طلبة
الطلبة في الاصطلاحات الفقهية ط دار القلم ص -85-
كتاب النّكاح:
النّكاح التّزوّج من باب ضرب والنّكاح
المجامعة أيضا واستشهد في ديوان الأدب للأوّل
بقول الأعشى:
فلا تقربنّ جارة إنّ سرّها
عليك حرام فانكحن أو تأبّدا
أي توحّش وتفرّد والسّرّ
الجماع وقوله تأبّدا أراد به تأبّدن بنون
خفيفة هي للتّأكيد وأبدل منها ألفا للوقف كما
في الاسم المنوّن واستشهد للثّاني بقول
الفرزدق:
التّاركين على طهر نساءهم
والنّاكحين بشطّي دجلة البقرا
يهجو قوما بأنّهم يتركون نساءهم فلا يطئونهنّ
مع طهرهنّ ويجامعون البقر على جانبي دجلة
بغداد
وأصله الضّمّ والجمع يقال أنكحنا الفرا فسنرى
والفرأ بفتح الفاء والرّاء والآخر مهموز مقصور
هو حمار الوحش أي جمعنا بين الحمار الوحشيّ
وبين أنثاه وسننظر إلى ما يحدث منهما يضرب
مثلا للأمر ينتظر وقوعه ولا يدرى كيف يقع وقال
النّبيّ عليه السلام لأبي سفيان رضي اللّه
تعالى عنه:
"أنت كما قيل كلّ الصّيد في جوف الفرا" أي من اصطاد الحمار الوحشيّ كأنّه صاد كلّ الصّيود يعني به أنّه
سيّد قومه وإسلامه سبب إسلام الكلّ وجمعه
الفراء بكسر الفاء ومدّ الآخر وقال المتنبّي
في النّكاح بمعنى الضّمّ:
أنكحت صمّ صفاها خفّ يعملة
تغشمرت بي إليك السّهل والجبلا
أي ضممت بين صمّ الصّفا
وبين خفّ اليعملة والصّمّ جمع أصمّ وهو
ص -86-
الصّخر
الّذي لا خرق فيه ولا صدع والصّفا الحجر
الأملس والصّفوان كذلك واليعملة النّاقة
القويّة على العمل تغشمرت أي تعسّفت وقال في
ديوان الأدب تغشمره أي أخذه قهرا وقال في مجمل
اللّغة: الغشمرة إتيان الأمر من غير تثبّت
ومعنى البيت جمعت وضممت بين حجارة هذه المفازة
وبين خفّ ناقة لي قويّة مالت بي يمينا وشمالا
سهلا وجبلا إليك أيّها الممدوح هذا تخريج أهل
الإتقان من العلماء لهذا البيت ولهذا المثل
والأدباء يحملونها على المجاز من العقد
فيقولون معنى قولهم زوّجنا العير أتانا فسننظر
كيف يولد لهما ومعنى قول المتنبّي زوّجت حجر
هذه المفازة خفّ النّاقة وزففتها إليه فهو
يفتضّها وهو استعارة عن الجرح والتّدمية وقد
جاء ذكر النّكاح في القرآن للعقد وجاء للوطء
وجاء واختلف فيه القدماء من العلماء وجاء
وتكلّم فيه المتأخّرون من المشايخ أمّا للعقد
فقوله تعالى:
{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ
النِّسَاءِ}1 وقوله:
{فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ}2
وقوله:
{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}3 وأمّا للوطء فقوله تعالى:
{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ}4 أي إذا بلغ اليتامى وقت القدرة على وطء النّساء.
وأمّا الّذي اختلف فيه القدماء من أهل العلم
فقوله تعالى:
{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ}5 فعندنا معناه ولا تطئوا ما وطئ آباؤكم ويتناول ذلك الحلال والحرام
وتثبت بالآية حرمة المصاهرة بوطء الأجنبيّة.
وعند الشّافعيّ رضي اللّه عنه معناه لا تعقدوا
على ما عقد عليه آباؤكم ولا يثبت بها حرمة
المصاهرة بوطء الأجنبيّة.
وأمّا الّذي اختلف فيه المتأخّرون من المشايخ
فقوله تعالى:
{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1سورة النساء: 3.
2سورة النساء: 25.
3سورة النور: 32.
4سورة النساء: 6.
5سورة النساء: 22.
ص -87-
تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ
زَوْجاً غَيْرَهُ}1 فبعضهم حمل النّكاح على العقد وقال في الآية مدّ الحرمة إلى غاية
وهي العقد وظاهرها يقتضي أن تنتهي عند العقد.
ولا يشترط الوطء لحلّ المطلّقة ثلاثا كما قال
سعيد بن المسيّب لكن زدنا عليه الوطء بخبر ذوق
العسيلة وهو مشهور وبعض المحقّقين المتقنين من
مشايخنا رحمهم اللّه حملوا النّكاح المذكور في
هذه الآية على الوطء وقالوا ذكر العقد مستفاد
بذكر قوله تعالى:
{زَوْجاً
غَيْرَهُ}2 فلا يصير زوجا إلّا بالعقد فلا يحمل النّكاح على العقد لأنّه يكون
تكرارا غير مفيد فحملناه على الوطء وصار معناه
فلا تحلّ هذه المطلّقة ثلاثا حتّى تمكّن من
وطئها رجلا وقد تزوّجها بعد انقضاء عدّتها من
الأوّل وهو وجه حسن لئلّا يقال لا يجوز
الزّيادة على النّصّ بخبر الواحد باشتراط
الوطء.
