فقه المعاملات

القرض


تعريف القرض
عقد القرض عبارة عن دفع مال مثلي لآخر ليرد بدله , الغرض منه أصالة معونة المقترض وتفريج كربته بمنحه منافع المال المقرض مجانا مدة من الزمن , ولا يجوز أن يكون سبيلا للاسترباح وتنمية رأس مال المقرض.


القرض: هو عقد يرد على دفع مال مثلي لآخر , لينتفع به الآخذ , ثم يرد مثله.
ويسمى نفس المال المدفوع على الوجه المذكور (قرضا) أيضا.
والدافع , للمال: مقرضا.
والآخذ للمال: مقترضا ومستقرضا.
ويسمى المال الذي يرده المقترض إلى المقرض: بدل القرض.
ويسمى أخذ المال على جهة القرض: اقتراضا.

ويطلق كذلك كثير من الفقهاء على القرض (السلف) فيقولون: تسلف واستسلف: أي استقرض مالا ليرد مثله. وقد أسلفته: أي أقرضته. (وإن كان لفظ السلف يرد على ألسنة الفقهاء أيضا بمعنى عقد السلم) .

والغرض المقصود من هذا العقد أصالة هو إرفاق المقترض ونفعه وقضاء حاجته , وتفريج كربته , بمنحه منافع المال المقرض مجانا لمدة من الزمن , وليس المعاوضة بقصد الربح , كما هو الشأن في سائر عقود المبادلات المالية.


الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (4 / 171)
القرض: عقد مخصوص يرد على دفع مال مثلي لآخر ليرد مثله.

مرشد الحيران لمعرفة أحوال الإنسان (م 796)
القرض: هو أن يدفع شخص لآخر عينا معلومة من الأعيان المثلية التي تستهلك بالانتفاع بها ليرد مثلها.

تحفة المحتاج (5 / 36)
القرض: تمليك الشيء برد بدله.

كفاية الطالب الرباني (2 / 150)
القرض: دفع المال على وجه القربة لله تعالى لينتفع به آخذه , ثم يرد له مثله أو عينه.

كشاف القناع (2 / 298)
القرض: دفع مال إرفاقا لمن ينتفع به ويرد بدله.

مراجع إضافية
انظر شرح منتهى الإرادات (2 / 224) المبدع (4 / 204) الخرشي (5 / 229) الزرقاني على خليل (5 / 226) البهجة شرح التحفة (2 / 287) مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (م723 - 725) .


دليل مشروعية القرض
أجمع العلماء على مشروعية عقد القرض , ومستندهم القرآن والسنة الصحيحة والإجماع.


دليل المشروعية من الكتاب
قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} (البقرة: 245) ووجه الدلالة فيها أن الله شبه الأعمال الصالحة والإنفاق في سبيل الله بالمال المقرض , وشبه الجزاء المضاعف على ذلك ببدل القرض , وسمى أعمال البر قرضا , لأن المحسن بذلها ليأخذ عوضها , فأشبه من أقرض شيئا ليأخذ عوضه. ومشروعية المشبه تدل على مشروعية المشبه به.
دليل المشروعية من السنة
قوله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقة مرة. أخرجه ابن حبان 1 وابن ماجة 1 والبيهقي 1 وفعله صلى الله عليه وسلم: حيث روى أبو رافع 1 أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا , فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم إبل الصدقة فأمر أبا رافع 1 أن يقضى الرجل بكره , فرجع إليه أبو رافع فقال يا رسول الله , لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا. فقال: أعطه , فإن خير الناس أحسنهم قضاء. أخرجه مسلم 1 وأبو داود 1 والترمذي 1 والنسائي 1 ومالك 1 في الموطأ.
دليل المشروعية من الإجماع
أجمع العلماء قاطبة على جواز القرض.


دليل مشروعية القرض تشكيل النص
تحفة المحتاج وحاشية الشرواني (5 / 36)
الإقراض. . من السنن الأكيدة للآيات الكثيرة أي المفيدة للثناء على المقرض كآية {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} والأحاديث الشهيرة كخبر مسلم من نفس عن أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة , والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه.
المغني (6 / 439)
القرض نوع من السلف , وهو جائز بالسنة والإجماع. أما السنة فروى أبو رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم إبل الصدقة , فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره , فرجع إليه أبو رافع فقال: يا رسول الله , لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا. فقال: أعطه , فإن خير الناس أحسنهم قضاء. رواه مسلم وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يقرض مسلما مرتين إلا كان كصدقة مرة. وعن أنس قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا: الصدقة بعشر أمثالها , والقرض بثمانية عشر. فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال لأن السائل يسأل وعنده , والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة. رواهما ابن ماجة. وأجمع المسلمون على جواز القرض.


الوصف الفقهي للقرض
اختلف الفقهاء في تكييف القرض , فمنهم من اعتبره مشروعا على خلاف القياس للحاجة إليه , ومنهم من رآه على وفق القياس ومقتضى القواعد العامة.


مع أن الفقهاء مجمعون على مشروعية القرض , فقد اختلفت أنظارهم في كونها على وفق القياس ومقتضى القواعد العامة في الشريعة , أم أنها جاءت استثناء على خلاف القياس لحاجة الناس إليه؟
وذلك على قولين:

القرض مشروع على خلاف القياس
الرأي الأول للشافعية والمالكية والحنابلة في المذهب:
وهو أن القرض عقد مشروع على خلاف القياس رفقا بالمحاويج وجلبا لمصلحة إسداء المعروف إلى العباد.
ومبنى هذا النظر أن القرض تمليك للشيء برد مثله فساوى البيع , إذ هو تمليك الشيء بثمنه , والمعاوضة في كليهما هي المقصودة , فكان بيع ربوي بجنسه مع تأخر القبض , وهو محظور , فمن أجل ذلك جرى جوازه على خلاف القياس.

القرض مشروع على وفق القياس الرأي الثاني لابن تيمية وتلميذه ابن القيم من الحنابلة:
وهو أن القرض عقد مشروع على وفق القياس , وجاء على سننه , وليس فيه مخالفة لشيء من القواعد الشرعية , إذ هو من جنس التبرع بالمنافع كالعارية , فكأن المقرض أعاره الدراهم ثم استرجعها منه , لكن لم يمكن استرجاع عينها , فاسترجع مثلها.


المبدع في شرح المقنع (4 / 204)
وهو - أي القرض - نوع من المعاملات مستثنى من قياس المعاوضات لمصلحة لاحظها الشارع رفقا بالمحاويج.
أسنى المطالب (2 / 141)
الإقراض جوز على خلاف القياس للإرفاق.

الفروق للقرافي (4 / 2)
اعلم أن قاعدة القرض خولفت فيها ثلاث قواعد شرعية: (قاعدة الربا) إن كان في الربويات كالنقدين والطعام , (وقاعدة المزابنة) وهي بيع المعلوم بالمجهول من جنسه إن كان في الحيوان ونحوه من غير المثليات , (وقاعدة بيع ما ليس عندك) في المثليات. وسبب مخالفة هذه القواعد مصلحة المعروف للعباد.
إعلام الموقعين (1 / 390)
فإن القرض من جنس التبرع بالمنافع كالعارية , ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم منيحة فقال: أو منيحة ذهب أو منيحة ورق وهذا من باب الإرفاق لا من باب المعاوضات , فإن باب المعاوضات يعطي كل منهما أصل المال على وجه لا يعود إليه , وباب القرض من جنس باب العارية والمنيحة وإفقار الظهر مما يعطي فيه أصل المال لينتفع بما يستخلف منه , ثم يعيده إليه بعينه إن أمكن وإلا بنظيره مثله.

فتارة ينتفع بالمنافع كما في عارية العقار , وتارة يمنحه ماشية ليشرب لبنها ثم يعيدها , أو شجرة ليأكل ثمرها ثم يعيدها , وتسمى (العرية) , فإنهم يقولون: أعراه الشجرة , وأعاره المتاع , ومنحه الشاة , وأفقره الظهر , وأقرضه الدراهم. واللبن والثمر لما كان يستخلف , شيئا بعد شيء كان بمنزلة المنافع , ولهذا كان في الوقف يجرى مجرى المنافع , وليس هذا من باب البيع في شيء , بل هو من باب الإرفاق والتبرع والصدقة.

مجموع الفتاوى ابن تيمية (20 / 514)
والمقرض يقرضه ما يقرضه لينتفع به ثم يعيده له بمثله , فإن إعادة المثل تقوم مقام إعادة العين , ولهذا نهي أن يشترط زيادة على المثل , كما لو شرط في العارية أن يرد مع الأصل غيره. وليس هذا من باب البيع , فإن عاقلا لا يبيع درهما بمثله من كل وجه إلى أجل , ولا يباع , الشيء بجنسه إلى أجل إلا مع اختلاف الصفة أو القدر.

إعلام الموقعين (3 / 111)
ومن ذلك أن الله تعالى حرم أن يدفع الرجل إلى غيره مالا ربويا بمثله على وجه البيع إلا أن يتقابضا وجوز دفعه بمثله على وجه القرض , وقد اشتركا في أن كلا منهما يدفع ربويا ويأخذ نظيره , وإنما فرق بينهما القصد , فإن مقصود القرض إرفاق المقترض ونفعه , وليس مقصوده المعاوضة والربح , ولهذا كان القرض شقيق العارية , كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم: منيحة الورق فكأنه أعاره الدراهم ثم استرجعها منه , لكن لم يمكن استرجاع العين فاسترجع المثل.


الحكم التكليفي للقرض
حكم القرض في حق المقرض الأصل فيه الندب , ما لم تكتنفه أو تقترن به دواع تصرفه إلى الوجوب أو الحرمة أو الكراهة أو الإباحة.
وفي حق المقترض الإباحة لمن علم من نفسه الوفاء , وإلا فالحظر ما لم يكن مضطرا.


الحكم التكليفي في حق المقرض
لا خلاف بين الفقهاء في أن الأصل في القرض - في حق المقرض -: أنه قربة من القرب إلى الله تعالى لما فيه من إيصال النفع للمقترض وقضاء حاجته وتفريج كربته وإعانته على كسب قربة غالبا. وأن حكمه من حيث ذاته الندب , لما روى أبو هريرة 1 عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا , كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة , والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه أخرجه مسلم 1
لكن قد يعرض , للقرض الوجوب أو الكراهة أو الحرمة أو الإباحة , بحسب ما يلابسه أو يفضي إليه , حيث إن للوسائل حكم المقاصد
وعلى ذلك:
- فإن كان المقترض مضطرا لذلك , كان إقراضه واجبا.
- وإن علم المقرض أو غلب على ظنه أن المقترض يصرفه في معصية أو مكروه , كان حراما أو مكروها بحسب الحال.
- ولو اقترض تاجر لا لحاجة , بل ليزيد في تجارته طمعا في الربح الحاصل منه , كان إقراضه مباحا , ومثل ذلك ما لو أقرض غنيا لمصلحة الدافع , كحفظ ماله بإحرازه في ذمة المقترض المليء , فإنه يكون مباحا , حيث إنه لم يشتمل على تنفيس كربة ليكون مطلوبا شرعا.

الحكم التكليفي في حق المقترض
الأصل في القرض - في حق المقترض - الإباحة عند سائر الفقهاء , وذلك لمن علم من نفسه الوفاء , بأن كان له مال مرتجى , وعزم على الوفاء منه , وإلا لم يجز , ما لم يكن مضطرا - فإن كان كذلك وجب في حقه لدفع الضر عن نفسه - أو كان المقرض عالما بعدم قدرته على الوفاء وأعطاه , فلا يحرم , لأن المنع كان لحقه , وقد أسقط حقه بإعطائه مع علمه بحاله.


المغني (6 / 429)
القرض مندوب إليه في حق المقرض , مباح للمقترض.

شرح منتهى الإرادات (2 / 225)
(وهو) أي القرض (من المرافق المندوب إليها) للمقرض , لحديث ابن مسعود مرفوعا: ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقة مرة. رواه ابن ماجة ولأن فيه تفريجا وقضاء لحاجة أخيه المسلم. أشبه الصدقة عليه.
أسنى المطالب وحاشية الرملي (2 / 140)
(وهو قربة , لأن فيه إعانة على كشف كربة. نعم إن غلب على ظنه أن المقترض يصرفه في معصية أو مكروه لم يكن قربة) بل يحرم في الأول ويكره في الثاني. وقد يجب كالمضطر (إنما يجوز الاقتراض لمن علم من نفسه الوفاء , وإلا لم يجز , إلا أن يعلم المقرض أنه عاجز عن الوفاء) ولا يحل له أن يظهر الغنى ويخفي الفاقة عند القرض , كما لا يجوز له إخفاء الغنى وإظهار الفاقة عند أخذ الصدقة.

كفاية الطالب الرباني وحاشية العدوي (2 / 150)
(والسلف بمعنى القرض جائز , أي مندوب إليه) مراده بالجائز المأذون فيه شرعا , فلا ينافي أنه مندوب , لما فيه من إيصال النفع للمقترض وتفريج كربته وقد يعرض له ما يقتضى وجوبه أو حرمته أو كراهته , وتعسر إباحته.

التاج والإكليل (4 / 545)
وحكمه - أي القرض - من حيث ذاته الندب , وقد يعرض له ما يوجبه أو كراهته أو حرمته وإباحته تعسر.

تحفه المحتاج (5 / 36)
الإقراض مندوب إليه. ومحل , ندبه إن لم يكن المقترض مضطرا , وإلا وجب. وإن لم يعلم أو يظن من آخذه أنه ينفقه في معصية , وإلا حرم عليهما , أو في مكروه , وإلا كره. ويحرم الاقتراض والاستدانة على غير مضطر لم يرج الوفاء من جهة ظاهرة فورا في الحال وعند الحلول في المؤجل , ما لم يعلم المقرض بحاله.


أقسام القرض
تفرد الشافعية في تقسيم القرض إلى قسمين:
قرض حقيقي وهو دفع المال للغير على أن يرد مثله
وقرض حكمي وهو دفع المال لقضاء حاجة الغير بنية القرض.

والقرض الحكمي معروف كذلك عند جمهور الفقهاء ولكن بدون هذه التسمية.


القرض الحقيقي
القرض الحقيقي هو عقد يرد , على دفع مال مثلي لآخر , لينتفع به الآخذ , ثم يرد مثله. وهذا النوع من القرض قال به صراحة جمهور الفقهاء.

القرض الحكمي
القرض الحكمي هو دفع المال لقضاء حاجة الغير بنية القرض.
وقد تفرد الشافعية بتقسيم القرض إلى حقيقي وحكمي , ومثلوا للقرض الحكمي قضاء الشخص مغارم غيره بأمره , أو تأديته عوائد أو رسوما مطلوبة من الغير بأمره , أو شراء شيء ما للغير بأمره , أو دفع مصاريف تصليح جهاز أو آلة بأمر صاحبها وغير ذلك. وقد جعلوا له حكم القرض الحقيقي من حيث ثبوت الدين في الذمة , وإن لم يرد بصيغته.

ومفهوم هذا النوع من القرض وصوره معروفة عند جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة كأسباب لثبوت الدين في الذمة , ولكن بدون هذه التسمية.


تحفة المحتاج (5 / 40)
أما القرض الحكمي , فلا يشترط فيه صيغة , كإطعام جائع وكسوة عار وإنفاق على لقيط , ومنه أمر غيره بإعطاء ما له غرض فيه كإعطاء شاعر أو ظالم أو إطعام فقير أو فداء أسير , وعمر داري , واشتر هذا بثوبك لي.

مرشد الحيران (ص 48)
من قام عن غيره بواجب من الواجبات الدنيوية , كما إذا قضى دينه بأمره أو أنفق عن مال نفسه على عيال غيره ومن تلزمه نفقتهم بأمره , رجع على الآمر بما أداه عنه , وقام مقام الدائن الأصلي في مطالبته به , سواء اشترط الرجوع عليه أو لم يشترطه. (م198)
من قضى مغارم غيره بأمره , أو أدى عنه عوائد أو رسوما مطلوبة منه بأمره , أو كفل عنه لغريمه دينه بأمره ودفعه إليه , فله الرجوع بما دفعه على الآمر , ولو لم يشترط الرجوع عليه. (م199)
إذا أمر أحد غيره بشراء شيء له أو ببناء داره من مال نفسه , ففعل المأمور ذلك , فله الرجوع على الآمر بثمن ما اشتراه له , وبما صرفه على العمارة بأمره , ولو لم يشترط الرجوع عليه (م200) .

الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (4 / 171)
القرض: عقد مخصوص يرد على دفع مال مثلي لآخر ليرد مثله.

مرشد الحيران لمعرفة أحوال الإنسان (م 796)
القرض: هو أن يدفع شخص لآخر عينا معلومة من الأعيان المثلية التي تستهلك بالانتفاع بها ليرد مثلها.

تحفة المحتاج (5 / 36)
القرض: تمليك الشيء برد بدله.

كفاية الطالب الرباني (2 / 150)
القرض: دفع المال على وجه القربة لله تعالى لينتفع به آخذه , ثم يرد له مثله أو عينه.

كشاف القناع (2 / 298)
القرض: دفع مال إرفاقا لمن ينتفع به ويرد بدله.

مراجع إضافية
انظر درر الحكام (3 / 637) وما بعدها , اختلاف الفقهاء لابن جرير الطبري (2 / 62) وما بعدها , المغني (5 / 86) الإشراف على مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب (2 / 21) تبيين الحقائق (4 / 714) مجلة الأحكام العدلية (م1508) وتكملة رد المحتار (2 / 334) .


صيغة القرض
ينعقد القرض بالإيجاب والقبول وبكل صيغة تدل على المقصود وتنبئ عنه.


لما كان القرض عقدا يتم بين طرفين , فإن وجوده يتوقف على صيغة تفصح عن رغبة العاقدين في إنشائه , وتعبر بجلاء عن اتفاقهما على تكوينه , لأن النية أو الرغبة أمر باطن لا يمكن الاطلاع عليه , فأقيم مقامه ما يدل عليه ويكشف عنه , وهو الإيجاب والقبول المتصلين المتوافقين.

ولا خلاف بين الفقهاء في صحة الإيجاب بلفظ القرض والسلف وبكل ما يؤدي معناهما , أو توجد قرينة تدل على إرادة القرض , كأن سأله قرضا فأعطاه.
وكذا صحة القبول بكل لفظ يدل على الرضا بما أوجبه الأول.


مجموع فتاوى ابن تيمية (20 / 533)
والتحقيق أن المتعاقدين إن عرفا المقصود انعقدت , فأي لفظ من الألفاظ عرف به المتعاقدان مقصودهما انعقد به العقد. وهذا عام في جميع العقود , فإن الشارع لم يحد ألفاظ العقود حدا , بل ذكرها مطلقة , فكما تنعقد العقود بما يدل عليها من الألفاظ الفارسية والرومية وغيرهما من الألسن العجمية , فهي تنعقد بما يدل عليها من الألفاظ العربية , ولهذا وقع الطلاق والعتاق بكل لفظ يدل عليه , وكذلك البيع وغيره.

بدائع الصنائع (7 / 394)
أما ركنه: فهو الإيجاب والقبول. والإيجاب قول المقرض أقرضتك هذا الشيء , أو خذ هذا الشيء قرضا ونحو ذلك. والقبول هو أن يقول المستقرض استقرضت أو قبلت أو رضيت أو ما يجري هذا المجرى.

العناية على الهداية (7 / 474)
إذا استعار الدراهم , فقال له: أعرتك دراهمي هذه كان بمنزلة أن يقول أقرضتك. وكذلك كل مكيل وموزون ومعدود.

المهذب (1 / 309)
ولا ينعقد إلا بالإيجاب والقبول لأنه تميك آدمي , فلم يصح من غير إيجاب وقبول كالبيع والهبة. ويصح بلفظ القرض والسلف , لأن الشرع ورد بهما , ويصح بما يؤدي معناه , وهو أن يقول ملكتك هذا على أن ترد علي بدله.

مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 269)
ينعقد القرض ويتم بإيجاب وقبول , ولكن لا يلزم دون قبض. (م726)
يصح عقد القرض بلفظه وبلفظ السلف وكل قول يؤدي معناهما. (م727)
حكم القرض في الإيجاب والقبول كحكم البيع على ما مضى في بابه (م728)

روضة الطالبين (4 / 32)
وأما الصيغة , فالإيجاب لا بد منه. . وأما القبول فشرط على الأصح , وبه قطع الجمهور وادعى إمام الحرمين أن عدم الاشتراط أصح. قلت: وقطع صاحب (التتمة) بأنه لا يشترط الإيجاب ولا القبول , بل إذا قال لرجل: أقرضني كذا. أو ارسل إليه رسولا , فبعث إليه المال , صح القرض. وكذا لو قال رب المال: أقرضتك هذه الدراهم , وسلمها إليه ثبت القرض.

المغني (6 / 430)
ويصح بلفظ السلف والقرض لورود الشرع بهم , وبكل لفظ يؤدي معناهما , مثل أن يقول: ملكتك هذا على أن ترد علي بدله. أو ترد قرينة دالة على إرادة القرض.


صفات العاقدين المقرض والمقترض
يشترط في المقرض أن يكون من أهل التبرع أي حرا بالغا عاقلا رشيدا غير محجور عليه ,
ولا يشترط أهلية التبرع في المقترض بل يشترط فقط أهلية المعاملة بأن يكون متمتعا بالذمة المالية.


ما يشترط في المقرض
لا خلاف بين الفقهاء في أنه يشترط في المقرض أن يكون من أهل التبرع , أي حرا بالغا عاقلا رشيدا غير محجور عليه.
وذلك أن القرض هو تبرع للمال في الحال لأنه لا يقابله عوض للحال فلا يجوز إلا ممن يجوز منه التبرع.

ما يشترط في المقترض
يشترط في المقترض أهلية المعاملة (أي التصرفات القولية) دون أهلية التبرع.
وذلك بأن يكون حرا بالغا عاقلا أو صبيا مميزا , متمتعا بالذمة المالية لأن الدين لا يثبت إلا في الذمم.


شروط المقرض
بدائع الصنائع (7 / 394)
لأن القرض للمال تبرع ألا ترى أنه لا يقابله عوض للحال , فكان تبرعا للحال , فلا يجوز إلا ممن يجوز منه التبرع.

كشاف القناع (3 / 300)
لأنه عقد إرفاق فلم يصح إلا ممن يصح تبرعه , كالصدقة.

أسنى المطالب (2 / 140)
ويشترط كما في الأصل كون المقرض أهلا للتبرع , لأن القرض فيه شائبة التبرع , ولو كان معاوضة محضة لجاز للولي غير القاضي قرض مال موليه لغير ضرورة , ولاشترط في قرض الربوي التقابض في المجلس , ولجاز في غيره شرط الأجل , واللوازم باطلة.

مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 270)
يشترط أن يكون المقرض جائز التصرف ممن يصح تبرعه. فلا يصح قرض الناظر من مال الوقف ولا الوصي من مال اليتيم إلا لمصلحة. (م733)

مراجع إضافية
انظر الفتاوى الهندية (3 / 206) فتح العزيز (9 / 351) نهاية المحتاج (4 / 219) تحفة المحتاج (5 / 41) شرح منتهى الإرادات (2 / 225) .

شروط المقترض
أسنى المطالب وحاشية الشهاب الرملي (2 / 140)
(ويشترط كون المقرض أهلا للتبرع) ولا يشترط في المقترض إلا أهلية المعاملة.

كشاف القناع (3 / 300)
(ومن شأنه) أي القرض (أن يصادف ذمة) قال ابن عقيل الدين لا يثبت إلا في الذمم ومتى أطلقت الأعواض تعلقت بها , ولو عينت الديون من أعيان الأموال لم يصح (فلا يصح قرض جهة , كمسجد ونحوه) وكمدرسة ورباط.

رد المحتار (4 / 174)
إذا استقرض صبي محجور عليه شيئا , فاستهلكه , فعليه ضمانه. فإن تلف الشيء بنفسه فلا ضمان عليه. وإن كانت عينه باقية فللمقرض استردادها.


أن يكون المال المقرض معلوما
لا خلاف بين الفقهاء في اشتراط معلومية المال المقرض لصحة القرض وذلك ليتمكن المقترض من رد البدل المماثل للمقترض.


لا خلاف بين الفقهاء في اشتراط معلومية المال المقرض لصحة القرض وذلك ليتمكن المقترض من رد البدل المماثل للمقترض.
وهذه المعلومية تتناول أمرين:
معرفة القدر بالوحدة القياسية العرفية (وزن - حجم - طول. . الخ)
معرفة الوصف.
وذلك لأن القرض يوجب رد المثل , فإذا لم يعرف القدر والوصف , لم يعرف المثل , فلا يمكن القضاء.
ولو جرى العرف على إقراض المكيل وزنا أو العكس (أو بأية وحدة قياسية عرفية منضبطة أخرى) , فذلك جائز عند جمهور الفقهاء لأن المعلومية تعتبر متحققة , وغير جائز عند الحنفية.
جمهور الفقهاء:
ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة - ورجحه الكمال بن الهمام - إلى جواز الإقراض بالتقدير الجديد عملا بالعرف. ووجه قولهم: أن النص معلول بالعرف , فيكون المعتبر هو العرف في أي زمن كان. ذلك أن العرف الطارئ لا يخالف النص , بل يوافقه , لأن النص على كيلية الأربعة ووزنية الذهب والفضة مبني على ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم من كون العرف كذلك , حتى لو كان العرف إذ ذاك بالعكس لورد النص موافقا له , ولو تغير العرف في حياته صلى الله عليه وسلم لنص على تغير الحكم.

الحنفية:
وذهب الحنفية إلى أن ما نص الشارع على كونه كيليا (وهو البر والشعير والتمر والملح) , أو وزنيا (وهو الذهب والفضة) , فهو كذلك لا يتغير أبدا , ولا يجوز إقراضه بغير ذلك التقدير. لأن النص أقوى من العرف , فلا يترك الأقوى بالأدنى. وما لم ينص عليه فيحمل على العرف.


المغني (6 / 434)
وإذا اقترض دراهم أو دنانير غير معروفة الوزن لم يجز , لأن القرض فيها يوجب رد المثل , فإذا لم يعرف المثل لم يمكن القضاء. وكذلك لو اقترض مكيلا أو موزونا جزافا لم يجز لذلك. ولو قدره بمكيال بعينه أو صنجة بعينها , غير معروفين عند العامة , لم يجز , لأنه لا يؤمن تلف ذلك , فيتعذر رد المثل , فأشبه السلم في مثل ذلك.

المحلى (8 / 83)
وكل ما يمكن وزنه أو كيله أو عده أو ذرعه لم يجز أن يقرض جزافا , لأنه لا يدرى مقدار ما يلزمه أن يرده , فيكون أكل مال بالباطل.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 269 - 270)
يشترط لصحة القرض معرفة قدره بمعيار معروف من مكيال أو صنجة أو ذراع أو مقياس مما يعرف عادة بين الناس. فلا يصح قرض المال جزافا , كصبرة طعام , ولا إقراض مال ملء قدح معين أو وزن حجر معين أو ذرع خشبة معينة. (م731)
كما يجوز قرض الماء كيلا يجوز قرضه مقدرا بما ينضبط به عادة , مثلا لو أقرضه ماء مقدرا بأنبوبة ونحوها يجري الماء فيها زمنا محدودا من نوبته ليرد عليه المقترض مثله من نوبته صح. (م732)
يشترط في القرض معرفة وصفه. (م736)
الدراهم والدنانير التي يتعامل بها عددا لا وزنا يجوز قرضها عددا , ويجب رد مثلها , وكذا الخبز ونحوه مما تدخله المسامحة. (م738) .

أسنى المطالب (2 / 181)
يشترط لصحة الإقراض العلم بالقدر والصفة ليتأتى أداؤه , فلو أقرضه كفا من دراهم لم يصح , ولو أقرضه على أن يستبان مقداره ويرد مثله صح.

الدر المختار مع رد المحتار (4 / 181)
وما نص الشارع على كونه كيليا كبر وشعير وتمر وملح , أو وزنيا كذهب وفضة , فهو كذلك لا يتغير أبدا. . . . لأن النص أقوى من العرف , فلا يترك الأقوى بالأدنى , وما لم ينص عليه حمل على العرف. وعن الثاني: اعتبار العرف مطلقا ورجحه الكمال
رد المحتار (4 / 182)
في الغياثية عن أبي يوسف أنه يجوز استقراض الدقيق وزنا إذا تعارف الناس ذلك وعليه الفتوى. وفي التتارخنية عن أبي يوسف يجوز بيع الدقيق واستقراضه وزنا إذا تعارف الناس ذلك استحسن فيه.
كشاف القناع (3 / 300)
(ويشترط معرفة قدره) أي القرض (بمقدار معروف) من مكيال أو صنجة أو ذراع , كسائر عقود المعاوضات (فلو اقترض دراهم أو دنانير غير معروفة الوزن لم يصح) القرض للجهالة بمقدارها , فيتعذر رد مثلها (وإن كانت) الدراهم أو الدنانير (عددية يتعامل بها عددا) لا وزنا (جاز قرضها عددا ويرد) بدلها (عددا) عملا بالعرف
(ولو اقترض مكيلا) جزافا (أو موزونا جزافا أو قدره) أي المكيل (بمكيال بعينه أو) قدر الموزون ب (صنجة بعينها غير معروفين عند العامة لم يصح) القرض , لأنه لا يأمن تلف ذلك , فيتعذر رد المثل (كالسلم) وإن كان لهما عرف صح القرض , لا التعيين.
(ويشترط وصفه) أي معرفة وصفه ليرد بدله.

تحفة المحتاج (5 / 44)
وعلم من الضابط أن القرض لا بد أن يكون معلوم القدر ولو مآلا , وذلك ليرد مثله أو صورته. ويجوز إقراض المكيل موزونا وعكسه.


أن يكون المال المقرض مثليا أو قيميا
اتفق الفقهاء على صحة القرض إذا كان المال المقرض من المثليات (لأن الواجب رد المثل) , وكان عينا (غير منفعة) , وكان معلوما قدرا ووصفا ليتمكن المقترض من رد البدل المماثل.

وأجاز المالكية والشافعية إقراض كل ما يملك بالبيع ويضبط بالصفات ولو كان من القيميات.

كما أجاز الحنابلة إقراض كل ما يجوز بيعه سواء أكان من المثليات أو القيميات , وسواء أكان مما يضبط بالصفة أم لا.


المثليات هي الأموال التي لا تتفاوت آحادها تفاوتا تختلف به قيمتها , كالنقود وسائر المقدرات بالوحدات القياسية العرفية , من موزونات ومكيلات ومذروعات وعدديات متقاربة.

ويجوز باتفاق الفقهاء إقراض المثليات أما ما عداها ففيه خلاف بينهم على النحو التالي:
جواز إقراض المثليات دون القيميات عند الحنفية
يرى الحنفية صحة قرض المثليات دون ما سواها , أما القيميات التي تتفاوت آحادها تفاوتا تختلف به قيمتها , كالحيوان والعقار ونحو ذلك فلا يصح إقراضها.
وعللوا ذلك: بأنه لا سبيل إلى إيجاب رد العين , ولا إلى إيجاب رد القيمة لأنه يؤدى إلى المنازعة لاختلاف القيمة باختلاف تقويم المقومين , فتعين أن يكون الواجب فيه رد المثل , فيختص جوازه بما له مثل.

جواز إقراض كل ما يضبط بالصفات عند الشافعية والمالكية
نحا المالكية والشافعية نحو ما ذهب إليه الحنفية , فأجازوا قرض المثليات , غير أنهم وسعوا دائرة ما يصح إقراضه , فقالوا: يصح إقراض كل ما يجوز السلم فيه - كعروض التجارة والحيوان ونحوها , سواء أكان من المثليات أو من القيميات القابلة للانضباط بالصفات. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استقرض بكرا (الثنى من الإبل) فقيس عليه غيره.
ذلك أن ما يثبت سلما يملك بالبيع ويضبط بالصفة فجاز قرضه لصحة ثبوته في الذمة , أما ما لا يجوز فيه السلم كالجواهر ونحوها فلا يصح إقراضه لأن القرض يقتضي رد المثل وما لا ينضبط أو يندر وجوده يتعذر أو يتعسر رد مثله.

