المتواري على
أبواب البخاري (25 -] كتاب الْجِزْيَة [)
(141 - (1) بَاب الْجِزْيَة وَالْمُوَادَعَة مَعَ أهل
الْحَرْب)
وَقَوله تَعَالَى: {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ
بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر وَلَا يحرّمون مَا حرّم
الله وَرَسُوله وَلَا يدينون دين الْحق من الَّذين أُوتُوا
الْكتاب حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون}
[التَّوْبَة: 29] وَمَا جَاءَ فِي أَخذ الْجِزْيَة من
الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس والعجم. وَقَالَ ابْن
(1/195)
عُيَيْنَة: عَن ابْن أبي نجيح قلت لمجاهد:
مَا شَأْن أهل الشَّام عَلَيْهِم أَرْبَعَة دَنَانِير،
وَأهل الْيمن عَلَيْهِم دِينَار. قَالَ: جعل ذَلِك من قبل
الْيَسَار "
فِيهِ جَابر بن زيد: عَن بجالة قَالَ: كنت كَاتبا لجزء بن
مُعَاوِيَة عَم الْأَحْنَف وأتانا كتاب عمر بن الْخطاب قبل
مَوته بِسنة: فرقوا بَين كل ذِي محرم من الْمَجُوس وَلم
يكن عمر أَخذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس حَتَّى شهد ابْن
عَوْف أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَخذهَا من
مجوس هجر.
وَفِيه عمر بن عَوْف: أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- بعث أَبَا عُبَيْدَة إِلَى الْبَحْرين يَأْتِي
بجزيتها. وَكَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] هُوَ
الَّذِي صَالح أهل الْبَحْرين وأمّر عَلَيْهِم الْعَلَاء
بن الْحَضْرَمِيّ، فَقدم أَبُو عُبَيْدَة بِمَال من
الْبَحْرين فَسمِعت الْأَنْصَار بقدومه فَوَافَقت صَلَاة
الصُّبْح مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ،
فَلَمَّا انْصَرف تعرضوا إِلَيْهِ فتبسّم حِين رَآهُمْ،
وَقَالَ: أظنكم سَمِعْتُمْ أَن أَبَا عُبَيْدَة قد جَاءَ
بِشَيْء. قَالُوا: أجل. قَالَ: فأبشروا وأمّلوا مَا يسركم.
فوَاللَّه لَا الْفقر أخْشَى عَلَيْكُم وَلَكِن أخْشَى أَن
تبسط عَلَيْكُم الدُّنْيَا كَمَا بسطت على من قبلكُمْ
فتتنافسوها كَمَا تنافسوها وتهلككم كَمَا أهلكتهم.
وَفِيه جُبَير بن حَيَّة: بعث عمر النَّاس فِي أفناء
الْأَمْصَار يُقَاتلُون الْمُشْركين. فَأسلم الهرمزان،
فَقَالَ: إِنِّي مستسرك فِي مغازيّ هَذِه، قَالَ نعم
مثلهَا وَمثل من فِيهَا من النَّاس من عَدو الْمُسلمين مثل
طَائِر لَهُ رَأس وَله جَنَاحَانِ وَله رجلَانِ.
(1/196)
فَإِن كسر أحد الجناحين نهضت الرّجلَانِ
بالجناح وَالرَّأْس وانكسر الْجنَاح الآخر نهضت الرّجلَانِ
وَالرَّأْس وَإِن شرح الرَّأْس ذهبت الجناحان وَالرجلَانِ.
وَالرَّأْس كسْرَى والجناح قَيْصر والجناح الآخر فَارس
فَمر الْمُسلمين فلينفروا إِلَى كسْرَى.
قَالَ جُبَير: فندبنا عمر. وَاسْتعْمل علينا النُّعْمَان
بن مقرن حَتَّى إِذا كُنَّا بِأَرْض العدّو وَخرج علينا
عَامل كسْرَى فِي أَرْبَعِينَ ألفا فَقَالَ ترجمان لَهُ:
ليكلمني رجل مُسلم فَقَالَ الْمُغيرَة: سل عَمَّا شِئْت.
