق عليها كذلك ضرورة التخلية
بين الأرض والعامل وتمكين العامل منها وعليه فلو شرط العمل على رب الأرض أو
عليهما معا (العامل وصاحب الأرض) لا تصح المزارعة لانعدام التخلية.
ويرى الأحناف أنه لا يجوز اشتراط العمل على صاحب الأرض لأن ذلك يمنع من
تسليم الأرض للعامل
ولا يجوز كذلك شرط عمل العاقدين معا وهو نفسه رأي الظاهرية.
بدائع الصنائع (5 / 178)
(ومنها) أن تكون الأرض مسلمة إلى العامل مخلاة ولو شرط العمل على رب الأرض
لا تصح المزارعة لانعدام التخلية.
حاشية رد المحتار (6 / 276)
ويشترط التخلية فكل ما يمنع التخلية كاشتراط عمل صاحب الأرض مع العامل يمنع
الجواز.
بدائع الصنائع (5 / 180 - 181)
وأما الشرائط المفسدة للمزارعة فأنواع. . .
(ومنها) شرط العمل على صاحب الأرض لأن ذلك يمنع التسليم وهو التخلية.
يشترط عدم أفراد
الأرض بعقد مزارعة وربطها بعقد المساقاة
يشترط الشافعية أن لا يكون عقد المزارعة مستقلا عن عقد المساقاة بل لا بد
أن يؤتى بهما على الاتصال لتحصل التبعية.
يشترط الشافعية عدم إفراد المزارعة بالعقد
وإنما يجب أن تعقد تبعا للمساقاة حيث يشترطون أن تكون الأرض المزروعة فضاء
بين النخل وغيره من المغروسات.
فالمزارعة عند الشافعية تتصل بالمساقاة في العقد في الصيغة والأرض كموقع
صالح للتنفيذ ومباشرة عقد المزارعة لكنها تتأخر عن المساقاة في مباشرة
العمل حتى تكون تابعة للمساقاة فعلا.
تكملة المجموع (14 / 417 - 418)
إذا كانت الأرض بين النخل لا يمكن سقى الأرض إلا بسقيها نظرات فإذا كان
النخيل كثيرا والبياض قليلا جاز أن تساقيه على النخل وتزارعه على الأرض.
مغني المحتاج (2 / 324)
يشترط في عقد المساقاة والمزارعة ألا يفصل بينهما بل يؤتى بهما على الاتصال
لتحصل التبعية.
معلومية حصة الطرفين
من الناتج
يشترط أن تكون حصة كل من الطرفين في الناتج محددة بنسبة شائعة متفق عليها.
فلا يجوز أن يحدد نصيب أحدهما من المحصول بوزن معين منه ولا اشتراط كل
المحصول لطرف واحد لأن ذلك يقطع الشركة في الناتج.
يشترط الفقهاء أن تكون حصة كل من الطرفين
في المحصول محددة بنسبة شائعة متفق عليها لأن ترك ذلك يؤدي إلى الجهالة
المفضية إلى المنازعة
فلا يصح اشتراط كل الخارج لأحدهما أو أن يحدد نصيب أحد الطرفين بمقدار من
المحصول لأن ذلك قد يؤدي إلى قطع المشاركة فربما لا يخرج إلا هذا المقدار
وكل شرط يكون قاطعا للشركة في الخارج يكون مفسدا لعقد المزارعة لأن
المشاركة هي أهم خصائص عقد المزارعة.
ويمنع كذلك الشروط التي تعود بجهالة نصيب أحد أو كلا العاقدين مثل أن يشرط
أن لرب الأرض ناتج ناحية معينة وللعامل نتاج الناحية الأخرى وقد ورد في
النهي عن تخصيص زرع قطعة معينة لصاحب الأرض أو العامل حديث رواه رافع بن
خديج رضي الله عنه قال: كنا أكثر أهل المدينة حقلا وكان أحدنا يكري أرضه
فيقول هذه القطعة لي وهذه لك فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهاهم النبي
صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري.
