طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية ط دار القلم

ص -158-     كتاب السّرقة:
السّرقة والسّرق بكسر الرّاء اسمان وبتسكين الرّاء مصدر والصّرف من حدّ ضرب وهو أخذ ما ليس له مستخفيا هذا هو حقيقته لغة واستراق السّمع كذلك.
والسّرقة الموجبة للقطع في الشّرع هي أخذ النّصاب من الحرز على استخفاء. وقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم:
"لا قطع في أقلّ من ثمن المجنّ" أي: التّرس واختلفت الرّوايات في قدره.
فأخذ أصحابنا رحمهم اللّه بأكثره وهو عشرة دراهم. أخذا بالثّقة لئلّا تستباح اليد المعصومة بالشّكّ.
وما روي أنّه عليه السلام: أوجب القطع على سارق البيضة فهي بيضة الحديد الّتي توضع على الرّأس لا بيضة الطّير وما روي أنّه أوجب القطع على سارق الحبل فهو حبل السّفينة الّتي تبلغ قيمته نصابا وهو عشرة دراهم.
وعن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال وادع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبا بردة هلال بن عويمر الأسلميّ فجاء أناس يريدون الإسلام فقطع أصحاب أبي بردة الطّريق فنزل جبريل عليه السلام بالحدّ فيهم: أنّ من قتل وأخذ المال صلب ومن قتل ولم يأخذ المال قتل ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ومن جاء مسلما هدم الإسلام ما كان في الشّرك.
الموادعة متاركة الحرب من الودع وهو التّرك من حدّ صنع وقد ترك استعمال ماضيه ويستعمل مستقبله ويقال يدع ودع ولا تدع أي صالح على ترك المحاربة

 

ص -159-     مدّة، ثمّ قطع أصحاب أبي بردة الطّريق على قوم جاءوا ليسلموا فنزل القرآن بإيجاب الحدّ عليهم على التّرتيب الّذي ذكر في الحديث والقرآن وإن كان فيه ما يدلّ على التّخيّر وهو كلمة أو فقد بيّن الحديث أنّه على التّفصيل.
وقوله تعالى:
{أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}1 فالنّفي مشروع في حقّ من خوّف النّاس ولم يقتل ولم يأخذ المال والمراد بالنّفي من الأرض الحبس في السّجن عندنا وهو التّأويل الصّحيح وقد قال بعض الشّعراء في حبسه:

خرجنا من الدّنيا ونحن من أهلها              فلسنا من الأموات فيها ولا الأحيا

إذا جاءنا السّجّان يوما لحاجة                  عجبنا وقلنا جاء هذا من الدّنيا

أي: خرجنا من الدّنيا من حيث المعنى إذ لا ننتفع بها ونحن من أهل الدّنيا من حيث الحقيقة إذ نحن على وجه الأرض فلسنا من الأحياء الّذين ينتفعون بحياتهم ولا من الموتى الّذين تخلّصوا من محن الدّنيا فإذا جاءنا صاحب السّجن قلنا جاء هذا من الدّنيا أي هو يتقلّب فيها حيث يشاء ونحن موقوفون في مكان واحد.
وعن عمر رضي اللّه عنه أنه قال: أيّما قوم شهدوا على حدّ ولم يشهدوا عند حضرته فإنّما شهدوا عن ضغن ولا شهادة لهم يعني أيّ قوم وما صلة كما في قوله تعالى:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ}2 وقوله: شهدوا على حدّ ولم يشهدوا عند حضرته أي شهدوا على رجل أو امرأة بما يوجب الحدّ ولم يشهدوا بذلك حال ما وقع بل تقادم العهد ثمّ شهدوا فإنّما شهدوا عن ضغن أي كانوا مخيّرين عند الرّؤية بين أن يستروا عليه فلا يشهدوا وبين أن يحتسبوا فيشهدوا ليقام حدّ الشّرع فإذا لم يشهدوا دلّ على أنّهم اختاروا جانب السّتر فلمّا شهدوا بعد زمان فإنّما هاجهم على ذلك حقد فلم يكن عن حسبة فلا شهادة لهم أي لا قبول لشهادتهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المائدة: 33.
2 سورة آل عمران: 159.

