المتواري على
أبواب البخاري (35 - كتاب الْحِوَالَة وَالْكَفَالَة)
(204 - (1) [بَاب] هَل يرجع فِي الْحِوَالَة؟)
وَقَالَ الْحسن وَقَتَادَة: إِذا كَانَ يَوْم أحَال
عَلَيْهِ مَلِيًّا جَازَ.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: يتخارج الشريكان وَأهل الْمِيرَاث
فَيَأْخُذ هَذَا عينا وَهَذَا دينا. فَإِن توى لأَحَدهمَا
لم يرجع عَلَيْهِ صَاحبه.
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- مطل الْغنى ظلم وَإِذا اتبع أحدكُم عَليّ
ملىّ فَليتبعْ.
قلت: رَضِي الله عَنْك {أَدخل قسْمَة الدُّيُون وَالْعين
تَحت التَّرْجَمَة إِذا كَانَ هَذَا عين وَهَذَا دين.
فَتْوَى الدّين الَّذِي لم ينتقص الْقِسْمَة، لِأَنَّهُ
رضى بِالدّينِ عوضا فَتْوَى فِي ضَمَانه. وقاس الْحِوَالَة
عَلَيْهِ. وَالله أعلم.
(205 - (2) بَاب إِن أحَال دين الْمَيِّت على رجل جَازَ)
فِيهِ سَلمَة بن الْأَكْوَع: كنّا عِنْد النَّبِي -[صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِذْ أَتَى بجنازةٍ فَقَالُوا: صلّ
عَلَيْهَا، فَقَالَ: هَل عَلَيْهِ دين؟ قَالُوا: لَا.
فَهَل ترك شَيْئا؟ قَالُوا: لَا. فصلى عَلَيْهِ. ثمَّ
أَتَى بِجنَازَة أُخْرَى. فَقَالُوا: يَا رَسُول الله} صلّ
عَلَيْهَا. قَالَ: هَل عَلَيْهِ
(1/254)
دين؟ قيل: نعم {قَالَ: فَهَل ترك شَيْئا؟
قَالُوا: ثَلَاثَة دَنَانِير، فصلى عَلَيْهَا. ثمَّ أَتَى
بالثالث قَالُوا صل عَلَيْهَا. قَالَ: هَل ترك شَيْئا؟
قَالُوا: لَا. قَالَ: فَعَلَيهِ دين؟ قَالُوا: ثَلَاثَة
دَنَانِير. [فَقَالَ] : صلّوا على صَاحبكُم. قَالَ أَبُو
قَتَادَة: صلّ عَلَيْهِ يَا رَسُول الله} وعلىّ دينه. فصلى
عَلَيْهِ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-.
قلت: رَضِي الله عَنْك! ترْجم على الْحِوَالَة والْحَدِيث
فِي الْكفَالَة لِأَنَّهُمَا عِنْده متقاربتان يُمكن نظم
قِيَاس إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى.
(206 - (3) بَاب الْكفَالَة فِي الْقَرْض والديون بالأبدان
وَغَيرهَا.)
وَبعث حَمْزَة بن عَمْرو مصدّقاً فَوَقع رجلٌ على جَارِيَة
امْرَأَته. فَأخذ حَمْزَة من الرجل كفلاء حَتَّى قدم على
عمر. وَكَانَ عمر قد جلده مائَة فصدّقهم وعذره بالجهالة.
وَقَالَ جرير والأشعث لِابْنِ مَسْعُود فِي المرتدّين:
استتبهم وكفلهم عَشَائِرهمْ. وَقَالَ حَمَّاد: إِذا تكفل
بِنَفس فَمَاتَ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَقَالَ الحكم:
يضمن.
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- أَنه ذكر رجلٌ من بني إِسْرَائِيل سَأَلَ
(1/255)
[بعض] بني إِسْرَائِيل أَن يسلفه ألف
دِينَار. قَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أشهدهم. قَالَ:
كفى بِاللَّه شَهِيدا. قَالَ: ائْتِنِي بالكفيل: قَالَ:
كفى بِاللَّه وَكيلا. فَدَفعهَا إِلَيْهِ إِلَى أجل
مُسَمّى فَخرج فِي الْبَحْر فَقضى حَاجته، ثمَّ التمس
مركبا فَقدم على الْأَجَل الَّذِي أَجله فَلم يجد. فَأخذ
خَشَبَة فنقرها فَأدْخل فِيهَا الْألف دِينَار، وصحيفة
مِنْهُ إِلَيْهِ، ثمَّ أَتَى بهَا الْبَحْر. فَقَالَ:
اللَّهُمَّ تعلم أَنِّي تسلفت مِنْهُ، وسألني شَهِيدا
وكفيلاً فرضى بك. وَذكر الحَدِيث.
قلت: رَضِي الله عَنْك! أَخذ البُخَارِيّ من الْكفَالَة
بالأبدان فِي الْحُدُود الْكفَالَة بالأبدان فِي الدُّيُون
بطرِيق الأولى. فَمن هُنَا وَقعت الْمُطَابقَة. وَقَوله: "
وَغَيرهَا " يَعْنِي غير الْأَبدَان. أَي وبالحقوق
الْمَالِيَّة بِحَدِيث صَاحب الْخَشَبَة.
