طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية ط دار القلم

ص -198-     كتاب الغصب:
الغصب أخذ الشّيء قهرا من حدّ ضرب.
والغصب الّذي يوجب الضّمان هو إثبات اليد على مال الغير على وجه يفوّت يد المالك لأنّه ضمان جبر فلا بدّ من التّفويت والاغتصاب كذلك.
والمغصوب اسم المال المأخوذ على هذا الوجه.
والمغصوب منه مالكه.
والغصب قد يقع على المغصوب ويجمع غصوبا، فأمّا إذا أريد به المصدر فلم يثنّ ولم يجمع وكذلك سائر المصادر.
وعن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه سئل عن التّمر المعلّق فقال:
"من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متّخذ خبنة وثبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة" قوله أصاب بفيه أي أكله بفمه.
وقوله:
"غير متّخذ خبنة" هو أن يخبأ في سراويله شيئا ممّا يلي البطن.
والثّبنة هو أن يفعل ذلك ممّا يلي الظّهر وقد أخبن وأثبن إذا فعل ذلك قال ذلك في شرح الغريبين.
وقال أيضا فيما يروى: ولا يتّخذ ثبانا وهو وعاء يحمل فيه الشّيء.
وقال في ديوان الأدب: الثّبان الوعاء تحمل فيه الشّيء بين يديك.

 

ص -199-     وقال فيه: الخبنة شيء تحمله في حضنك.
وقال فيه: الحضن ما دون الإبط إلى الكشح.
وأوّل الحمل الإبط ثمّ الضّبن ثمّ الحضن.
والكشح ما بين الخاصرة إلى الضّلع القصرى.
وقوله: غرامة مثليه أي غرامة مثله لكنّ معرفة ذلك بالنّظر في مثليه فسمّاه بمثليه للحاجة إلى النّظر في مثليه ليمكن إيجاب مثله الّذي يماثل كلّ واحد من مثليه والعقوبة أي يعاقب مع الغرامة بالتّعزير.
وروي أنّ رجلا جاء إلى عثمان رضي اللّه عنه وقال: إنّ بني عمّك عدوا على إبلي هو من العدوان فقطعوا ألبانها وقتلوا فصلانها أي أولادها جمع فصيل.
فقال له عثمان رضي اللّه عنه: إذن نعطيك بنصب الياء بإذن إبلا مثل إبلك وفصلانا مثل فصلانك أي بطريق الصّلح.
فقال: إذن تقطع ألبانها وتموت فصلانها حتّى تبلغ واديّ بتشديد الياء لاجتماع ياء آخر الكلمة وياء الإضافة أي بين هذا المكان وبين وادينا مسافة من المفازة الّتي يشقّ عليها قطعها أويتوهّم فيها قطع الألبان وموت الفصلان فغمزه بعض القوم إلى ابن مسعود رضي اللّه عنه أي أشاروا إليه بأعينهم من حدّ ضرب فقال الرّجل: بيني وبينك عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه فقال عثمان: نعم، فقال عبد اللّه: أرى أن يأتي هذا واديه فيعطى ثمّ إبلا مثل إبله وفصلانا مثل فصلانه فرضي بذلك عثمان وأعطى أي استصوب أن يرجع هذا إلى واديه ثمّ يعطى هذا لئلّا يكون خطر الهلاك والنّقصان عليه فتراضيا عليه وكان ذلك صلحا لأنّ العدوان لم يكن من عثمان فكان هذا صلح المتوسّط.
وعن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن أنصاريّا أضافه فقدّم إليه شاة مصليّة فكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يلوكها ولا يسيغها فسأل عن شأنها فقالوا: هذه الشّاة كانت لجار لنا ذبحناها لنرضيه

 

ص -200-     بالثّمن فقال النّبيّ عليه السلام: "أطعموها الأسارى".
المصليّة المشويّة وقد صلاه يصليه صليا من حدّ ضرب وصلي هو النّار يصلاها صليّا بضمّ الصّاد وكسرها على وزن فعول من حدّ علم أي دخلها واحترق بها قال اللّه تعالى:
{وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرا}1 وأصلاه غيره إصلاء أي أدخله فيها وأحرقه بها وصلّاه تصلية كذلك وقد يكون للمبالغة قال اللّه تعالى: {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ}2 وقال في الإصلاء: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ}3 وصلّى عصاه على النّار يصلّيها تصلية أي قوّمها عليها واصطلى بالنّار أي استدفأ والصّلا بالفتح والقصر والصّلاء بالكسر والمدّ اللّهب.
وقوله: يلوكها أي يمضغها والمضغ من حدّ دخل وصنع جميعا وقوله ولا يسيغها هي الرّواية الصّحيحة أي لا يقدر على ابتلاعها عن سهولة وقد ساغ لي الطّعام والشّراب يسوغ سوغا أي سهل مدخله في الحلق وأساغه اللّه تعالى ويقال أساغ فلان طعامه وساغه لغة فيه أيضا وعلى لسان بعض طلبة العلم فجعل يلوكها ولا تسيغه على جعل الفعل للشّاة وهو بعيد وقوله:
"أطعموها الأسارى" جمع أسير وكان الأسراء فقراء فأمر بالتّصدّق عليهم بها لما دخلها من الخبث ولأنّهم كانوا كفّارا فأمر بإطعامها إيّاهم دون فقراء المسلمين.
وإذا غصب حنطة فأصابها ماء فعفنت هو من حدّ علم أي بلي من الماء.
وإذا غصب ساجة هو ضرب من الشّجر.
وإذا غصب تالّة أي فسيلة وهي ما يغرس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النساء: 10.
2 سورة الواقعة: 94.
3 سورة النساء: 115.

 

 

ص -201-     وإذا غصب جلد ميتة فدبغه بقرظ هو الّذي يدبغ به وفارسيّته برغند والدّبغ والدّباغ والدّباغة بمعنى وهو من حدّ دخل وصنع جميعا وقيل من حدّ ضرب لغة أيضا.
وإذا غصب قلبا فهشمه أي سوارا فكسره من حدّ ضرب.