طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية ط دار القلم

ص -165-     كتاب السّير:
السّير أمور الغزو كالمناسك أمور الحجّ وهو جمع سيرة وهي الاسم من سار يسير سيرا والسّيرة أيضا المسيرة والسّيرة الطّريقة سمّيت هذه الأمور بهذا الاسم لما أنّ معظم هذه الأمور هو السّير إلى العدوّ والغزو القصد إلى العدوّ وقد غزاهم يغزوهم غزوا والغزوة المرّة والغزاة الاسم وجمعها الغزوات.
والمغزى المقصد وهو الموضع الّذي يقصده الغازي وجمعه المغازي.
والمغزى المقصود والمراد أيضا من كلّ شيء وجمع الغازي الغزاة كالقضاة وغزّى كالسّجّد والرّكّع وغزيّ على وزن فعيل كالحجيج جمع الحاجّ.
والجهاد والمجاهدة مصدران لقولك جاهد أي بذل الجهد بالضّمّ وهو الطّاقة وتحمّل الجهد بالفتح وهو المشقّة في مقابلة العدوّ والقتال والمقاتلة كذلك وقوله تعالى:
{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً}1 أي: جميعا، وقوله تعالى: {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}2 أي: وجدتموهم وقيل لقيتموهم من حدّ علم.
من أصول الإيمان الكفّ عمّن قال لا إله إلّا اللّه أي الامتناع عن قتاله.
والجهاد ماض أي ثابت باق.
وإذا عمّ النّفير أي الخروج إلى العدوّ من حدّ ضرب وكذلك النّفور.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة التوبة: 36.
2 سورة البقرة: 191.

 

ص -166-     وبدأ محمّد رحمه اللّه الكتاب بما روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة أي جعل إنسانا أميرا، يقال: أمّره بالتّشديد تأميرا والجيش الجمع العظيم من الفرسان والرّجّالة والجند كذلك غير أنّ الجند لا يكون إلّا للسّلطان والجيش يكون للسّلطان وللغزاة فأمّا السّريّة فهي نحو أربعمائة رجل ينفرون أي يخرجون إلى محاربة العدوّ فيسيرون إليهم فعيلة بمعنى فاعلة.
والسّرى السّير باللّيل وجمع السّريّة السّرايا.
قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم:
"خير الرّفقاء أربعة وخير الطّلائع أربعون وخير السّرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولن يغلب اثنا عشر ألفا عن قلّة إذا كانت كلمتهم واحدة".
الرّفقاء جمع رفيق وهو الّذي يرافقك في السّفر.
والطّلائع جمع طليعة وهو الّذي يبعث ليطّلع طلع العدوّ بكسر الطّاء أي يقف على حقيقة أمرهم والسّرايا قد فسّرناها والجيوش أيضا وقوله ولن يغلب اثنا عشر ألفا عن قلّة أي هو عدد كثير وإذا صاروا مغلوبين في وقت فليس ذلك للقلّة بل لتفرّق الكلمة أي لاختلاف آرائهم.
قال: أوصاه في خاصّته بتقوى اللّه أي أمره في حقّ نفسه بالتّقوى وبمن معه من المسلمين أي أوصاه بأن يحسن إلى من معه.
وقوله:
"ولا تغلوا" فالغلول من حدّ دخل هو الخيانة في المغنم قال اللّه تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}1 إذا فتحت الياء وضممت الغين فمعناه أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة آل عمرآن 161.

 

