موسوعة الفقه الإسلامي المصرية

آسن

المعنى اللغوى: ذكر القاموس ولسان العرب أن الآسن من الماء مثل الآجن وأن المعنى فى كليهما: الماء المتغير بطول مكثه سواء أكان التغير فى طعمه أو لونه.
ونقل اللسان عن ثعلبة أن التغير قد يكون فى ريحه، وجملة هذا أن الماء الذى تغير أحد أوصافه الثلاثة أو كلها بالمكث دون شىء القى فيه هو الذى يسمى آسنا أو آجنا، وفعله من باب ضرب ودخل فمصدره يكون أسنا أو أسونا.
مواضع استعمال لفظ آسن
ولفظ آسن يذكر فى باب الطهارة عند الكلام على أنواع المياه كما ذكره المالكية فى الجزء الأول من الشرح الصغير، ذكره الشافعية فى كتاب الطهارة من شرح الجلال المحلى، وكما ذكره الحنابلة والأحناف فى باب الطهارة أيضا.
المعنى الفقهى:
والمعنى الفقهى للفظ آسن هو نفس المعنى اللغوى، الماء المتغير بطول مكثه فى مكانه.
حكم استعماله:
نص الحنابلة فى كتاب كشاف القناع على جواز استعمال الآسن فى التطهر به من
غير كراهة، لأن تغيره بطول مكثه مع مشقة الاحتراز عنه سواء أكان مكثه فى أرض أو إناء من جلد أو نحاس أو سوى ذلك.
واستشهد الحنابلة على ذلك بما ثبت أن النبى - صلى الله عليه وسلم - توضأ من بئر كان ماؤه نقاعة الحناء، وعللوا ذلك بمشقة الاحتراز عنه (1) .
ويتفق أصحاب المذاهب الثلاثة المالكية والشافعية والأحناف (2) مع هذا الذى ذكره الحنابلة فى جواز استعمال الماء الآسن فى الطهارة، ومن باب أولى فى غير الطهارة كالشرب لمن أراده.
المذهب الزيدى:
الماء الآسن، أى المتغير لمكث طاهر مطهر عند الزيدية (3) .
جاء فى شرح الأزهار ما نصه: والأصل فى ماء التبس مغيره الطهارة، يعنى إذا وجد ماء متغير ولم يعلم بماذا تغير أبنجس أم بطاهر أم بمكث فإنه يحكم بالأصل، وأصل الماء الطهارة.
وقد جاء ما نصه (4) : أن الماء الذى ظهرت له رائحة مستخبثة ولم تكن ثائرة عن نجس أنه يجوز التطهر به لدخوله فى الماء المطلق.
الإمامية:
الماء الآسن عندهم طاهر مطهر مكروه استعماله مع وجود غيره (5) . ولو مازجه، أى الجارى، وما فى حكمه طاهر فغيره لونا أو طعما أو رائحة أو تغير من قبل نفسه من غير ممازجة لشىء لم يخرج عن كونه طاهرا مطهرا ما دام إطلاق الاسم باقيا، وبما يرشد إليه أيضا كراهية الطهارة بالماء الآسن إذا وجد غيره.
وما نقل عن المنتهى (6) لو كان تغير الماء لطول بقائه فإن سلبه الاسم لم يجز الطهور به ولا يخرج عن كونه طاهرا، وإلا فلا بأس ولكنه مكروه، ولا خلاف بين عامة أهل العلم فى جواز الطهارة به إلا ابن سيرين.
المذهب الإباضى:
يقولون أن المانع من استعمال الماء ينقسم قسمين: - إما نجاسة تمنع التطهر به، وإما تغيير يمنع حكم التطهر به (7) .
المذهب الظاهرى:
الماء الراكد عندهم طاهر مطهر يجوز الوضوء منه وفيه ويجوز الاغتسال منه لكن لا يجوز الاغتسال المفروض فيه فإن اغتسل فيه لم يكن مغتسلا وله أن يعيد الغسل منه (8) .
__________
(1) كشاف القناع ج 1 ص 5 ومنتهى الإرادات ج 1 ص 11 طبعة سنة 1319هجرية.
(2) للمالكية: الشرح الصغير ج 1 ص 13 المطبعة التجارية.
وللشافعية: المهذب ج 1 ص 8 طبعة الحلبى.
وللأحناف: الطهطاوى على مراقى الفلاح ص 7.
(3) شرح الأزهار ج 1 ص 60.
(4) الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 1 ص 179.
(5) جواهر الكلام شرح شرائع الإسلام ج 1 ص 104.
(6) المرجع السابق.
(7) كتاب الوضع ص 41 الطبعة الأولى.
(8) المحلى ج 1 ص 210


آفة

التعريف بها: يقال فى اللغة آفة أوفا: أضره وأفسده، وآفت البلاد أوفا وآفة وأووفا صارت فيها آفة- والآفة العاهة وما يفسد- وهو عرض مفسد لما أصاب من شىء (1) ولم يخرج بها الفقهاء والأصوليون فى استعمالاتهم عن هذه المعانى اللغوية.
الآفة عند الأصوليين: هى عند الأصوليين سماوية ومكتسبة، يذكرونها عند الكلام على عوارض الأهلية.
أما السماوية فهى ما ثبتت من قبل صاحب الشرع بلا اختيار للعبد فيها مثل الجنون (انظر جنون) ، ومثل العته (انظر عته) ، ومثل اعتقال اللسان (انظر اعتقال اللسان) وغير ذلك.
والمكتسبة ما يكون لاختيار العبد فى حصولها مدخل مثل الجهل (انظر جهل) ، ومثل السفه (انظر سفه) (2) . ويترتب على الآفة بقسميها تغيير فى بعض الأحكام مثل إسقاط كل العبادات المحتملة للسقوط كالصلاة والصوم عن المجنون (انظر جنون) .
ومثل الجهل فى موضع الاجتهاد الصحيح أو فى موضع الشبهة إذ يصلح عذرا وشبهة دارئة للحد والكفارة كما إذا أفطر المحتجم فى رمضان ظانا أن الحجامة مفطرة وأن الأكل بعدها مباح جهلا منه، فإن جهله عذر (انظر جهل) ، ومثل منع مال السفيه عنه (انظر سفه) (3) .
