ص -313-
كتاب الشّرب:
الشّرب: بكسر الشّين الحظّ من
الماء وبضمّها فعل الشّارب وهو
المصدر من حدّ علم وبفتحها المصدر
أيضا ويكون جمع شارب أيضا
كالصّاحب والصّحب والرّاكب
والرّكب.
والشّاربة المذكورة في هذه
المسائل هم أصحاب الشّرب وهو في
الحقيقة جمع شارب بهاء التّأنيث
كما يقال رفقة شاربة.
روي عن النّبيّ عليه السلام أنّه
قال:
"من حفر بئرا فله ما حولها أربعين ذراعا عطنا لماشيته" أي مبركا لها حول الماء يقال عطنت عطونا من حدّ ضرب أي بركت
حوالي الماء والعطن بالفارسيّة
مغل كاه والماشية الإبل والبقر
والغنم والخيل وجمعها المواشي.
وقال النّبيّ عليه السلام:
"حريم العين خمسمائة ذراع وحريم
بئر العطن أربعون ذراعا وحريم بئر
النّاضح ستّون ذراعا".
الحريم الحمى والعطن فسّرناه
والنّاضح البعير الّذي يستقى
عليه.
وقال النّبيّ عليه السلام:
"إذا بلغ الوادي إلى الكعبين فليس
لأهل الأعلى أن يحبسوا عن أهل
الأسفل" أي: كعبي الرّجلين، أي إذا كان في الوادي والنّهر من الماء ما
يصل إلى كعبي الإنسان، فالظّاهر
أنّه يصل إلى أهل الأسفل من
شاربته فليس لصاحب الأعلى أن
يسدّوه لأنفسهم ويمنعوه عن
شركائهم فإذا قلّ ولم يصل إلى أهل
الأسفل فلهم أن يسدّوه وينتفعوا
به.
ص -314-
وقال ابن مسعود رضي اللّه عنه: أهل أسفل النّهر أمراء على أهل
الأعلى حتّى يرووا أي ليس لأهل
الأعلى منع الماء عن أهل الأسفل
إلى أن يستوفوا شربهم فيرووا.
وهو كقول النّبيّ عليه السلام:
"صاحب الدّابّة القطوف أمير على
الرّكب" والقطوف البطيء والرّكب أصحاب الإبل في السّفر.
وقال عليه السلام:
"المسلمون شركاء في الثّلاث في
الماء والكلإ والنّار" الكلأ العشب أي لهم الشّرب والاستقاء من الأنهار والآبار والحياض
المملوكة والاحتشاش من الأراضي
المملوكة والاستصباح والاصطلاء
بنار في ملك غيره موجودة.
وعن النّبيّ عليه السلام: أنّه
نهى عن بيع نقع الماء النّقع محبس
الماء وجمعه أنقع ومنه المثل إنّه
لشرّاب بأنقع وقيل هو الماء
المجتمع في موضع يقال استنقع
الماء في موضع كذا أي اجتمع وثبت
وقيل هو الماء الّذي ينقع به أي
يروى يقال نقع أي روى من حدّ صنع.
وعن الهيثم أنّ قوما وردوا ماء
فسألوا أهله أن يدلّوهم على البئر
فأبوا ولم يفعلوا وسألوهم أن
يعطوهم دلوا فأبوا أن يعطوهم
فقالوا لهم: إنّ أعناقنا وأعناق
مطايانا كادت تقطّع.
المطايا جمع مطيّة وهي الرّاحلة
وتقطّع بفتح التّاء وتشديد الطّاء
وأصله تتقطّع سقطت إحدى التّاءين
تخفيفا كما في قوله تعالى:
{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ}1 قال: فأبوا أن يعطوهم فذكروا ذلك لعمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه
فقال: هلّا وضعتم فيهم السّلاح؟
أي هلّا قاتلتموهم بالسّلاح فإذا
كان الماء للعامّة فمن منعهم
حقّهم فلهم أن يقاتلوه بالسّلاح
والدّلو إذا كان للعامّة فكذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الملك: 8.
ص -315-
ولو كان ملكا للمانع فللممنوع أن يقاتله بغير سلاح إذا كان يخاف
على نفسه الهلاك.
وقوله عليه السلام:
"ليس لعرق ظالم حقّ" ما
فسّرناه في كتاب المزارعة.
وقوله عليه السلام:
"من أحيا أرضا ميّتة فهي له وليس
للمتحجّر بعد ثلاث سنين حقّ" هو الّذي يأذن له الإمام بإحياء أرض ميّتة أي إصلاح أرض لا تصلح
للاستغلال فيجعل حول هذه الأرض
أحجارا يعلم بها أنّه قد استولى
عليها ليعمرها أو يخطّ حولها
خطوطا يحجر بها من أراد الاستيلاء
عليها والاشتغال بعمارتها ويغيب
مدّة أو يشتغل بعمل آخر فينبغي أن
لا يتعرّض لهذه الأرض وتترك له
فإذا مضت ثلاث سنين استدلّ بذلك
على أنّه قد تركها وهو لا يريد
عمارتها فلغيره أن يأخذها ولم يكن
هو أحقّ بها.
وقال عليه السلام:
"إنّ
عاديّ الأرض للّه ولرسوله فمن
أحيا أرضا ميّتة فهي له" أي القديم من الأرض الموات الّتي لا مالك لها وهو منسوب إلى عاد
وهم كانوا في قديم الزّمان.
وعن النّبيّ عليه السلام: أنّه
قضى في الشّراج من ماء المطر إذا
بلغ الكعبين لا يحبسه الأعلى عن
جاره.
