المتواري على أبواب البخاري

(24 -] كتاب فرض الْخمس [)

(132 - (1) بَاب أَدَاء الْخمس من الدّين)
فِيهِ ابْن عَبَّاس: قدم وَفد عبد الْقَيْس، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله} إِن هَذَا الْحَيّ من ربيعَة، وبيننا وَبَيْنك كفار مُضر، فلسنا نصل إِلَيْك إِلَّا فِي الشَّهْر الْحَرَام. فمرنا بِأَمْر نَأْخُذ بِهِ وندعوا إِلَيْهِ من وَرَائِنَا. فَقَالَ آمركُم بِأَرْبَع، وأنهاكم عَن أَربع: الْإِيمَان بِاللَّه، شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَعقد بيدَيْهِ، وإقام الصَّلَاة، وإيتاء

(1/183)


الزَّكَاة، وَصِيَام رَمَضَان، وَأَن تُؤَدُّوا لله خمس مَا غَنِمْتُم. وأنهاكم عَن الدُّبَّاء والنقير والحنتم والمزفت.
قَالَ الْفَقِيه - وَفقه الله -: وَترْجم عَلَيْهِ " أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان "، وَفَائِدَة الْجمع بَين الترجمتين: إِن قَدرنَا الْإِيمَان قَول وَعمل دخل " أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان ". وَإِن قُلْنَا: إِنَّه التَّصْدِيق بِاللَّه دخل أَدَاؤُهُ فِي الدّين. وَهُوَ عِنْدِي فِي لفظ هَذَا الحَدِيث خَارج عَن الْإِيمَان دَاخل فِي الدّين لِأَنَّهُ ذكر أَربع خِصَال: أَولهَا الصَّلَاة، وَآخِرهَا أَدَاء الْخمس، دلّ أَنه لم يعن بالأربع إِلَّا هَذِه الْفُرُوع. وَأما الْإِيمَان الَّذِي أبدل مِنْهُ الشَّهَادَة، فخارج عَن الْعدَد. فَلَو جعل الْإِيمَان بَدَلا من الْأَرْبَع لاختل الْكَلَام أَيْضا. وَالَّذِي يخلص من ذَلِك كُله إِخْرَاج الْإِيمَان من الْأَرْبَع، وَجعل الشَّهَادَة بَدَلا مِنْهُ. وَكَأَنَّهُ قَالَ: آمركُم بِأَرْبَع أَصْلهَا الْإِيمَان الَّذِي هُوَ الشَّهَادَة. ثمَّ اسْتَأْنف بَيَان الْأَرْبَع، كَأَنَّهُ قَالَ: والأربع إقَام الصَّلَاة، إِلَى آخِره. وَلَا يَنْتَظِم الْكَلَام إِلَّا كَذَلِك. وَالله أعلم.
(133 - (2) بَاب نَفَقَة نسَاء النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعد وَفَاته)
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : لَا تقتسم ورثتي دِينَارا. مَا تركت بعد نَفَقَة نسَائِي، وَمؤنَة عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَة.
وَفِيه عَائِشَة: توفّي النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَمَا فِي بَيْتِي من شَيْء يَأْكُلهُ ذُو كبد، إِلَّا شطر شعير فِي رف لي، فَأكلت مِنْهُ حَتَّى طَال عليّ، فكلته ففنى.

(1/184)


وَفِيه عَمْرو بن الْحَارِث: مَا ترك النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَّا سلاحه، وَبغلته الْبَيْضَاء، وأرضاً تَركهَا صَدَقَة.
قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة لحَدِيث عَائِشَة. قَوْلهَا: " فَأكلت مِنْهُ حَتَّى طَال عليّ فكلته ففنى ". وَلم تذكر أَنَّهَا أَخَذته فِي نصِيبهَا. إِذْ لَو لم تكن لَهَا النَّفَقَة مُسْتَحقَّة لَكَانَ الشّعير الْمَوْجُود لبيت المَال، أَو مقسوماً بَين الْوَرَثَة، وَهِي إِحْدَاهُنَّ.
وَوجه مطابقتها للْحَدِيث الَّذِي بعده قَوْله: " وأرضاً تَركهَا صَدَقَة "، لِأَنَّهَا الأَرْض الَّتِي أنْفق على نِسَائِهِ مِنْهَا بعد وَفَاته [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، على مَا هُوَ مشروح فِي الحَدِيث.
(134 - (3) بَاب مَا جَاءَ فِي بيُوت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَمَا ينْسب من الْبيُوت إلَيْهِنَّ وَقَوله تَعَالَى: {وَقرن فِي بيوتكن وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى} [الْأَحْزَاب: 33] وَقَوله: {لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي إِلَّا أَن يُؤذن لكم} [الْأَحْزَاب: 53] .
فِيهِ عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -: لما ثقل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] اسْتَأْذن أَزوَاجه أَن يمرض