الآفة عند الفقهاء: ويستعملها الفقهاء مفرديها بالحكم حينا كما يستعملونها ضمن استعمالهم لمصطلح تلف، وقد تحدث الفقهاء عن الآفة السماوية التى تصيب الثمار والزروع وما يترتب عليها من أحكام فى بعض الأبواب الفقهية وعرفوها بأنها ما لا صنع لآدمى فيها، كالثلوج والغبار والريح الحار والجراد والنار ونحو ذلك (4) .
أثرها فى الزكاة: ذهب الحنفية فى الزروع التى تصيبها آفة سماوية، وهى ما لا صنع لآدمى فيه ... إلى أنها تسقط عنها الزكاة إذا أهلكت المال الذى تجب فيه. وذلك لأن الواجب عندهم جزء من النصاب تحقيقا للتيسير فيسقط (5) . وإن هلك البعض يسقط الواجب بقدره وتؤدى زكاة الباقى قل أو كثر فى قول أبى حنيفة، وعند أبى يوسف ومحمد من الحنفية يعتبر قدر الهالك مع الباقى فى تكميل النصاب إن بلغ نصابا يؤدى، وإلا فلا.
وفى رواية عن أبى يوسف يعتبر كمال النصاب فى الباقى بنفسه من غير ضم قدر الهالك إليه (6) .
أما الحنابلة: فيقولون لو تلف المال بعد الحول قبل التمكين من إخراج الزكاة ضمنها، ولا تسقط الزكاة بتلف المال، أما بالنسبة للحبوب والثمار فإن وجوب الزكاة لا يستقر فيها إلا بجعلها فى جرين (7) ومسطاح ونحوه، فإن تلفت قبل الوضع بها بغير قصد من صاحبها سقطت الزكاة خرصت الثمرة أو لم تخرص، وإن تلف البعض من الزرع أو الثمر قبل الاستقرار زكى المالك الباقى إن كان نصابا، وإن لم يكن نصابا فلا زكاة فيه، وإن تلف بعد الاستقرار فى الجرين والمسطاح ونحوها لم تسقط زكاتها كتلف النصاب بعد الحول (8) .
ويرى المالكية: أن إصابة الثمر بعد التخريص بجائحة (أى إصابته بآفة سماوية) فإنها تعتبر فى سقوط الزكاة فيزكى ما بقى إن وجبت فيه زكاة وإلا فلا (9) زكاة فيه.
ويرى الشافعية: عدم وجوب الزكاة فيما يتلف من الزرع بآفة سماوية لفوات الإمكان فإن بقى فيه بعد طروء الآفة عليه نصاب زكاة أو دونه أخرج حصته بناء على أن التمكن شرط للضمان لا للوجوب (10) .
ويرى ابن حزم الظاهرى: أن كل ما وجبت فيه زكاة من الأموال والزروع والثمار وإن تلف كله أو بعضه أكثره أو أقله، أثر إمكان إخراج الزكاة منه، أثر وجوب الزكاة بما قل من الزمن أو كثر بتفريط تلف أو بغير تفريط، فالزكاة كلها واجبة فى ذمة صاحبه، كما كانت لو لم يتلف، لأن الزكاة واجبة فى الذمة لا فى العين، وكذلك لو أخرج وعزلها ليدفعها إلى أهل الصدقات فضاعت الزكاة كلها أو بعضها فعليه إعادتها كلها ولابد لأنه فى ذمته حتى يوصلها إلى من أمره الله تعالى بتوصيلها إليه (11) .
ويرى الزيدية: أن الزكاة قبل إمكان الأداء كالوديعة قبل أن يطالب بها، إذا تلفت فإنها لا تضمن إلا أن تتلف بتفريط الوديع أو بجنايته وإن تلفت من دون تفريط ولا جناية فلا ضمان وكذلك المال وما أخرجت الأرض إذا تلف قبل إمكان أداء الزكاة إن تلفت بتفريط ضمن الزكاة وإلا فلا، فلو تلف بعض المال من دون تفريط وبقى البعض وجب إخراج زكاة الباقى ولو قل، ولا يضمن زكاة التالف (12) .
أما بعد إمكان الأداء فتجب وجوبا مضيقا فيضمن إذا لم يخرج بعد الأداء حتى تلف المال ولو بغير تفريط (13) .
أما الشيعة الجعفرية: فلا يجوزون تأخير دفع الزكاة عن وقت وجوبها مع الإمكان ويضمنون بالتأخير لا لعذر ولو كان تلف المال من غير تفريط كما لا يجوزون نقل الزكاة من بلد إلى بلد إلا عند عدم وجود المستحق، فإن نقلت مع وجوده ثم هلكت ضمن وإلا فإن تلفت مع النقل لعدم وجود المستحق فإنه لا يضمن (14) .
وعند الإباضية: تسقط الزكاة عن الغلة بعد وجوب الحق فيها وقبل إمكان إخراجه إذا تلفت بريح أو نار أو سيل لا بتفريط فإن بقى بعضها زكى عليه وحده إن وجبت فيه وقيل مطلقا وجبت أو لم تجب عن الباقى وعن التالف أما إن اجتيحت بعد تمكن من إخراج بلا تفريط فالأكثر على التضمين فى زكاة ما تلف وزكاة الباقى وإن قل والأقوى سقوط التضمين عما تلف. ولا يزكى الباقى إلا إذا بلغ نصابا فإن اجتيحت بتفريط ضمنت اتفاقا (15) .
أثر الآفة فى البيع:
يذهب الأحناف: إلى أن هلاك المبيع كله قبل القبض بآفة سماوية يفسخ البيع، وإذا انفسخ البيع سقط الثمن عن المشترى. وكذا إذا ملك بفعل المبيع بأن كان حيوانا فقتل نفسه لأن فعله على نفسه هدر فكأنه هلك بآفة سماوية (16) . فإذا هلك كله بعد القبض بآفة سماوية لا ينفسخ البيع والهلاك على المشترى وعليه الثمن لأن البيع تقرر بقبض المبيع فتقرر الثمن وإذا هلك بعض المبيع فإن كان قبل القبض وهلك بآفة ساويه ينظر إن كان النقصان نقصان قدر بأن كان مكيلا أو موزونا أو معدودا ينفسخ العقد بقدر الهالك وتسقط حصته من الثمن لأن كل قدر من المقدرات معقود عليه فيقابله شىء من الثمن (17) وهلاك كل المعقود عليه يوجب انفساخ البيع وسقوط الثمن بقدره والمشترى بالخيار فى الباقى إن شاء أخذ بحصته من الثمن وإن شاء ترك لأن الصفقة قد تفرقت عليه، وإن كان النقصان نقصان وصف - وهو كل ما يدخل فى البيع من غير تسمية كالشجر والبناء فى الأرض وأطراف الحيوان والجودة فى المكيل والموزون- لا ينفسخ البيع أصلا ولا يسقط عن المشترى شىء من الثمن لأن الأوصاف لا حصة لها من الثمن إلا إذا ورد عليها القبض أو الجناية لأنها تصير مقصودة بالقبض والجناية فالمشترى بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ترك لتعيب المبيع قبل القبض وإن هلك بفعل المبيع بأن جرح نفسه لا ينفسخ البيع ولا يسقط عن المشترى شىء من الثمن لأن جنايته على نفسه هدر فصار كما لو هلك بعضه بآفة سماوية وهلاك بعضه نقصان الوصف والأوصاف لا تقابل بالثمن ولا يسقط شىء من الثمن ولكن المشترى بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ترك لتغير المبيع، وإذا هلك بعضه بعد القبض بآفة سماوية فالهلاك على المشترى لأن المبيع خرج عن ضمان البائع بقبض المشترى فتقرر عليه الثمن (18) .