الشّراج السّواقي وهي الأنهار
الصّغار جمع شرج بفتح الشّين
وتسكين الرّاء وقال في ديوان
الأدب هو مسيل الماء في الحرّة
والحرّة بالفارسيّة سنكستان.
وقال عليه السلام:
"لا
تمنعوا الماء مخافة الكلإ". أي
لا تمنعوا الماء أن يدخل أراضيكم
مخافة أن ينبت العشب فيثبت للنّاس
فيه حقّ لأنّه شحّ وهو مذموم.
وقال عليه السلام:
"لا
تمنعوا عباد اللّه ماء ولا كلأ
ولا نارا فإنّه متاع للمقوين
وقوّة للمستمتعين".
المقوون هم المسافرون يقال أقوى
أي نزل بالقيّ بكسر القاف وهي
الأرض
ص -316-
الخالية وأقوى أي فني زاده وهما جميعا من صفات المسافرين والمتاع
ما يستمتع به.
القناة كاريز وجمعها قنوات وقنيّ
بضمّ القاف وكسر النّون وتشديد
الياء وهو على وزن فعول كالحليّ.
ومرافق الأرض جمع مرفق بفتح الميم
وكسر الفاء وبكسر الميم وفتح
القاف لغتان وهو ما يرتفق به أي
ينتفع به.
وسكر النّهر حبسه من حدّ دخل بفتح
السّين والسّكر بكسر السّين ما
يسكر به الماء وفارسيّته ورغّ
بستنّ والسّكر بالكسر ورغّ.
وبثق السّكر من حدّ دخل شقّه
وانبثاقه انشقاقه وفارسيّته ورغّ
ربودن.
وحافة النّهر جانبه.
وأهل الشّفة هم الّذين لهم حقّ
الشّرب بشفاههم وسقي دوابّهم
والاستقاء بالأواني دون سقي
الأراضي والشّفة واحدة الشّفاه
وأصله شفهة سقطت الهاء تخفيفا
وتصغيرها شفيهة على الأصل.
والبركة الحوض وجمعها البرك.
وإذا كان لقوم كوى بكسر الكاف جمع
كوّة بفتح الكاف وهي مفتح يدخله
الماء.
وفوّهة النّهر بضمّ الفاء وبتشديد
الواو رأسه وفمه.
نزّت أرضه أي صارت ذات نزّ من حدّ
ضرب والنّزّ ما تحلّب من الأرض من
الماء وفارسيّته زهاب.
والفرات يجزر عن الأرض العظيمة
فيصلها الرّجل بأرضه فيتملّكها
يجزر أي ينضب عنه الماء فيظهر وجه
الأرض من حدّ دخل وهو نقيض المدّ
فالمدّ ارتفاع الماء حتّى يغمر
السّواحل والجزر نقصانه وظهور ما
تحته.
والموات الأرض الميّتة أي الخربة
الّتي لم تعمر قطّ.
ص -317-
ولو أراد أن يقنطر فم النّهر أي يجعل عليه قنطرة.
ولو أصفى أمير خراسان شرب رجل
وأرضه وأقطعه رجلا قوله أصفى شرب
رجل أي أخلصه لنفسه وهو كناية عن
الغصب لكنّه أظرف في العبارة حيث
لم يطلق لفظة الغصب على فعل
الأمراء وله نظائر ذكرناها في آخر
كتاب الصّلاة وإنّما وضع المسألة
في أمير خراسان لأنّ أميرهم كان
أمير العراق فتحامى عن وضع
المسألة في أمير ولايتهم لئلّا
يلحقه إنكار منهم.
والإقطاع من السّلطان رجلا أرضا
هو إعطاؤه إيّاها وتخصيصه بها.
وإذا سقى أرضه ومحزها أي سيّل
فيها ماء كثيرا لتطيب من حدّ صنع.
وإذا أحرق الحصائد جمع حصيدة وهي
بقايا قوائم الزّرع بعدما حصدت
أعاليها والحصد جزّ الزّرع من حدّ
دخل.
ولو أنّ طائفة من البطيحة قد غلب
عليها الماء بعدما حصدت أعاليها
فضرب المسنّيات وقطع القصب
واستخرج الماء ملك ذلك قال في
مجمل اللّغة البطيحة والأبطح
والبطحاء كلّ مكان متّسع وقال في
ديوان الأدب الأبطح مسيل واسع فيه
دقاق الحصى وكذلك قال في البطحاء
ولم يذكر البطيحة فيه.
قال الشّيخ المؤلّف: قلت وبين
الكوفة والحلّة من الفرات مكان
يسمّى البطيحة قطعناها بالسّفينة
وفيها قصب كثير ملتفّ ولا أرى
محمّدا رحمه اللّه إلّا وقد عناها
بعينها فيما ذكره هاهنا فإنّ هذه
الصّفات المجموعة في هذه المسألة
لا تعدوها.
والمقصبة موضع القصباء وهي جمع
القصبة.
وإذا اتّخذ شرعة على الفرات أي
موضع شروع في الماء وفارسيّته
بايكاه.
وإذا كبس البئر أي طمّها من باب
ضرب وفارسيّته بياكند.
وإذا تشاجر القوم في الطّريق أي
اختلفوا وقول اللّه تعالى:
{فِيمَا شَجَرَ
ص -318-
بَيْنَهُمْ}1
أي فيما وقع بينهم من الاختلاف
وهو من حدّ دخل.
قوم لهم عشر بستّات فأصفى الأمير
بستّتين أصلها فارسيّة وهي الكوى
الّتي فسّرناها أو نحوها واللّه
أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النساء: 65. |