ص -319-
كتاب الأشربة:
الأشربة: جمع الشّراب
وهو ما يتأتّى فيه الشّرب
بالضّمّ: وهو ابتلاع ما كان مائعا
أي ذائبا ويراد به المسائل وقد
شرب يشرب شربا من حدّ علم فأمّا
شرب يشرب شربا من حدّ دخل فمعناه
فهم يقال في الكلام اسمع ثمّ اشرب
أي افهم.
وذكر في هذا الكتاب الأشربة
المحرّمة. ومنها الخمر وهي النّيء
من ماء العنب مهموز الآخر وقبله
ياء معتلّة وفارسيّته خامّ وفي
اشتقاق الخمر كلام قيل سمّيت بها
لأنّها تخمّر العقل بالتّشديد أي
تغطّيه ومنه اختمار المرأة
بخمارها أي تغطّيها به وقيل لأنّ
شاربها يخمر النّاس من حدّ ضرب أي
يستحيي منهم وقال الخليل بن أحمد
سمّيت بها لاختمارها وهو إدراكها
وغليانها وقال ابن الأعرابيّ
سمّيت بها لأنّها تركت فاختمرت
واختمارها تغيّر ريحها وخمرة
الطّيب بضمّ الخاء وتسكين الميم
وخمرته بفتح الخاء والميم ريحه
وقيل هو من قولك خمر عليه الخبر
أي خفي من حدّ علم سمّيت بها لأنّ
من سكر منها خفي عليه كلّ شيء
وقيل هو من قولك خمر الشّهادة أي
كتمها من حدّ دخل سمّيت بها
لأنّها تكتم المحاسن وقيل هو من
الخمرة بضمّ الخاء وهي الّتي تجعل
في العجين ويسمّيها النّاس الخمير
وهي مادّته وأصله سمّيت بها
لأنّها أمّ الخبائث أي أصلها كما
ورد به الحديث وقيل هي من قولهم
فلان يدبّ في الخمر بفتح الخاء
والميم إذا كان يستخفي وهو ما
واراك من جرف وشجر ونحو ذلك وهو
كناية عن الاغتيال والخمر تغتال
العقل وهو الإهلاك على خفاء وقيل
هي من قولهم خامر الرّجل المكان
أي لازمه فلم يبرحه سمّيت بها
لأنّ أكثر من شرع في شربها لازمها
وقيل هي من قولهم داء مخامر أي
مخالط سمّيت بها لأنّ
ص -320-
من أدمنها خالطه الأدواء والأسواء فهذه عشرة أقاويل.
وقول اللّه تعالى:
{إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ
وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ}1
الآية الميسر ضرب من القمار
والأنصاب جمع نصب بفتح النّون
وتسكين الصّاد وهو ما نصب فعبد من
دون اللّه والنّصب بضمّ النّون
والصّاد كذلك والأزلام جمع زلم
بفتح الزّاي واللّام وهي السّهام
الّتي كانوا في الجاهليّة
يستقسمون بها والرّجس النّتن وهو
أيضا كلّ شيء يستقذر والنّجس
بالكسر كذلك وهو اتّباع الرّجس
على نظمه فإذا أفردوه قالوا نجس
بفتح النّون والجيم إذا أريد به
الاسم.
فإذا أريد به النّعت فهو نجس بفتح
النّون وكسر الجيم من حدّ علم.
{إِنَّمَا
يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ
يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ
وَالْبَغْضَاءَ}2 فالعداوة مصدر العدوّ وهو الّذي يعدو أي يظلم فعلا والبغضاء هي
شدّة البغض وهي في القلب.
وقوله:
{وَيَصُدَّكُمْ}3 أي يصرفكم والمصدر الصّدّ وصدّ أي أعرض والمصدر الصّدود.
وإذا قذف بالزّبد وسكن نشيشه أي
غليانه من حدّ ضرب.
والباذق المطبوخ أدنى طبخة من ماء
العنب وهو معرّب وأصله باذّه.
