سبل السلام ط مكتبة مصطفى البابي الحلبي

كتاب الأطعمة
كتاب الأطعمة
...
كتاب الأطعمة
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل ذي ناب من السبع فأكله حرام" رواه مسلم دل الحديث على تحريم ما له ناب من سباع الحيوانات والناب السن خلف الرباعية كما في القاموس والسبع هو المفترس من الحيوان كما في القاموس أيضا وفيه الافتراس: الاصطياد وفي النهاية أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع هو ما يفترس الحيوان ويأكله قهرا وقسرا كالأسد والذئب والنمر ونحوها واختلف العلماء في المحرم منها فذهب الهادوية و الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وداود إلى ما أفاده الحديث ولكنهم اختلفوا في جنس السباع المحرمة فقال أبو حنيفة كل ما أكل اللحم فهو سبع حتى الفيل والضبع واليربوع والسنور وقال الشافعي يحرم من السباع ما يعدو على الناس كالأسد والذئب والنمر دون الضبع والثعلب لأنهما لا يعدوان على الناس وذهب ابن عباس فيما حكاه عنه ابن عبد البر وعائشة وابن عمر على رواية عنه فيها ضعف والشعبي وسعيد بن جبير إلى حل لحوم السباع مستدلين بقوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآية فالمحرم هو ما ذكر في الآية وما عداه حلال وأجيب بأن الآية مكية وحديث أبي هريرة بعد الهجرة فهو ناسخ للآية عند من يرى نسخ القرآن بالسنة وبأن الآية خاصة بثمانية الأزواج من الأنعام ردا على من حرم بعضها كما ذكر الله تعالى قبلها من قوله: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ} إلى آخر الآيات فقيل في الرد عليهم: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآية أي أن الذي أحللتموه هو المحرم والذي حرمتموه هو الحلال وأن ذلك افتراء على الله وقرن بها لحم الخنزير لكونه مشاركا لها في علة التحريم وهو كونه رجسا فالآية وردت في الكفار الذين يحلون الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ويحرمون كثيرا مما أباحه الشرع وكان الغرض من الآية بيان حالهم وأنهم يضادون الحق فكأنه قيل ما حرم إلا ما أحللتموه مبالغة في الرد عليهم قلت ويحتمل أن المراد قل لا أجد الآن محرما إلا ما ذكر في الآية ثم حرم الله من بعد كل ذي ناب من السباع ويروي عن مالك أنه إنما يكره أكل كل ذي ناب من السباع لا أنه محرم

(4/72)


2- وأخرجه أي أخرج معنى حديث أبي هريرة من حديث ابن عباس بلفظ "نهى" أي عن "كل ذي ناب من السباع" وزاد أي ابن عباس "وكل ذي مخلب" بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام آخره موحدة "من الطير" وأخرج الترمذي من حديث جابر تحريم كل ذي مخلب من الطير وأخرجه أيضا من حديث العرباض بن سارية وزاد فيه يوم خيبر في القاموس المخلب ظفر كل سبع من الماشي والطائر أو هو لما يصيد من الطير والظفر لما لا يصيد وإلى تحريم كل ذي مخلب من الطير ذهبت الهادوية ونسبه النووي إلى الشافعي وأبي حنيفة وأحمد وداود والجمهور وفي نهاية المجتهد نسب إلى الجمهور القول بحل كل ذي مخلب من الطير وقال وحرمها قوم ونقل النووي أثبت لأنه المذكور في كتب الفريقين وأحمد فإن قيل في دليل الطالب على مذهب أحمد ما لفظه ويحرم من الطير ما يصيد بمخلبه كعقاب وباز وصقر وباشق وشاهين وعدد كثيرا من ذلك ومثله في المنهاج للشافعية ومثله للحنفية وقال مالك يكره كل ذي مخلب من الطير ولا يحرم وأما النسر فقالوا ليس بذي مخلب لكنه محرم لاستخباثه قالت الشافعية ويحرم ما ندب قتله كحية وعقرب وغراب أبقع وحدأة وفأرة وكل سبع ضار واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرام" وتقدم في كتاب الحج قالوا ولأن هذه مستخبثات شرعا وطبعا قلت وفي دلالة الأمر بقتلها على تحريم أكلها نظر ويأتي لهم أن الأمر بعدم القتل دليل على التحريم وقد قال الشافعية إن الآدمي إذا وطيء بهيمة من بهائم الأنعام فقد أمر الشارع بقتلها قالوا ولا يحرم أكلها فدل على أنه لا ملازمة بين الأمر بالقتل والتحريم
3- وعن جابر رضي الله عنه قال :"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل" متفق عليه وفي لفظ البخاري لرواية جابر هذه ورخص عوض أذن وقد ثبت في روايات أنه صلى الله عليه وسلم وجد القدور تغلي بلحمها فأمر بإراقتها وقال لا تأكلوا من لحومها شيئا والأحاديث في ذلك كثيرة وفي رواية إنها رجس أو نجس وفي لفظ "إنها رجس من عمل الشيطان" وفي الحديث مسألتان الأولى أنه دل منطوقه على تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية إذ النهي أصله التحريم وإلى تحريم أكل لحومها ذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلا ابن عباس فقال ليست بحرام وفي رواية ابن جريج عن ابن عباس وأبى ذلك البحر وتلا قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآية وروي عن عائشة وعن مالك روايات أنها مكروهة أو حرام أو مباحة وأما ما أخرجه أبو داود عن غالب بن أبجر قال أصابتنا سنة فلم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر فأتيت رسول الله صلى الله عليه سلم فقلت إنك حرمت لحوم الحمر الأهلية وقد أصابتنا سنة فقال أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من جهة جوال القرية يعني الجلالة فقد قال الخطابي:

(4/73)


أما حديث ابن أبجر فقد اختلف في إسناده قال أبو داود رواه شعبة عن عبيد بن الحسن عن عبد الرحمن بن معقل عن عبد الرحمن بن بشر عن ناس من مزينة أن سيد مزين أبجر أو ابن أبي أبجر سأل النبي صلى الله عليه وسلم ورواه مسعر فقال عن ابن عيينة عن أبي معقل عن رجلين من مزينة أحدهما عن الآخر وقد ثبت التحريم من حديث جابر يريد هذا وساقه من طريق أبي داود متصلا ثم قال وأما قوله إنما حرمتها من أجل جوال القرية فإن الجوال هي التي تأكل العذرة وهي الجلة إلا أن هذا لا يثبت وقد ثبت أنه إنما نهى عن لحومها لأنها رجس وساق سنده إلى محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أصبنا حمرا خارجة من القرية فنحرنا وطبخنا منها فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله ورسوله ينهيانكم عنها وإنها رجس من عمل الشيطان فأكفئت القدور انتهى " وبهذا يبطل القول بأنها إنما حرمت مخافة قلة الظهر كما أخرجه الطبراني وابن ماجه عن ابن عباس إنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمر الأهلية مخافة قلة الظهر وفي رواية البخاري عن ابن عباس في المغازي من رواية الشعبي أنه قال ابن عباس لا أدري أنهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أنها حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم أو حرمها ألبتة يوم خيبر فإنه يقال قد علم بالنص أنه حرمها لأنها رجس وكأن ابن عباس لم يعلم بالحديث فتردد في نقله النهي وإذ قد ثبت النهي وأصله التحريم عمل به وإن جهلنا علته وأما ما أخرجه الطبراني من حديث أم نصر المحاربية أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمر الأهلية فقال: "أليس ترعى الكلأ وتأكل الشجر قال فأصب من لحومها" فهي رواية غير صحيحة لا تعارض بها الأحاديث الصحيحة
المسألة الثانية دل الحديث على حل أكل لحوم الخيل وإلى حلها ذهب زيد بن علي والشافعي وصاحبا أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وجماهير السلف والخلف لهذا الحديث ولما في معناه من الأحاديث الصحيحة وأخرج ابن أبي شيبة بسنده على شرط الشيخين عن عطاء أنه قال لابن جريج لم يزل سلفك يأكلونه قال ابن جريج قلت له أصحاب رسول الله قال نعم ويأتي حديث أسماء نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه وذهبت الهادوية و مالك وهو المشهور عند الحنفية إلى تحريم الخيل واستدلوا بحديث خالد بن الوليد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الخيل والبغال والحمير وكل ذي ناب من السباع وفي رواية بزيادة يوم خيبر وأجيب عنه بأنه قال البيهقي فيه هذا إسناد مضطرب مخالف لرواية الثقات وقال البخاري يروى عن أبي صالح ثور بن يزيد وسليمان بن سليم وفيه نظر وضعف الحديث أحمد والدارقطني والخطابي وابن عبد البر وعبد الحق واستدلوا بقوله تعالى: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} وتقدير الاستدلال بالآية بوجوه الأول أن العلة المنصوصة تقتضي الحصر فإباحة أكلها خلاف ظاهر الآية وأجيب عنه بأن كون العلة منصوصة لا يقتضي الحصر فيها فلا تفيد

(4/74)


الحصر في الركوب والزينة فإنه ينتفع بها في غيرهما اتفاقا وإنما نص عليهما لكونهما أغلب ما يطلب ولو سلم الحصر لامتنع حمل الأثقال على الخيل والبغال والحمير ولا قائل به الثاني: من وجوه دلالة الآية على تحريم الأكل عطف البغال والحمير فإنه دال على اشتراكهما معها في حكم التحريم فمن أفرد حكمهما عن حكم ما عطف عليه احتاج إلى دليل وأجيب عنه بأن هذا من باب دلالة الاقتران وهي ضعيفة
الثالث: من وجوه دلالة الآية أنها سيقت للامتنان فلو كانت مما يؤكل لكان الامتنان به أكثر لأنه يتعلق ببقاء البنية والحكيم لا يمتن بأدنى النعم ويترك أعلاها سيما وقد امتن بالأكل فيما ذكر قبلها وأجيب بأنه تعالى خص الامتنان بالركوب لأنه غالب ما ينتفع بالخيل فيه عند العرب فخوطبوا بما عرفوه وألفوه كما خوطبوا في الأنعام بالأكل وحمل الأثقال لأنه كان أكثر انتفاعهم بها لذلك فاقتصر في كل من الصنفين بأغلب ما ينتفع به فيه
الرابع: من وجوه دلالة الآية لو أبيح أكلها لفاتت المنفعة التي امتن بها وهي الركوب والزينة وأجيب عنه بأنه لو لزم من الإذن في أكلها أن تفنى للزم مثله في البقر ونحوها مما أبيح أكله ووقع الامتنان به لمنفعة أخرى وقد أجيب عن الاستدلال بالآية بجواب إجمالي وهو أن آية النحل مكية اتفاقا والإذن في أكل الخيل كان بعد الهجرة من مكة بأكثر من ست سنين وأيضا فإن آية النحل ليست نصا في تحريم الأكل والحديث صريح في جوازه وأيضا لو سلم ما ذكر كان غايته الدلالة على ترك الأكل وهو أعم من أن يكون للتحريم أو للتنزيه أو خلاف الأولى وحيث لم يتعين هنا واحد منها لا يتم بها التمسك فالتمسك بالأدلة المصرحة بالجواز أولى وأما زعم البعض أن حديث جابر دال على التحريم لكونه ورد بلفظ الرخصة والرخصة استباحة المحظور مع قيام المانع فدل أنه رخص لهم فيها بسبب المخمصة فلا يدل على الحل المطلق فهو ضعيف لأنه ورد بلفظ أذن لنا ولفظ أطعمنا فعبر الراوي بقوله رخص لنا عن أذن لا أنه أراد الرخصة الاصطلاحية الحادثة بعد زمن الصحابة فلا فرق بين العبارتين أذن ورخص في لسان الصحابة
4- وعن ابن أبي أوفى قال: "غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد" وهو اسم جنس والواحدة جرادة يقع على الذكر والأنثى كحمامة متفق عليه وهو دليل على حل الجراد قال النووي: وهو إجماع وأخرج ابن ماجه عن أنس قال كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يتهادين الجراد في الأطباق وقال ابن العربي في شرح الترمذي: إن جراد الأندلس لا يؤكل لأنه ضرر محض فإذا ثبت ما قاله فتحريمها لأجل الضرر كما تحرم السموم ونحوها واختلفوا هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجراد أم لا وحديث الكتاب يحتمل أنه كان يأكل معهم إلا أن في رواية البخاري زيادة لفظ "نأكل الجراد معه" قيل وهي محتملة أن المراد غزونا معه فيكون تأكيدا لقوله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن المراد نأكل معه قلت وهذا الأخير هو الذي يحسن حمل الحديث عليه إذ التأسيس أبلغ من التأكيد ويؤيده ما وقع في الطب

