موسوعة
الفقه الإسلامي المصرية آبد
قال فى المصباح المنير: أبد الشىء من بابى ضرب وقتل نفر وتوحش فهو آبد على
وزن فاعل.. وكذا قال فى لسان العرب: أبدت البهيمة توحشت.. وهذا المعنى هو
ما صرح به ابن الأثير فى الجزء الأول من كتاب النهاية فى غريب الحديث.
والفقهاء يعبرون عن معنى الآبد بعبارات مختلفة، كالمتوحش والناد.
أما حكمه فى التذكية فإنه يكفى عقره عند العجز عن الذبح فيما يذبح أو النحر
فيما ينحر على تفصيل فى ذلك: انظر مصطلح (تذكية) .
آبق
1- التعريف بالآبق، والفرق بينه وبين الضال:
الآبق فى اللغة من حصل منه الإباق، والإباق هو الهرب سواء كان الهارب عبدا
أم حرا فقد قال تعالى: (وإن يونس لمن المرسلين. إذ أبق إلى الفلك المشحون)
(1) أما فى الاصطلاح فكما يلى:
الحنفية:
يعرفه الحنفية بأنه انطلاق العبد تمردا والتمرد هو الخروج عن الطاعة وهذا
يشمل ما إذا كان هروب العبد من سيده أو مستأجره أو مستعيره أو مودعه أو
الوصى على من كان صغيرا وآل إليه العبد (2) فالآبق إذا هو الذى انطلق تمردا
على من ذكروا. أما الضال فهو الذى ضل الطريق إلى منزل سيده أو غيره ممن
ذكروا بلا قصد (3) .. ويتحقق التمرد بأن يكون الانطلاق من العبد لغير ظلم
ممن هو فى يده كما بين ذلك صاحب الجوهرة شرح القدورى نقلا عن الثعالبى (4)
.
المالكية:
يعرف المالكية الآبق بأنه من ذهب مختفيا بلا سبب وفرقوا بينه وبين الهارب
بأن الهارب من ذهب مختفيا لسبب ولكن قد قال الدسوقي فى حاشيته على الشرح
الكبير للدردير (5) . بعد أن ذكر المعنى السابق ولعل هذا فرق بحسب الأصل
وإلا فالعرف الآن أن من ذهب مطلقا أى لسبب أو غيره يقال له آبق وهارب. وقد
بين الصاوى فى حاشيته على الشرح الصغير للدردير أن الآبق غير الضال فقد قال
به عند تعليقه على عبارة الشرح الصغير فيما يتعلق بجعل من عادته رد الآبقين
وأنه له جعل مثله إن اعتاده أى كمان عادته الإتيان بهم أو غيرهم فقد
قال الصاوى هنا " أو غيرها كالإتيان بالضوال " (6) فالضال إذن غير الآبق
بناء على هذا.
الشافعية:
أما الشافعية فقد بينوا الفرق بين الآبق والضال فعرفوا الآبق بأنه من كان
ذهابه من غير خوف ولا كد فى العمل فقد قال صاحب المغنى شرح المنهاج: "
الضال لا يقع إلا على الحيوان إنسانا أو غيره، أما الآبق فقال الثعالبى: لا
يقال للعبد آبق إلا إذا كان ذهابه من غير خوف ولا كد فى العمل وإلا فهو
هارب، قال الأزرعى: لكن الفقهاء يطلقونه عليهما " (7) .
الحنابلة:
الحنابلة جعلوا الآبق هو الهارب من سيده فقد قال فى كشاف القناع: يقال أبق
العبد إذا هرب من سيده. ثم قال: وقال الثعالبى فى سر اللغة لا يقال للعبد
آبق إلا إذا كان ذهابه من غير خوف ولا كد فى العمل وإلا فهو هارب (8) ولم
يعقب صاحب كشاف القناع على كلام الثعالبى كما فعل الشافعية على ما تقدم
ويظهر من هذا أن الآبق عنده هو الهارب مطلقا ولم يبين تعريف الضال.
الظاهرية:
يرى من صنيع ابن حزم الظاهرى فى كتابه المحلى ما يدل على أن الآبق غير
الضال فقد قال فى المحلى كتاب اللقطة والضالة "وهى تشمل العبد الضال والآبق
" ثم سرد الحكم فيها وجعل كل هذه الأصناف سواء فى الحكم من حيث أخذها
والتعريف بها وإعطائها لصاحبها.. الخ ما ذكره. ولكنه لم يبين معنى الضال
ولا معنى الآبق اعتمادا على اختلافهما فى اللغة على نحو ما روى عن الثعالبى
وهو ما ذكرناه فيما تقدم قريبا عند الكلام عن مذهب الشافعية فى ذلك (9) .
الشيعة والزيدية:
لم نعثر على نص صريح فى التفرقة بين الضال والآبق عندهم من حيث التعريف
بهما.
الإباضية:
قد ذهب الإباضية إلى أن الآبق هو الهارب دون أن يقيدوا الهرب بأنه من غير
خوف ولا كد فى العمل كما ذكر الثعالبى وسار عليه الحنابلة وغيرهم على ما
تقدم فقد جاء فى النيل " وأبق بهمزة مفتوحة تليها باء مكسورة وهو الإنسان
المملوك الهارب فى إباقته بكسر الهمزة " (10) .
__________
(1) الآيتان: 139، 140 سورة الصافات
(2) المر المختار حاشية ابن عابدين " رد المختار عليه" ج 3 ص 355- 356 طبعة
دار الكتب العربية.
(3) حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 3 ص 355 الطبعة السابقة.
(4) ج 1 ص 466.
(5) ج 4 ص 127طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(6) ج 2 ص 257 طبعة المطبعة الخيرية.
(7) ج 2 ص 13 طبعة مصطفى الحلبى.
(8) كشاف القناع ج 2 ص420 المطبعة العامرية الشرقية سنه 1319.
(9) المحلى ج 8 ص 257 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.
(10) النيل ج 4 ص 73.
السن التى يعتبر
فيها العبد آبقا.
الحنفية:
يرى الحنفية أن السن التى يعتبر فيها العبد آبقا هى السن التى يعقل فيها
الإباق فقد قال فى الأنقروية نقلا عن مختصر التتارخانية " قال محمد فى
الأصل: والحكم فى رد الصغير كالحكم فى الكبير إن رده من دون مسافة السفر،
فله الرضخ وهو عطاء قليل غير مقدر وفى الكبير أكثر مما يردخ فى الصغير إن
كان الكبير أشد مؤنة.
قالوا: وما ذكر فى الجواب فى الصغير محمول على صغير يعقل الإباق، أما من لا
يعقله فهو ضال وراد الضال لا يستحق الجعل " (1) وقد صاحب الكافى وشارحه
السرخسى فى المبسوط ذلك بأن يكون قد قارب الحلم، فقد جاء فى المبسوط: "
وإذا أبقت الأمة ولها صبى رضيع فردها رجل فله جعل واحد لأن الإباق من
الرضيع لا يتحقق ثم قال: وإن كان ابنها غلاما قد قارب الحلم فله جعلان
ثمانون درهما لأن الإباق تحقق منهما (2) وقد علل الكمال ابن الهمام وجوب
الجعل على من قارب الحلم فقال فى فتح القدير: " لأن من لم يراهق لم يعتبر
آبقا " (3) ولكن ابن عابدين قال نقلا عن النهر أن قوله أى فى المبسوط قد
قارب الحلم غير قيد لقول شارح الوهبانية: " اتفق الأصحاب ان الصغير الذى
يجب الجعل برده فى قول محمد هو الذى يعقل الإباق وحاصله أنه لا يشترط كونه
مراهقا فى وجوب الجعل برده سواء كان مع أحد أبويه أو وحده بل الشرط أن يعقل
الإباق " (4) .
المالكية:
يرى المالكية أن الآبق من كبيرا فقد قال الدسوقى فى حاشيته: على الشرح
الكبير للدردير عند تعريف الدردير اللقطة بأنها مال معصوم: المال المعصوم
يشمل الرقيق الكبير والاصطلاح أنه آبق لا لقطة: " نعم الرقيق الصغير لقطة "
ولكنه لم يذكر حد الكبر " (5) .
الشافعية:
لم نعثر فيما قرأنا من كتب للشافعية على نص يدل على السن التى يعتبر فيها
العبد آبقا، غير أنه جاء فى كتاب المنهاج ما قد يؤخذ منه هذا فإنه قد جاء
فيه فى باب اللقطة ويجوز أن يلتقط عبدا غير مميز وعند هذه العبارة قال صاحب
المغنى ولا يجوز التقاط المميز فى الأمن: " لا فى مفازة ولا غيرها لأنه
يستدل فيه على سيده فيصل إليه " ومقتضى هذا أن المميز الذى يراد التقاطه
يكون ضالا. وإذا اعتبر التمييز أولى.
الحنابلة:
لتحق الضلال فإنه يعتبر للإباق من باب لم نعثر فيما لدينا من كتبهم على سن
محددة للآبق بحيث لو لم يبلغها يكون ضالا ولا يكون آبقا ولكن يمكن أن يؤخذ
من جعلهم الآبق الهارب - أن السن فى الإباق هى التى يمكن معها الهرب وهى
على الأقل سن التمييز فغير المميز ضال وليس بآبق وقد ذكرنا سابقا ما جاء فى
كشاف القناع يقال أبق العبد إذا هربت من سيده (6) .
الزيدية:
يرى الزيدية أن الإباق الذى يعتبر إباقا شرعا يرد به العبد المبيع إنما
يكون إذا كان كبيرا قال صاحب البحر الزخار: " ولو أبق صغيرا ثم أبق عند
المشترى كبيرا لم يرد ".
ثم نسب إلى الإمام حد الكبر.. فقال: " وحده أى حد الكبر البلوغ وقيل
المراهقة قلنا البلوغ أضبط وأقيس (7) وعدم الرد إلا إذا أبق كبيرا عند
المشترى يدل على أن الإباق فى الصغر عند البائع ليس عيبا فليس إباقا شرعا.
الظاهرية:
لم نعثر على سن يكون به العبد آبقا عندهم والذى يظهر أنهم لما اعتمدوا على
اللغة فى الفرق بين الضال والآبق يكونون قد اعتبروا أن الإباق ملحوظ فيه
الهرب عن الكد والإيذاء، ولا يكون هذا إلا من مميز فيكون التميز هو مناط
الإباق.
الشيعة الإمامية:
لم نعثر على نص صريح عندهم بخصوص السن التى يكون بها الإباق، ولكنا وجدنا
من النصوص ما يؤخذ منه أن الآبق يلزم أن يكون مميزا، فقد جاء فى كتاب شرائع
الإسلام بصدد تقسيمه للملقوط بأنه إنسان أو حيوان أو غيره " اللقيط: وهو كل
صبى ضائع لا كافل له ولا ريب فى تعلق الحكم بالتقاط الطفل (8) غير المميز
وسقوطه فى طرف البالغ العاقل وفى الطفل المميز تردد أشبهه جواز التقاطه
لصغره وعجزه عن دفع ضرورته " ثم قال فى شأن من التقط " ولو التقط مملوكا
ذكرا وأنثى لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه ولو أبق منه أو ضاع من غير تفريط
لم يضمن ولو كان بتفريط ضمن ". فهذا النص يؤخذ منه أن اللقيط إذا أبق من
آخذه لا يكون ضامنا واللقيط هو الصغير الذى لم يبلغ على ما ذكره هو فى أول
كلامه والمعقول أن الهروب لا يكون من الصغير إلا إذا كان مميزا يعقل الهرب
وليس بلازم أن يكون قد بلغ سن المراهقة فغير المميز ضال وليس بهارب.
الإباضية:
لم نعثر على نص عندهم فى هذا ولكنهم لما جعلوا الأبق هو الهارب كما تقدم
فإنه يمكن أن يقال إن الآبق عندهم إنما يكون آبقا إذا كان ممن يتأتى منه
الهرب وهذا إنما يتصور فى سن التمييز.
__________
(1) ج 1 ص 199، المطبعة الأميرية.
(2) ج 11 ص 24، طبعة الساسى.
(3) ج 4 ص 439، المطبعة الأميرية.
(4) رد المحتار ج 4 ص 358، دار الكتب العربية الكبرى.
(5) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 117 طبعة دار إحياء الكتب
العربية.
(6) كشاف القناع ج 2 ص 420 المطبعة العامرية الشرقية 1319.
(7) البحر الزخار ج 2 ص 257 طبعة 1949.
(8) شرائع الإسلام ج 2 ص 173 طبعة دار مكتبة الحياة سنة 1930.
حكم أخذ الآبق
الحنفية:
إذا نظرنا إلى الحكم بمعنى الصفة الشرعية فإن أخذ واجده له أفضل من تركه إن
كان يقدر على حفظه حتى يرد إلى مولاه وإن كان يعلم من نفسه العجز عن ذلك
والضعف فلا، وذلك لأن الآبق هالك فى حق الموالى فيكون الرد إحياء له، ولكن
ابن الهمام اختار أن يكون فيه التفصيل الذى فى اللقطة فقال: ويمكن أن يجرى
فيه التفصيل الذى فى اللقطة بين أن يغلب على ظنه تلفه على المولى إن لم
يأخذه مع قدرة تامة عليه فيجب أخذه وإلا فلا، وذلك بخلاف الضال وهو الذى
لم. يهتد إلى طريق منزله فقد قيل أخذة فضل لما فيه من إحياء النفوس
والتعاون على البر، وقيل تركه أفضل لأنه لا يبرح مكانه منتظرا لمولاه حتى
يجده وقد جعل ابن الهمام هذا الحلاف فى الضال إذا لم يعلم واجد الضال مولاه
ولا مكانه فقال: "ثم لا شك أن محل هذا الخلاف إذا لم يعلم وأجد الضال مولاه
ولا مكانه أما إذا علمه فلا ينبغى أن يختلف فى أفضلية أخذه ورده (1) وإذا
أخذه وجب عليه فى اختيار شمس الأئمة السرخسى أن يأتى به إلى السلطان أو
القاضى فيحبسه منعا له عن الإباق لأنه لا يستطيع هو أن يحفظه أما شمس
الأئمة الحلوانى فإنه يختار أن الآخذ بالخيار أن شاء حفظه بنفسه إن كان
يقدر على ذلك وإن شاء دفعه إلى الأمام (2) . أما الحكم بمعنى الأثر المترتب
على الأخذ فان الآخذ للآبق إن كان قد أشهد عند أخذه أنه أخذه ليرده تكون
يده عليه يد أمانة فلا يضمن إلا بالتعدى فإذا هلك أو أبق لا يضمن وكذا إذا
حبسه عن صاحبه بعد أن وصل إليه رادا له حتى يستوفى الجعل فأبق أو هلك ولكنه
فى هذه الحال لا جعل له (3) ، أما إذا لم يشهد يكون قد أخذه لنفسه، وأخذ
ملك الغير بدون إذنه غصب، فيكون ضامنا له إذا هلك أو أبق كذا يضمنه إذا
استعمله فى الطريق فى حاجة نفسه ثم ابق منه ولا جعل له فى هذه الحال (4) .
المالكية:
أما حكمه بمعنى الصفة الشرعية فإنه يندب لمن وجد آبقا وعرف ربه أن يأخذه له
لأنه من باب حفظ الأموال إذا لم يخش ضياعه فإن خشى ضياعه وجب عليه أن يأخذه
لسيده حتى وإن علم الواجد خيانة نفسه، وعليه أن يترك الخيانة اللهم إذا خاف
على نفسه ضررا من السلطان إذا أخذه ليخبر صاحبه به فإن خاف على نفسه هذا حر
م عليه أن يأخذه وإذا كان لا يعرف ربه يكره له أخذه لاحتياجه إلى الإنشاد
والتعريف فيخشى أن يصل إلى علم السلطان فيأخذه وإذا أخذه وهو لا يعرف صاحبه
رفعه إلى الأمام لرجاء من يطلبه منه (5) وأما حكمه بمعنى الأثر المترتب
عليه فإن يده عليه يد أمانة لا يضمن إلا بالتقصير فى حفظه أو التعدى ولذا
إذا أبق من عنده بعد أخذه أو أنه مات عنده أو تلف فلا ضمان عليه لربه إذا
حضر حيث لم يفرط لأنه أمين ولا يمين عليه، أما إذا فرط كما لو أرسله فى
حاجة يأبق فى مثلها فأبق فإنه يضمن (6) ، وكذلك يضمنه الملتقط إن أرسله (أى
أطلقه) بعد أخذه ولو كان ذلك لخوف من شدة النفقة عليه أى يضمن قيمته يوم
الإرسال لربه إذا إن كان هلك وسواء فى ذلك ما إذا كان قد أرسله قبل مضى
السنة التى يجب عليه تعريفه فيها أو بعده إلا أن يكون قد أرسله لخوف منه أن
يقتله أو يؤذيه فى نفسه أو ماله أو لخوف من السلطان بسبب أخذه أن يقتله أو
يأخذ ماله أو يضربه ولو كان الضرب ضعيفا لذى مروءة بملأ، والظاهر أن عدم
الضمان إذا أرسله لخوف منه محله إذا لم يكن رفعه للأمام وإلا رفعه ولا
يرسله فإن أرسله مع إمكان رفعه ضمن ومحله أيضا إذا كان لا يمكنه التحفظ منه
بحيلة أو بحارس ولو بأجرة وإلا فلا يرسله ارتكابا لأخف الضررين، والظاهر
رجوعه بأجرة الحارس كما يرجع بالنفقة لأنها من متعلقات حفظه (7) .
الشافعية:
جاء فى كلام الشافعية ما يدل على أن حكم الأخذ بمعنى الصفة الشرعية غير
جائز بدون رضا المالك فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى " وإن عمل بلا إذن
كأن عمل قبل النداء فلا شىء له، لأنه عمل متبرعا وإن كان معروفا برد
الضوال. ودخل العبد - مثلا- فى ضمانه كما جزم الماوردى (8) ".
وجاء فيه أيضا وألحق الأئمة بقول الأجنبى: من رد عبد زيد فله على كذا "
قوله: فله كذا، وإن لم يقل على لأن ظاهره التزام، فإن قيل: لا يجوز لأحد
بهذا القول وضع يده على الأبق بل يضمن، فكيف يستحق الأجرة؟ أجيب بأنه لا
حاجة إلى الإذن فى ذلك لأن المالك راض به قطعا، أو بأن صورة ذلك أن يأذن
المالك لمن شاء فى الرد (9) 0 "، فهذان النصان يدلان على أنه لا يجوز أخذ
الآبق بدون إذن صاحبه: كأن ينادى بجعل لمن يرد آبقه أما قبل الإذن فلا يصح
التقاطه، وقد جعلوا نداء الأجنبى كإذن المالك، لأن المالك يرضى بالرد
والجعل قطعا. وأما حكمه بمعنى الأثر المترتب على الأخذ- فهو أن من أخذه
بدون رضا المالك بصورة ما يكون ضامنا له، لأنه فى حكم الغاصب حينئذ، أما
إذا أخذه بعد إذنه فإنه يكون أمينا لا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى، فقد
جاء فى المغنى " يد العامل على ما يقع فى يده (والآبق داخل فى ذلك) إلى أن
يرده يد أمانة فإن خلاه بتفريط ضمن لتقصيره (10) ".
الحنابلة:
يرى الحنابلة أن حكم أخذ الآبق - بمعنى صفته الشرعية- جائز فقد جاء فى كشاف
القناع " وليس لواجده بيعه ولا تملكه بعد تعريفه، لأن العبد يتحفظ بنفسه
فهو (أى الآبق) كضوال الإبل، لكن جاز التقاطه لأنه لا يؤمن لحاقه بدار
الحرب (11) " والذى يدل على أن المراد بالعبد فى عبارة كشاف القناع هو
الآبق- كما فسرته- ما جاء فى المغنى لابن قدامة: " ويجوز أخذ الآبق لمن
وجده.. ثم علل ذلك بقوله: وذلك لأن العبد لا يؤمن لحاقه بدار الحرب
وارتداده واشتغاله بالفساد، بخلاف الضوال التى تحتفظ بنفسها (12) ولم يستدل
من كتب المذهب على المراد بالجواز عندهم: هل هو الاستحباب أو الإباحة؟
ولعله الإباحة لأنهم قابلوه بما لا يجوز أخذة، وهو الضوال التى تحتفظ
بنفسها، لاختلافه عنها بأنه يخشى لحاقه بدار الحرب أو اشتغاله بالفساد.
أما حكم الأخذ بمعنى الأثر المترتب عليه - فهو أن الآبق أمانة: لا يضمن
أخذه إلا بالتقصير أو التعدى. فقد جاء فى المغنى لابن قدامة فإن أخذه فهو
أمانة فى يده إن تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه وإن وجد صاحبه دفعه إليه إذا
أقام البينة أو اعترف العبد أنه سيجده، وإن لم يجد سيده دفعه للأمام أو
نائبه فيحفظه لصاحبه ثم قال: وليس لملتقطه بيعه ولا تملكه بعد تعريفه لأن
العبد يحتفظ بنفسه (أى لا يتلف) فهو كضوال الإبل (13) ".
الزيدية:
يرى الزيدية أن ضبط العبد الآبق من حيث الحكم بمعنى الصفة الشرعية مستحب
فقد جاء فى حواشى شرح الأزهار " والعبد الآبق كالضالة، فيستحب ضبطه وينفق
عليه من كسبه إن كان، وإلا فكالضالة (14) ".
أما حكمه بمعنى الأثر المترتب على أخذه فإن يد آخذه يد أمانة فلا يضمن إلا
بالتقصير أو التعدى فقد جاء فى البحر الزخار فى كتاب الضالة " ولا يضمن
الملتقط إجماعا إلا لتفريط أو جناية إذ هو أمين حيث لم يأخذ لغرض نفسه فإن
جنى أو فرط فالأكثر يضمن (15) ".
وقوله هنا فى هذا النص: حيث لم يأخذ لغرض نفسه يريد منه إذا لم يأخذ للتملك
لأنه قد قال فى الضالة وإن أخذها ليملك فهو غاصب، وقوله الأكثر يريد منه
العترة والأئمة الأربعة والآبق كالضالة من حيث جواز الالتقاط فيأخذ حكمها
من حيث ضمان الأخذ وعدم ضمانه. وكذلك يضمن إذا أخذها بنية الرد، ولكنه
أعادها إلى حيث كانت فقد جاء فى البحر الزخار " ومن أخذ لمجرد نية الرد لم
يضمن ما تلف، فإن ردها إلى حيث كانت ضمن للتفريط (16) .