ص -167-     يخون وإذا ضممت الياء وفتحت الغين فله وجهان:
أحدهما: أن يكون من غلّ يغلّ على ما لم يسمّ فاعله من الغلول ومعناه أن يخان أي يخونه غيره.
والثّاني: من أغلّ يغلّ على فعل ما لم يسمّ فاعله من الإغلال ولهذا الوجه معنيان أحدهما أن يوجد خائنا والثّاني أن ينسب إلى الخيانة وقد أغللت فلانا أي وجدته خائنا وأغللته أي نسبته إلى الخيانة.
وقوله:
"ولا تغدروا" فالغدر نقض العهد وتركه من حدّ ضرب والمغادرة التّرك.
وقوله:
"ولا تمثّلوا" هو من حدّ دخل والاسم منه المثلة وهو أن يجدع المقتول أو يسمل أو يقطع عضو منه.
"ولا تقتلوا وليدا" أي صبيّا.
وقوله:
"فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال" هو جمع خصلة أو خلّة وهما شيء واحد والشّكّ من الرّاوي تكلّم النّبيّ عليه السلام: بهذه اللّفظة أو بهذه اللّفظة.
هم كأعراب المسلمين من أهل البادية والأعرابيّ البدويّ والعرب جيل لسانهم العربيّة والعربيّ واحد منهم وليس العربيّ والأعرابيّ واحدا.
الفيء ما يرجع إلى المسلمين من الغنيمة من أموال الكفّار.
والخراج والغنيمة: ما يأخذه المسلمون من أموال الكفّار وقد غنم غنما من حدّ علم بضمّ غين المصدر. والغنيمة والمغنم اسمان للمال المأخوذ من أموالهم يقال استغنم المسلمون وأغنمهم اللّه تعالى وغنّمهم بالتّشديد.
"وإن حاصرت أهل حصن" أي: جعلتهم في حصار.

 

ص -168-     "فأرادوك على أن تجعل لهم ذمّة اللّه" أي عهد اللّه.
"فإنّكم إن تخفروا ذممهم" بضمّ التّاء وتسكين الخاء وكسر الفاء أي تنقضوا عهودهم فالإخفار نقض العهد والخفر الوفاء بالعهد من حدّ ضرب والخفير الّذي أنت في أمانه.
والخفرة: بضمّ الخاء والخفارة والخفارة بضمّ الخاء وكسرها بزيادة الألف هي العهد والأمان.
وعن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّه أغار على بني المصطلق وهم غارّون أي غافلون الغرّة الغفلة بكسر الغين والمصطلق بكسر اللّام قبيلة.
وأغار على أبنى صباحا وهم قبيلة أيضا والصّباح وقت الغفلة.
وعن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أعطى يوم خيبر بني هاشم وبني المطّلب وحرم بني عبد شمس وبني نوفل فجاءه عثمان بن عفّان وجبير بن مطعم رضي اللّه عنهما فقالا أمّا بنو هاشم فلا ننكر فضلهم لمكانك فيهم فأمّا نحن وبنو المطّلب إليك في القرابة سواء فما بالك أعطيتهم وحرمتنا فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:
"إنّهم لم يزالوا معي في الجاهليّة والإسلام هكذا" وشبّك بين أصابعه قال صاحب الكتاب ولا تعرف هذه الاتّصالات إلّا بمعرفة أنسابهم فنقول إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هو محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف وكان لعبد مناف خمسة بنين هاشم وعبد شمس والمطّلب ونوفل وأبو عمرو. فأمّا أبو عمرو فقد مات ولا عقب له وأمّا الآخرون فلهم أولاد.
أمّا هاشم فولده عبد المطّلب وأسد.
فأمّا أسد فمن ولده فاطمة وهي أمّ عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه.
وأمّا عبد المطّلب فله عشرة بنين عبد اللّه أبو رسول اللّه والزّبير وأبو طالب والعبّاس وضرار وحمزة والمقوّم وأبو لهب والحارث وحجل وستّ بنات عاتكة وأميّة

 

ص -169-     والبيضاء وأروى وبرّة وصفيّة فهؤلاء بنو عبد المطّلب وهو ابن هاشم.
وأمّا المطّلب فأولاده عشرة منهم الحارث وعبادة ومخرمة وهاشم.
وأمّا عبد شمس فولده أميّة الأكبر الّذي ينسب إليه بنو أميّة وحبيب وعبد العزّى وسفيان وربيعة وأميّة الأصغر وعبد أميّة ونوفل.
فأمّا ربيعة هذا والد عتبة وشيبة وهند وهي أمّ معاوية وأمّا عبد العزّى فله
ولدان ربيع وربيعة وربيع هذا والد أبي العاص ختن الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم على زينب رضي اللّه عنها.
وأمّا حبيب فولده ربيعة فولد ربيعة كريز وولد كريز عامر.
وأمّا أميّة الأكبر فأبناؤه حرب وأبو حرب وأبو سفيان وعمرو وأبو عمرو والعاص وأبو العاص والعيص.
فأمّا حرب فهو والد أبي سفيان وأبو سفيان والد معاوية ومن أولاد حرب بن أميّة هذا أمّ جميل حمّالة الحطب.
فأمّا العيص فهو جدّ عتّاب بن أسيد عامل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على مكّة.
وأمّا العاص فابنه سعيد.
وأمّا أبو العاص فولده عفّان والد عثمان رضي اللّه عنه والحكم والد مروان بن الحكم.
وأمّا أبو عمرو فولده أبو معيط والد عقبة بن أبي معيط ولم يعقب سائر أولاد أميّة.
وأمّا نوفل فمن حوافده جبير بن مطعم بن عديّ بن نوفل بن عبد مناف فلهذا قال عثمان رضي اللّه عنه وجبير بن مطعم نحن وبنو المطّلب إليك سواء أي في الاتّصال بك والانتماء إليك سواء فإنّ عثمان هو ابن عفّان بن أبي العاص بن أميّة بن