(4/75)


عند أبي نعيم بزيادة ويأكل معنا وأما ما أخرجه أبو داود من حديث سليمان أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجراد فقال: "لا آكله ولا أحرمه" فقد أعله المنذري بالإرسال وكذلك ما أخرجه ابن عدي في ترجمة ثابت بن زهير عن نافع عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب فقال: "لا آكله ولا أحرمه" وسئل عن الجراد فقال مثل ذلك فإنه قال النسائي ثابت ليس بثقة ويؤكل عند الجماهير على كل حال ولو مات بغير سبب لحديث "أحل لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال" أخرجه أحمد والدارقطني مرفوعا من حديث ابن عمر وقال إن الموقوف أصح ورجح البيهقي الموقوف وقال له الحكم الرفع واختلف فيه هل هو من صيد البحر أم من صيد البر وورد حديثان ضعيفان أنه من صيد البحر وورد عن بعض الصحابة أنه يلزم المحرم فيه الجزاء فدل أنه عنده من صيد البر والأصل فيه أنه بري حتى يقوم دليل على أنه بحري
5- وعن أنس رضي الله عنه في قصة الأرنب قال فذبحها فبعث بوركها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله متفق عليه وفي القصة أنه قال أنس أنفجنا أرنبا ونحن بمر الظهران فسعى القوم وتعبوا فأخذتها فجئت بها إلى أبي طلحة فبعث بوركها أو قال بفخذها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها وهو لا يدل على أنه أكل منها لكن في رواية البخاري في كتاب الهبة قال الراوي وهو هشام بن زيد قلت لأنس وأكل منها قال وأكل منها ثم قال فقبله والإجماع واقع على حل أكلها إلا أن الهادوية و عبد الله بن عمر وعكرمة وابن أبي ليلى قالوا يكره أكلها لما أخرجه أبو داود والبيهقي من حديث ابن عمر أنها جيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأكلها ولم ينه عنها وزعم أي ابن عمر أنها تحيض وأخرج البيهقي عن عمر وعمار مثل ذلك وأنه أمر بأكلها ولم يأكل منها قلت ولكنه لا يخفى أن عدم أكله صلى الله عليه وسلم لا يدل على كراهيتها وحكى الرافعي عن أبي حنيفة تحريمها
فائدة ذكر الدميري في حياة الحيوان أن الذي يحيض من الحيوان المرأة والضبع والخفاش والأرنب ويقال إن الكلبة كذلك
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد" رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان قال البيهقي رجاله رجال الصحيح قال البيهقي هو أقوى ما ورد في هذا الباب وفيه دليل على تحريم قتل ما ذكر ويؤخذ منه تحريم أكلها لأنه لو حل لما نهى عن القتل وتقدم لنا في هذا الاستدلال بحث وتحريم أكلها رأي الجماهير وفي كل واحدة خلاف إلا النملة فالظاهر أن تحريمها إجماع

(4/76)


7- وعن ابن أبي عمار رضي الله عنه هو عبد الرحمن بن أبي عمار المكي وثقه أبو زرعة والنسائي ولم يتكلم فيه أحد ويسمى القس لعبادته ووهم ابن عبد البر في إعلاله وقال البيهقي إن الحديث صحيح قال قلت لجابر الضبع صيد هو قال نعم قلت قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم رواه أحمد والأربعة وصححه البخاري وابن حبان الحديث فيه دليل على حل أكل الضبع وإليه ذهب الشافعي فهو مخصص من حديث تحريم كل ذي ناب من السباع وأخرج أبو داود من حديث جابر مرفوعا الضبع صيد فإذا أصابه المحرم ففيه كبش مسن ويؤكل وأخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد قال الشافعي وما زال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير وحرمه الهادوية والحنفية عملا بالحديث العام كما أشرنا إليه ولكن أحاديث التحليل تخصصه وأما استدلالهم على التحريم بحديث خزيمة بن جزء وفيه قال صلى الله عليه وسلم: "أويأكل الضبع أحد؟" أخرجه الترمذي وفي إسناده عبد الكريم أبو أمية وهو متفق على ضعفه
8- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن القنفذ بضم القاف وفتحها وضم الفاء فقال: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآية فقال شيخ عنده سمعت أبا هريرة يقول ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنها خبيثة من الخبائث" فقال ابن عمر إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا فهو كما قال أخرجه أحمد وأبو داود وإسناده ضعيف ضعف بجهالة الشيخ المذكور قال الخطابي ليس إسناده بذاك وله طرق قال البيهقي لم يرد إلا من وجه ضعيف وقد ذهب إلى تحريمه أبو طالب والإمام يحيى وقال الرافعي في القنفذ وجهان أحدهما أنه يحرم وبه قال أبو حنيفة وأحمد لما روي في الخبر أنه من الخبائث وذهب مالك وابن أبي ليلى إلى أنه حلال وهو أقوى من القول بتحريمه لعدم نهوض الدليل عليه مع القول بأن الأصل الإباحة في الحيوانات وهي مسألة خلافية معروفة في الأصول فيها خلاف بين العلماء
9- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قياس قاعدته وعنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة وألبانها" أخرجه الأربعة إلا النسائي وحسنه الترمذي وأخرج الحاكم والدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمرو بن العاص نحوه وقال حتى تعلف أربعين ليلة ورواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ "نهى عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلالة وعن ركوبها" ولأبي داود أن يركب عليها وأن يشرب ألبانها والجلالة هي التي تأكل العذرة والنجاسات سواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم أو الدجاج والحديث دليل على تحريم الجلالة وألبانها وتحريم الركوب عليها وقد جزم ابن حزم أن من وقف في عرفات راكبا على جلالة لا يصح حجه وظاهر الحديث أنه إذ ثبت أنها أكلت الجلة فقد صارت محرمة وقال النووي: لا تكون جلالة إلا إذا غلب على علفها النجاسة وقيل بل الاعتبار بالرائحة والنتن وبه جزم النووي والإمام يحيى وقال لا تطهر بالطبخ ولا بإلقاء التوابل

(4/77)


وإن زال الريح لأن ذلك تغطية لا استحالة وقال الخطابي كرهه أحمد وأصحاب الرأي و الشافعي وقالوا لا تؤكل حتى تحبس أياما قلت قد عين في الحديث حبسها أربعين يوما وكان ابن عمر يحبس الدجاجة ثلاثة أيام ولم ير مالك بأكلها بأسا من غير حبس وذهب الثوري ورواية عن أحمد إلى التحريم كما هو ظاهر الحديث ومن قال يكره ولا يحرم قال لأن النهي الوارد فيه إنما كان لتغير اللحم وهو لا يوجب التحريم بدليل المذكى إذا جف ولا يخفى أن هذا رأي في مقابلة النص ولقد خالف الناظرون هنا السنة فقال المهدي في البحر المذهب والفريقان وندب حبس الجلالة قبل الذبح الدجاجة ثلاثة أيام والشاة سبعة والبقرة والناقة أربعة عشر وقال مالك لا وجه له قلنا لتطييب أجوافها ا ه والعمل بالأحاديث هو الواجب وكأنهم حملوا النهي على التنزيه ولا ينهض عليه دليل وأما مخالفتهم للتوقيف فلم يعرف وجهه
10- وعن أبي قتادة رضي الله عنه في قصة الحمار الوحشي فأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه تقدم ذكر قصة الحمار هذا الذي أهداه أبو قتادة في كتاب الحج وفي هذا دلالة على أنه يحل أكل لحمه وهو إجماع وفيه خلاف شاذ أنه إذا علف وأنس صار كالأهلي
11- وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه" متفق عليه وفي رواية "ونحن بالمدينة" وفي رواية الدارقطني "هنا فرسا فأكلناه نحن وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم" والحديث دليل على حل أكل لحم الخيل وتقدم الكلام فيه لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم علم ذلك وقرره كيف وقد قالت إنه أكل منه أهله صلى الله عليه وسلم وقالت هنا نحرنا وفي رواية الدارقطني ذبحنا فقيل فيه دليل على أن النحر والذبح واحد قيل ويجوز أن يكون أحد اللفظين مجازا إذ النحر للإبل خاصة وهو الضرب بالحديد في لبة البدنة حتى تفرى أوداجها والذبح هو قطع الأوداج في غير الإبل قال ابن التين الأصل في الإبل النحر وفي غيرها الذبح وجاء في القرآن في البقرة -فذبحوها - وفي السنة نحرها وقد اختلف العلماء في نحر ما يذبح وذبح ما ينحر فأجازه الجمهور والخلاف فيه لبعض المالكية وقوله في الحديث ونحن بالمدينة يرد على من زعم أن حلها قبل فرض الجهاد فإنه فرض أول دخولهم المدينة
12- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أكل الضب على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم" متفق عليه فيه دليل على حل أكل الضب وعليه الجماهير وحكى عياض عن قوم تحريمه وعن الحنفية كراهته وقال النووي أظنه لا يصح عن أحد فإن صح فهو محجوج بالنص وبإجماع من قبله وقد احتج القائلون بالتحريم بما أخرجه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الضب وفي إسناده إسماعيل بن عياش ورجاله شاميون وهو قوي في الشاميين فلا يتم قول الخطابي ليس إسناده بذلك ولا قول ابن حزم فيه ضعيف ومجهولون فإن رجاله ثقات كما قاله المصنف ولا قول

(4/78)