 

ص -160-     وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم: "لا قطع في ثمر ولا كثر" الكثر جمّار النّخل وهو شحم النّخل.
وعن عليّ رضي اللّه عنه قال في رجل قد أخذ وقد نقب البيت وهو من حدّ دخل ولم يخرج المتاع قال لا يقطع.
الإحراز جعل الشّيء في الحرز وهو الموضع الحصين.
وروى الحسن عن رجل قال: رأيت رجلين مكتوفين ولحما فقال صاحب اللّحم كانت لنا ناقة عشراء ننتظر بها كما ينتظر الرّبيع فوجدت هذين قد اجتزراها فقال عمر رضي اللّه عنه هل ترضيك من ناقتك ناقتان عشراوان فإنّا لا نقطع في العذق ولا في عام السّنة.
قوله: مكتوفين أي مشدودي الأيدي إلى الوراء وهو من حدّ ضرب واسمه الكتاف.
ولحما أي ولحما معهما قد أخذاه من مال غيرهما فقال خصمهما وهو صاحب اللّحم كانت ناقة عشراء أي حامل أتى على حملها عشرة أشهر قرب نتاجها وهي من أعزّ أموال العرب.
وقوله: ننتظر بها كما ينتظر الرّبيع يعني كنّا نقول إذا ولدت حصل لنا الولد وكثر اللّبن وتوسّع بها العيش كما ينتظر النّاس مجيء الرّبيع الّذي يخرج فيه النّبات وتظهر فيه الغلّات.
فوجدت هذين قد اجتزراها أي نحراها وقد جزر الجزور من حدّ دخل واجتزر كذلك.
وقول عمر رضي اللّه عنه هل ترضيك من ناقتك ناقتان عشراوان أي هل ترضى أنت بأن نعطيك اثنين مكان هذه الواحدة على وجه الضّمان وترك الخصومة.

 

ص -161-     فإنّا لا نقطع في العذق هذا بكسر العين وهو الكباسة وبفتح العين النّخلة والكباسة القنو وهو بالفارسيّة خوشه خرما وفي حديث آخر "لا قطع في عذق معلّق" وهذا لأنّه غير محرز.
ولا في عام السّنة أي القحط لأنّه حال ضرورة وإصابة مخمصة.
وقول عليّ رضي اللّه عنه في السّارق إذا قطع مرّتين وسرق ثالثا يستودع السّجن كناية عن الحبس.
وفي حديث الأقطع الّذي سرق في بيت أبي بكر رضي اللّه عنه ما ليلك بليل سارق أي كنت تصلّي اللّيل كلّه فما كنّا نظنّ بك أن تسرق.
وقوله لغرّتك على اللّه أشدّ عليّ من سرقتك قيل أي غفلتك ورجل غرّ بالكسر أي غافل غير مجرّب والغرير كذلك أي غفلتك عن اللّه حيث تدعو على السّارق وتغفل عن اللّه وتجترئ عليه بهذا الدّعاء وأنت تعلم أنّ الإجابة تقع عليك ولا يقوم أحد بعذاب اللّه وقيل وهو الأشبه أنّ الغرّة فعلة من الغرور وهي للحال أي كونك على حال تغرّنا بها وتلبس علينا حالك أشدّ علينا من هذه السّرقة.
وقول عليّ رضي اللّه عنه لا قطع في الخلسة بضمّ الخاء وهو الاسم من الاختلاس ويروى لا قطع في دغرة بفتح الدّال وهو أخذ الشّيء اختلاسا وأصل الدّغر الدّفع من حدّ صنع.
وقال عليه السلام لذلك الرّجل:
"أسرق ما إخاله سرق" أي ما أظنّه وهو من حدّ علم والمصدر المخيلة وفي المثل ما يقل يقبل ومن يسمع يخل.
وقوله عليه السلام:
"اقطعوه ثمّ احسموه" أي اقطعوا دمه وهو أن تجعل يده بعد القطع في الدّهن الّذي أغلي لينقطع دمه.
وعن أبي الدّرداء رضي اللّه عنه: أنّه أتي بسارقة يقال لها سلّامة يعني كان اسمها سلّامة فقال: أسرقت قولي لا؟ فقالوا: تلقّنها؟ فقال: جئتموني بأعجميّة لا تدري

 

