طلبة
الطلبة في الاصطلاحات الفقهية ط دار القلم ص -221-
كتاب الهبة:
الهبة:
التّبرّع بما ينتفع به الموهوب له وقد يكون
بالعين وقد يكون بالدّين وقد يكون بغير المال
يقال وهب له عبدا ووهب له ما عليه من الدّين
ووهب له جرمه وتقصيره ووهب اللّه له ولدا
صالحا قال اللّه تعالى:
{يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ
لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}1 والموهبة نقرة يستنقع فيها الماء وأوهب لي كذا أي ارتفع وأصبح
فلان موهبا لكذا أي معدّا له قادرا عليه وأوهب
له الشّيء أي أمكن وتيسّر ويقال دام وقال
الشّاعر يصف رجلا منعّما:
عظيم القفا ضخم الخواصر أوهبت
له عجوة مسمونة وخمير
أوهبت أي أمكنت أي دامت
له عجوة والعجوة أجود التّمر مسمونة مخلوطة
بسمن والخمير الخبز. والاتّهاب قبول الهبة
يقال وهبت له كذا فاتّهبه.
وقال عليه السلام: "الهديّة
تذهب وحر الصّدر" أي حقده
والصّرف من حدّ علم والوغر كذلك وأصله من
الوحرة الّتي هي دويبّة حمراء تلزق بالأرض
وفارسيّتها زغار كرم شبّه الحقد المتمكّن في
الصّدر بها.
وروي عن عائشة رضي اللّه عنها أنّها قالت
نحلني أبو بكر رضي اللّه عنه جداد عشرين وسقا
من ماله بالعالية فلمّا حضره الموت حمد اللّه
وأثنى عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الشورى: 49.
ص -222-
وقال:
يا بنتاه إنّ أحبّ النّاس إليّ غنى أنت
وأعزّهم عليّ فقرا أنت وإنّي كنت نحلتك جداد
عشرين وسقا من مالي بالعالية وإنّك لم تكوني
قبضته ولا حزته وإنّما هو مال الوارث وإنّما
هما أخواك وأختاك.
قالت رضي اللّه عنها: قلت إنّما هي أمّ عبد
اللّه تعني أسماء فقال إنّه ألقي في نفسي أنّ
ذا بطن بنت خارجة جارية.
قولها: نحلني أي أعطاني وأرادت به التّسمية
بدون التّسليم فقد قال فيه لم تكوني قبضتيه.
وقوله: جداد عشرين وسقا أي قدر ما يجدّ من
النّخل.
والجداد بفتح الجيم وكسرها من حدّ دخل هو صرام
النّخل أي قطع ثمرها.
والوسق وقر بعير وهو ستّون صاعا وقولها من
ماله بالعالية أي من نخله الّتي هي بهذا
المكان.
والعالية ما فوق نجد إلى أرض تهامة وهي من أرض
العرب.
وقول أبي بكر رضي اللّه عنه: إنّ أحبّ النّاس
إليّ غنى أنت أي أنت الّتي غناك أحبّ إليّ من
غنى غيرك وأعزّهم عليّ فقرا أنت أي يشقّ
ويشتدّ عليّ فقرك أكثر ممّا يشقّ ويشتدّ عليّ
فقر غيرك من قولهم عزّ عليّ الشّيء أي اشتدّ.
وقوله: إنّك لم تكوني قبضته ولا حزته هي
الرّواية الصّحيحة وهي بدون الياء بعد تاء
الخطاب وعلى ألسن المتفقّهة لم تكوني قبضتيه
ولا حزتيه بزيادة ياء إشباعا لكسرة تاء خطاب
المرأة وليست بفصيحة وإن استعملها بعضهم في
الشّعر:
واللّه لو كرهت كفّي مصاحبتي
لقلت للكفّ بيني إذ كرهتيني
ص -223-
والحيازة: الجمع من حدّ دخل.
وقوله: إنّما هو مال الوارث أي الورثة فقد
سمّى بعد ذلك جماعة وإنّما فعل ذلك لأنّه جنس
يصلح للجمع. وقوله إنّما هما أخواك يعني عبد
الرّحمن ومحمّدا رحمهما اللّه فقد عاشا بعد
أبي بكر وكان له ابن آخر اسمه عبد اللّه لكنّه
استشهد بسهم رمي به يوم الطّائف ومات بالمدينة
في حياة أبي بكر رضي اللّه عنه بعد وفاة
النّبيّ عليه الصّلاة والسلام.
وقوله: وأختاك إحداهما أسماء بنت أبي بكر رضي
اللّه عنهما.
وقول عائشة: إنّما هي أمّ عبد اللّه أي عبد
اللّه بن الزّبير بن العوّام فقد كانت أسماء
امرأة الزّبير وأمّ عبد اللّه بن الزّبير
والأخت الثّانية هي الّتي سألت عنها عائشة
وأخبرها أنّها الّتي في بطن امرأة أبي بكر وهي
بنت خارجة بن أبي زهير الأنصاريّ.