البيهقي فيه إسماعيل بن عياش وليس بحجة لما عرفت من أنه رواه عن الشاميين وهو حجة في روايته عنهم وبما أخرجه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن حسنة أنهم طبخوا ضبابا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض فأخشى أن تكون هذه فألقوها" وأخرجه أحمد وصححه ابن حبان والطحاوي وسنده على شرط الشيخين وأجيب عن الأول بأن النهي وإن كان أصله التحريم لكن صرفه هنا إلى الكراهة ما أخرجه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "كلوه فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي" وهذه الرواية ترد ما رواه مسلم أنه قال بعض القوم عند ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الضب: "لا آكله ولا أنهى عنه ولا أحرمه" ولذا أعل ابن عباس هذه الرواية فقال: "بئس ما قلتم ما بعث نبي الله إلا محرما أو محللا" كذا في مسلم وأجيب عن الثاني بأنه يحتمل أنه وقع منه صلى الله عليه وسلم ذلك أعني خشية أن تكون أمة ممسوخة قبل أن يعلمه الله تعالى أن الممسوخ لا ينسل وقد أخرج الطحاوي من حديث ابن مسعود قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير أهي مما مسخ قال إن الله لم يهلك قوما أو يمسخ قوما فيجعل لهم نسلا ولا عاقبة وأصل الحديث في مسلم ولم يعرفه ابن العربي فقال قولهم إن الممسوخ لا ينسل دعوى فإنه لا يعرف بالعقل إنما طريقه النقل وليس فيه أمر يعول عليه وأجيب أيضا بأنه لو سلم أنه ممسوخ لا يقتضي تحريم أكله فإنه كونه كان آدميا قد زال حكمه ولم يبق له أثر أصلا وإنما كره صلى الله عليه وسلم الأكل منه لما وقع عليه من سخط الله سبحانه كما كره الشرب من مياه ثمود قلت ولا يخفى أنه لو لم ير تحريمه لما أمر بإلقائها أو بتقريرهم عليه لأنه إضاعة مال ولا إذن لهم في أكله فالجواب الذي قبله هو الأحسن ويستفاد من المجموع جواز أكله وكراهته للنهي
13- وعن عبد الرحمن بن عثمان هو ابن عبد الله التيمي القرشي رضي الله عنه ابن أخي طلحة بن عبد الله الصحابي قيل إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وليست له رؤية أسلم يوم الفتح وقيل يوم الحديبية وقتل مع ابن الزبير في يوم واحد روى عنه ابناه وابن المنكدر أن طبيبا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الضفدع بزنة الخنصر يجعلها في دواء فنهى عن قتلها أخرجه أحمد وصححه الحاكم وأخرجه أبو داود والنسائي والبيهقي بلفظ ذكر طبيب عند النبي صلى الله عليه وسلم دواء وذكر الضفدع يجعلها فيه فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفادع قال البيهقي هو أقوى ما ورد في النهي عن قتل الضفدع وأخرج من حديث ابن عمر لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح ولا تقتلوا الخفاش فإنه لما خرب بيت المقدس قال يا رب سلطني على البحر حتى أغرقهم قال البيهقي إسناده صحيح وعن أنس لا تقتلوا الضفادع فإنها مرت على نار إبراهيم فجعلت في أفواهها الماء وكانت ترش على النار والحديث دليل على تحريم

(4/79)


قتل الضفادع قالوا ويؤخذ منه تحريم أكلها ولأنها لو حلت لما نهى عن قتلها وتقدم نظير هذا الاستدلال وليس بواضح

(4/80)


باب الصيد والذبائح
الصيد يطلق على المصدر أي التصيد وعلى المصيد واعلم أنه تعالى أباح الصيد في آيتين من القرآن الأولى: قوله تعالى: {ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} والثانية: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} الآية. والآلة التي يصاد بها ثلاثة الحيوان الجارح والمحدد والمثقل ففي الحيوان:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط" متفق عليه الحديث دليل على المنع من اتخاذ الكلاب واقتنائها وإمساكها إلا ما استثناه من الثلاثة وقد وردت بهذه الألفاظ روايات في الصحيحين وغيرهما واختلف العلماء هل المنع للتحريم أو للكراهة فقيل بالأول ويكون نقصان القيراط عقوبة في اتخاذها بمعنى أن الإثم الحاصل باتخاذها يوازن قدر قيراط من أجر المتخذ له وفي رواية قيراطان وحكمة التحريم ما في بقائها في البيت من التسبب إلى ترويع الناس وامتناع دخول الملائكة الذين دخولهم يقرب إلى فعل الطاعات ويبعد عن فعل المعصية وبعدهم سبب لضد ذلك ولتنجيسها الأواني وقيل بالثاني بدليل نقص بعض الثواب على التدريج فلو كان حراما لذهب الثواب مرة واحدة وفيه أن فعل المكروه تنزيها لا يقتضي نقص شيء من الثواب وذهب إلى تحريم اقتناء الكلب الشافعية إلا المستثنى واختلف في الجمع بين رواية قيراط وروايةقيراطان فقيل إنه باعتبار كثرة الإضرار كما في المدن ينقص قيراطان وقلته كما في البوادي ينقص قيراط أو أن الأول إذا كان في المدينة النبوية والثاني في غيرها أو قيراط من عمل النهار وقيراط من عمل الليل فالمقتصر في الرواية باعتبار كل واحد من الليل والنهار والمثني باعتبار مجموعهما واختلفوا أيضا هل النقصان من العمل الماضي أو من الأعمال المستقبلة قال ابن التين المستقبلة وحكى غيره الخلاف وفيه دليل على أن من اتخذ المأذون منها فلا نقص عليه وقيس عليه اتخاذه لحفظ الدور إذا احتيج إلى ذلك أشار إليه ابن عبد البر واتفقوا على أنه لا يدخل الكلب العقور في الإذن لأنه مأمور بقتله وفي الحديث دليل على التحذير من الإتيان بما ينقص الأعمال الصالحة وفيه الإخبار بلطف الله تعالى في إباحته لما يحتاج إليه في تحصيل المعاش وحفظه

(4/80)


تنبيه ورد في مسلم الأمر بقتل الكلاب فقال القاضي عياض: ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث في قتل الكلاب إلا ما استثني قال وهذا مذهب مالك وأصحابه وذهب آخرون إلى جواز اقتنائها جميعا ونسخ قتلها إلا الأسود البهيم قال وعندي أن النهي أولا كان نهيا عاما عن اقتنائها جميعا وأمر بقتلها جميعا ثم نهى عن قتل ما عدا الأسود ومنع الاقتناء في جميعها إلا المستثنى ا ه والمراد بالأسود البهيم ذو النقطتين فإنه شيطان والبهيم الخالص السواد، والنقطتان معروفتان فوق عينيه
2- وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرسلت كلبك" المعلم "فاذكر اسم الله تعالى عليه فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله وإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل فإنك لا تدري أيهما قتله وإن رميت بسهمك فاذكر اسم الله تعالى" هذا إشارة إلى آلة الصيد الثانية أعني المحدد وهو قتله بالرماح والسيوف لقوله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} لكن الحديث في السهم "فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل" متفق عليه وهذا لفظ مسلم
في الحديث مسائل
الأولى: أنه لا يحل صيد الكلب إلا إذا أرسله صاحبه فلو استرسل بنفسه لم يحل ما يصيده عند الجمهور والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرسلت" فمفهوم الشرط أن غير المرسل ليس كذلك وعن طائفة أن المعتبر كونه معلما فيحل صيده وإن لم يرسله صاحبه بناء على أنه خرج قوله إذا أرسلت مخرج الغالب فلا مفهوم له وحقيقة المعلم هو أن يكون بحيث يغرى فيقصد ويزجر فيقعد وقيل التعليم قبول الإرسال والإغراء حتى يمتثل الزجر في الابتداء لا بعد العدو ويترك أكل ما أمسك فالمعتبر امتثاله للزجر قبل الإرسال وأما بعد إرساله على الصيد فذلك متعذر والتكليب إلهام من الله تعالى ومكتسب بالعقل كما قال تعالى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} قال جار الله: مما عرفكم أن تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه وانزجاره بزجره وانصرافه بدعائه وإمساك الصيد عليه وأن لا يأكل منه المسألة الثانية في قوله فاذكر اسم الله عليه هذا مأخوذ من قوله تعالى: {اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} فإن ضمير عليه يعود إلى ما أمسكن على معنى وسموا عليه إذا أدركتم ذكاته أو إلى ما علمتم من الجوارح أي سموا عليه عند إرساله كما أفاده الكشاف وكذلك قوله إن رميت فاذكر اسم الله دليل على اشتراط التسمية عند الرمي وظاهر الكتاب والسنة وجوب التسمية واختلف العلماء فذهبت الهادوية والحنفية إلى أن التسمية واجبة على الذاكر عند الإرسال ويجب عليه أيضا عند

(4/81)


الذبح والنحر فلا تحل ذبيحته ولا صيده إذا تركت عمدا مستدلين بقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} وبالحديث هذا قالوا وقد عفي عن الناسي بحديث "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" ولما يأتي من حديث ابن عباس بلفظ فإن نسي أن يسمي حين يذبح فليسم ثم ليأكل وسيأتي في آخر الباب إن شاء الله تعالى وذهب آخرون إلى أنها سنة منهم ابن عباس ومالك ورواية عن أحمد مستدلين بقوله تعالى: {إِِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} قالوا فأباح التذكية من غير اشتراط التسمية ولقوله تعالى: {طَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} وهم لا يسمون ولحديث عائشة الآتي أنهم قالوا يا رسول الله إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا أفنأكل منه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "سموا عليه أنتم وكلوا" وأجابوا عن أدلة الإيجاب بأن قوله ولا تأكلوا المراد به ما ذبح للأصنام كما قال تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} وما أهل لغير الله لأنه تعالى قال {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} وقد أجمع علماء المسلمون على أن من أكل متروك التسمية عليه فليس بفاسق فوجب حملها على ما ذكر جمعا بينه وبين الآية السابقة وحديث عائشة وذهبت الظاهرية إلى أنه لا يجوز أكل ما لم يسم عليه ولو كان تاركها ناسيا لظاهر الآية الكريمة وحديث عدي رضي الله عنه فإنه لم يفصل قالوا وأما حديث عائشة وفيه أنهم قالوا يا رسول الله إن قوما حديث عهدهم بالجاهلية يأتون بلحمان الحديث فقد قال ابن حجر إنه أعله البعض بالإرسال قال الدارقطني: الصواب أنه مرسل على أنه لا حجة فيه لأنه أدار الشارع الحكم على المظنة وهي كون الذابح مسلما وإنما شك على السائل حداثة إسلام القوم فألغاه صلى الله عليه وسلم بل فيه دليل على أنه لا بد من التسمية وإلا لبين له عدم لزومها وهذا وقت الحاجة إلى البيان وأما حديث "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" فهم متفقون على تقدير رفع الإثم أو نحوه ولا دليل فيه وأما أهل الكتاب فهم يذكرون اسم الله على ذبائحهم فيتحصل قوة كلام الظاهرية فيترك ما تيقن أنه لم يسم عليه وأما ما شك فيه والذابح مسلم فكما قال صلى الله عليه وسلم " اذكروا اسم الله وكلوا"
المسألة الثالثة في قوله "فإن أدركته حيا فاذبحه" فيه دليل على أنه يجب عليه تذكيته إذا وجده حيا ولا يحل إلا بها وذلك اتفاق فإن أدركه وفيه بقية حياة فإن كان قد قطع حلقومه أو مريئه أو جرح أمعاءه أو أخرج حشوه فيحل بلا ذكاة قال النووي بالإجماع وقال المهدي للهادوية إنه إذا بقي فيه رمق وجب تذكيته والرمق إمكان التذكية لو حضرت آلة ودل قوله وإن أدركته وقد قتل ولم يأكل فكله أنه إذا أكل حرم أكله وقد عرفت أن من شرط المعلم أن لا يأكل فأكله دليل على أنه غير كامل التعليم وقد ورد في الحديث الآخر تعليل ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم "فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه" وهو مستفاد من قوله- فكلوا مما أمسكن عليكم-فإنه فسر الإمساك على صاحبه بألا يأكل منه وقد أخرج أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما "وإذا أرسلت الكلب فأكل