والمنصّف الّذي طبخ حتّى ذهب نصفه
وبقي نصفه.
والمثلّث الّذي طبخ حتّى ذهب
ثلثاه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المائدة: 90.
2 سورة المائدة: 91.
3 سورة المائدة: 91.
ص -321-
وقول النّبيّ عليه السلام:
"ما أسكر الفرق منه فملء الكفّ منه حرام" الفرق بفتح الفاء والرّاء مكيال يسع فيه ستّة عشر رطلا.
وفي حديث تبوك: مرّ بقوم يزفنون
الزّفن الرّقص من حدّ ضرب.
وفي آخر الحديث: شكوا إليه
التّخمة هي بضمّ التّاء وفتح
الخاء وهي من الوخامة وأصله
الوخمة بنيت بالتّاء على الاتّخام
مثل قولك قعد تجاهه وهو من الوجه
لأنّ أصله وجاه وفارسيّتها
ناكوارد.
والبختج المطبوخ من ماء العنب
الّتي يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثمّ
يصبّ عليه من الماء مقدار ما ذهب
منه ثمّ يطبخ أدنى طبخة حتّى لا
يفسد ثمّ يترك حتّى يشتدّ ويقذف
بالزّبد وهو معرّب وأصله بخته.
ويسمّى الجمهوريّ منسوبا إلى
جمهور النّاس وهو جلّهم كأنّه
شراب يتّخذه جلّ النّاس.
ويسمّى الحميديّ ولعلّه منسوب إلى
حميد رجل من النّاس استخرجه
واتّخذه.
والسّكر بفتح السّين والكاف
المذكور في كتاب اللّه تعالى:
{تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً}1 هو النّيء من ماء التّمر ويقول في ديوان الأدب هو خمر التّمر
والسّكر في غير هذا السّكر بضمّ
السّين وهما مصدرا السّكران من
حدّ علم.
والفضيخ بالخاء المعجمة من فوقها
شراب يتّخذ من البسر المفضوخ أي
المدقوق وهو أن يشدخ البسر ويجعل
في حبّ ويصبّ عليه الماء الحارّ
حتّى ينتقل حلاوتها إلى الماء ثمّ
يترك حتّى يشتدّ ويصير مسكرا.
البتع بكسر الباء وفتح التّاء
نبيذ العسل.
والمزر بكسر الميم نبيذ الذّرة
يقال له بالفارسيّة أخسمه
والسكركة كذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النحل: 67.
ص -322-
والجعة نبيذ الحنطة والشّعير يقال له بالفارسيّة بكنى وهو بكسر
الجيم وتخفيف العين.
الطّلاء بكسر الطّاء والمدّ هو
المثلّث وقيل الخمر والنّبيذ ما
ينبذ فيه أي يلقى تمر أو نحوه
ويترك حتّى يستخرج حلاوته وهو من
حدّ ضرب.
وروى محمّد رحمه اللّه عن ابن
زياد قال سقاني ابن عمر رضي اللّه
عنهما شربة ما كنت أهتدي إلى أهلي
فغدوت إليه فأخبرته بذلك فقال ما
زدناك على عجوة وزبيب أراد أنّه
سكر به واختلط عليه عقله فما
اهتدى إلى أهله فأخبره ابن عمر
رضي اللّه عنه أنّه كان نبيذ تمر
وزبيب والعجوة ضرب من أجود التّمر
فدلّ أنّه مباح وإن كان مسكرا.
وعن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنّه
سأل عن السّكر فقال هو الخمر ليس
لها كنية وقد ذكرنا أنّ السّكر هو
النّيء من ماء التّمر وهو حرام.
وقوله: الخمر ليس لها كنية أي
حكمه حكمها في الحرمة ولا يتغيّر
الحكم بتغيّر الاسم.