واشترط المالكية تساوى نصيب العاقدين في الناتج مع ما أخرجاه للمزارعة وذلك
بأن يأخذ كل من العاقدين من الربح بقدر ما أخرجاه وشاركا به في المزارعة أي
أنهم يشترطون التناسب في قسمة الخارج مع ما قدمه كل متعاقد وذلك بتقدير حصة
كل طرف تقديرا مناسبا.
بدائع الصنائع (5 / 177)
وأما الذي يرجع إلى الخارج من الزرع فأنواع
(منها) أن يكون مذكورا في العقد حتى لو سكت عنه فسد العقد لأن الزارعة
استئجار والسكوت عن ذكر الأجرة يفسد الإجارة
(ومنها) أن يكون لهما حتى لو شرطا أن يكون الخارج لأحدهما يفسد العقد لأن
معنى الشركة لازم لهذا العقد وكل شرط يكون قاطعا للشركة يكون مفسدا للعقد.
(ومنها) أن يكون ذلك البعض من الخارج معلوم القدر من النصف والثلث والربع
ونحوه لأن ترك التقدير يؤدى إلى الجهالة المفضية للمنازعة
(ومنها) أن يكون جزءا شائعا من الجملة حتى لو شرط لأحدهما قفزانا معلومة لا
يصح العقد.
المغني (5 / 426)
إن اشترط لنفسه قفزانا معلومة ذلك شرط فاسد تفسد به المزارعة لأن الأرض
ربما لا يخرج منها إلا تلك القفزان فيختص رب المال بها وإن زارعه على أن
لرب الأرض زرعا بعينه وللعامل زرعا بعينه أو يشرط احدهما ما على السواقي
والجداول إما منفردا أو مع نصيبه فهو فاسد بإجماع العلماء.
شرح منتهى الإرادات (2 / 349)
(لو شرطا أي رب المال والعامل لأحدهما قفزانا من التمر أو المزروع معلومة
أو شرطا لأحدهما دراهم معلومة أو شرطا لأحدهما زرع ناحية معينة من الأرض
فهو فاسد أما في الأولى فإنه قد لا يزيد ما تخرج عن القفزان المشروطة وفي
الثانية قد لا يخرج ما يساوى تلك الدراهم وفي الثالثة قد لا يتحصل في
الناحية المسماة الأخرى شيء) .
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3 / 373)
لابن شاس وابن الحسن وغيرهما أن الشروط اثنان فقط السلامة من كراء الأرض
بممنوع والتساوي في الربح بأن يأخذ كل واحد منهم بقدر ما أخرج.
المغني مع الشرح الكبير (5 / 590)
والشروط الفاسدة في المساقاة والمزارعة تنقسم قسمين
(أحدهما) ما يعود بجهالة نصيب كل واحد
وثانيهما أن يشترط احدهما نصيبا مجهولا أو دراهم معلومة أو أقفزة معينة
فهذا يفسدها لأنه يعود إلى جهالة المعقود عليه وإن شرط البذر من العامل
فالمنصوص عن أحمد فساد العقد.
المغني مع الشرح الكبير (5 / 590)
إن شرط أن يأخذ رب الأرض مثل بذره ويقسما الباقي لم يصح وكذلك لو شرط
لأحدهما زرع ناحية معينة أو شرط لأحدهما ما على الجداول إما منفردا أو مع
نصيبه فهو فاسد بإجماع العلماء.
بدائع الصنائع (5 / 180 - 181)
وأما الشرائط المفسدة للمزارعة فأنواع
(منها) شرط كون الخارج لأحدهما لأنه شرط يقطع الشركة التي هي من خصائص
العقد.
أن تكون حصة الطرفين
من نفس الناتج
يشترط أن تكون حصة كل واحد من العاقدين من نفس الخارج في عملية المزارعة
محل العقد.