الظاهرية:
يرى ابن حزم الظاهرى أن حكم أخذ الآبق من حيث صفته الشرعية أنه فرض، فقد
جاء فى كتابه المحلى (والإباق من العبيد والإماء، وما أضل صاحبه منها،
والغنم التى تكون ضوال بحيث لا يخاف عليها الذئب ولا إنسان وغير ذلك كله
ففرض أخذه وضمه وتعريفه أبدا، فإن يئس من معرفة صاحبها أدخلها الحاكم أو
واجدها فى جميع مصالح المسلمين (17) . ثم استدل على أخذ الإباق والضوال من
الحيوان والضال من العبيد بقوله، (18) وبقى حكم الحيوان كله حاشا ما ذكرنا
(19) موقوفا على قوله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى (20) ،، ومن البر
والتقوى إحراز مال المسلم أو الذمى وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
" إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" فلا يحل لأحد مال أحد إلا ما أحله الله
تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أما حكم أخذ الأبق من حيت الأثر
المترتب عليه فإنه يجب على من أخذه أن يعرفه أبدا فإن يئس من معرفة صاحبه
أدخلها الحاكم أو الواجد فى جميع مصالح المسلمين ولا يملكه الواحد أبدا وقد
ظهر لك هذا من النقل الذى نقلناه عن المحلى فى أول الكلام عن هذا الموضوع
ولكنه يجب عليه قبل التعريف أن يشهد عند أخذه كما يظهر ذلك من قوله: من وجد
مالا فى قرية أو مدينة أو صحراء فى أرض العجم أو أرض العرب العنوة أو الصلح
مدفونا أو غير مدفون، إلا أن عليه علامة أنه ضرب مدة الإسلام أو وجد مالا
قد سقط أى مال كان فهو لقطة وفرض عليه أخذة وأن يشهد عليه عدلا واحدا فأكثر
ثم يعرفه ولا يأتى بعلامته وتعريفه هو أن يقول فى المجامع التى يرجو وجود
صاحبها فيها أو لا يرجو: من ضاع له مال فليخبر بعلامته هذا كله إذا لم يعرف
صاحبها أما إذا عرف فيقول ابن حز م الظاهرى فيه: وأما ما عرف ربه فليس ضالة
لأنها لم تضل جملة بل هى معروفة وإنما الضالة ما ضلت جملة فلم يعرف صاحبها
أين هى ولا عرف أتجدها لمن هى وهى التى أمر عليه السلام أتنشدها (21) .
ومقتضى هذا النص أنه لا يجب عليه نشدها أى التعريف ولكن يجب عليه أخذها
ليردها إلى صاحبها من حيث ذكر فى الآبق وا لضال سابقا وجوب أخذه ونشده إلى
أن ييأس من معرفة صاحبه، فإذا انتفى منا وجوب نشده لمعرفة صاحبه، بقى وجوب
أخذه والرد على صاحبه.
الشيعة الإمامية:
يرى الشيعة عدم أخذ العبد الذى ليس فى يد صاحبه إن كان بالغا أو مراهقا،
ولم يفرقوا بين الضال والآبق وجعلوه كالضالة الممتنعة من السباع والإنسان
وتحتفظ بنفسها، فقد جاء فى شرائع الإسلام: إذا وجد مملوكا بالغا أو مراهقا
لم يؤخذ، وكان كالضالة الممتنعة (22) .
هذا هو الحكم بمعنى الصفة الشرعية أما الحكم بمعنى الأثر المترتب على أخذ
الآبق فإنه يكون ضامنا له ولا يبرأ لو أرسله بعد أخذه ويجب عليه أن يسلمه
لصاحبه أو إلى الحاكم، وقد بين هذا صاحب شرائع الإسلام حينما أحال حكم أخذ
الآبق إلى حكم الضالة الممتنعة فى النص السابق، وإننا حينما ننظر إلى حكم
الضالة الممتنعة نجده يقول: " فالبعير لا يؤخذ إذا وجد فى كلأ وماء أو كان
صحيحا لقوله - صلى الله عليه وسلم - " خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه فلا تمتحه "
أى لا تأخذه، فلو أخذه ضمنه ولا يبرأ لو أرسله ويبرأ لو سلمه لصاحبه فإن
فقده أى لم يجد صاحبه أو لم يعرفه سلمه إلى الحاكم لأنه منصوب للمصالح، فإن
كان له (أى الحاكم) حمى أرسله فيه، وإلا باعه وحفظ ثمنه لصاحبه (23) .
ومراده بالضالة الممتنعة التى تمتنع على صغار السباع كالإبل القوية والبقر
الكبار والغزلان المملوكة، وفى النص السابق ذكره أنه أخذ عبدا مملوكا بالغا
أو مراهقا ولم يفصل بين ما إذا كان ضالا أو آبقا فيكون مقتضاه أن حكمهما
واحد، وأن الأبق مثل الضال وضالة الإبل القوية ونحوها مما ذكرنا.
ما يجب أن يفعله أخذ الأبق عند أخذه:
الحنفية:
يرى الحنفية أنه يجب على آخذ الأبق أن يشهد عند أخذه أنه أخذه ليرده على
مالكه، لأنه يجب عليه أن يفعل ذلك عند أخذ اللقطة إذ الآبق حكمه فى ذلك حكم
اللقطة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم- " من وجد لقطة فليشهد ذوى عدل،
وليحفظ عفاصها ووكاءها، فإن جاء صاحبها فلا يكتم فهو أحق بها، وإن لم يجىء
صاحبها فهو مال الله يؤتيه من يشاء ". رواه أحمد وابن ماجه. " والعفاص:
الوعاء الذى تكون فيه النفقة من جلد أو خرقة، والوكاء هو الرباط الذى تربط
به. وهذا عند أبى حنيفة ومحمد، أما أبو يوسف فإنه يذهب إلى أن الإشهاد ليس
بواجب، بل مستحب (24) " 0
وبعد هذا الإشهاد يجب عليه أن يأتى به إلى السلطان إذا كان لا يقدر على
حفظه بنفسه، أما إذا كان يقدر على ذلك فإنه مخير بين أن يأتى به إلى
السلطان ليحفظه وبين أن يحفظه بنفسه، وهذا التفصيل هو ما اختاره شمس الأئمة
الحلوانى أما شمس الأئمة السرخسى فإنه يختار أن يأتى به إلى السلطان لأن
الآخذ لا يقدر على حفظه عادة من الإباق بعد أخذه إياه والسلطان أو القاضى
هو الذى يستطيع أن يحبسه منعا له عن الإباق مرة أخرى (25) فإذا أخذه
السلطان حبسه تعذيرا إلى أن يجىء صاحبه (26) .
المالكية:
يرى المالكية أنه إذا أخذه وكان يعرف صاحبه يرده عليه، وإن لم يكن يعرفه
وأخذه مع إن ذلك مكروه وجب عليه أن يرفعه إلى الحاكم لرجاء من يطلبه منه
ويجب عليه عند أخذه سواء أكان يعرف صاحبه أم لم يعرفه أن يشهد عند التقاطه
وإن يستمر فى تعريفه سنة وإذا خاف على نفسه أو ماله منه دفعه إلى الحاكم
(27) .
الشافعية:
ذهب الشافعية إلى أنه لا يجب على آخذ الآبق الإشهاد ككل لقطة، فقد جاء فى
المنهاج والمذهب أنه لا يجب الإشهاد على الالتقاط (28) . وإذا أشهد يذكر فى
الأشهاد بعض صفات اللقطة ليكون فى الأشهاد فائدة ثم قال ولا يستوعبها لئلا
يتوصل إليها كاذب 0
الحنابلة:
يذهب الحنابلة إلى أن آخذ الآبق يحفظه وهو أمانة فى يده إن تلف بغير
تفريطه، وعليه أن يعرفه وليس لملتقطه بيعه ولا تملكه بعد تعريفه، لأن العبد
يتحفظ بنفسه فهو كضوال الإبل فإذا جاء صاحبه دفعه إليه إذا أقام صاحبه
البينة أو اعترف العبد أنه سيده وإن لم يجد سيده دفعه للأمام أو نائبة
فيحفظه لصاحبه أو يبيعه إن رأى المصلحة فى بيعه ونحو ذلك (29) .
الزيدية:
لم نجد كلاما خاصا بالآبق عندهم فى هذا الموضوع ولكنهم يجعلونه فى الالتقاط
وفى الضمان كالضالة واللقطة فالظاهر أنه عندهم كذلك فيما يجب أن يفعله
آخذه، وقد جاء فى مفتاح الأزهار شرح المنتزع وحواشيه أنه لا يلزمه أن
يدفعها للأمام فقد قال فيه " وهى (أى اللقطة بمعنى الضالة) كالوديعة إلا فى
أربعة أحكام ثم ذكر منها وتصييرها إلى الإمام غير واجب بل إذا أحب ذلك وإلا
فالولاية إليه ". ثم قال ويجب التعريف وقت الالتقاط بما لا يتسامح بمثله
(30) .
الظاهرية:
يؤخذ من كلام ابن حزم الظاهرى الذى نقلنا نصه فى حكم آخذ الآبق أنه يجب
عليه بعد أخذه أن يشهد عليه على الوضع الذى سبق ذكره.
الشيعة الجعفرية:
قد ذكرنا فيما تقدم فى حكم (أخذ الآبق) أن الشيعة الجعفرية يرون ألا يؤخذ
المملوك إذا كان بالغا أو مراهقا وأن حكمه حكم الضالة الممتنعة.
__________
(1) البداية وشرح الهداية وفتح القدير والعناية ج 4 ص 434 الطبعة الأميرية.
(2) العناية شرح الهداية وفتح القدير ج 4 ص 424 (المطبعة الأميرية) ،
والمبسوط ج11 ص 19 (طبعة الساسى) .
(3) الأنقروية نقلا من البزازية ج1 ص 198، المطبعة الأميرية.
(4) المصدر السابق.
(5) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 127 طبعة دار إحياء الكتب
العربية.
(6) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 128، طبعة دار إحياء الكتب
العربية.
(7) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 128 طبعة دار إحياء الكتب
العربية.
(8) ج 2 ص 429 طبعة مصطفى الحلبى.
(9) المرجع السابق ج 2 ص 430.
(10) المعنى شرح المنهاج ج 2 ص 434 الطبعة السابقة.
(11) كشاف القناع ج 2 ص 421 الطبعة العامرية الشرفية 1319.
(12) المرجع السابق ج 6 ص 357 طبعة المنار 1346.
(13) المغنى شرح المنهاج ج 2 ص 434 الطبعة السابقة.
(14) شرح الأزهار ج4 ص 68 الطبعة الثانية لسنة 1358.
(15) المرجع السابق ج 4 ص 281.
(16) المرجع السابق ج 4 ص 28.
(17) المحلى ج 8 ص 270، 271، طبعة دار الطباعة المنيرية.
(18) والذى ذكره هو الإبل القوية على الرعى وورود الماء فإنها لا يحل
أخذها، والغنم التى يخاف عليها الذئب أو غيره فإنها تؤخذ وتصير حلالا
لأخذها ولو جاء صاحبها وجدها حية أو مذبوحة.
(20) سورة المائدة: 2.
(21) المحلى ج 8 ص 257.
(22) المحلى ج 8 ص 271.
(23) شرائع الإسلام ج 2 ص 177 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(24) المرجع السابق ج2 ص 176.
(25) الزيلعى (تبيين الحقائق) ج 3 ص 309 فى باب الآبق، وص 302 فى باب
اللقطة، وحاشية الشلبى على الزيلعى ج 3 ص 302 المطبعة الأميرية.
(26) العناية شرح الهداية على هامش فتح القدير ج 4 ص 434 المطبعة الأميرية.
(27) الزيلعى (تبيين الحقائق) ج 3 ص 308، المطبعة الأميرية.
(45) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 126، 127، وطبعة دار
إحياء الكتب العربية.
(28) المنهاج وشرح المغنى عليه ج2 ص 407 طبعة شركة مكتبة مصطفى البابى
الحلبى وأولاده سنة 1377 - المغنى الصفحة السابقة.
(29) المغنى لابن قدامة ج 6 ص 257 طبعة المنار سنة 1347.
(30) شرح الأزهار، شرح المنتزع وحواشيه ج 4 ص 61، 62، 64 -الطبعة الثانية
لسنة 1358.
مقدار الجعل ومتى
يستحق.
مقدار الجعل ومتى يستحق ومتى يكون عليه الجعل:
الجعل هو المقدار المعين من المال الذى يستحقه من رد الآبق أو الضالة
وكلامنا عليه هنا يكون فى مقداره، ومتى يستحق وعلى من يكون، وللفقهاء فى
هذا آراء نذكرها فيما يأتى:
الحنفية:
مقدار الجعل عند الحنفية كان بتقدير الشارع وهو قول الرسول - عليه السلام-
" جعل الآبق أربعون درهما " وهو أربعون درهما إذا رده من مسافة قصر للصلاة
وهى ثلاثة أيام بلياليها فأكثر فإن رده لأقل من ذلك فقولان، قول بأن الجعل
يكون بحسب المسافة التى رد منها منسوبة للأربعين درهما أى أنه إذا رده لربع
مسافة القصر يكون له عشرة دراهم وإذا رده لنصفها يكون له عشرون درهما
وهكذا، وقول بأنه يرضخ له أى يعطى قليلا غير كثير فإن اتفقا على الرضخ
فيها، وإن اختلفا قدره الإمام وكذلك إذا رده فى المصر يكون بحسابه أو يرضخ
له بناء على الرأيين السابقين وروى عد أبى حنيفة أنه لا شىء له إذا رده فى
المصر، ولكن الرضخ هو المفتى به على ما ذكر صاحب الدر المختار وجعله صاحب
رد المحتار ابن عابدين نقلا عن صاحب البحر أنه الصحيح (1) ولا فرق فى إيجاب
الأربعين بين ما إذا كانت قيمة الآبق أقل من أربعين أو أربعين فأكثر على
الرأى المشهور عند الحنفية وهو رأى أبى يوسف، لأن تقديره ثبت بالنص بلا
تعرض لقيمته فيمنع النقصان كما تمنع الزيادة ولذا يكون الصلح بأكثر منه غير
جائز بخلاف الصلح على الأقل لأنه حط للبعض ولو حط الكل كان جائزا فكذا
البعض، أما محمد فقد قال: تجب قيمته إلا درهما لأن وجوبه ثبت إحياء لحقوق
الناس نظرا لهم ولا نظر فى إيجاب أكثر من قيمته، وقد روى أيضا عن كل من
محمد وأبى يوسف مثل رأى صاحبه وروى عن أبى يوسف أيضا أنه ينقص منه قدر ما
تقطع اليد (2) ، وأما أبو حنيفة فرأيه كرأى محمد كما ذكر الشهاب الشلبى فى
حاشيته على كتاب تبيين الحقائق للزيلعى على الكنز نقلا عن شرح الطحاوى (3)
وكذا ذكره الكمال ابن الهمام فى فتح القدير (4) ، وقد ثبت الجعل للراد
استحسانا وإن لم يشترط لأن القياس يقضى بأنه لا شىء له إلا بالشرط كأن يقول
مالكه: من رد عبدى على فله كذا لأنه فى حالة عدم الشرط يكون متبرعا
بمنفعته، ووجه هذا الاستحسان هو ما روى عن عمرو بن دينار أنه قال: لم نزل
نسمع أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " جعل الآبق أربعون درهما " فقد جعل
الرسول - صلى الله عليه وسلم- لرد الآبق جعلا، أما الضال فلا جعل فى رده
لأنه لم يسمع عنه - صلى الله عليه وسلم - جعلا فى رده فيلزم الاقتصار فى
ذلك على مورد النص ولأن إيجاب الجعل فى رد الآبق حامل لوا جده على رده إذ
الحسبة نادرة فتحصل صيانة أموال الناس والحاجة إلى صيانة الضال أقل من
الحاجة إلى صيانة الآبق، لأن الآبق يختفى عن أعين الناس هربا من الرجوع إلى
سيده، أما الضال فإنه يظهر ليرده الناس (5) .
ويستوى فى وجوب الجعل كل رقيق أبق ولو كان فيه شائبة الحرية كالمدبر وأم
الولد إلا المكاتب، فإنه لا جعل له، لأن المدبر وأم الولد وإن كان فيهما
شائبة الحرية لتحرر المدبر بموت سيده متى خرج من الثلث وأم الولد تعتق بموت
سيدها- إلا أنهما مملوكان للسيد ويستكسبهما كالقن، فيحصل بالرد إحياء
المالية من هذا الوجه.
والجعل إنما كان لإحياء المالية، أما المكاتب فإنه أحق بمكاسبه، فلا يوجد
فيه إحياء لمال المولى وهذا فيما إذا رد المدبر وأم الولد فى حياة المولى.
أما إذا ردا بعد وفاته فلا جعل للراد بخلاف ما إذا رد القن بعد وفاته، وذلك
لأن المدبر إن خرج من الثلث يعتق، ولا جعل فى الحر، وإن لم يخرج فكذلك عند
الصاحيين، لأنه حر عليه دين، إذ العتق لا يتجزأ عندهما، وهو عند الإمام
مكاتب ولا جعل على المكاتب، وأما أم الولد فإنها تعتق بموت سيدها، فلا جعل
فيها لحريتها بعد موت سيدها ولا جعل فى الحر أما القن الذى جاء بها الراد
بعد موت سيده ففيه الجعل، لأنه لا يزال رقيقا (6) .
أما متى يستحق الجعل فإن الراد يستحقه برده لسيده، فلو مات أو أبق منه قبل
الرد فلا جعل له، ويعتبر متسلما له إذا باعه من الراد عند حضوره وقبل أن
يقبضه بيده لسلامة البدل وهو الثمن له أى للسيد وكذا لو اعتقه فى هذه الحال
لأن الإعتاق منه قبض وكذا إذا وهبه لابنه الصغير لأن هبة الآبق لصغيره
جائزة لأنه باق فى يده حكما فيصير قابضا للصغير باليد الحكمى الذى بقى له
أما إذا وهبه لغير صغيره ولو كان للراد نفسه لا يكون قابضا قبل الوصول إلى
يده (7) وهذا مشروط بأن يصدقه السيد فى الإباق فإذا أنكر المولى إباقه كان
القول له مع يمينه إلا إذا شهد شهود أنه أبق من مولاه أو يشهده على إقرار
المولى بإباقه (8) ولكنه يلزم مع ما تقدم لاستحقاق الجعل أن يشهد عند أخذه
أنه أخذه ليرده على سيده متى تمكن من الإشهاد وإلا فلا يشترط الإشهاد ويكون
القول قوله فى أنه لم تمكن وإن لم يشهد عند أخذه مع التمكن لا يكون له
الجعل لأنه يكون آخذا لنفسه فيكون غاصبا، ولو كان الراد قد اشتراه من وا
جده وأشهد حين اشتراه أنه قد اشتراه ليرده على سيده يكون له الجعل لأنه لا
يقدر على رده إلا بالشراء ولكنه يكون متبرعا بالثمن وكذلك يلزم الاستحقاق
الراد الجعل ألا يكون ممن يجب عليه ذلك ولا ممن يعمل متبرعا فليس للسلطان
أو نائبه ولا لحافظ المدينة ولا للخفير جعل، لأن ذلك مما يجب عليه ولا لوصى
اليتيم المالك للعبد ولا لعائله جعل لأن من شأنه حفظ ماله، وكذا من استعان
به السيد فى رده كان يقول له السيد: إن وجدته فخذه فقال: نعم لأن ذلك متبرع
بالإعانة، ومثله كل من جرت العادة بأنه يرده عليه تبرعا كأحد الزوجين أو
أحد الأبناء أو أحد الشركاء أو من يكون فى عياله بأن يكون ممن يعوله المالك
ويمونه فلا جعل للأب أو الأم إذا رد عبد الابن إذا كان فى عيال الابن (9)
أما إذا لم يكن أحد الأبوين فى عيال الابن فله الجعل لأن خدمة الابن غير
مستحقة عليه (10) .
واشتراط إشهاد الراد- عند أخذ الآبق- أنه أخذه ليرده حتى يستحق الجعل هو
المشهور عند الحنفية لم وهو رأى أبى حنيفة ومحمد، أما أبو يوسف فإنه يذهب
إلى أنه يستحق الجعل وإن لم يشهد ما دام قد أخذه ليرده لا لنفسه، لأن
الإشهاد غير واجب عليه عنده، بل مستحب (11) أما من يكون عليه الجعل فهو
السيد فيما ذكرنا: من القن والمدبر وأم الولد، وكذا إذا كان مأذونا ولم
يركبه دين، أما إذا كان مأذونا وركبه دين فإنه يكون على السيد إذا اختار
قضاء دينه، وعلى الغرماء إذا اختار بيعه فى الدين. وحينئذ يأخذ الراد جعله
من الثمن، وما بقى يعطى لأصحاب الديون لأنه مؤنة الملك فيجب على من يستقر
له الملك ويكون على صاحب الخدمة إذا أوصى سيده برقبته لشخص وبخدمته لأخر
يدفعه المخدوم فى الحال ولكنه يرجع به على صاحب الرقبة عند انتهاء الخدمة
أو يباع العبد فيه إن لم يدفع صاحب الرقبة الجعل، لأن الموصى له بالرقبة فى
حكم المالك ويكون على المرتهن إذا كانت قيمته مساوية للدين أو أقل أما إذا
كانت أكثر فعليه بقدر دينه والباقى على الراهن لأن حقه: أى المرتهن، بالقدر
المضمون منه أى من العبد وهو قيمة الدين فلو كانت قيمته أربعمائة والدين
ثلاثمائة يكون على المرتهن ثلاثون وعلى الراهن عشرة لأن الجعل المقدر شرعا
أربعون درهما وإن اصطلحا على أقل يكون بهذه النسبة (12) ويكون على من سيصير
إليه إذ كان العبد قد جنى خطأ قبل الإباق أو بعده قبل أن يأخذه الراد فيكون
على المولى إن اختار فداءه وعلى أولياء الجناية إن اختار دفعه إليهم، ولو
اختار المولى الدفع ثم قضى عليه بدفع العبد إلى أولياء الجناية كان له
الرجوع على المدفوع إليه الجعل، وإنما كان الجعل على المولى إن اختار فداءه
لأنه طهره عن الجناية باختياره فصار كإنه لم يجن وأحيا الراد ماليته بالرد
عليه، وأما كون الجعل على أولياء الجناية إن اختار المولى دفعه بها فلأن
الراد برده قد أحيا حقهم (13) .
أما الموهوب له هذا الآبق فقد جاء عنه فى الزيلعى " فإن الجعل عليه وإن رجع
الواهب فى هبته بعد الرد لأن الموهوب هو المالك وزوال ملكه فى حالة رجوع
الواهب بعد الرد إنما كان بتقصير منه وهو بتركه التصرف فيه فلا يسقط عنه ما
وجب عليه بالرد، أما إذا كان الآبق مغصوبا فإن جعله على الغاصب لأن ضمان
جناية العبد المغصوب تكون على الغاصب، وإذا كان الأبق ملكا لصبى فجعله فى
ماله لأنه مؤنة ملكه (14) " وما دام الجعل يكون على المالك فى بعض الأحوال.