وقوله عليه السلام:
"عليكم
بالباءة فمن لم يستطع فليصم فإنّ الصّوم له
وجاء"
فسّرنا الوجاء في المناسك والباءة النّكاح على
وزن الباعة لأنّ من تزوّج امرأة بوّأها منزلا
والوطء سمّي باءة أيضا والمنيّ أيضا سمّي باءة
كذلك.
وقوله عليه السلام:
"النّكاح
سنّتي فمن رغب عن سنّتي فليس منّي"
أي ليس على طريقتي وقوله عليه السلام:
"فمن رغب عن سنّتي" أي لم
يردها ولو قيل رغب في الشّيء فمعناه أراده
والزّهد ضدّه يقال زهد في الشّيء إذا لم يرده
وزهد عنه إذا أراده وصرف الكلمتين جميعا من
حدّ علم.
إن كانت نفسه تتوق إلى النّساء أي تشتاق وقد
تاق يتوق توقا وتوقانا وفي المثل المرء توّاق
إلى ما لم ينل.
{وَسَيِّداً
وَحَصُوراً}3 هو الّذي لا يأتي النّساء مع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1سورة البقرة: 230.
2سورة البقرة: 230.
3سورة آل عمران: 39.
ص -88-
القدرة
على ذلك. وقوله عليه السلام:
"لا تنكح
المرأة على عمّتها ولا خالتها ولا على ابنة
أخيها ولا على ابنة أختها ولا تسأل المرأة
طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها فإنّ اللّه
تعالى هو رازقها" فقوله:
"لا تنكح" فيه
روايتان كسر الحاء ورفعها فالكسر على حقيقة
النّهي وهو مجزوم ثمّ يكسر لالتقاء السّاكنين
والرّفع على إرادة النّهي بصيغة الخبر كأنّه
قال ما ينبغي أن يفعل ذلك وهو أن يتزوّج امرأة
على عمّتها أي بعد نكاح عمّتها ولا بعد نكاح
خالتها ولا أن يتزوّج المرأة ثمّ يتزوّج
عمّتها أو خالتها وفائدة التّكرار هذا أنّه
إذا تزوّج العمّة ثمّ بنت أخيها أو الخالة ثمّ
بنت أخيها لم يجز ولو تزوّج بنت الأخ أوّلا
ثمّ العمّة أو بنت الأخت ثمّ الخالة لم يجز
أيضا بخلاف تزوّج الأمة على الحرّة فإنّه لا
يجوز وتزوّج الحرّة على الأمة يجوز ولا تسأل
المرأة طلاق أختها في الدّين ليتزوّجها للمال
ولا طلاق أختها في النّسب أو الرّضاع
ليتزوّجها بعد انقضاء عدّة المطلّقة لتكتفئ ما
في صحفتها من قولك كفأ الإناء كفئا من حدّ صنع
واكتفأه اكتفاء أي قلبه والصّحفة الّتي على
نصف القصعة فإنّ الصّحفة الّتي تشبع الخمسة
ونحوهم والقصعة الّتي تشبع العشرة ومعناه
لتصرف حظّ صاحبتها إلى نفسها فإنّ اللّه تعالى
هو رازقها أي هو الّذي رزق أختها فلتسأل هي
ربّها تعالى أن يرزقها مثل ما رزق صاحبتها.
وقول عمر رضي اللّه عنه:
"لأمنعنّ النّساء فروجهنّ إلّا من الأكفاء"
أي تمليك فروجهنّ بالتّزويج والأكفاء جمع كفؤ
بتسكين الفاء وضمّها وهمز الآخر وبتسكين الفاء
وآخره بالواو وهو النّظير والمساوي.
وقوله عليه السلام: "البكر
تستأمر في نفسها وإذنها صماتها والثّيّب
تشاور"
فالاستيمار الاستئذان وهو استفعال من الأمر
فهو طلب أمرها وسؤال أمرها بذلك والصّمت بفتح
الصّاد والصّمات بضمّ الصّاد والصّموت بالواو
كلّها السّكوت وصرفه من حدّ دخل والثّيّب
تشاور المشاورة والتّشاور والاستشارة طلب
الرّأي والتّدبير والاسم المشورة بفتح الميم
وضمّ الشّين هي اللّغة الصّحيحة الفصيحة
والمشورة بفتح الميم وتسكين الشّين وفتح الواو
لغة فيها.
ص -89-
ثمّ
البكر هي الّتي يكون واطئها مبتدئا لها من
البكرة والباكورة والبكور والتّبكير.
والثّيّب الّتي يكون واطئها راجعا إليها من
ثاب يثوب إذا رجع:
{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ}1 أي مرجعا لهم.
الثّيّب يعرب عنها لسانها، أي يبين وإعراب
الكلمة من ذلك هو بيان عن حالها وقال النّخعيّ
البكر تستأمر في نفسها فلعلّ بها داء لا يعلمه
غيرها قوله داء منصوب بلعلّ لأنّه اسمه فينتصب
به وإن حال بينهما حائل كما في قوله تعالى:
{إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً}2
{إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً}3
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً}4 وقالوا معنى هذا الكلام عسى يكون ميلها إلى رجل آخر فلا تألف هذا
وقالوا بل معناه عسى يكون لها في الفرج علّة
كالقرن بفتح القاف وتسكين الرّاء وهو العفلة
الّتي تكون للنّساء كالأدرة للرّجال فلا يمكث
معها الزّوج على ذلك وهي أعلم بحالها فلا بدّ
من استيمارها لتنظر في أمرها وتخبر عن شأنها.