يشترط أن تكون حصة كل واحد من العاقدين من
نفس الخارج في عملية المزارعة محل العقد لأن المزارعة ليست من الإجارات
المطلقة وإنما هي نوع من إجارة الأرض ببعض الخارج منها وهو ما يميزها عن
الإجارة فلا بد أن تكون حصة كل واحد من الطرفين من نفس الخارج من عملية
المزارعة محل العقد وعليه فلا يصح أن تكون حصة أحد الطرفين شيئا بخلاف
الناتج من الأرض المزروعة.
بدائع الصنائع (5 / 177)
وأما الذي يرجع إلى الخارج من الزرع فأنواع. . .
(ومنها) أن تكون حصة كل واحد من المزارعين بعض الخارج حتى لو شرطا أن يكون
من غيره لا يصح العقد لأن المزارعة استئجار ببعض الخارج به تنفصل عن
الإجارة المطلقة.
شرح منتهى الإرادات (2 / 349)
(لو شرطا أي رب المال والعامل لأحدهما قفزانا من التمر أو المزروع معلومة
أو شرطا لأحدهما دراهم معلومة أو شرطا لأحدهما زرع ناحية معينة من الأرض
فهو فاسد أما في الأولى فإنه قد لا يزيد ما تخرج عن القفزان المشروطة وفي
الثانية قد لا يخرج ما يساوى تلك الدراهم وفي الثالثة قد لا يتحصل في
الناحية المسماة الأخرى شيء) .
لزوم العقد
يرى الأحناف أن عقد المزارعة عقد غير لازم في جانب صاحب البذر لازم في
الجانب الآخر ولا يجوز له الفسخ إلا بعذر
أما عند المالكية فعقد المزارعة غير لازم قبل البذر
ويرى الحنابلة أنه عقد غير لازم وهو رأى الظاهرية حيث يرون أنه يحق لأى من
العاقدين ترك العمل ولصاحب الأرض إخراج العامل بعد الزرع.
يرى الأحناف أن عقد المزارعة عقد غير لازم
بالنسبة لصاحب البذر لازم في جانب العاقد الآخر ولا يجوز له فسخ المزارعة
إلا بعذر فإذا امتنع صاحب البذر من العمل لم يجبر عليه وإذا امتنع من لا
بذر له أجبره الحاكم على العمل
وسبب التفرقة بين العاقدين أن صاحب البذر لا يمكنه تنفيذ العقد إلا بإتلاف
ملكه وهو البذر إذ لا يجبر الإنسان على إتلاف ملكه أما العاقد الآخر فلا
يتلف ملكه ولا ينفسخ العقد في حقه إلا بعذر كما في سائر الإجارات.
أما المالكية فعقد المزارعة غير لازم قبل البذر في قول ابن القاسم فلا تلزم
المزارعة بمجرد الصيغة وجزم سحنون بلزوم المزارعة بالعقد وإنما وقع هذا
الخلاف في المزارعة لأنها شركة عمل وإجارة فمن غلب الشركة لم يرها لازمة
بالعقد وقيل أنها تلزم بالعقد إذا انضم إليه عمل.
أما الظاهرية فيرون أن عقد المزارعة غير لازم فلأي من العاقدين ترك العمل
ولصاحب الأرض أخراج العامل بعد الزرع لكن مع ذلك على العامل خدمة الزرع إلى
أن يبلغ مرحلة ينتفع بها أما قبل الزرع فإن خرج العامل فلا شيء له مقابل ما
بذل أو ما أنفق أما إن أخرجه صاحب الأرض فله أجر مثل عمله وله مثل زبله
وسماده أو قيمته.