" فإنه إذا كان الآبق مشتركا بين شخصين يكون على كل واحد من الجعل بقدر
نصيبه فلو كان أحدهما غائبا فأعطى الحاضر الجعل كله للراد لا يكون متبرعا
بنصيب الغائب لأنه لا يمكن أن يأخذه حتى يعطى تمام الجعل فيكون له الرجوع
على الغائب بما أصابه من الجعل لأنه مضطر فيما أعطاه للراد إذ أنه لا يصل
إلى نصيبه إلا بذلك (15) ".
المالكية:
مقدار الجعل عندهم هو ما سماه الجاعل وسمعه العامل مباشرة أو بالواسطة وليس
عندهم قدر معين شرعا فى الجعل كما هو عند الحنفية على نحو ما ذكرنا عنهم
فقد قال الدردير فى الشرح الكبير: من سمع قائلا يقول: من يأتينى بعبدى
الآبق مثلا فله كذا فأتاه به من غير تواطؤ فإنه يستحق ما التزمه الجاعل
(16) .
وقد ينتقل الجعل من المسمى إلى جعل المثل فقد قال الدسوقى: لا يشترط العلم
بالمجعول عليه بل تارة يكون مجهولا كالآبق فإنه لا بد فى صحة الجعل على
الإتيان به ألا يعلم مكانه فإن علمه ربه فقط لزمه الأكثر مما سمى وجل المثل
وإن علمه العامل فقط كان له بقدر تعبه عند ابن القاسم، وقيل لا شىء له وإن
علماه معا فينبغى أن له جعل مثله نظرا لسبق الجاعل بالعداء (17) وكذلك
يستحق جعل المثل إذا لم يسمع العامل - ولو بالواسطة- الجاعل حينما سمى جعلا
فى رد آبقه إذا كان هذا العامل من عادته رد الإباق فقد قال الدسوقى: " ولمن
لم يسمع الجاعل أى لا مباشرة ولا بالواسطة وإلا استحق المسمى بتمام العمل
وحاصله أنه إذا قال المالك من أتى بعبدى الآبق فله كذا فجاء شخص لم يسمع
كلام ربه لا مباشرة ولا بالواسطة أو أن ربه لم يقل شيئا فجاء به شخص فانه
يستحق جعل المثل سواء كان جعل المثل أكثر من المسمى أو أقل منه أو مساويا
له بشرط كون ذلك الشخص الآتى به من عادته طلب الإباق فإن لم يكن عادته ذلك
فلا جعل له وله النفقة فقط (18) ، والمراد من النفقة التى ذكرها هو ما
أنفقه فى سبيل تحصيله فقد قال الدسوقى نفسه: أى فله ما أنفقه حال تحصيله
على نفسه وعلى العبد من أجرة دابة أو مركب اضطر إليها بحيث لم يكن الحامل
على صرف تلك الدراهم إلا تحصيله لأن تلك الدراهم بمثابة ما فدى به من ظالم،
أما ما شأنه أنه ينفقه العامل على نفسه فى الحضر كالأكل والشرب فلا يرجع به
على ربه، ثم قال تعليقا على كلام الدردير: وما أنفقه عليه من أكل وشرب
الأولى إسقاط ذلك لأن نفقة الطعام والشرب والكسوة على ربه ولو وجب للعامل
جعل المثل أو المسمى فإذا قام بها العامل رجع بها عليه (19) أما إذا سمعه
من شأنه رد الإباق ولو بالواسطة فلا شىء له إلا المسمى وفى حالة ما إذا لم
يسمعه يكون لرب الآبق أن يترك عبده للعامل فقد قال الدردير: ولربه - أى
الآبق- تركه للعامل حيث لم يسمع من عادته طلب الضوال وأتى به لربه كانت
قيمته قدر جعل المثل أو أقل أو أكثر ولا مقال له، بخلاف ما إذا سمعه سمى
شيئا ولو بالواسطة فله ما سماه ولو زاد على قيمة العبد لأن ربه ورطه (20)
وكذلك يكون له جعل المثل إن اختلفا فى الجعل وتحالفا ولم يشهد الظاهر لقول
أحدهما، فقد جاء فى الشرح الكبير للدردير بعد أن ذكر أن جعل المثل يكون لمن
لم يسمع ولكنه معتاد لطلب الإباق: كحلفهما أى المتجاعلين بعد تخالفهما أى
بعد اختلافهما فى قدر الجعل بعد تمام العمل ولم يشبها أى لم يشبه أحدهما فى
قوله ظاهر الأمر فيقض له بجعل المثل (21) وإن جاء به اثنان يكون الجعل
بنسبة ما سمى لكل منهما فقد جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير أن رب
الآبق إذا جعل لرجل درهما على أن يأتيه بعبده الآبق وجعل لأخر نصف، درهم
على أن يأتيه بعبده فأتيا به معا فإنهما يشتركان فى ذلك الدرهم، إذ هو غاية
ما يلزم رب العبد بنسبة ما سماه لكل منهما بمجموعة التسميتين فيأخذ الأول
ثلثه ويأخذ الثانى ثلثه لأن نسبة نصف الدرهم إلى درهم ونصف: ثلث، ونسبة
الدرهم كذلك ثلثان. ثم ذكر أن هذا هو المشهور وهو قول ابن القاسم، وآن ابن
نافع وأبن عبد الحكم قالا أن لكل واحد منهما نصف ما جعل له، ورجحه التونسى
واللخمى (22) .
هذا ما يتعلق بمقدار الجعل أما متى يستحق الجعل فإنه يكون عند تسليم الراد
الآبق لسيده وذلك يكون بتمكينه منه أو أن يكون الآبق قد استحق لشخص آخر أو
حرره سيده بعد وصوله إلى بلد صاحب الآبق وقبل قبضه له. فقد جاء فى شرح
الدردير وحاشية الدسوقى عليه " يستحقه أى الجعل السامع من الجاعل ولو
بواسطة أن ثبت أنه قاله بالتمام للعمل بتمكين ربه منه وذلك بأن يمكن
ألمجاعل عليه رب الشىء المجاعل عليه منه فإن أبق قبل قبضه بعد مجىء العامل
به لبلد ربه لم يستحق العامل جعلا" (23) .
وقال الدردير أن من أتى بالعبد الآبق فاستحقه شخص أو استحق بحرية فإنه
يستحق الجعل على الجاعل ولو لم يقبضه لأنه ورطه فى العمل ولولا الاستحقاق
لقبضه واستولى علية ولا يرجع الجاعل بالجعل على المستحق عند ابن القاسم وهو
المشهور وقد بين الدسوقى وقت الاستحقاق للآبق الذى لا يسقط به الجعل فقال:
" وإن استحق أى بعد وصول المجاعل للبلد وقبل قبض ربه أما لو أستحق منه وهو
فى الطريق قبل إتيانه للبلد فلا جعل له كما ارتضاه البنانى (24) ".
واشترطوا لاستحقاق الجعل عند التسليم أو الاستحقاق بعد وصول البلد أن يكون
هناك عقد جعالة بين سيد العبد وبين الراد وذلك يكون بإيجاب وقبول أو بأن
يقول رب العبد من رد عبدى فله كذا وسمع الراد ذلك مباشرة أو بالواسطة إن
ثبت أنه قاله كما قدمنا أما إذا كان راد الآبق ممن اعتادوا رد الإباق فإنه
يستحق جعل المثل إن لم يتعاقد معه أو لم يسمع ولو بالواسطة 0 أما إذا تعاقد
معه فلا يستحق إلا ما سمى متى مكنه منه كما قدمنا وأما من يكون عليه الجعل
فهو الملتزم له من المتجاعلين لأنه نشأ عن تعاقد.
قال الدردير فى الجعل المعلوم يستحقه السامع من الجاعل ولو بواسطة أن ثبت
أنه قاله (25) وقال فى حالة ما إذا استحق الآبق قبل تسليمه لصاحبه فإنه أى
العامل يستحق الجعل على الجاعل ولو لم يقبضه ثم قال ولا يرجع الجاعل بالجعل
على المستحق عند ابن القاسم وهو المشهور 0
وقد علق الدسوقى على هذا فبين الرأى الآخر غير المشهور فقال أى خلافا لمحمد
بن المواز القائل للجاعل أن يرجع على المستحق بالأقل من المسمى ومن أجر
المثل (26) .
الشافعية:
أما مقدار الجعل عندهم فهو ما اتفق عليه بين الإذن بالعمل والعامل فقد جاء
فى الأم للشافعى: " ولا جعل لأحد جاء بآبق ولا ضالة إلا أن يكون جعل له فيه
فيكون له ما جعل له وسواء فى ذلك من يعرف بطلب الضوال ومن لا يعرف به (27)
" فهم يحالفون المالكية فى جعل من عرف بطلب الضوال واعتاده من حيث أنهم لا
يجعلون له جعلا إلا بالتسمية بخلاف المالكية كما يعلم مما تقدم ولكن قد
ينتقل من الجعل المسمى إلى جعل أزيد أو أنقص قبل الفراغ من العمل بناء على
اتفاق (28) .
والجعل يقبل التجزئة عندهم على قدر العمل فقد جاء فى المنهاج والمغنى ولو
قال شخص بناء على صحة الجعالة على عمل معلوم من رد عبدى مثلا من بلد كذا
فله كذا فرده العامل من مكان أقرب منه فله قسطه.
أى قسط الأقرب من الجعل، لأنه جعل كل الجعل فى مقابلة العمل، فبعضه فى
مقابلة البعض فإن رده من نصف الطريق مثلا استحق نصف الجعل ويجب فرضه كما
قال ابن الرفعة فيما إذا تساوت الطريق سهولة وحزونة، فإن تفاوتت بأن كانت
أجره نصف المسافة ضعف أجرة النصف الآخر فيقابله ثلثا الجعل (29) .
وأما متى يستحق الراد الجعل؟ فإن الراد يستحقه بتمام العمل فقد جاء فى
المنهاج وشرحه المغنى " ولو تلف المردود قبل وصوله كأن مات الآبق بغير قتل
المالك له فى بعض الطريق ولو بقرب دار سيده أو غصب، أو تركه العامل، أو هرب
ولو فى دار المالك قبل تسليمه له، فلا شئ للعامل وإن حضر الآبق لأنه لم
يرده ".
ثم قال " وإذا رده: أى الآبق العامل على سيده فليس له حبسه لقبض الجعل، لأن
الاستحقاق بالتسليم، ولا حبس قبل الاستحقاق (30) ".
ومن هذا النص يؤخذ أن الرد الذى يستحق به الجعل هو نفس التسليم، ولا تكفى
موجهته له.
ويشترط لاستحقاق الراد الجعل أن يأذن رب الآبق وغيره بالعمل، فقد جاء فى
المغنى " فلو عمل بلا إذن، أو أذن لشخص فعمل غيره فلا شىء له. ولو قال
أجنبى: من رد عبد زيد فله كذا استحقه الراد على الأجنبى، لأنه التزمه.
وإن قال الأجنبى: قال زيد: من رد عبدى فله كذا- وكان الأجنبى كاذبا- لم
يستحق العامل عليه: أى على الأجنبى، لعدم التزامه، ولا على زيد إن كذب
القائل (31) ".
أما من يكون عليه الجعل فإنه يؤخذ من النصوص السابقة أنه يكون على الملتزم:
وسواء فى ذلك أن يكون رب العبد وأن يكون أجنبيا، ولكن لا يعتبر ولى الصغير
أجنبيا يكون عليه الجعل فى ماله هو إذا طلب رد الآبق من مال موليه، بل يكون
فى مال الصغير، فقد جاء فى المغنى: " قد يفهم تعبير المصنف كغيره بالأجنبى
" أى فى قوله: ولو قال أجنبى: من رد عبد زيد فله كذا استحقه الراد على
الأجنبى " أنه لو قال الولى ذلك عن محجور على وجه المصلحة بحيث يكون الجعل
قدر أجرة مثل ذلك العمل أن الراد يستحقه فى مال المالك بمقتضى قول وليه،
قال بعض المتأخرين وهو واضح، ولم أر من تعرض له (32) ".
ولو كان مغصوبا فإن الجعل يكون على الغاصب، فقد جاء فى المنهاج وشرحه
المغنى: " وعلى الغاصب الرد للمغصوب عند التمكن وإن عظمت المؤنة فى رده ولو
كان غير متمول كحبة بر أو كلب يقتنى، للحديث المار: على اليد ما أخذت حتى
تؤديه (33) ".
الحنابلة:
مقدار الجعل عندهم هو ما سمى، فإن لم يسم فله ما قرره الشارع، فقد جاء فى
المحرر: " ولا يستحق الجعل بغير شرط إلا فى رد الآبق خاصة فإن له الجعل
بالشرع: دينارا أو اثنى عشر درهما. وعنه (أى عن أحمد) إن رده من خارج المصر
فله أربعون درهما (34) ".
ولكن هل إذا سميا جعلا يكون اللازم ما سميا؟ قد بين هذا صاحب كشاف القناع
فقال: " إذا كان المسمى ليس أكثر من المقدر شرعا فإنه حينئذ يكون له ما
قدره الشارع وتلغى التسمية، قطع بهذا الحارثى وصاحب المبدع، لأن من أوجب
عليه الشارع شيئا مقدرا من المال عند وجود سببه استقر عليه كاملا بوجود
سببه (35) ".
ومقتضى هذا النص أنه إذا سمى أقل من المقدر شرعا يكون لة المقدر أما إذا لم
يسم جعل فإن الجعل يكون ما قدره الشارع كما يفهم من عبارة المحرر السابقة.
وكما روى عن أحمد روايتان فى المقدر شرعا كما يفهم من عبارة المحرر السابقة
فيما إذا جاء به من خارج المصر، فقد روى عنه فيما إذا جاء به من المصر نفسه
أنه عشرة دراهم أو دينار (36) .
وقد روى عنه أيضا أنه لا جعل فى رد الآبق فقد جاء فى المغنى: " وقد روى عن
أحمد أنه لم يكن يوجب ذلك: أى جعلا إذا لم يوجد شرط ".
قال أبو منصور: " سئل أحمد عن جعل الآبق فقال: لا أدرى، تكلم الناس فيه، لم
يكن فيه عنده حديث صحيح. فظاهر هذا أنه لا جعل فيه، وهو ظاهر قول الخرقى ثم
علل ذلك بقوله: لأنه عمل لغيره عملا من غير أن يشرط له عوضا (37) ".
والجعل المتفق عليه، أو المقدر شرعا إن لم يكن شرط جعل يستحقه العامل على
الرواية الراجحة. وإن زاد على قيمة العبد. وسواء فى ذلك أن يكون الراد
معروفا برد الإباق أولا فقد جاء فى المغنى: " ولا فرق عند إمامنا بين أن
يزيد الجعل على قيمة العبد أو ينقص.. ثم علل ذلك بقوله: ولنا عموم الدليل
(أى الأدلة التى وردت عن السلف بتقدير الجعل الذى لم يشترط) . ولأنه جعل
يستحق فى رد الآبق، فاستحقه وإن زاد على قيمته كما لو جعله صاحبه ... ثم
قال إذا ثبت هذا فلا فرق بين كونه من المعروفين برد الإباق أو لم يكن (38)
".
وبهذا يخالفون المالكية فى أنه لا يكون جعل فى حالة عدم الشرط إلا لمن
اعتاد رد الإباق.
وقد ينتقل الجعل عندهم من المسمى إلى أجره المثل، وذلك إذا فقد شرطا من
شروط صحة الجعل.
فقد جاء فى المغنى: " متى شرط عوضا مجهولا كقوله: إن رددت عبدى فلك ثوب أو
فلك سلبه، أو شرط عوضا محرما كالخمر والحر، أو غير مقدور عليه كقوله: " من
رد عبدى فله ثلثه، أو من رد عبدى فله أحدهما فرده إنسان- استحق أجر المثل،
لأنه عمل عملا بعوض لم يسلم له، فاستحق أجره كما فى الإجارة (39) ".
أما من يكون له الجعل فإنه الراد إن كان هو الذى اتفق معه سيد الأبق أو كان
السيد لم يعين أحدا، فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " ويجوز أن يجعل الجعل
فى الجعالة لواحد بعينه فيقول له: إن رددت عبدى فلك دينار، فلا يستحق الجعل
من يرده سواه. ويجوز أن يجعله لغير معين فيقول من رد عبدى فله دينار، فمن
رده استحق الجعل (40) ".
ولا فرق عندهم فى الراد من حيث استحقاق الجعل أن يكون من ولد المالك، أو
زوجا، أو غير ذلك، فقد جاء فى كشاف القناع: " وسواء (أى فى استحقاق الجعل)
كان الراد زوجا للرقيق الآبق، أو ذا رحم فى عيال المالك أولا، لعموم ما سبق
" يريد مما سبق الأدلة الدالة على استحقاق الجعل (41) .
وقد يكون للراد جزء من الجعل المسمى بقدر نصيبه فى العمل، وذلك بأن يشترك
فى العمل أكثر من واحد من المبدأ إلى النهاية فقد جاء فى المغنى: " فإن
قال: من رد لقطتى فله دينار، فردها ثلاثة فلهم الدينار بينهم أثلاثا، لأنهم
اشتركوا فى العمل الذى يستحق به الجعل، فاشتركوا فى العوض، كالأجرة فى
الإجارة (42) ".
والآبق عندهم كاللقطة فى هذا لأن الكلام قبل هذه العبارة فى جواز جعل الجعل
لواحد. فقد جاء فى المغنى فى نفس الموضوع " ويجوز أن يجعل الجعل لواحد
بعينه فيقول له: إن رددت عبدى فلك دينار استحق الجعل " ثم ذكر حالة ما إذا
لم يجعله لواحد بعينه كما فى العبارة السابقة وفى نفس الصفحة.
وكذلك إذا حدد السيد مكانا فرده الراد من منتصف طريق هذا المكان مثلا، فقد
جاء فى المغنى (43) " وإن قال: من رد عبدى من بلد كذا فله دينار فرده إنسان
من نصف طريق ذلك البلد استحق نصف الجعل ". هذا إذا جعل جعلا واحدا. أما إذا
جعل أجعالا مختلفة فإن كل واحد يأخذ من جعله بنسبة عمله، فقد جاء فى
المغنى: " فإن جعل لواحد فى ردها دينارا، ولآخر دينارين، ولثالث ثلاثة فرده
الثلاثة- فلكل واحد منهم ثلث ما جعل له لأنه عمل ثلث العمل فاستحق ثلث
المسمى (44) ".
وأما متى يستحق الجعل؟ فإنهم لا يجعلونه إلا بالرد بشرط أن يكون العمل بعد
النداء بالرد، وسواء فى ذلك ما إذا كان قد شرط أو لم يشرط، لأنه حينئذ
يستحق المقدر شرعا، فقد قال الخرقى فى المختصر: " وإن كان التقطها قبل ذلك
(أى قبل نداء صاحبها بالجعل) فردها لعلة الجعل لم يجز له أخذه (45) ".
وجاء فى المغنى: " أما العبد الآبق فإنه يستحق الجعل برده وإن لم يشترط له
(46) ".
والجعل حينئذ هو المقدر شرعا، وقد سبق أن ذكرناه.
وليس للعامل حبس الآبق حتى يسترد الجعل، فقد جاء فى كشاف القناع: " وإذا رد
العامل اللقطة أو العبد أو نحوهما لم يكن له الحبس، أى حبس المردود على
الجعل، وإن حبسه عليه وتلف ضمنه (47) ".
أما من يكون عليه الجعل فإنه يكون على السيد ولو مات، فقد جاء فى المغنى: "
ويستحقه إن مات سيده فى تركته (48) " ومقتضاه أنه على صاحب العبد.
وهذا إذا أبق من يد سيده، أما إذا أبق من يد مستأجره فإن ما ينفقه عليه فى
سبيل الرد يكون على المالك، فقد جاء فى المغنى: " وقياس المذهب أن له
الرجوع (أى الرجوع بما أنفق على الجمال التى استأجرها وهرب مالكها) لقولنا
يرجع بما أنفق على الأبق وعلى عيال الغائب وزوجاته والدابة ألمرهونة (49)
".
وكذلك إذا كان مرهونا، فقد جاء فى المغنى: " أن مؤنة الرهن من طعامه وكسوته
ومسكنه وحافظه وحر زه ومخزنه وغير ذلك على الراهن (50) ".
ثم قال: " وإن أبق العبد فأجرة من يرده على الراهن".
وأما إذا كان مغصوبا فإن أجرة رده تكون على غاصبه، فقد جاء فى المغنى لابن
قدامة: " فإن المغصوب متى كان باقيا وجب عليه (أى الغاصب) رده، لقول الرسول
عليه الصلاة والسلام: " على اليد ما أخذت حتى ترد " ... ثم قال: " فإن غصب
ثمينا فبعده لزم رده وأن غرم عليه أضعاف قيمته، لأنه جنى بتبعيده فكان ضرر
ذلك عليه (51) ".
الزيدية:
الجعل عندهم ما شرطه المتجاعلان فى الجعالة، أو ما سماه الجاعل، كأن يقول:
من رد عبدى أو ضالتى فله كذا. ويكون هذا المسمى هو الجعل. ويستحقه من سمع
النداء وفعل، لا من لم يسمع (52) .
ومقتضى قولهم: لا من لم يسمع صادق بصورتين: ألا ينادى صاحب الآبق بجعل، أو
ينادى ولكن لم يسمعه الراد. وعلى هذا لا بد أن يكون هناك جعل مسمى، وأن
يسمع الراد تسميته.
وقد ينتقل الجعل من المسمى إلى أجرة المثل، وذلك فيما إذا اختلفا فى مقدار
الجعل، فقد قال صاحب البحر الزخار: " وأما فى قدر الجعل (أى إذا اختلفا
عليه) فالأجرة (53) ".
وحكم الأجرة إذا اختلفا جاء فى قول صاحب البحر الزخار: " وإذا اختلفا فى
قدر الأجرة أو جنسها ولا بينة تحالفا وبطل العقد، وتجب أجرة المثل بعد
العمل (54) ".
ومقتضى هذا أنه إذا لم توجد بينة يتحالفان، ويبطل العقد، ويكون للراد أجرة
مثل عمله. أما إذا بينا فقد قال فيه صاحب البحر الزخار: " فإن بينا فبينة
مستحقها أولى، إذ هو الخارج " ثم قال قلت: القياس أن القول للمستأجر
كالمشترى (55) ".
ومقتضى هذا ان بينة الراد تقدم، ولكن صاحب البحر الزخار اختار أن تقدم بينة
رب العبد.