ص -162-     ما يراد بها حتّى تقرّ فأقطعها.
التّلقين إلقاء الكلام على الغير، وقد لقّنته تلقينا لقن لقانية من حدّ علم أي أخذ.
والأعجميّة منسوب إلى الأعجم وهو الّذي لا يفصح سواء كان من العجم أو من العرب.
والعجميّ منسوب إلى العجم وهو غير العرب سواء كان فصيحا مفصحا أو غير ذلك.
وقال عليه السلام:
"لا قطع في تمر إلّا ما آواه الجرين" الجرين المربد بلغة أهل نجد.
والمربد الموضع الّذي يجعل فيه التّمر إذا صرم قبل أن يجعل في الأوعية أي لا يجب القطع بسرقته قبل أن يحرز.
ولا يقطع سارق المصحف وهو بضمّ الميم وفتح الحاء لأنّه أصحف أي جمعت فيه الصّحف والمصحف بكسر الميم لغة فيه والصّحف جمع صحيفة وهو الأوراق المكتوبة قال لأنّ النّاس لا يضنّون بالمصاحف أي لا يبخلون بها والضّنّة البخل من حدّ ضرب.
وذكر سرقة الحنّاء والوسمة والأفصح الوسمة بفتح الواو وكسر السّين والوسمة بتسكين السّين لغة فيها.
وذكر سرقة الملاهي وهي آلات اللّهو واحدها في القياس ملهى بكسر الميم أو ملهاة بالهاء.
والنّورة بضمّ النّون ما يتنوّر به والزّرنيخ بكسر الزّاي.
الجوالق بضمّ الجيم اسم للواحد وجمعه الجوالق بفتح الجيم وعلى هذا السّرادق والسّرادق.

 

ص -163-     والنّبش عن الميّت البحث عنه من حدّ ضرب والنّبّاش من يعتاد ذلك والطّرّار من يعتاد الطّرّ وهو الشّقّ والقطع من حدّ دخل أي يشقّ أو يقطع ثوبا فيأخذ منه مالا.
والدّراهم المصرورة هي المشدودة من حدّ دخل ومنه الصّرّة.
وقال ابن مسعود رضي اللّه عنه في حدّ شارب الخمر: تلتلوه ومزمزوه واستنكهوه فإن وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه فالتّلتلة التّحريك والتّرترة كذلك والمزمزة التّحريك بعنف والاستنكاه طلب النّكهة وهي ريح الفم وقد نكه الشّارب في وجهه من حدّ صنع ونكه الفم من حدّ دخل وقيل يجوز مستقبل هذا الفعل بالفتح والضّمّ والكسر جميعا.
وإذا سرق فضّة أو ذهبا فسبّكها أي أذابها وعمل منهما شيئا من حدّ ضرب والسّبيكة الفضّة المذابة وجمعها السّبائك.
إذا أمر الحدّاد بقطع اليد هو حارس السّجن وفي المثل لا يقاس الملائكة بالحدّادين أي السّجّانين.
يد يبطش بها أي يأخذ من حدّ ضرب ودخل جميعا.
وإذا شهدوا أنّه سرق كارّة هي حمل القصّار وفارسيّته بشت واره.
وإذا آجر داره من إنسان ثمّ سرق منها لم يقطع عند أبي يوسف ومحمّد رحمهما اللّه قال: لأنّ له أن يدخلها لينظر حالها فيرمّ ما استرمّ منها من حدّ دخل أي يصلح ويسدّ منها ما جاز له أن يصلح ويسدّ والمرمّة الاسم من ذلك.
والتّداعي إلى الخراب هو تقارب البنيّان إلى السّقوط والانهدام كأنّ بعضها يدعو بعضا إلى ذلك.
وليس لأمير الطّسّوج إقامة الحدود أي لأمير القرية لأنّه ما فوّض إليه هذا.

 

ص -164-     وقاطع الطّريق يضرب تحت الثّندوة عند بعضهم ثمّ يصلب والثّندوة للرّجل كالثّدي للمرأة وفيها لغتان ضمّ الثّاء مع الهمزة وفتح الثّاء مع ترك الهمزة.
لا يلحقهم الغوث هو الاسم من الإغاثة والغياث اسم المستغاث وقد استغاث به فأغاثه أي استصرخ به فأصرخه وهو غياث المستغيثين وصريخ المستصرخين.