 

ص -170-     عبد شمس بن عبد مناف وجبير هو ابن مطعم بن عديّ بن نوفل بن عبد مناف يقولان قد أعطيت أولاد هاشم بن عبد مناف وأولاد المطّلب بن عبد مناف فلماذا لم تعطنا ونحن من نوافل عبد مناف فبيّن عليه السلام أنّ: الاستحقاق ليس بالقرابة بل بالنّصرة فإنّه قال: "إنّهم لم يزالوا معي في الجاهليّة والإسلام" أي في حال جاهليّتهم وبعد إسلامهم.
وشبّك بين أصابعه أي أدخل بعضها في بعض وخلطها بها والشّبك الخلط من حدّ ضرب ورحم مشتبكة أي مختلطة من ذلك.
وعن جابر رضي اللّه عنه قال كان يحمل من الخمس في سبيل اللّه ويعطي منه نائبة القوم أي كان يشتري بمال خمس الغنيمة المراكب فيحمل عليها الّذين لا مراكب لهم ليغزوا في سبيل اللّه وكان يعطي منه ما ينوب النّاس من المؤنات أي يصيبهم.
وأبق عبد لابن عمر رضي اللّه عنه إلى دار الحرب فأخذه المشركون فظهر عليهم خالد بن الوليد أي غلبهم واستولى عليهم وردّه عليه.
يرضخ للنّساء أي يعطى لهنّ شيء قليل دون السّهام من حدّ صنع.
قسّم النّبيّ عليه السلام: غنائم حنين بعد منصرفه من الطّائف بالجعرانة المنصرف بفتح الرّاء الانصراف وكذا سائر الأفعال المنشعبة مفعولاتها ومصادرها وأمكنتها وأزمنتها على صيغة واحدة.
وعن عمير مولى آبي اللّحم بمدّ الألف وهو فاعل من أبى يأبى اسم هذا الرّجل عبد اللّه بن عبد الملك وقيل خلف بن عبد الملك بن عبد اللّه بن غفار وكان يأبى أن يأكل ممّا ذبح على النّصب فسمّي به آبي اللّحم.
وعمير معتقه فقال: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقسّم الغنيمة بخيبر وأنا مملوك فسألته أن يعطيني فأعطاني من خرثيّ المتاع أي سقط المتاع وقيل هو أثاث البيت وأسقاطه وكان على وجه الرّضخ.

 

ص -171-     وعن عثمان رضي اللّه عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم: قسم غنائم بدر بعد رجوعه إلى المدينة فسأله عثمان أن يضرب له بسهم أي يجعل له سهما كسهم من شهد الغزو وكان عثمان رضي اللّه عنه خلّفه النّبيّ عليه السلام: بالمدينة ليقوم على رقيّة رضي اللّه عنها وهي ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زوجة عثمان وكانت مريضة وتوفّيت قبل رجوع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فجعل له سهما فقال عثمان رضي اللّه عنه وأجري قال: "وأجرك" يعني إلى أجر الغزو قال: "نعم لأنّك تخلّفت بأمري بالعذر".
واستشار أبو بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه المسلمين في سهم ذوي القربى فرأوه أن يجعلوه في الكراع والسّلاح أي شاور الصّحابة وسألهم أن يشيروا عليه بالصّواب في سهم ذوي القربى أين يصرف السّهم الّذي كان لأهل قرابة النّبيّ عليه السلام في خمس الغنيمة في حال حياته وسقط بإجماع الصّحابة بمعرفتهم بزوال سببه وهو النّصرة فرأوا أي استصوبوا أن يشتروا به الكراع أي الخيل والسّلاح أي أسلحة الغزاة.
وعن إبراهيم النّخعيّ أنّه كان في مسلحة وهم قوم ذوو سلاح.
فضرب عليهم البعث أي جعل عليهم أن يبعثوا في الجهاد فجعل وقعد أي أعطى جعلا يغزو به غيره وقعد هو فلم يخرج مع الغزاة.
وقول النّبيّ عليه السلام:
"للجاعل أجر الغازي" هو هذا.
وعن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنه قال: في جعل القاعد للشّاخص إن جعله في الكراع والسّلاح فلا بأس به وإن جعله في متاع البيت فلا خير فيه أي من أعطى شاخصا أي ذاهبا إلى الغزو من حدّ صنع مالا ليغزو به فاشترى به فرسا أو سلاحا فقد جعله فيما أعطاه لأجله أمّا إذا اشترى به متاع البيت فقد خالف.
وعن عمر رضي اللّه عنه أنّه كان يغزي العزب عن ذي الحليلة ويعطي الغازي فرس القاعد.
الإغزاء البعث إلى الغزو.