وكذلك يكون له أجر المثل، إذا كان المسمى مجهولا، فإذا جاء فى البحر الزخار
(56) : " فإن عقدا على أن الحاصل بينهما أى شركة فسد العقد لجهالة الأجرة
كجهالة الثمن ... ثم قال ومتى فسد العقد لجهالة الأجرة من، أصله لزمت أجرة
المثل بعد استيفاء المنافع أو بعضها، كتفويت العين المملوكة ". وقد نسب هذا
إلى العترة من الزيدية، وارتضاه.
ويعتبر الجعل الأخير هو الجعل المسمى إذا سمى اجعالا مختلفة فى أزمان
مختلفة فقد جاء فى البحر الزخار: وتدخلها، " أى الأجرة المجعولة " الزيادة
والنقص، كمن رد ضالتى فله مائة، ثم قال من ردها فله خمسون، ونحو ذلك-
ويستقر الأخير منهما (57) .
والجعل الذى يستقر يستحقه الراد، أو يستحق منه بقدر عمله إذا كان رب العبد
قد عين مكان الأخذ فقد جاء فى البحر الزخار: ولو قال: من رد عبدى من مكة
فرده من نصف الطريق استحق النصف وكذا ما أشبهه، ولو رد من غير جهتها لم
يستحق شيئا وإن كان أبعد (58) ، وأما وقت استحقاق الجعل فإنهم قالوا إنما
يستحق الجعل بعد تمام العمل فلو هرب الآبق بعد إيصاله إلى باب المالك سقط
الجعل.
وظاهر من عبارة (فلو هرب ... الخ) أن تمام العمل يكون بقبض ربه له. ولكن هل
يلزم قبضه وتسلمه بالفعل، أو يكفى التمكين من قبضه؟ الظاهر من فروعهم أن
التمكين من قبضه يكفى، لأنهم قالوا يصح للراد أن يحبس الآبق ولا يسلمه لربه
حتى يستوفى النفقة، والجعل حقه كالنفقة، وقد جاء بخصوص النفقة على الآبق فى
البحر الزخار: " وينفق عليه (أى على الآبق) من كسبه إن كان، وإلا فكالقطة
(59) .
وجاء فيما يتعلق بنفقة اللقطة قوله: ويرجع بما أنفق عليها أو لنقلها ... ثم
قال: وله حبسها حتى يستوفى بما أنفق (60) . وأما من يكون عليه الجعل فإنه
يكون على مالكه إذا أبق من يده، فإن أبق من يد غيره فإن كان مستأجرا فأبق
من يد مستأجره فلا جعل عليه فقد جاء فى البحر الزخار من المبادئ ما يدل
عليه وإن لم يكن نصا فيه إذ جاء فيه أن يد المستأجر يد أمانة، فقد قال:
ويضمن بالتضمين، ويصير كالمستأجر على الحفظ ببعض المنافع فصح كتضمين
العارية (61) .
ومقتضاه أن العين المؤجرة أمانة فى يده، وهو لا يضمنها- إن لم يضمن- إلا
بتقصير أو تعد فأولى ألا يلتزم بجعل ردها. وأما إذا كان مرهونا فإن كان هو
الذى جاعل على ردها يكون عليه أن يدفع الجعل للعامل، لأن المطالب بالجعل هو
المجاعل.
والظاهر من مبادئهم أنه يرجع به على المالك فقد جاء فى البحر الزخار " ومؤن
الرهن كنفقته وتجهيزه وتكفينه ... ونحو ذلك- على الراهن (62) ".
وأما إن كان مغصوبا فعلى غاصبه، فقد جاء فى البحر الزخار: " ويجب الرد على
موضع ألغصب وإن كان له مؤنة لوجوب رده كما أخذه، وهذا من صفاته ".
وقد نسب هذا إلى أبى طالب الآملى أحد علماء العترة. والقاضى زيد الجيلى
علامة الزيدية (63) .
أما إذا أبق من الوصى فالجعل فى مال المالك القاصر، لأن يد الوصى يد أمانة.
الظاهرية:
يقول أبن حزم الظاهرى: " لا يجوز الحكم بالجعل على أحد، فمن قال لآخر (أى
أجير) : إن جئتنى بعبدى الآبق فلك على دينار، أو قال إن فعلت كذا وكذا فلك
على درهم أو ما أشبه هذا فجاءه بذلك أو هتف وأشهد على نفسه: من جاءنى بكذا
فله كذا فجاءه به- لم يقض عليه بشىء ويستحب لو وفى بوعده- وكذلك من جاءه
بآبق فلا يقضى له بشئ (أى من غير ان يهتف ويشهد بالجعل) سواء عرف بالمجىء
بالإباق أو لم يعرف بذلك. إلا أن يستأجره على طلبه مدة معروفة، أو ليأتيه
به من مكان معروف فيجب ما استأجره به (64) ". وقد علل ذلك بأن هذا فرض عليه
حيث يقول: " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم (65)
".
ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن إضاعة المال. وقال تعالى: "
وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان (66) " ففرض على
كل مسلم حفظ مال أخيه إذا وجده. ولا يحل له أخذ ماله بغير طيب نفسه، فلا شئ
لمن أتى بآبق، لأنه فعل فعلا هو فرض عليه كالصلاة والصيام ولو أعطاه بطيب
نفسه لكان حسنا ولو أن الإمام يرتب لمن فعل ذلك عطاء لكان حسنا (67) .
الشيعة الإمامية:
أما من حيث مقدار الجعل فإنهم يرون أنه هو ما سماه الجاعل على رد الآبق،
ولو لم يسم كان له ما قدره الشارع، وهو دينار إذا أخذه من مصره، فإذا أخذه
مصره كان أربعة دنانير، فقد جاء فى شرائع الإسلام للمحقق الحلى: " إذا بذل
جعلا فإن عينه فعليه تسليمه مع الرد، وإن لم يعينه لزم مع الرد أجرة المثل
إلا فى رد الآبق على رواية أبى سيار عن أبى عبد الله - عليه السلام - أن
النبى - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - جعل فى الآبق دينارا إذا أخذ فى
مصره، وإن أخذ فى غير مصره فأربعة دنانير وقال الشيخ هذا على الأفضل لا على
الوجوب. والعمل على الرواية ولو نقصت قيمة العبد ... أما لو أستدعى الرد
ولم يبذل أجرة لم يكن للراد شئ، لأنه تبرع بالعمل ".
وقد يأخذ الواحد بنسبة عمله من المسمى، كما إذا قال من رد عبدى فله كذا
فرده جماعة قال فى شرائع الإسلام: إذا قال: من رد عبدى فله دينار فرده
جماعة كان الدينار لهم جميعا بالسوية لأن الرد حصل من الجميع ... ثم قال: "
لو جعل لكل واحد من ثلاثة جعلا أزيد من الآخر فجاءوا به جميعا كان لكل واحد
ثلث ما جعل له " ... ثم قال: " لو جعل لبعض الثلاثة جعلا معلوما ولبعضهم
مجهولا (كأن يقول: أن جئتنى به فلك ثوب أو دابة) فجاءوا به جميعا، كان
لصاحب المعلوم ثلث ما جعل له. وللمجهول ثلث أجرة مثله (68) .
ولا جعل إلا لمن سمى له، وإن شاركه غيره كان متبرعا- فقد جاء فى شرائع
الإسلام (69) : " لو جعل لواحد جعل على الرد فشاركه أخر فى الرد كان
للمجعول له نصف الأجرة، لأنه عمل نصف العمل، وليس للأخر شئ، لأنه تبرع وقال
الشيخ: يستحق نصف أجرة المثل، وهو بعيد ".
ثم قال: " لو جعل جعلا معينا على رده من مسافة معينة فرده من بعضها كان له
من الجعل بنسبة المسافة (70) ".
والتسمية الأخيرة تكون هى المعتبرة، فقد جاء فى شرائع الإسلام " ولو عقب
الجعالة على عمل معين بأخرى وزاد فى العوض أو نقص عمل بالأخيرة (71) ".
أما متى يستحق الجعل- فإن الجعل، عنده يستحق بالتسليم، فقد جاء فى شرائع
الإسلام " ويستحق الجعل بالتسليم، فلو جاء به إلى البلد ففر لم يستحق
الجعل، ويشترط لاستحقاق الجعل عند التسليم أن يبذله أى يسميه الجاعل أولا،
فلو استولى عليه إنسان قبل بذل الجعل لزمه التسليم ولا شىء له. فقد جاء فى
شرائع الإسلام: " لا يستحق العامل الأجرة إلا إذا بذلها الجاعل أولا، ولو
حصلت الضالة، (ومثلها الآبق فى هذا) فى يد إنسان قبل تسمية الجعل لزمه
التسليم، ولا أجرة، وكذا لو سعى فى التحصيل تبرعا (72) ".
ومن السعى فى التحصيل تبرعا ما لو نادى برد آبقه ولم يسم جعلا. فقد قال فى
شرائع الإسلام: " أما لو استدعى الرد ولم يبذل أجرة لم يكن للراد شئ، لأنه
تبرع بالعمل (73) ".
وتسليم الآبق حتى يستحق الجعل يتحقق بالتخلية (74) .
وأما من يكون عليه الجعل- فهو الجاعل ولو كان أجنبيا، أما الجعل المالك
فلأنه التزم دفع الجعل، والجعالة لازمة من طرف الجعل، وأما الأجنبى فقد قال
فى شرائع الإسلام: " ولو تبرع أجنبى بالجعل وجب عليه الجعل (75) ".
هذا إذا أبق من المالك، أما إذا أبق من يد غيره ففيه تفصيل: إن كانت يد من
أبق منه يد ضمان كالغاصب فقد جاء فى شرائع الإسلام: " يجب رد المغصوب ما
دام باقيا ولو تعسر (76) ،.
وقال أيضا: " إذا نقل المغصوب إلى غير بلد الغصب لزم إعادته. ولو طلب
المالك الأجرة على إعادته لم يلزم الغاصب، لأن الحق هو النقل (77) ".
أما إذا كانت اليد يد أمانة فإنه لا يلزم بالجعل إلا إذا فرط فى حفظه أو
تعدى تعديا "تسبب فى الإباق فقد جاء فى تهذيب الأحكام للطوسى " إذا ارتهنت
عبدا أو دابة فماتا فلا شىء عليك وإن هلكت الدابة أو أبق الغلام فأنت ضامن.
فالمعنى فيه أيضا أن يكون سبب هلاكه إباقة شيئا من جهة المرتهن فأما إذا لم
يكن بشىء من جهته لم يلزمه شىء، وكان حكمه حكم الموت سواء (78) ".
وما دام لا شىء عليه إذا لم يقصر تكون نفقة رده بما فيها من جعل ليست على
المرتهن، وحينئذ فعلى من تكون؟ يظهر هذا ما جاء فى شرائع الإسلام (79) : "
إذا وجد مملوكا بالغا أو مراهقا لم يؤخذ وكان له حكم الضوال الممتنعة ".
وقال فى الضوال التى يأخذها الآخذ وإن كان لا يجوز له الأخذ: " إذا لم جد
الآخذ سلطانا ينفق على الضالة انفق من نفسه ورجع به، وقيل لا يرجع، لأن
عليه الحفظ، وهو لا يتم إلا بالإنفاق، والوجه الرجوع دفعا لتوجه الضرر
بالالتقاط (80) ".
الإباضية:
جاء فى كتاب النيل: " وإن قال: من جاءنى بعبدى أو غيره من الحيوان- وقد هرب
فله كذا جاز عند بعض، وقيل: له العناء. وإن استأجر اثنين أو أكثر بإجارة
مختلفة فوجده أحدهما فله ما سمى له، وللآخر عناؤه ".
وأن وجدوه جميعا فلكل واحد منهم نصف ما سمى له. وقيل لكل واحد ما سمى له،
وقيل لكل واحد عناؤه (81) ".
وإذا كان مرهونا يكون الجعل فى رده على الراهن، فقد جاء فى كتاب النيل: "
وإذا كان الرهن رقيقا أو بهيمة لزمه ما احتاج إليه من ختان ومداواة الختان
أو احتجا م ... من ماله لا منه: أى لا من الرهن أيضا، وكذا نكاح الرقيق
وطلاقه وفداؤه وارتجاعه وكفنه ودفنه وغسله إن مات بيده: أى فى بلده أو
أميال، دون المرتهن أو المسلط عليه، فإنهما لا يلزمهما شىء من ذلك (82) ".
وكذا إذا كان فى يد وصى فأبق منه فإن جعل رده يكون فى مال المولى عليه، إذ
يد أتوصى يد أمانة، فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى، فقد جاء فى كتاب
النيل: " فإن قبلها: أى قبل الوصى الوصية لزمته حالة كونها أمانة فى عنقه،
وليجتهد فى إنفاذها لوجوب أداء الأمانة إلى أهلها (83) ".
__________
(1) الدر المختار ورد المحتار ج 3 ص 358، 359 طبعة دار الكتب العربية.
(2) الزيلعى " تبيين الحقائق " على الكنز ج 3 ص 208 الطبعة الأميرية.
(3) الزيلعى ج 3 ص 308.
(4) فتح القدير ج 4 ص 436 الطبعة الأميرية.
(5) الزيلعى ج3 ص 308 الطبعة الأميرية.
(6) الزيلعى ج3 ص 309.
(7) المبسوط ج11 ص 22 طبعة السا سى والعناية وفتح القدير والهداية ج 4 ص
438 الطبعة الأميرية.
(8) فتح القدير والهداية ج4 ص 438.
(9) الدر المختار ورد المحتار (ابن عابدين) ج3 ص 357 طبعة دار الكتب
العربية الكبرى.
(10) العناية على هامش فتح القدير ج 4 ص 437 الطبعة الأميرية.
(11) حاشية الشلبى على شرح الزيلعى للكنز ج 3 ص 302 الطبعة الأميرية.
(12) الزيلعى على الكنز ج 3 ص 309، 310 الطبعة الأميرية وفتح القدير ج 4 ص
439 الطبعة الأميرية.
(13) الدر المختار وشرحه رد المحتار (ابن عابدين) ج 3 ص 359 طبعة دار الكتب
العربية والزيلعى على الكنز ج 3 ص 310 الطبعة الأميرية.
(14) الزيلعى على الكنز ج 3 ص 310.
(15) الفتاوى الأنقروية ج 1 ص 199 الطبعة الأميرية.
(16) الدردير على الشرح الكبير ج 4 ص 60 ' 61 طبعة دار إحياء الكتب
العربية.
(17) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج4 ص 61 طبعة دار إحياء الكتب
العربية.
(18) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 64 طبعة دار إحياء
الكتب العربية.
(19) المرجع السابق ص 65 الطبعة السابقة.
(20) المرجع السابق ص64، 65 الطبعة السابقة.
(21) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 64 الطبعة السابقة.
(22) المرجع السابق ص 65 الطبعة السابقة.
(23) حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 4 ص 61.
(24) حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 4 ص 62 الطبعة السابقة.
(25) الشرح الكبير للدردير ومتنه ج 4 ص 60، 61 الطبعة السابقة.
(26) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 62 الطبعة السابقة.
(27) الأم للشافعى ج 4 ص 69 طبعة شركة الطباعة الفنية المتحدة ونشر مكتبة
الكليات الأزهرية.
(28) المنهاج وشرحه المغنى ج 4 ص 433، 434 طبعة مصطفى البابى الحلبى.
(29) شرح المغنى ج 2 ص 431 طبعة مصطفى الحلبى.
(30) ج 2 ص 434 الطبعة السابقة.
(31) ج 2 ص 430 الطبعة السابقة.
(32) ج 2 ص 430 الطبعة السابقة.
(33) ج 2 ص 276، 277 الطبعة السابقة.
(34) ج 1 ص 372 طبعة مطبعة أنصار السنة المحمدية.
(35) ج 2 ص 417 الطبعة الشرقية ص 1319.
(36) المغنى ج 6 ص 356 طبعة المنار سنة 1347.
(37) ج 6 ص 355 الطبعة السابقة.
(38) ج 6 ص 356، 357 طبعة المنار سنة 1347.
(39) ج 6 ص 354 الطبعة السابقة.
(40) ج 6 ص 352 الطبعة السابقة.
(41) ج 2 ص 419 طبعة العامرية الشرقية عام 1319.
(42) ج 6 ص 352 الطبعة السابقة.
(43) ج 6 ص 353 الطبعة السابقة.
(44) ج 6 ص 353 الطبعة السابقة.
(45) المغنى ج 6 ص 358 الطبعة السابقة.
(46) ج 6 ص 355.
(47) ج 3 ص 418 طبعة المطبعة العامرية الشرقية.
(48) ج 6 ص 356 طبعة المنار سنة 1347.
(49) ج 6 ص 98 الطبعة السابقة.
(50) ج 4 ص 495 الطبعة السابقة.
(51) ج 5 ص 423 طبعة دار المنار سنة 1947.
(52) انظر البحر الزخار ج 4 ص 62 - 63 الطبعة الأولى سنة 1949.
(53) ج 4 ص 63 الطبعة السابقة.
(54) ج4 ص 61 الطبعة السابقة.
(55) ج4 ص 61 الطبعة السابقة.
(56) البحر الزخار ج 4 ص 33 الطبعة السابقة.
(57) ج 4 ص 63 الطبعة السابقة.
(58) ج 4 ص 63 الطبعة السابقة.
(59) ج 4 ص 279 - 280 الطبعة السابقة.
(60) ج4 ص 282 الطبعة السابقة.
(61) ج4 ص 33 الطبعة السابقة.
(62) ج4 ص 120 طبعة سنة 1949م.
(63) ج4 ص 179 الطبعة السابقة.
(64) ج 8 ص 204 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.
(65) سورة الفتح: 29
(66) سورة المائدة: 2
(67) ج 8 ص 210 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.
(68) ج 2 ص 117 - 118 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(69) ج 2 ص 118 نشر المكتبة السابقة.
(70) ج 2 ص 118 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(71) ج 2 ص 117 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(72) ج 2 ص 117 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(73) ج 2 ص 118 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(74) ج 1 ص 173 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(75) ج2 ص 117 نشر مكتبة الحية ببيروت.
(76) ج2 ص 152 نشر مكتبة الحية ببيروت.
(77) ج2 ص 157 نشر مكتبة الحية ببيروت.
(78) ج7 ص 173 مطبعة النعمان بالنجف.
(79) ج2 ص 177 نشر مكتبة الحية ببيروت.
(80) ج ص 176 - 177 الطبعة السابقة.
(81) ج 5 ص 96.
(82) ج 5 ص 531.
(83) ج 6 ص 493.
نفقة الآبق والرجوع
بها
الحنفية:
يرى الحنفية أن آخذ الآبق إذا انفق عليه بدون إذن الحاكم يكون متبرعا، فلا
يرجع بما أنفق على سيده، أما إذا أذنه الحاكم فإنه يرجع على سيده بما أنفق
بشرط أن يقول فى إذنه له: " على أن ترجع بما أنفقت " فإذا لم يقل ذلك لا
يكون له الرجوع فى الأصح، وذلك لأنه لو أذنه بشرط الرجوع يكون دينا على
سيده، لأن للقاضى. ولاية فى مال الغائب، وهو هنا السيد وولايته على الآبق
نظرا لهما وقد يكون النظر بالإنفاق. أما إذا لم يشترط فى إذنه الرجوع فإنه
لا يكون دينا فى الأصح ولآخذ الآبق أن يحبسه عن السيد حتى يأخذ ما أنفق،
كما يصح للبائع أن يحبس المبيع حتى يأخذ الثمن (1) .
وإذا كان المنفق عليه السلطان فى حالة ما إذا عجز الآخذ عن حفظه وأتى به
إلى السلطان فإن السلطان ينفق عليه من بيت المال مدة حبسه، ثم يأخذ ما
أنفقه من صاحبه عندما يجىء لطلبه ويرده إلى بيت المال. فإذا لم يجىء للعبد
طالب وطالت مدته: بأن بلغت ثلاثة أيام كما جاء فى فتح القدير، وستة أشهر
كما جاء فى ابن عابدين نقلا عن التترخانية - باعه القاضى وامسك ثمنه بعد
أخذ ما أنفق لبيت المال منه. فإذا جاء مالكه وأقام البينة على أنه مالكه
وحلف أنه لا يزال على ملكه- وهو قائم فى يد المشترى- لا يأخذه ولا ينتقص
بيع القاضى، لأنه كحكمه، ولا يؤجره السلطان أو آخذه وينفق عليه من أجرته،
لأنه يخشى إباقه، ولا يقاس فى ذلك على الضال، لأن الضال لا يخشى إباقه، كما
أنه لا يقاس عليه فى عدم بيعه وإن طالت مدته، لأن الضال ينفق عليه من أجرته
فلا يخشى أن تستأصل النفقة ثمنه 0 أما الآبق فإن دارة النفقة تستأصل ثمنه.
ضرورة أن نفقته من ثمنه لا من أجرته (2) .
المالكية:
يرى المالكية أن نفقة العبد الآبق فى رقبة لا فى ذمة سيده، قال الدردير فى
الشرح الكبير فى حالة ما إذا أبق العابد الآبق من الملتقط: " لا يبين على
الملتقط (أى يصدق فى دعواه أنه أبق عنده من غير يمين) لأن نفقته على الآبق
فى رقبته فلا يتهم بالتفريط لضياع نفقته عليه (3) ".
ومعنى كونها فى رقبته أنه إذا جاء سيده لأخذه دفعها، لأن الرقبة للسيد: فقد
جاء فى حاشية الدسوقى: " إن نفقة الطعام والشراب والكسوة على ربه، ولو وجب
للعامل جعل المثل أو المسمى فإذا قام بها العامل رجع بها عليه (4) ".
وقد تقدم فى عنصر (حكم أخذ الآبق) أن الظاهر أنه يرجع على السيد أيضا بما
أنفقه على المحافظة على الآبق كأجرة الحارس إذا كان يخشى منه إيذاء لأنها
من متعلقات حفظه.
هذا إذا كان من رده غير معتاد لرد الإباق والضلال أما إذا كان معتادا ذلك
وقد وجب له الجعل، أو وجب له جعل المثل، فإن نفقة الآبق عليه ولو استغرقت
الجعل (5) .
أما إذا كان الآخذ قد رفعه إلى الأمام فإن الأمام ينفق عليه من بيت المال
مدة وقفه (أى حفظه) ، وهى سنة. فإذا جاء ربه أخذ منه النفقة وردها إلى بيت
المال. أما إذا لم يجىء إلى نهاية السنة فإنه يبيعه، كما أن له أن يبيعه
قبل مضيها إن خشى عليه ويأخذ ما أنفق من ثمنه ويرده إلى بيت المال (6) .
الشافعية:
يرى الشافعية أن الإنفاق على الآبق ممن أخذه ليرده يكون تبرعا إلا إذا كان
قد انفق عليه مدة الرجوع بإذن الحاكم، أو يشهد أن لم يجد الحاكم أنه أنفق
ليرجع، فقد جاء فى المغنى للخطيب الشربينى: " وإن أنفق عليه مدة الرجوع
فمتبرع إلا أن يأذن الحاكم، أو يشهد عند فقده (أى فقد الحاكم وعدم وجوده
عنده) ليرجع (7) ".