جواز إقراض الأعيان والمنافع عند الحنابلة
أما الحنابلة (وكذلك ابن حزم الظاهري) فقد أجازوا على المعتمد في المذهب قرض كل عين يجوز بيعها , سواء أكانت مثلية أم قيمية , وسواء أكانت مما يضبط بالصفة أم لا.


رد المحتار (4 / 171)
لا يصح القرض في غير المثلي , لأن القرض إعارة ابتداء حتى صح بلفظها , ومعاوضة انتهاء , لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاك عينه , فيستلزم إيجاب المثل في الذمة , وهذا لا يتأتى في غير المثلي.
مرشد الحيران (ص 212)
يصح القرض في الأعيان المثلية , وهي التي لا تتفاوت آحادها تفاوتا تختلف به قيمتها , كالمكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة (م789) .
لا يصح القرض في القيميات , وهي التي تتفاوت آحادها تفاوتا تختلف به قيمتها (م799)

أسنى المطالب (2 / 141)
(وإنما يجوز القرض فيما يجوز السلم فيه) لصحة ثبوته في الذمة , بخلاف ما لا يجوز السلم فيه , لأن مالا ينضبط أو يندر وجوده يتعذر أو يتعسر رد مثله.
القوانين الفقهية (ص 293)
ما يجوز السلم فيه , وهو كل ما يجوز أن يثبت في الذمة سلما من العين والطعام والعروض والحيوان إلا الجواري , لأنه يؤدي إلى إعارة الفروج.
كشاف القناع (3 / 300)
(ويصح) القرض (في كل عين يجوز بيعها) من مكيل وموزون ومعدود وغيره (إلا الرقيق فقط) فلا يصح قرضه , ذكرا كان أو أنثى , لأنه لم ينقل , ولا هو من المرافق , ولأنه يفضي إلى أن يقترض جارية يطؤها ثم يردها.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 270)
كل ما صح بيعه صح قرضه إلا الرقيق والمنافع (م735)

المحلى (8 / 82)
والقرض جائز في الجواري والعبيد والدواب والدور والأرضين وغير ذلك , لعموم قوله تعالى {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى} (البقرة: 282) , فعمم سبحانه وتعالى ولم يخص , فلا يجوز التخصيص في ذلك بالرأي الفاسد بغير قرآن ولا سنة. وقولنا في هذا هو قول المزني وأبي سليمان ومحمد بن جرير وأصحابنا.

المغني (6 / 432)
ويجوز قرض المكيل والموزون بغير خلاف.
قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن استقراض ما له مثل من المكيل والموزون والأطعمة جائز.
ويجوز قرض كل ما يثبت في الذمة سلما , سوى بني آدم. وبهذا قال الشافعي
وقال أبو حنيفة لا يجوز قرض غير المكيل والموزون , لأنه لا مثل له , أشبه الجواهر.
ولنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا , وليس بمكيل ولا موزون. ولأن ما يثبت سلما يملك بالبيع ويضبط بالوصف , فجاز قرضه كالمكيل والموزون. وقولهم (لا مثل له) خلاف , اصلهم , فإن عند أبي حنيفة لو أتلف على رجل ثوبا ثبت في ذمته مثله , ويجوز الصلح عنه بأكثر من قيمته.
فأما ما لا يثبت في الذمة سلما , كالجواهر وشبهها , فقال القاضي يجوز قرضها , ويرد المستقرض القيمة , لأن ما لا مثل له يضمن بالقيمة , والجواهر كغيرها في القيم وقال أبو الخطاب لا يجوز قرضه لأن القرض يقتضي رد المثل , وهذه لا مثل لها. ولأنه لم ينقل قرضها , ولا هي في معنى ما نقل القرض فيه , لكونها ليست من المرافق , ولا تثبت في الذمة سلما , فوجب إبقاؤها على المنع.
ويمكن بناء هذا الخلاف على الوجهين في الواجب في بدل غير المكيل والموزون , فإذا قلنا: الواجب رد المثل , لم يجز قرض الجواهر ولا ما لا يثبت في الذمة سلما , لتعذر رد مثلها , وإن قلنا الواجب رد القيمة جاز قرضه , لامكان رد القيمة. ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين.


أن يكون المال المقرض عينا أو منفعة
ذهب الشافعية والمالكية وابن تيمية من الحنابلة إلى جواز قرض المنافع إذا كانت مثلية أو تقبل الضبط بالوصف خلافا للحنفية وللحنابلة في المذهب إذ لا يجوز عندهم قرض المنافع مطلقا.


تباينت آراء الفقهاء في جواز إقراض المنافع على النحو التالي:

عدم جواز إقراض المنافع عند الحنفية والحنابلة
لا يجوز عند الحنفية إقراض المنافع مطلقا , ومستندهم في ذلك أن القرض يجوز فقط في الأموال المثلية التي تدفع للغير ليرد مثلها , والمنافع عندهم لا تعتبر أموالا من أصلها.

كما لا يجوز عند الحنابلة على المعتمد في المذهب إقراض المنافع على الرغم من توسعهم في إجازة إقراض كل عين يجوز بيعها سواء أكانت مثلية أم قيمية , وسواء أكانت مما يضبط بالصفة أم لا , ومستندهم في ذلك أنه غير سائغ في العرف وعادة الناس ولهذا لم يعهد في معاملاتهم ومدايناتهم.
ولكن ابن تيمية خالف ما ذهب إليه الحنابلة , وقال بجواز قرض المنافع , مثل أن يحصد معه يوما ليحصد معه الآخر يوما مثله , أو يسكنه داره ليسكنه الآخر داره بدلها.

جواز إقراض المنافع عند الشافعية والمالكية:
يجوز عند الشافعية والمالكية إقراض المنافع التي تنضبط بالوصف أو المثلية , لأن ضابط ما يصح إقراضه عندهم أن يكون مما يصح السلم فيه , ومذهبهم صحة السلم في المنافع والأعيان على السواء إذا كانت مثلية أو قابلة للانضباط بالصفات.


شرح منتهى الإرادات (2 / 225)
ولا يصح قرض منفعة.

كشاف القناع (3 / 300)
(ولا يصح قرض المنافع) لأنه غير معهود (وجوزه الشيخ , مثل أن يحصد معه) إنسان (يوما , ويحصد الآخر معه يوما) بدله (أو يسكنه دارا ليسكنه الآخر) دارا (بدلها) كالعارية بشرط العوض.

مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 270)
كل ما صح بيعه صح قرضه إلا الرقيق والمنافع.

الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية (ص 131)
يجوز قرض المنافع , مثل أن يحصد معه يوما , ويحصد معه الآخر يوما , أو يسكنه دارا ليسكنه الآخر بدلها. لكن الغالب على المنافع أنها ليست من ذوات الأمثال , حتى يجب على المشهور في الأخرى القيمة. ويتوجه في المتقوم أنه يجوز رد المثل بتراضيهما.

روضة الطالبين (4 / 27 / 32 / 33)
السلم في المنافع لتعليم القرآن وغيره جائز. ذكره الروياني
المال ضربان , أحدهما: يجوز السلم فيه , فيجوز إقراضه , حيوانا كان أو غيره.
وفي فتاوى القاضي حسين ولا يجوز إقراض المنافع لأنه لا يجوز السلم فيها.
رد المحتار (4 / 171)
القرض شرعا عقد مخصوص يرد على مال مثلي لآخر ليرد مثله.

الحموي على الأشباه والنظائر (2 / 209)
المال: ما يميل إليه الطبع , ويمكن ادخاره لوقت الحاجة.

فتح العزيز (2 / 502)
الإجارة الواردة على الذمة لا يجوز فيها تأجيل الأجرة والاستبدال عنها ولا الحوالة بها ولا عليها ولا الإبراء , بل يجب التسليم في المجلس كرأس مال السلم , لأنها سلم في المنافع. . . . هذا إذا تعاقدا بلفظ السلم , بأن قال: أسلمت إليك هذا الدينار في دابة تحملني إلى موضع كذا. فإن تعاقدا بلفظ الإجارة بأن قال: استأجرت منك دابة صفتها كذا لتحملني إلى موضع كذا , فوجهان بنوهما على أن الاعتبار باللفظ أم بالمعنى.

مراجع إضافية
انظر (م 126) من المجلة العدلية القوانين الفقهية (ص 280 / 293)
الخرشي (5 / 203) مرشد الحيران (م 796) .


اشتراط توثيق دين القرض
يصح الإقراض بشرط توثيقه برهن وكفيل وإشهاد وكتابة , فإن لم يوف المقترض بشرطه كان للمقرض حق الفسخ , ولا يحل للمقترض التصرف فيما اقترضه قبل الوفاء بالشرط.


ذهب الشافعية إلى صحة الإقراض بشرط رهن وكفيل وإشهاد , لأن هذه الأمور توثيقات لا منافع زائدة للمقرض. فله إذا لم يوف بها المقترض الفسخ قياسا على ما ذكر من اشتراطها في البيع. وقالوا: من فوائد هذا الاشتراط أن المقترض لا يحل له التصرف في العين التي اقترضها قبل الوفاء بالشرط. ووافقهم الحنابلة على جواز اشتراط توثيقه , فنصوا على جواز اشتراط الرهن والكفيل في عقد القرض. واستدلوا على مشروعية شرط الرهن بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه استقرض من يهودي شعيرا , ورهنه درعه رواه البخاري 1 ومسلم وبأن ما جاز فعله جاز شرطه , ولأنه يراد للتوثيق بالحق , وليس ذلك بزيادة. وقالوا: الضمان كالرهن. فلو عينهما وجاء المقترض بغيرهما , لم يلزم المقرض قبوله وإن كان ما أتى به خيرا من المشروط , بل يخير بين فسخ العقد وبين إمضائه بلا رهن ولا كفيل.


كشاف القناع (3 / 303)
(ويجوز شرط الرهن) وشرط (الضمين فيه) أي في القرض , لأنه صلى الله عليه وسلم استقرض من يهودي شعيرا ورهنه درعه متفق عليه وما جاز فعله جاز شرطه , ولأنه يراد للتوثق بالحق , وليس ذلك بزيادة , والضمان كالرهن. فلو عينهما , وجاء بغيرهما , لم يلزم المقترض قبوله وإن كان ما أتى به خيرا من المشروط , وحينئذ يخير بين فسخ العقد وبين إمضائه بلا رهن ولا كفيل.

روضة الطالبين (4 / 34)
ويجوز فيه - أي القرض - الرهن والكفيل , وشرط أن يشهد عليه أو يقر به عند الحاكم.

أسنى المطالب وحاشية الرملي (2 / 143)
(ويصح الإقراض بشرط رهن وكفيل واشهاد وإقرار عند حاكم , لأن هذه الأمور توثيقات لا منافع زائدة , فله إذا لم يوف المقترض بها الفسخ على قياس ما ذكر في اشتراطها في البيع) قال ابن العماد ومن فوائده أن المقترض لا يحل له التصرف في العين التي اقترضها قبل الوفاء بالشرط إن قلنا يملك بالقبض , كما لا يجوز للمشتري التصرف في المبيع قبل دفع الثمن إلا برضا البائع. والمقترض ههنا لم يبح له التصرف إلا بشرط صحيح. وإن في صحة هذا الشرط حثا للناس على فعل القرض وتحصيل أنواع البر وغير ذلك.

المهذب (1 / 310)
ويجوز شرط الرهن فيه , لأن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه على شعير أخذه لأهله ويجوز أخذ الضمين فيه , لأنه وثيقة , فجاز في القرض كالرهن.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 271)
يجوز اشتراط الرهن أو الضمين في عقد القرض , فلو عينهما وجاء المقترض بغيرهما لم يلزمه قبوله وإن كان خيرا من المشروط , بل يخير بين الفسخ أو الإمضاء بلا رهن ولا كفيل. (م740)

مراجع إضافية
انظر فتح العزيز (9 / 381) نهاية المحتاج (4 / 226) شرح منتهى الإرادات (2 / 227) المبدع (4 / 208)


اشتراط الوفاء في غير بلد القرض
اختلفت أنظار الفقهاء في حكم اشتراط وفاء القرض في غير بلد القرض , فذهب الحنفية والشافعية إلى عدم الجواز. وبذلك قال الحنابلة فيما لحمله مؤونة ومنعه المالكية في غير حالة الضرورة. أما ابن تيمية من الحنابلة فقد ذهب إلى جوازه.


إذا اشترط في عقد القرض أن يكون الوفاء في بلد آخر , فقد اختلف الفقهاء في ذلك على خمسة أقوال:
أحدهما: للشافعية وابن حزم
وهو أن الشرط باطل والعقد باطل , لأن القرض موضوعه المعونة والإرفاق , فإذا شرط المقرض فيه لنفسه نفعا , خرج عن موضوعه , فمنع صحته.

والثاني: للحنفية ,
وهو كراهة ذلك. لأن المقرض ينتفع بإسقاط خطر الطريق , فأشبه القرض الذي يجر نفعا.
والثالث: للمالكية ,
وهو عدم جواز ذلك إلا في حالة الضرورة عندما يعم الخوف وتكون الطرق المتعين على المقرض سلوكها غير مأمونة , بحيث يغلب على الظن هلاك المال بها , فعند ذلك يحوز ذلك الشرط تقديما لمصلحة حفظ المال على مفسدة القرض الذي يجر نفعا.
والرابع: للحنابلة ,
في المذهب , هو عدم جواز ذلك إذا كان لحمل المال المقرض مؤونة. أما إذا لم يكن لحمله مؤونة كالنقود فيجوز , وحكاه ابن المنذر عن علي وابن عباس والحسن بن علي وابن الزبير وابن سيرين والثوري وأحمد وإسحاق
والخامس: ابن تيمية
وهو جواز ذلك مطلقا , لأنه ليس بزيادة في قدر ولا صفة , وفيه مصلحة لهما , فجاز كشرط الرهن.


مجموع فتاوى ابن تيمية (29 / 530)
إذا أقرضه دراهم ليستوفيها منه في بلد آخر , مثل أن يكون المقرض غرضه حمل الدراهم إلى بلد آخر , والمقترض له دراهم في ذلك البلد , وهو محتاج إلى دراهم في بلد المقترض , فيقترض منه , ويكتب له (سفتجة) أي ورقة إلى بلد المقرض , فهذا يصح في أحد قولي العلماء. وقيل: نهي عنه , لأنه قرض جر منفعة , والقرض إذا جر منفعة كان ربا. والصحيح الجواز , لأن المقرض رأى النفع بأمن خطر الطريق في نقل دراهمه إلى ذلك البلد , وقد انتفع المقترض أيضا بالوفاء في ذلك البلد وأمن خطر الطريق , فكلاهما منتفع بهذا الاقتراض , والشارع لا ينهى عما ينفعهم ويصلحهم , وإنما ينهى عما يضرهم.
المغني (6 / 436)
وإن شرط أن يعطيه إياه في بلد آخر , وكان لحمله مؤونة , لم يجز , لأنه زيادة وإن لم يكن لحمله مؤونة جاز. وحكاه ابن المنذر عن علي وابن عباس والحسن بن علي وابن الزبير وابن سيرين وعبد الرحمن بن الأسود وأيوب السختياني والثوري وأحمد وإسحاق وكرهه الحسن البصري وميمون بن أبي شبيب وعبدة بن أبي لبابة ومالك والأوزاعي والشافعي لأنه قد يكون في ذلك زيادة. وقد نص أحمد على أن من شرط أن يكتب له بها سفتجة لم يجز.
ومعناه اشتراط القضاء في بلد آخر. وروي عنه جوازها , لكونها مصلحة لهما جميعا.
وقال عطاء كان ابن الزبير يأخذ من قوم بمكة دراهم , ثم يكتب لهم بها إلى مصعب بن الزبير بالعراق فيأخذونها منه. فسئل عن ذلك ابن عباس فلم ير به بأسا. وروي عن علي أنه سئل عن مثل هذا , فلم ير به بأسا.
وممن لم ير به بأسا ابن سيرين والنخعي رواه كله سعيد. وذكر القاضي أن للموصي قرض مال اليتيم في بلد أخرى ليربح خطر الطريق. والصحيح جوازه , لأنه مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما , والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها , بل بمشروعيتها. ولأن هذا ليس بمنصوص على تحريمه ولا في معنى المنصوص , فوجب إبقاؤه على الإباحة.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 271)
لا يجوز أن يشترط القضاء ببلد آخر إذا كان القرض مما لحمله مؤونة. أما إذا لم يكن لحمله مؤونة فيصح الشرط. فلو أقرضه نقودا على أن يكتب له بها سفتجة أو يدفع مثلها نفقة لأهله في بلد آخر جاز , ولا يصح أن يأخذ عليها شيئا. (م743) .