قَالَ: مَا أَنْتُم؟ قَالُوا: نَحن أنَاس من الْعَرَب
كُنَّا فِي شقاء شَدِيد وبلاء شَدِيد نمصّ الْجلد والنوى
من الْجُوع ونلبس الْوَبر وَالشعر، ونعبد الْحجر
وَالشَّجر. فَبينا نَحن كَذَلِك إِذْ بعث إِلَيْنَا رب
السَّمَوَات وربّ الأَرْض نبيّاً من أَنْفُسنَا نَعْرِف
أَبَاهُ وأمّه فَأمرنَا نبيّنا أَن نقاتلكم حَتَّى تعبدوا
الله وَحده، أَو تؤدّوا الْجِزْيَة. وَأخْبرنَا نبينّا عَن
رِسَالَة ربّنا أَنه من قتل منّا صَار إِلَى الْجنَّة فِي
نعيم لم ير مثله قطّ. وَمن بقى منّا ملك رِقَابكُمْ
فَقَالَ النُّعْمَان: رُبمَا أشهدك الله مثلهَا مَعَ
النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَلم يندّمك وَلم
يخزك. وَلَكِن شهِدت الْقِتَال مَعَ النَّبِي [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] كثيرا، كَانَ إِذا لم يُقَاتل فِي أول
النَّهَار انْتظر حَتَّى تهب الأوراح وتحضر الصَّلَوَات.
قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن أَرَادَ البُخَارِيّ بالموادعة
عقد الذِّمَّة لَهُم بِأخذ الْجِزْيَة وإعفائهم بعد ذَلِك
من الْقَتْل، فَهَذَا حكم الْجِزْيَة. وَالْمُوَادَعَة غير
ذَلِك. وَإِن أَرَادَ مُشَاركَة قِتَالهمْ مَعَ إِمْكَانه
قبل الظفر بهم، وَهُوَ معنى الْمُوَادَعَة فَمَا فِي هَذِه
الْأَحَادِيث مَا يطابقها إِلَّا تَأَخّر النُّعْمَان عَن
مُقَابلَة الْعَدو وانتظاره زَوَال الشَّمْس فَهُوَ موادعة
فِي هَذَا الزَّمَان مَعَ الْإِمْكَان لمصْلحَة. وَالله
أعلم.
(1/197)
(142 - (2) بَاب إِذا وادع الإِمَام ملك
الْقرْيَة هَل يكون ذَلِك لبقيّتهم؟)
فِيهِ أَبُو حميد: غزونا مَعَ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- تَبُوك. وَأهْدى ملك أَيْلَة للنَّبِي
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بغلة بَيْضَاء، فكساها بردا،
وَكتب لَهُم ببحرهم.
قلت: رَضِي الله عَنْك! المسئلة الْمُخْتَلف فِيهَا بَين
الْعلمَاء إِذا وادع الْملك عَن رَعيته عُمُوما أَو
خُصُوصا وَلم ينصّ على نَفسه. هَل يدْخل ضمنا وَعَادَة أَو
لَا يدْخل إِلَّا لفظا وَالْأَصْل بَقَاؤُهُ على إِبَاحَة
الدَّم؟ وَمَا فِي حَدِيث صَاحب أَيْلَة كَيْفيَّة طلب
الْمُوَادَعَة، هَل كَانَ لنَفسِهِ أَوَّلهمْ أَو للجموع؟
لكنه نسب الْهَدِيَّة إِلَيْهِ خَاصَّة وَنسب
الْمُوَادَعَة للْجَمِيع، فَأخذ من ذَلِك أَن مهادنة
الْملك أَو غَيرهَا لَا يدْخل فِيهَا الرعيّة إِلَّا بنصّ
على التَّخْصِيص.
(143 - (3) بَاب إِذا قَالُوا: صبأنا وَلم يحسنوا أسلمنَا)
وَقَالَ ابْن عمر: فَجعل خَالِد يقتل. فَقَالَ النَّبِي
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: اللَّهُمَّ أَبْرَأ إِلَيْك
مِمَّا صنع خَالِد.