وقوله: لا تنكح الأمة على الحرّة وتنكح الحرّة
على الأمة وللحرّة الثّلثان من القسم وللأمة
الثّلث القسم بفتح القاف المصدر والقسم بكسر
القاف الحظّ وقد قسم الشّيء يقسمه من حدّ ضرب
وأراد بالحديث أنّه يكون عند الحرّة ليلتين
وعند الأمة ليلة. وعن ابن عبّاس رضي اللّه
عنهما أنّه قال: كان بعض العرب في الجاهليّة
يستحلّ الرّجل نكاح امرأة أبيه، فإذا مات أبوه
ورث نكاحها عنه فأنزل اللّه تعالى في كتابه : {وَلا
تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ
النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ
كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً}5
فأمّا قوله: كان بعض العرب، فقد روي عن أبي
مجلز أنّه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة البقرة: 125.
2 سورة يوسف: 78.
3 سورة المزمل: 12.
4 سورة النحل: 11.
5 سورة النساء:22.
ص -90-
قال:
كانت الأنصار إذا مات الرّجل، وليّ الرّجل
أحقّ بالمرأة من وليّها، فنهى اللّه تعالى عن
ذلك، وأمّا وجه وراثة النّكاح فقد روي عن
مجاهد أنّه قال: كان إذا توفّي الرّجل كان
ابنه أو أخوه أو ابن أخيه أحقّ بامرأته أن
يتزوّجها إن شاء أو يزوّجها من شاء، وعن قتادة
رضي اللّه عنه قال: كان هذا الحيّ من الأنصار
إذا مات لهم ميّت كان وليّ الميّت أولى
بالمرأة فينكحها إن شاء أو ينكحها من شاء أو
يعضلهنّ حتّى يفتدين بأموالهنّ، وأمّا كيفيّة
وراثتهنّ فقد روي عن السّدّيّ عن أبي مالك
قال: كانت المرأة في الجاهليّة إذا مات زوجها
جاء وليّه فألقى عليها ثوبه فإن كان له ابن
صغير أو أخ حبسها وليّه حتّى يشبّ هذا الصّغير
أو يموت فيرثها فإن انفلتت، وأتت أهلها قبل أن
يلقي عليها ثوبا نجت فأنزل اللّه تعالى:
{لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ
كَرْهاً}1 الآية، وقوله:
{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً}2 فالمقت أشدّ البغض من حدّ دخل، أي يبغض اللّه تعالى هذا أشدّ
البغض.
{وَحَلائِلُ
أَبْنَائِكُمُ}3 هي جمع حليلة وهي الزّوجة والحليل الزّوج وهما حليلان واشتقاق ذلك
من ثلاثة أشياء من الحلّ بالكسر والحلّ بالفتح
والحلول والأوّل من باب ضرب والثّاني والثّالث
من باب دخل يقال حلّ الشّيء يحلّ حلّا فهو
حلال وحلّ العقدة يحلّها حلّا فهو حالّ وحالّ
به يحلّ حلولا فهو حالّ أي نزل فالزّوجان
حليلان أي يحلّ كلّ واحد منهما لصاحبه ويحلّ
كلّ واحد منهما عقدة صاحبه ويحلّان جميعا في
مكان واحد.
{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}4
جمع ربيبة وهي ابنة امرأة الرّجل لأنّه يربّها
أي يربّيها والحجور جمع حجر بفتح الحاء وكسرها
وهما لغتان فصيحتان. وقول ابن عبّاس رضي اللّه
عنهما: أبهموا ما أبهم اللّه أي أطلقوا ما
أطلق اللّه وأصل الإبهام ترك البيان قال ذلك
في قوله تعالى:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1سورة النساء: 19.
2سورة النساء: 22.
3سورة النساء: 23.
4سورة النساء: 23.
ص -91-
{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}1 يعني بيّن اللّه تعالى اشتراط الدّخول في حقّ الرّبائب بقوله:
{مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}2 ولم يبيّن ذلك في أمّهات النّساء فلا تشترطوا ذلك فيهنّ.
ويجوز نكاح الصّابئيّة عند أبي حنيفة رحمه
اللّه لأنّ الصّابئين قوم من النّصارى عنده
ولا يجوز عندهما لأنّهم عبدة الكواكب وقيل هم
عبدة الملائكة وقيل هم قوم بين المجوس
والنّصارى، دعها فإنّها لا تحصنك، أي لا تجعلك
محصنا بفتح الصّاد من الإحصان قال ذلك لكعب بن
مالك رضي اللّه عنه حين أراد أن يتزوّج
يهوديّة والإحصان في القرآن على وجوه الإحصان
النّكاح قال اللّه تعالى:
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ}3 أي المنكوحات وقوله
{مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}4 أي متزوّجين غير زانين والإحصان العفّة قال اللّه تعالى:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}5 أي العفائف والإحصان الحرّيّة قال اللّه تعالى:
{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ
الْمُحْصَنَاتِ}6
أي الحرائر وفي الشّرع إحصانان أحدهما يتعلّق
به وجوب الرّجم في الزّنا وله شرائط والآخر
يتعلّق به وجوب الحدّ على القاذف وله شرائط
ونذكرهما في كتاب الحدود إن شاء اللّه، وقال
النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم في مجوس هجر وهو
اسم بلد:
"سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم" يعني
اسلكوا بهم على طريق أهل الكتاب في إعطاء
الأمان بأخذ الجزية إلّا أنّه لا يجوز لكم أن
تتزوّجوا إناثهم ولا أن تأكلوا ذبائحهم وقد
سنّ يسنّ من حدّ دخل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1سورة النساء: 23.
2سورة النساء: 23.
3سورة النساء: 24.
4سورة النساء: 24.
5سورة النور: 4.
6سورة النساء: 25.