بدائع الصنائع (5 / 182)
إن هذا العقد غير لازم في جانب صاحب البذر لازم في جانب صاحبه فلو امتنع
بعد ما عقد المزارعة على الصحة وقال لا أريد زراعة الأرض له ذلك سواء كان
له عذر أو لم يكن ولو امتنع صاحبه ليس له ذلك إلا من عذر
والفرق أن صاحب البذر لا يمكنه المضي في العقد إلا بإتلاف ملكه وهو البذر
لأن البذر يهلك في التراب فلا يكون الشروع فيه ملزما في حقه إذ الإنسان لا
يجبر على إتلاف ملكه ولا كذلك من ليس البذر من قبله فكان الشروع في حقه
ملزما ولا ينفسخ إلا من عذر كما في سائر الإجارات.
حاشية الدسوقي (3 / 372)
وعقدها غير لازم قبل البذر أي كما هو قول ابن القاسم في المدونة فلا تلزم
بمجرد الصيغة
ولقد جزم به الماجشون وسحنون بلزوم المزارعة بالعقد وإنما وقع هذا الاختلاف
في المزارعة لأنها شركة عمل وإجارة فمن غلب الشركة لم يرها لازمة بالعقد
لما مر أن شركة العمل إنما تلزم بالعمل ومن غلب الإجارة ألزمها بالعقد.
المحلى (8 / 225 - 226)
وايهما شاء ترك العمل فله ذلك وإذا أراد صاحب الأرض إخراج العامل بعد أن
زرع أو أراد الخروج بعد أن زرع فذلك جائز وعلى العامل خدمة الزرع كله وعلى
ورثته كذلك حتى يبلغ مبلغ الانتفاع به من كليهما لأنهما على ذلك تعاقدا
العقد الصحيح فهو لازم لأنه عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإن أراد أحدهما ترك العمل وقد حرث وقلب وزبل ولم يزرع فذلك جائز ويكفل
صاحب الأرض للعامل أجر مثله فيما عمل وقيمة زبله أن لم يجد له زبلا مثله أن
أراد صاحب الأرض أخراجه لأنه لم تتم بينهما المزارعة.
فلو كان العامل هو المريد للخروج فله ذلك ولا شيء له فيما عمل وإن أمكنه
أخذ زبله بعينه أخذه وإلا فلا شيء له لأنه مختار للخروج ولم يتعد عليه صاحب
الأرض في شيء ولا منعه حقا له فهو مخير بين إتمام عمله وتمام شرطه والخروج
باختياره.
كشاف القناع (3 / 545)
وإن خرج الزارع باختياره وترك العمل قبل الزرع أو بعده قبل ظهور الزرع
وأراد أن يبيع عمل يديه في الأرض من حرث ونحوه لم يجز ذلك ولا شيء له وإن
أخرجه مالك الأرض فله أجرة مثله لأنه عمل بعوض لم يسلم له فوجب له بدله أو
قيمته وإذا فسخت المزارعة بعد ظهور الزرع للعامل نصيبه وعليه تمام العمل.
استئجار الغير
الأصل أن كل عمل يحتاج إليه الزرع لإتمام صلاحه هو على المزارع العامل.
ولكن يجوز أن يستعين المزارع بالغير فيما يزيد على طاقته وقدراته وتكون تلك
النفقات على قدر نصيب كل من العاقدين في الناتج.
الأصل أن كل عمل يحتاج إليه الزرع لإتمام
صلاحه كالسقى وقلع الحشائش الضارة وحفر الجداول وغيرها من الأعمال التي
يحتاج إليها قبل تناهي الزرع وادراكه فهي تكون على المزارع العامل لأن
المقصود من الزرع هو النماء ولا يحصل النماء عادة بدون تلك الأعمال فكانت
تلك الأعمال من توابع المعقود عليه فكانت من عمل المزارعة فتكون على
المزارع.
ولكن هناك بعض الأعمال كتوفير السماد وقلع الحشائش الضارة بصورة تزيد على
طاقة العامل العادي وكذلك نفقات الحصاد والدياس والتذرية فتكون نفقتها على
العاقدين بقدر نسبة مساهمة كل واحد منهما في متطلبات المزارعة أو على قدر
نسبة تقسيم الخارج بينهما.