 

ص -172-     والعزب الرّجل الّذي لا زوجة له.
وذو الحليلة ذو الزّوجة أي كان يأخذ فرس ذي الزّوجة ويعطيها العزب ليغزو عنه وكان هذا بإذن المالك أو عند عموم النّفير بغير إذنه وللإمام ذلك إذا لم يكن في بيت المال مال.
وعن معاوية رضي اللّه عنه أنّه بعث على أهل الكوفة بعثا فرفع عن جرير بن عبد اللّه وولده فقال جرير لا نقبل ولكن نجعل من أموالنا الغازي يعني رفع هذه المؤنة عن جرير وولده احتراما لهما وهما تحمّلا ذلك باختيارهما اغتناما.
وقال عليه السلام:
"من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره" أي لا يطأ أنثى حاملا من غيره.
ولا يركب دابّة من فيء المسلمين حتّى إذا أعجفها ردّها فيه أي جعلها مهزولة.
ولا يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتّى إذا أخلقه ردّه فيه أي جعله خلقا باليا وقد خلق الثّوب خلوقة فهو خلق من حدّ شرف.
فأمّا أخلق يخلق إخلاقا فهو لثلاثة معان.
أخلق أي خلق لازم.
وأخلقه غيره أي جعله خلقا متعدّ.
وأخلقت فلانا أي أعطيته ثوبا خلقا.
وعن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان له صفيّ من الغنيمة سيف أو درع أو فرس أو نحو ذلك أي شيء يصطفيه لنفسه من الغنيمة قبل القسمة وصفيّة رضي اللّه عنها زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سمّيت بذلك لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم اصطفاها من الغنيمة يوم خيبر لنفسه وهي صفيّة بنت حييّ بن أخطب بن سعيد بن ثعلبة بن عبيد من سبط هارون النّبيّ عليه

 

ص -173-     السلام وقالوا كان النّبيّ عليه السلام: يأخذ ذلك من حساب ما يصيبه من السّهام وكان لا يستأثر به زيادة على سهمه فأمّا سادات العرب فكان الصّفيّ لهم خارجا عن الحساب ويقول قائلهم يخاطب سيّدا:

لك المرباع فيها والصّفايا                     وحكمك والنّشيطة والفضول

يقول إنّك سيّد فتأخذ هذه الأشياء الّتي هي للسّادات خاصّة.
المرباع فيها أي الرّبع في الغنيمة وكان لساداتهم في الجاهليّة الرّبع مكان الخمس في الإسلام ولذلك قال عديّ بن حاتم ربعت في الجاهليّة وخمست في الإسلام أي كنت قائد الجيوش يومئذ واليوم فكنت آخذ الرّبع واليوم آخذ الخمس.
قال: ولك الصّفايا أيضا وهي جمع صفيّة وهي شيء نفيس يتخيّره السّيّد لنفسه.
قال: ولك حكمك أيضا أي ما تحكم به عليهم في الغنيمة وكان سيّدهم يفعل ذلك ويكون له ذلك.
قال: ولك النّشيطة أيضا منها وهي ما مرّ به الغزاة على طريقهم سوى المغار عليه الّذي قصدوا له فغنموه وكان سيّدهم يأخذ ذلك لنفسه.
قال: ولك الفضول أيضا وهي جمع فضل وهو ما يفضل منها بعد القسمة وإفراز السّهام عند تعذّر قسمة الكلّ بتفاوت عدد المقسوم والمقسوم عليهم كقسمة مائة وشيء قليل على مائة فكان يكون هذا الفضل لسيّدهم يقول أنت السّيّد الّذي لك هذه الأشياء.
وعن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال:
"لا يصلح لي من فيئهم ولا مثل هذه الوبرة" وأخذها من سنام البعير: "إلّا الخمس والخمس مردود فيكم فردّوا الخيط والمخيط فإنّ الغلول على أهله عار وشنار يوم القيامة" فجاء رجل بكبّة خيط من خيوط الشّعر فقال أخذت هذه الكبّة أخيط بها برذعة بعير لي فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أمّا نصيبي فهو لك"،