ص -92-
وعن
النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه تزوّج
عائشة رضي اللّه عنها وهي صغيرة بنت ستّ سنين
وبنى بها وهي بنت تسع سنين وكانت عنده تسعا أي
تسع سنين إلى أن قبض صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله: بنى بها أي حملها إلى بيته ودخل بها
وكلام العرب في ذلك بنى عليها يبني بناء أي
ضرب عليها قبّة أي خيمة لزفّها وحملها إليه
ثمّ صار عبارة عن الزّفاف بنى عليها قبّة
أوّلا وبنى بها غير مستعمل عندهم وإن كان كذلك
على ألسن العامّة.
والزّفاف اسم من زفّ العروس إلى زوجها زفّا من
حدّ دخل أي حملها إليه.
تستأمر النّساء في أبضاعهنّ، جمع بضع بضمّ
الباء وهو الفرج والمباضعة المجامعة من ذلك
وكذلك قوله لبريرة رضي اللّه عنها:
"ملكت بضعك فاختاري" هو
على هذا.
وقوله عليه السلام:
"لا تنكح
اليتيمة حتّى تستأمر" اليتيمة
الصّغيرة الّتي لا والد لها وقد يتم يتما من
حدّ علم وأوّل المصدر مضموم وقيل هو اسم
والمصدر يتم بفتح الياء والتّاء واليتم في
النّاس من قبل الأب وفي البهائم من قبل الأمّ
يعني اليتيم من بني آدم من مات أبوه ومن
البهائم ما ماتت أمّه وقيّدنا بالصّغير لقوله
عليه السلام:
"لا يتم بعد
الحلم" أي لا يبقى له حكم اليتامى بعد الاحتلام وقد حلم حلما بالضّمّ من
حدّ دخل وحلم حلما بكسر الحاء من حدّ شرف أي
صار حليما وحلم الأديم حلما بفتح الحاء
واللّام في المصدر من حدّ علم أي وقعت فيه
دوابّ.
{وَأَنْكِحُوا
الْأَيَامَى مِنْكُمْ}1 جمع
أيّم وهي الّتي لا زوج لها يقال آمت تئيم أيما
كقولك باع يبيع بيعا وتأيّمت تأيّما أي امتنعت
عن التّزوّج قال الشّاعر:
فإن تنكحي أنكح وإن تتأيّمي
مدى الدّهر ما لم تنكحي أتأيّم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1سورة النور: 32.
ص -93-
أي إن
تزوّجت أنت تزوّجت أنا وإن لم تتزوّجي أنت لم
أتزوّج أنا مدى الدّهر أي غاية الدّهر وأتأيّم
مجزوم في الأصل لأنّه جزاء الشّرط وهو قوله
وإن تتأيّمي وكسر لاستواء القافية.
{فَلا
تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ}1 أي
لا تمنعوهنّ عن التّزوّج وصرفه من حدّ دخل
وضرب جميعا.
{وَلا
تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا
آتَيْتُمُوهُنَّ}2 أي لا تضيّقوا على الزّوجات لتفتدين بالمال.
كان النّبيّ عليه السلام إذا أراد أن يزوّج
إحدى بناته دنا إلى خدرها أي سترها ويقول إنّ
فلانا يذكر فلانة أي يخطبها ثمّ يذهب
فيزوّجها.
"لو ترك النّاس ودعواهم" أي مع دعواهم محلّه من الإعراب النّصب كما يقال لو تركت والأسد
بالنّصب لأكلك أي مع الأسد ويسمّى هذا مفعولا
معه. النّكول في الاستحلاف من باب دخل أصله
الجبن يقال نكل عن العدوّ أي جبن عنه فلم
يتجاسر على الإقدام عليه ومراد الفقهاء من هذه
اللّفظة هو الامتناع عن اليمين. ومحمّد رحمه
اللّه أطلق لفظّة الإباء والفقهاء يقولون
الإيبا بزيادة ياء وهو خطأ وقد أبي يأبى إباء
من حدّ صنع إذا لم يقبل.
"فعليك بذات الدّين تربت
يداك" أي افتقرت من حدّ علم وهذا دعاء لا يراد به وقوعه وقيل هو على
القلب وقيل هو على الشّرط يعني افتقرت يداك أي
إن لم تفعل ما أمرتك به وأترب يترب إترابا أي
استغنى وهو ضدّ ترب.
وفي الخبر:
"النّكاح إلى
العصبات" قال القتبيّ عصبة الرّجل قرابته لأبيه وبنوه سمّوا عصبة لأنّهم
عصبوا به أي أحاطوا به وكلّ شيء استدار حول
شيء فقد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1سورة البقرة: 232
2سورة النساء: 19.
ص -94-
عصب به
ومنه العصائب وهي العمائم.
قال القتبيّ: ولم أسمع للعصبة بواحد والقياس
أن يكون عاصبا مثل طالب وطلبة وظالم وظلمة
والعصبات جمع الجمع وكذلك يقول في مجمل اللّغة
العصبة قرابة الرّجل لأبيه من قولهم عصب القوم
بفلان أي أحاطوا به وعصبت الإبل بالماء إذا
دارت به وهم في الحاصل الذّكور الّذين يتّصلون
به بالذّكور.
{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا}1
الشّعب بفتح الشّين وتسكين العين القبيلة
العظيمة والقبيلة دونها.
"من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه" أي من لم يتقدّم بحسن عمله لم يشرف بنسبه.
أمثلي يفتات عليه في بناته على ما لم يسمّ
فاعله أي يسبق على رأيه فلا يشاور ولا يستأذن
منه وقد افتات يفتات افتياتا فهو افتعال من
الفوت.
وإذا زالت بكارتها بالطّفرة أي الوثبة يقال
طفر طفورا من حدّ ضرب أو زالت بكارتها
بالتّعنيس يقال عنّست المرأة تعنيسا إذا بقيت
في بيت أبويها لا يأتيها خاطب أو زالت بدرور
الدّم هو سيلانه من حدّ دخل.