أما الحنابلة: ففى كشاف القناع: وأن تلف المكيل والموزون والمعدود والمزروع أو تلف بعضه بآفة (أى عاهة) سماوية، لا صنع لآدمى فيها قبل قبضه فهو من البائع لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ربح ما لم يضمن، والمراد به ربح ما بيع قبل القبض وينفسخ العقد فيما تلف بآفة قبل القبض سواء كان التالف الكل أو البعض لأنه من ضمان بائعه، ويخير المشترى فى الباقى بين أخذه بقسطه من الثمن وبين رده (19) .
وفيه أيضا: " وإن تلفت الثمرة المبيعة دون أصولها قبل بدو صلاحها بشرط القطع بجائحة قبل التمكن من أخذ الثمر ضمنه البائع ".
وفى الروض المربع: " وإن تلفت ثمرة بيعت بعد بدو صلاحها دون أصلها قبل أوان جذاذها بآفة سماوية (وهى ما لا صنع لأدمى فيها كالريح والحر والعطش) رجع ولو بعد القبض على البائع لحديث جابر رضى الله عنه أن النبى - صلى الله عليه وسلم- أمر بوضع الجوائح (20) .
ويرى المالكية: أن تلف المبيع وقت ضمان البائع بسماوى مبطل لعقد البيع فلا يلزم البائع الإتيان بمثله، إلا إذا كان موصوفا متعلقا بالذمة كالسلم، فان المسلم إليه إذا احضر المسلم فيه فتلف قبل قبضه لزمه الإتيان بمثله، وإذا تلف بعضه ينظر فى الباقى بعد التلف إن كان الباقى نصفا فكثر لزم الباقى بحصته من الثمن إن تعدد وكان قائما، فإن اتحد أو فات خير المشترى وإن كان الباقى أقل تعين الفسخ إلا إذا كان مثليا فيخير المشترى مطلقا (21) .
والشافعية يذهبون: فى تلف المبيع قبل القبض بآّفة سماوية إلى ما ذهب إليه الأحناف إلا إذا رضيه المشترى وأجاز البيع فانه يأخذ المبيع بكل الثمن (22) .
وفى المحلى لابن حزم الظاهرى: كل بيع صح وتم فهلك المبيع أو كان ثمرا قد حل بيعه فأجيح كله أو أكثره أو أقله فكل ذلك من المبتاع ولا رجوع له على البائع بشىء (23) .
ويذهب العترة من الزيدية: كما جاء فى كتاب البحر الزخار إلى أنه إذا تلف المبيع بآّفة سماوية أنفسخ العقد لقول النبى - صلى الله عليه وسلم-: " إذا بعت من أخيك تمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا" (24) .
ورأى المذهب أنه إذا تلف بعضه قبل القبض لم ينفسخ فى الباقى بل فى التالف فقط (25) .
ويرى الشيعة الإمامية: أن المبيع لو تلف قبل القبض ضمن البائع إذا كان تلفه من الله تعالى فإذا تلف بعضه أو تعيب من قبل الله تعالى تخير المشترى فى الإمساك مع الأرش وفى الفسخ (26) .
الإباضية: جاء فى كتاب النيل: "ويوضع بقدر المصاب من المجاح ولو قل وقيل لا يوضع ما دون ثلث الثمار، لقول النبى - صلى الله عليه وسلم-: إذا أصيب ثلث الثمرة فصاعدا فقد وجب على البائع الوضيعة، ولا يعتبر الثلث فى القيمة بل فى الثمار ولا وضع إذا بيعت مع الأصل أو بيع الأصل ثم بيعت.
وإن بيعت أولا فالوضع واجب والثمر والتمر فى ذلك كله سواء. وتوضع جائحة البقول وإن قلت، وقيل الثلث فصاعدا مثل أن تنقطع عنه عين سقيه أو المطر ولا جائحة فى الزرع وما يبس من الثمار، والجائحة ما لا يستطاع دفعه كالثلج والجليد والريح والبرد والجيش والجراد. وليس منها السارق عند الأكثر، لأنه يطاق دفعه لو علم به، وقيل لا يجوز بيع الثمار قبل بدو الصلاح، ولو قطع لعموم ظاهر النهى (27) .
وإن تلف المبيع فى يد المشترى ثم خرج " ظهر " عيب كان قبل البيع فمن ماله ويدرك " أى يرجع به " على البائع أرش العيب فيما بينه وبين الله إلا أن تلف بذلك العيب فإنه يدرك عليه الثمن كله وكذا إن كان فى يد البائع بالتعدى وهلك بالعيب أو هلك فى يد المشترى بفعل البائع، وإن هلك فى يد البائع وكان بيده أمانة أو عارية أو وديعة أو بإجارة ونحو ذلك مما ليس تعديا أو خيانة فمن مال المشترى (28) .
وإن تلف المبيع بعد القبض فضمانه من المشترى وإن هلك قبل القبض وبعد العقد ففيه خلاف، قيل من مال المشترى وقيل من مال البائع وذلك إذا كان الهلاك فجأة على أثر العقد قبل إمكان القبض أو بلا فجأة لكن قبل إمكانه، وإذا لم يمنع المشترى من القبض فالحق أنه من مال المشترى ومجرد تخليتة قبض وقيل من مال البائع ما لم يقبضه المشترى بيده وعلى هذا فإذا قال له البائع اقبضه أو خذه أو نحو ذلك كان من مال المشترى، وأصحابنا يشترطون القبض، لكن التخلية قبض عندهم، واستدل مشترط القبض (29) بنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع ما لم تقبض، وربح ما لم تضمن.