مرشد الحيران (ص 213)
يجوز الاستقراض ووفاء القرض في بلد أخرى من غير اشتراط ذلك في العقد. (م803)
السفتجة بلا شرط المنفعة للمقرض جائزة , وإنما تكره تحريما إذا كانت المنفعة مشروطة أو متعارفة (م914) .

رد المحتار (4 / 296)
وفي الفتاوى الصغرى وغيرها: إن كان السفتج مشروطا في القرض فهو حرام , والقرض بهذا الشرط فاسد , وإلا جاز.

أسنى المطالب (2 / 142)
(ويبطل قرض) بشرط (جر منفعة) أي يجرها إلى المقرض (كشرط رد الصحيح عن المكسر أو رده ببلد آخر) .

الخرشي (5 / 231)
وكذلك يمتنع أن يسلف كعكا ببلد بشرط أن يأخذ بدله ببلد آخر. . وكذلك يمتنع أن يدفع الشخص لصاحبه عينا - أي ذاتا - عنده عظم حملها ويشترط أخذها في بلد آخر لأنه دفع عن نفسه غرر الطريق ومؤنة الحمل. وقولنا ذاتا ليشمل النقد وغيره كقمح وعسل ونحوهما (كسفتجة إلا أن يعم الخوف) أي إلا أن يغلب الخوف في جميع طرق المحل الذي يذهب إليه المقرض منها بالنسبة إليه , فيجوز لضرورة صيانة الأموال. وبعبارة: فيجوز تقديما لمصلحة حفظ المال على مضرة سلف جر نفعا , فإن غلب لا في جميع طرقه , أو غلب في جميعها لكن بالنسبة لغيره لا بالنسبة إليه فلا يجوز.

الكافي لابن عبد البر (ص 359)
ولا يجوز أن يقترض الرجل شيئا له حمل , ومؤنة في بلد على أن يعطيه ذلك في بلد آخر , فأما السفاتج بالدنانير والدراهم فقد كره مالك العمل بها ولم يحرمها. وأجاز ذلك طائفة من أصحابه وجماعة من أهل العلم سواهم , لأنه ليس لها حمل ولا مؤونة. وقد روي عن مالك أيضا أنه لا بأس بذلك. والأشهر عنه كراهيته لما استعمله الناس من أمر السفاتج , ولم يختلف قوله في كراهة استسلاف الطعام على أن يعطى ببلد آخر , وكذلك كل شيء له حمل ومؤنة. ولا بأس أن يشترط المستسلف ما ينتفع به من القضاء في موضع آخر ونحو ذلك. قال مالك فإن كان المقرض هو المشترط لما ينتفع به لم يجز ذلك ولا خير فيه.

مراجع إضافية
انظر البدائع (7 / 395) المحلى (8 / 77) فتح العزيز (9 / 385) تبيين الحقائق (4 / 175) منح الجليل (3 / 50) الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية (ص 131) كشاف القناع (3 / 304) البهجة (2 / 288)


اشتراط الوفاء بأنقص
إذا اشترط في عقد القرض أن يرد المقترض أنقص مما أخذ قدرا أو وصفا فالشرط لاغ والعقد صحيح.


إذا اشترط في عقد القرض أن يرد المقترض للمقرض أنقص مما أخذ منه قدرا أو وصفا فقد ذهب الشافعية في الأصح والحنابلة إلى أن الشرط فاسد والعقد صحيح.

أما صحة القرض , فلأن المنهي عنه جر المقرض النفع إلى نفسه , وههنا لا نفع له في الشرط , بل النفع للمقترض , فكأن المقرض زاد في المسامحة والإرفاق , ووعده وعدا حسنا.
وأما فساد الشرط , فلأنه ينافي مقتضى العقد , وهو رد المثل , فأشبه شرط الزيادة فيلغو الشرط وحده ولا يلزم.


مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 271 - 272)
لا يجوز اشتراط النقص أو الزيادة في الوفاء , سواء في القدر أو الصفة. مثلا: لو أقرضه دراهم رديئة وشرط أن يقضيه جيدة أو شرط أن يقضيه من نوع خير مما أخذ أو أن يزيده عما أخذ أو بالعكس , لم يصح. (م741)
القرض لا يفسد بالشروط الفاسدة , وإنما يلغو الشرط الفاسد. (م745)

المهذب (1 / 311)
فإن شرط أن يرد عليه دون ما أقرضه ففيه وجهان ,
أحدهما: لا يجوز , لأن مقتضى القرض رد المثل , فإذا شرط النقصان عما أقرضه فقد شرط ما ينافي مقتضاه , فلم يجز , كما لو شرط الزيادة.
والثاني: يجوز , لأن القرض جعل رفقا بالمستقرض , وشرط الزيادة يخرج به عن موضوعه , فلم يجز , وشرط النقصان لا يخرج به عن موضوعه , فجاز.
فتح العزيز (9 / 378)
لو أقرضه بشرط أن يرد عليه أردأ أو يرد المكسر عن الصحيح , لغا الشرط , وهل يفسد العقد , فيه وجهان
(أحدهما) : نعم , لأنه على خلاف مقتضى العقد , كشرط الزيادة.
(وأصحهما) : لا , لأن المنهي عنه جر المقرض النفع إلى نفسه , وههنا لا نفع له في الشرط , وإنما النفع للمستقرض , وكأنه زاد في المسامحة , ووعده وعدا حسنا. وإيراد بعضهم يشعر بالخلاف في صحة الشرط.
كشاف القناع (3 / 303)
(وان شرط) المقترض (الوفاء بأنقص مما اقترض) لم يجز , لإفضائه إلى فوات المماثلة.

شرح منتهى الإرادات (2 / 227)
و (لا) يجوز الإلزام بشرط (تأجيل) قرض أو (شرط نقص في وفاء) لأنه ينافي مقتضى العقد. ولا يفسد القرض بفساد الشرط.


اشتراط رد محل القرض بعينه
إذا اشترط في عقد القرض أن يرد المقترض المال المقترض بعينه , فالعقد صحيح , والشرط فاسد.


نص الحنابلة على أنه إذا شرط المقرض على المقترض رد محل القرض بعينه , فلا يصح هذا الشرط , لمنافاته لمقتضى العقد , وهو أن ينتفع المقترض باستهلاكه ويرد بدله , فاشتراط رده بعينه يمنع ذلك. غير أن فساد الشرط لا يفسد العقد , بل يبقى صحيحا.


مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 272)
لا يصح اشتراط المقرض رد مال القرض بعينه. (م746)
القرض لا يفسد بالشروط الفاسدة , وإنما يلغو الشرط الفاسد. (م745)

شرح منتهى الإرادات (2 / 225 - 227)
(وإن شرط) مقرض (رده بعينه لم يصح) الشرط , لأنه ينافي مقتضى العقد , وهو التصرف , ورده بعينه يمنع ذلك. ولا يفسد القرض بفساد الشرط.


اشتراط الأجل
اختلفت أنظار الفقهاء في حكم اشتراط الأجل في القرض , فذهب جماعة منهم إلى صحة ذلك ولزوم الشرط , وذهب غيرهم إلى أن العقد صحيح والشرط فاسد.


اختلف الفقهاء في صحة اشتراط الأجل في القرض على قولين:
القول الأول: للحنفية والشافعية والحنابلة ,
وهو أنه لا يلزم تأجيل القرض , وإن اشترط في العقد , وللمقرض أن يسترده قبل حلول الأجل , لأن الآجال في القروض باطلة.
قال الحنابلة لأنه عقد منع فيه التفاضل , فمنع فيه الأجل كالصرف , والحال لا يتأجل بالتأجيل. ولأنه وعد والوفاء بالوعد غير لازم.
واحتج الحنفية بأنه إعارة وصلة في الابتداء , حتى يصح بلفظ الإعارة , ولا يملكه من لا يملك التبرع , ومعاوضة في الانتهاء. فعلى اعتبار الابتداء لا يلزم التأجيل فيه , كما في الإعارة , إذ لا جبر في التبرع. وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح , لأنه يصير بيعا للدراهم بالدراهم نسيئة , وهو ربا.
ولكن هل يفسد عقد القرض بفساد هذا الشرط أم لا؟
قال الحنفية والحنابلة: القرض صحيح , والأجل باطل. ووافقهم الشافعية في الأصح إذا لم يكن للمقرض منفعة في التأجيل. أما إذا كان له فيه منفعة فقالوا: العقد فاسد والشرط فاسد.
والقول الثاني: للمالكية والظاهرية والليث بن سعد
وهو صحة التأجيل بالشرط. فإذا اشترط الأجل في القرض , فلا يلزم المقترض رد البدل قبل حلول الأجل المحدد.
وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم: المؤمنون على شروطهم أخرجه أبو داود 1 والترمذي 1
وقد رجح هذا القول ابن تيمية وابن القيم والشوكاني وغيرهم.


اشتراط الأجل تشكيل النص
السيل الجرار (3 / 144)
أقول: المستقرض إذا قبض المال على التأجيل فلا يجب عليه قضاؤه إلا عند انقضاء الأجل وتمامه , وتأجيل الدين قد ذكره الله في كتابه العزيز فقال: {آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} وليس فائدة الكتابة إلا حفظ قدر الدين وقدر أجل تسليمه. ومما يدل على لزوم التأجيل حديث المؤمنون على شروطهم وقد ورد في الكتاب العزيز في آيات كثيرة وجوب الوفاء بالعقود , وهي ما يحصل عليه التراضي. فليس لمن أقرض قرضا مؤجلا أن يطلب قضاءه قبل حلول أجله.

الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية (ص 132)
والدين الحال يتأجل بتأجيله , سواء كان الدين قرضا أو غيره. وهو قول مالك ووجه في مذهب أحمد ويتخرج رواية عن أحمد من إحدى الروايتين في تأجيل العارية , وفي إحدى الروايتين في صحة إلحاق الأجل والخيار بعد لزوم العقد.

إعلام الموقعين (3 / 375)
اختلف الناس في تأجيل القرض والعارية إذا أجلها , فقال الشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه وأبو حنيفة لا يتأجل شيء من ذلك بالتأجيل , وله المطالبة به متى شاء. وقال مالك يتأجل بالتأجيل فإن أطلق ولم يؤجل ضرب له أجل مثله. وهذا هو الصحيح لأدلة كثيرة مذكورة في موضعها.

مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 272)
لا يصح اشتراط الأجل في القرض , ويلغو التأجيل. (م739)
القرض لا يفسد بالشروط الفاسدة , وإنما يلغو الشرط الفاسد. (م745)

مرشد الحيران (ص 213)
لا يلزم تأجيل القرض , وإن اشترط ذلك في العقد , وللمقرض استرداده قبل حلول الأجل (م804)

المغني (6 / 431)
وإن أجل القرض لم يتأجل , وكان حالا. وكل دين حل أجله لم يصر مؤجلا بتأجيله. وبهذا قال الحارث العكلي والأوزاعي وابن المنذر والشافعي وقال مالك والليث يتأجل الجميع بالتأجيل , لقول النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمنون عند شروطهم. ولأن المتعاقدين يملكان التصرف في هذا العقد بالإقالة والإمضاء , فملكا الزيادة فيه , كخيار المجلس. وقال أبو حنيفة في القرض وبدل المتلف كقولنا , وفي ثمن المبيع والأجرة والصداق وبدل الخلع كقولهما , لأن الأجل يقتضي جزءا من العوض , والقرض لا يحتمل الزيادة والنقص في عوضه , وبدل المتلف الواجب فيه المثل من غير زيادة ولا نقص , فلذلك لم يتأجل , وبقية الأعواض يجوز الزيادة فيها , فجاز تأجيلها.
بدائع الصنائع (7 / 369)
والأجل لا يلزم في القرض , سواء كان مشروطا في العقد أو متأخرا عنه بخلاف سائر الديون.

روضة الطالبين (4 / 34)
ولا يجوز شرط الأجل فيه , ولا يلزم بحال. فلو شرط أجلا , نظر: إن لم يكن للمقرض غرض فيه , فهو كشرط رد المكسر عن الصحيح. وإن كان زمن نهب , والمستقرض ملئ , فهو كالتأجيل بلا غرض أم كشرط رد الصحيح عن المكسر؟ وجهان. أصحهما الثاني.

ميارة على التحفة (2 / 196)
إن القرض إذا كان لأجل محدود , لم يلزم المقترض رده قبل الأجل المعين. وإن أراد المقترض , وهو المديان , تعجيله قبل أجله , فذلك له , وليس للمقرض أن يمتنع من ذلك.

النتف في الفتاوى (1 / 493)
ولو أقرضه إلى أجل , فالقرض جائز , والأجل باطل. وله أن يأخذه متى شاء , وأنى شاء , لأن الآجال في القروض باطلة.

مراجع إضافية
انظر رد المحتار (4 / 170) شرح منتهى الإرادات (2 / 227) كشاف القناع (3 / 303) نهاية المحتاج (4 / 226) أسنى المطالب (2 / 142) فتح العزيز (9 / 357 / 379 / 380) المبدع (4 / 208) الفتاوى الهندية (3 / 202)


اشتراط الزيادة للمقرض
أجمع الفقهاء على أن القرض بشرط زيادة قدر أو صفة للمقرض حرام , وأن تلك الزيادة ربا.


أجمع الفقهاء على أن اشتراط الزيادة في بدل القرض للمقرض مفسد لعقد القرض , وأن هذه الزيادة ربا سواء:
كانت الزيادة في القدر , بأن يرد المقرض أكثر مما أخذ من جنسه أو بأن يزيده هدية من مال آخر.
أو كانت الزيادة في الصفة , بأن يرد المقترض أجود مما أخذ.
ودليلهم النهي عن كل قرض جر نفعا للمقرض , وبأن موضوع عقد القرض الإرفاق والقربة , فإن شرط المقرض فيه الزيادة لنفسه , خرج عن موضوعه , فمنع صحته , لأنه يكون بذلك قرضا للزيادة , لا للإرفاق والقربة.


المغني (6 / 436)
قال ابن المنذر أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك , أن أخذ الزيادة على ذلك ربا.
الكافي لابن عبد البر (ص 359)
وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلف فهي ربا , ولو كانت قبضة من علف , وذلك حرام إن كان بشرط.

مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 271)
لا يجوز اشتراط النقص أو الزيادة في الوفاء , سواء في القدر أو الصفة. مثلا لو أقرضه دراهم رديئة وشرط أن يقضيه جيدة أو شرط أن يقضيه من نوع خير مما أخذ , أو أن يزيده عما أخذ أو بالعكس , لم يصح. (م741)
لا يجوز اشتراط المقرض أي عمل يجر إليه نفعا , كأن يسكنه داره أو يعيره دابته , أو يعمل له كذا أو ينتفع برهنه. (م742)

روضة الطالبين (4 / 34)
يحرم كل قرض جر منفعة. . فإن شرط زيادة في القدر حرم إن كان المال ربويا , وكذا إن كان غير ربوي على الصحيح. وحكى الإمام أنه يصح الشرط الجار للمنفعة في غير الربوي. وهو شاذ غلط. فإن جرى القرض بشرط من هذه , فسد القرض على الصحيح , فلا يجوز التصرف فيه. وقيل: لا يفسد. لأنه عقد مسامحة.
كفاية الطالب الرباني وحاشية العدوي (2 / 149)
(ولا يجوز سلف يجر منفعة) لنهيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك , مثل أن يكون عنده حنطة رديئة يسلفها لمن يأخذ منه عوضها جيدا. قال العدوي أو يقرض منقوصا ليأخذ جيدا , وأحرى الدخول على أكثر كمية. وحكم القرض الممنوع أنه يرد إلا أن يفوت بما يفوت به البيع الفاسد , فلا يرد , ويلزم المقترض القيمة في المتقوم والمثل في المثلي.

المحلى (8 / 77)
ولا يحل أن يشترط رد أكثر مما أخذ ولا أقل , وهو ربا مفسوخ. ولا يحل اشتراط رد أفضل مما أخذ ولا أدنى , وهو ربا.

