المتواري على
أبواب البخاري (6 -] كتاب الْحيض [)
(30 - (1) بَاب من سمى النّفاس حيضا)
فِيهِ أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا: قَالَت بَينا أَنا
مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مُضْطَجِعَة فِي
خميصة إِذْ حِضْت، فانسللت فَأخذت ثِيَاب حيضتي. فَقَالَ:
أنفست؟ فَقلت: نعم! فدعاني فاضطجعت مَعَه فِي الخميلة.
قلت: - رَضِي الله عَنْك - إِن قلت:، مَا فقه
التَّرْجَمَة، وَكَيف تطابق الحَدِيث وَإِنَّمَا فِيهِ
تَسْمِيَة الْحيض نفاساً، لَا تَسْمِيَة النّفاس حيضا؟ .
قلت: أما فقههما، فالتنبيه على أَن حكم الْحيض وَالنّفاس
فِي مُنَافَاة الصَّلَاة، وَنَحْوهَا وَاحِد. وألجأه إِلَى
ذَلِك أَنه لم يجد حَدِيثا على شَرطه فِي حكم النّفاس.
فاستنبط من هَذَا الحَدِيث أَن حكمهمَا وَاحِد.
وَظن الشَّارِح أَنه يلْزم من تَسْمِيَة الْحيض نفاساً،
تَسْمِيَة النّفاس حيضا. وَلَيْسَ كَذَلِك، لجَوَاز أَن
يكون بَينهمَا عُمُوم كالإنسان وَالْحَيَوَان، وَالْعرض
واللون. وَإِنَّمَا أَخذه البُخَارِيّ من غير هَذَا وَهُوَ
أَن الْمُوجب لتسمية الْحيض نفاساً أَنه دم.
(1/79)
وَالنَّفس الدَّم. فَلَمَّا اشْتَركَا فِي
الْمَعْنى الَّذِي لأَجله سمى النّفاس نفاساً. وَجب جَوَاز
تَسْمِيَة الْحيض نفاساً، وَفهم أَنه دم وَاحِد، وَهُوَ
الْحق. فَإِن الْحمل يمْنَع خُرُوج الدَّم الْمُعْتَاد،
فَإِذا وضعت خرج دفْعَة. وَهَذَا ينبي على أَن تَسْمِيَة
النّفاس لم تكن لخُرُوج النَّفس الَّتِي هِيَ النَّسمَة،
وَإِنَّمَا كَانَ لخُرُوج الدَّم. وَالله أعلم.
(31 - (2) بَاب تقضي الْحَائِض الْمَنَاسِك كلهَا إِلَّا
الطّواف بِالْبَيْتِ.)
وَقَالَ إِبْرَاهِيم: لَا بَأْس أَن تقْرَأ الْآيَة.
وَلم ير ابْن عَبَّاس بِالْقِرَاءَةِ للْجنب باساً.
وَكَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يذكر الله كل
أحيانه.
وَقَالَت أم عَطِيَّة: كُنَّا نؤمر أَن نخرج بِالْحيضِ،
فيكبرن بتكبيرهم، و] يدعونَ [وَقَالَ ابْن عَبَّاس:
أَخْبرنِي أَبُو سُفْيَان، أَن هِرقل دَعَا بِكِتَاب
رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فقرأه، فَإِذا
فِيهِ: " بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم "، {يَا أهل
الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا
وَبَيْنكُم} [آل عمرَان: 64] .
(1/80)
وَقَالَ عَطاء عَن جَابر: حَاضَت عَائِشَة
فنسكت الْمَنَاسِك كلهَا، غير الطّواف بِالْبَيْتِ وَلَا
تصلّى.
وَقَالَ الحكم: إِنِّي لأذبح وَأَنا جنب. وَقَالَ
تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله
عَلَيْهِ} [الْأَنْعَام: 121] .
فِيهِ عَائِشَة: إِنَّهَا حَاضَت بسرف فَقَالَ لَهَا
النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : إِن ذَلِك شَيْء
كتبه الله على بَنَات آدم، فافعلي مَا يفعل الْحَاج غير
أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ، حَتَّى تطهري.
] قلت [الْمَقْصُود الَّذِي يَشْمَل جَمِيع مَا ذكره فِي
التَّرْجَمَة، أَن هَذَا الْحَدث الْأَكْبَر، وَمَا فِي
مَعْنَاهُ من الْجَنَابَة، لَا يُنَافِي كل عبَادَة، بل
صحّت مَعَه عبادات بدنية، من أذكار وتلاوة وَغَيرهَا،
فمناسك الْحَج من جملَة مَا لَا يُنَافِيهِ الْحَدث
الْأَكْبَر، إِلَّا الطّواف. فَمن هَاهُنَا طابقت الْآثَار
التَّرْجَمَة.
(1/81)
(32 - (3) بَاب الصَّلَاة على النُّفَسَاء،
وسنتها)
فِيهِ سَمُرَة بن جُنْدُب: إِن امْرَأَة مَاتَت فِي بطن،
فصلى عَلَيْهَا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
فَقَامَ وَسطهَا.
قَالَ سيدنَا الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ -: ظن
الشَّارِح أَن مَقْصُود التَّرْجَمَة، التَّنْبِيه على أَن
النُّفَسَاء طَاهِرَة الْعين، لَا نَجِسَة، لِأَنَّهُ [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] صلىّ عَلَيْهَا وَأوجب لَهَا
بِصَلَاتِهِ حكم الطَّهَارَة، فينقاس الْمُؤمن الطَّاهِر
مُطلقًا عَلَيْهَا فِي أَنه لَا ينجس. وَذَلِكَ كُله
أَجْنَبِي عَن مَقْصُوده وَالله أعلم. وَإِنَّمَا قصد
أَنَّهَا وَإِن ورد أَنَّهَا من الشُّهَدَاء، فَهِيَ
مِمَّن يصلى عَلَيْهَا، كَغَيْر الشُّهَدَاء. أَو أَرَادَ
التَّنْبِيه على أَنَّهَا
(1/82)
لَيست بنجسة الْعين، لَا لِأَنَّهُ [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] صلى عَلَيْهَا، وأنّ هَذَا من خَصَائِصه، بل لِأَن
الصَّلَاة على الْمَيِّت فِي الْجُمْلَة تَزْكِيَة لَهُ،
وَلَو كَانَ جَسَد الْمُؤمن نجسا لَكَانَ حكمه أَن يطْرَح
اطراح الجيفة، وَيبعد وَلَا يوقر بِالْغسْلِ وَالصَّلَاة،
وَغير ذَلِك من الْحرم. وَالله أعلم. |