نفقات المزارعة
كل عمل يكون بعد تناهى الزرع وادراكه وجفافه قبل قسمة الحب والخارج مما
يتطلبه استخلاص الحب وتنقيته تكون تكلفته على العاقدين حسب النسبة المتفق
عليها في تقسيم الناتج.
أما الأعمال التي تكون بعد قسمة الناتج فإنه يتحملها كل واحد من العاقدين
في نصيبه.
الأعمال التي تنشأ بعد تناهى الزرع وإدراكه
وجفافه وقبل قسمة الناتج وهى مرحلة الحصاد والتنقية والتجميع ونحوها لا
تعتبر من أعمال المزارعة التي يلتزم بها المزارع ولذلك فإن الفقهاء قالوا
بأنه لو دفع أحدهم أرضا مزارعة وفيها زرع قد بلغ مرحلة الحصاد أو كاد لا
يجوز عقد المزارعة عليها لانقضاء وقت أعمال الزراعة وعليه فإن تلك الأعمال
كما أوضحنا في الخلاصة تكون على العاقدين حسب النسب المتفق عليها لتقسيم
الناتج
إلا أن أبو يوسف من الأحناف أجاز اشتراط تلك الأعمال على الزارع ابتداء.
أما بعد قسمة الناتج بين طرفي العقد بحسب الاتفاق فإنه يكون كلا منهما
مسئولا عن نصيبه فيما يختص بالنقل والتخزين والتعبئة لأنه مؤونة ملكه
فيلزمه وحده دون غيره إلا أنه لا بأس من أن يتبرع أحدهما للآخر بالعمل
المعين أو أن يؤجر نفسه منه في إنجاز العمل المطلوب.
بدائع الصنائع (5 / 181 - 182)
للمزارعة الصحيحة أحكام
(منها) أن كل ما كان من عمل المزارعة مما يحتاج الزرع إليه لإصلاحه فعلى
المزارع
(ومنها) أن كل ما كان من باب النفقة على الزرع فعليهما على قدر حقهما
وكذلك الحصاد والحمل إلى البيدر والدياس وتذريته لأن ذلك ليس من عمل
المزارعة حتى يختص به المزارع.
توزيع الناتج
يكون الخارج من المزارعة شركة بين صاحب الأرض والمزارع بحسب الشرط المتفق
عليه.
أما إذا لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء لواحد منهما لا أجر الأرض ولا أجر
العمل سواء كان البذر من قبل العامل أو من قبل صاحب الأرض.
يكون الخارج من المزارعة شركة بين العاقدين
على حسب شروطهما على أن يكون ذلك معلوما بنسب شائعة بينهما.
وإذا قدر الله ألا تخرج الأرض شيئا فلا يجب شيئا للمزارع أو لصاحب الأرض
شأن كل المشاركات فيخسر المزارع مقابل عمله وجهده كما يخسر صاحب الأرض
منفعة أرضه.
ويختلف الحكم في توزيع الناتج في المزارعة الفاسدة حيث يكون الناتج كله
لصاحب البذر سواء كان رب الأرض أو المزارع لأن الخارج يستحق بسبب أنه نماء
للملك وليس بالشرط الذي يعمل به في حالة صحة العقد لا في حالة فساده.
فإذا كان البذر من صاحب الأرض استحق المزارع بسبب فساد المزارعة أجر مثل
عمله لأن البذر لما كان من صاحب الأرض صار صاحب الأرض مستأجرا للعامل فإذا
فسدت الإجارة وجب أجر مثل عمله ويطيب الخارج كله لصاحب الأرض لأنه نماء
ملكه وهو البذر.
أما إذا كان البذر من العامل كان على العامل لصاحب الأرض أجر مثل أرضه لأن
البذر لما كان من قبل العامل كان العامل مستأجرا للأرض فإذا فسدت الإجارة
يجب على العامل لرب الأرض أجر مثل أرضه.