(4/82)


الصيد فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه وإذا أرسلته ولم يأكل فكل فإنما أمسك على صاحبه" وإلى هذا ذهب أكثر العلماء وروي عن علي رضي الله عنه وجماعة من الصحابة حله وهو مذهب مالك لقوله صلى الله عليه سلم في حديث أبي ثعلبة الذي أخرجه أبو داود بإسناد حسن أنه قال يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها قال "كل مما أمسكن عليك" قال:"وإن أكل قال " وإن أكل" وفي حديث سلمان كله وإن لم تدرك منه إلا نصفه قيل فيحمل حديث عدي على أن ذلك في كلب قد اعتاد الأكل فخرج عن التعليم وقيل إنه محمول على كراهة التنزيه وحديث أبي ثعلبة لبيان أصل الحل وقد كان عدي موسرا فاختار صلى الله عليه وسلم له الأولى وكان أبو ثعلبة معسرا فأفتاه بأصل الحل وقال الأولون الحديثان قد تعارضا وهذه الأجوبة قد لا يخفى ضعفها فيرجع إلى الترجيح وحديث عدي أرجح لأنه مخرج في الصحيحين ومتأيد بالآية وقد صرح صلى الله عليه وسلم بأنه يخاف أنه إنما أمسك على نفسه فيترك ترجيحا لجنبة الحظر كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث وإن وجدت مع كلبك كلبا آخر إلى قوله فلا تأكل فإنه نهى عنه لاحتمال أن المؤثر فيه كلب آخر غير المرسل فيتركه ترجيحا لجنبة الحظر وقوله فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكله إن شئت اختلفت الأحاديث في هذا فروى مسلم وغيره من حديث أبي ثعلبة في الذي يدرك صيده بعد ثلاث أنه قال صلى الله عليه وسلم كل ما لم ينتن وروى مسلم أيضا من حديثه أنه قال صلى الله عليه وسلم "إذا رميت بسهمك فغاب عنك مصرعه فكل ما لم يبت" ولاختلافها اختلف العلماء فقال مالك إذا غاب مصرعه ثم وجد به أثر من الكلب فإنه يأكله ما لم يبت فإذا بات كره وفيه أقوال أخر والتعليل بما لم ينتن وما لم يبت هو النص ويحمل ذكر الأوقات على التقييد به وترك الأكل للاحتياط وترجيح جنبة الحظر وقوله وإن وجدته غريقا فلا تأكل ظاهره وإن وجد به أثر السهم لأنه يجوز أنه ما مات إلا بالغرق المسألة الرابعة الحديث نص في صيد الكلب واختلف فيما يعلم من غيره كالفهد والنمر ومن الطيور كالبازي والشاهين وغيرهما فذهب مالك وأصحابه إلى أنه يحل صيد كل ما قبل التعليم حتى السنور وقال جماعة منهم مجاهد لا يحل إلا صيد الكلب وأما ما صاده غيره الكلب فيشترط إدراك ذكاته وقوله تعالى: {منَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} دليل للثاني بناء على أنه من الكلب بسكون اللام فلا يشمل غيره من الجوارح ولكنه يحتمل أنه مشتق من الكلب بفتح اللام وهو مصدر بمعنى التكليب وهو التضرية فيشمل الجوارح كلها والمراد بالجوارح هنا الكواسب على أهلها وهو عام قال في الكشاف الجوارح الكواسب من سباع البهائم والطير والكلب والفهد والنمر والعقاب والبازي والصقر والشاهين والمراد بالمكلب معلم الجوارح ومضراها بالصيد لصاحبها ورائضها لذلك بما علم من الحيل وطرق التأديب والتثقيف واشتقاقه من الكلب لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب فاشتق له منه لكثرته في جنسه أو لأن السبع يسمى كلبا ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فأكله"

(4/83)


الأسد أو من الكلب الذي هو بمعنى الضراوة يقال هو كلب بكذا إذا كان ضاريا به ا ه فدل كلامه على شمول الآية للكلب وغيره من الجوارح على تقدير الاشتقاقين ولا شك أن الآية نزلت والعرب تصيد بالكلاب والطيور وغيرهما وقد أخرج الترمذي من حديث عدي بن حاتم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال "ما أمسك عليك فكل" وقد ضعف بمجالد ولكن قد أوضحنا في حواشي ضوء النهار أنه يعمل بما رواه
3- وعن عدي قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض بكسر الميم وسكون المهملة آخره معجمة يأتي تفسيره فقال: "إذا أصبت بحده فكل وإذا أصبت بعرضه فقتل فإنه وقيذ" بفتح الواو وبالقاف فمثناة تحتية وذال معجمة بزنة عظيم يأتي بيانه "فلا تأكل" رواه البخاري اختلف في تفسير المعراض على أقوال لعل أقربها ما قاله ابن التين إنه عصا في طرفه حديد يرمي به الصائد فما أصاب بحده فهو ذكي يؤكل وما أصاب بعرضه فهو وقيذ أي موقوذ والموقوذ ما قتل بعصا أو حجر أو ما لا حد فيه والموقوذة المضروبة بخشبة حتى تموت من وقذته ضربته وفي الحديث إشارة إلى آلة من آلات الاصطياد وهي المحدد فإنه صلى الله عليه وسلم أخبره أنه إذا أصاب بحد المعراض أكل فإنه محدد وإذا أصاب بعرضه فلا يأكل وفيه دليل أنه لا يحل صيد المثقل وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري وذهب الأوزاعي ومكحول وغيرهما من علماء الشام إلى أنه يحل صيد المعراض مطلقا وسبب الخلاف معارضة الأصول في هذا الباب بعضها لبعض ومعارضة الأثر لها وذلك أن من الأصول في هذا الباب أن الوقيذ محرم بالكتاب والإجماع ومن أصوله أن العقر ذكاة الصيد فمن رأى أن ما قتله المعراض وقيذ منعه على الإطلاق ومن رآه عقرا مختصا بالصيد وأن الوقذ غير معتبر فيه لم يمنعه على الإطلاق ومن فرق بينما خزق من ذلك وما لم يخزق نظر إلى حديث عدي هذا وهو الصواب هذا وقوله "فإنه وقيذ" أي كالوقيذ وذلك لأن الوقيذ المضروب بالعصا من دون حد وهذا قد شاركه في العلة وهي القتل بغير حد
4- وعن أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكله ما لم ينتن" أخرجه مسلم تقدم الكلام فيما غاب عن مصرعه من الصيد سواء كان بسهم أو جارح وفي الحديث دلالة على تحريم أكل ما أنتن من اللحم قيل ويحمل على ما يضر الآكل أو صار مستخبثا أو يحمل على التنزيه ويقاس عليه سائر الأطعمة المنتنة
5- وعن عائشة رضي الله عنها أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن قوما يأتوننا باللحم لاندري أذكروا اسم الله عليه أي عند ذكاته أم لا قال: "سموا الله عليه أنتم وكلوه" رواه البخاري تقدم أن في رواية إن قوما حديث عهدهم بالجاهلية وهي هنا في البخاري من تمام الحديث بلفظ قالت وكانوا حديثي عهد بالكفر وفي رواية

(4/84)


مالك زيادة وذلك في أول الإسلام والحديث قد أعل بالإرسال وليس بعلة عندنا على ما عرفت سيما وقد وصله البخاري وتقدم أن الحديث من أدلة من قال بعدم وجوب التسمية ولا يتم ذلك وإنما هو دليل على أنه لا يلزم أن يعلموا التسمية فيما يجلب إلى أسواق المسلمين وكذا ما ذبحه الأعراب من المسلمين لأنهم قد عرفوا التسمية قال ابن عبد البر لأن المسلم لا يظن به في كل شيء إلا الخير إلا أن يتبين خلاف ذلك ويكون الجواب عنهم بقوله فسموا إلخ من الأسلوب الحكيم وهو جواب السائل بغير ما يترقب كأنه يقول الذي يهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله عليه وتأكلوا منه وهذا يقرر ما قدمناه من وجوب التسمية إلا أن تحمل أمور المسلمين على السلامة وأما ما اشتهر من حديث المؤمن يذبح على اسم الله سمى أم لم يسم وإن قال الغزالي في الإحياء: إنه صحيح فقد قال النووي إنه مجمع على ضعفه وقد أخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة وقال إنه منكر لا يحتج به وكذا ما أخرجه أبو داود في المراسيل عن الصلت السدوسي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر" فهو مرسل وإن كان الصلت ثقة فالإرسال علة عند من لم يقبل المراسيل وقولنا فيما تقدم إنه ليس الإرسال علة نريد إذا أعلوا به حديثا موصولا ثم جاء من جهة أخرى مرسلا
6- وعن عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن الخذف" بفتح الخاء المعجمة وسكون الذال المعجمة ففاء وقال: "إنها" أنث الضمير مع أن مرجعه الخذف وهو مذكر نظرا إلى المخذوف به وهي الحصاة "لا تصيد صيدا ولا تنكأ" بفتح حرف المضارعة وهمزة في آخره "عدوا ولكنها تكسر السن وتفقأ العين" متفق عليه واللفظ لمسلم الخذف رمي الإنسان بحصاة أو نواة أو نحوهما يجعلها بين أصبعيه السبابتين أو السبابة والإبهام وفي تحريم ما يقتل بالخذف من الصيد الخلاف الذي مضى في صيد المثقل لأن الحصاة تقتل بثقلها لا بحد والحديث نهى عن الخذف لأنه لا فائدة فيه ويخاف منه المفسدة المذكورة ويلحق به كل ما فيه مفسدة واختلف فيما يقتل بالبندقة فقال النووي إنه إذا كان الرمي بالبنادق وبالخذف إنما هو لتحصيل الصيد وكان الغالب فيه عدم قتله فإنه يجوز ذلك إذا أدركه الصائد وذكاه كرمي الطيور الكبار بالبنادق وأما أثر ابن عمر وهو ما أخرجه عنه البيهقي أنه كان يقول المقتولة بالبندقة تلك الموقوذة فهذا في المقتولة بالبندقة وكلام النووي في الذي لا يقتلها وإنما يحسبها على الرامي حتى يذكيها وكلام أكثر السلف أنه لا يؤكل ما قتل بالبندقة وذلك لأنه قتل بالمثقل قلت وأما البنادق المعروفة الآن فإنها ترمي بالرصاص فيخرج وقد صيرته نار البارود كالميل فيقتل بحده لا بصدمه فالظاهر حل ما قتله

(4/85)


7- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا" بفتح الغين المعجمة وفتح الراء فضاد معجمة هو في الأصل الهدف يرمى ثم جعل اسما لكل غاية يتحرى إدراكها رواه مسلم الحديث نهى عن جعل الحيوان هدفا يرمى إليه والنهي للتحريم لأنه أصله ويؤيده قوة حديث "لعن الله من فعل هذا" لما مر صلى الله عليه وسلم وطائر قد نصب وهم يرمونه ووجه حكمة النهي أن فيه إيلاما للحيوان وتضييعا لماليته وتفويتا لذكاته إن كان مما يذكى ولمنفعته إن كان غير مذكى
8- وعن كعب بن مالك "أن امرأة ذبحت شاة بحجر فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمر بأكلها" رواه البخاري الحديث دليل على صحة تذكية المرأة وهو قول الجماهير وفيه خلاف شاذ أنه يكره ولا وجه له ودليل على صحة التذكية بالحجر الحاد إذا فرى الأوداج لأنه جاء في رواية أنها كسرت الحجر وذبحت به والحجر إذا كسرت يكون فيه الحد ودليل على أنه يصح أكل ما ذبح بغير إذن المالك وخالف فيه إسحاق بن راهويه وأهل الظاهر وغيرهم واحتجوا بأمره صلى الله عليه وسلم بإكفاء ما في قدور ما ذبح من المغنم قبل القسمة بذي الحليفة كما أخرجه الشيخان وأجيب بأنه إنما أمر بإراقة المرق وأما اللحم فباق جمع ورد إلى المغنم فإن قيل لم ينقل جمعه ورده إليه قلنا ولم ينقل أنهم أتلفوه وأحرقوه فيجب تأويله بما ذكرنا موافقة للقواعد الشرعية قلت لا يخفى تكليف الجواب والمرق مال لو كان حلالا لما أمر بإراقته فإنه من إضاعة المال وأما الاستدلال على المدعي بشاة الأسارى فإنها ذبحت بغير إذن مالكها فأمر صلى الله عليه وسلم بالتصدق بها على الأسارى كما هو معروف فإنه إستدلال غير صحيح وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستحل أكلها ولا أباح لأحد من المسلمين أكلها بل أمر أن تطعم الكفار المستحلين للميتة وقد أخرج أبو داود من حديث رجل من الأنصار قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصاب الناس مجاعة شديدة وجهد فأصابوا غنما فانتهبوها فإن قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه فأكفأ قدورنا ثم جعل يرمل اللحم بالتراب وقال "إن النهبة ليست بأحل من الميتة" فهذا مثل الحديث الذي أخرجه الشيخان وفيه التصريح بأنه حرام وفيه إتلاف اللحم لأنه ميتة فعرفت قوة كلام أهل الظاهر وأما حديث الكتاب وأنه صلى الله عليه سلم أمر بأكل ما ذبح بغير إذن مالكه فإنه يرد على أهل الظاهر لأنهم لا يقولون بحل ما ذبح بغير إذن مالكه مخافة أن يموت أو نحوه وفيه دليل على أنه يجوز تمكين الكفار مما هو محرم على المسلمين ويدل له أنه صلى الله عليه وسلم نهى عمر عن لبس الحلة من الحرير فبعث بها عمر لأخيه المشرك إلى مكة كما في البخاري وغيره قال المصنف في الفتح ويدل الحديث على تصديق الأجير الأمين فيما أؤتمن عليه حتى يتبين عليه دليل الخيانة لأن في الحديث أنها كانت المرأة أمة راعية لغنم سيدها وهو كعب بن مالك فخشيت على الشاة أن تموت فذبحتها ويؤخذ منه جواز تصرف المودع لمصلحة بغير إذن المالك

(4/86)


9- وعن رافع بن خديج رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سبب الحديث أنه قال رافع بن خديج يا رسول الله إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم" بفتح الهمزة فنون ساكنة فهاء مفتوحة فراء أي ما أساله وصبه بكثرة من النهر "وذكر اسم الله عليه فكل ليس السن والظفر أما السن فعظم وأما الظفر فمدى" بضم الميم وبفتحها وفتح الدال المهملة فألف مقصورة جمع مدية مثلثة الميم وهي الشفرة أي السكين "الحبشة" متفق عليه
فيه دلالة صريحة بأنه يشترط في الذكاة ما يقطع ويجري الدم واعلم أنه تكون الذكاة بالنحر للإبل وهو الضرب بالحديد في لبة البدنة حتى يفري أوداجها وال
kjلبة بفتح اللام وتشديد الموحدة موضع القلادة من الصدر والذبح لما عداها وهو قطع الأوداج أي الودجين وهما عرقان محيطان بالحلقوم فقولهم الأوداج تغليب على الحلقوم والمريء فسميت الأربعة أوداجا
واختلف العلماء فقيل: لا بد من قطع الأربعة وعن أبي حنيفة يكفي قطع ثلاثة من أي جانب وقال الشافعي: يكفي قطع الأوداج والمريء وعن الثوري يجزيء قطع الودجين وعن مالك يشترط قطع الحلقوم والودجين لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم" وإنهاره إجراؤه وذلك يكون بقطع لأوداج لأنها مجرى الدم وأما المريء فهو مجرى الطعام وليس به من الدم ما يحصل به إنهاره والحديث دليل على أنه يجزيء الذبح بكل محدد فيدخل السيف والسكين والحجر والخشبة والزجاج والقصب والخزف والنحاس وسائر الأشياء المحددة والنهي عن السن والظفر مطلقا من آدمي أو غيره منفصل أو متصل ولو كان محددا وقد بين صلى الله عليه وسلم النهي في الحديث بقوله: "أما السن فعظم" فالعلة كونه عظما وكأنه قد سبق منه صلى الله عليه وسلم النهي عن الذبح بالعظم وقد علل النووي وجه النهي عن الذبح بالعظم أنه ينجس به وهو من طعام الجن فيكون كالاستجمار بالعظم وعلل في الحديث النهي عن الذبح بالظفر بكونه مدى الحبشة أي وهم كفار وقد نهيتم عن التشبه بهم وأورد عليه بأن الحبشة تذبح بالسكين أيضا فيلزم المنع من ذلك التشبه وأجيب بأن الذبح بالسكين هو الأصل وهو غير مختص بالحبشة وعلل ابن الصلاح ذلك بأنه إنما منع لما فيه من التعذيب للحيوان ولا يحصل به إلا الخنق الذي ليس على صفة الذبح وفي المعرفة للبيهقي رواية عن الشافعي أنه حمل الظفر في هذا الحديث على النوع الذي يدخل في الطيب وهو من بلاد الحبشة وهو لا يفري فيكون في معنى الخنق وإلى تحريم الذبح بما ذكر ذهب الجمهور وعن أبي حنيفة وصاحبيه أنه يجوز بالسن والظفر المنفصلين واحتجوا بما أخرجه أبو داود من حديث عدي بن حاتم أفر الدم بما شئت والجواب أنه عام خصصه حديث رافع بن خديج
10- وعن جابر رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل

(4/87)


شيء من الدواب صبرا" رواه مسلم
وهو دليل على تحريم قتل أي حيوان صبرا وهو إمساكه حيا ثم يرمى حتى يموت وكذلك من قتل من الآدميين في غير معركة ولا حرب ولا خطأ فإنه مقتول صبرا والصبر الحبس
11- وعن شداد بن أوس شداد بالشين المعجمة ودالين مهملتين هو أبو يعلى شداد بن أوس بن ثابت النجاري الأنصاري وهو ابن أخي حسان بن ثابت لم يصح شهوده بدرا نزل بيت المقدس وعداده في أهل الشام مات به سنة ثمان وخمسين وقيل غير ذلك قال عبادة بن الصامت وأبو الدرداء كان شداد ممن أوتي العلم والحلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة بكسر القاف مصدر نوعي "وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة" بزنة القتلة "وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" رواه مسلم قوله كتب الإحسان أي أوجبه كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} وهو فعل الحسن ضد القبيح فيتناول الحسن شرعا والحسن عرفا وذكر ما هو أبعد شيء عن اعتبار الإحسان وهو الإحسان في القتل لأي حيوان من آدمي وغيره في حد وغيره ودل على نفي المثلة مكافأة إلا أنه يحتمل أنه مخصص بقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وقد تقدم الكلام في ذلك وأبان بعض كيفية إحسانها بقوله وليحد بضم حرف المضارعة من أحد السكين أحسن حدها والشفرة بفتح المعجمة السكين العظيمة وما عظم من الحديد وحدد وقوله وليرح بضم حرف المضارعة أيضا من الإراحة ويكون بإحداد السكين وتعجيل إمرارها وحسن الصنيعة
12- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذكاة الجنين ذكاة أمه" رواه أحمد وصححه ابن حبان الحديث له طرق عند الترمذي وأبي داود والدارقطني إلا أنه قال عبد الحق إنه لا يحتج بأسانيده كلها وقال الجويني: إنه صحيح لا يتطرق احتمال إلى متنه ولا ضعف إلى سنده وتابعه الغزالي والصواب أنه بمجموع طرقه يعمل به وقد صححه ابن حبان وابن دقيق العيد وفي الباب عن جابر وأبي الدرداء وأبي أمامة وأبي هريرة قاله الترمذي وفيه عن جماعة من الصحابة مما يؤيد العمل والحديث دليل على أن الجنين إذا خرج من بطن أمه ميتا بعد ذكاتها فهو حلال مذكى بذكاة أمه وإلى هذا ذهب الشافعي وجماعة حتى قال ابن المنذر: لم يرو عن أحد من الصحابة ولا من العلماء أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف الذكاة فيه إلا ما يروى عن أبي حنيفة وذلك لصراحة الحديث فيه ففي لفظ ذكاة الجنين بذكاة أمه أخرجه البيهقي فالباء سببية أي إن ذكاته حصلت بسبب ذكاة أمه أو ظرفيه ليوافق ما عند البيهقي أيضا ذكاة الجنين في ذكاة أمه واشترط مالك أن يكون قد أشعر لما رواه أحمد بن عصام عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه

(4/88)


لكنه قال الخطيب تفرد به أحمد بن عصام وهو ضعيف وهو في الموطأ موقوف على ابن عمر وهو أصح وعورض بما رواه ابن المبارك عن ابن أبي ليلى قال قال رسول الله صلى الله عليه سلم: "ذكاة الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر" وفيه ضعف لسوء حفظ ابن أبي ليلى ولكنه أخرج البيهقي من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه سلم أنه قال ذكاة الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر روي عن أوجه عن ابن عمر مرفوعا قال البيهقي ورفعه عنه ضعيف والصحيح أنه موقوف قلت والموقوفان عنه قد صحا وتعارضا فيطرحان ويرجع إلى إطلاق حديث الباب وما في معناه وذهب الهادوية والحنفية إلى أن الجنين إذا خرج ميتا من المذكاة فإنه ميتة لعموم: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وكذا لو خرج حيا ثم مات وإليه ذهب ابن حزم وأجابوا عن الحديث بأن معناه ذكاة الجنين إذا خرج حيا فهو ذكاة أمه قاله في البحر قلت ولا يخفى أنه إلغاء للحديث عن الإفادة فإنه معلوم أن ذكاة الحي من الأنعام ذكاة واحدة من جنين وغيره كيف ورواية البيهقي بلفظ ذكاة الجنين في ذكاة أمه فهي مفسرة لرواية ذكاة أمه وفي أخرى بذكاة أمه
13- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم يكفيه اسمه" الضمير للمسلم وقد فسره حديث البيهقي عن ابن عباس قال فيه "فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله فإن نسي أن يسمي حين يذبح فليسم ثم ليأكل" أخرجه الدارقطني وفيه راو في حفظه ضعف بينه بقوله وفي إسناده محمد بن يزيد بن سنان وهو صدوق ضعيف الحفظ وأخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح إلى ابن عباس موقوفا عليه وله شاهد عند أبي داود في مراسيله بلفظ "ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله عليها أم لم يذكر" ورجاله موثقون وفي الباب مرسل صحيح ولكنها لا تقاوم ما سلف من الأحاديث الدالة على وجوب التسمية مطلقا إلا أنها تفت في عضد وجوب التسمية مطلقا وتجعل ترك أكل ما لم يسم عليه من باب التورع