 

ص -174-     فقال: أمّا إذا بلغت هذه فلا حاجة لي فيها.
الوبرة طاقة من الوبر وهي للإبل كالصّوف للغنم والخمس مردود فيكم أي ثمّ أقسّمه بينكم وأصرفه إليكم.
والخيط الغزل الّذي يخاط به والمخيط الإبرة الّتي يخاط بها بكسر الميم وفتح الياء والخياط الإبرة أيضا قال اللّه تعالى:
{فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}1.
والغلول الخيانة في المغنم.
والشّنار العيب.
والكبّة الجروهق من الغزل قاله في ديوان الأدب وهو تعريب كروهة والبرذعة بالذّال المعجمة من فوقها هي الوليّة وهي الّتي توضع تحت القتب فوق الحلس وهو كالمسح يكون على ظهر البعير وفوقه البرذعة وفوقها القتب.
والقتب رحل صغير على قدر السّنام وما يوضع تحت الإكاف على الحمار فهو برذعة أيضا.
وروي أنّ مشركا وقع في الخندق فمات فأعطى المسلمون بجيفته مالا فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فنهاهم عن ذلك، أي: كان المشركون يعطون المسلمين مالا ليأخذوا جثّته الخبيثة فلم يطلق لهم النّبيّ عليه السلام: ذلك؛ لأنّ ذلك كان في دار الإسلام، ولا يجوز ذلك بالإجماع، وفي دار الحرب لا يجوز عند أبي يوسف رحمه اللّه أيضا.
وكتب عمر رضي اللّه عنه إلى سعد بن أبي وقّاص رضي اللّه عنه: إنّي أمددتك بقوم من أهل الشّام فمن أتاك منهم قبل أن يتفقّأ القتلى فأشركهم في الغنيمة.
الإمداد بعد المدد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الأعراف: 40.

 

ص -175-     وقوله يتفقّأ الفاء قبل القاف وآخره مهموز هي الرّواية الصّحيحة ومعناه يتشقّق أي قبل أن يتفسّخ المقتولون ويتشقّقوا يعني إذا لحقهم المدد في فور القتال قبل التّراخي يشاركهم قال قائلهم:

تفقّأ فوقه القلع السّواري                           وجنّ الخازباز بها جنونا

أي: تشقّق فوق هذا المكان القلع السّحابات العظام جمع قلعة والسّواري السّاريات باللّيل وجنّ أي كثر الخازباز هو نبت وقيل هو الذّباب سمّي به لحكاية صوته وهو مبنيّ على الكسرة لا يعرب وقيل جنّ صار كالمجنون في صياحه وكثرة الذّباب وصياحه لكثرة العشب ونضرة المكان.
ويروى يتقفّأ القتلى القاف قبل الفاء وله وجهان أي قبل أن يتبع الجرحى بعضهم بعضا في الموت وقد قفوته أقفوه قفوا قال اللّه تعالى:
{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}1 وتقفّيته أتقفّأ وتقفّيا.
وسمّي الجريح قتيلا لقربه من الموت وهو عبارة عن فور القتال أيضا ووجه آخر قبل أن يرجع الجرحى مع الغزاة إلى مكانهم ويولّوا أقفاءهم إلى أعدائهم يقال تقفّى أي ولّى قفاه كما يقال أدبر إذا ولّى دبره.
وفي حديث زياد بن لبيد البياضيّ أنّه افتتح النّجير بضمّ النّون وفتح الجيم وهي بلدة من بلاد اليمن.
بنو قريظة بالظّاء وبنو النّضير بالضّاد وقوله تعالى:
{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}2 الأسرى والأسارى والأسراء جمع أسير وهو المشدود.
والأسر المصدر من حدّ ضرب وقوله تعالى:
{نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ}3 قيل أوثقنا مفاصلهم والإثخان هو القهر وقيل هو إكثار القتل وقيل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الاسراء: 36.
2 سورةلأنفال: 67.
3 سورة الانسان: 28.