ويرى بعض الفقهاء أنه لا يطيب كل الخارج للمزارع لأن الخارج وإن تولد من
بذر العامل لكن في أرض غيره بعقد فاسد فتمكنت فيه شبهة الخبث وعليه
فللمزارع أن يأخذ منه بقدر بذره وقدر أجر مثل الأرض ويتصدق بالفضل الزائد.
هذا ولا يجب أجر المثل في المزارعة الفاسدة إلا إذا استعملت الأرض واستخدمت
فعلا لأن عقد المزارعة عقد إجارة والأجرة في الإجارة الفاسدة لا تجب إلا
بحقيقة الاستعمال والاستخدام ولا تكفي التخلية بين العامل والأرض من غير
استعمال فعلي للأرض ويصدق نفس الكلام باعتبارها مشاركة كذلك.
بدائع الصنائع (5 / 181 - 182)
للمزارعة الصحيحة أحكام. . . .
(ومنها) أن يكون الخارج بينهما على الشرط المذكور
(ومنها) إذا لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء لواحد منهما لا أجر العمل ولا أجر
الأرض سواء كان البذر من قبل العامل أو من قبل رب الأرض.
بدائع الصنائع (5 / 182 - 183)
وأما حكم المزارعة الفاسدة فأنواع
(منها) أنه لا يجب على المزارع شيء من أعمال المزارعة لأن وجوبه بالعقد ولم
يصح
(ومنها) إن الخارج يكون كله لصاحب البذر سواء كان رب الأرض أو المزارع لأن
استحقاق صاحب البذر للخارج لكونه نماء ملكه لا بالشرط
(ومنها) أن البذر إذا كان من قبل صاحب الأرض كان للعامل عليه أجر المثل لأن
البذر إذا كان من قبل صاحب الأرض كان هو مستأجرا للعامل فإذا فسدت الإجارة
وجب أجر مثل عمله وإذا كان البذر من قبل العامل كان عليه لرب الأرض أجر مثل
أرضه لأن البذر إذا كان من العامل يكون هو مستأجرا للأرض فإذا فسدت الإجارة
يجب عليه أجر مثل أرضه
(ومنها) إن البذر إذا كان من قبل صاحب الأرض واستحق الخارج وغرم للعامل أجر
مثل عمله فالخارج كله طيب له لأنه حاصل من ملكه وهو البذر في ملكه وهو
الأرض وإذا كان من قبل العامل واستحق الخارج وغرم لصاحب الأرض أجر مثل أرضه
فالخارج كله لا يطيب له بل يأخذ من الزرع قدر بذره وقدر أجر مثل الأرض
ويطيب ذلك له لأنه سلم له بعوض ويتصدق بالفضل لأنه تولد من بذره لكن في أرض
غيره بعقد فاسد
(ومنها) إن أجر المثل لا يجب في المزارعة الفاسدة ما لم يوجد استعمال الأرض
لأن المزارعة عقد إجارة فالأجرة في الإجارة الفاسدة لا تجب إلا بحقيقة
الاستعمال
(ومنها) إن أجر المثل يجب في المزارعة الفاسدة ولو لم تخرج الأرض شيئا بعد
أن استعملها المزارع
(ومنها) إن أجر المثل في المزارعة الفاسدة يجب مقدرا بالمسمى عند
أبي يوسف وعند محمد يجب تاما وهذا إذا كانت الأجرة وهى حصة كل واحد منهما
مسماة في العقد فإن لم يكن يجب أجر المثل تاما بالإجماع.
حاشية الدسوقي الشرح الكبير (3 / 376)
حاصله أن المصنف ذكر أنها إن فسدت - أي المزارعة - فإن كان العمل منهما
فالزرع بينهما وإن كان العمل من أحدهما فإن خرج من يده شيء آخر كأرض أو بذر
فالزرع له ويلزمه الأجر حينئذ أو البذر وإن لم يخرج من يده شيء آخر كان
الزرع لغيره وله أجر مثله.