أثر الآفة فى عقد المساقاة:
يذهب الحنفية: إلى أن عقد المساقاة الصحيح لا ينفسخ إذا لم تخرج الأرض ثمرا لآفة وبقى العقد صحيحا ولا شىء لكل من صاحب الأرض ولا زارعها عند صاحبه (30) .
أما الحنابلة: فإنهم يقولون إن ساقاه إلى مدة تكمل فيها الثمرة غالبا، فلم تحمل الثمرة تلك السنة فلا شىء للعامل لأنه دخل على ذلك (31) .
ويرى المالكية: أن العامل فى المساقاة ليس له شىء إذا ما أجيحت الثمرة لكن له الخيار بين التمادى فى لزوم العقد أو الخروج منه (32) .
ويتفق الشافعية: مع الأحناف فى لزوم عقد المساقاة ولو تلفت الثمرة كلها بآفة (33) .
ويرى ابن حزم الظاهرى: فى المحلى الجزء الثامن المسألة 1330، والمسألة 1346 بأن الأرض إذا لم تخرج فلا شىء للعامل ولا شىء عليه (34) .
ويذهب الشيعة الجعفرية: إلى أن تلف الزرع جميعه لا يضمن لصاحب الأرض عند الزراع، ولو تلف البعض سقط منه بالنسبة (35)
__________
(1) لسان العرب مادة " أوف ".
(2) شرح المنار ص 947 وما بعدها.
(3) المرجع السابق.
(4) الروض المربع ج 1 ص 186. شرح النيل ج 2 ص 23. كشاف القناع ج 1 ص 452.
(5) فتح القدير ج 1 ص 514، 515 الطبعة الأميرية سنة 1315هجرية.
(6) بدائع الصنائع للكاسانى الطبعة الأولى ج 2 ص 65
(7) الجرين جمع جرن. وهو موضع تجفيف الثمر ونموه. المسطاح: الحصير من الخوص.
(8) كشاف القناع ج 1 ص 434، 451 طبعة المطبعة العامرية الشرفية سنة 1319 الطبعة الأولى.
(9) دردير ج 1 ص 203 المطبعة التجارية الكبرى.
(10) نهاية المحتاج ج 3 ص 81، 82 طبعة مصطفى الحلبى سنة 1357 هجرية.
(11) محلى ج 5 ص 263 طبع منير.
(12) شرح الأزهار ج 1 ص 457 الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة.
(13) شرح الأزهار ج 1 ص 457.
(14) الروضة البهية فى شرح اللمعة الدمشقية ج1 ص 127 طبع دار الكتاب العربى والمختصر النافع فى فقه الإمامية الطبعة الثانية ص 82 طبع وزارة الأوقاف.
(15) شرح النيل ج 2 ص 23.
(16) بدائع الصنائع للكاساتى الطبعة الأولى ج 5 ص 239.
(17) المرجع السابق ص 240.
(18) بدائع الصنائع للكاساتى الطبعة الأولى ج 5 ص 241.
(19) كشاف القناع ج 2 ص 80 طبعة المطبعة العامرية الشرقية سنة 1319 هجرية الطبعة الأولى.
(20) الروض المربع ج 1 ص 185.
(21) بلغة السالك ج 2 ص 67.
(22) نهاية المحتاج ج 4 ص 79، 80، 82.
(23) المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 389 طبع منير.
(24) البحر الزخار ج 3 ص 368 الطبعة الأولى سنة 1366هجرية مطبعة السعادة بمصر.
(25) المرجع السابق ج 3 ص 369.
(26) الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 336 للشهيد الجيعى العاملى طبع دار الكتاب العربى.
(27) شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج 4 ص 64.
(28) شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج 4 ص 262.
(29) شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج 4 ص 287، 288.
(30) فتح القدير ج 8 ص 47 الطبعة الأولى سنة 1318.
(31) كشاف القناع ج 2 ص 278، 279 طبعة المطبعة العامرية الشرقية سنة 1319 الطبعة الأولى.
(32) بلغة السالك لأقرب المسالك ج 2 ص 238.
(33) نهاية المحتاج ج 5 ص 255.
(34) المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 211.
(35) الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الجيعى العاملى ج 1 ص 359 طبع دار الكتاب العربى


آل

كلمة آل: اسم ثلاثى، عينه ألف ممدودة، ومن اللغويين من ذهب إلى أن أصلها الواو كما هو الحال فى مثل قال وصال. ومنهم من قال: إن أصلها الهاء وسهلت.
ولكلمة آل معان كثيرة أوردتها كتب اللغة، فالآل هو الشخص. وهو ما تراه أول النهار وآخره مما يشبه السراب وليس هو السراب. والآل ما أشرف من البعير. والخشب. وعمد الخيمة. واسم جبل وأطراف الجل ونواحيه ... وليس فى هذه المعانى ما يناسب المعنى الذى تكلم فيه الفقهاء.
وآل الرجل أهله وعياله، وآله أيضا أتباعه وأولياؤه. وهذه هى المعانى المناسبة لما تكلم فيه الفقهاء. والفقهاء تكلموا فى آل الرجل، أى رجل كان، فى الوقف وفى الوصية.
وتكلموا فى آل محمد- صلى الله عليه وسلم - فى تحريم الصدقة عليهم، وفى استحقاقهم للخمس، وفى الصلاة عليهم فى التشهد، وفى غيره، وفى حجية إجماعهم، وفى الكفاءة والسيادة والشرف، وفى غير ذلك.
الآل والوقف عليهم والوصية لهم:
قال فقهاء مذهب أبى حنيفة (1) : أنه لو وقف على أهل بيته، أو وقف على آله، كان الحكم واحدا فى الحالين، وهو أن يدخل فى وقفه كل من يناسبه بآبائه إلى أقصى أب له فى الإسلام، وهو أبوه الذى أدرك الإسلام وإن لم يسلم، ويدخل فيه أبو الواقف وولده، فى كل من آله وأهل بيته، ويدخل فيه الذكور والإناث من ولده لصلبه ومن ولد الذكور من أولاده، أما أولاد الإناث فلا يدخلون إذا كان آباؤهم من قوم آخرين، لأنهم ليسوا من آله ولا من أهل بيته وإن كانوا من ذريته ومن قرابته. وقالوا أيضا: إن الوصية للآل أو لأهل البيت يدخل فيها كل من اجتمع مع من أضيف له الآل أو البيت بآبائه إلى أقصى أب له فى الإسلام، فلو أوصى لأله أو لأهل بيته وكان علويا دخل فى وصيته كل من ينتسب بآبائه إلى على، وأن كان عباسيا دخل فيها كل من ينتسب إلى العباس، ذكرا كان أو أنثى، إذا كان ينتسب بنفسه أو بواسطة الأباء، إلا أولاد النساء فإنهم لا يدخلون إذا كان آباؤهم من قوم آخرين. ومن أوصى لآله أو أهل بيته دخل فى وصيته أبوه وجده الصحيح إذا كانا غير وارثين.