قال أبو بكر: ألقي في قلبي أي ألهمت وكان كما
ألهم فقد كانت بنت خارجة حاملا فولدت بعد أبي
بكر بنتا فسمّيت أمّ كلثوم.
وقوله: في نفسي أي في قلبي.
وقوله: إنّ ذا بطن بنت خارجة جارية أي صاحب
بطن هذه المرأة بنت أي الولد الّذي في بطنها
وذا في هذا الحديث بمنزلة قولك رأيت رجلا ذا
مال أي صاحب مال والجارية أراد بها الأنثى
والبنت.
وقوله عليه السلام:
"لا حبس
عن فرائض اللّه"
فسّرناه في
كتاب الوقف.
وقالوا: أراد بها السّائبة لا الوقف.
ص -224-
والسّائبة هي المال الّذي يسيّبه أي يهمله من
غير أن يجعله ملكا لأحد أو وقفا على شيء من
وجوه الخير والسّائبة المذكورة في القرآن في
قوله تعالى:
{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ}1 هي النّاقة الّتي تسيّب فلا تمنع من مرعى بسبب نذر علّق بشفاء
مريض أو قدوم غائب.
وعن عمر رضي اللّه عنه أنّه قال: من وهب لذي
رحم محرم فليس له أن يرجع فيها ومن وهب لغير
ذي رحم محرم فله أن يرجع فيها ما لم يثب منها.
ذو الرّحم صاحب القرابة والمحرم هو الّذي تحرم
مناكحته كالعمّ والخال والأخ والأخت وولد الأخ
وولد الأخت فأمّا بنو الأعمام وبنو الأخوال
ونحوهم فذوو الأرحام وليسوا بمحارم.
وقوله عليه السلام:
"ما لم
يثب منها" أي ما لم يعوّض منها من الإثابة وهي إعطاء الثّواب أي الجزاء يقال
أثيب يثاب على ما لم يسمّ فاعله وجزم آخره بلم
فسقطت الألف لاجتماع السّاكنين.
وقوله عليه السلام:
"تهادوا
تحابّوا" الدّال في الأوّل مفتوحة كما في قوله:
{وَتَنَاجَوْا}2
والباء في الثّاني مضمومة كما في قوله: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ}3 والتّهادي إهداء بعض إلى بعض والتّحابّ محبّة بعضهم بعضا.
وقوله عليه السلام:
"من أزلّت
إليه نعمة فليشكرها" أي أسديت
والإزلال والإسداء والإنعام واحد.
أفرز نصيبه منه أي عزله ومازه وكذلك الفرز من
حدّ ضرب.
ولو وهب لإنسان سمنا في لبن أو زبدا في لبن
قبل أن يمخض وقبل أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المائدة: 103.
2 سورة المجادلة: من الآية 9.
3 سورة غافر: 47.
ص -225-
يسلأ
لم يجز مخض اللّبن تحريكه في الممخضة لاستخراج
الزّبد من حدّ ضرب وصنع ودخل جميعا وسلأت
السّمن بالهمزة أي عملته من حدّ صنع.
وعن النّبيّ عليه السلام: أنّه أجاز العمرى
وأبطل شرط المعمر هو أن يقول هذه الدّار لك
عمرك أي مدّة حياتك فإذا متّ أنت فهي لي أو
يقول هذه الدّار لك عمري فإذا متّ أنا أخذها
ورثتي منك وهي تمليك للحال فصحّ واشتراط
الاسترداد بعد زمان فبطل الشّرط لأنّه يخالف
مقتضى الشّرع.
وروي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أجاز
العمرى وأبطل الرّقبى هو أن يقول صاحب الدّار
أو نحوها هذه الدّار لأيّنا بقي بعد صاحبه
يعني إن متّ أنا فهي لك وإن متّ أنت فهي لي
فهذا ليس بتمليك مطلق للحال فلذلك بطل وهذا
الفعل يسمّى إرقابا وهو مأخوذ من قولك رقبت
الشّيء رقوبا من حدّ دخل أي أرصدته وأرقبته
ارتقابا أي انتظرته وترقّبته ترقّبا كذلك سمّي
به لأنّ كلّ واحد منهما ينتظر موت صاحبه.
وقال النّبيّ عليه السلام:
"العاريّة مؤدّاة والمنحة مردودة العاريّة"
ما يعطى ليستوفي منافعه ثمّ يردّ والمنحة ما
يعطى ليتناول ما يتولّد منه كالثّمر واللّبن
ونحو ذلك ثمّ يردّ الأصل.
وقول النّبيّ عليه السلام:
"من منح منحة ورق كان له كعدل رقبة"
فقد قيل أراد به القرض هاهنا.
والمنيحة بالياء كالمنحة وقد تكون المنحة
تمليكا يقال منحه منحة ومنحا أي أعطاه. |