(1/185)


فِي بَيْتِي فَأذن لَهُ. وَقَالَت: توفّي النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي بَيْتِي، وَفِي نوبتي، وَبَين سحرِي وَنَحْرِي، وَجمع الله بَين ريقي وريقه.
وَفِيه صَفِيَّة: أَنَّهَا جَاءَت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] تزوره، وَهُوَ معتكف فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان، ثمَّ قَامَت تنْقَلب وَقَامَ مَعهَا] رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] [حَتَّى إِذا بلغ قَرِيبا من بَاب الْمَسْجِد، عِنْد بَاب أم سَلمَة زوج النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . الحَدِيث.
وَفِيه ابْن عمر: ارتقيت فَوق بَيت حَفْصَة.
وَفِيه عَائِشَة: كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يصليّ الْعَصْر، وَالشَّمْس لم تخرج من حُجْرَتهَا.
وَفِيه ابْن عمر: قَامَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خَطِيبًا فَأَشَارَ نَحْو مسكن عَائِشَة فَقَالَ: الْفِتْنَة هَهُنَا - ثَلَاثًا - من حَيْثُ يطلع قرن الشَّيْطَان.
وَفِيه عَائِشَة: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ عِنْدهَا، وَإِنَّهَا سَمِعت إنْسَانا يسْتَأْذن فِي بَيت حَفْصَة. الحَدِيث.
قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه دُخُول التَّرْجَمَة فِي الْفِقْه، أَن سكناهن فِي بيُوت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من الخصائص كَمَا استحققن النَّفَقَة. والسر فِي ذَلِك حبسهن عَلَيْهِ أبدا.
وسَاق البُخَارِيّ الْأَحَادِيث الَّتِي تنْسب إلَيْهِنَّ الْبيُوت فِيهَا تَنْبِيها على أَن هَذِه

(1/186)


النِّسْبَة تحقق دوَام استحقاقهن للبيوت مَا بَقينَ. وَالله أعلم.
(135 - (4) بَاب مَا ذكر من درع النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَعَصَاهُ وسيفه، وقدحه، وخاتمه، وَمَا اسْتعْمل الْخُلَفَاء بعده من ذَلِك مِمَّا لم تذكر قسمته، وَمن شعره وَنَعله، وآنيته مِمَّا يتبرك أَصْحَابه وَغَيرهم بعد وَفَاته.)
فِيهِ أنس: إِن أَبَا بكر لما اسْتَخْلَفَهُ بَعثه إِلَى الْبَحْرين، وَكتب لَهُ هَذَا الْكتاب] وختمه بِخَاتم النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] [وَكَانَ نقش الْخَاتم ثَلَاثَة أسطر: مُحَمَّد سطر، وَرَسُول سطر، وَالله سطر.
وَفِيه أنس: إِنَّه أخرج نَعْلَيْنِ جرداوين لَهما قبالان، وهما نعلا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] .
وَفِيه أَبُو بردة: أخرجت إِلَيْنَا عَائِشَة كسَاء ملبّداً. وَقَالَت: فِي هَذَا نزع روح - النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-. وَقَالَ مرّة: أخرجت إِلَيْنَا إزاراً غليظاً مِمَّا يصنع بِالْيمن وَكسَاء ملبّداً.