بدائع الصنائع (7 / 395)
وأما الذي يرجع إلى نفس القرض , فهو ألا يكون فيه جر منفعة , فإن كان لم يجز , نحو ما إذا أقرضه دراهم غلة على أن يرد عليه صحاحا , أو أقرضه وشرط شرطا له منفعة , لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قرض جر نفعا /50/48 ولأن الزيادة المشروطة تشبه الربا , لأنها فضل لا يقابله عوض , والتحرز عن حقيقة الربا وعن شبهة الربا واجب. هذا إذا كانت الزيادة مشروطة في القرض.

كشاف القناع (3 / 304)
(كشرط) المقرض (زيادة وهدية , وشرط ما يجر نفعا , نحو أن يسكنه المقترض داره مجانا أو رخيصا , أو يقضيه خيرا منه) فلا يجوز , لأن القرض عقد إرفاق وقربة , فإن شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه , ولا فرق بين الزيادة في القدر أو الصفة , /48 مثل أن يقرضه مكسرة فيعطيه صحاحا ونحوه.


اشتراط عقد آخر في القرض
ذهب جماهير الفقهاء إلى أنه لا يجوز أن يشترط في القرض أن يبيع المقرض للمقترض شيئا أو يشترى منه شيئا أو يؤجره أو يستأجر منه ونحو ذلك , لأن ذلك ذريعة إلى القرض الذي يجر نفعا للمقرض.

كما ذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز مسألة (أقرضني بشرط أن أقرضك) أي اشتراط قرض آخر من المقترض للمقرض في مقابل القرض الأول , وقالوا بفساد هذا الشرط مع بقاء العقد صحيحا.

أما اشتراط المقرض في عقد القرض بأن يقرض المقترض مالا آخر , فالقرض صحيح والشرط لاغ لأنه يعتبر وعدا غير ملزم به.


لقد ذكر الفقهاء صورا متعددة لاشتراط عقد آخر - كبيع وإجارة ومزارعة ومساقاة وقرض آخر - في عقد القرض , وفرقوا بينها في الحكم نظرا لتفاوت منافاتها لمقتضى عقد القرض , وتبرز صفوة مقولاتهم في الصور الثلاثة الآتية:

الصورة الأولى: اشتراط البيع ونحوه في القرض
إذا شرط في عقد القرض أن يبيعه المقرض شيئا أو يشتري منه أو يؤجره أو يستأجر منه ونحو ذلك , فقد نص المالكية والشافعية والحنابلة على عدم جواز هذا الاشتراط.
ودليلهم قوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل سلف وبيع. رواه أبو داود 1 والترمذي 1 والنسائي 1.
ووجهه: أن ذلك ذريعة إلى الربح في القرض بأخذ أكثر مما أعطى , والتوسل إلى ذلك بالبيع والإجارة ونحو ذلك من المعاوضات أو المشاركات.
الصورة الثانية: أقرضني أقرضك
إذا اشترط في عقد القرض قرض آخر من المقترض لمقرضه في مقابل القرض الأول , وذلك ما يسمى عند الفقهاء بمسألة (أسلفني أسلفك) فقد ذهب المالكية إلى كراهة القرض مع ذلك الشرط. وقال الحنابلة بعدم جوازه. وإذا وقع فالشرط فاسد والقرض صحيح.

الصورة الثالثة: اشتراط قرض آخر من المقرض للمقترض
إذا اشترط في عقد القرض أن يقرضه الدائن مالا آخر , بأن قال المقرض للمقترض: أقرضتك كذا بشرط أن أقرضك غيره كذا وكذا , فقد نص الشافعية على أن عقد القرض صحيح , والشرط لاغ في حق المقرض , فلا يلزمه ما شرط على نفسه. لأنه وعد غير ملزم , كما لو وهبه ثوبا بشرط أن يهبه غيره


المغني (6 / 437)
وإن شرط في القرض أن يؤجره داره أو يبيعه شيئا أو أن يقرضه المقترض مرة أخرى , لم يجز , لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وسلف.
ولأنه شرط عقدا في عقد , فلم يجز , كما لو باعه داره بشرط أن يبيعه الآخر داره.
وإن شرط أن يؤجره داره بأقل من أجرتها , أو على أن يستأجر دار المقرض بأكثر من أجرتها. . . كان أبلغ في التحريم.

مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 272)
لا يصح اشتراط عقد آخر في القرض. فمثلا: لو شرط فيه بيع أو إجارة أو مزارعة أو مساقاة أو قرض آخر لم يصح الشرط. (م744)
القرض لا يفسد بالشروط الفاسدة , وإنما يلغو الشرط الفاسد. (745)

إغاثة اللهفان (1 / 363)
وحرم الجمع بين السلف والبيع , لما فيه من الذريعة إلى الربح في السلف بأخذ أكثر مما أعطى , والتوسل إلى ذلك بالبيع أو الإجارة , كما هو الواقع.
تهذيب ابن القيم لمختصر سنن أبي داود (5 / 149)
وأما السلف والبيع , فلأنه إذا أقرضه مائة إلى سنة , باعه ما يساوى خمسين بمائة , فقد جعل هذا البيع ذريعة إلى الزيادة في القرض الذي موجبه رد , المثل , ولولا هذا البيع لما أقرضه , ولولا عقد القرض لما اشترى ذلك منه.

المنتقى للباجي (5 / 29)
ووجه ذلك من جهة المعنى: أن القرض ليس من عقود المعاوضة , وإنما هو من عقود البر والمكارمة , فلا يصح أن يكون له عوض. فإن قارن القرض عقد معاوضة , كان له حصة من العوض , فخرج عن مقتضاه , فبطل وبطل ما قارنه من عقود المعاوضة. ووجه آخر: وهو أنه إن كان القرض غير مؤقت , فهو غير لازم للمقرض , والبيع وما أشبهه من العقود اللازمة - كالإجارة والنكاح - لا يجوز أن يقارنها عقد غير لازم لتنافي حكميهما.

القوانين الفقهية (ص 293)
وإنما يجوز - أي القرض - بشرطين: أحدهما , ألا يجر نفعا. فإن كانت المنفعة للدافع منع اتفاقا للنهي عنه وخروجه عن باب المعروف. وإن كانت للقابض جاز. وإن كانت بينهما لم يجز لغير ضرورة. الشرط الثاني: ألا ينضم إلى السلف عقد آخر كالبيع وغيره.

كفاية الطالب الرباني وحاشية العدوي (2 / 149 - 150)
(ولا يجوز بيع وسلف , وكذلك ما قارن السلف من إجارة أو كراء) لأنهما بيع من البيوع. وكذلك لا يجوز ما قارن السلف من إجارة أو كراء بشرط السلف , لأنهما من ناحية البيع , فلا يجتمعان مع السلف كالبيع. . واعلم أنه لا خصوصية لهما بذلك , بل النكاح والشركة والقراض والمساقاة والصرف لا يجوز شرط السلف مع واحد منها. وملخصه: أن كل عقد معاوضة يمتنع جمعه مع السلف. وأما اجتماع السلف مع الصدقة أو الهبة: إن كان السلف من المتصدق أو الواهب فذلك جائز , وإن كان بالعكس فلا يجوز.

المهذب (1 / 311)
ولا يجوز قرض جر منفعة , مثل أن يقرضه ألفا على أن يبيعه داره.
والدليل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سلف وبيع
كشاف القناع (3 / 303 , 304)
(وإن شرط الوفاء بأنقص مما اقترض , أو شرط أحدهما على الآخر أن يبيعه أو يؤجره أو يقرضه , لم يجز) ذلك لأنه كبيعتين في بيعة المنهي عنه. أو (شرط المقرض على المقترض أن يبيعه شيئا يرخصه عليه) لم يجز , لأنه يجر به نفعا (أو) شرط المقرض على المقترض أن (يعمل له عملا , أو) أن ينتفع بالرهن , أو) أن يساقيه على نخل أو يزارعه على ضيعة , أو) يسكنه المقرض عقارا بزيادة على أجرته , أو (أن يبيعه شيئا بأكثر من قيمته , أو) أن (يستعمله في صنعة , ويعطيه أنقص من أجرة مثله , ونحوه) من كل ما فيه جر منفعة , فلا يجوز لما تقدم.

أقرضني أقرضك
بداية المجتهد (2 / 294)
(كتاب الصلح) : مثل أن يدعي كل واحد منهما على صاحبه دنانير أو دراهم , فينكر كل واحد منهما صاحبه , ثم يصطلحان على أن يؤخر كل واحد منهما صاحبه فيما يدعيه قبله إلى أجل , فهذا عندهم مكروه.
أما كراهيته , فمخافة أن يكون كل واحد منهما صادقا , فيكون كل واحد منهما قد أنظر صاحبه لإنظار الآخر إياه , فيدخله (أسلفني وأسلفك) .
اشتراط قرض آخر من المقرض للمقترض
روضة الطالبين (4 / 35)
ولو شرط أن يقرضه مالا آخر , صح على الصحيح , ولم يلزمه ما شرط , بل هو وعد , كما لو وهبه ثوبا بشرط أن يهبه غيره.

فتح العزيز (9 / 382)
لو أقرضه بشرط أن يقرضه مالا آخر , صح , ولم يلزمه ما شرط.


اشتراط الجعل على الاقتراض بالجاه
اختلف الفقهاء فيمن استقرض لغيره بجاهه , هل يجوز له اشتراط جعل بدلا لجاهه؟
فمنع ذلك بعض الفقهاء , وأباحه بعضهم , وفصل آخرون بين ما إذا كان باذل الجاه محتاجا إلى نفقة وعناء , فأجازوا له أخذ أجر المثل , وبين ما إذا لم يكن محتاجا لذلك , فحرموا عليه ذلك.


اختلف الفقهاء فيمن استقرض لغيره بجاهه , هل يجوز له أن يشترط عليه جعلا ثمنا لجاهه , أم لا؟

قال الحنابلة: له أخذ جعل منه مقابل اقتراضه له بجاهه. فلو قال: اقترض لي من فلان مائة ولك عشرة جاز , لأنها جعالة على فعل مباح , كما لو قال: ابن لي هذا الحائط ولك عشرة.
وفي مذهب المالكية اختلف في ثمن الجاه , بين قائل بالتحريم مطلقا , وبين قائل بالكراهة بإطلاق , وبين مفصل بين أن يكون ذو الجاه محتاجا إلى نفقه وتعب وسفر , فأخذ مثل نفقة مثله فذلك جائز , وإلا حرم. والتفصيل الأخير هو الراجح عندهم.


حاشية البناني على الزرقاني (5 / 227)
اختلف علماؤنا في حكم ثمن الجاه , فمن قائل بالتحريم بإطلاق , ومن قائل بالكراهة بإطلاق , ومن مفصل فيه , وأنه إن كان ذو الجاه يحتاج إلى نفقة وتعب وسفر , فأخذ مثل أجر نفقة مثله , فذلك جائز وإلا حرم.
قال أبو علي وهذا التفصيل هو الحق.

مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد
يجوز أن يقترض الإنسان بجاهه لآخر , كما يجوز أن يأخذ عليه جعلا من المقترض له. (م730)

كشاف القناع (3 / 306)
(ولو جعل) إنسان (له) أي لآخر (جعلا على اقتراضه له بجاهه جاز) لأنه في مقابلة ما يبذله من جاهه فقط (لا إن جعل له جعلا على ضمانه له) فلا يجوز.

مراجع إضافية
انظر المغني (6 / 441 - 4 / 212) البهجة شرح التحفة (2 / 288) شرح منتهى الإرادات (2 / 225) .


انتقال ملكية المال المقرض
اختلفت اجتهادات الفقهاء متى تنتقل ملكية المال المقرض من المقرض إلى المستقرض؟ فذهب المالكية إلى أنها تنتقل إليه بمجرد العقد , وذهب الحنابلة والحنفية والشافعية إلى أنها تنتقل إليه بالقبض , وذهب الشافعية في غير الأصح إلى أنها لا تنتقل إلا بالاستهلاك.


اختلف الفقهاء في ترتب حكم القرض , وهو نقل ملكية محله (المال المقرض) من المقرض إلى المقترض , هل يتم بالعقد , أم يتوقف على القبض , أم لا يتحقق إلا بتصرف المقترض فيه أو استهلاكه. . على أربعة أقوال:
أحدها: للمالكية وهو أن المقترض يملك القرض ملكا تاما بالعقد , وإن لم يقبضه , ويصير مالا من أمواله , ويقضي له به. ورجحه الإمام الشوكاني وحجته أن التراضي هو المناط في نقل ملكية الأموال من بعض العباد إلى بعض.
والثاني: للشافعية في القول المقابل للأصح , وهو أن المقترض إنما يملك المال المقرض بالتصرف المزيل للملك. فإذا تصرف فيه تبين ثبوت ملكه قبله. وحجتهم: أن القرض ليس بتبرع محض , إذ يجب فيه البدل , وليس على حقائق المعاوضات , فوجب أن يكون تملكه بعد استقرار بدله بالتصرف المزيل للملك كالبيع والهبة والإعتاق والإتلاف ونحو ذلك.
والثالث: لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة وهو أن القرض لا يملك بالقبض ما لم يستهلك. وحجته أن الإقراض إعارة , فتبقى العين فيه - كالعارية - على حكم ملك المقرض قبل أن يستهلكها المقترض.
والرابع: للحنابلة والحنفية في المعتمد والشافعية في الأصح وهو أن المقترض إنما يملك المال المقرض بالقبض. واستدلوا على ذلك:
أ - بأن مأخذ الاسم دليل عليه , لأن القرض في اللغة القطع , فدل على انقطاع ملك المقرض بنفس التسليم.
ب - وبأن المقترض بنفس القبض صار بسبيل من التصرف في القرض من غير إذن المقرض بيعا وهبة وصدقة وسائر التصرفات , وإذا تصرف فيه نفذ تصرفه دون توقف على إجازة المقرض , وتلك أمارات الملك , إذ لو لم يملكه لما جاز له التصرف فيه.
ج - وبأن القرض عقد اجتمع فيه جانب المعاوضة وجانب التبرع , غير أن جانب التبرع فيه أرجح , لأن غايته وثمرته إنما هي بذل منافع المال المقرض للمستقرض مجانا , ألا ترى أنه لا يقابله عوض في الحال , ولا يملكه من لا يملك التبرع , ولهذا كان حكمه كباقي التبرعات من هبات وصدقات , والملكية فيها تنتقل بالقبض , لا بمجرد العقد , ولا بالتصرف , ولا بالاستهلاك.


حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2 / 150)
ويملك المقترض الشيء المقرض بالقول.

السيل الجرار للشوكاني (3 / 144)
أقول: يملكه - أي المقترض - بقبضه ملكا مستقرأ , ويملكه أيضا قبل قبضه إذا وقع التراضي على ذلك , فإن التراضي هو المناط في نقل الأموال من بعض العباد إلى بعض.

فتح العزيز (9 / 390) وما بعدها
لا شك أن المستقرض يتملك ما استقرضه , ولكن فيما يملك , به قولان متفرعان من كلام الشافعي أصحهما: أنه يملك بالقبض. لأنه إذا قبضه ملك التصرف فيه من جميع الوجوه , ولو لم يملكه لما ملك التصرف فيه ولأن الملك في الهبة يحصل بالقبض , ففي القرض أولى , لأن للعوض مدخلا فيه.
والثاني: أنه يملك بالتصرف. لأنه ليس بتبرع محض , إذ يجب فيه البدل , وليس على حقائق المعاوضات كما سبق , فوجب أن يكون تملكه بعد استقرار بدله.
المهذب (1 / 310)
وفي الوقت الذي يملك فيه وجهان (أحدهما) أنه يملكه بالقبض , لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض , فوقف الملك فيه على القبض كالهبة.
(والثاني) أنه لا يملكه إلا بالتصرف بالبيع والهبة والإتلاف. لأنه لو ملك قبل التصرف لما جاز للمقرض أن يرجع فيه بغير رضاه.
والملك في القرض غير تام لأنه يجوز لكل واحد منهما أن ينفرد بالفسخ.
المبدع (4 / 206)
(ويثبت الملك فيه بالقبض) لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض , فوقف الملك عليه.
مرشد الحيران (ص 212)
إنما تخرج العين المقترضة عن ملك المقرض وتدخل في ملك المستقرض إذا قبضها , فيثبت في ذمة المستقرض مثلها لا عينها ولو كانت قائمة. فإذا هلكت العين بعد العقد وقبل القبض فلا ضمان على المستقرض.