(1/198)
وَقَالَ عمر: إِذا قَالَ " مترس " فقد آمن
إِن الله يعلم الْأَلْسِنَة كلهَا. وَقَالَ: تكلّم. لَا
بَأْس.
قلت: رَضِي الله عَنْك {مَقْصُود التَّرْجَمَة أَن
الْمَقَاصِد تعْتَبر بأدلتها كَيفَ مَا كَانَت الْأَدِلَّة
لفظية أَو غَيرهَا، على لفظ لُغَة الْعَرَب أَو غَيرهَا.
(144 - (4) بَاب طرح جيف الْمُشْركين فِي الْبِئْر وَلَا
يُؤْخَذ لَهَا ثمن)
فِيهِ ابْن مَسْعُود: بَيْنَمَا النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- ساجد وَحَوله نَاس من قُرَيْش إِذْ أَتَى
عقبَة بن أبي معيط بسلا جزور فقذفه على ظَهره فَلم يرفع
رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- رَأسه حَتَّى
جَاءَت فَاطِمَة - إِلَى قَوْله - فَدَعَا عَلَيْهِم، فقد
رَأَيْتهمْ قتلوا يَوْم بدر فَألْقوا فِي بِئْر. الحَدِيث
بِكَمَالِهِ.
قلت: رَضِي الله عَنْك} الظَّاهِر أَن البُخَارِيّ بلغه
حَدِيث ابْن أبي ليلى فِي أَن الْمُشْركين سَأَلُوا رَسُول
الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَن يشتروا مِنْهُ جثث
الْقَتْلَى، فَأبى، لَكِن لم يُوَافق شَرط البُخَارِيّ
فَتلقى مَعْنَاهُ من هَذَا الحَدِيث إِذْ الْعَادة تشهد
أَن أهل هَؤُلَاءِ الْقَتْلَى لَو فَهموا أنّه يقبل
مِنْهُم فدَاء أَجْسَادهم لبذلوا الرغيب فِيهَا، لكِنهمْ
يئسوا أَن يقبل ذَلِك مِنْهُم. ففهم مَقْصُود الحَدِيث من
التَّرْجَمَة بِهَذِهِ الطَّرِيقَة.
(1/199)
(145 - (5) بَاب إِثْم الغادر للبرّ
والفاجر)
فِيهِ أنس: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-
لكل غادر لِوَاء يَوْم الْقِيَامَة ينصب أَو يرى يَوْم
الْقِيَامَة يعرف بِهِ.
وَفِيه ابْن عمر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- لكلّ غادر لواءٌ ينصب بغدرته.
وَفِيه ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- يَوْم فتح مَكَّة: إِن هَذَا بلد حرّمه الله
تَعَالَى يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَهُوَ حرَام
بحرمته إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأَنه لم يحلّ الْقِتَال
فِيهِ لأحد قبلي، وَلم يحل إِلَّا لي سَاعَة من نَهَار،
فَهُوَ حرَام لَا يعضد شوكه وَلَا ينفر صَيْده، وَلَا
يلتقط لقطته إِلَّا من عرّفها - وَلَا يختلي خَلاهَا.
الحَدِيث.
قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة
لحَدِيث مَكَّة، أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
نصّ على أَنَّهَا اختصّت بِالْحُرْمَةِ إِلَّا فِي
السَّاعَة المستثناة. وَلَيْسَ المُرَاد حُرْمَة قتل
الْمُؤمن الْبر فِيهَا، إِذْ كل بقْعَة كَذَلِك. فَالَّذِي
اختصّت بِهِ حُرْمَة قتل الْفَاجِر المتأهل للْقَتْل.
فَإِذا استقرّ أَن الْفَاجِر قد حرم قَتله لعهد الله
الَّذِي خصّها بِهِ. فَإِذا خصّ أحد فَاجِرًا بِعَهْد الله
فِي غَيرهَا لزم نُفُوذ الْعَهْد لَهُ وَثُبُوت الْحُرْمَة
فِي حَقه، فيقوى عُمُوم الحَدِيث الأول فِي الغادر بالبّر
والفاجر.
(1/200)
|