(1/187)


وَفِيه أنس: إِن قدح النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] انْكَسَرَ، فَاتخذ مَكَان الشّعب سلسلة من فضّة.
وَفِيه عَليّ بن حُسَيْن: إِنَّه لقى الْمسور بن مخرمَة حِين قدمُوا الْمَدِينَة من عِنْد يزِيد مقتل الْحُسَيْن بن عَليّ. فَقَالَ الْمسور: هَل لَك إليّ من حَاجَة تَأْمُرنِي بهَا فَقلت لَهُ: لَا. فَقَالَ: هَل أَنْت معطى سيف النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَإِنِّي أَخَاف أَن يَغْلِبك الْقَوْم عَلَيْهِ. وأيم الله لَئِن أعطيتنيه لأتخلص إِلَيْهِ أبدا حَتَّى تبلغ نَفسِي. إِن علىّ بن أبي طَالب خطب ابْنة أبي جهل على فَاطِمَة، فَسمِعت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يخْطب النَّاس فِي ذَلِك على منبره، وَأَنا يؤمئذ محتلم. فَقَالَ: إنّ فَاطِمَة مني، وَأَنا أَخَاف أَن تفتن فِي دينهَا. إِلَى قَوْله: " وَالله لَا تَجْتَمِع ابْنة رَسُول الله وَابْنَة عَدو الله أبدا ".
وَفِيه ابْن الْحَنَفِيَّة: قَالَ: لَو كَانَ عليّ ذَاكِرًا عُثْمَان، ذكره يَوْم جَاءَ أنَاس فشكوا إِلَيْهِ سعاة عُثْمَان، فَقَالَ لي عليّ: اذْهَبْ إِلَى عُثْمَان فَأخْبرهُ أَنَّهَا صَدَقَة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَمر سعادتك يعْملُونَ بهَا، فَأَتَيْته بهَا. فَقَالَ: اغنها عنّا. فَأتيت بهَا عليّا فَأَخْبَرته فَقَالَ: ضعها حَيْثُ أَخَذتهَا.
وَقَالَ ابْن الحنيفية أَيْضا: أَرْسلنِي أبي، خُذ هَذَا الْكتاب فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَان، فإنّ فِيهِ أَمر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِالصَّدَقَةِ.

(1/188)


قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه دُخُول التَّرْجَمَة وأحاديثها فِي الْفِقْه تَحْقِيق أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يُورث وَأَن آلاته بقيت عِنْد من وصلت إِلَيْهِ للتبرك. وَلَو كَانَت مِيرَاثا لاقتسمها ورثته.
(136 - (5) بَاب قَوْله تَعَالَى: {فَإِن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ} [الْأَنْفَال: 41] يعْنى للرسول قسم ذَلِك.
قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِنَّمَا أَنا قَاسم وخازن. وَالله يُعْطي ".
فِيهِ جَابر: ولد لرجل منا من الْأَنْصَار غُلَام، فَأَرَادَ أَن يُسَمِّيه مُحَمَّدًا، فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . سموا باسمي وَلَا تكنوا بكنيتي. إِنَّمَا جعلت قاسماً وَبعثت قاسماً. أقسم بَيْنكُم.
وَقَالَ جَابر: ولد لرجل منا غُلَام، فَسَماهُ الْقَاسِم. فَقَالَت الْأَنْصَار: لَا نكنيك أَبَا الْقَاسِم وَلَا ننعمك عينا. فاخبر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: أَحْسَنت الْأَنْصَار، سمّوا باسمي وَلَا تكنوا بكنيتي. فَإِنَّمَا أَنا قَاسم.
وَفِيه مُعَاوِيَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: من يرد الله بِهِ خيرا يفقّهه فِي الدّين. وَالله الْمُعْطِي، وَأَنا الْقَاسِم.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة، عَن النَّبِي _[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: إِنَّمَا أَنا قَاسم أَضَع حَيْثُ أمرت.
وَفِيه خَوْلَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: إنّ رجَالًا يتخوّضون فِي مَال الله بِغَيْر حق، فَلهم النَّار يَوْم الْقِيَامَة.