بدائع الصنائع (7 / 396)
وروي عن أبي يوسف في النوادر: لا يملك القرض بالقبض ما لم يستهلك. . . وجه رواية أبي يوسف أن الإقراض إعارة , بدليل أنه لا يلزم فيه الأجل , ولو كان معاوضة للزم , كما في سائر المعاوضات , وكذا لا يملكه الأب والوصي والعبد المأذون والمكاتب , وهؤلاء يملكون المعاوضات. وكذا إقراض الدراهم والدنانير لا يبطل بالافتراق قبل قبض البدلين , ولو كان مبادلة لبطل , لأنه صرف , والصرف يبطل بالافتراق قبل قبض البدلين. وكذا إقراض المكيل لا يبطل بالافتراق , ولو كان مبادلة لبطل , لأن بيع المكيل بمكيل مثله في الذمة لا يجوز , فثبت بهذه الدلائل أن الإقراض إعارة , فتبقى العين على حكم ملك المقرض.
الدر المختار مع رد المحتار (4 / 173)
(ويملك) المستقرض (القرض بنفس القبض عندهما) أي الإمام ومحمد خلافا للثاني , فله رد المثل ولو قائما خلافا له.

شرح منتهى الإرادات (2 / 225)
(ويتم) القرض بقبول) كبيع , ويملك) ما اقترض بقبض (ويلزم) عقده بقبض) لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض , فوقف الملك عليه.
الخرشي (5 / 232)
أن القرض يملكه المقترض بمجرد عقد القرض , وإن لم يقبضه , ويصير مالا من أمواله ويقضى له به.


مصاريف الإقراض
المصاريف والنفقات الفعلية المترتبة على الاقتراض , قبضا وردا للبدل , وتوثيقا للدين , وإجراء وتنفيذا للعقد منذ بدايته إلى نهايته يقع عبؤها على المقترض دون المقرض.


إذا ترتب على الإقراض نفقات ومصاريف , مثل أجور التوفية بالوحدات القياسية العرفية (الكيل والوزن والذرع والعد. . الخ) عند التسليم والوفاء , ونفقات الاتصالات أو كتابة السندات والصكوك أو غير ذلك مما يحتاج إليه لإجراء هذا العقد أو تنفيذه أو توثيقه , فإن المقترض وحده هو الذي يتحملها (كما يتحمل المستعير مؤونة ومصارف تسلم العارية وردها) حيث إن القرض عارية لمنافع المال المقرض.
وأساس المسألة أن المقترض إنما قبض المال لمنفعة نفسه دون منفعة المقرض , والرد واجب عليه , والقاعدة الشرعية في ذلك (أن مؤونة قبض ورد كل عين تلزم من تعود إليه منفعة قبضها) , والمنفعة ههنا عائدة على المقترض وحده , فلزمته النفقات والمصاريف المترتبة على هذا العقد. وأيضا فلأن المقرض متبرع بمنافع ماله , وفاعل معروف , فلا يكلف فوق إحسانه شيئا , إذ ما على المحسنين من سبيل.


الزرقاني على خليل (5 / 158)
(والأجرة عليه بخلاف الإقالة والتولية والشركة على الأرجح فكالقرض) الأجرة للكيل والوزن والعد الذي يحصل به التوفية للمشترى على البائع , لأن التوفية واجبة عليه , ولا تحصل إلا بذلك. وأجرة الثمن إن كان مكيلا أو موزونا أو معدودا على المشتري , لأنه بائعه , إلا لعرف أو شرط. بخلاف الإقالة والتولية والشركة بعد القبض إذا أقال المشتري أو ولى غيره ما اشتراه أو أشركه فلا أجرة عليه , لأنه فعل معروفا , وإنما هي على المقال والمولى والمشرك. ولو كان السائل المقيل أو المولي أو المشرك , فلا أجرة على مجيبه. . ولما كان القرض أصلا لهذه الثلاثة في أن الأجرة على المقترض , وهي مقيسة عليه بجامع المعروف قال (فكالقرض) . . . فكأنه قال: لأنها كالقرض. فمن اقترض أردب قمح مثلا , فأجرة كيله على المقترض , وإذا رده فأجرة كيله عليه بلا نزاع.
شرح منتهى الإرادات (2 / 398)
(وعليه) أي المستعير (مؤنة ردها) أي العارية , لحديث العارية مؤداة وحديث على اليد ما أخذت حتى تؤديه و (كمغصوب) بجامع أنه قبضها لا لمصلحة مالكها.

مجلة الأحكام العدلية (ص 159)
مصاريف رد العارية ومؤنة نقلها على المستعير. (م830)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام (2 / 333)
تعود مؤونة رد كل عين على من تعود إليه منفعة قبضها , لقاعدة (الغرم بالغنم) .
إذا أراد المستعير رد العارية التي في يده فمصاريف ردها ومؤنة نقلها عليه , لأن المنفعة التي تحصل من العارية تعود عليه , وقد قبض المستعير العارية لمنفعته.
مرشد الحيران (ص 210)
مؤونة العين المستعارة ومصاريف حفظها وردها تكون على المستعير. (م793)


صفة بدل القرض من حيث المثلية والقيمية والعينية
لقد تباينت أنظار الفقهاء فيما يلزم المقترض أداؤه ,
فذهب الحنفية وابن حزم إلى أنه يلزمه رد مثل ما استقرض لا عينه , ولو كانت قائمة.
وذهب الشافعية في الأصح والمالكية إلى أن المقترض في قرض المثليات مخير بين رد مثله أو عينه ما دامت على حالها لم تتغير , وفي القيميات هو مخير بين رد مثله صورة أو عينه ما لم تتغير.

وقال الحنابلة: إذا أقرضه مكيلا أو موزونا , فهو مخير بين رد المثل أو العين إذا لم تتغير. وإذا أقرضه قيميا لا ينضبط بالصفة كالجواهر ونحوها , فيلزم المقترض قيمته يوم القبض , وفيما سوى ذلك يلزمه في الراجح رد قيمته يوم القبض.


لقد اختلف الفقهاء في بدل القرض الذي يلزم المقترض أداؤه من حيث المثلية والقيمية والعينية على ثلاثة أقوال:

أحدها: للحنفية , وهو أن المقترض بمجرد تملكه للعين المقترضة , فإنه يثبت في ذمته مثلها لا عينها , ولو كانت قائمة. وأنه لو استقرض شيئا من المكيلات أو الموزونات أو المسكوكات من الذهب أو الفضة , فرخصت أسعارها أو غلت فعليه مثلها , ولا عبرة برخصها وغلائها. وأنه إذا تعذر على المقترض رد مثل ما اقترضه , بأن استهلكها ثم انقطعت عن أيدي الناس , فيجبر المقرض على الانتظار إلى أن يوجد مثلها ولا يصار إلى القيمة إلا إذا تراضيا عليها.
ومبنى قولهم بوجوب المثل مطلقا دون القيمة هو عدم صحة القرض عندهم إلا في المثليات.
والثاني: للشافعية في الأصح والمالكية , وهو أن المقترض مخير في أن يرد مثل الذي اقترضه إذا كان مثليا , لأنه أقرب إلى حقه , وبين أن يرده بعينه إذا لم يتغير بزيادة أو نقصان.
أما إذا كان قيميا , فله أن يرده بعينه ما دامت على حالها لم تتغير , أو بمثله صورة , لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه استسلف بكرا ورد رباعيا وقال إن خياركم أحسنكم قضاء. رواه مسلم 1
والثالث: للحنابلة , حيث فرقوا بين ما إذا كان محل القرض مثليا , مكيلا أو موزونا , وبين ما إذا كان قيميا لا ينضبط بالصفة كالجواهر ونحوها , وبين ما إذا كان سوى ذلك.
فإن كان مثليا من المكيلات أو الموزونات , فيلزم المقترض مثله. ولو أراد رده بعينه , فيجبر المقرض على قبوله ما لم تتغير عينه بعيب أو نقصان أو نحو ذلك , سواء تغير سعره أو لا , لأنه رده على صفة حقه.
وإن كان قيميا لا ينضبط بالصفة , كالجواهر ونحوها مما تختلف قيمته كثيرا , فيلزم المقترض قيمته يوم القبض , لأنه وقت الثبوت في الذمة. ولو أراد المقترض رده بعينه , فلا يلزم المقرض قبوله - ولو كان باقيا على حاله لم يتغير - لأن الذي وجب له بالقرض قيمته , فلا يلزمه الاعتياض عنها.
وان كان محل القرض غير ذلك , ومثلوا له بالمذروع والمعدود , فيلزم المقترض - في الراجح - رد قيمته , لأن ما أوجب المثل في المثليات أوجب القيمة فيما لا مثل له , كالإتلاف. والمذروع والمعدود عندهم من القيميات. وتعتبر القيمة يوم القرض , لأنه وقت الثبوت في الذمة في هذه الحالة. وفي المرجوح: يجب رد مثله صورة , لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استقرض بكرا , ورد مثله صورة.


الفتاوى الهندية (3 / 207)
ولو أراد المقرض أن يأخذ كره بعينه من المستقرض , ليس له ذلك , وللمستقرض أن يعطيه غيره. كذا في خزانة الأكمل.

مرشد الحيران (ص 112 , 213 , 214)
إنما تخرج العين المقترضة عن ملك المقرض وتدخل في ملك المستقرض إذا قبضها , فيثبت في ذمة المستقرض مثلها لا عينها ولو كانت قائمة. (م797)
يجب على المستقرض رد مثل الأعيان المقترضة قدرا وصفة. (م802)
إذا استقرض شيئا من المكيلات أو الموزونات أو المسكوكات من الذهب والفضة , فرخصت أسعارها أو غلت , فعليه رد مثلها , ولا عبرة برخصها وغلوها. (م805)
إذا لم يكن في وسع المستقرض رد مثل الأعيان المقترضة , بأن استهلكها , ثم انقطعت عن أيدي الناس , يجبر المقترض على الانتظار إلى أن يوجد مثلها , إلا إذا تراضيا على القيمة. (م806)

المحلى (8 / 80)
فإن طالبه صاحب الدين بدينه , والشيء المستقرض حاضر عند المستقرض , لم يجز أن يجبر المستقرض على أن يرد الذي أخذ بعينه ولا بد , ولكن يجبر على رد مثله.
ولا يجوز أن يجبر على إخراج شيء بعينه من ماله إذ لم يوجب عليه قرآن ولا سنة , فإن لم يوجد له غيره قضي عليه حينئذ برده , لأنه مأمور بتعجيل إنصاف غريمه , فتأخيره بذلك وهو قادر على الإنصاف ظلم , وقد قال عليه الصلاة والسلام مطل الغنى ظلم وهذا غني , فمطله ظلم.
القوانين الفقهية (ص 293)
وهو أي المقترض - مخير بين أن يؤدي مثل ما أخذ أو يرده بعينه ما دام على صفته , وسواء كان من ذوات الأمثال , وهو المعدود والمكيل والموزون , أو من ذوات القيم كالعروض والحيوان.

الخرشي وحاشية العدوي (5 / 232)
(ويجوز للمقترض أن يرد مثل الذي اقترضه , وله أن يرد عين الذي اقترضه إن كان غير مثلي) وأما المثلي فلا يتوهم , لأن المثلي لا يراد لعينه , فلا فرق بين أن يكون هو أو غيره (وهذا ما لم يتغير بزيادة أو نقصان) .

أسنى المطلب (2 / 143)
وللمقترض رد ما اقترضه , وعلى المقرض قبوله , إلا إذا نقص , فله قبوله مع الأرش أو مثله سليما. (فرع: له رد مثل ما اقترض) حقيقة في المثلي (ولو في نقد بطل) التعامل به (وصورة في المتقوم) لأنه صلى الله عليه وسلم اقترض بكرا ورد رباعيا.
تحفة المحتاج (5 / 44)
ومن لازم اعتبار المثل الصوري اعتبار ما فيه من المعاني التي تزيد بها القيمة , فيرد ما يجمع تلك الصفات كلها , حتى لا يفوت عليه شيء.

المهذب (1 / 311)
ويجب على المستقرض رد المثل فيما له مثل لأن مقتضى القرض رد المثل , ولهذا يقال: الدنيا قروض ومكافأة , فوجب أن يرد المثل. وفيما لا مثل له وجهان:
(أحدهما) يجب عليه القيمة , لأن ما ضمن بالمثل إذا كان له مثل ضمن بالقيمة إذا لم يكن له مثل , كالمتلفات.
(والثاني) يجب عليه مثله في الخلقة والصورة , لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقضي الرباعي بالبكر , ولأن ما ثبت في الذمة بعقد السلم ثبت بعقد القرض قياسا على ما له مثل. ويخالف المتلفات , فإن المتلف متعد فلم يقبل منه إلا القيمة , لأنها أحصر , وهذا عقد أجيز للحاجة فقبل فيه مثل ما قبض , كما قبل في السلم مثل ما وصف.

شرح منتهى الإرادات (2 / 226)
(ويجب) على مقرض (قبول) قرض (مثلي رد) بعينه وفاء , ولو تغير سعره لرده على صفه ما عليه , فلزمه قبوله كالسلم , بخلاف متقوم رد , وإن لم يتغير سعره فلا يلزمه قبوله , لأن الواجب له قيمته (ما لم يتعيب) مثلي رد بعينه , كحنطة ابتلت , فلا يلزمه قبوله لما فيه من الضرر , لأنه دون حقه.
(و) يجب رد (مثل مكيل أو موزون) لا صناعة فيه مباحة , يصح السلم فيه , لأنه يضمن في الغصب والإتلاف بمثله , فكذا هنا , مع أن المثل أقرب شبها به من القيمة (فإن أعوز المثل ف) عليه (قيمته يوم إعوازه) لأنه يوم ثبوتها في الذمة. (و) يجب رد (قيمة غيرهما) أي المكيل والموزون المذكور , لأنه لا مثل له , فضمن بقيمته , كما في الإتلاف والغصب (فجوهر ونحوه) مما تختلف قيمته كثيرا , تعتبر قيمته (يوم قبض) لاختلاف قيمته في الزمن اليسير بكثرة الراغب وقلته , فتزيد زيادة كثيرة , فيتضرر المقترض , أو تنقص فيتضرر المقرض (وغيره) أي الجوهر ونحوه كمذروع ومعدود تعتبر قيمته (يوم قرض) لأنها تثبت في ذمته.

مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 273)
لا يلزم المقترض رد عين مال القرض ولو كان باقيا , لكن لو رد المثلي بعينه من غير أن يتعيب , لزم المقرض قبوله ولو تغير السعر , أما المتقوم إذا رده بعينه , لا يلزمه قبوله ولو لم يتغير سعره. (م748)
المكيلات والموزونات يجب رد مثلها , فإن أعوز لزم رد قيمته يوم الإعواز , وكذلك الفلوس والأوراق النقدية , أما غير ذلك فيجب فيه رد القيمة , فالجوهر ونحوه مما تختلف قيمته كثيرا تلزم قيمته يوم القبض. (م749)


صفة بدل القرض من حيث الزيادة والنقصان
الأصل في أداء القرض أن يكون ببدل مماثل في القدر والصفة للمال المقرض , ولكن لو قضى المقترض دائنه ببدل أكثر مما أخذ أو أقل في القدر برضاهما , أو ببدل أجود مما أخذ أو أدنى منه صفة برضاهما , جاز ذلك طالما أنه وقع من غير شرط ولا مواطأة في قول جمهور الفقهاء.