 

ص -176-     هو المبالغة في قتل الأعداء وقيل هو التّمكّن وجرحه فأثخنه أي أوهنه.
{ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا}1 هو طمع الدّنيا وما يعرض منها ويقع هذا على كلّ مال.
وقوله عليه الصّلاة والسلام:
"المسلمون تتكافأ دماؤهم" أصله الهمزة أي تتساوى.
"وهم يد على من سواهم" أي ينصر بعضهم بعضا.
"ويسعى بذمّتهم أدناهم" أي يعطي الأمان أهل الحرب "من كان منهم أقرب إليهم ويعقد عليهم أوّلهم" أي من عقد معهم عقد ذمّة ونحو ذلك نفذ عليهم ويردّ عليهم أقصاهم أي الأبعد من المسلمين من دار الحرب إذا رأى نقض الأمان للمسلمين نافعا نقضه.
وفي حديث فتح نهاوند قال رجل لعمّار بن ياسر رضي اللّه عنه أتريد أن تشاركنا في غنائمنا يا أجدع هو مقطوع الأذن من حدّ علم وكان جدع في سبيل اللّه ولهذا قال في جوابه خير أذنيّ أصيب أي أفضلهما هو المجدوع في سبيل اللّه. وفي هذا الحديث:
"الغنيمة لمن شهد الوقعة" أي الحرب.
قال عبد اللّه بن مغفّل رضي اللّه عنه: وجدت جرابا فيه شحم يوم خيبر فاحتضنته أي أخذته تحت حضني بكسر الحاء وهو ما دون الإبط إلى الكشح والكشح.
ما بين الخاصرة إلى الضّلع القصيرى.
فالضّلع بكسر الضّاد وفتح اللّام وتسكين اللّام لغة أيضا.
{حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}2 أي أسلحتها جمع وزر بكسر الواو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الأنفال: 67.
2 سورة محمد: 4.

 

ص -177-     وهو الحمل وذلك يكون بانقضاء الحرب وإن لم تكن معهم حمول بفتح الحاء هي ما احتمل عليه الحيّ من بعير أو حمار أو غيرهما كانت عليها الأحمال أو لم تكن.
ولا يعرقب الدّوابّ هو قطع العرقوب وهو عصب العقب وإذا استولوا على أموالهم.
خمسها الإمام أي أخذ خمسها وهو من حدّ دخل وخمس القوم من حدّ ضرب أي صار خامسهم.
قال النّبيّ عليه السلام يوم فتح مكّة:
"أقول لكم ما قال أخي يوسف عليه السلام: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}1" أي لا توبيخ ولا تعداد للذّنوب والتّوبيخ التّعيير وقيل لا تعنيف ولا لوم.
فتحت مكّة عنوة أي قهرا على وجه عناء أهلها من حدّ دخل وهو الخضوع قال اللّه تعالى:
{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ}2 والعاني الأسير من هذا. كان يوم خيبر على كلّ مائة نفر نقيب وكان النّقباء ستّة عشر. النّقيب الرّئيس وجمعه النّقباء والمصدر النّقابة من حدّ دخل.
وإذا نفق فرس الغازي أي هلك وقد نفق نفوقا من حدّ دخل.
والنّفل الغنيمة بفتح الفاء وجمعه الأنفال سمّي نفلا لأنّه زيادة في حلالات هذه الأمّة ولم يكن حلالا للأمم الماضية أو لأنّه زيادة على ما يحصل للغازي من الثّواب الّذي هو الأصل والمقصود.
ونوافل العبادات الزّيادات على الفرائض ونوافل الإنسان زيادات على أولاده.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة يوسف: 92.
2 سورة طـه: 111.