(1/189)


قلت: رَضِي الله عَنْك {وَجه مُطَابقَة الْأَحَادِيث لِلْآيَةِ تَحْقِيق أَن المُرَاد فِيهَا بِذكر الرَّسُول -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِنَّمَا هُوَ تولّيه للْقِسْمَة، لَا لِأَنَّهُ يملك خمس الْخمس، كَمَا قَالَه بعض الْعلمَاء، لِأَنَّهُ حصر حَاله فِي الْقِسْمَة ب " إِنَّمَا " فَخرج الْملك.
(137 - (6) بَاب من قَاتل للمغنم هَل ينقص من أجره؟)

فِيهِ أَبُو مُوسَى: قَالَ أَعْرَابِي للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : الرجل يُقَاتل للمغنم، وَالرجل يُقَاتل للذّكر وليرى مَكَانَهُ. فَمن فِي سَبِيل الله؟ فَقَالَ: من قَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا فَهُوَ فِي سَبِيل الله ".
قلت: رَضِي الله عَنْك} مُقْتَضى الحَدِيث أنّ من قَاتل للمغنم، فَلَيْسَ فِي سَبِيل الله. وَهَذَا لَا أجر لَهُ الْبَتَّةَ. فَكيف تطابق تَرْجَمته عَلَيْهِ بِنَقص الْأجر؟

(1/190)


(138 - (7) بَاب قسْمَة الإِمَام مَا يقدم عَلَيْهِ، ويخبأ لمن يحضرهُ أَو غَابَ عَنهُ)
فِيهِ الْمسور: أهديت للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أقبية من ديباج مزرّرة بِالذَّهَب فَقَسمهَا فِي نَاس من أَصْحَابه. وعزل مِنْهَا وَاحِدَة لمخرمة فجَاء مخرمَة، وَمَعَهُ ابْنه الْمسور بن مخرمَة، إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَسمع صَوته فَأخذ قبَاء فَتَلقاهُ بِهِ، واستقبله بأزراره. وَقَالَ: يَا أَبَا الْمسور: خبأت لَك هَذَا مرّتين، وَكَانَ فِي خلقه شّدة.
قلت: رَضِي الله عَنْك {فِي الْكَلَام الْمَشْهُور بَين النَّاس الْهَدِيَّة لمن حضر، وَفِي هَذَا الحَدِيث خلاف ذَلِك. وَإِن الْأَمر موكول إِلَى الِاجْتِهَاد.
(139 - (8) بَاب الْغَازِي فِي مَاله حيّاً وميّتاً، مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وولاة الْأَمر)
فِيهِ ابْن الزبير: لما وقف الزبير يَوْم الْجمل دَعَاني فَقُمْت إِلَى جنبه. فَقَالَ: يَا بنّي} إِنَّه لَا يقتل الْيَوْم إِلَّا ظَالِم أَو مظلوم. وَإِنِّي لَا أَرَانِي إِلَّا سأقتل الْيَوْم مَظْلُوما، وَإِن من أكبر همي لديني. أفتري ديننَا يبْقى من مالنا شَيْئا؟ قَالَ: يَا بني! بِعْ مالنا واقض ديني. وَأوصى بِالثُّلثِ، وَثلثه لِبَنِيهِ، يعْنى بني عبد الله بن الزبير. يَقُول: ثلّث الثُّلُث، فَإِن فضل من مالنا شَيْء بعد قَضَاء

(1/191)