ضمان المزارع
لا يجوز اشتراط ضمان العامل لما هلك من الزرع من غير تعمد أو تقصير.
لا يجوز اشتراط ضمان العامل لما هلك من
الزرع من غير تعمد أو تقصير فلو أخر السقي عن حينه تأخيرا غير معتاد أو ترك
حفظ الزرع ضمن.
انتهاء المزارعة
تنتهى المزارعة بانتهاء مدتها وبموت أحد العاقدين وبالفسخ الصريح أو الضمني
كما تنتهي بالفسخ لعذر.
انتهاء المزارعة بانتهاء المدة
يرى بعض الفقهاء أنه لا بد من أن تكون مدة المزارعة معلومة وأن تكون تلك
المدة صالحة لاكتمال الزرع فيها وألا تكون ممتدة لزمن طويل لا يعيش إليه
أحد المتعاقدين في الغالب
ويرى الظاهرية أنه لا يجوز اشتراط الأجل في المزارعة
والمفتى به عند الأحناف أنه لا يجب أن يشترط أجل للمزارعة.
فإذا ما كان للعقد مدة فإن المزارعة تنتهى بانقضاء مدة العقد إلا أنه إذا
انتهت المدة والزرع لم يدرك بعد استمر عقد المزارعة حتى يدرك الزرع ويستحصد
رعاية لمصلحة العاقدين وإن انتهت المدة وادرك الزرع واقتسم العاقدان الناتج
فينتهى العقد بانتهاء مدته.
انتهاء المزارعة بالفسخ
كذلك تنتهى المزارعة بالفسخ سواء كان صريحا بلفظ الفسخ والإقالة أو بطريقة
الدلالة كامتناع صاحب البذر من المضي في العقد لأن العقد غير لازم في حقه
لذلك كان له الامتناع عن المضي في العقد بغير عذر.
انتهاء المزارعة بموت أحد العاقدين
وتنتهى المزارعة بموت أحد العاقدين سواء حدث الموت قبل الزراعة أم بعدها
وسواء ادرك الزرع أو لم يدرك وهذا رأي الأحناف والحنابلة
وقال المالكية والشافعية لا تنقضي المزارعة بموت احد العاقدين.
لكن لو مات رب الأرض والزرع لم يدرك فإن العامل يظل ملزما بالعمل لأن العقد
يوجب عليه عملا يحتاجه الزرع لأن في بقاء العقد حتى يستحصد الزرع مراعاة
لمصلحة العامل وورثة صاحب الأرض.
وتنفسخ المزارعة لأي من الإعذار التالية:
- طرؤ إعذار للمزارع مثل المرض لأنه معجز عن العمل والسفر وتغيير الحرفة
ونحو ذلك.
- الدين القائم على صاحب الأرض والذي لا قضاء له إلا من ثمن الأرض المذكورة
وذلك في حالة أن قرار البيع قد وقع قبل الزراعة فيها أو بعدها وكان الزرع
قد أدرك - استوى - وبلغ مبلغ الحصاد لأنه لا يمكن لصاحب الأرض المضي في
العقد إلا بضرر يلحقه فلا يلزمه التضرر فيبيع القاضي الأرض في دين صاحبها
أولا ثم يفسخ المزارعة.
أما إذا كان الزرع لم يدرك ولم يبلغ مبلغ الحصاد فلا تباع الأرض في تلك
اللحظة ولا تفسخ المزارعة إلا أن يدرك الزرع لأن البيع في تلك اللحظة فيه
إبطال حق العامل الذي تعلق بالزرع بينما في الانتظار إلى وقت الإدراك ثم
البيع تأخير لحق صاحب الدين نقدا وليس إبطالا له فكان في تأخير البيع رعاية
لجانب العامل.