وليس له حبسه حتى يأخذ النفقة إذا كانت بإذن المالك، كما أنه لا يحبسه حتى
يأخذ الجعل، فقد جاء فى المغنى شرح المنهاج: " وإذا رده: أى الآبق على سيده
فليس له حبسه لقبض الجعل، لأن الاستحقاق بالتسليم. ولا حبس قبل التسليم.
وكذا لا يحبسه لاستيفاء ما أنفقه عليه بإذن المالك (8) ".
الحنابلة:
يرى الحنابلة أنه إذا أنفق عليه آخذه ليرده إلى سيده تكون النفقة على سيده،
يأخذها منه عند رده، فقد جاء فى مختصر الخرقى وشرحه المغنى: " وإذا أبق
العبد فلمن جاء به إلى سيده ما أنفق عليه. وإنما كان كذلك لأن نفقة العبد
على سيده، وقد قام الذى جاء به مقام سيده فى الواجب عليه، فرجع به عليه كما
لو أذن له، وأنه أدى عنه ما وجب عليه عند تعذر أدائه منه، فرجع به عليه،
كما أدى الحاكم عن الممتنع من الإنفاق على إمرأته ما يجب عليه من النفقة
(9) ".
الزيدية:
يرون أن آخذه ينفق عليه من كسبه إن كان له كسب، وإلا فكاللقطة، فقد جاء فى
البحر الزخار: " وينفق عليه من كسبه إن كان، وإلا فهو كاللقطة (10) ".
وقد ذكر حكم الإنفاق على اللقطة بقوله:
" يرى القاسمية أن عليه أن ينفق عليها ولو بنية الرجوع. ويرجع بما أنفق
عليها، أو لنقلها، ولو بغير إذن الحاكم. ويرى زيد بن على والناصر والمؤيد
بالله أنه لا ينفق عليها إلا بإذنه. قلنا: له الولاية على حفظها بدليل
مطالبة غاصبها بعينها أو قيمتها، فكذا إنفاقها، وله حبسها حتى يستوفى بما
أنفق (11) ".
الظاهرية:
يرى ابن حزم الظاهرى أن من وجد الضالة فأنفق عليها كان متبرعا، لأن صاحبه
لم يأذنه بذلك، فقد قال فى المحلى: " ولا يلزم من وجد متاعه إذا أخذه أن
يؤدى إلى الذى وجده عنده ما أنفق عليه، لأنه لم يأمره بذلك، فهو متطوع بما
أنفق ... ثم روى عن الشعبى: إن رجلا أضل بعيرا له نضوا أى مهزولا فأخذه رجل
فأنفق عليه حتى صلح وسمن، فوجده صاحبه عنده فخاصمه إلى عمر بن عبد العزيز
فقضى له بالنفقة ورد الدابة إلى صاحبها. قال الشعبى: أما أنا فأقول: يأخذ
ماله حيث وجده: سمينا أو مهزولا. ولا شىء عليه (12) ".
فهو 0 كما ترى يأخذ برأى الشعبى فى الضالة، والآبق عنده فى حكم الضالة كما
ذكرنا.
الشيعة الإمامية:
يرون أن نفقة الآبق تكون على مالكه، إن لم يكن قد وضع عليه يد ضامنة كيد
الغاصب، وقد تقدم أن ذكرنا ذلك حين الكلام على من يكون عليه الجعل، وقد قال
صاحب شرائع الإسلام: " ولو التقط مملوكا ذكرا أو أنثى لزمه حفظه وإيصاله
إلى صاحبه ... ثم قال: ولو أنفق عليه باعه فى النفقة إن تعسر عليه
استيفاؤها (13) ".
دية الآبق، ولمن تكون وعلى من يكون ضمان ما يتلفه هو؟
الحنفية:
يذهب الحنفية إلى أن حكم الآبق فى الجناية منه أو عليه كالحكم فيها فى
المصر، فقد جاء فى المبسوط للسرخسى: " والحكم فى جناية الآبق والجناية عليه
وفى حدوده كالحكم فيها فى المصر لأن الرق فيه باق بعد الإباق. وملك المولى
قائم فيه. وباعتباره يخاطب بالدفع والفداء عند قدرته عليه (14) " فتكون
ديته إذا قتل على وجه يستوجب الدية، أو قطع من أطرافه ما يستوجب الأرش-
لسيده. ودية العبد بقدر قيمته، ونصفها بقدر نصفها ومادون ذلك فبالنسبة
إليها.
أما متى تجب الدية كاملة أو نصفها أو دون ذلك فينظر فيه مصطلح (دية) .
ضمان ما يتلفه الآبق
حكم الآبق فى جنايته على شىء كالحكم فيها فى المصر كما قدمنا. والعبد فى
المصر قد تكون جنايته إتلافا للنفس أو لجزء من آدمى، وقد تكون إتلافا لمال،
فقد جاء فى الفتاوى الأنقروية بشأنهما " ففى الأول خير المولى بين الدفع
والفداء. وفى الثانى خير بين الدفع والبيع (15) ".
أما فى حالة القصاص فإنه لا بد أن يدفعه إلى الحاكم أو ولى الدم ليستوفى
منه القصاص إلا إذا رضى ولى الدم بالعفو عنه وتصالح على أخذ الدية. ومتى
اختار المولى أحد الأمرين الدفع أو الفداء فى الحالة الأولى وفعله فلا شىء
لولى الجناية سواه.
أما الدفع فلأن حق ولى الجناية متعلق به فإذا خلى بينه وبين الرقبة سقط حق
المطالبة عن المولى. وما الفداء فلأنه لا حق له إلا الأرش. فإذا أوفاه حقه
سلم العبد له. وكذا إذا اختار أحدهما قولا ولم يفعل، أو فعل ولم يختره قولا
يسقط حق ولى الجناية فى الأخر لأن المقصود تعيين المحل حتى يتمكن من
الاستيفاء. والتعيين يحصل بالقول كما يحصل بالفعل ولا فرق فيما ذكر بين أن
يكون المولى قادرا على الأرش أو غير قادر عند أبى حنيفة رحمه الله لأنه
اختار أصل حقهم إذ أصل حقهم الأرش، وإنما جاز دفع العبد تخفيفا عنه، ومتى
اختار أصل حقهم بطل حقهم فى العبد لأن ولاية التعيين للمولى لا لأولياء
الدم.
وقال الصاحبان: لا يصح اختياره الفداء إذا كان مفلسا إلا برضاء الأولياء،
لأن العبد صار حقهم بإفلاسه لأن الأصل عندهم دفع العبد، حتى إن المولى
يضمنه بالإتلاف، فلا يملك إبطال حقهم إلا برضاهم أو بوصول البدل إليهم، وهو
الدية. ومتى اختار أحدهما وجب عليه حالا (16) .
أما إن كان ما أتلفه مالا فقد بينا لك أنه مخير بين الدفع والبيع ليدفع
قيمة ما أتلفه فيما نقلناه عن الفتاوى الأنقروية، وإذا كان مرهونا فإن ما
يتلفه يكون على المرتهن إذا كانت قيمة العبد تساوى الدين أو أقل. أما إذا
كانت أكثر فإن قيمة ما يتلفه تقسم بين المرتهن والراهن بنسبة الدين
والزيادة فى القيمة (17) .
المالكية:
أما المالكية فعندهم دية العبد هى قيمته بالغة ما بلغت، فقد قال ابن رشد
الحفيد: " وأما إذا قتل العبد خطأ أو عمدا على من لا يرى القصاص فيه، فقال
قوم على القاتل قيمته بالغة ما بلغت وإن زادت على دية الحر وبه قال مالك
والشافعى وأبو يوسف " ... ثم قال: وعمدة مالك أنه مال قد أتلف فوجب فيه
القيمة أصله سائر الأموال (18) . وواضح ان الأبق لا يزال عبدا مملوكا لسيده
فديته تكون لسيده.
أما ما يتلفه العبد فأما أن يكون بجناية على الآدمى، وأما أن يكون بجناية
على المال. فإن كان بجناية على آدمى. فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية
الدسوقى عليه: "وإن قتل عبد عبدا مثله أو حرا عمدا وثبت القتل ببينة أو،
قسامة فى الحر- خير ولى المقتول ابتداء فى قتل العبد واستحيائه (أى طلب
بقائه حيا على أن يأخذه أو يأخذ الدية) فإن اختار القتل فواضح، وإن استحياه
فلسيده الخيار ثانيا فى أحد أمرين تسليمه، أو فداؤه (19) .
ومادام سيده له فداؤه فهو الذى سيكون ملزما بهذا الفداء نظير جناية العبد
الآبق وواضح أن هذا الخيار لا يتحقق إلا إذا كان الآبق قد رد فلا تلزمه هذه
الدية إلا بعد رد الآبق.
الشافعية:
يرى الشافعية أن دية الرقيق لسيده والآبق رقيق، فقد جاء فى الإشباه
والنظائر للسيوطى: من أستحق القصاص فعفى عنه على مال فهو له (20) - أنظر
جناية الرقيق وديته.
وقال فى الإشباه أيضا: " إذا جنى على عبد فى حال رقه فقطع يده مثلا ثم عتق
ومات بالسراية فوجب فيه دية حر فإن للسيد فيها على أصح القولين- أقل
الأمرين: من كل الدية ونصف القيمة (21) . ومعروف أن الآبق لا يزال عبدا.
فيكون حكمه ما ذكر.
أما ما يتلفه الآبق فإما بجناية على الآدمى، أو على المال. فإن كان جناية
على الآدمى وكانت موجبة للمال فقد قال صاحب المنهاج وشارحه صاحب المغنى: "
جناية العبد الموجبة للمال وهى ما كانت غير عمد أو عمدا وعفا ولى الجناية
على مال فالمال يتعلق برقبته بالإجماع كما حكاه البيهقى إذ لا يمكن الزامه
لسيده لأنه إضرار به مع براءته ولا أن يكون فى ذمة العبد إلى عتقه للإضرار
بالمستحقين " ثم بين صاحب المغنى معنى التعلق بالرقبة بأنه يباع ويصرف ثمنه
إلى الجناية، ولا يملكه المجنى عليه بنفس الجناية وإن كانت قيمته أقل من
أرشها لما فيه من إبطال حق السيد من التمكن من الفداء.. ثم بين هذا الفداء
فقال وله أيضا فداؤه فيتخير بين الأمرين فإن اختار الفداء فيفديه فى الجديد
بالأقل من قيمته ومن الأرش لأن الأقل إن كان القيمة فليس عليه غير تسليم
الرقبة وهى بدلها أو الأرش فهو الواجب ثم قال: وفى القديم يفديه بأرشها
بالغا ما بلغ لأنه لو سلمه ربما بيع بأكثر من قيمته (22) .
وواضح أن ثبوت حق الولى فى الاختيار إنما يكون بعد رد الآبق أما قبله فلا
يمكن الاختيار فينتظر إلى أن يرد فإذا لم يرد فلا شىء عليه، ويدل على هذا،
أو يوحى به ما جاء فى المنهاج والمغنى: " ولو هرب العبد الجانى أو مات قبل
اختيار السيد الفداء برىء سيده من عهدته لأن الحق متعلق برقبته وقد فاتت
إلا إذا طلب تسليمه منه ليباع فى الجناية فمنعه "..
ثم قال صاحب المغنى لو علم السيد موضع العبد الهارب وأمكنه رده- قال
الزركشى: يتجه أن الرد يجب لأن التسليم واجب عليه (23) .
وقد استثنوا من الخيار بين التسليم لتباع وبين الفداء ما إذا كان الجانى أم
ولد فقد جاء فى المنهاج والمغنى: " ويفدى السيد جوبا أم ولده الجانية حتما
بالأقل من قيمتها والأرش قطعا لأنه بالاستيلاء منع بيعها مع بقاء الرق فيها
فأشبه ما إذا جنى العبد فلم يسلمه للبيع ... ثم قال: وقيل فى جناية أم
ولده: القولان السابقان فى جناية القن. ولعل مأخذه جواز بيع أم الولد (24)
".
وعلى القول بوجوب الفداء، فى أم الولد يكون حق المجنى عليه قد تعلق بالسيد،
فقد قال السيوطى فى الأشباه والنظائر فى الأمور المتعلقة بالعبد: " الرابع
ما يتعلق بالسيد، وذلك جناية المستولدة والعبد الأعجمى (أى الذى أمره آمر
بالجناية فإنها تكون على الآمر لأنه يعتقد طاعة آمره) (25) أما ما يتلفه من
المال فإنه يباع فيه لأنه يتعلق برقبته فقد قال السيوطى فى الأشباه فى
الأمور المتعلقة بالعبد: الأول "ما يتعلق برقبته فيباع فيه وذلك أرش
الجناية، وبدل المتلفات سواء كان بإذن السيد أم لا، لوجوبه بغير رضا
المستحق (26) ".
وظاهر أن بيع الآبق إنما يكون بعد أن يرد.
الحنابلة:
يرى الحنابلة أن دية العبد تكون لسيده ولم يفرقوا بين كونه آبقا أو غير آبق
فقد جاء فى المحرر عند الكلام على ما يشترط لوجوب القود: " ولو قال العبد
اقتلنى أو إجرحنى ففعل المقول له ضمن الفاعل لسيده المال (27) ".
وقال فى المغنى " وإن قطع يد عبد فأعتق ثم عاد فقطع رجله وأندمل القطعان
فلا قصاص فى اليد لأنها قطعت حال رقه.
ويجب فيها نصف قيمته أو ما نقصه القطع لسيده (28) ".
أما ما يتلفه فإنه يتعلق برقبته سواء أكانت جناية على آدمى أو مال، فقد جاء
فى المحرر: وإذا جنى العبد خطأ أو عمدا لا قود فيه، أو فيه قود واختير فيه
المال أو أتلف مالا فسيده بالخيار بين شيئين فقط فداؤه أو بيعه فى الجناية
وعن أحمد رواية أخرى يخير بين الفداء أو دفعه بالجناية فقط. وعنه يخير بين
الثلاثة وهنالك تفصيلات أخرى انظر مصطلح (دية) .
الزيدية:
يرون أن دية العبد بقدر قيمته إلا بعض علماء الزيدية فإنهم يشترطون ألا
تزيد القيمة على دية الحر فغن زادت لم يضمن الزائد، ومن حيث أن الآبق لا
يزال مملوكا لسيده فهو داخل فى ذلك الحكم، وقد جاء فى البحر الزخار
عن دية العبد: " والعبد والمدبر وأم الولد مضمونون بالقيمة إذ هم مال
كالثياب والأسلحة " ثم نسب إلى زيد بن على، ولكتاب المنتخب، وللمؤيد بالله،
ويحى بن الحسين من علماء العترة وأبى العباس الهاشمى الحسنى. أنهم قالوا: "
إذا تعدت القيمة دية الحر لم يضمن الزائد لقول على عليه السلام (لا يزاد)
الخبر وهو توقيف وقد روى صاحب جواهر الأخبار كلام على - عليه السلام - فقال
العبد مال يؤدى ثمنه ولا تكون دية العبد أبدا أكثر من دية الحر (29) ".
وتكون أطراف العبد وأروشه (بدل جراحاته) منسوبة إلى قيمته فقد جاء فى البحر
الزخار منسوبا إلى العترة " وأطراف العبد وأروشه منسوبة إلى قيمته كنسبتها
إلى الدية فى الحر إذ روى عن على - عليه السلام - وعمر بن الخطاب ولم
يخالفا (30) ". وفى هذا تفصيل ينظر فى مصطلح " دية".
أما لمن تكون دية الآبق فالذى يدل عليه كلامهم أنها تكون للسيد لأنه لا
يزال عبدا له ودية العبد لسيده فقد جاء فى البحر الزخار منسوبا إلى المؤيد
بالله ويحيى بن الحسين أبو طالب من العترة " وإذا جنى على العبد فلمالكه
إمساكه ويطالب بالأرش كغيره من السلع (31) ".
أما جناية الآبق فإنها كجناية كل عبد تتعلق برقبته، فقد جاء فى البحر
الزخار:
" فإن هلك العبد وفى رقبته جناية لم ضمنه سيده. قلت: ولو بعد تمرده،
لتعلقها برقبته، إلا أن يموت بعد اختياره للفداء (32) ".
ومقتضى هذا أن الآبق كغيره فى تعلق الجناية برقبته. فإذا جنى ففى ذلك
تفصيل، لأنه إما أن يكون أبق من سيده، أو أبق ممن عليه ضمانه كالغاصب. فإن
كان قد أبق من سيده- فإن كانت جنايته على النفس تستوجب قصاصا فإنه يجب على
سيده تسليمه بعد الرد إلى ولى الجناية، فقد قال صاحب البحر الزخار: " وإذا
قتل عبد حرا سلمه مالكه لولى الجناية. ويخير ولى الجناية بين قتله،
واسترقاقه، والتصرف فيه بأنواع التصرف إذ الاسترقاق والتصرف أخف حكما من
القتل، وقد جاز القتل. وله أن يعفو أو يصالح (33) ".
أما إذا تنازل ولى الجناية عن القصاص على أن يعوض عن الجناية مالا فإن
السيد عند رده- يكون مخيرا بين تسليمه أو فدائه، فقد جاء فى البحر الزخار-
كما نقلنا سابقا- أن لولى الجناية أن يعفو أو يصالح والمصالح معه السيد،
وما دام قد صالح فإنه يكون الحكم كما لو جنى على عضو، وقد جاء فى البحر عن
الجناية على عضو: " وإذا جنى على طرف فللولى القصاص أو العفو بعوض أو لا،
إذ الحق له.
وإذا اختار الأرش خير السيد بين تسليمه أو فدائه بالغا ما بلغ. وكذا لو جنى
مالا قصاص فيه". هذا إذا كان قنا 0 أما إذا كان الجانى أم ولد (والفرض أنها
آبقة) فإنها لا تسلم للاسترقاق بل للقصاص، وقد جاء فى البحر الزخار فى ذلك:
" ولا تسلم أم الولد للاسترقاق، بل للقصاص، إلا عند من جوز البيع. وحيث
يسقط القصاص يلزم السيد الأقل من قيمتها أو الأرش ... ثم قال: فإن أعسر
السيد سعت فى قدر قيمتها فقط (34) ".
وأما إذا كان الجانى مكاتبا فإنه يسلم للقصاص وإن استحق فى الجناية أرش
لمصالحة ولى الجناية فإنه يكون من كسبه، ولا شىء على السيد، فقد جاء فى
البحر الزخار: " والمكاتب يقتص منه كالحر، لكن بشرط التكافؤ. ويتأرش من
كسبه " ولكن الإمام يحيى بن حمزة الحسينى قال على ما رواه صاحب البحر
الزخار: " إن أيسر السيد فعليه إلى قدر قوته كالمدبر، والجامع كونه عتق
بإذن مولاه. وإن أعسر فوجهان: يسعى فيه وفى الكتابة ويقدم ما طلب. فإن نفقت
فالجناية أقدم. إذ الدماء أعظم حرمة فإن عجز فكا لرق (35) " أما إذا كان
الجانى مدبرا فإنه يقدم للقصاص، لا للاسترقاق ولو رضى ولى الدم بالعوض
المالى فإن سيده يدفع الأرش، وقد قال صاحب البحر الزخار فى ذلك: " ويقتص من
المدبر كغيره، ولا يسترق، وما لا قصاص فيه فعلى سيده الموسر اتفاقا، كأم
الولد". ولكن القاسمية من الزيدية يرون أن هذا مقيد بيسار السيد، فقد قال
صاحب البحر الزخار " نقلا عن القاسمية فإن أعسر فالقن: يسلمه أو يفديه (36)
".
هذا إذا كانت جنايته على آدمى. أما إذا كانت جنايته على مال فإنها بناء على
أن الجناية تتعلق برقبته فيكون على المالك تسليمه لصاحب المال، أو الأرش
كله متى رد إليه، فقد جاء فى البحر الزخار: " عن المؤيد بالله، وأبى طالب
يحيى بن الحسين، وجناية العبد على المال تتعلق برقبته فيسلمها المالك، أو
كل الأرش. وقيل: بل قدر قيمته. قلنا: إمساكه حول الجناية إلى ذمة السيد
فضمنها ": أى أن السيد لما اختار إمساكه يكون قد حول الجناية إلى ذمته
فيضمنها (37) .
هذا فى القن أما المدبر وأم الولد فلا خيار للسيد بين التسليم ودفع الأرش
بل يلزم بدفع الأرش لأن تسليمها إنما يكون ليسترقهما من أصابه التلف، وهما
لا يسترقان وقد قال صاحب البحر الزخار فى هذا: " وأما أم الولد والمدبر
فتسليمهما للرق متعذر، فتعين فى ماله قيمتهما حيث لا قصاص ... ثم قال:
بخلاف القن فاختيار إمساكه اختيار لتسليم كل الأرش لصحة استرقاقه. وما زاد
على قيمتها من الأرش ففى رقبة المدبر، إذ يصح بيعه للضرورة وفى ذمة أم
الولد إذ لا يصح بيعها. أما جناية المكاتب فمن كسبه (38) ".
هذا كله إذا رد الآبق إلى السيد. أما إذا لم يرد بحيث يهلك قبل أن يرد فلا
شىء على السيد، كما لو هلك غير الآبق قبل أن يختار سيده التسليم فى الجناية
أو الفداء وهذا ما أفصح عنه صاحب البحر الزخار بقوله " وإن هلك العبد وفى
رقبته جناية لم يضمنه سيده. قلت: ولو بعد تمرده، لتعلقها برقبته إلا أن
يموت بعد اختياره للفداء (39) ".
ويكون السيد مختارا للفداء إذا عبر بذلك صراحة أو فعل ما يتضمن أنه اختار
الفداء بأن يعتقه أو يبيعه، أو يقتله بعد أن يكون قد علم جنايته، وهذا ما
ذكره صاحب البحر بقوله: " فإن أعتقه أو قتله أو باعه عالما فهو اختيار
للفداء فيلزمه، لا المشترى إذ لم تقع فى ملكه. وكذا لو رهنه بعد الجناية إذ
أوجب فيه حقا للغير كالبيع (40) ". أما إذا كان قد أبق ممن يضمنه كأن يكون
غاصب قد غصبه فإن ضمان جنايته على الغاصب وإن تعلقت برقبته. فقد قال صاحب
البحر الزخار: "وجناية المغصوب على غاصبه إلى قيمته أى مضمومة إلى قيمته ثم
فى رقبته. ثم قال: فإن قتل غاصبه اقتص منه الورثة، وعليهم قيمته من تركة
الغاصب. وكذا لو قتل العبد سيده اقتص منه ورثته، وضمن الغاصب قيمته، إذ لا
مسقط لضمانه (41) ".