ولو أوصى إلى أهل فلان كانت الوصية لزوج فلان خاصة فى قول أبى حنيفة، وعند صاحبيه تكون الوصية لكل من يعولهم فلان ممن تضمهم نفقته من الأحرار، فتدخل فيها زوجه واليتيم الذى فى حجره، والولد إذا كان يعوله، أما إذا كان كبيرا قد اعتزل عنه، أو كان بنتا قد تزوجت، فليس من أهله، فلا يدخل فى الوصية للأهل المماليك، ولا وارث الموصى إذا كانت وصيته أهله، ولا يدخل فى الوصية لأهل فلان فلان نفسه، هذا هو فرق ما بين الوصية لأهل فلان وبين الوصية لآله أو لأهل بيته.
وقال فقهاء مذهب مالك (2) : أنه لو وقف على آله أو وقف على أهله، كان وقفه هذا على عصبته وعلى كل امرأة لو رجلت- أى فرضت رجلا- كانت عصبة، فلا يدخل أولاد النساء من قرابة الأب، كما لا يدخل فيه أحد من قرابة الأم. والراجح عندهم أن الوقف على الأقارب يشمل الأقارب من جهة الأب ومن جهة الأم، وقيل إنه لا يشمل الأقارب من النساء من الجهتين، غير أنهم لم يفرقوا بين العصبة وغير العصبة منهم. فالآل والأهل معناهما وأحد عندهم فى الوقف.. كما أنه يختلف عن معني القرابة. وقالوا: أنه لو أوصى لأقاربه، أو لأهله، أو لذى رحمه، ولم يكن له أقارب من جهة أبيه أو كان له أقارب من جهته يرثونه لم يدخلوا فى وصيته واختص بها قرابته من جهة الأم. وإن كان له أقارب من جهة الأب وكانوا لا يرثونه اختصوا بالوصية ولا يشاركهم فيها قرابته من جهة الأم. ولو أوصى للأقارب فلان، أو لأهل فلان، أو لذي رحم فلان وكان له أقارب من الجهتين اختص بالوصية أقارب فلان من جهة الأب وارثين كانوا أو غير وارثين لفلان، وأن لم يكن لفلان أقارب من جهة أبيه استحق الوصية أقاربه من جهة أمه وقد صرحوا بأن كلا من الألفاظ الثلاثة يشمل القرابتين معا فى الوصية، وأن قرابة الأب تحجب قرابة الأم إذا اجتمعت القرابتان وكانت قرابة الأب تستحق الوصية، ولا تحجبها إذ كانت غير مستحقة للوصية. والموازنة بين ما قيل فى الوقف وفى الوصية تظهر مدى اختلاف المعاني فى البابين.
وقال فقهاء مذهب أحمد (3) أنه لو وقف على آله، أو على أهل بيته، أو على أهله، أو على قرابته من أو على قومه، أو على نسبائه، أو وقف على آل فلان، أو على أهل بيت فلان، أو على أهل فلان، أو.. أو.. إلخ، كان الوقف على الذكر والأنثى من أولاد الواقف أو من أولاد فلان، ومن أولاد أبيه، ومن أولاد جده، ومن أولاد جد أبيه، أربعة آباء. ويستوى فى ذلك الذكر والأنثى والصغير والكبير والغنى والفقير، من قبل أبيه. ولا يدخل فى هذا الوقف من يخالفه فى الدين، ولا أمه، ولا من تكون قرابته له من قبل أمه إلا أن يكون فى كلامه ما يدل على أنه أراد ذلك. وقيل إن وقفه على آله وعلى آل فلان، أو على أهله أو أهل فلان أو.. أو.. إلخ يكون كما لو وقف على ذوى رحمه وهم ولده وقرابته من الجهتين. ونقل صالح عن أحمد أنه لو وقف على آله، أو 0.. أو إلخ، اختص بهذا الوقف من بصلة الواقف من قرابة أبيه وقرابة أمه وإن جاوز أربعة آباء. واختار ابن الجوزى الفرق بين الوقف على أهل البيت أو على القوم وبين الوقف على القرابة وقال: إن هذا الأخير يختص به قرابة الأب أما الآخر فيكون لقرابة الأبوين. وقال ابن تيمية: أنه لو وقف على أهله أو على أهل بيته دخل فى هذا الوقف أزواجه، وأنه لو وقف على آله ففى دخول أزواجه فى هذا الوقف روايتان، وأختار هو الرواية التي تقول بدخولهن فى هذا الوقف. وقالوا: إنه لو وقف على آله أو على أهل بيته دخل هو فى هذا الوقف أما لو وقف على أهله فإنه لا يدخل فيه.
وقالوا: أنه لو أوصى لآله كان كمن أوصى لقرابته فتكون الوصية لقرابته من قبل أبيه، وذلك لأنه جاء فى بعض الروايات لحديث زيد بن أرقم أنه قبل أبيه: من آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "أهله وعشيرتها الذين حرمت عليهم الصدقة: آل على وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل.
وفى الوصية لأهل بيته والوصف لقرابته روايات كالتي ذكرت فى الوقف، غير أنى لم أقف على أنها ذكرت فى الوصية للآل.
آل محمد صلى الله عليه وسلم تحريم الصدقة عليهم:
رويت أحاديث كثيرة- قالوا: إنها متواترة المعنى- فى تحريم الصدقة على آل محمد ومما جاء فيها قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ". " إن الصدقة حرام على محمد وعلى آل محمد، وإن مولى القوم من أنفسهم ". " إن الصدقة لا تنبغى لآل محمد إنما هى أوساخ الناس.
وقد اتفق الفقهاء على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حرمت عليه الصدقة المفروضة وصدقة التطوع، ولكنهم اختلفوا فيمن هم آله الذين حرمت عليهم الصدقة وفى الصدقة التى حرمت عليهم.