 

ص -178-     ونفّل رسول اللّه عليه السلام: في البدأة الرّبع وفي الرّجعة الثّلث.
والتّنفيل التّنعيم وهو أن يترك الإمام على رجل أو رجال بأعيانهم من الغزاة شيئا من الغنيمة من سلب من قتله ونحو ذلك والبدأة ابتداء سفر الغزو والرّجعة حالة الرّجوع أي كان يقول في الابتداء من أخذ شيئا فله ربعه وكان يقول حالة الرّجوع من أخذ شيئا فله ثلثه.
والتّحريض على القتال هو الحثّ عليه.
والثّغر موضع المخافة من العدوّ.
أغاروا على سرح بالمدينة وفيها النّاقة العضباء السّرح البقر المسروحة أي المرسلة إلى المرعى وقد سرحت هي وسرحتها أنا لازم ومتعدّ قال اللّه تعالى:
{حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ}1 .
والعضباء اسم ناقة النّبيّ عليه السلام، قيل سمّيت بها لأنّها كانت في الابتداء لرجل من اليهود اسمه أعضب.
وقيل العضباء الظّبية المكسورة القرن وكانت تشبّه بها في لونها.
ويقال كبش أعضب مكسور القرن الواحد من حدّ علم.
حرق النّبيّ عليه السلام: البويرة هي اسم موضع وفي ذلك يقول قائلهم:

أغار على سراة بني لؤيّ                          حريق بالبويرة مستطير

السّراة السّادة ولؤيّ بالهمز اسم رجل والمستطير المنتشر.
والنّطاة على وزن القطاة اسم خيبر.
وقوله تعالى:
{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ}2 هي كلّ نخلة دون نخلة العجوة وهي ضرب من أجود التّمر ودونها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورةالنحل: 6.
2 سورةالحشر: 5.

 

ص -179-     ضروب يجوز أن يقع على كلّها اسم اللّينة وجمعها اللّون بالضّمّ.
وقول النّبيّ عليه السلام لابنته زينب رضي اللّه عنها:
"أجرنا من أجرت وأمّنّا من أمّنت" وصرفه أجار يجير إجارة قال اللّه تعالى: {وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ}1 والاسم الجوار بالكسر وبالضّمّ لغة والكسر أفصح واللّه جار المستجيرين من هذا.
الحرب خدعة بضمّ الخاء وتسكين الدّال هو المشهور وقال ثعلب فيه ثلاث لغات خدعة بضمّ الخاء وتسكين الدّال وخدعة بفتح الخاء وتسكين الدّال وخدعة بضمّ الخاء وفتح الدّال.
الملطيّة والمصّيصة ولايتان.
إذا كانت لهم منعة بفتح الميم والنّون هي الصّحيحة لا بتسكين النّون هي ما يمتنع به عن قصد الأعداء.
نكى في العدوّ ينكي نكاية من حدّ ضرب أي أضرّ بهم.
{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ}2 قيل عن نقد لا نسيئة وقيل عن يد من عليه لا بيد رسوله من ولد أو خادم أو أجير وقيل يأخذها الإمام عن يد الذّمّيّ ويد الذّمّيّ مبسوطة تحت يد العامل فيرفعه العامل لتكون يده العليا. ولا يضعه الذّمّيّ على يد العامل لتكون يده العليا وقيل عن إنعام عليهم منكم بقبول الجزية وجمع هذه اليد الأيادي.
على كلّ حالمة وحائلة من الحلم بضمّ الحاء من حدّ دخل وهو الاحتلام أي على كلّ بالغ دينار أو عشرة دراهم.
أو عدله معافر أي برود والعدل هاهنا بفتح العين والعدل بالفتح مثل الشّيء من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المؤمنون: 88.
2 سورة التوبة: 29.

 