الظاهرية:
الآبق لا يزال رقيقا، وملكه لا يزال لسيده، فالجناية عليه جناية على عبد
مملوك فإذا جنى عليه بما يستوجب الدية أو أرش الجناية فقد بينه ابن حزم
الظاهرى بقوله:
" وكل ما جنى على عبد أو أمة فإن فى الخطأ فى العبد وفى الأمة خطأ أو عمدا
ما نقص من قيمته بالغا ما بلغ. وأما العبد والأمة ففيما جنى عليهما عمدا
القود وما نقص من قيمتهما. أما القود فللمجنى عليه، وأما ما نقص من القيمة
فللسيد فيما اعتدى عليه من ماله (42) ".
ثم قال: " والعبد والأمة مال فعلى متلفهما مثل ما تعدى فيه بالغا ما بلغ
(43) ".
ومقتضى هذا أنه لا يحدد للرقيق دية: بأن تكون على النصف من دية الحر، أو
أنها قيمته ما لم تبلغ عشرة آلاف درهم فإن بلغت لا يعطى سيده إلا عشرة آلاف
درهم ينقص منها عشرة إن كان عبدا أو خمسة آلاف درهم ينقص منها خمسة إن كان
أمة، إلى غير ذلك مما لا يجعل الدبة قيمته بالغة ما بلغت ولو وصلت إلى
عشرين ألف درهم أو يزيد، وقد علل ابن حزم رأيه بأن العبد والأمة مال فعلى
متلفهما لسيدهما مثل ما تعدى فيه بالغا ما بلغ كما تقدم أما من حيث القصاص
إن كان القاتل عبدا أو حرا فينظر فيه مصطلح (قصاص) .
وأما ما يتلفه العبد آبقا أو غيره فقد بينه ابن حزم بقوله: " وأما جناية
العبد على مال غيره ففى مال العبد إن كان له مال. فإن لم يكن له مال ففى
ذمته يتبع بها حتى يكون له مال فى رقه أو بعد عتقه، وليس على سيده فداؤه،
لا بما قل، ولا بما كثر، ولا إسلامه فى جنايته ولا بيعه فيها وكذلك جناية
المدبر والمكاتب وأم الولد والمأذون وغير المأذون سواء. الدين والجناية فى
كل ذلك سواء (44) "
أما جناية العبد على النفس فإن كان القتل عمدا ففيه القصاص، وإن كان خطأ
ففيه الدبة المقررة. وينظر فى ذلك مصطلح (قصاص) ومصطلح (دية) . ولكن الدية
تكون على العبد آبقا أو غيره فى ماله إن كان له مال وألا تكون فى ذمته يتبع
بها إلى أن يكون له مال فى رقه أو بعد عتقه. ويرى ابن حزم أن العبد يملك
(45) .
الشيعة الإمامية:
يرون أن دية العبد (آبقا أو غيره) إنما هى قيمته، وإنها تكون لسيده، فقد
جاء فى شرائع الإسلام: "ودية العبد قيمته ولو جاوزت دية الحر ردت إليها ...
ثم قال: ودية أعضائه وجراحاته، مقيسة على دية الحر، فما فيه دية ففى العبد
قيمته كاللسان لكن لو كان قد جنى عليه جان بما فيه قيمته لم يكن لمولاه
المطالبة إلا مع دفعه. وكل ما فيه مقدر فى الحر من ديته فهو فى العبد كذلك
من قيمته: ولو جنى عليه جان بما لا يستوعب قيمته كان لمولاه المطالبة بدية
الجناية مع إمساك العبد وليس له دفع العبد والمطالبة بقيمته (46) ".
أما تفصيل الديات من حيث وجوب كلها أو نصفها أو غير ذلك- فلينظر فيه مصطلح
(دية) .
وأما ما يجنيه العبد (آبقا أو غيره) فإما أن يكون جناية على النفس، وإما أن
يكون جناية على المال.
فإن كان جناية على النفس ووجب فيه الماء فصاحبه مخير بين فدائه ودفعه
بالجناية فقد جاء فى شرائع الإسلام " ولو جنى العبد على الحر خطأ لم يضمنه
المولى، ودفعه إن شاء أو فداه بأرش الجناية، والخيار فى ذلك إليه. ولا
يتخير المجنى عليه. وكذا لو كانت جنايته لا تستوعب ديته تخير مولاه فى دفع
أرش الجناية أو تسليم العبد ليسترق منه بقدر تلك الجناية. ويستوى فى ذلك
كله القن والمدبر: ذكرا كان أو أنثى. وفى أم الولد تردد على ما مضى-
والأقرب أنها كالقن فإذا دفعها المالك فى جنايتها استرقها المجنى عليه أو
ورثته، وفى رواية جنايتها على مولاها (47) ".
ومقتضى ما تقدم أن ما يتلفه العبد (آبقا أو غيره) بالجناية على النفس أو
الأطراف يتعلق برقبته، وقد صرح بهذا صاحب شرائع الإسلام حيث قال: " ولو قتل
العبد عبدا عمدا فالقود لمولاه، فإن قتل جاز، وإن طلب الدية تعلقت برقبة
الجانى، وإن تساوت القيمتان كان لمولى المقتول استرقاقه، ولا يضمنه مولاه،
لكن لو تبرع فكه بقيمة الجناية (48) ".
وكذلك ما يتلفه من المال يتعلق برقبته، وقد بين هذا صاحب شرائع الإسلام حيث
يقول: " ولو اركب مملوكه دابة ضمن المولى جناية الراكب، - ومن الأصحاب من
شرط صغر المملوك وهو حسن. ولو كان بالغا كانت الجناية فى رقبته إن كانت على
نفس آدمى. ولو كانت على مال لم يضمن المولى. وهل يسعى فيه العبد؟ الأقرب
أنه يتبع به إذا عتق (49) ".
وقال فى موضع آخر: " إذا التقط العبد ولم يعلم المولى فعرف حولا ثم أتلف
العبد اللقطة تعلق الضمان برقبته يتبع بذلك إذا أعتق كالغرض الفاسد (50) ".
الإباضية:
الآبق لا يزال على ملك سيده فحكمه فى الدية حكم كل العبيد. ودية الرقيق قدر
قيمته فقد جاء فى كتاب النيل: " ودية الرقيق قدر قيمته، ولا يجاوز بها دية
حر (51) ".
هذا إذا كان قد قتل إما إذا كان قد جرح جراحة فيها دية فعلى نحو ما فى الحر
بالنسبة لقيمته فقد جاء فى كتاب النيل: " وما فى حر كنصف ديته أو ثلثها ففى
الرقيق كذلك، والتام كالتام ... الخ (52) ".
وتكون الدية إذا قتله حر، فقد جاء فى كتاب النيل: " والحر لا يقتل بالعبد،
وعليه قيمته (53) ".
ومقتضى النص الذى قبل هذا أن الواجب القيمة ما لم تبلغ دية الحر، ولكن جاء
فى كتاب النيل فى موضع آخر: " ثم رأيت ما نصه: ومن قتل عبدا فعليه قيمته:
عمدا أو خطأ، وإن جاوزت دية الحر (54) ".
أما إذا قتله عبد فإن ربه مخير بين عدة أمور ذكرها صاحب النيل ومتنه فيما
يأتى: " وإن قتل العبد عبدا مثله فى القيمة خير رب العبد القتيل فى أخذه،
أو أخذ قيمته، أو فى قتله أو العفو، وقد مر حكم كون العبد القاتل أكثر قيمة
من العبد المقتول إذ قال (أى صاحب المتن) ولا عبدا أكثر قيمة بآخر حتى يرد
ربه الفضل. وخير رب العبد القتيل فى أخذ العبد القاتل أو قيمته، أو قتله أو
العفو فى عكسه، وهو أن يكون العبد القاتل أقل قيمة (55) " وواضح من النصوص
المتقدمة أن ديته تكون لسيده. أما إذا جنى الآبق على غيره فإن جنايته إما
أن تكون على النفس أو على المال، فإن كانت على النفس بقتل عمد أو خطأ فقد
بين صاحب النيل حكمه بقوله: " وإن قتل عبد حر اولو خطأ فهو أى العبد لوليه
أى لولى الحر مطلقا: شاء سيده أو ولى القتيل أو كره أحدهما، استحقه بوليه:
إن شاء استعبده وإن شاء قتله. كما أنه إذا أراد الولى قتل الحر الذى قتل
وليه أدرك ذلك ولو أراد القاتل أن يعطى الدية: شاء الولى قيمة العبد أو لا.
ماله إلا العبد وقيل له العبد إن شاء، وإلا أدرك قيمته على سيده. وقيل: إن
قتله عمدا فله العبد لا غيره أو خطأ فالخيار لربه ".
أما إذا كانت جنايته لم تصل إلى القتل: بأن كانت جروحا أو غيرها فقد بين
صاحب النيل الحكم فى ذلك إذ يقول " ودون النفس من الجروح والآثار وقوات
المنافع كالصمم- الخيار لربه إذا كان الجرح مثل قيمة العبد أو كثر. وكذا
غير الجرح كذهاب السمع. فإن شاء رب العبد أعطاه ذلك العبد، وإن شاء أعطاه
قيمته بتقويم العدول. وإن كان أقل من نفس العبد فالأرش (56) ".
وأما إذا كانت جنايته على عبد مثله فى القيمة، أو أكثر منه أو أقل بالقتل
فقد تقدم حكمه فى النص الذى قدمناه فى الجناية على العبد.
وأما إذا أتلف مالا فى عمد أو خطأ فلا يلزم ربه أكثر من قيمته (57) ، وذلك
يظهر من قول صاحب النيل وشارحه " والعبد إن قتل أو قتل خطأ. أو أفسد بالخطأ
مالا لم يلزم عاقلة ربه، إذ لا تعقل عبدا ولا عمدا: أى ما تعمده الإنسان-
ولا اعترافا: أى ما أقر به الجانى قبل أن يبين عليه بالبينة العادلة، ولا
صلحا ... إلى أن قال: ولا يلزم ربه أكثر من قيمته وإن فى عمد، إن لم يأمره،
وإن أمره لزمه كل ما فعل فى مال أو نفس ولو ديات أو أموالا عظيمة ".
وما دام كلامنا فى جناية الآبق حين إباقه فغير معقول أن يكون سيده أمره
بالإتلاف وحينئذ لا يكون على ربه كثر من قيمته.
__________
(1) مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر ج1 ص 434، 436 طبعة دار الطباعة العامرة.
(2) فتح القدير ج 4 ص 435 الطبعة الأميرية. ابن عابدين ج 4 ص 256 طبعة دار
الكتب العربية.
(3) ج 4 ص128 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(4) ج 4 ص 65 الطبعة السابقة
(5) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج4 ص 65 الطبعة السابقة.
(6) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 127 طبعة دار إحياء الكتب
العربية.
(7) ج2 ص 434 طبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده.
(8) ج 2 ص 434 طبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده.
(9) ج 9 ص 317 طبعة المنار سنة 1347.
(10) ج 4 ص 279 - 280 الطبعة الأولى سنة 1949.
(11) ج 4 ص 281 - 282 الطبعة الأولى سنة 1949.
(12) ج 8 ص 241 إدارة الطباعة المنيرية.
(13) ج 2 ص 173 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(14) ج11 ص 23 طبعة الساسى.
(15) ج1 ص 184 الطبعة الأميرية.
(16) الزيلعى تبيين الحقائق، شرح الكنز ج6 ص 154 الطبعة الأميرية.
(17) فتح القدير ج 4 ص 439 الطبعة الأميرية.
(18) بداية المجتهد ج 2 ص 347 طبعة الأستانة.
(19) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 241 طبعة مصطفى الحلبى
وأولاده.
(20) الإشباه والنظائر للسيوطى ص 350 طبعة المكتبة التجارية.
(21) الإشباه والنظائر للسيوطى ص 360 طبعة المكتبة التجارية.
(22) المنهاج وشرحه المغنى ج 4 ص 100 طبعة الحلبى سنة 1377هجرية
(23) المنهاج وشرحه المغنى ج4 ص 101، 102 طبعة مصطفى الحلبى سنة 1377هجرية
1958م.
(24) المنهاج والمغنى ج 4 ص 101، 102 الطبعة السابقة.
(25) المغنى ج 4 ص 100، 197 الطبعة التجارية.
(26) ص 196 طبعة المكتبة التجارية.
(27) ج2 ص 125 طبعة السنة المحمدية.
(28) ج 9 ص 401 طبعة المنار سنة 1348.
(29) البحر الزخار وجواهر الأخبار معه ج 5 ص 261 الطبعة الأولى 949.
(30) البحر الزخار الجزء والصفحة السابقة.
(31) ج 5 ص 261 الطبعة السابقة
(32) ج5 ص 263 الطبعة السابقة.
(33) ج5 ص 263 الطبعة السابقة.
(34) ج 5 ص263 الطبعة السابقة.
(35) ج5 ص263 الطبعة السابقة.
(36) الجزء والصفحة والطبعة السابقة.
(37) انظر ج5 ص 267 الطبعة الأولى سنة 1949.
(38) انظر ج5 ص 268 الطبعة السابقة.
(39) ج5 ص 268 الطبعة السابقة.
(40) ج5 ص 268 الطبعة السابقة.
(41) ج5 ص 264 الطبعة السابقة.
(42) المحلى ج 8 ص 149طبعة إدارة الطباعة المنيرية.
(43) المحلى ج 8 ص 155 الطبعة السابقة.
(45) المحلى ج 8 ص 156 الطبعة السابقة.
(46) المحلى ج 8 ص 159 الطبعة السابقة.
(47) ج ص 290 نشر مكتبة الحياة.
(48) شرائع الإسلام ج 2 ص 290 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(49) ج 2 ص 270 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(50) ج 2 ص 296 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(51) ج2 ص 179 نشر مكتبة الحياة.
(52) ج 8 ص 57 المطبعة السلفية.
(53) ج 8 ص 58 المطبعة السلفية.
(54) ج 8 ص 178.
(55) ج 8 ص 59 المطبعة السلفية.
(56) ج 8 ص 189 - 190 طبعة المطبعة السلفية.
(57) ج 8 ص 189 الطبعة السابقة.
(58) ج 8 ص 107 طبعة المطبعة السلفية.
بيع الآبق ومتى
يجوز؟
الحنفية:
بيع الآبق قد يكون من المالك وقد يكون من القاضى وقد يكون من الآخذ فالمالك
يصح له أن يبيعه إن كان قادرا على تسليمه للمشترى، وذلك بأن يحضر به الآخذ
إلى سيده ليرده فباعه إليه السيد قبل تسليمه فعلا لأنه بالتخلية بين الأبق
والراد يعتبر مسلما فقد جاء فى المبسوط: " وإذا انتهى الرجل بالعبد الآبق
إلى مولاه فلما نظر إليه أعتقه فالجعل واجب ... إلى أن قال: وكذلك إن باعه
مولاه من الذى أتاه به لأنه صار قابضا له لما نفذ تصرفه فيه بالتمليك من
غيره ". " أى الراد " (1) .
بخلاف ما إذا باعه لغير واجده فإنه لا يجوز للعجز عن التسليم.
قال صاحب المبسوط: " ويجوز بيع الآبق ممن أخذه " أى لمن أخذه لأن امتناع
جواز بيعه من غيره لعجزه عن التسليم إليه ولا يوجد ذلك هنا لأنه بنفس العقد
يصير مسلما إلى المشترى لقيام يده فيه فلهذا جاز بيعه منه (2) .
أما بيع القاضى له فإنه يكون له بيعه إذا حبسه وطالت مدة حبسه ولم يحضر
صاحبه ليأخذه، وقد جاء فى فتح القدير أن طول هذه المدة يقدر بثلاثة أيام
(3) .
وعلل ذلك بأن دارة النفقة أى استمرارها مستأصلة ولا نظر فى ذلك للمالك بحسب
الظاهر، واعتبره فى هذا بالضالة الملتقطة.
ولكن صاحب الفتاوى الأنقروية قد ذكر نقلا عن التترخانية أن مدة هذا الحبس
تقدر بستة أشهر ثم يبيعه بعدها (4) .
أما آخذه، فإنه لا يصح له بيعه إلا إذا كان ذلك بأمر القاضى فقد جاء فى
المبسوط: "دخل أخذ عبدا آبقا فباعه بغير إذن القاضى ثم أقام المولى بينة
أنه عبده فإنه يسترده من المشترى والبيع باطل لأن الآخذ باعه بغير ولاية له
فإن ولاية تنفيذ البيع له فى ملك الغير إنما تثبت بإذن المولى أو إذن
القاضى بعد ما تثبت الولاية له فإذا باعه بدون إذن القاضى كان البيع باطلا
(5) ".
المالكية:
يرى المالكية أن بيع المالك للآبق حال إباقه لا يصح إلا إذا علم المبتاع
مكانه وإنه عند من يسهل أخذه منه وعلم صفته، فقد قال الدسوقى فى حاشيته على
الشرح الكبير نقلا على المتيطى: " ويجوز بيع العبد الآبق إذا علم المبتاع
موضعه وصفته وكان عند من يسهل خلاصه منه فإن وجد هذا الآبق على الصفة التى
علمها المبتاع قبضه وصح البيع وإن وجده قد تغير أو تلف كان ضمانه من البائع
ويسترجع المبتاع الثمن (6) ".
أما القاضى فله بيعه بعد مضى سنة والقاضى. هنا هو الإمام أو القاضى الذى
أنابه عنه فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: " فإن أخذه (أى
الملتقط) رفعه إلى الأمام رجاء من يطلبه منه ووقف عند الإمام سنة: أى وينفق
عليه فيها فإن أرسله فيها ضمن ثم إذا مضت السنة ولم يجئ ربه بأن الإمام: أى
إذا لم يخش عليه قبلها وإلا بيع قبلها ولا يهمل أمره بل يكتب اسمه وحليته
"أى أوصافه " مع بيان التاريخ والبلد وغير ذلك مما يحتاج إلى تسجيله ويشهد
على ذلك ويجعل ثمنه فى بيت المال حتى يعلم ربه ويأخذ النفقة التى أنفقها
عليه فى السنة من ثمنه ولا يلزمه الصبر إلى أن يحضر ربه وكذا أجرة الدلال
ومضى بيعه وإذا قال ربه عند حضوره: كنت أعتقته سابقا قبل الإباق أو بعده لا
يلتفت إلى قوله لاتهامه على نقض بيع القاضى ولكن إذا أقام بينة عمل بها
ونقض البيع (7) ".
وأما الآخذ فلا يصح له بيعه فقد جاء فى حاشية الدسوقى والشرح الكبير: "ولا
يلزمه (أى القاضى) الصبر (أى بنفقته وعدم بيعه) إلى أن يحضر ربه: أى بخلاف
من أخذه لكونه يعرف ربه فإنه يلزمه الصبر بنفقته حتى يحضر دبه ولا يجوز له
بيعه وأخذ نفقته من الثمن قبل أن يجئ ربه (8) ".
الشافعية:
يرى الشافعية أنه لا يصح للمالك بيع الآبق ولا الضال ولا الرقيق المنقطع
خبره ولا المغصوب لأنه غير مقدور على تسليمه ولكنهم استثنوا بعض حالات يصبح
فيها هذا البيع فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى: " الثالث
(أى من شروط البيع) إمكان تسليمه فلا يصح بيع الضال والرقيق المنقطع خبره
والمغصوب من غير غاصبه للعجز عن تسليم ذلك حالا ... ثم قال: فإن باعه: أى
المغصوب لقادر على انتزاعه دونه أو الآبق لقادر على رده دونه صح على الصحيح
نظرا لوصوله إليهما إلا أن احتاجت قدرته إلى مؤنة فالظاهر البطلان. والثانى
(أى المقابل للصحيح) لا يصح لأن التسليم واجب على البائع وهو عاجز عنه أما
إذا كان البائع قادرا على انتزاعه أو رده فإنه يصح بلا خلاف إلا إذا كان
فيه تعب شديد والأصح عدم الصحة " (9) .
أما الوالى ومن ينوب عنه كالقاضى فإنه يجوز له بيعه إذا كان قد وصل إليه
فقد جاء فى الأم للشافعى: " وإذا كانت الضالة فى يدى الوالى فباعها فالبيع
جائز ولسيد الضالة ثمنها فإن كانت عبدا فزعم سيد العبد أنه اعتقه قبل البيع
قبلت قوله مع يمينه إن شاء المشترى يمينه وفسخت البيع وجعلته حرا ورددت
المشترى بالثمن الذى أخذ منه.
قال الربيع: وفيه قول آخر أنه لا يفسخ البيع إلا ببينة تقوم لأن بيع الوالى
كبيع صاحبة فلا يفسخ بيعه إلا ببينة أنه أعتقه قبل بيعه " (10) .
والشافعى قد جعل الآبق والضال متماثلان فى هذا الحكم لأنهما فى حكم اللقطة
فقد جاء عنه فى الأم: " وإذا كان فى يدى رجل العبد الآبق أو الضال من
الضوال فجاء سيده فمثل اللقطة ".
الحنابلة:
يرى الحنابلة أنه يجوز للمالك بيع عبده الآبق فى بعض الحالات فقد جاء فى
الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى " ولا يجوز بيع المغصوب لعدم إمكان تسليمه
فإن باعه لغاصبه أو القادر على أخذه منه جاز لعدم الغرر فيه ولا مكان قبضه،
وكذلك إن باع الآبق لقادر عليه صح كذلك وإن ظن أنه قادر على استنقاذه ممن
هو فى يده صح البيع فإن عجز عن استنقاذه منه فله الخيار بين الفسخ والإمضاء
لأن العقد صح لكونه مظنون القدرة على قبضه وثبت له الفسخ للعجز عن القبض "
(11) .
أما الإمام أو نائبه كالقاضى فإنه يبيعه إذا رأى المصلحة فى ذلك فقد جاء فى
المغنى لابن قدامة:
" وإن لم يجد (أى الآخذ) سيده دفعه إلى الإمام أو نائبه فيحفظه لصاحبه أو
يبيعه إن رأى المصلحة فى بيعه " (12) .
وأما الآخذ فإنه لا يجوز له بيعه فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " وليس
لملتقطه بيعه ولا تملكه بعد تعريفه لأن العبد يتحفظ بنفسه فهو كضوال الإبل
فإن باعه فالبيع فاسد" (13) .