ذهب الحنفية إلى أن آل محمد الذين حر مت عليهم الصدقة هم بنو هاشم بن عبد مناف إلا من ورد النص بنفي قرابتهم. وهاشم لا ولد له إلا من أبنه عبد المطلب. فمن يعتبرون آل محمد وقرابته فى هذا الباب هم آل على وآل العباس وآل عقيل، وآل جعفر، وآل الحارث، من أولاد عبد المطلب، أما آل أبى لهب بن عبد المطلب فليسوا من آل محمد هنا، ولا تحرم عليهم الصدقة وإن كانوا مسلمين، وذلك لأن تحريم الصدقة على بني هاشم إنما كان تكريما من الله تعالى لهم ولذريتهم لقاء نصرتهم له عليه الصلاة والسلام فى الجاهلية وفى الإسلام، أما أبو لهب فكان أحرص الناس على آذاه عليه الصلاة والسلام، حتي أنه عليه الصلاة والسلام قد برئ من قرابته، فقال: " لا قرابة بينى وبين أبى لهب، لقد آثر علينا الأفخر ين، فلم يستحق لا هو ولا ذريته هذه الكرامة ". وآل محمد فى هذا الباب لا يتناول آل المطلب وآل عبد شمس وآل نوفل أبناء عبد مناف وليسوا ممن حرمت عليهم الصدقة.
وما ذهب إليه الحنفية فى هذا هو المشهور من مذهب مالك، وإحدى الروايتين عن أحمد، وهو مذهب الزيدية ومذهب الإمامية.
وقال الشافعى وابن حزم: إن آل محمد هنا هم بنو هاشم وبنو المطلب فقط، وهو مقابل المشهور من مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد.
والحجة فى ذلك ما ورد فى الصحاح عن جبير بن مطعم (من ولد نوفل) أنه جاء هو وعثمان بن عفان من ولد عبد شمس يكلمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قسم من الخمس بين بتي هاشم وبنى المطلب فقال جبير: يارسول الله قسمت لإخواننا بنى المطلب ولم تعطنا شيئا وقرابتنا وقرابتهم واحدة.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شىء واحد) . فقالوا: إذن لا يفرق بين حكمهم فى شىء أصلا لأنهم شىء واحد بنص كلامه عليه الصلاة والسلام، فصح أنهم آل محمد، وإذ هم آل محمد فالصدقة عليهم حرام، وخرج بنو نوفل وبنو عبد شمس وسائر قريش عدا هذين البطنين. وقال أصبغ بن الفرج المالكى: إن آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة هم جميع قريش وهم بنو قصى. وعن غيره من المالكية أنهم بنو غالب. وقال فقهاء الحنفية: إن آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة هم الذين ينتسبون إلى هاشم بأنفسهم أو بواسطة آبائهم دون من ينتسبون إليه بواسطة النساء. فأولاد البنات من آل محمد ليسوا من آل محمد ولا تحرم عليهم الصدقة، وبهذا قال جمهور الفقهاء ولا يعرف من خالف فى هذا إلا السيد المرتضى من فقهاء أهل البيت فقد قال: إن أولاد البنات من آل محمد - وإن كان آباؤهم من قوم آخرين - تحرم عليهم الصدقة ويكونون ممن يستحقون فى الخمس. وقد وافقه على ذلك جماعة من فقهاء الشيعة الإمامية ذكرهم صاحب جواهر الكلام وقال: إن بعض فضلاء الأعاجم قد ألف رسالة فى الانتصار لهذا المذهب. ولكن عدم دخولهم هو الأشهر الذى عليه عامة الإمامية.
وقال فقهاء الحنفية إن موالى آل محمد منهم وتحرم عليهم الصدقة، وهذا هو مذهب ابن حزم، وذلك لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلا من بنى مخزوم على الصدقة فأراد أن يصحبه أبو رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى إلا أن يستأذن رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال له: " إن الصدقة لا تحل لآل محمد وإن مولى القوم من أنفسهم ". أما مذهب أحمد ومذهب الشيعة الإمامية أن موالى آل محمد ليسوا من قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يكونون من آل محمد فتحل لهم الصدقة. وقال ابن قدامة فى المغنى: إن هذا قول أكثر العلماء.
ولا إختلاف بين الفقهاء فى أن أزواج بنى هاشم لسن من آل محمد فى هذا الباب فتحل لهن الصدقة. غير أن ابن قدامة قال إن الخلال روى بإسناده عن ابن أبى مليكة أن خالد بن سعيد بن العاص بعث إلى عائشة شعيرة من الصدقة فردتها وقالت: إنا آل محمد - صلى الله عليه وسلم -لا تحل لنا الصدقة. وهذا يدل على تحريمها على أزواج النبى- صلى الله عليه وسلم- وقد اتفق الفقهاء على أن الزكاة المفروضة صدقة محرمة على آل محمد فلا يحلى لأحد منهم أن يتناول منها إذا كان من الأصناف التى تستحق الزكاة لو لم يكونوا من بنى هاشم سوى صنف العاملين عليها ففيه اختلافهم كما سيجئ.
وقال الإمامية: إنها محرمة عليهم لا فرق فى ذلك بين أهل العصمة وغيرهم، وقد ورد فى الخبر الذى رواه أبو خديجة عن أبى عبد الله قوله: أعطوا الزكاة من أراد من بنى هاشم وإنما تحرم على النبى وعلى الإمام بعده وعلى الأئمة. فقالوا: إن فى سند هذا الخبر مقال، وبغض النظر عن ذلك فانه يجب طرحه، او حمله على. حال الضرورة، وهى حال لا تقوها بالنبي ولا بالأئمة، أو حمله على صدقة التطوع التى اختص منصب النبوة ومنصب الإمامة بالترفع عنها.
وجمهور الحنفية على أنه لا يحل لأحد من الآل أن يكون عاملا على الصدقة يتناول أجر عمله منها، وهذا هو مذهب الشافعى وأظهر الروايتين عن أحمد، ومذهب ابن حزم، ومذهب الإمامية، وإحتجوا فى هذا بقوله عليه الصلاة والسلام للفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة حينما سألاه أن يؤمرهما على بعض الصدقة ليصيبا كما يصيب غيرهما: أن الصدقة لا تنبغى لأل محمد إنما هى أوساخ الناس، وبحديث أبى رافع الذى سبق ذكره، وقالوا: إن الصدقة تخرج من مال المتصدق إلى الأصناف التي سماها الله تعالى فيملك العامل على الصدقة بعضها على أنه مصرف لها وعلى أنها صدقة وذلك لا يحل لأحد من آل محمد.