(4/89)


باب الأضاحي
الأضاحي جمع أضحية بضم الهمزة ويجوز كسرها ويجوز حذف الهمزة وفتح الضاد كأنها اشتقت من اسم الوقت الذي شرع ذبحها فيه وبها سمي اليوم يوم الأضحى
1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه سلم كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين ويسمي ويكبر ويضع رجله على صفاحهما" بالمهملتين الأولى مكسورة في النهاية صفحة كل شيء وجهه وجانبه وفي لفظ "ذبحهما بيده" وفي

(4/89)


لفظ سمينين ولأبي عوانة في صحيحه أي عن أنس رضي الله عنه ثمينين بالمثلث بدل السين هذا مدرج من كلام أحد الرواة أو أبي عوانة أو المصنف وفي لفظ لمسلم من رواية أنس ويقول بسم الله والله أكبر الكبش هو الثني إذا خرجت رباعيته والأملح الأبيض الخالص وقيل الذي يخالط بياضه شيء من سواده وقيل الذي يخالط بياضه حمرة وقيل هو الذي فيه بياض وسواد والبياض أكثرها والأقرن هو الذي له قرنان واستحب العلماء التضحية بالأقرن لهذا الحديث وأجازوها بالأجم الذي لا قرن له أصلا واختلفوا في مكسور القرن فأجازه الجمهور وعند الهادوية لا يجزيء إذا كان القرن الذاهب مما تحله الحياة واتفقوا على استحباب الأملح قال النووي: إن أفضلها عند الصحابة البيضاء ثم الصفراء ثم الغبراء وهي التي لا يصفو بياضها ثم البلقاء وهي التي بعضها أسود وبعضها أبيض ثم السوداء وأما حديث عائشة يطأ في سواده ويبرك في سواده وينظر في سواده فمعناه أن قوائمه وبطنه وما حول عينيه أسود قلت إذا كانت الأفضلية في اللون مستندة إلى ما ضحى به صلى الله عليه وسلم فالظاهر أنه لم يتطلب لونا معينا حتى يحكم بأنه الأفضل بل ضحى بما اتفق له وتيسر حصوله فلا يدل على أفضلية لون من الألوان وقوله ويسمي ويكبر فسره لفظ مسلم بأنه بسم الله والله أكبر أما التسمية فتقدم الكلام فيها وأما التكبير فكأنه خاص بالتضحية والهدي لقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} وأما وضع رجله صلى الله عليه وسلم على صفحة العنق وهي جانبه فليكون أثبت له وأمكن لئلا تضطرب الضحية ودل هو وما بعده أنه يتولى الذبح بنفسه ندبا
2- وله من حديث أي لمسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أمر بكبش أقرن يطأ في سواده ويبرك في سواده وينظر في سواده فأتي به ليضحي به فقال لها يا عائشة "هلمي المدية" ثم قال: "اشحذيها" أي المدية تقدم ضبطها وهو بمعنى وليحد أحدكم شفرته بحجر ففعلت ثم أخذها أي المدية وأخذه فأضجعه أي الكبش ثم ذبحه ثم قال: "بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد" ثم ضحى به فيه دليل على أنه يستحب إضجاع الغنم ولا تذبح قائمة ولا باركة لأنه أرفق بها وعليه أجمع المسلمون ويكون الإضجاع على جانبها الأيسر لأنه أيسر للذابح في أخذ السكين باليمنى وإمساك رأسها باليسار وفيه أنه يستحب الدعاء بقبول الأضحية وغيرها من الأعمال وقد قال الخليل والذبيح ثم عمارة البيت ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وقد أخرج ابن ماجه أنه صلى الله عليه سلم قال ثم التضحية وتوجيهها للقبلة وجهت وجهي آلاية ودل قوله وآل محمد وفي لفظ عن محمد وآل محمد أنه المساجد التضحية من الرجل عن أهل بيته ويشركهم في ثوابها وأنه يصح نيابة المكلف عن غيره في فعل الطاعات وإن لم يكن من الغير أمر ولا وصية فيصح أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة كانت أو غيرها وقد تقدم ذلك ودل له ما أخرجه الدارقطني من حديث جابر أن رجلا قال يا رسول الله: إنه كان

(4/90)


لي أبوان أبرهما في حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إن من البر بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك وأن تصوم لهما مع صيامك"
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا" رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم لكن رجح الأئمة غير الحاكم وقفه وقد استدل به على وجوب التضحية على من كان له سعة لأنه لما نهى عن قربان المصلى دل على أنه ترك واجبا كأنه يقول لا فائدة في الصلاة مع ترك هذا الواجب ولقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} والحديث مخنف ابن سليم مرفوعا على أهل كل بيت في كل عام أضحية دل لفظه على الوجوب والوجوب قول أبي حنيفة فإنه أوجبها على المعدم والموسر وقيل لا تجب والحديث الأول موقوف فلا حجة فيه والثاني ضعف بأبي رملة قال الخطابي أنه مجهول والآية محتملة قوله وانحر بوضع الكف على النحر في الصلاة أخرجه ابن أبي حاتم وابن أبي شاهين في سننه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس وفيه روايات من الصحابة مثل ذلك ولو سلم فهي دالة على أن النحر بعد الصلاة فهي تعيين لوقته لا لوجوبه كأنه يقول إذا نحرت فبعد صلاة العيد فإنه قد أخرج ابن جرير عن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم ينحر قبل أن يصلى فأمر أن يصلى ثم ينحر ولضعف أدلة الوجوب ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين الفقهاء إلى أنها سنة مؤكدة بل قال ابن حزم لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة وقد أخرج مسلم وغيره من حديث أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخلت العشر فأراد أحدكم أن يضحى فلا يأخذ من شعره ولا بشره شيئا" قال الشافعي إن قوله فأراد أحدكم يدل على عدم الوجوب ولما أخرجه البيهقي من حديث عبد الله بن عمر أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت بيوم الأضحى عيدا جعله الله لهذه الأمة فقال الرجل فإن لم أجد إلا منيحة أنثى أو شاة أهلي ومنيحتهم أذبحها قال لا الحديث ولما أخرجه البيهقي أيضا من حديث ابن عباس أنه قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث هن علي فرض ولكم تطوع وعد منها الضحية" وأخرجه أيضا من طريق أخرى بلفظ كتب علي النحر ولم يكتب عليكم وبما أخرجه أيضا من أنه صلى الله عليه وسلم لما ضحى قال: "بسم الله والله أكبر اللهم عنى وعمن لم يضح من أمتي" وأفعال الصحابة دالة على عدم الإيجاب فأخرج البيهقي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا لا يضحيان خشية أن يقتدى بهما وأخرج عن ابن عباس أنه كان إذا حضر الأضحى أعطى مولى له درهمين

(4/91)


فقال اشتر بهما لحما وأخبر الناس أنه ضحى ابن عباس وروى أن بلالا ضحى بديك ومثله روى عن أبي هريرة والروايات عن الصحابة في هذا المعنى كثيرة دالة على أنها سنة
4- وعن جندب بن سفيان هو أبو عبد الله جندب بن سفيان البجلي العلقمي الأخمسي كان بالكوفة ثم انتقل إلى البصرة ثم خرج منها ومات في فتنة ابن الزبير بعد أربع سنين قال شهدت الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضى صلاته بالناس نظر إلى غنم قد ذبحت فقال: "من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاه مكانها ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله" متفق عليه فيه دليل على أن وقت التضحية من بعد صلاة العيد فلا تجزى قبله والمراد صلاة المصلى نفسه ويحتمل أن المراد صلاة الإمام وأن اللام للعهد في قوله الصلاة يراد به المذكورة قبلها وهي صلاته صلى الله عليه وسلم وإليه ذهب مالك فقال لا يجوز قبل صلاة الإمام وخطبته وذبحه ودليل اعتبار ذبح الإمام ما رواه الطحاوي من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم النحر بالمدينة فتقدم رجالا فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر فأمرهم أن يعيدوا وأجيب بأن المراد زجرهم عن التعجيل الذي قد يؤدى إلى فعلها قبل الوقت ولذا لم يأت في الأحاديث إلا تقييدها بصلاته صلى الله عليه وسلم وقال أحمد مثل قول مالك ولم يشترط ذبحه ونحوه عن الحسن والأوزاعي واسحاق بن راهويه وقال الشافعي وداود: وقتها إذا طلعت الشمس ومضى قدر صلاة العيد وخطبتين وإن لم يصل الإمام ولا صلى المضحى قال القرطبي ظواهر الحديث تدل على تعليق الذبح بالصلاة لكن لما رأى الشافعي أن من لا صلاة عليه مخاطب بالتضحية حمل الصلاة على وقتها وقال ابن دقيق العيد هذا اللفظ أظهر في اعتبار قبل الصلاة وهو قوله في رواية "من ذبح قبل أن يصلى فليذبح مكانها اخرى" قال لكن إن أجريناه على ظاهره أقتضى أنها لا تجزىء الأضحية في حق من لم يصل العيد فإن ذهب إليه أحد فهو أسعد الناس بظاهر هذا الحديث وإلا وجب الخروج عن هذا الظاهر في هذه الصورة ويبقى ما عداها في محل البحث وقد أخرج الطحاوى من حديث جابر أن رجلا ذبح قبل أن يصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى أن يذبح أحد قبل الصلاة صححه ابن حبان وقد عرفت الأقوى دليلا من هذه الأقوال وهذا الكلام في ابتداء وقت الضحية وأما انتهاؤه فأقوال فعند الهادوية العاشر ويومان بعده وبه قال مالك وأحمد وعند الشافعي أن أيام الأضحى أربعة يوم النحر وثلاثة بعده وعند داود وجماعة من التابعين يوم النحر فقط إلا في منى فيجوز في الثلاثة الأيام وعند جماعة أنه في آخر يوم من شهر ذي الحجة قال في نهاية المجتهد سبب اختلافهم شيئان أحدهما الاختلاف في الأيام المعلومات ما هي في قوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} الآية فقيل يوم النحر ويومان بعده وهو المشهور وقيل العشر الأول من ذي الحجة والسبب الثاني معارضة دليل الخطاب في هذه الآية بحديث

(4/92)