الزيدية:
يرى بعض الزيدية أن بيع العبد الآبق لا يجوز ويرى بعض آخر أنه موقوف ويرى
بعض ثالث أنه يجوز لمن يكون فى يده وهذا يظهر من عبارة صاحب البحر الزخار:
عن الهادى والمؤيد بالله: ولا " معطوف على عدم جواز البيع فيما سبق " العبد
الآبق والمسروق والفرس الشارد ونحوه، لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع
الغرر ... ثم نسب " إلى تخريج أبى العباس أحمد بن إبراهيم الهاشمى الحسنى
الذى كان إماميا ثم تزيد وإلى المؤيد بالله أحمد بن الحسيين الحسنى الآملى
وإلى أبى طالب يحى بن الحسين ": يصح موقوفا على التسليم لعموم: " وأحل الله
البيع وحر م الربا " (14) مع خيار التعذر وقد رده صاحب البحر بقوله: " قلنا
يلزم فى الطير " أى مع أن هؤلاء لم يقولوا به ونسب إلى العترة: " فأما إلى
من أبق إليه فيجوز إذ لا غرر (15) " وخيار التعذر الذى ذكره هو الذى يكون
للبائع والمشترى مدة ثلاثة أيام عند بيع ما يتعذر تسليمه فى الحال وقيل
للمشترى فقط إن جهل لا إن علم (16) .
الظاهرية:
يرى ابن حزم الظاهرى أن بيع الآبق جائز: عرف مكانه أو لم يعرف دون تفصيل فى
المشترى من حيث قدرته على أخذه أو معرفته لمكانه أو غير ذلك فقد جاء فى
المحلى له: " وبيع العبد الآبق: عرف مكانه أو لم يعرف جائز وكذلك بيع الجمل
الشارد: عرف مكانه أو لم يعرف وكذلك الشارد من سائر الحيوان ومن الطير
المتفلت وغيره إذا صح الملك عليه قبل ذلك وإلا فلا يحل بيعه ثم قال: وكل ما
ملكه المرء فحكمه فيه نافذ بالنص إن شاء وهبه وإن شاء باعه وإن شاء أمسكه
وإن مات فهو موروث عنه (17) .
وقد بنى هذا على الملك كما تقدم وعلى أن التسليم ليس بلازم ولم يوجبه
القرآن ولا السنة ولا دليل أصلا وإنما اللازم ألا يحول البائع بين المشترى
وبين ما بيع له فقط ثم قال: " ويملكه المشترى ملكا صحيحا فإن وجده فذلك وإن
لم يجده فقد استعاض الأجر الذى هو خير من الدنيا وما فيها وربحت صفقته (18)
.
الشيعة الإمامية:
لا يصح عندهم بيع الآبق إلا إذا انضم إليه فى الصفقة شىء آخر مقدور التسليم
وقد بين هذا صاحب شرائع الإسلام فقال: " الثالث (أى من شروط المبيع) أن
يكون مقدورا على تسليمه فلا يصح بيع الآبق منفردا ويصح منضما إلى ما يصح
بيعه ولو لم يظفر به لم يكن له رجوع على البائع وكان الثمن مقابلا للضميمة
" (19) .
الإباضية:
لا يجوز عندهم بيع العبد الآبق حال إباقه فقد جاء فى كتاب النيل: " والأكثر
على منع بيع سمك فى بركة.. ثم قال: وذلك للجهل به وهو فى الماء، إذ لا
يتبين فيه، ولأنه قد لا يملك قبضه، لامتناعه بالماء وأبق: بهمزة مفتوحة
تليها باء مكسورة وهو الإنسان المملوك الهارب فى إباقته: بكسر الهمزة.
ومثله بيع حيوان فى نفاره وهروبه) " (20) .
هل الإباق عيب فى العبد
الحنفية:
الإباق عيب فى العبد عندهم، بخلاف الهرب، اذ الإباق الهرب من غير ظلم السيد
له أما الهرب فيكون إذا كان السيد قد ظلمه. قال صاحب الجوهرة نقلا عن
الثعالبى: الآبق الهارب من غير ظلم السيد له، فإن هرب من الظلم لا يسمى
آبقا، بل يسمى هاربا فعلى هذا الإباق عيب والهرب ليس بعيب (21) . وعلى ذلك
يكون للمشترى رده بالعيب.
المالكية:
الإباق عند المالكية عيب فى العبد كالحنفية، فقد قال ابن رشد الجد فى
المقدمات الممهدات حين الكلام على العيوب التى يرد بها. "وهذا فى العيوب
التي تكون ظاهرة فى البدن، وأما ما لا يظهر: من الإباق والسرقة وما أشبه
ذلك فادعى المبتاع أنه كان بالعبد قديما فقال ابن القاسم يحلف البائع واحتج
بروايته عن مالك، وقال أشهب لا يمين عليه " وقد بين حكم البيع بوجود العيوب
قديمة فقال: " فأما العيب القديم فيرد به فى القيام والرجوع بقيمته فى
الفوات (22) ".
الشافعية:
كذلك يرى الشافعية إن الإباق عيب، ولكن لهم فيه تفصيل بينه صاحب المغنى فى
شرحه للمنهاج وقال عند قول صاحب المنهاج (للمشترى الخيار لظهور عيب قديم
كخصاء رقيق وزناه وسرقته وإباقه) : "أى كل منها، وإن لم يتكرر ولو تاب
منها.. ثم قال: وما تقرر من أن السرقة والإباق مع التوبة عيب هو المعتمد..
خلافا لبعض المتأخرين.. ثم قال: واستثنى من إباق العبد ما لو خرج عبد من
بلاد الهدنة بعد أن اسلم وجاء إلينا فللإمام بيعه، ولا يجعل بذلك إباقا من
سيده موجبا للرد، لأن هذا الإباق مطلوب (23) ".
الحنابلة:
الإباق عيب فى العبد عندهم، وذلك إذا كان قد جاوز العاشرة، لأن الصبى
العاقل يتحرز من مثل هذا عادة كتحرز الكبير، فوجوده منه فى تلك الحال يدل
على أن الإباق لخبث فى طبعه وحد ذلك بالعشر، لأن النبى - صلى الله عليه
وسلم- أمر بتأديب الصبى على ترك الصلاة عندها، والتفريق بينهم فى المضاجع
لبلوغها. أما من دون ذلك فيكون هذا منه لضعف عقله وعدم تثبته (24) .
الزيدية:
يرى الزيدية إن الإباق عيب فى العبد يكون للمشترى الخيار معه، لأنه وصف
مذموم تنقص به قيمة ما اتصف به عن قيمة جنسه السليم، فقد قال صاحب البحر "
فى التمثيل للعيوب التى تنقص بها القيمة: نقصان عين كالعور، أو زيادة.
كالإصبع الزائد ... أو حال كالبخر والإباق (25) .
ولكنه لا يكون عيبا إلا فى الكبير إذا عاد الإباق عند المشترى. قال فى
البحر بصدد تعداد العيوب: " والإباق والصرع ونحوه، ولا يرد به حتى يعود مع
المشترى لتجويز زواله 0 ولو أبق صغيرا ثم أبق عند المشترى كبيرا لم يرد لما
".. ثم قال منسوبا إلى الإمام: " وحد الكبر البلوغ، وقيل المراهقة. قلنا:
البلوغ أضبط وأقيس (26) ".
الظاهرية:
يرى ابن حزم الظاهرى- كغيره من الفقهاء السابقين- أن الإباق عيب يرد به
المبيع إن لم يبين له، فقد قال فى المحلى: " ومن اشترى عبدا أو أمة فبين له
بعيب الإباق أو الصرع فرضيه فقد لزمه، ولا رجوع له بشيء: عرف مدة الإباق
وصفة الصرع أو لم يبين له ذلك، لأن جميع أنواع الإباق إباق، وجميع أنواع
الصرع صرع، وقد رضى بجملة إطلاق ذلك. فلو قلل له الأمر فوجد خلاف ما بين له
بطلت الصفقة، لأنه غير ما اشترى. ولو وجد زيادة على ما بين لة فله الخيار
فى رد أو إمساك، لأنه عيب لم يبين له (27) ".
الشيعة الإمامية:
يرون أن الإباق عيب فى العبد يرد به فى البيع إذا ثبت انه آبق عند بائعه،
قال الطوسى فى تهذيب الأحكام رواية عن الرضى يقول: " يرد المملوك من أحداث
السنة: من الجنون والجزام والبرص. فإذا اشتريت مملوكا فوجدت فيه شيئا من
هذه الخصال ما بينك وبين ذى الحجة فرده على صاحبه. فقال له محمد بن على
فأبق، قال: لا يرد إلا أن يقيم البينة أنه أبق عنده (28) .
الإباضية:
الإباق عندهم عيب فى العبد يرد به عند البيع، فقد جاء فى كتاب النيل- فى
أثناء ذكر عيوب المبيع: " وإباقه، وغصب، وشرك (29) .
طريق ثبوت ملكية الآبق لمدعيها
وما يلزم فى ذلك
الحنفية:
إذا حبس الإمام الآبق فجاء رجل وادعاه يلزم أن يقيم بينة أنه عبده، فإذا
أقامها يستحلفه بالله أنه باق غلى الآن على ملكه لم يخرج ببيع ولا هبة،
فإذا حلف دفعه إليه.
وهذا الاستحلاف لاحتمال أنه عرض بعد علم الشهود بثبوت ملكه على وجه زواله
بسبب لا يعلمونه. وإنما يستحلفه مع عدم وجود خصم يدعى لصيانة قضائه من
الخطأ، ونظرا لمن هو عاجز عن النظر لنفسه من مشتر أو موهوب له. ثم إذا دفعة
لة عن بينة ففى أولوية أخذ الكفيل وتركه روايتان وكذلك يثبت الملك بإقرار
العبد أنه لة، فيدفعه له إذا أقر العبد بذلك. ولكن هنا يجب أن يأخذ من
المدفوع إليه كفيلا رواية واحدة (30)
هذا إذا كان فى يد السلطان وهو الذى يدفعه إليه. أما إذا كان فى يد الآخذ
له فإن الأوثق ألا يدفعه إليه إلا بأمر القاضى. فإذا دفعه بغير أمر القاضى
فهلك فى يد المدفوع إليه ثم جاء رجل فاستحقه فله أن يضمن الدافع إن شاء.
وإن شاء يضمن المدفوع إليه، فإن ضمن الدافع ينظر فإن كان الدافع حين دفعه
إليه صدقه أنه له لا يرجع عليه بما ضمن. وإن كان حين دفعه كذبه، أو لم
يكذبه ولما يصدقه، أو صدقه وضمن. فله أن يرجع عليه فى الآبق (31) .
وإذا دفعه بأمر القاضى لا يكون له أن يأخذ عليه كفيلا بعد ثبوت أنه له،
وإذا دفعه يغير أمر بمجرد العلامة أو تصديق العبد الآبق أنه سيده كان له أن
يأخذ كفيلا (32) .
المالكية:
يستحق - عندهم- سيد الآبق آبقه إن كان تحت يد ملتقطه بشاهد ويمين. وقد جاء
فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: " واستحقه سيده من يد الملتقط إذا
كان لا يعرف سيده فحضر إنسان وادعى إنه سيده فإنه يستحقه بشاهد ويمين (أى
يمين المدعى أنه عبده) وأولى من الشاهد واليمين فى استحقاقه بهما الشاهدان،
يستحقه بشهادتهما من غير يمين، ويأخذه مدعيه حوزا لا ملكا إن لم يكن إلا
دعواه أنه عبدى إن صدقة العبد على دعواه. وذلك بعد الرفع للحاكم والإمهال
فى الدفع له وهذا الإمهال يكون باجتهاد الحاكم. وكون مدعيه يأخذه حوزا لا
ملكا فى حالة تصديق العبد له، إن لم يكن للمدعى إلا دعواه يقتضى أنه لا
يجوز له بيعه ولا وطؤها إن كانت أمة وإن جاز له ذلك فيما بينه وبين الله إن
كان صادقا (33) .
وكذلك له أخذه إن كذبه العبد على التفصيل الذى ذكره الدردير فى الشرح
الكبير بقوله: " ومفهوم صدقه أنة إن كذبة أخذه أيضا إن وصفه ولم يقر العبد
إنه لفلان، أو أقر وكذبه المقر له (34) ".
الشافعية:
إذا كان الآبق فى يد آخذه وجاء ربه يريد أخذه فالحكم فى ذلك كما قال الإمام
الشافعى فى الأم: " وإذا كان فى يدى دجل العبد الآبق أو الضالة من الضوال
فجاء سيده فمثل اللقطة ليس عليه أن يدفعه إلا ببينة يقيمها. فإذا دفعها
ببينة يقيمها عنده كان الاحتياط له ألا يدفعه إلا بأمر الحاكم، لئلا يقيم
عليه غيره بينة فيضمن، لأنه إذا دفعه ببينة تقوم عنده فقد يمكن أن تكون
البينة غير عادلة ويقيم الآخر بينة عادلة فيكون أولى. ثم قال: وإذا أقام
رجل شاهدا على اللقطة أو ضالة حلف مع شاهده وأخذ ما أقام عليه بينة لأن هذا
مال (35) ".
أما إذا كان فى يد القاضى فقد جاء فى كتاب الأم للشافعى ما يؤخذ منه حكم
ثبوت الملكية لمدعيه فقد قال: " وإذا أقام الرجل بمكة بينة على عبد ووصفت
البينة العبد، وشهدوا أن هذه صفة عبده، وأنه لم يبع ولم يوهب، أو لم نعلمه
باع ولا وهب وحلف رب العبد- كتب الحاكم بينته إلى قاض بلد غير مكة فوافقت
الصفة صفة العبد الذى فى يديه لم يكن للقاضى أن يدفعه إليه بالصفة ولا يقبل
إلا أن يكون شهود يقدمون عليه فيشهدون عليه بعينه (36) "
فهذا يدل على أن القاضى الأول لا يدفعه إلى صاحبه إن كان عنده بمجرد الصفة
بل لابد من بينة تقوم على النحو الذى ذكره: من وصف للعبد وإنه لم يبع ولم
يوهب ويحلف رب العبد، أو يقيم شاهدا ويحلف ليكون له أخذه.
الحنابلة:
يرى الحنابلة أن العبد الآبق إذا جاء سيده يطلبه من آخذه رده إليه بعد أن
يقيم بينة، أو يعترف العبد بأنه سيده. فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: "
فإذا أخذ الآبق فهو أمانة فى يده. إن تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه. وإن
وجد صاحبه دفعه إلية إذا أقام به البينة أو اعترف العبد أنه سيده (37) ".
وإذا كان الآبق عند القاضى فإنه لا يدفعه لمدعيه إلا إذا أقام البينة على
أنه له. فقد جاء فى المغنى ما يدل على هذا وهو: " فإذا أبق العبد فحصل فى
يد حاكم فأقام سيده بينة عند حاكم بلد آخر أن فلانا الذى صفته كذا وكذا
واستقصى صفاته- عبد فلان ابن فلان أبق منه فقبل الحاكم بينته، وكتب إلى
الحاكم الذى عنده العبد: ثبت عندى إباق عبد فلان الذى صفته كذا وكذا قبل
كتابه وسلم العبد (38) ".
وهذا يؤخذ منه أنه لا يثبت عند الحاكم الذى كتب إلا إذا أقيمت البينة وشهدت
بأوصافه وأنه عبد فلان هذا، وأن الذى عنده العبد يكتفى بهذا الإثبات.
الزيدية:
لم نجد للزيدية كلاما خاصا بالآبق فى هذا الموضوع، ولكنهم يجعلون أخذه
مستحبا كأخذ الضالة- كما قدمنا- وقد ذكرنا سابقا أن آخذ الضالة يعرف بها
وأنه يجوز له أن يستبقيها عنده، وعلى هذا فماذا يجب عليه إذا جاء رب الضالة
يطلبها؟
قد بين ذلك صاحب مفتاح الأزهار فقال:
" ولا يجوز للملتقط أن يرد الضالة إلى من ادعاها إلا أن يحكم له الحاكم أنه
يستحقها ويجوز الحبس عمن لم يحكم له ببينة" ثم قال: " وحاصل الكلام فى
المسألة أن مدعى اللقطة لا يخلو إما أن يكون له بينة أو لا إن كان له بينة
وحكم بها حاكم لزم الملتقط ردها. فإن أقام غيره البينة بأنها له لم يلزم
الملتقط له بشئ لانضمام الحكم إلى بينة خصمه. وإن لم يحكم له ببينة قال
الفقيه أبو العباس: جاز الرد ولا يجب، وهو ظاهر كلام أبى طالب.. وأما إذا
لم تكن له بينة، بل أتى بأمارتها وأوصافها ففى ذلك ثلاثة أقوال:
الأول: المذهب أنه لا يجوز الرد، قال - عليه السلام-: وظاهر كلام أصحابنا
ولو غلب فى ظنه صدقه، لأن العمل بالظن فى حق الغير لا يجوز.
الثانى: ذكره فى شرح الإبانة قال فيه: يجوز الرد بالعلامة ولا يجب فى قول
عامة أهل البيت.
الثالث: أنه يجب، وقد ذكر هذا منسوبا للهادى والمؤيد بالله: أنه يجب فيما
بينه وبين الله تعالى، لأن العمل بالظن واجب (39) ".
أما إذا كانت فى يد الحاكم فلم نجد نصا صريحا فيه، ولكن جاء فى البحر
الزخار أن القاضى لا يحكم باستحقاقه لة إلا إذا أقام البينة بأنه ملكه. فقد
جاء فى البحر الزخار: " ويحكم بالبينة العادلة الكاملة ما لم تعارض إجماعا،
وفى تأكيدها باليمين خلاف (40) ".
الظاهرية:
يبين ابن حزم الظاهرى طريق ثبوت ملكية من يدعى العبد الآبق بقولة فى المحلى
عند كلامه فى الآبق واللقطة والضالة: وأن اللقطة ما وجد من مال سقط أى مال
كان بقوله: " فإن جاء من يقيم بينة، أو من يصف عفاصه
(أى الوعاء الذى يكون فيه الملتقط من جلد أو خرقه أو نحوها إن كان فى وعاء)
ويصدق فى صفته، ويصفه وعاءه، ويصدق فيه ويصف رباطه ويصدق فيه ويعرف عدده
ويصدق فيه، أو يعرف ما كان له من هذا: أما العدد والوعاء إن كان لا عفاصه
له ولا وكاء (الرباط) أو العدد إن كان منثورا فى غير وعاء دفعه إليه كانت
له بينة أو لم تكن (41) ".
ولا شك أن التعريف للعبد بأوصافه يكون كالتعريف بالعفاص والوكاء ونحوها.
وإذن يكون إثبات الملكية عنده بالبينة أو الوصف. كما يشعر به ما سبق أن
ذكرناه فى حكم أخذ الآبق. من أنه يبقى عند واجدة أو الحاكم حتى يجئ صاحبه
ويعرفه فهو يرى أنه لا ضرورة لإقامة البينة لثبوت ملكيته للآبق بل يكفى
وصفه.
الشيعة الإمامية:
عندهم أن الآبق والضال لا يصح أخذه، ولو أخذه يرده لصاحبه، وإلا دفعة إلى
الحاكم، فإذا جاء صاحب العبد لزم أن يقيم بينة. وقد قال صاحب شرائع
الإسلام: " ومن وجد عبده فى غير مصره فأحضر من شهد على شهوده بصفته لم يدفع
إليه لاحتمال التساوى فى الأوصاف، ويكلف إحضار الشهود ليشهدوا بالعين. ولو
تعذر إحضارهم لم يجب حمل العبد إلى بلدهم ولو رأى الحاكم ذلك صلاحا جاز
(42) ".
حكم الإباق من يد كل من المستأجر والمرتهن
والغاصب والوصى
الكلام هنا يتعلق بالجعل والضمان: أما الجعل فقد سبق الكلام عليه وأما
الضمان فتفصيله كما يلى:
الحنفية:
أما المستأجر فإن الحنفية يرون أنه لا ضمان عليه ما دامت يده يد أمانة فلا
يكون ضامنا له بإباقه إلا إذا كان ذلك ناشئا عن تعد منه، فقد جاء فى جامع
الفصولين: "لو قال إذا جاء غد فقد أجرتك هذه الدابة فحمل المستأجر على
الدابة فى الليل، فلما طلعت الشمس تلفت لم يضمن، إذ صار غاصبا بحمله، إلا
أنه عند طلوع الفجر انعقدت الإجارة فصارت اليد يد أمانة (43) ". وأما
المرتهن فإنه يكون مضمونا عليه إذا أبق منه بالأقل من قيمته ومن الدين فقد
جاء فى جامع الفصولين: " ولو رهن قنا فابق سقط الرهن. فلو وجده عاد رهنا
ويسقط من الدين بحسابه لو كان أول إباق له ولو أبق قبل ذلك لا يسقط من
الدين شىء (44) ".
والمراد من أنه يسقط من الدين بحسابه هو أنة يسقط من الدين بقدر نقصانه
الذى هو عيب الإباق وقد بين هذا صاحب التنوير وشارحه صاحب الدر المختار
وابن عابدين بقولهم: " ولو أبق عبد الرهن وجعله الراهن أو القاضى بالدين ثم
عاد يعود الدين إلا بقدر نقصان عيب الإباق (45) ".
وأما الغاصب فإنه يكون ضاما له فيلزم بقيمته فقد قال صاحب جامع الفصولين: "
ولو رهن قنا فأبق فجعله القاضى بما فيه ثم ظهر القن قال أبو يوسف رحمه الله
هو رهن كما كان وقال زفر هو للمرتهن كغاصب ضمن القيمة (46) ".
وأما الوصى فإنه إذا أبق منه العبد فإنه لا ضمان عليه لأن يده على مال
الموصى عليه يد أمانة فلا يضمن إلا بالتعدى (47) ".
المالكية:
يرون أن يد المستأجر يد أمانة فلاضمان عليه إلا بالتقصير أو التعدى. وعليه
فإباق العبد من يد المستأجر إن لم يكن بتفريط فى حفظه أو بسبب اعتداء عليه
منه لا يجعله ضامنا. وقد بين ذلك الدردير فى الشرح الكبير والدسوقى فى
حاشيته عليه، إذ جاء فيهما: " وهو: أى من تولى المعقود عليه أو من تولى
العين المؤجرة: من مؤجر بالفتح كراع، ومستأجر كمكترى الدابة ونحوها- أمين
فلا ضمان عليه إن ادعى الضياع أو التلف: كان مما يغاب عليه (أى يمكن إخفاؤه
وكتمه) أولا. ويحلف إن كان منهما لقد ضاع وما فرطت. ولا يحلف غيره (أى غير
المتهم) وقيل يحلف ما فرطت: أى يحلف على التفريط فقط 0 ولا يحلف على
الضياع، بل يصدق فيه من غير حلف عليه، لأن الضياع ناشىء عن تفريطه غالبا.
فيكفى حلفه ما فرطت. وفى المسألة قول ثالث وهو أنه يحلف على الضياع
والتفريط (48) ".