وقال الطحاوى: إن أبا يوسف كان يكره لبنى هاشم أن يعملوا عنى الصدقة إذا كانت جعالتهم منها وخالفه فى ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس أن يعمل الهاشمي على الصدقة ويأخذ أجره منها لأنه إنما يملك أجره بعمله لا على أنه صدقة عليه، فالأجر لا يصل إليه باسم الصدقة، فهو كالصدقة إذا بلغت محلها ثم أهدى منها من أخذها - إلى من لا تحل له الصدقة فإنه يحل له تناول هذا وإن كان أصله الصدقة وساق فى بيان هذا حديث بريرة وغيره.
وقال فى حديث الفضل وصاحبه: قد يجوز أنه ما منعهما العمل على الصدقة إلا ليجنبهما العمل على أوساخ الناس لا لأن أخذهما أجرهما منها محرم عليهما، وقال أنه وجد ما يدل على ذلك وهو أن العباس سأله عليه الصلاة والسلام أن يستعمله على الصدقة فقال له: " ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس " ثم قال إن هذا هو النظر وهو أصح مما قال أبو يوسف فى ذلك. وما ذهب إليه الطحاوى رواية عن أحمد، وقد وجهوها بأن أجر العامل عليها كأجر بيته لو استؤجر لتوضع فيه الصدقة.
وذهب فقهاء الحنفية إلى تحريم ما أوجبه الله سبحانه من الصدقة سوى الزكاة على آل محمد، فلا يجوز أن يصرف إليهم شئ من كفارة اليمين والظهار والقتل وجزاء الصيد وعشر الأرض، أخذا بعموم السنن التى وردت فى تحريم الصدقة على آل محمد، وهذا هو مذهب المالكية والشافعية وابن حزم وأحد وجهين فى مذهب أحمد وبه قال جماعة من الإمامية، وقال آخرون منهم: إن الحرمة قاصرة على الزكاة، وهذا هو الاحتمال لآخر فى مذهب أحمد.
وفى مؤلفات متأخري الحنفية عد النذر من الصدقة المحرمة على آل محمد من غير إشارة إلى خلاف فى ذلك. وهذا متفق مع أوجه الاحتمالين فى مذهب الشافعى، وصرح بعض الإمامية بأن من الصدقة المحرمة الصدقة الواجبة بالنذر، والصدقة الموصى بها، والهدى الواجب.
وواضح أن من يقولون بحرمة صدقة التطوع عليهم يقولون بحرمة هذا النوع من الصدقة عليهم. والاحتمال غير الوجيه فى مذهب الشافعية أن النذور تحل لهم. ومذهب أحمد أنه يجوز لهم الأخذ من الوصايا للفقراء ومن النذور لأنها من صدقة التطوع، فهم لا ينظرون إلا إلى إيجاب الشارع، أما إيجاب العبد على نفسه فإنه لا يخرج الصدقة عن أن تكون صدقة تطوع.
أما صدقة النفل أو التطوع فقد اختلفت بشأنها عبارات مؤلفى الحنفية. فالطحاوى بعد أن روى السنن الواردة فى التحريم قال: فدل ذلك على أن كل الصدقات من التطوع وغيره قد كان محرما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى سائر بني هاشم، والنظر يدل على استواء حكم الفرائض واقع فى ذلك.
وذلك أنا رأينا غير بنى هاشم من الأغنياء والفقراء فى الصدقات المفروضات والتطوع سواء من حرم عليه أخذ صدقة مفروضة حرم عليه اخذ صدقة غير مفروضة فلما حرم على بنى هاشم أخذ الصدقات المفروضات حر م عليهم اخذ الصدقات غير المفروضات. فهذا هو النظر فى هذا الباب، وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله.
وقد اختلف النقل عن أبى حنيفة فى ذلك، فروى عنه أنه قال: لا بأس بالصدقات كلها على بنى هاشم.
وذهب فى ذلك عندنا إلى أن الصدقات إنما كانت حرمت عليهم من أجل ما جعل لهم فى الخمس من سهم ذوى القربى فما انقطع ذلك عنهم ورجع الى غيرهم بموت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حل لهم بذلك أخذ ما كان محرما عليهم من أجل ما كان قد أحل لهم.
وقد حدثنى سليمان بن شعيب عن أبيه عن محمد عن أبى يوسف عن أبى حنيفة فى ذلك مثل قول أبى يوسف، فبهذا نأخذ ... هذا كلام الطحاوى وهو قاطع فى أن عن أبى حنيفة روايتين: رواية حرمة المفروضة والتطوع وإن انقطع حقهم فى الخمس. ورواية حلهما بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانقطاع حقهم فى الخمس.
وهذا ما يقرره البابرتى فى " العناية "، فقد قال: وذكر فى " شرح الآثار " أن النافلة والمفروضة محرمتان عليهم عندهما وعن أبى حنيفة فيهما روايتان غير أنه نقل فى " فتح القدير " عن النهاية أن صدقه النفل تجوز لهم بالإجماع.
وجاء فيه أيضا أن جواز صدقة التطوع قد ورد فى " الكافى " من غير إشارة إلى خلاف.
وهذا هو ما صنعه صاحب الهداية أيضا، وقال الكمال: إنه قد ورد فى شرح الكنز " أنه لا فرق بين الصدقة الواجبة وصدقة التطوع. ثم قال: وقال بعضهم يحل لهم التطوع وقال الكمال أنه قد اثبت الخلاف على وجه يشعر بترجيح حرمة النافلة وهو الموافق للعمومات فوجب اعتباره. وفى العناية أن صاحب الفتاوى الكبرى أختار حرمة التطوع.
وقد حقق الكمال أن الوقف من صدقة التطوع بعد أن نقل أن فيه عند الحنفية أقوالاً ثلاثة: الجواز مطلقا، والمنع مطلقا، والجواز إذا سماهم حتي يكون كالوقف على الأغنياء. والقول بحرمة صدقة التطوع عليهم مذهب الشافعى ومذهب أبن حزم، وقول فى مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد. وحل هذه الصدقة لأل محمد هو المعتمد فى مذهب مالك مع الكراهة وهو أظهر الروايتين عن أحمد.