جبير بن مطعم مرفوعا أنه قال صلى الله عليه وسلم: "كل فجاج مكة منحر وكل أيام التشريق ذبح" فمن قال في الأيام المعلومات إنها يوم النحر ويومان بعده في هذه الآية رجح دليل الخطاب فيها على الحديث المذكور وقال لا نحر إلا في هذه الأيام ومن رأى الجمع بين الحديث والآية قال لا معارضة بينهما إذ الحديث اقتضى حكما زائدا على ما في الآية مع أن الآية ليس المقصود فيها تحديد أيام النحر والحديث المقصود منه ذلك قال يجوز الذبح في اليوم الرابع إذا كان من أيام التشريق باتفاق ولا خلاف بينهم أن الأيام المعدودات هي أيام التشريق وأنها ثلاثة أيام بعد يوم النحر إلا ما يروى عن سعيد بن جبير أنه قال يوم النحر من أيام التشريق وإنما اختلفوا في الأيام المعلومات على القولين وأما من قال يوم النحر فقط فبناء على أن المعلومات العشر الأول قالوا وإذا كان الإجماع قد انعقد على أنه لا يجوز الذبح هنا إلا في اليوم العاشر وهو محل الذبح المنصوص عليه فوجب أن لا يكون إلا يوم النحر فقط انتهى فائدة في النهاية أيضا ذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه لا يجوز التضحية في ليالي أيام النحر وذهب غيره إلى جواز ذلك وسبب الاختلاف هو أن اليوم يطلق على اليوم والليلة نحو قوله: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ} ويطلق النهار دون الليل نحو وسبع ليال وثمانية أيام فعطف الأيام على الليالي والعطف يقتضي المغايرة ولكن بقي النظر في أيهما أظهر والمحتج بالمغايرة في أنه لا يصح بالليل عمل بمفهوم اللقب ولم يقل به إلا الدقاق إلا أن يقال دل الدليل على أنه يجوز في النهار والأصل في الذبح الحظر فيبقى الليل على الحظر والدليل على تجويزه في الليل ا ه قلت لا حظر في الذبح بل قد أباح الله ذبح الحيوان في أي وقت وإنما كان الحظر عقلا قبل إباحة الله تعالى لذلك
5- وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أربع لا تجوز في الضحايا العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ظلعها والكبيرة التي لا تنقي" بضم المثناة الفوقية وإسكان النون وكسر القاف أي التي لا نقي لها بكسر النون وإسكان القاف وهو المخ رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن حبان وصححه الحاكم وقال على شرطهما وصوب كلامه المصنف وقال لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ولكنه صحيح أخرجه أصحاب السنن بأسانيد صحيحة وحسنه أحمد بن حنبل فقال ما أحسنه من حديث وقال الترمذي صحيح حسن والحديث دليل على أن هذه الأربعة العيوب مانعة من صحة التضحية وسكت عن غيرها من العيوب فذهب أهل الظاهر إلى أنه لا عيب غير هذه الأربعة وذهب الجمهور إلى أنه يقاس عليها غيرها مما كان أشد منها أو مساويا لها كالعمياء ومقطوعة الساق وقوله البين عورها قال في البحر إنه يعفى عما إذا كان الذاهب الثلث فما دونه وكذا في العرج قال الشافعي العرجاء إذا تأخرت عن الغنم لأجله فهو بين وقوله ظلعها أي اعوجاجها

(4/93)


6- وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن" رواه مسلم المسنة الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها كما قدمنا والحديث دليل على أنه لا يجزيء الجذع من الضأن في حال من الأحوال إلا عند تعسر المسنة وقد نقل القاضي عياض الإجماع على ذلك ولكنه غير صحيح لما يأتي وحكي عن ابن عمر والزهري أنه لا يجزيء ولو مع التعسر وذهب كثيرون إلى إجزاء الجذع من الضأن مطلقا وحملوا الحديث على الاستحباب بقرينة حديث أم بلال أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضحوا بالجذع من الضأن" أخرجه أحمد وابن جرير والبيهقي وأشار الترمذي إلى حديث نعمت الأضحية الجذع من الضأن وروى ابن وهب عن عقبة بن عامر بلفظ ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه سلم بالجذع من الضأن قلت ويحتمل أن ذلك كله عند تعسر المسنة
7- وعن علي رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه سلم أن نستشرف العين والأذن" أي نشرف عليهما ونتأملهما لئلا يقع نقص وعيب "ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة" بفتح الموحدة ما قطع من طرف أذنها شيء ثم بقي معلقا ولا مدابرة والمدابرة بالدال المهملة وفتح الموحدة ما قطع من مؤخر أذنها شيء وترك معلقا ولا خرقاء بالخاء المعجمة مفتوحة والراء ساكنة المشقوقة الأذنين ولا ثرمي بالمثلثة فراء وميم وألف مقصورة هي وهو سقوط الثني من الأسنان وقيل الثنية والرباعية وقيل هو أن تنقطع السن من أصلها مطلقا وإنما نهى عنها لنقصان أكلها قاله في النهاية ووقع في نسخة الشرح شرقاء بالشين المعجمة والراء والقاف وعليها شرح الشارح ولكن الذي في نسخ بلوغ المرام الصحيحة الثرمي كما ذكرناه أخرجه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم فيه دليل على أنها تجزىء الأضحية إلا ما ذكر وهو مذهب الهادوية وقال الإمام يحيى تجزىء وتكره وقواه المهدي وظاهر الحديث مع الأول وورد النهي عن بضم الميم وإسكان الصاد المهملة ففاء مفتوحة فراء أخرجه أبو داود والحاكم وهي المهزولة كما في النهاية وفي رواية المصفورة قيل هي المستأصلة الأذن وأخرج أبو داود من حديث عقبة بن عامر السلمي أنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصفرة والمستأصلة والنجقاء والمشيعة والكسراء فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها والمستأصلة التي استؤصل قرنها من أصله والنجقاء التي تنجق عينها والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفا أو ضعفا والكسراء الكسيرة هذا لفظ أبي داود وأما مقطوع الألية والذنب فإنه يجزيء لما أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي من حديث أبي سعيد قال اشتريت كبشا لأضحي به فعدا الذئب فأخذ منه الألية فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ضح به وفيه جابر الجعفي وشيخه محمد بن قرظة مجهول إلا أن له شاهدا عند البيهقي واستدل به ابن تيمية

(4/94)


في المنتقى على أن العيب الحادث بعد تعيين الأضحية لا يضر وذهبت الهادوية إلى عدم إجزاء مسلوب الألية وفي نهاية المجتهد أنه ورد في هذا الباب من الأحاديث الحسان حديثان متعارضان فذكر النسائي عن أبي بردة أنه قال يا رسول الله أكره النقص يكون في القرن والأذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وما كرهته فدعه ولا تحرمه على غيرك ثم ذكر حديث علي رضي الله تعالى عنه "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين" الحديث فمن رجح حديث أبي بردة قال لا تتقي إلا العيوب الأربعة وما هو أشد منها ومن جمع بين الحديثين حمل حديث أبي بردة على العيب اليسير الذي هو غير بين وحديث علي على الكثير البين
فائدة أجمع العلماء على جواز التضحية من جميع بهيمة الأنعام وإنما اختلفوا في الأفضل والظاهر أن الغنم في الضحية أفضل لفعله صلى الله عليه وسلم وأمره وإن كان يحتمل أن ذلك لأنها المتيسرة لهم عند الإجماع على أنه لا يجوز التضحية بغير بهيمة الأنعام إلا ما حكي عن الحسن بن صالح أنها تجوز التضحية ببقرة الوحش عن عشرة والظبي عن واحد وما روي عن أسماء أنها قالت ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيل وما روي عن أبي هريرة أنه ضحى بديك
8- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أقسم لحومها وجلودها وجلالها على المساكين ولا أعطي في جزارتها شيئا منها" متفق عليه هذا في بدنه صلى الله عليه وسلم التي ساقها في حجة الوداع وكانت مع التي أتى بها علي رضي الله عنه من اليمن مائة بدنة نحرها صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمنى نحر بيده صلى الله عليه سلم ثلاثا وستين ونحر بقيتها علي رضي الله عنه وقد تقدم في كتاب الحج والبدن تطلق لغة على الإبل والبقر والغنم إلا أنها هنا للإبل وهكذا استعمالها في أحاديث وفي كتب الفقه في الإبل خاصة ودل على أنه يتصدق بالجلود والجلال كما يتصدق باللحم وأنه لا يعطي الجزار منها شيئا أجرة لأن ذلك في حكم البيع لاستحقاقه الأجرة وحكم الأضحية حكم الهدي في أنه لا يباع لحمها ولا جلدها ولا يعطى الجزار منها شيئا قال في نهاية المجتهد العلماء متفقون فيما علمت أنه لا يجوز بيع لحمها واختلفوا في جلدها وشعرها مما ينتفع به فقال الجمهور لا يجوز وقال أبو حنيفة يجوز بيعه بغير الدنانير والدراهم يعني بالعروض وقال عطاء يجوز بكل شيء دراهم وغيرها وإنما فرق أبو حنيفة بين الدراهم وغيرها لأنه رأى أن المعاوضة في العروض هي من باب الانتفاع لإجماعهم على أنه يجوز الانتفاع به
9- وعن جابر بن عبد الله قال نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة رواه مسلم دل الحديث على جواز الاشتراك في البدنة والبقرة وأنهما يجزيان عن سبعة وهذا في الهدي ويقاس عليه الأضحية بل قد ورد فيها نص فأخرج الترمذي والنسائي من حديث ابن عباس قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة سبعة وفي البعير عشرة

(4/95)


وقد صح اشتراك أهل بيت واحد في ضحية واحدة كما في حديث مخنف وإلى هذا ذهب زيد بن علي وحفيده أحمد بن عيسى والفريقان قال النووي سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين مفترضين أو متطوعين أو بعضهم متقربا وبعضهم طالب لحم وبه قال أحمد وذهب مالك إلى أنه لا يجوز الاشتراك في الهدي إلا في هدي التطوع وهدي الإحصار عندي من هدي التطوع واشترطت الهادوية في الاشتراك اتفاق الغرض قالوا ولا يصح مع الاختلاف لأن الهدي شيء واحد فلا يتبعض بأن يكون بعضه واجبا وبعضه غير واجب وقالوا إنها تجزيء البدنة عن عشرة لما سلف من حديث ابن عباس وقاسوا الهدي على الأضحية وأجيب بأنه لا قياس مع النص وادعى ابن رشد الإجماع على أنه لا يجوز أن يشترك في النسك أكثر من سبعة قال وإن كان روي من حديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم عدل البعير بعشر شياه أخرجه في الصحيحين ومن طريق ابن عباس وغيره البدنة عن عشر قال الطحاوي وإجماعهم دليل على أن الآثار في ذلك غير صحيحة ا هـ
ولا يخفى أنه لا إجماع مع خلاف من ذكرنا وكأنه لم يطلع عليه واختلفوا في الشاة فقال الهادوية تجزيء عن ثلاثة في الأضحية قالوا وذلك لما تقدم من تضحية النبي صلى الله عليه سلم بالكبش عن محمد وآل محمد قالوا وظاهر الحديث أنها تجزىء عن أكثر لكن الإجماع قصر الإجزاء على الثلاثة قلت وهذا الإجماع الذي ادعوه يباين ما قاله في نهاية المجتهد فإنه قال إنه وقع الإجماع على أن الشاة لا تجزىء إلا عن واحد وعن أهل بيته لفعله صلى الله عليه وسلم ولما أخرجه مالك في الموطأ من حديث أبي أيوب الأنصاري قال كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته ثم تباهى الناس بعد
فائدة من السنة لمن أراد أن يضحي أن لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره إذا دخل شهر ذي الحجة لما أخرجه مسلم من أربع طرق من حديث أم سلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا وأخرج البيهقي من حديث عمرو بن العاص أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل سأله عن الضحية وأنه قد لا يجدها فقال: "قلم أظافرك وقص شاربك واحلق عانتك فذلك تمام أضحيتك عند الله عز وجل" وهذا فيه شرعية هذه الأفعال في يوم التضحية وإن لم يترك من أول شهر الحجة وذهب أحمد وإسحق أنه يحرم للنهي وإليه ذهب ابن حزم وقال من لم يحرمه قد قامت القرينة على أن النهي ليس للتحريم وهو ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث عائشة قالت أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء مما أحله الله حتى نحر الهدي قال الشافعي: فيه دلالة على أنه لا يحرم على المرء شيء يبعثه بهديه والبعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية قلت هذا قياس منه والنص قد خص من يريد التضحية بما ذكر