وأما المرهون فلا يكون مضمونا على المرتهن إلا إذا كذبه شهود فى دعواه أنه
أبق. فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: " لو كان الرهن بيد
المرتهن وهو مما لا يغاب عليه (أى لا يمكن إخفاؤه وكتمه) كدور وعبيد والحال
أنه لم يحصل من المرتهن تعد فلا ضمان على المرتهن ولو اشترط الراهن عفى
المرتهن ثبوت الضمان عليه، خلافا لا شهب الذى قال: أنه يعمل بالشرط، إلا أن
يكذبه عدول. وحلف المرتهن فيما يغاب عليه وأولى فيما لا يغاب عليه- لأنه
إذا حلف فيما يضمنه فأولى فيما لا يضمنه (49) "0
وأما المغصوب فان غاصبة يتعلق به الضمان من يوم استيلائه عليه والحيلولة
بينه وبين مالكه. أما الضمان بالفعل فإنما يكون إذا حصل مفوت ولو بسماوى أو
جناية غير الغاصب عليه، فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: "
وضمن الغاصب المميز بالاستيلاء على المغصوب: عقارا أو غيره: أى تعلق الضمان
بالغاصب بهذا الاستيلاء: أى الحيلولة بينه وبين مالكه، ولا يحصل الضمان
بالفعل إلا إذا حصل مفوت ولو بسماوى أو جناية غيره (50) "وإباق العبد مفوت
له (51) .
وأما الوصى فإنه أمين فى مال موليه فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى (52) .
الشافعية:
يرى الشافعية أن يد المستأجر على العين المستأجرة يد أمانة فلا يضمن إلا
بالتقصير أو التعدى فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى: " ويد المكترى على
المستأجر من الدابة والثوب وغيرهما يد أمانة مدة الأجارة جزما، فلا يضمن ما
تلف فيهما بلا تقصير، إذ لا يمكن استيفاء حقه إلا بوضع اليد عليها (53) ".
وهذا يقتضى أن العبد إذا أبق لا يكون مضمونا على المستأجر إلا إذا كان
إباقه بتقصير من المستأجر أوبتعد عليه سبب هذا الإباق.
وكذلك المرتهن فإنه لا يضمن إذا تلف إلا بتقصير أو تعد كما فى المستأجر ولا
يسقط من ديته شىء به فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى: " وهو (أى المرهون)
أمانة فى يد المرتهن، لخبر (الرهن من راهنه) : أى من ضمان راهنه له غنمه
وعليه غرمه. ثم قال: فلو شرط كونه مضمونا لم يصح الرهن، ولا يسقط بتلفه شىء
من ديته (54) " وأما المغصوب إن أبق فإنه يكون مضمونا على الغاصب فقد جاء
فى المنهاج وشرحه المغنى وعلى الغاصب الرد للمغصوب على الفور عند التمكن
وإن عظمت المؤنة فى رده.. ثم استدل على هذا بحديث: على اليد ما أخذت حتى
تؤديه (55) " وأما الوصى إذا أبق منه عبد موليه فلا يضمن لأن يده يد أمانة
إلا بالتقصير أو التعدى (56) .
الحنابلة:
يرى الحنابلة أن العين المستأجرة أمانة فى يد المستأجر، فإذا أبق منه العبد
المستأجر دون تقصير فإنه لا يكون مضمونا عليه إلا بالتقصير أو التعدى فقد
جاء فى المغنى لابن قدامة: " والعين المستأجرة أمانة فى يد المستأجر. إن
تلفت بغير تفريغ لا يضمنها. ثم قال: ووجهه أنه عقد لا يقتضى الضمان فلا
يقتضى رده ومؤنته كالوديعة " (57) .
أما المرتهن فإنه كالمستأجر لا ضمان عليه إلا بالتقصير أو التعدى، فقد جاء
فى الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى: " أن الرهن إذا تلف فى يد المرتهن فإن
كان تلفة بتعد أو تفريط فى حفظه ضمنه، لا نعلم فى ذلك خلافا، لأنه أمانة فى
يده، فلزمه ضمانه إذا تلف بتعديه، أو تفريطه كالوديع. فأما إن تلف بغير تعد
منه ولا تفريط فلا ضمان عليه وهو من مال الراهن " (58) .
وإباق العبد إن لم يكن تلفا فهو دونه فلا يضمن من باب أولى إلا إذا قصر فى
المحافظة عليه.
وأما الغاصب فان الآبق يكون مضمونا عليه فقد جاء فى المغنى: " أن من غصب
شيئا يعجز عن رده كعبد أبق أو دابة شردت فللمغصوب منه المطالبة ببدله فإذا
أخذه ملكه ولا يملك الغاصب العين المغصوبة بل متى قدر عليها لزمه ردها
ويسترد قيمتها التى أداها " (59) .
وأما الوصى فإن يده على مال موليه يد أمانة، فلا يضمن إلا بالتقصير أو
التعدى (60) .
الزيدية:
يرون أن المستأجر العين غير ضامن لها ما لم يشترط الضمان عند العقد (61) .
كما أنه يضمن إذا كان إباقه بعد انتهاء مدة الإجارة المتفق عليها وقبل رده
إلا لعذر فقد جاء فى البحر الزخار: " وعلى المستأجر الرد إذ لا وجه
لإمساكها بعد استيفاء الحق ثم قال: فإن لم يرد (أى العين المستأجرة) ضمنها
وأجرتها وإن لم ينتفع كالمغصوب إلا لعذر " (62) .
وأما المرتهن فإنه يكون ضامنا لما ارتهنه ولو تلفه بآفة سماوية ومن باب
أولى بالتعدى فقد قال صاحب البحر الزخار: " ومتى جنى عليه المرتهن ضمنه
إجماعا لقوله - صلى الله علية وسلم -: " على اليد ما أخذت حتى ترد" ثم قال
زيد بن على: والقاسمية وكذا إن تلف بآفة سماوية لقول رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - لمرتهن الفرس فنفق ذهب حقك " (63) .
وأما الغاصب فإنه يضمنه إذا أبق ويكون ضمانه بقيمته فقد جاء فى البحر
الزخار: " وإذا أبق المغصوب فهو فى ضمان الغاصب حتى يقبضه المالك وإن جهله،
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (على اليد ما أخذت حتى ترد) (64) .
ويعتبر فى قيمته أوفر القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف، فقد جاء فى البحر
الزخار: " وفى تالف القيمى أوفر القيم من الغصب إلى التلف، إذ هو مطالب فى
كل وقت (65) "0
وأما الوصى فهو أمين على ما فى يده من مال المولى عليه، فلا يضمن إلا
بالتعدى أو التقصير فى الحفظ، وقد جاء فى ذلك قول صاحب البحر الزخار: "
ويعمل باجتهاده، إذ هى ولاية، إلا فيما عين له ". ثم قال: " ويضمن بمخالفة
الموصى وبالجناية والتفريط فى الحفظ (66) ".
الظاهرية:
يرون أن يد المستأجر يد أمانة فلا يضمن (67) .
أما إذا أبق العبد من يد المرتهن فلا ضمان، بل يبقى دينه على الراهن،
ويتبعه المرتهن به، فقد قال ابن حزم الظاهرى فى المحلى: " فإن مات الرهن أو
تلف أو أبق العبد أو فسد أو كانت أمة فحملت من سيدها أو أعتقها أو باع
الرهن أو وهبه أو تصدق به أو أصدقه فكل ذلك نافذ، وقد بطل الرهن، وبقى
الدين كله بحسبه (68) ".
وأما الغاصب فإن الآبق مضمون عليه إن لم يرد. وقد بين هذا ابن حزم الظاهرى
بقوله: " لا يحل لأحد مال مسلم ولا مال ذمى إلا بما أباح الله - عز وجل -
على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى القرآن أو السنة نقل ماله
عنه إلى غيره، أو بالوجه الذى أوجب الله به تعالى أيضا كذلك نقله عنه إلى
غيره، كالهبات الجائزة والتجارة الجائزة أو القضاء الواجب بالديات والتقاص،
وغير ذلك مما هو منصوص، فمن أخذ شيئا من مال غيره أو صار إليه بغير ما
ذكرنا: فإن كان عامدا عالما بالغا مميزا فهو عاص لله - عز وجل -، وإن كان
غير عالم أو غير عامد أو غير مخاطب فلا إثم عليه، إلا أنهما سواء فى الحكم
فى وجوب رد ذلك إلى صاحبه، أو فى وجوب ضمان مثله إن كان ما صار إليه قد
تلفت عينه، أو لم يقدر عليه (69) ".
الشيعة الإمامية:
العين المستأجرة عندهم يد المستأجر لها يد أمانة لا يضمن إلا بالتعدى قال
صاحب شرائع الإسلام: " إذا تعدى فى العين المستأجرة ضمن قيمتها وقت العدوان
(70) " 0 فالأساس فى الضمان عندهم التلف بالعدوان، وهذا يقتضى أن العبد إذا
أبق بسبب تعديه يكون ضامنا، لأن الإباق تلف، فقد جاء فى شرائع الإسلام: "
لو فك القيد عن الدابة فشردت، أو عن العبد المجنون فأبق ضمن، لأنه فعل يقصد
به الإتلاف (71) ".
وأما المرتهن فقد ذكرنا نص كلام الطوسى فى أنه لا ضمان عليه إذا أبق بدون
تسبب منه، أما إذا تسبب فى إباقه فإنه يكون ضامنا. ويكون ضمانه بقيمته يوم
قبضه، فقد جاء فى شرائع الإسلام: " إذا فرط فى الرهن وتلف لزمه قيمته يوم
قبضه، وقيل يوم هلاكه، وقيل أغلى القيم، فلو اختلفا فى القيمة كان القول
قول الراهن، وقيل القول قول المرتهن وهو الأشبه أى الذى تدل عليه أصول
المذهب (72) .
وأما الغاصب فإن يده على الغصوب يد ضمان ويجب عليه رده ولو تعسر، والآبق
متعسر الرد، وواجب عليه رده، فكل ما أنفقه على رده يكون ملزما به. كما أنه
يكون ضامنا له إذا أبق، لأن الإباق تلف، فقد جاء فى شرائع الإسلام: " فإن
تلف المغصوب (ولا شك أن الإباق تلف) ضمنه الغاصب بمثله إن كان مثليا، فإن
تعذر المثل ضمن قيمته يوم الإقباض لا يوم الإعواز أى المرافعة إلى الحاكم
". ولو أعوز فحكم الحاكم فزادت أو نقصت لم يلزم ما حكم به الحاكم، وحكم
بالقيمة يوم تسليمها، لأن الثابت فى الذمة ليس إلا المثل، فإن لم يكن مثليا
ضمن قيمته يوم الغصب، وهو اختيار الأكثر. وقال بعضهم يضمن أعلى القيم من
حين الغصب إلى حين اختلف، وهو حسن (73) ".
وأما الوصى فإنه لا ضمان عليه إلا إذا قصر فى المحافظة عليه، أو تعدى، لأنه
أمين وقد قال فى ذلك صاحب شرائع الإسلام: " والوصى أمين لا يضمن ما يتلف
إلا عن مخالفته لشرط الوصية أو تفريط (74) " 0
الإباضية:
يرون أن العبد إذا أبق من مستأجره لا يكون ضامنا، لأن يده يد أمانة، فلا
ضمان عليه ما لم يكن إباق بتقصير منه أو تعد. ولكن جاء فى شرح النيل ما يدل
على ضمان المستأجر فى رأى، فقد جاء فيه: " وضمن الأجير: أراد به ما يشمل
المكترى.. ثم علل ذلك بقوله: إن الأجير والمكترى كليهما بمعنى واحد. وهو
الذى فى يده مال غيره على أجر معلوم للعمل (75) ".
وأما إذا أبق من يد مرتهن فقد جاء ما يتعلق بذلك فى النيل وشرحه: " إن ضاع
رهن بيد مرتهن بلا تعد منه ولا تضييع فقيل: لا يرجع أحدهما على الآخر بشىء
مطلقا: زاد الدين على قيمة الزمن أو نقص ... ثم قال: وقيل: يترادان الفضل
وقيل يرجع المرتهن على الراهن بما زاد الدين على الرهن إن زاد لا عكسه إن
زاد الرهن على الدين، لأن المرتهن أمين فيه. ثم قال: وإن شرط الراهن أن
تكون المصيبة على المرتهن فى الكل أو فى مقدار الرهن فهما على شرطهما (76)
".
وأما إذا أبق من يد وصى فإنه لا ضمان عليه، لأن يده يد أمانة، إلا إذا قصر
فى حفظه أو تعدى عليه بما قد أدى إلى إباقه، فقد جاء فى النيل وشرحه: " فإن
قبلها، أى قبل الوصية، لزمته حالة كونها أمانة فى عنقه، وليجتهد فى
إنفاذها، لوجوب أداء الأمانة إلى أهلها (77) ".
عتقه قبل الرد
الحنفية:
لو أعتق المولى عبده الآبق قبل استلامه من الراد صح عقه، وصار بهذا العتق
قابضا لة، ولذا يجب الجعل للراد، لأن الإعتاق إتلاف للمالية فيصير كما لو
قبضه ثم اعتقه، وذلك كما فى العبد المشترى فإنه يصح أن يعتقه قبل أن يقبضه
ويصير بإعتاقه قابضا، ولذا يجب عليه الثمن (78) .
المالكية:
كذلك يرى المالكية أن عتق العبد حال إباقه وقيل الرد جائز، فقد قال الدردير
فى الشرح الكبير: " وله، أى لرب الآبق عتقه حال إباقه والتصدق به والإيصاء
به للغير وهبته لغير ثواب، أى لغير عوض (79) ".
الشافعية:
كذلك يرى الشافعية جواز عتق الآبق، فقد جاء فى المغنى شرح المنهاج " ولو
اعتق المالك رقيقه قبل رده، قال ابن الرفعة: يظهر أن يقال: لا أجرة للعامل
إذا رده بعد العتق وإن لم يعلم، لحصول الرجوع ضمنا: أى فلا أجرة لعمله بعد
العتق تنزيلا لإعتاقه منزلة فسخ (80) ".
وهذا يدل على أن عتق الآبق جائز، ولا جعل لمن رده بعد العتق.
الحنابلة:
عتق العبد عندهم جائز ولازم بمجرد العقد، فإذا عتق السيد عبده الآبق قبل
الرد جاز، فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " وإن باعه الإمام، أى الآبق،
لمصلحه رآها فى بيعه فجاء سيده واعترف أنه كان أعتقه قبل منه ". فقوله هنا:
" كان أعتقه " صادق بأنه أعتقه حين الإباق أو قبله (81) .
الزيدية:
يرى الزيدية أن عتق الآبق حال إباقه جائز، إذ أنهم إنما يعتمدون على ملك
المعتق (82) .
الظاهرية:
يرى ابن حزم الظاهرى أن العتق يعتمد على ملك المعتق للمعتق له (83) .
الشيعة الإمامية:
يرون أن عتق السيد لآبقه جائز متى كان ممن يملك العتق، فقد جاء فى شرائع
الإسلام: " ويعتبر فى المعتق الإسلام والملك ".
ثم قال: " ولو أعتق غير المالك لم ينفذ عتقه (84) ".
آباق العبد من أخذه قبل الرد
الحنفية:
إذا أبق العبد من آخذه فإن كان قد أخذه ليرده فلا ضمان عليه إذا كان قد
أشهد أنه أخذه ليرده، لأن يده حينئذ يد أمانة. أما إذا لم يشهد فإنه يضمن،
لأنه حينئذ فى حكم الغاصب (85) .
وكذلك يكون ضامنا له إذا أبق منه فى الطريق وكان قد استعمله فى حاجة نفسه
(86) .
المالكية:
يرى المالكية أن الآبق إذا أبق من ملتقطه لا ضمان عليه إلا إذا كان متعديا
فقد جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير: " إن من التقط آبقا ثم بعد
أخذه أبق من عنده أو أنه مات عنده أو تلف فلا ضمان عليه لربه إذا حضر حيث
لم يفرط، لأنه أمين ولا يمين عليه.
أما إذا فرط كما لو أرسله فى حاجة يأبق فى مثلها فأبق فإنه يضمن (87) .
الشافعية:
يد الراد على الآبق يد أمانة فلا يضمن إلا بالتفريط، فقد جاء فى المغنى على
المنهاج: " يد العامل على ما يقع فى يده إلى أن يرده يد أمانة. فإن خلا
الآبق بتفريط ضمن لتقصيره (88) ".
الحنابلة:
لا ضمان على الراد إن أبق منه دون تلف ودون تفريط فى حفظه، فقد جاء فى
المغنى لابن قدامة: " فإذا أخذه فهو أمانة فى يده إن تلف بغير تفريط فلا
ضمان عليه (89) ".
الزيدية:
لا ضمان على آخذه إذا أبق منه قبل رده (90) .
الشيعة الإمامية:
يرون أن العبد إذا أبق من ملتقطه لا ضمان عليه، فقد جاء فى شرائع الإسلام:
" ولو التقط مملوكا، ذكرا أو أنثى لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه، ولو أبق
منه أوضاع من غير تفريط لم يضمن، ولو كان بتفريط ضمن، ولو اختلف فى التفريط
ولا بينة فالقول قول الملتقط بيمينه (91) ".
__________
(1) ج 11 ص 20 طبعة الساسى.
(2) ج 11 ص 28 الطبعة السابقة.
(3) ج 4 ص 43 الطبعة الأميرية.
(4) الفتاوى الأنقروية ج 1 ص 198 الطبعة الأميرية.
(5) المبسوط ج 11 ص 26 طبعة الساسى
(6) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 11 طبعة دار إحياء الكتب
العربية.
(7) المرجع السابق ج 4 ص 127 الطبعة السابقة.
(8) المرجع السابق ج 4 ص 127 الطبعة السابقة.
(9) ج 2 ص 13 طبعة مصطفى الحلبى وأولاده بمصر
(10) ج 4 ص 68 نشر مكتبة الكليات الأزهرية.
(11) ج 4 ص 28 طبعة المنار سنة 1347هجرية.
(12) ج 1 ص 357 الطبعة السابقة.
(13) ج 4 ص 257 الطبعة السابقة.
(14) سورة البقرة: 275.
(15) ج 3 ص 313 الطبعة الأولى سنة 949.
(16) ج 3 ص 354 الطبعة السابقة.
(17) ج ص 288 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.
(18) ج 389 الطبعة السابقة.
(19) ج 166 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(20) ج 4ص 73.
(21) الجوهرة على القدورى ج 1 ص 466 طبعة الأستانة.
(22) ج ص 254 ’ 255طبعة الساسى.
(23) ج 2 ص 50 طبعة مصطفى الحلبى.
(24) المغنى لابن قدامه ج 4 ص 276، 277 الطبعة الأولى لمطبعة المنار سنة
1347 هجرية.
(25) ج 2 ص 355.
(26) ج 3 ص 357.
(27) ج 9 ص 73 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.
(28) ج 7 ص 63 طبعة مطبعة النعمان بالنجف.
(29) ج 4 ص 240.
(30) فتح القدير ج 4 ص 434، 435 الطبعة الأميرية.
(31) الفتاوى الأنقروية نقلا عن النتف ج 1 ص 198 طبعة دار الطباعة المصرية
ببولاق سنة 1281هجرية.
(32) الفتاوى الأنقروية الجزء والصفحة السابق ذكرهما نقلا عن فتاوى ابن
نجيم.
(33) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 128.
(34) الجزء والصفحة السابقة.
(35) ج 4 ص 67 نشر مكتبة الكليات الأزهرية.
(36) ج 4 الصفحة والطبعة السابقة.
(37) ج 6 ص 357 طبعة المنار سنة 1347 هجرية.
(38) ج 6 ص 257 الطبعة السابقة.
(39) ج 4 ص 62، 63 الطبعة الثانية سنة 1358 هجرية.
(40) ج 4 ص 396 الطبعة السابقة.
(41) ج 8 ص 257 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.
(42) ج 2 ص 177 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(43) ج 2 ص 156 الطبعة الأولى بالمطبعة الأزهرية.
(44) ج 2ص 162 الطبعة السابقة.
(45) ج 5 ص 330 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(46) ج 2 ص 162 الطبعة الأولى بالمطبعة الأزهرية.
(47) الزيلعى على الكنز ج 3 ص 310 الطبعة الأميرية.
(48) ج 4 ص24 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(49) ج 3 ص 255 الطبعة السابقة.
(50) ج 3 ص 443 الطبعة السابقة.
(51) ج 3 ص 447 الطبعة السابقة والمربع السابق.
(52) المرجع السابق ج 4 ص 454 الطبعة السابقة.
(53) ج 2 ص 351 طبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده.
(54) ج ص 136 ’ 137 الطبعة السابقة.
(55) ج 2 ص 276، 277 الطبعة السابقة.
(56) ج 3 ص 78 الطبعة السابقة.
(57) ج 6 ص 117 طبعة المنار سنة 1347 هجرية.
(58) ج 4 ص 467 وقد وضع بذيل المغنى.
(59) ج 5 ص 417 الطبعة السابقة.
(60) ج ص 372 الطبعة السابقة.
(61) البحر الزخار ج 4 ص 63 طبعة سنة 1949.
(62) ج 4 ص 33 الطبعة السابقة.
(63) ج 4 ص 113 الطبعة السابقة.
(64) ج 4 ص 187 الطبعة السابقة.
(65) ج 4 ص 175 الطبعة السابقة.
(66) ج 4 ص 332، 333 الطبعة السابقة.
(67) المحلى ج 8 ص 183.
(68) ج 8 ص 93 الطبعة السابقة
(69) المحلى ج 8 ص 134، 135 الطبعة السابقة.
(70) ج 1 ص 237 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(71) ج 2 ص 151 الطبعة السابقة.
(72) ج 1 ص 198 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(73) ج 2 ص 152 الطبعة السابقة.
(74) ج 1 ص 264 الطبعة السابقة.
(75) ج 5 ص 162.
(76) ج 5 ص 544.
(77) ج 6 ص 493.
(78) الهداية وفتح القدير والعناية ج 4 ص 438 الطبعة الأميرية.
(79) ج 4 ص 127 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(80) ج 4 ص 434 طبعة مصطفى ألباب الحلبى وأولاده.
(81) ج 4 ص 357 طبعة المنار سنة 1347 هجرية.
(82) البحر الزخار ج 4 ص 192 الطبعة الأولى سنة 1949.
(83) المحلى ج 8 ص 185.
(84) ج 2 ص 93.
(85) الكنز وشرح الزيلعى عليه " تبيين الحقائق " ج 3 ص 309
(86) الفتاوى الأنقروية نقلا عن شرح المجمع لابن ملك ج 1 ص 198.
(87) ج 4 ص 128 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(88) ج 2 ص 434 طبعة مصطفى البابى الحلبى.
(89) ج 6 ص 357 طبعة المنار سنة 1347.
(90) البحر الزخار ج 4 ص 63 طبعة سنة 1949.
(91) ج 2 ص 173 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
|