وقال الإمامية: أن صدقة التطوع محرمة على النبى وعلى الأئمة جائزة لغيرهم من آل محمد.
وقد وقفنا على ما جاء بإحدى الروايتين عن أبى حنيفة من حل المفترضة والتطوع لهم وما رأى الطحاوى أنه وجه ذلك عنده ". وهو انقطاع حقهم فى الخمس.
وأن الرواية الأخرى هى الحرمة فيهما وإن انقطع ذلك، وأن هذا هو قول أبى يوسف ومحمد والحرمة مع ذلك هى أيضا المذهب عند الشافعية.
أما رواية الحل فى الصدقتين فهى أيضا مذهب المالكية إذا أصابهم ضر ومذهب الإمامية، وقول فى مذهب الشافعية.
ومذهب الحنفية أن الصدقة لا تحل لهم وأن كانت من بعضهم لبعض وهذا مذهب المالكية أيضا.
وفى رواية عن أبى يوسف وأخرى عن أبى حنيفة حل الصدقة من آل محمد بعضهم لبعض، وذلك مذهب الإمامية.
وقال الشوكانى: أنه قد نقل فى البحر عن زيد بن على وعن المرتضى وأبى العباس والإمامية وأنه نقل فى الشفاء عن أبنى الهادي والقاسم، وقال إنه قول جماعة وافرة من أئمة العترة وأتباعهم وأولادهم، وأن البعض قد أدعى إجماع فقهاء الشيعة على ذلك، ولكنه أنكر هذه الدعوى وأفاض فى ردها واستنكار ما كان يجرى باليمن فى عهده (4)
مستحقو الخمس والفئ
أثبت الكتاب الكريم لذى القربى قربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حقا فى خمس الغنائم بقوله تعالى: "واعلموا أنما غنمتم من شىء فإن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شىء قدير" (5) .
وحقا فى الفئ بقوله تعالى: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم، وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا الله، إن الله شديد العقاب ((6) .
وقد اختلف الفقهاء فى مقدار استحقاق ذى القربى، وفى مصير هذا الاستحقاق بعد موته عليه الصلاة والسلام وفى كثير من الأحكام المتصلة بهذا، فيرجع إلى معرفة ذلك كله فى مواد: " خمس. غنيمة. فئ".
وذوو القربى هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم آل محمد الوارد ذكرهم فى تحريم الصدقة، فمن ذهب فيهم إلى رأى هناك قال به هنا ما عدا الحنفية الذين أخذوا هنا بحديث جبير بن مطعم الذى سبق إيراده هناك.
فهم هنا بنو هاشم وبنو المطلب عند الحنفية والشافعية وابن حزم، وفى قول عند المالكية ورواية فى مذهب أحمد.
وهم بنو هاشم (7) وحدهم إلا آل أبى لهب فى القول المشهور عند المالكية والرواية الأخرى فى مذهب أحمد، ونقل هذا عن عمر بن عبد العزيز وبه قال زيد بن أرقم وطائفة من الكوفيين، وإليه ذهب جميع أهل البيت ومن قال هناك بدخول أولاد البنات قال به هنا، ومن أخرجهم هناك أخرجهم هنا، ولم أر من عرض لذكر الموالى والأزواج هنا سوى قول ابن حزم ولا حق فيه لمواليهم ولا لخلفائهم ولا لبنى بناتهم من غيرهم.
الصلاة على آل محمد:
جمهور العلماء على أن الصلاة على آل محمد فى التشهد الأخير مندوبة والراجح من مذهب الشافعى إنها سنة، وقال الشيعة إنها واجبة فى التشهدين. ويرجع فى تفصيل ذلك إلى مادة " صلاة. تشهد ".
وقال الجمهور: أنه لا ينبغى لأحد أن يصلى على آل محمد استقلالا، وإنما الصلاة عليهم تكون تبعا للصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فالآل فى ذلك كغيرهم من الناس.
واختلف العلماء فى معنى الآل فى هذا المقام ونظائره على أقوال كثيرة، فقيل هم الأزواج والذرية. وقيل هم الذين حرمت عليهم الصدقة وهم بنو هاشم وحدهم أو بنو هاشم وبنو المطلب. وقيل على فاطمة والحسنان وأولادهم. وقيل هم القرابة بغير تقييد وقيل هم الأمة جميعا. وقال النووى إن هذا أظهر الأقوال (8) .
وفيما يتعلق بإجماع آل محمد وشرفهم وكفاءتهم ونسبهم يرجع إلى مواد "إجماع. كفاءة. نسب ".
__________
(1) أحكام الوقوف والصدقات للخصاف ص 36، 41 بدائع الصنائع للكسانى ج7 ص 351 وما بعدها
(2) مختصر خليل والشرح الكبير للدردير ج4 ص 94 - 432
(3) المغنى لابن قدامة ج6 ص 549، 553، 554،
الفروع لابن مفلح ج 6 ص886، 888
كشاف القناع ج2 ص 467
(4) انظر: شرح معانى الآثار للطحاوى ج1ص297 وما بعدها.
بدائع الصنائع للكسانى ج2 ص44، 49 الهدية وفتح القدير والعناية ج2 ص24، 25 رد المختار لابن عابدين ج2 ص68، 69.الطحطاوى على مراقى الفلاح ص700، 701 من كتب الحنفية
وانظر: مختصر خليل والشرح الكبير للدردير ج1 ص493 وما بعدها، من كتب المالكية.
وانظر: المغنى لابن قدامة ج2ص519 وما بعدها، من كتب الحنفية.
وانظر: المحلى لابن حزم ج6ص146، من كتب الظاهرية.
وانظر: نيل الأ وطار للشوكانى ج4ص146، شرائع الإسلام وشرحه جواهر الكلام ج3ص99 وما بعدها، 157 وما بعدها، من كتب الشيعة.
(5) سورة الأنفال:40
(6) سورة الحشر:6
(7) وانظر: مبسوط السرخسى ج10 ص 9. مختصر خليل والشرح الكبير ج2 ص 190. الوجيز للغزالى ج1 ص 173. التحفة لابن حجر ج 3 ص 80. المحلى لابن حزم ج7 ص 327. نيل الأوطار للشوكانى ج 8 ص 58. جواهر لكلام ج3 ص 157 وما بعدها.
(8) وانظر: الوجيز للغزالى ج1 ص 53. شرح الحلبى لمنية المصلى ص 3. جواهر الكلام ج2 ص 341 وما بعدها. نيل الأوطار ج2 ص 244.