كلّ نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح، أي زنا قال
اللّه تعالى:
{غَيْرَ مُسَافِحِينَ}2 أي غير زناة وقد سافح مسافحة وسفاحا إذا زنى وهو من سفح يسفح
سفاحا من حدّ صنع أي صبّ سمّي الزّنا سفاحا
لأنّه صبّ الماء على وجه التّضييع. يلحقها
العار والشّنار أي العيب وينسب إلى الوقاحة هي
صلابة الوجه من حدّ شرف والقحة والوقوحة أيضا
وهي صلابة الوجه وقلّة الحياء وهو رجل وقح
ووقاح.
والوقاح الحافر الصّلب أيضا وقد وقح الحافر
من حدّ شرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1سورة الحجرات: 13.
2سورةالنساء: 24.
ص -95-
ووقاحة
الوجه تشبيه بذلك.
مهر المرأة يمهرها مهرا من حدّ صنع أي أعطاها
المهر وأمهرها إمهارا كذلك وفي المثل
كالممهورة بإحدى خدمتيها أي خلخاليها يضرب
مثلا للجاهل الّذي يصطنع إليه من ماله فيظنّه
من عند فاعله.
ويقال مهرها أي أعطاها مهرها وأمهرها كذا أي
جعل ذلك مهرا لها بالتّسمية ويقال أيضا أمهرت
الجارية أو العبد أي جعلت ذلك مهرا للمرأة.
وقال عليه السلام:
"أدّوا العلائق"
قيل فما العلائق؟ قال:
"المهور
ما تراضى عليه الأهلون" جمع علاقة وهي المهر تقع به العلقة بين الزّوجين.
وذكر في باب الأكفاء أنّ قريشا كانوا يقولون:
نحن أهل اللّه وقطّان بيت اللّه أي خواصّ
اللّه والمضافون إليه بجوار بيته الكعبة
والقطّان جمع قاطن وهو السّاكن يقال قطن
بالمكان من حدّ دخل أي أقام.
والنّاس يستنكفون عن ذوي الحرف الدّنيّة أي
يأنفون.
جهّز ابنته بجهازها بفتح الجيم وكسرها والفعل
من باب التّفعيل أي هيّأ أسبابها وبعثها إلى
الزّوج.
"أعلنوا النّكاح ولو
بالدّفّ" بفتح الدّال وضمّها لغتان.
{إِنْ
جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}1
وقرئ فتثبّتوا التّبيّن والاستبانة التّعرّف
والتّفحّص ليعلم والتّثبّت والاستثبات
التّأنّي والتّأمّل ليظهر.
"إنّ اللّه يحبّ معالي
الأمور ويبغض سفسافها" أي رديئها
والسّفساف من الشّعر ومن الثّوب ومن كلّ شيء
أرداه.
نهى المجوس عن الزّمزمة هي كلام المجوس عند
مأكلهم وغير ذلك وهو كلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1سورة الحجرات: 6.
ص -96-
لا
يتبيّن حروفه.
اتركوا أهل الذّمّة وما هم عليه من نكاح
المحارم واقتناء الخمور والخنازير أي اتّخاذها
وقد اقتناها يقتنيها وقناها يقنوها قنوة
وقناها يقنيها قنية. نتركهم وما يدينون أي
يتّخذونه دينا. يقع بينهما المشاجرة أي
المخالفة والتّشاجر كذلك وقوله تعالى:
{فِيمَا
شَجَرَ بَيْنَهُمْ}1 أي وقع بينهم من الاختلاف وهو من حدّ دخل.
وإذا تزوّج الذّمّيّ مسلمة ودخل بها عزّر
والتّعزير الضّرب على وجه التّأديب من العزر
وهو الرّدّ من حدّ ضرب فهو ضرب يردّه عن
الجناية
{وَتُعَزِّرُوهُ}2
أي تنصروه بردّ الأعداء عنه قال ذلك في شرح
الغريبين وقال في مجمل اللّغة التّعزير الضّرب
دون الحدّ يقال عزّرت الحمار أي أوقرته وعزّرت
البعير أي شددت خياشيمه بخيط ثمّ أوجرته يشير
بذلك أنّ التّعزير تشديد على الجاني ومنع له
عن العود.
والرّضاع بالفتح أفصح والرّضاع بالكسر لغة فيه
والرّضع والرّضاعة المصدر والصّرف من حدّ علم
أفصح ومن حدّ ضرب لغة فيه. يستتاب المرتدّ أي
يسأل منه التّوبة وهي الرّجوع إلى الإسلام.
إذا خرج الحربيّ مراغما أي مغاضبا منابذا
والمراغم بالفتح المذهب والمهرب من قوله
تعالى:
{يَجِدْ
فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً}3
انقطعت العصمة بينهما أي الوصلة الّتي كانا
يعتصمان بها أي يتمسّكان.
وقال النّبيّ عليه السلام في سبايا أوطاس وهو
اسم موضع:
"ألا لا توطأ الحبالى حتّى يضعن حملهنّ ولا الحيالى حتّى يستبرين
بحيضة" الحبالى
جمع حبلى وقد حبلت من حدّ علم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1سورة النساء: 65.
2سورة الفتح:9
3سورة النساء: 100.
ص -97-
والحيالى جمع حائل وهي الّتي لا حبل بها وقد
حالت تحول حيالا فهي حائل وجمعت حيالي على
الازدواج وقوله حتّى يضعن أي حتّى يلدن وحتّى
يستبرين بحيضة وأصله يستبرئن والرّواية بالياء
ثابتة على وجه تليين الهمزة للتّخفيف وقد
شرحناه في كتاب الصّلاة.