وسئل عن الفضيخ فقال: ذلك الفضوح
قد فسّرنا الفضيخ أنّه شراب يتّخذ
من البسر المدقوق، وقوله ذلك
الفضوح هذا بحاء معلّمة بعلامة
تحتها وهو مبالغة الفاضح أي يسكره
فيفضحه ويهتك ستره ويزيل عدالته
وهذا فيما لم يطبخ منه.
وسئل عن نبيذ الزّبيب يعتّق شهرا
فقال الخمر أحييتها.
تعتيق الخمر تركها لتصير عتيقة أي
قديمة شديدة وقوله الخمر أحييتها
أي أظهرت صفة الخمريّة من الشّدّة
والإسكار وهذا فيما لم يطبخ منه
أيضا.
وعن النّبيّ عليه السلام أنّه قال
لمعاذ بن جبل رضي اللّه عنه لمّا
وجّهه إلى اليمن فقال له:
"انههم
عن غبيراء السّكر" الغبيراء
نبيذ الذّرة، قال ذلك في مجمل
اللّغة وكذلك في شرح الغريبين وفي
الحديث:
"إيّاكم والغبيراء فإنّها خمر العالم".
ص -323-
وقوله: وصف لي السّكر أي ذكر لي أنّ خمر التّمر تنفع منه فقال لا
شفاء في الحرام.
وقوله عليه السلام:
"كنت نهيتكم عن زيارة القبور
فزوروها ولا تقولوا هجرا" أي فحشا يقال أهجر أي أفحش وهجر من حدّ دخل أي هذى وردّد الكلام.
وكنت نهيتكم عن النّبيذ في
الدّبّاء والحنتم والمزفّت
الدّبّاء القرعة وكان ينبذ فيها
فيشتدّ والحنتم جرار خضر كانت
تحمل إلى المدينة فيها الخمر
والمزفّت هو الإناء المطليّ جوفه
بالزّفت بكسر الزّاي أي القير
وكان ينبذ فيه فيشتدّ.
ونهى عن النّقير أيضا وهو أصل
النّخلة ينقر جوفها ويشدخ فيها
الرّطب والبسر ويترك حتّى يشتدّ
ويغلي والنّقر عمل النّقّار
بالمنقار من حدّ دخل وفارسيّته
ملطية وبركندن وقال في ديوان
الأدب النّقير أصل خشبة تنقر
وكانوا ينبذون في هذه الأوعية
فيشتدّ وقيل كانوا يحملون فيها
الخمور ويقولون هي أنبذة وكانت
تخفى على النّاظرين فنهاهم عن
الشّرب في هذه الأوعية لئلّا
يلبسوا ويجعلوها في أوان تظهر فلا
يمكنهم شرب الخمور بتأويل الأنبذة
فلمّا امتنعوا عن شرب الخمور أطلق
لهم جعلهم الأنبذة فيها إعلاما
أنّ الأنبذة غير محرّمة.
وقول عمر رضي اللّه عنه في ذلك
الحديث: إذا رابكم شرابكم أي
شكّكم أي أوقع الشّكّ في قلوبكم
أنّه يسكر أو لا يسكر فاكسروه
بالماء أي صبّوا فيه الماء لتقلّ
قوّته وشدّته.
ونقيع الزّبيب شراب يتّخذ من نقع
الزّبيب في الماء فتخرج حلاوته
إليه والإنقاع فرغار كردن والنّقع
فرغار شدّن وسيربّ شدّن من حدّ
صنع.
ولو مجّ الخمر من فيه أي رماها من
حدّ دخل وقيل صبّها.
والتّمر المطبوخ يمرس فيه العنب
أي يثرث من حدّ دخل وفارسيّته
ماليدن
ص -324-
إنّه الشّراب من الذّرة وهي تصغير الغبراء وهي تأنيث الأغبر وهو
الّذي لونه لون الغبار فيحتمل أن
يكون غبيراء السّكر هو شراب يتّخذ
من النّيء من ماء التّمر على هذا
اللّون فالغبيراء على الإطلاق
بغير إضافة إلى السّكر هو نبيذ
الذّرة.