بدائع الصنائع (5 / 180 - 184)
واما الذي يرجع إلى مدة المزارعة فهو أن تكون المدة معلومة فلا تصح
المزارعة إلا بعد بيان المدة لأنها استئجار ببعض الخارج
ولا تصح الإجارة مع جهالة المدة إلا أنها جازت في الاستحسان لتعامل الناس
من غير بيان المدة ومما تنفسخ به المزارعة انقضاء مدة المزارعة لأنها إذا
انقضت فقد انتهى العقد وهو معنى الانفساخ.
بدائع الصنائع (5 / 183 - 184)
وأما المعاني التي هي عذر في فسخ المزارعة فأنواع بعضها يرجع إلى صاحب
الأرض وبعضها يرجع إلى المزارعة
(أما) الذي يرجع إلى صاحب الأرض فهو الدين الفادح الذي لا قضاء له إلا من
ثمن هذه الأرض تباع في الدين ويفسخ العقد بهذا العذر
(واما) الذي يرجع إلى المزارع فنحو المرض لأنه معجز عن العمل والسفر لأنه
يحتاج إليه وترك حرفة إلى حرفة لأن من الحرف مالا يغنى من جوع فيحتاج إلى
الانتقال إلى غيره.
وأما الذي ينفسخ به عقد المزارعة بعد وجوده (فأنواع)
منها الفسخ وهو نوعان صريح ودلالة
فالصريح أن يكون بلفظ الفسخ والإقالة لأن المزارعة مشتملة على الإجارة
والشركة وكل واحد منهما قابل لتصريح الفسخ والإقالة
أما الدلالة فنوعان
الأول امتناع صاحب البذر عن المضي في العقد لأن العقد غير لازم في حقه
والثاني حجر المولى على العبد المأذون
(ومنها) موت صاحب الأرض سواء مات قبل الزراعة أو بعدها وسواء ادرك الزرع أو
هو بقل لأن العقد أفاد الحكم له دون وارثه لأنه عاقد لنفسه والأصل أن من
عقد لنفسه بطريق الأصالة فحكم تصرفه يقع له لا لغيره إلا لضرورة
(ومنها) موت المزارع سواء مات قبل الزراعة أو بعدها بلغ الزرع حد الحصاد أو
لم يبلغ.
(وأما) في موت أحد العاقدين إذا مات رب الأرض بعدما دفع الأرض مزارعة تترك
الأرض في يد المزارع إلى وقت الحصاد ويقسم على الشرط المذكور لأن في الترك
إلى وقت الحصاد نظرا من الجانبين
وإن مات المزارع والزرع بقل فقال ورثته نحن نعمل على شرط المزارعة فالأمر
إلى ورثة المزارع وإن أرادوا قلع الزرع لم يجبروا على العمل.
المحلى (8 / 225 - 226)
وأيهما شاء ترك العمل فله ذلك وأيهما مات بطلت المعاملة فإن أقر وارث الأرض
العامل ورضى العامل فهما على ما تراضيا عليه وكذلك إن أقر صاحب الأرض ورثة
العامل برضاهم فذلك جائز وإذا أراد صاحب الأرض إخراج العامل بعد أن زرع أو
أراد العامل الخروج بعد أن زرع عند موت أحدهما أو في حياتهما فذلك جائز
وعلى العامل خدمة الزرع كله حتى يبلغ مبلغ الانتفاع به.
وإن أراد احدهما ترك العمل وقد حرث وقلب وزبل ولم يزرع فذلك جائز ويكفل
صاحب الأرض للعامل أجر مثله فيما عمل وقيمة زبله أن لم يجد له زبلا مثله إن
أراد صاحب الأرض إخراجه فلو كان العامل هو المريد للخروج فله ذلك ولا شيء
له فيما عمل لأنه مختار في الخروج ولم يتعد عليه صاحب الأرض.
|