"لها مهر مثل نسائها لا وكس
ولا شطط" أي لا نقصان ولا زيادة والوكس النّقص من حدّ ضرب والشّطط مجاوزة
القدر في كلّ شيء وقد شطّ شطوطا من حدّ دخل
وضرب أي بعد وأشطّ في الحكم إشطاطا أي جار قال
اللّه تعالى:
{وَلا تُشْطِطْ}1
وأشطّ في المساومة واشتطّ من باب الإفعال
والافتعال أي أبعد وأصل ذلك كلّه ما تقدّم.
والمهر المفروض المسمّى المقدّر والصّرف من
حدّ ضرب قال اللّه تعالى:
{أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}2.
والمتعة الّتي تجب للمنكوحة الّتي طلقت قبل
الدّخول بها ولم يكن سمّى لها زوجها مهرا
مأخوذة من التّمتّع بالشّيء يقال تمتّع تمتّعا
وأمتعه اللّه به إمتاعا ومتّعه به تمتيعا وأصل
ذلك كلّه من قولهم شيء ماتع أي طويل وقد متع
النّهار أي ارتفع وطال من حدّ صنع فالتّمتيع
بالشّيء هو إطالة الانتفاع به.
فالمتعة ثلاثة أثواب درع وخمار وملحفة ويعتبر
فيها حال الرّجل كما في النّفقة هذا هو
الصّحيح.
المفوّضة بكسر الواو هي الّتي زوّجت نفسها من
رجل من غير تسمية مهر والمفوّضة بفتح الواو هي
الّتي زوّجها وليّها من رجل من غير تسمية مهر
فبالكسر نعت الفاعلة وبالفتح نعت المفعولة
والتّفويض هو التّسليم وهو ترك المنازعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1سورة صّ: 22
2سورة البقرة: 236.
ص -98-
والمضايقة ويراد به تفويض أمر المهر إلى
الزّوج وترك المنازعة في تقديره، أمّ كلثوم
بضمّ الكاف.
وإذا تزوّجها على بيت أو خادم فلها الوسط من
ذلك قال في ديوان الأدب البيت من الأبنية ومن
الشّعر يعني يقع على بيوت المدر وهي لأهل
الأمصار وعلى بيوت الشّعر وهي لأهل البوادي
وقال في ديوان الأدب الخادم واحد الخدم غلاما
كان أو جارية لأنّه لا يراد به النّعت من فعل
الخدمة ولو جعل من ذلك فلا بدّ من التّذكير
والتّأنيث لكن جعل اسما فلم يحتج إلى ذلك.
والوصيف العبد وجمعه الوصفاء والوصيفة الجارية
وجمعها الوصائف ويختلف بالغلاء والرّخص بتسكين
الخاء وضمّ الرّاء مصدر الرّخيص والصّرف من
حدّ شرف. والغبن اليسير والفاحش هو الخداع في
المبايعة من حدّ ضرب.
نماء الملك للمالك هو ممدود وصرفه من حدّ ضرب
ودخل جميعا وينمي أفصح بالياء. والعقر مهر
المرأة إذا وطئت عن شبهة.
والأرش دية الجراحات وقال في شرح الغريبين
سمّي العقر عقرا لأنّه يجب على الواطئ بعقره
إيّاها بإزالة بكارتها أي بجرحه من حدّ ضرب
هذا هو الأصل ثمّ صار للثّيّب وغيرها والأرش
سمّي أرشا اشتقاقا من التّأريش بين القوم وهو
الإفساد. وجداد التّمر قطعه من حدّ دخل
والجداد بكسر الجيم لغة في الجداد بالفتح.
وجزّ الزّرع والصّوف من حدّ دخل أيضا والجزاز
لغة في الجزاز كالأوّل.
لا شفعة في الشّقص الممهور عندنا الشّقص
الطّائفة من الشّيء ويراد بهذا أنّ الرّجل إذا
تزوّج امرأة على نصف هذه الدّار أو جزء معلوم
منها فليس للشّريك فيها حقّ الشّفعة عندنا
خلافا للشّافعيّ وعندنا لو تزوّجها على دار
فليس للجار حقّ الشّفعة أيضا لكن وضعنا
المسألة في الشّقص لأنّ حقّ الشّفعة عند
الشّافعيّ لا يثبت للجار في موضع ما وإنّما
يثبت للشّريك فوضعنا المسألة في الشّقص تحقيقا
للخلاف.
روى العبادلة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه
وسلّم أنّه قال:
"لا مهر أقلّ من عشرة" العبادلة هم
ص -99-
عبد
اللّه بن عبّاس وعبد اللّه بن مسعود وعبد
اللّه بن عمر رضي اللّه عنهم على تركيب الاسم
الواحد من كلمتين كالحولقة والحيعلة لقولهم لا
حول ولا قوّة إلّا باللّه وحيّ على الصّلاة
وحيّ على الفلاح والمسمّون به من الصّحابة
مائتا رجل لكنّ العلماء إذا أطلقوا هذا الجمع
أرادوا به هؤلاء الثّلاثة.
تزوّج النّبيّ عليه السلام: عائشة رضي اللّه
عنها على اثنتي عشرة أوقيّة الأوقيّة أربعون
درهما.
وتزوّج عبد الرّحمن بن عوف امرأة على نواة من
ذهب النّواة قدر خمسة دراهم ونواة من ذهب ذهب
قيمته خمسة دراهم.