الدّين، فثلثه لولدك. وَكَانَ بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير خبيب وَعباد. وَله يؤمئذ تسع بَنِينَ وتسع بَنَات. قَالَ عبد الله: فَجعل يوصيني بديني وَيَقُول: يَا بنيّ {إِن عجزت عَن شَيْء مِنْهُ، فَاسْتَعِنْ بمولاي. قَالَ: فوَاللَّه مَا دَريت مَا أَرَادَ حَتَّى قلت: يَا أَبَت من مَوْلَاك؟ قَالَ: الله. فوَاللَّه مَا وَقعت فِي كربَة من دين إِلَّا قلت: يَا مولى الزبير} اقْضِ عَنهُ دينه فيقضيه.
فَقتل الزبير وَلم يدع دِينَارا وَلَا درهما، إِلَّا أَرضين: مِنْهَا الغابة وَإِحْدَى عشرَة دَارا بِالْمَدِينَةِ، ودارين بِالْبَصْرَةِ، وداراً بِالْكُوفَةِ، وداراً بِمصْر. وَإِنَّمَا كَانَ دينه الَّذِي عَلَيْهِ أَن الرجل كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ فيستودعه إِيَّاه. فَيَقُول الزبير: لَا وَلكنه سلف، فإنيّ أخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَة وَمَا ولى إِمَارَة قطّ، وَلَا جباية خراج، وَلَا شَيْئا إِلَّا أَن يكون فِي غَزْوَة مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، أَو مَعَ أبي بكر، وَمَعَ عمر وَعُثْمَان فحسبت مَا عَلَيْهِ من الدّين ألفي ألف ومأتي ألف. قَالَ: فلقى حَكِيم بن حزَام عبد الله، فَقَالَ: يَا ابْن أخي! كم على أخي من الدّين؟ فكتمه. وَقَالَ: مئة ألف. فَقَالَ حَكِيم: وَالله مَا أرى أَمْوَالكُم تسع لهَذِهِ. قَالَ لَهُ عبد الله: أفرأيتك إِن كَانَت ألفي ألف ومئتي ألف؟ قَالَ: مَا أَرَاكُم تطيقون هَذَا؟ فَإِن

(1/192)


عجزتم عَن شَيْء مِنْهُ فاستعينوا بِي. وَكَانَ الزبير اشْترى الغابة بسبعين وَمِائَة ألف. فَبَاعَهَا عبد الله بِأَلف ألف وسِتمِائَة ألف. ثمَّ قَامَ. فَقَالَ: من كَانَ لَهُ على الزبير حق فليوافنا بِالْغَابَةِ، فَأَتَاهُ عبد الله بن جَعْفَر، وَكَانَ على الزبير أَربع مئة ألف. فَقَالَ لعبد الله: إِن شِئْتُم تركتهَا لكم. قَالَ عبد الله: لَا. قَالَ: فَإِن شِئْتُم جعلتموها فِيمَا تؤخرون إِن أخّرتم. ثمَّ قَالَ عبد الله: لَا. قَالَ: فَاقْطَعُوا لي قِطْعَة. قَالَ عبد الْملك: لَك من هَهُنَا إِلَى هَهُنَا. قَالَ: فَبَاعَ مِنْهَا فَقضى دينه فأوفاه. وبقى مِنْهَا أَرْبَعَة أسْهم وَنصف. فَقدم على مُعَاوِيَة وَعِنْده عمر بن عُثْمَان وَالْمُنْذر بن الزبير وعبد الله بن زَمعَة - فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: كم قوّمت الغابة؟ قَالَ: كل سهم مئة ألف. قَالَ: كم بقى؟ قَالَ: أَرْبَعَة أسْهم وَنصف. فَقَالَ الْمُنْذر بن الزبير: قد أخذت سَهْما بمئة ألف. وَقَالَ عمر بن عُثْمَان: قد أخذت سَهْما بمئة ألف. قَالَ مُعَاوِيَة: كم بَقِي؟ قَالَ سهم وَنصف. قَالَ: قد أَخَذته بِخَمْسِينَ ومئة ألف. فَلم فرغ ابْن الزبير من قَضَاء دينه. قَالَ بَنو الزبير: اقْسمْ بَيْننَا ميراثنا. فَقَالَ: لَا اقْسمْ بَيْنكُم حَتَّى أنادي بِالْمَوْسِمِ أَربع سِنِين: أَلا من كَانَ لَهُ على الزبير دين، فليأتنا فلنقضه {قَالَ: فَجعل كل سنة يُنَادي بِالْمَوْسِمِ. فَلَمَّا قضى أَربع سِنِين قسم بَينهم. وَكَانَ للزبير أَربع نسْوَة، وَرفع الثُّلُث فَأصَاب كل امْرَأَة ألف ألف ومئتا ألف.
قلت: رَضِي الله عَنْك} وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة للْحَدِيث أَن الزبير مَا وسع عَلَيْهِ بِولَايَة وَلَا جباية، بل ببركة غَزوه مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-. فَبَارك الله فِيهَا سَهْما من الْغَنَائِم لطيب أَصْلهَا، وسداد مُعَامَلَته فِيهَا.
ووهّم شَارِح البُخَارِيّ راويّ الحَدِيث فِي أَسبَاب الْجُمْلَة، فَقَالَ: التَّحْقِيق: إِنَّهَا سَبْعَة