لا خلاف بين الفقهاء في وجوب رد مثل الأعيان المقترضة قدرا ,
لكن لو قضى المقترض دائنه ببدل زائد على ما أخذ أو ناقص عنه في القدر برضاهما , فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة وابن حبيب من المالكية إلى جواز ذلك , طالما أنه وقع من غير شرط ولا مواطأة , وأن الزيادة في القدر من حسن القضاء , وقبول الأدنى قدرا من حسن الاقتضاء.
وذهب مالك إلى كراهة الزيادة في الكم والعدد إلا في اليسير جدا , وهذا إذا كان من غير شرط حين القرض.
وروي عن أحمد المنع من الزيادة والفضل في القرض مطلقا , وعن أبي بن كعب وابن عباس وابن عمر أن المقترض يأخذ مثل قرضه , ولا يأخذ فضلا لئلا يكون قرضا جر نفعا.
واتفق الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وغيرهم على أنه يجب على المستقرض رد مثل الأعيان المقترضة صفة , وأنه لو قضى دائنه ببدل خير منه في الصفة أو دونه برضاهما صح , طالما أن ذلك جرى من غير شرط ولا مواطأة
وذلك لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استسلف بكرا فرد رباعيا خيرا منه صفة وقال إن خياركم أحسنكم قضاء رواه مسلم. بل إنه يستحب في حق المقترض أن يرد أجود مما أخذ بغير شرط , وأنه لا يكره للمقرض أخذه , كما أن المقرض الذي يقبل أدنى مما أعطى مأجور على ذلك , وهو من السماحة في الاقتضاء.


مرشد الحيران (213)
يجب على المستقرض رد مثل الأعيان المقترضة قدرا وصفة.

مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 274)
يجوز أن يقضي المقترض خيرا مما أخذ أو دونه برضاهما , ولو بزيادة أو نقص في القدر أو الصفة من غير شرط ولا مواطأة. (م753)

المحلى (8 / 47)
فإن تطوع عند قضاء ما عليه بأن يعطي أكثر مما أخذ , أو أقل مما أخذ , أو أدنى مما أخذ , فكل ذلك حسن مستحب , ومعطي أكثر مما أقترض , وأجود مما اقترض مأجور , والذي يقبل أدنى مما أعطى أو أقل مما أعطى مأجور , وسواء كان ذلك عادة أو لم يكن , ما لم يكن عن شرط.

تحفة المحتاج (5 / 47)
(ولو رد هكذا) أي زائدا قدرا أو صفة (بلا شرط فحسن) ومن ثم ندب ذلك ولم يكره للمقرض الأخذ.

بدائع الصنائع (7 / 395)
فأما إذا كانت - الزيادة - غير مشروطة , ولكن المستقرض أعطاه أجودهما , فلا بأس بذلك , لأن الربا اسم لزيادة مشروطة في العقد , ولم توجد , بل من باب حسن القضاء , وانه أمر مندوب إليه. قال النبي عليه الصلاة والسلام: خيار الناس أحسنهم قضاء. وقال النبي عليه الصلاة والسلام عند قضاء دين لزمه للوازن: زن وأرجح.
الكافي لابن عبد البر (ص 358)
ولو أسلف ذهبا أو ورقا , فقضاه أجود أو أزيد من غير شرط كان بينهما جاز ذلك وكره مالك وأكثر أهل العلم أن يزيده في العدد , وقالوا: إنما الإحسان في القضاء أن يعطيه أجود عينا وأرفع صفة , وأما أن يزيد في الكيل أو الوزن أو العدد فلا , وهذا كله إذا كان من غير شرط حين السلف , ولا يجوز شيء من ذلك إذا كان على شرط , وكذلك الطعام والعروض كلها إذا قضاه أرفع من صفته فهو شكر من المستقرض وحسن قضاء , وإن قضاه دون صفته أو دون كيله أو وزنه فهو تجاوز من المقرض وتمام إحسان.

روضة الطالبين (4 / 34 , 37)
ولو أقرضه بلا شرط , فرد أجود أو أكثر أو ببلد آخر , جاز. ولا فرق بين الربوي وغيره , ولا بين الرجل المشهور برد الزيادة أو غيره على الصحيح. قلت: قال في (التتمة) لو قصد إقراض المشهور بالزيادة للزيادة , ففي كراهته وجهان
قال المحاملي وغيره من أصحابنا: يستحب للمقترض أن يرد أجود مما أخذ للحديث الصحيح في ذلك , ولا يكره للمقرض أخذ ذلك.

الفتاوى الهندية (3 / 202 , 204)
فإن لم تكن المنفعة مشروطة في العقد , فأعطاه المستقرض أجود مما عليه , فلا بأس به. المديون إذا قضى الدين أجود مما عليه , لا يجبر رب الدين على القبول , كما لو دفع إليه أنقص مما عليه , وإن قبل جاز , كما لو أعطاه خلاف الجنس , وهو الصحيح.

المغني (6 / 438)
فإن أقرضه مطلقا من غير شرط , فقضاه خيرا منه في القدر أو الصفة أو دونه برضاهما جاز.
ورخص في ذلك ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن والنخعي والشعبي والزهري ومكحول وقتادة ومالك والشافعي وإسحاق
وقال أبو الخطاب إن قضاه خيرا منه , أو زاده زيادة بعد الوفاء من غير مواطأة فعلى روايتين.
وروي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن عمر أنه يأخذ مثل قرضه , ولا يأخذ فضلا , لأنه إذا أخذ فضلا كان قرضا جر منفعة.


مكان رد بدل القرض
الأصل وجوب رد بدل القرض في البلد الذي وقع فيه , ولكن لو بذله المقترض في مكان آخر أو طالبه المقرض به في بلدة أخرى , ففي المثليات يلزم الطرف الآخر الاستجابة له بقبول المثل أو دفعه فيه إذا لم يكن مما لحمله مؤونة , فإن كان فيه ذلك , فلا تلزمه الاستجابة.

وفي القيميات يلزم المقترض أداء القيمة له بسعر بلد القرض إذا طالبه المقرض ببدله في غيرها , ويلزم المقرض قبولها كذلك إذا بذلها له المقترض بذلك السعر في البلد الآخر.


لا خلاف بين الفقهاء في أن الأصل في القرض وجوب رد بدله في نفس البلد التي وقع فيها , وأن للمقرض المطالبة به فيها , ويلزم المقترض الوفاء به حيث قبضه , إذ هو المكان الذي يلزم التسليم فيه.
ووجهة: أن المقرض محسن , وما على المحسنين من سبيل , فلو كان عليه أن يتجشم مشقة لرد قرضه , لكان ذلك منافيا لإحسانه.
لكن لو بذله المقترض في مكان آخر , أو طالبه المقرض به في بلدة أخرى , فقد ذهب الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة إلى التفريق فيما يلزم أداء المثل فيه بين ما لحمله مؤونة , كالمكيلات الموزونات ونحوها , وبين ما ليس لحمله مؤونة كالدراهم والدنانير , وقالوا:
لا يجبر المقرض على قبوله في غير مكان الإقراض إن كان مما لحمله مؤونة ولا يلزم المقترض دفعه في غيره إذا طالبه المقرض بأداء المثل فيه , لما في ذلك من زيادة الكلفة أو لحوق الضرر بالمطالب بالقبول أو الدفع في غير مكان القرض.
أما ما ليس لحمله مؤونة , فيلزم المقرض قبوله إذا بذله المقترض له في غير مكان الإقراض , كما يلزم المقترض أداء مثل دينه إذا طالبه به المقرض في البلد الآخر , إذ لا ضرر عليهما في ذلك ولا كلفة ولا مشقة.
وقال الحنابلة: أما إذا كانت العين المقترضة من القيميات , فيلزم المقترض أداء قيمتها في بلد القرض مطلقا , فإن طالبه المقرض في البلد الآخر بقيمتها في بلد القرض , لزمه أداؤها , لأنه أمكنه أداء الواجب بلا ضرر عليه فيه. أما إذا طالبه بقيمتها في بلد المطالبة , وكانت أكثر , لم تلزمه , لأنه لا يلزمه حملها إليها.


الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية (ص 132)
ويجب على المقترض أن يوفي المقرض في بلد القرض , ولا يكلفه مؤونة السفر والحمل.

مرشد الحيران (ص 213)
يجوز الاستقراض ووفاء القرض في بلد أخرى من غير اشتراط في العقد (م803)

الكافي لابن عبد البر (ص 358)
ومن استقرض قرضا مما له مؤونة وحمل , ولم يكن عينا , ولم يشترط للقضاء موضعا فإنه يلزمه القضاء في الموضع الذي اقترض فيه. ولو لقيه في غير البلد الذي أقرضه فيه , فطالبه بالقضاء فيه , لم يلزمه ذلك , ولزم أن يوكل من يقبضه منه في ذلك البلد الذي اقترض فيه. ولو اصطلحا على القضاء في البلد الآخر , كان ذلك جائزا إذا كان بعد حلول الأجل , إن كان قبل حلول الأجل , لم يجز.

التاج والإكليل (4 / 548)
وفي نوازل البرزلي في رجل تسلف فلوسا أو دراهم بالبلاد المشرقية , ثم جاء مع المقرض إلى بلاد المغرب فوقع الحكم بأن يغرم له قيمتها في بلدها يوم الحكم.

النتف في الفتاوى (1 / 493)
واسترداد القرض على وجهين: أحدهما:
أن يأخذه به حيث وجده. وذلك في الدراهم والدنانير وما لا حمل له ولا مؤونة. والآخر:
ألا يأخذه به إلا حيث أقرضه إياه. وهو المكيل والموزون. وإن تراضيا على غير ذلك المكان جاز ذلك.

السيل الجرار للشوكاني (3 / 144)
وأما كونه يجب الرد إلى موضع القرض فصحيح لأن المقرض محسن , فعلى المستقرض أن يرد ماله إليه إلى الموضع الذي قبضه منه فيه.
وجهه أن المقرض محسن وما على المحسنين من سبيل , فلو كان عليه أن يتجشم مشقة لرد قرضه , لكان ذلك منافيا لإحسانه.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 274)
للمقرض المطالبة ببدل القرض في غير بلده , ويلزم المقترض قضاؤه في المثليات إلا إذا كان لحمله مؤونة أو قيمته ببلد القرض أنقص , فلا يلزمه إلا قيمته ببلد القرض. أما إذا كانت قيمته ببلد القرض مساوية أو أكثر لزمه دفع المثل في المثليات. أما المتقوم فيلزم المقترض أداء قيمته ببلد القرض مطلقا. (م751)
إذا بذل المقترض مثل القرض في غير بلده لزم المقرض قبوله إذا لم يكن لحمله مؤونة , وكان البلد والطريق آمنين , وإلا لم يلزمه قبوله. (م752) .

أسنى المطالب (2 / 143)
(وأداؤه) أي الشيء المقرض صفة ومكانا وزمانا (كأداء المسلم فيه) فلا يجب قبول الرديء عن الجيد , ولا قبول المثل في غير مكان الإقراض إلا إذا كان لحمله مؤنة , ولم يتحملها المقترض , أو كان المكان مخوفا. ولا يلزم المقترض الدفع في غير مكان الإقراض إلا إذا لم يكن لحمله مؤونة , أو له مؤونة وتحملها المقرض (لكن له مطالبته في غير بلد الإقراض بقيمة ما له) أي لحمله (مؤونة) لجواز الاعتياض عنه , بخلاف نظيره في السلم. فعلم أنه لا يطالبه بمثله إذا لم يتحمل مؤونة حمله لما فيه من الكلفة , وأنه يطالبه بمثل ما لا مؤنة لحمله , وهو كذلك.

المهذب (1 / 311)
إذا أقرضه دراهم بمصر ثم لقيه بمكة فطالبه بها , لزمه دفعها إليه. فإن طالبه المستقرض بأن يأخذها , وجب عليه أخذها , لأنه لا ضرر عليه في أخذها , فوجب أخذها. فإن أقرضه طعاما بمصر فلقيه بمكة فطالبه به , لم يجبر على دفعه إليه , لأن الطعام بمكة أغلى. فإن طالبه المستقرض بالأخذ , لم يجبر على أخذه , لأن عليه مؤونة في حمله فإن تراضيا جاز , لأن المنع لحقهما , وقد رضيا جميعا. فإن طالبه بقيمة الطعام بمكة أجبر على دفعها , لأنه بمكة كالمعدوم , وما له مثل إذا عدم وجبت قيمته , وتجب قيمته بمصر لأنه يستحقه بمصر
كشاف القناع (3 / 306)
(وإن أقرضه أثمانا أو غيرها) أو غصبه أثمانا أو غيرها (فطالبه المقرض أو المغصوب منه ببدلها) أي ببدل الأثمان أو غيرها (ببلد آخر) غير بلد القرض أو الغصب لزمه) أي المقترض أو الغاصب دفع المثل الذي لا مؤونة لحمله , لأنه أمكنه قضاء الحق بلا ضرر إلا ما لحمله مؤونة وقيمته في بلد القرض والغصب أنقص) من قيمته في بلد الطلب (فيلزمه) أي المقترض أو الغاصب (إذن قيمته فيه) أي في بلد القرض والغصب (فقط , وليس له) أي للمقرض والمغصوب منه (إذن مطالبته بالمثل) لأنه لا يلزمه حمله إلى بلد الطلب , فيصير كالمتعذر , وإذا تعذر المثل تعينت القيمة , وإنما اعتبرت ببلد القرض أو الغصب , لأنه المكان الذي يجب التسليم فيه (ولا) مطالبة لربه (بقيمته في بلد المطالبة) لما تقدم (وإن كانت قيمته) أي القرض أو الغصب (في البلدين) أي في بلد القرض أو الغصب وبلد المطالبة (سواء , أو) كانت قيمته (في بلد القرض) أو الغصب (أكثر) من قيمته في بلد المطالبة (لزمه أداء المثل) لأنه أمكنه بلا ضرر عليه في أدائه.
(وإن كان) القرض أو الغصب (من المتقومات فطالبه) أي طالب ربه المقترض أو الغاصب (بقيمته في بلد القرض) أو الغصب (لزمه أداؤها) لأنه أمكنه أداء الواجب بلا ضرر عليه فيه. وعلم منه: أنه إن طالبه بقيمته في بلد المطالبة , وكانت أكثر , لم تلزمه , لأنه لا يلزمه حمله إليها. (ولو بذل المقترض) للمقرض (أو) بذل (الغاصب) للمغصوب منه (ما في ذمته) من مثل أو قيمة (ولا مؤنة لحمله) أي المبذول (لزم) المقرض والمغصوب منه (قبوله مع أمن البلد والطريق) لأنه لا ضرر عليه إذن. فإن كان لحمله مؤونة أو كان البلد أو الطريق مخوفا , لم يلزمه قبوله , ولو تضرر المقترض أو الغاصب , لأن الضرر لا يزال بالضرر.


زمان رد بدل القرض
يرى جمهور الفقهاء أن دين القرض حال غير مؤجل , وللمقرض المطالبة به في أي وقت شاء عقب الإقراض , كسائر الديون الحالة.
وخالفهم المالكية في ذلك ورأوا أنه مؤجل أصلا (من غير اشتراط التأجيل) إلى قدر ما يرى في العادة أن المقترض انتفع به.


اختلف الفقهاء في وقت رد البدل في القرض على قولين:
أحدهما: لجمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة , وهو أن بدل القرض يثبت حالا (غير مؤجل) في ذمة المقترض. وللمقرض مطالبته به عقب الإقراض مباشرة , لأن القرض سبب يوجب رد المثل في المثليات , فكان حالا , كالإتلاف.
الثاني: للمالكية , وهو أن البدل لا يثبت حالا في ذمة المقرض. فلو اقترض شخص مطلقا - من غير اشتراط الأجل - فلا يلزمه رد البدل لمقرضه إن أراد ذلك عقب العقد , ويجبر المقرض على إبقائه عنده إلى قدر ما يرى في العادة أنه انتفع به.
قال ابن القيم وهذا هو الصحيح.


المغني (6 / 431)
للمقرض المطالبة ببدله في الحال , لأنه سبب يوجب رد المثل في المثليات , فأوجبه حالا كالإتلاف. ولو أقرضه تفاريق , ثم طالبه بها جملة , فله ذلك لأن الجميع حال , فأشبه ما لو باعه بيوعا حالة , ثم طالبه بثمنها جملة.
وإن أجل القرض , لم يتأجل , وكان حالا. وكل دين حل أجله , لم يصر مؤجلا بتأجيله. وبهذا قال الحارث العكلي والأوزاعي وابن المنذر والشافعي
وقال مالك والليث يتأجل الجميع بالتأجيل لقوله صلى الله عليه وسلم: المؤمنون عند شروطهم.

التاج والإكليل (4 / 548)
ابن شاس لو أراد الرجوع في قرضه منع إلا بعد مضي مدة الانتفاع بالشرط أوالعادة.

مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 273)
بدل القرض في ذمة المقترض من حين القبض , وللمقرض المطالبة به في الحال (م747) .