(4/96)


فائدة أخرى يستحب للمضحي أن يتصدق وأن يأكل واستحب كثير من العلماء أن يقسمها أثلاثا ثلثا للادخار وثلثا للصدقة وثلثا للأكل لقوله صلى الله عليه وسلم: "كلوا وتصدقوا وادخروا" أخرجه الترمذي بلفظ "كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث ليتسع ذو الطول على من لا طول له فكلوا ما بدا لكم وتصدقوا وادخروا" ولعل الظاهرية توجب التجزئة وقال عبد الوهاب أوجب قوم الأكل وليس بواجب في المذهب

(4/97)


باب العقيقة
العقيقة هي الذبيحة التي تذبح للمولود وأصل العق الشق والقطع وقيل للذبيحة عقيقة لأنها يشق حلقها ويقال عقيقة للشعر الذي يخرج على رأس المولود من بطن أمه وجعله الزمخشري أصلا والمثناة المذبوحة مشتقة منه
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا " رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وعبد الحق لكن رجح أبو حاتم إرساله وقد أخرج البيهقي والحاكم وابن حبان من حديث عائشة بزيادة يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رأسيهما الأذى وأخرج البيهقي من حديث عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين رضي الله عنهما يوم السابع من ولادتهما" وأخرج البيهقي أيضا من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام قال الحسن البصري إماطة الأذى حلق الرأس وصححه ابن السكن بأتم من هذا وفيه وكان أهل الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة ويجعلونها على رأس المولود فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا مكان الدم خلوقا ورواه أحمد والنسائي من حديث بريرة وسنده صحيح ويؤيد هذه الأحاديث الحديث الآتي وهو قوله
2- وأخرج ابن حبان من حديث أنس نحوه والأحاديث دلت على مشروعية العقيقة واختلف فيها مذاهب العلماء فعند الجمهور أنها سنة وذهب داود ومن تبعه إلى أنها واجبة واستدل الجمهور بأن فعله صلى الله عليه وسلم دليل على السنية وبحديث من ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل أخرجه مالك واستدلت الظاهرية بما يأتي من قول عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بها والأمر دليل الإيجاب وأجاب الأولون بأنه صرفه عن الوجوب قوله فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل وقوله في حديث عائشة يوم سابعه دليل أنه وقتها وسيأتي فيه حديث سمرة وأنه لا يشرع قبله ولا بعده وقال النووي إنه يعق قبل السابع وكذا عن الكبير فقد أخرج البيهقي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد البعثة ولكنه قال منكر وقال النووي حديث باطل وقيل يجزىء في السابع والثاني والثالث لما أخرجه البيهقي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال العقيقة تذبح لسبع ولأربع عشرة

(4/97)


ولإحدى وعشرين ودل الحديث على أنه يجزىء عن الغلام شاة لكن الحديث الآتي وهو قوله
3- وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه سلم أمرهم أن يعق عن الغلام شاتان" وفي رواية مكافئتان قال النووي: بكسر الفاء وبعدها همزة ويأتي تفسيره وعن الجارية شاة رواه الترمذي وصححه وقال حسن صحيح إلا أني لم أجد لفظه أن يعق في نسخ الترمذي قال أحمد وأبو داود: معنى مكافئتان متساويان أو مقاربتان وقال الخطابي: المراد التكافؤ في السن فلا تكون إحداهما مسنة والأخرى غير مسنة بل يكونان مما يجزيء في الأضحية وقيل معناه أن يذبح إحداهما مقابلة للأخرى دل الحديث على أنه يعق عن الغلام بضعف ما يعق عن الجارية وإليه ذهب الشافعي وأبو ثور وأحمد وداود لهذا الحديث وذهبت الهادوية و مالك إلى أن يجزيء عن الذكر والأنثى عن كل واحد شاة للحديث الماضي وأجيب بأن ذلك فعل وهذا قول والقول أقوى وبأنه يجوز أنه صلى الله عليه سلم ذبح عن الذكر كبشا لبيان أنه يجزيء وذبح الاثنين مستحب على أنه أخرج أبو الشيخ حديث ابن عباس من طريق عكرمة بلفظ كبشين كبشين ومن حديث عمرو بن شعيب مثله وحينئذ فلا تعارض وفي إطلاق لفظ الشاة دليل على أنه لا يشترط فيها ما يشترط في الأضحية ومن أشترطها فبالقياس
4- وأخرج أحمد والأربعة عن أم كرز بضم أوله وسكون الراء بعدها زاي الكعبية المكية صحابية لها أحاديث قاله المصنف في التقريب نحوه أي نحو حديث عائشة ولفظه في الترمذي عن سباع بن ثابت أن محمد بن ثابت بن سباع أخبره أن أم كرز أخبرته أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة قال عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة ولا يضركم اذكرانا كن أم إناثا قال أبو عيسى يعني الترمذي حسن صحيح وهو يفيد ما يفيد الحديث الثالث
5- وعن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى" رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وهذا هو حديث العقيقة الذي اتفقوا على أنه سمعه الحسن من سمرة واختلفوا في سماعه لغيره منه من الأحاديث قال الخطابي اختلف في قوله مرتهن بعقيقته فذهب أحمد بن حنبل أنه إذا مات وهو طفل لم يعق عنه أنه لا يشفع لأبويه قلت ونقله الحليمي عن عطاء الخراساني ومحمد بن مطرف وهما إمامان عالمان متقدمان على أحمد وقيل إن المعنى العقيقة لازمة لا بد منها فشبه لزومها للمولود بلزوم الرهن للمرهون في يد المرتهن وهو يقوي قول الظاهرية بالوجوب وقيل المراد أنه مرهون بأذى شعره ولذلك جاء فأميطوا عنه الأذى ويقوي قول أحمد ما أخرجه البيهقي عن عطاء الخراساني وأخرجه ابن حزم عن بريدة الأسلمي قال إن الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس وهذا دليل لو ثبت لمن قال بالوجوب وتقدم أنها مؤقتة

(4/98)


باليوم السابع كما دل ما مضى ودل له هذا أيضا وقال مالك تفوت بعده وقال من مات قبل السابع سقطت عنه العقيقة وللعلماء خلاف في العق بعده وفي قولها أمرهم أي المسلمين بأن يعق كل مولود له عن ولده فعند الشافعي يتعين على كل من تلزمه النفقة للمولود وعند الحنابلة يتعين على الأب إلا أن يموت أو يمتنع وأخذ من لفظ تذبح بالبناء للمجهول أنه يجزىء أن يعق عنه الأجنبي وقد تأيد بأنه صلى الله عليه وسلم عق عن الحسين كما سلف إلا أنه يقال قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أبوهما كما ورد به الحديث بلفظ كل بني أم ينتمون إلى عصبة إلا ولد فاطمة رضي الله عنها فأنا وليهم وأنا عصبتهم وفي لفظ وأنا أبوهم أخرجه الخطيب من حديث فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها ومن حديث عمر رضي الله تعالى عنه وأما ما أخرجه أحمد من حديث أبي رافع أن فاطمة رضي الله تعالى عنها لما ولدت حسنا قالت يا رسول الله ألا أعق عن ولدي بدم؟ قال: "لا ولكن احلقي رأسه وتصدقي بوزن شعره فضة" فهو من الأدلة على أنه قد أجزأ عنه ما ذبحه النبي صلى الله عليه وسلم عنه وأنها ذكرت هذا فمنعها ثم عق عنه وأرشدها إلى تولي الحلق والتصدق وهذا أقرب لأنها لا تستأذنه إلا قبل ذبحه وقبل مجيء وقت الذبح وهو السابع وفي قوله في حديث سمرة ويحلق دليل على شرعية حلق رأس المولود يوم سابعه وظاهره عام لحلق رأس الغلام والجارية وحكى المازني كراهة حلق رأس الجارية وعن بعض الحنابلة تحلق لإطلاق الحديث وأما تثقيب أذن الصبية لأجل تعليق الحلي فيها الذي يفعله الناس في هذه الأعصار وقبلها فقال الغزالي في الإحياء إنه لا يرى فيه رخصة فإن ذلك جرح مؤلم ومثله موجب للقصاص فلا يجوز إلا لحاجة مهمة كالفصد والحجامة والختان والتزين بالحلي غير مهم فهذا وإن كان معتادا فهو حرام ا ه وفي كتب الحنابلة أن تثقيب آذان الصبايا للحلي جائز ويكره للصبيان وفي فتاوى قاضي المطلوب من الحنفية لا بأس بثقب أذن العربي لأنهم كانوا في الجاهلية يفعلونه ولم ينكره عليهم النبي صلى الله عليه سلم قوله ويسمى هذا هو الصحيح في الرواية وأما روايته بلفظ ويدمي من الدم أي يفعل في رأسه من دم العقيقة كما كانت تفعله الجاهلية فقد وهم راويها بل المراد تسمية المولود وينبغي اختيار الاسم الحسن له لما ثبت من أنه صلى الله عليه وسلم كان يغير الاسم القبيح وصح عنه: "إن أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى شاهان شاه ملك الأملاك لا ملك إلا الله تعالى" فتحرم التسمية بذلك وألحق به تحريم التسمية بقاضي القضاة وأشنع منه حاكم الحكام نص عليه الأوزاعي ومن الألقاب القبيحة ما قاله الزمخشري: إنه توسع الناس في زماننا بكذا حتى لقبوا السفلة بألقاب العلية وهب أن العذر مبسوط فما أقول في تلقيب من ليس من

(4/99)


الدين في قبيل ولا دبير بفلان الدين هي لعمري والله الغصة التي لا تساغ
وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ونحوهما وأصدقها حارث وهمام ولا تكره التسمية بأسماء الأنبياء ويس وطه خلافا لمالك وفي مسند الحارث ابن أبي أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان له ثلاثة من الولد ولم يسم أحدهم بمحمد فقد جهل" فينبغي التسمي باسمه صلى الله عليه وسلم فقد أخرج في كتاب الخصائص لابن سبع عن ابن عباس "أنه إذا كان يوم القيامة نادى مناد ألا ليقم من اسمه محمد فليدخل الجنة تكرم لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقال مالك سمعت أهل المدينة يقولون ما من أهل بيت فيهم اسم محمد إلا رزقوا رزق خير وقال ابن رشد: يحتمل أن يكونوا عرفوا ذلك بالتجربة أو عندهم فيه أثر
فائدة روى أبو داود والترمذي " أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن والحسين حين ولدا" ورواه الحاكم والمراد الأذن اليمنى وفي بعض المسانيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في أذن مولود سورة الإخلاص وأخرج ابن السني عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام الصلاة في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان" وهي التابعة من الجن ويستحب تحنيكه بتمر لما في الصحيحين من حديث أبي موسى قال ولد لي غلام فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة ودعا له بالبركة والتحنيك

(4/100)


أن يضع التمر ونحوه في حنك المولود حتى ينزل في جوفه منه شيء وينبغي أن يكون المحنك من أهل الخير ممن ترجى بركته

(4/101)