(1/193)


وَخَمْسُونَ ألف ألف وَتِسْعمِائَة ألف. وَوهم الشَّارِح أَيْضا إِنَّمَا هِيَ " وسِتمِائَة ألف ".
(140 - (9) بَاب " من الدَّلِيل على أَن الْخمس لنوائب الْمُسلمين. مَا سَأَلَ هوَازن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] برضاعة فيهم. فتحلّل من الْمُسلمين، وَمَا كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يعد النَّاس أَن يعطيهم من الْفَيْء والأنفال من الْخمس وَمَا أعْطى الْأَنْصَار وَمَا أعْطى جَابر بن عبد الله من تمر خَيْبَر ")

فِيهِ مَرْوَان والمسور: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حِين جَاءَهُ وَفد هوَازن مُسلمين فَسَأَلُوهُ أَن يردّ إِلَيْهِم أَمْوَالهم وَسَبْيهمْ. فَقَالَ لَهُم النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أحب الحَدِيث إليّ أصدقه، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا السَّبي وَإِمَّا المَال. وَقد كنت اسْتَأْنَيْت بهم وَقد كَانَ انتظرهم بضع عشرَة لَيْلَة حِين قفل من الطَّائِف. فلمّا تبين لَهُم أنّ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] غير رادّ إِلَيْهِم إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا فَإنَّا نَخْتَار سبينَا فَقَامَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: إخْوَانكُمْ هَؤُلَاءِ جاؤنا تَائِبين وَإِنِّي قد رَأَيْت أَن أردّ إِلَيْهِم سَبْيهمْ. وَمن أحب أَن يطيب فَلْيفْعَل. وَمن أحب أَن يكون على حَظه حَتَّى نُعْطِيه إِيَّاه من أول مَا يفئ الله علينا فَلْيفْعَل. فَقَالَ النَّاس قد طيبّنا ذَلِك لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . الحَدِيث.
وَفِيه أَبُو مُوسَى: بلغنَا مخرج النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَنحن بِالْيمن. فخرجنا مُهَاجِرين أَنا

(1/194)


وإخوان لي أَنا أَصْغَرهم. أَحدهمَا أَبُو بردة وَالْآخر أَبُو رهم، إِمَّا فِي بضع أَو ثَلَاثَة وَخمسين رجلا من قومِي. فَرَكبْنَا سفينة فَأَلْقَتْنَا السَّفِينَة إِلَى النَّجَاشِيّ بِالْحَبَشَةِ ووافقنا جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَصْحَابه عِنْده، فَقَالَ جَعْفَر: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعثنَا هَهُنَا وأمرنا بِالْإِقَامَةِ فأقيموا مَعنا. فَأَقَمْنَا مَعَه حَتَّى قدمنَا جَمِيعًا، فَوَافَقنَا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حِين افْتتح خَيْبَر فَأَسْهم لنا - أَو قَالَ - فأعطانا مِنْهَا. وَمَا قسم لأحد غَابَ عَن فتح خَيْبَر مِنْهَا شَيْئا إِلَّا أَصْحَاب سَفِينَتنَا مَعَ جَعْفَر وَأَصْحَابه قسم لَهُم مَعَهم.
قلت: رَضِي الله عَنْك! الْأَحَادِيث مُطَابقَة للتَّرْجَمَة إِلَّا حَدِيث أبي مُوسَى فَإِن ظَاهره أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قسم لَهُم من أصل الْغَنِيمَة مَعَ القائمين وَإِن كَانُوا غائبين تَخْصِيصًا لَهُم، لَا من الْخمس إِذْ لَو كَانَ مِنْهُ لم تظهر الخصوصية لِأَن الْخمس لعامة الْمُسلمين. والْحَدِيث نَاطِق بهَا. وَالله أعلم.