وقول النّبيّ عليه السلام:
"من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من
المعتدين" أي بلغ مقدار الحدّ ما ليس فيه وجوب الحدّ بل فيه التّعزير فهو
من المجاوزين حدّ الشّرع.
وعن أمّ خداش أنّها قالت رأيت
عليّا رضي اللّه عنه يخرج خبزا من
سلّة ويصطبغ في خلّ خمر فيأكله
السّلّة وعاء يتّخذ من الخوص
منسوجا والاصطباغ الائتدام
والصّبغ بكسر الصّاد الإدام
والصّباغ بزيادة الألف كذلك. وقال
عمر رضي اللّه عنه في ذلك الشّراب
الشّديد ما أشبه هذا بطلاء الإبل
بكسر الطّاء والمدّ وهو القطران
الّذي يطلى به الإبل الجربى.
وقال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما
كلّ نبيذ يفسد عند إبّانه بكسر
الألف وتشديد الباء على وزن فعّال
أي وقته.
وعن عائشة رضي اللّه عنها أنّها
قالت: كنت أنبذ لرسول اللّه صلّى
اللّه عليه وسلّم فلم يستمره
فأمرني فألقيت فيه زبيبا أنبذ أي
أتّخذ نبيذا فلم يستمرّه أصله فلم
يستمرئه بالهمزة فليّنت ثمّ حذفت
الياء للجزم بلم أي لم يعدّه
مريئا أي سائغا وقد مرء الطّعام
أي صار مريئا من حدّ شرف وأمرأني
الطّعام من باب الإفعال أي ساغ
لي.
وعن ابن مسعود رضي اللّه عنه أنّ
إنسانا أتاه وفي بطنه صفر فقال:
وصف لي السّكر فقال: إنّ اللّه
تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرّم
عليكم.
الصّفر اجتماع الماء في البطن وقد
صفر من حدّ علم فهو صفر وصفر على
ما لم يسمّ فاعله فهو مصفور.
ص -325-
ودرآب فرغار كردن.
والشّراب البحت الصّرف.
وقال ابن مسعود رضي اللّه عنه:
إنّ أولادكم ولدوا على الفطرة أي
حكم بإسلامهم تبعا لكم فلا تغذوهم
بالخمر أي لا تربّوهم وهو من حدّ
دخل والمصدر من الأوّل الغذاء ومن
الثّاني التّربية. ولو داوى دبر
دابّته بالخمر يقال دبر ظهر
الدّابّة من حدّ علم إذا ثرح.
ولو جعل في الخمر السّمك والملح
وجعل ذلك مرّيّا بتشديد الرّاء
والياء وضمّ الميم منسوب إلى
المرّيّ بياء النّسبة وفارسيّته
آب كامه.
وراوية الخمر مزادتها.
وإنفحة الميتة بكسر الألف وفتح
الفاء وتخفيف الحاء وفارسيّتها
بنيرمايه هي في ديوان الأدب
مخفّفة ويقال هي في كتاب اختيار
فصيح الكلام بتشديد الحاء وهي
اللّبن الأصفر الّذي يظهر بعد
ولادة العنز يتّخذ منه الجبن يصبّ
اللّبن عليه والجبن يخفّف ويشدّد.
وفي حديث حدّ الشّارب:
"احثوا على وجهه التّراب"
أي ارموا وهو بالواو والياء جميعا
يقال حثا يحثو حثوا وحثى يحثي
حثيا من حدّ دخل وطرب جميعا.
ثمّ قال: بكّتوه فبكّتوه هو
الاستقبال بما يكره.
ضرب بجريدتين الجريدة غصن النّخل.
الدّورق مكيال الشّراب وهراق
الخمر يهريقها بفتح الهاء هراقة
فهو مهريق ومهراق بفتح الهاء
فيهما أي صبّها وأهراقها يهريقها
إهراقا فهو مهريق ومهراق بتسكين
الهاء في الماضي والمستقبل
والفاعل والمفعول. |