ص -180-     خلاف جنسه وبالكسر مثله من جنسه.
موانيذ الجزية جمع مانيذ وهو معرّب أي بقايا. وإنّ في الإسلام لمتعوّذا بفتح الواو أي ملجأ.
دهقانة نهر الملك امرأة كانت لها ضياع كثيرة على نهر الملك وهو اسم نهر كبير يأخذ من الفرات، ملك من أهل الحرب طلب منّا عقد الذّمّة ففعلنا ثمّ كان يخبر المشركين بعورة المسلمين أي يعلمهم بالمواضع الّتي يسهل عليهم الوصول إليهم من جهتها ويؤوي عيون المشركين أي يضمّ إلى نفسه طلائعهم.
حبس وعوقب على ذلك إذا كان يغتال المسلمين أي يقتلهم خفية.
وقوله عليه السلام:
"الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارّا بدم ولا فارّا بخربة" أي لا يؤمّن ولا يمنع من عاذ به أي التجأ إليه وهو عاص أو عليه قصاص أو قطع سرقة.
الخربة بالضّمّ الاسم من خرب خرابة بالكسر في المصدر من حدّ دخل أي سرق وتأويله عندنا أنّ الحرم لا يسقط ذلك ويقام عليه إذا خرج منه وقال في مجمل اللّغة الخارب سارق البعران خاصّة.
تم : المرتدّ يستتاب أي يدعى إلى التّوبة وهو الرّجوع عن الكفر إلى الإسلام وسين الاستفعال للطّلب والسّؤال.
إذا كانت بلدة من بلاد الإسلام متاخمة لدار الحرب أي مواصلة الحدّ بالحدّ وهي على وزن المفاعلة وطلبة العلم يقولون متأخّمة بالهمزة وتشديد الخاء وهو خطأ فاحش لا وجه له وهذا مأخوذ من التّخوم بفتح التّاء وهي منتهى كلّ قرية وكورة.
والتّخم بفتح التّاء وتسكين الخاء واحد تخوم الأرض بالضّمّ وهي حدودها ويروى حديث النّبيّ عليه السلام:
"ملعون من غيّر تخوم الأرض" بفتح التّاء على

 

ص -181-     الوحدان وبضمّها على الجمع ويفسّر ذلك على تغيير حدود الحرم وعلى إدخال ملك الغير في ملكه.
والمنابذة نبذ العهد وهو الإلقاء من حدّ ضرب. وعن كثير الحضرميّ النّوّاء هو مشدّد ممدود وهو بائع نوى التّمر.
وسوّار المنقريّ مشدّد الواو.
التّقشّف لبس الثّياب المرقّعة الوسخة والقشف شدّة العيش. والبرنس كساء.
ولا تدفّفوا على جريح أي لا تسرعوا إلى قتله والدّفيف السّريع والإجهاز على الجريح كذلك أيضا.
ولا بأس بأن يرموا بالنّبل هي السّهام وهي مؤنّثة سماعا.
ولا بأس بالبيات عليهم وهو الاسم من بيّت العدوّ تبييتا أي أتاهم ليلا وهو بالفارسيّة شنجون.
وإذا شدّ رجل على رجل بسيف ليضربه كان للمشدود عليه أن يدفعه عن نفسه أي حمل عليه من حدّ دخل وشدّ واشتدّ إذا عدا.
وإن شدّ عليه بهراوة هي العصا الضّخمة. والسّبي الأسر والاسترقاق وهو من حدّ ضرب والسّباء بالمدّ في معنى المصدر أيضا ويقع السّبي على المسبيّ أيضا ويستوي فيه الواحد والجمع والسّبيّ بالتّشديد اسم المسبيّ أيضا وجمعه السّبايا.
ولا يبتدئ أباه الكافر بالقتل لقوله تعالى:
{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}1 ويدفن أباه الكافر إذا مات بهذه الآية وهي في حقّ الأبوين الكافرين فإنّه قال: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي}2 وقال بعض مشايخنا رحمهم اللّه في التّعلّق بهذه الآية وليس من الاصطناع أن يترك أبويه جزرا للسّباع بفتح الجيم والزّاي وهو اللّحم الّذي يأكله السّباع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة لقمان: 15.
2 سورة لقمان: 15.

 

ص -182-     قاتل دون مالك أي دافع عن مالك.
وحكم سعد بن معاذ رضي اللّه عنه في بني قريظة بقتل مقاتلتهم جمع مقاتل وسبي ذراريّهم جمع ذرّيّة وهي الولدان وقد يكون للنّسوان فقال النّبيّ عليه السلام:
"لقد حكمت بحكم اللّه تعالى فوق سبعة أرقعة" جمع رقيع وهو اسم السّماء أي فوق أطباق السّموات أي هذا الحكم مكتوب في اللّوح المحفوظ واللّوح موضوع فوق السّموات.
ولا تقتلوا ذرّيّة ولا عسيفا الذّرّيّة فسّرناها والعسيف الأجير وجمعه العسفاء واللّه سبحانه أعلم.