النتف في الفتاوى (1 / 493)
ولو أقرضه إلى أجل , فالقرض جائز , والأجل باطل , وله أن يأخذه متى شاء , وأنى شاء , لأن الآجال في القروض باطلة.
بدائع الصنائع (7 / 396)
والأجل لا يلزم في القرض , سواء كان مشروطا في العقد أو متأخرا عنه , بخلاف سائر الديون.

روضة الطالبين (4 / 34)
ولا يجوز شرط الأجل فيه , ولا يلزم بحال.

الخرشي (5 / 232)
القرض يملكه المقترض بمجرد عقد القرض وإن لم يقبضه , ويصير مالا من أمواله , ويقضى له به , وإذا قبضه فلا يلزمه رده لربه إلا إذا انتفع به عادة أمثاله مع عدم الشرط. فإن مضى الأجل المشترط أو المعتاد , فيلزمه رده.

إعلام الموقعين (3 / 375)
اختلف الناس في تأجيل القرض والعارية إذا أجلها , فقال الشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه
وأبو حنيفة لا يتأجل شيء من ذلك بالتأجيل , وله المطالبة به متى شاء.
وقال مالك يتأجل بالتأجيل. فإن أطلق , ولم يؤجل , ضرب له أجل مثله , وهذا هو الصحيح لأدلة كثيرة مذكورة في موضعها.

مراجع إضافية
انظر كشاف القناع (3 / 301) شرح منتهى الإرادات (2 / 225)
المبدع (4 / 206) فتح العزيز (9 / 357) الفتاوى الهندية (3 / 202) الزرقاني على خليل (5 / 229)


توثيق دين القرض بالكتابة والشهادة
توثيق دين القرض بالكتابة والشهادة إذا لم يكن مؤجلا ليس واجبا في قول أحد من الفقهاء.
أما إذا كان مؤجلا , فقد ذهب ابن حزم إلى وجوب توثيقه بهما , وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وجوب ذلك.


ذهب ابن حزم الظاهري إلى وجوب توثيق دين القرض المؤجل بالكتابة والشهادة للأمر بهما في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} (إلى آخر الآية: 282 من البقرة) , حيث أفاد الوجوب ولزوم الطاعة والانقياد للمأمور به.
وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة إلى أن كتابة جميع الديون بما في ذلك دين القرض والإشهاد عليها ليسا واجبين مطلقا , والأمر بهما في الآية إرشاد إلى الأوثق والأحوط , ولا يراد به الوجوب , بل الندب.


أحكام القرآن للشافعي (2 / 127)
فلما أمر إذا لم يجدوا كاتبا بالرهن , ثم أباح ترك الرهن وقال {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن} فدل على أن الأمر الأول دلالة على الحظ لا فرض فيه يعصي من تركه.
أحكام القرآن للجصاص (1 / 482)
ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن المذكور جميعه في هذه الآية ندب وإرشاد إلى ما لنا فيه الحظ والصلاح والاحتياط للدين والدنيا , وأن شيئا من ذلك غير واجب. وقد نقلت الأمة خلفا عن سلف عقود المداينات والأشربة والبياعات في أمصارهم من غير إشهاد , مع علم فقهائهم بذلك من غير نكير منهم عليهم , ولو كان الإشهاد واجبا لما تركوا النكير على تاركه مع علمهم به. وفي ذلك دليل على أنهم رأوه ندبا , وذلك منقول من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.
أحكام القرآن للكيا الهراسي (1 / 365)
إن الأمر بالإشهاد ندب لا واجب والذي يزيده وضوحا أنه قال {فإن أمن بعضكم بعضا} ومعلوما أن هذا الأمن لا يقع إلا بحسب الظن والتوهم , لا على وجه الحقيقة , وذلك يدل على أن الشهادة إنما أمر بها لطمأنينة قلبه لا لحق الشرع , فإنها لو كانت لحق الشرع لما قال {فإن أمن بعضكم} فلا ثقة بأمن العباد , إنما الاعتماد على ما يراه الشرع مصلحة , فالشهادة متى شرعت في النكاح لم تسقط بتراضيها وأمن بعضهم بعضا , فدل ذلك على أن الشهادة شرعت للطمأنينة. ولأن الله تعالى جعل لتوثيق الديون طرقا , منها الكتابة ومنها الرهن ومنها الإشهاد. ولا خلاف بين علماء الأمصار أن الرهن مشروع بطريق الندب لا بطريق الوجوب , فيعلم من ذلك مثله في الإشهاد.
المحلى (8 / 80)
فإن كان القرض إلى أجل ففرض عليهما أن يكتباه وأن يشهدا عليه عدلين فصاعدا أو رجلا وامرأتين عدولا فصاعدا. . . وليس يلزمه شيء من ذلك في الدين الحال لا في السفر ولا في الحضر.


هدية المقترض للمقرض
اختلف الفقهاء في حكم الهدية غير المشروطة يقدمها المقترض قبل الوفاء , فذهب جماعة منهم إلى جوازها , ومنعها البعض إذا كان الغرض منها أن يؤخره المقرض بدينه ,
وقال بعضهم بعدم جوازها إن لم ينو المقرض احتسابها من دينه أو مكافأته عليها , إلا إذا جرت عادة بذلك بينهما قبل القرض , فعند ذلك تجوز.


سبق أن بينا أن الهدية المشروطة في العقد من المقترض للمقرض باطلة , لأنها ربا.
أما الهدية غير المشروطة يقدمها المقترض لمقرضه قبل الوفاء , فقد اختلف الفقهاء في حكمها على ثلاثة أقوال.
أحدها: للحنفية وابن حزم وأحمد في رواية عنه , وهو الجواز.
والثاني:
للمالكية وهو المنع سدا للذريعة. أما إذا لم يكن يقصد منها ذلك , كما إذا كانت العادة بينهما ذلك قبل المداينة , أو حدث موجب لها - كمصاهرة أو جوار أو نحو ذلك - فهي جائزة , لانتفاء المانع الشرعي.
والثالث: للحنابلة وهو عدم الجواز إن لم ينو المقرض احتسابها من دينه أو مكافأته عليها - سدا لذريعة أخذ الزيادة في القرض إلا إذا جرت عادة بذلك بينهما قبل القرض فيجوز.
واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم إذا أقرض أحدكم قرضا فأهدى إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك رواه ابن ماجة


المحلى (8 / 85)
وهدية الذي عليه الدين إلى الذي له الدين حلال , وكذا ضيافته إياه , ما لم يكن شيء من ذلك عن شرط , فإن كان شيء عن شرط , فهو حرام.

القوانين الفقهية (ص 293)
إذا أهدى لصاحب الدين مديانه لم يجز له قبولها , لأنه يؤول إلى زيادة على التأخير. وقال بعضهم: يجوز إن كان بينهما من الاتصال ما يعلم أن الهدية له لا للدين.

الكافي لابن عبد البر (ص 359)
وكره مالك أكل هدية الغريم إلا أن يكون ذلك بينهما معروفا قبل السلف , أو يعلم أن هديته ليست لمكان دينه.

الخرشي (5 / 230)
أن هدية المديان حرام إلا أن يتقدم مثل الهدية بينهما قبل المداينة , وعلم أنها ليست لأجل الدين , فإنها لا تحرم حينئذ حالة المداينة , وإلا أن يحدث موجب للهدية بعد المداينة من صهارة ونحوها , فإنها لا تحرم.

الفتاوى الهندية (3 / 230)
ولا بأس بهدية من عليه القرض , والأفضل أن يتورع من قبول الهدية إذا علم أنه يعطيه لأجل القرض. وإن علم أنه يعطيه لا لأجل القرض , بل لقرابة أو صداقة بينهما لا يتورع عنه. وكذا لو كان المستقرض معروفا بالجود والسخاء. كذا في محيط السرخسي
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 274)
لا يجوز أن يهدي المقترض قبل الوفاء هدية إلى المقرض , ولا أن يعامله معاملة تجر إليه نفعا , كأن يعيره أو يحابيه في عقد آخر , إلا إذا جرت عادة بينهما , أو نوى احتسابه من دينه أو مكافأته. أما لو فعل ذلك بعد الوفاء من غير سابق مواطأة , فلا بأس به. (م754) .

شرح منتهى الإرادات (2 / 227)
(وإن فعل) مقترض ذلك , بأن أسكنه داره أو أهدى له (قبل الوفاء , ولم ينو) مقترض (احتسابه من دينه , أو) لم ينو (مكافأته) عليه (لم يجز , إلا إن جرت عادة بينهما) أي بين المقرض والمقترض (به) أي بذلك الفعل (قبل قرض) لحديث أنس مرفوعا إذا أقرض أحدكم قرضا , فأهدى إليه أو حمله على الدابة , فلا يركبها , ولا يقبله , إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك رواه ابن ماجه وفي إسناده من تكلم فيه.
مراجع إضافية
انظر إغاثة اللهفان (1 / 364) إعلام الموقعين (3 / 154 - 184)
تهذيب ابن القيم لمختصر سنن أبي داود (5 / 150) المبدع (4 / 210) كشاف القناع (3 / 305) مواهب الجليل (4 / 546) الزرقاني على خليل (5 / 227)


لزوم عقد القرض
يرى جمهور الفقهاء أن عقد القرض غير لازم في حق المقترض , فله رده بعينه أو ببدله متى شاء.
أما في حق المقرض , فيرى الحنابلة أنه لا يلزم في حقه قبل أن يقبضه المقترض.
ويرى الشافعية عدم لزومه في حقه مطلقا.
ويرى المالكية أنه يلزم بالقول دون توقف على قبض.


ذهب جماهير الفقهاء إلى أن عقد القرض جائز (غير لازم) في حق المقترض , فله رد عين ما اقترضه للمقرض إذا لم يتغير , لأنه على صفة حقه , فلزم المقرض قبوله , كما لو أعطاه غيره من أمثاله.

أما في حق المقرض , فقد اختلف الفقهاء في لزومه على ثلاثة أقوال:
أحدها: للحنابلة والشافعية في غير الأصح وهو أنه غير لازم في حقه قبل القبض فإذا قبضه المقترض صار العقد لازما في حق المقرض , فلا يملك الرجوع فيه , لأنه أزال ملكه عنه بعوض من غير خيار , فلم يكن له الرجوع فيه كالمبيع.
والثاني: للمالكية وهو أنه يلزم بالقول دون توقف على قبض. قالوا: وإذا لزم بالقول , فإنه يقضى للمقترض به , ويبقى بيده إلى الأجل المضروب , أو قدر ما يرى في العادة أنه قد انتفع به إن لم يضربا أجلا.
والثالث: للشافعية في الأصح وهو عدم لزومه بالقبض. وأن للمقرض بعد تسليمه للمقترض الرجوع فيه مادام باقيا في ملك المقترض بحاله , بأن لم يتعلق به حق لازم - كرهن ونحوه - لأنه يتمكن من تغريمه بدل حقه عند الفوات , فلأن يتمكن من مطالبته بعينه عند قيامها أولى.
هذا وقد نص الحنابلة على أنه لا يثبت في القرض خيار من الخيارات , لأن المقرض دخل على بصيرة أن الحظ لغيره , فأشبه الهبة. والمقترض متى شاء رده , فيستغنى بذلك عن ثبوت الخيار له.

ونص الشافعية على أنه لا يثبت في القرض خيار المجلس وخيار الشرط , لأن الخيار يراد للفسخ , وفي القرض يجوز لكل واحد منهما أن يفسخ متى شاء , فلا معنى لخيار المجلس وخيار الشرط فيه.


المغني (6 / 431)
ولا يثبت في القرض خيار ما لأن المقرض دخل على بصيرة أن الحظ لغيره , فأشبه الهبة. والمقترض متى شاء رده فيستغني بذلك عن ثبوت الخيار له. ويثبت الملك في القرض بالقبض. وهو عقد لازم في حق المقرض , جائز في حق المقترض فلو أراد المقرض الرجوع في عين ماله لم يملك ذلك.
وقال الشافعي له ذلك. لأن كل ما يملك المطالبة بمثله ملك أخذه إذا كان موجودا , كالمغصوب والعارية
ولنا: أنه أزال ملكه بعوض من غير خيار , فلم يكن له الرجوع فيه كالمبيع. ويفارق المغصوب والعارية , فإنه لم يزل ملكه عنهما , ولأنه لا يملك المطالبة بمثلهما مع وجودهما , وفي مسألتنا بخلافه.
فأما المقترض , فله رد ما اقترضه على المقرض إذا كان على صفته لم ينقص , ولم يحدث به عيب , لأنه على صفة حقه , فلزمه قبوله كالمسلم فيه , وكما لو أعطاه غيره.
شرح منتهى الإرادات (2 / 225)
(ويلزم) عقد القرض (بقبض) لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض , فوقف الملك عليه.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 269)
القرض عقد جائز بالنسبة للمقترض مطلقا , أما بالنسبة للمقرض فيلزم بقبض المقترض , فلا يملك استرجاعه إلا إذا حجر على المقترض لفلس. (م729) .

الخرشي (5 / 232)
القرض يملكه المقترض بمجرد عقد القرض وإن لم يقبضه , ويصير مالا من أمواله , ويقضى له به. وإذا قبضه فلا يلزمه رده لربه إلا إذا انتفع به عادة أمثاله مع عدم الشرط , فإن مضى الأجل المشترط أو المعتاد , فيلزمه رده. . . ولو أراد تعجيله قبل أجله , وجب على ربه قبوله , ولو غير عين , لأن الأجل فيه من حق من هو عليه.
تحفة المحتاج (5 / 48 , 49)
(ويملك القرض بالقبض , وفي قول بالتصرف) المزيل للملك , رعاية لحق المقرض , لأن له الرجوع فيه ما بقي , فبالتصرف يتبين حصول ملكه بالقبض (وله) بناء على الأول (الرجوع في عينه ما دام باقيا) في ملك المقترض (بحاله) بأن لم يتعلق به حق لازم (في الأصح) وللمقترض رده عليه قهرا. وخرج (بحاله) رهنه وكتابته وجنايته إذا تعلقت برقبته , فلا يرجع فيه حينئذ.

فتح العزيز (9 / 397)
ولو رد المستقرض عين ما أخذه فعلى المقرض قبوله لا محالة.

المهذب (1 / 310)
ولا يثبت فيه خيار المجلس وخيار الشرط , لأن الخيار يراد للفسخ , وفي القرض يجوز لكل واحد منهما أن يفسخ إذا شاء , فلا معنى لخيار المجلس وخيار الشرط.
والملك في القرض غير تام , لأنه يجوز لكل واحد منهما أن ينفرد بالفسخ.
مجلة الأحكام الشرعية على أحمد (ص 270)
لا يثبت في القرض شيء من الخيارات. (م734) .

مراجع إضافية
انظر الكافي لابن عبد البر (ص 358) مواهب الجليل (4 / 549) البهجة شرح التحفة (2 / 288) نهاية المحتاج (4 / 277) الزرقاني على خليل (5 / 229) كشاف القناع (3 / 301) أسنى المطالب (2 / 143)


انتهاء القرض
ينتهى القرض بأحد التصرفات التالية:
الوفاء بالقرض من قبل المدين أو الكفيل إن وجد , أو بالاستيفاء من الرهن إن وجد , أو بالمقاصة بشروطها , أو بالإبراء.


بنشوء القرض تنشغل ذمة المقترض بمبلغه ويلزم برد المثل , فإن قام بذلك انتهى القرض بالوفاء وهو الأصل. وقد يستوفي المقرض من الأصيل (المقترض) أو من الكفيل إن وجد لأن الكفالة يحصل بها ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل.
وقد يحصل الاستيفاء من بيع الرهن إذا عجز المقترض عن الوفاء من مال آخر وكان قد قدم رهنا عند الاقتراض لأن الرهن محتبس لمصلحة القرض ويكون للمقرض أولوية على غيره من الدائنين.
كما يحصل انتهاء القرض عن طريق المقاصة فيما إذا نشأ للمقترض دين في ذمة المقرض ووجدت شروط إجراء المقاصة مثل اتحاد الجنس بين الدينين وكذلك الأجل وغيره.
كما يحصل انتهاء القرض بإبراء المقرض ذمة المقترض منه.
هذا وقد يحصل الانتهاء لجزء من القرض إذا كان شيء مما سبق من التصرفات واقعا على بعض مبلغ القرض وليس على جميعه.