والمتعة تختلف باختلاف اليسار والإعسار أي
الغنى والافتقار وبعض أهل العلم يستعملون لفظة
اليسار والعسار وهو غير مسموع فالعسر واليسر
مسموعان على المقابلة والإيسار والإعسار كذلك
مصدران من أيسر وأعسر واليسار أيضا مسموع وهو
اسم فأمّا العسار فلم يرد به السّماع ولا وجه
لإطلاقه وقال اللّه تعالى:
{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}1 الموسع الغنيّ والواسع كذلك والمقتر الفقير وقد أوسع إذا اتّسعت
حاله وأقتر إذا افتقر والقدر بتسكين الدّال
وفتحها المقدار.
وفصّ الخاتم بفتح الفاء وبالكسر لغة رديّة.
إذا تزوّجها على خلّ فإذا هي خمر أو طلاء
بالمدّ وكسر الطّاء وهو ماء العنب إذا طبخ
حتّى ذهب ثلثاه.
وإذا تزوّجها في السّرّ على مهر مسمّى وسماعا
في العلانية بأكثر منه أي أظهرا العقد على مهر
آخر وأسمعا النّاس كذلك والاسم منه السّمعة
بضمّ السّين.
ولا تردّ المنكوحة عندنا بعيب الرّتق بفتح
التّاء وهو انسداد الرّحم بعظم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1سورة البقرة: 236.
ص -100-
ونحوه
والمرأة الرّتقاء الّتي لا يصل إليها زوجها
وصرفه من حدّ علم ولا بالقرن بتسكين الرّاء
وهي كالعفلة الّتي هي للنّساء كالأدرة للرّجال
ولا بالبرص وهو بياض يظهر بالجلد ويتشاءم به
وصرفه من حدّ علم
ولا بالجذام وهو داء يقع في اللّحم فيفسد
وينتن ويتقطّع ويسقط وقد جذم على ما لم يسمّ
فاعله فهو مجذوم ولا بالشّلل وهو آفة تصيب
اليد أو الرّجل وقد شلّ يشلّ فهو أشلّ من حدّ
علم.
تزوّج النّبيّ عليه السلام: امرأة فرأى في
كشحها بياضا أي برصا والكشح ما بين الخاصرة
إلى الضّلع القصوى من الجنب فردّها وقال:
"دلّستم عليّ"
أي طلّقها ومنه الحديث:
"ابنتك
مردودة عليك" أي مطلّقة
والتّدليس إخفاء العيب.
والعنّة صفة العنّين وهو الّذي لا يقدر على
إتيان المرأة.
وقول النّبيّ عليه السلام:
"فرّ من المجذوم فرارك من الأسد"
ليس لتحقيق العدوى وهي السّراية فقد نفى ذلك
بقوله عليه السلام:
"لا عدوى ولا هامة ولا صفر".
العدوى هو الاسم من إعداء الجرب ونحوه وكان
أهل الجاهليّة يعتقدونه فنفاه.
والهامة من قولهم أيضا إنّ عظام الميّت تصير
هامة فتطير.
والهامة طائر يقال له بالفارسيّة جغد فنفاه
وقال ليس كذلك وقيل كانوا يتشاءمون بهذا
الطّائر فقال ليس هذا ممّا يتشاءم به.
وقوله:
"ولا صفر" له وجهان أحدهما أنّهم كانوا يقولون في البطن حيّة تصيب الإنسان
إذا جاع وتؤذيه ومنه قول قائلهم:
لا يتأذّى لما في القدر يرقبه
ولا يعضّ على شرسوفه الصّفر
ص -101-
يصفه
بقلّة الأكل وقلّة النّهم فقوله لا يتأذّى لما
في القدر أي لا يتحبّس ولا يتمكّث للّحم الّذي
في القدر ينتظره لينضج فيأكله ولا يعضّ على
شرسوفه هو طرف الضّلع الّذي يشرف على البطن
وجمعه الشّراسيف الصّفر أي هذه الدّابّة لا
تؤذيه أي الجوع لا يقلقه ولا يعنيه فنفاه
النّبيّ عليه السلام وقال:
"ليس كذلك" وقيل كانوا
يؤخّرون تحريم المحرّم إلى صفر وهو النّسيء
الّذي ذكره اللّه تعالى فقال:
{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}1 أي تأخير التّحريم فنفاه وقال لا يجوز ذلك وإذا نفى العدوى بهذا
الحديث لم يكن لحمل هذا الحديث الّذي فيه أمر
بالفرار عن المجذوم على الخوف منه معنى فكان
تأويله الصّحيح واللّه أعلم أنّه إنّما أمره
بالاجتناب عن صاحب الجذام لئلّا يصيبه جذام
سبق القضاء به فيظنّ أنّه من عدوى فيأثم به
إذا اعتقده وهذا كما روي عن النّبيّ عليه
السلام أنّه قال:
"لا يوردنّ ذو عاهة على مصحّ"
أي لا يورد إبله الماء رجل مواشيه ذوات عاهة
على أثر من مواشيه صحيحة لئلّا يظهر بها عاهة
فيظنّ أنّها أعدت فيعتقده فيأثم بذلك.
لا يطّلع عليه الرّجال أي لا يقف عليه.
والخصيّ الّذي سلّ أنثياه وبقي ذكره فعيل
بمعنى مفعول من الخصاء من باب ضرب.
والمجبوب المقطوع الذّكر والجبّ القطع من حدّ
دخل.
العزل عن المرأة من باب ضرب هو صرف مائه عنها
في الوطء مخافة الولد وقال النّبيّ عليه
السلام:
"تلك الموءودة
الصّغرى" الوأد من باب ضرب دفن الابنة حيّة والموءودة هي الابنة المدفونة
حيّة وأراد به أنّ عزل الماء عنها لئلّا يصير
لها ولد في معنى إتلاف ولدها بعد الوضع.
يكسر شبقها هو شدّة الغلمة من حدّ علم وقد شبق
شبقا فهو شبق والغلمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورةالتوبة: 37.
ص -102-
هيجان
الشّهوة وهي من حدّ علم أيضا واغتلم كذلك.
نكاح الشّغار بكسر الشّين من قولك شاغرته
شغارا ومشاغرة أي زوّجته ابنتي على أن يزوّجني
ابنته أو أختي على أن يزوّجني أخته أو أمّي
على أن يزوّجني أمّه على أن يكون البضع بالبضع
سمّي به لأنّ كلّ واحد منهما يشغر أي يرفع
الرّجل للوطء من قولهم شغر الكلب من حدّ صنع
إذا رفع رجله ليبول وقيل هو مأخوذ من قولهم
بلدة شاغرة أي خالية عن الأنيس سمّي به لخلوّه
عن الصّداق.
وشغر الكلب إذا رفع رجله للبول وخلا مكان رجله
عنها.
والنّهي عندنا عن إخلائه عن مهر هو مال لا عن
مباشرة هذا العقد فينعقد على الصّحّة ويجب مهر
المثل. وعند الشّافعيّ رحمه اللّه هو فاسد.
وروي أنّ النّبيّ عليه السلام: تزوّج أمّ
حبيبة بنت أبي سفيان وكان الّذي ولي عقد
النّكاح النّجاشيّ ومهرها عنه أربعمائة دينار.
قوله تزوّج أمّ حبيبة أي صار زوجا لها حكما
بأمره النّجاشيّ بهذا العقد قبل العقد أو
بإجازته ذلك بعد العقد.
وقوله وكان الّذي ولي العقد أي تولّاه بنفسه
من حدّ حسب يحسب بكسر السّين في الماضي
والمستقبل. والنّجاشيّ اسم ملك الحبشة بتشديد
الياء في آخره وتخفيفها لغتان فالتّشديد على
وجه النّسبة والتّخفيف على وجه الاسم
كالرّباعيّ واليماني ومهرها بالتّخفيف أي
أعطاها المهر أربعمائة دينار بنصب العين لأنّه
مفعول وخفض المائة لأنّها مضاف إليها.
وعن عائشة رضي اللّه عنها أنّها زوّجت حفصة
بنت عبد الرّحمن بن أبي بكر
ص -103-
رضي
اللّه عنهم هي بنت أخيها من المنذر بن الزّبير
وهو الزّبير بن العوّام من العشرة المبشّرة
وعبد الرّحمن غائب يعني والد المرأة فقدم فقال
أومثلي يفتات عليه في بناته.
الألف للاستفهام والواو عطف.
ويفتات عليه بضمّ الياء أي يسبق على رأيه فلا
يشاور ولا يستأذن منه وقد افتات يفتات افتياتا
من الفوت وقد مرّ شرحه.
يعني كيف يجوز أن تزوّجوا ابنتي من غير إذني
فقالت عائشة أوترغب عن المنذر تعني يا والد
حفصة أتأبى صحبة مثل هذا الختن.
ثمّ قالت للمنذر لتملّكنّي أمرها يعني أقسم
عليك وأسألك أن تفوّض إليّ أمر هذه المرأة
لأفعل فيه ما شئت تظهر بذلك لأبي المرأة أنّ
هذا أمر نافع لك وإن أبيت عملنا على رضاك
فملّكها يعني الزّوج ملّك عائشة أمر امرأته
فقال ما بي رغبة عنه يعني قال الأب ما أكره
مصاهرته لكن شقّ عليّ التّزوّج من غير استطلاع
رأيي وأنا الآن راض به.
وروي عن عبد الرّحمن بن ثروان قال زوّجت امرأة
معنا في الدّار ابنتها فجاء أولياؤها فخاصموا
إلى عليّ رضي اللّه عنه فأجاز النّكاح أي حكم
بجوازه لا أنّه كان موقوفا فنفذ بإجازته.
وعن بحيرة بنت هانئ أنّها قالت زوّجت نفسي من
القعقاع بن شور هو بفتح الشّين فجاء أبي فخاصم
إلى عليّ رضي اللّه عنه فأجاز النّكاح يعني به
أنّ تزويج المرأة صحيح.
طول الحرّة لا يمنع نكاح الأمة عندنا أي الغنى
والقدرة على تزوّج الحرّة قال اللّه تعالى:
{وَمَنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ
يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ}1 أي: الحرائر،
{الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ}2 أي: إمائكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1سورة النساء 25.
2سورة النساء 25.
ص -104-
الحرّة
تلحقها الغضاضة أي المذلّة والكراهة وهي من
غضّ الطّرف والصّوت واللّجام وهو الخفض ونحوه
من حدّ دخل فالغضاضة في معنى نقص حالها وحطّ
رتبتها.
ويزوّج عبده وأمته على كره منهما بفتح الكاف
وضمّها لغتان وقيل بالفتح الكراهة وبالضّمّ
المشقّة وقيل بالفتح الإكراه وبالضّمّ الكراهة
والفعل من حدّ علم.
بوّأها بيتا أي أنزلها منزلا مع الزّوج
وألزمها ذلك وتبوّأ الرّجل دارا أي اتّخذها
مسكنا وقد بوّأها يبوّئها تبوئة.
لا يجوز للعبد أن يتسرّى جارية وإن أذن له
مولاه به.
والتّسرّي هو اتّخاذ الجارية سرّيّة بتشديد
الرّاء والياء وضمّ السّين وهي الأمة الّتي
اتّخذها مولاها للفراش وحصّنها وطلب ولدها على
الاختلاف الّذي ذكره من بعد إن شاء اللّه
تعالى قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:
"لا يتسرّى العبد ولا يسرّيه مولاه" الأوّل تفعّل والثّاني تفعيل. |