(207 - (4) بَاب قَول الله تَعَالَى: {وَالَّذين عقدت
أَيْمَانكُم فآتوهم نصِيبهم} [النِّسَاء: 33] .)
فِيهِ ابْن عَبَّاس: {وَلكُل جعلنَا موالى} قَالَ: وَرَثَة
{وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم} كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لما
قدمُوا الْمَدِينَة يَرث الْمُهَاجِرِي الْأنْصَارِيّ دون
ذَوي رَحْمَة للأخوّة الَّتِي آخى بَينهم النَّبِي -[صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَلَمَّا نزلت: {وَلكُل جعلنَا
موالى} نسخت. قَالَ: {وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم} إِلَّا
بالنصرة والرفادة - وَقد ذهب الْمِيرَاث - ويوصى لَهُ.
وَفِيه أنس: قدم علينا ابْن عَوْف، فآخى النَّبِي -[صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم]- بَينه وَبَين سعد بن الرّبيع.
وَفِيه أنس: قيل لَهُ أبلغك أَن النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: لَا حلف فِي الْإِسْلَام؟
فَقَالَ: قد حَالف النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-
بَين قُرَيْش وَالْأَنْصَار فِي دَاري.
(1/256)
قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه دُخُول هَذِه
التَّرْجَمَة فِي الْكفَالَة وَالْحوالَة أَن الْكَفِيل
والغريم الَّذِي وَقعت الْحِوَالَة عَلَيْهِ ينْتَقل الْحق
عَلَيْهِ، كَمَا ينْتَقل هَهُنَا حق الْوَارِث عَنهُ إِلَى
الحليف. فَشبه انْتِقَال الْحق على الْمُكَلف بانتقاله
عَنهُ وَله. وَفِيه الْقيَاس على أصل قد نسخ، وَهِي
قَاعِدَة اخْتِلَاف.
(208 - (5) بَاب جوَار أبي بكر فِي عهد الرَّسُول -[صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم]- وعقده)
فِيهِ عَائِشَة: لم أَعقل أبويّ إِلَّا وهما يدينان الدّين
وَلم يمرّ علينا يومٌ إِلَّا يأتينا فِيهِ النَّبِي -[صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم]- طرفِي النَّهَار بكره وَعَشِيَّة.
فَلَمَّا ابتلى الْمُسلمُونَ خرج أَبُو بكر مُهَاجرا قبل
الْحَبَشَة حَتَّى بلغ برك الغماد. ولقيه ابْن الدغنّة
وَهُوَ سيّد القارة. فَقَالَ أَيْن تُرِيدُ؟ قَالَ أَبُو
بكر: أخرجني قومِي فَأَنا أُرِيد أَن أسيح فِي الأَرْض
فأعبد رَبِّي. قَالَ ابْن الدّغنّة: إِن مثلك لَا يخرج
وَلَا يخرج فَإنَّك تكسب الْمَعْدُوم، وَتصل الرَّحِم،
وَتحمل الْكل، وتقرى الضَّيْف، وَتعين على نَوَائِب الْحق.
وَأَنا لَك جَار، فَارْجِع فاعبد ربّك ببلادك فَرجع ابْن
الدّغنّة مَعَ أبي بكر فَطَافَ فِي أَشْرَاف قُرَيْش،
فأنفذت قُرَيْش جوَار ابْن الدّغنّة وأمّنوا أَبَا بكر.
وَقَالُوا لَهُ: مر أَبَا بكر أَن يعبد ربّه فِي دَاره
فليصلّ وليقرأ مَا شَاءَ، وَلَا يؤذينا بذلك وَلَا يستعلن
بِهِ. فَإنَّا قد خشينا أَن يفتن أبناءنا وَنِسَاءَنَا.
فَقَالَ ذَلِك ابْن الدّغنة لأبي بكر. فَطَفِقَ يعبد ربّه
فِي دَاره. وَلَا يستعلن بِالصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَة،
ثمَّ بَدَأَ لأبي بكر. فابتنى مَسْجِدا بِفنَاء دَاره وبرز
فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيقْرَأ الْقُرْآن، فتتقصف
عَلَيْهِ نسَاء الْمُشْركين وأبناءهم يعْجبُونَ
وَيَنْظُرُونَ. وَكَانَ أَبُو بكر بكاّء لَا يملك دمعه
حِين يقْرَأ الْقُرْآن، فأفزع ذَلِك أَشْرَاف قُرَيْش
فَقَالُوا لِابْنِ
(1/257)
الدّغنة: إِنَّا كُنَّا أجرنا أَبَا بكر
أَن يعبد ربّه فِي دَاره. وَفعل كَذَا، فَإِن أحب أَن يعبد
ربّه فِي دَاره فعل وَإِن أَبى فَاسْأَلْهُ أَن يرد
إِلَيْك ذِمَّتك، فَإنَّا كرهنا أَن نحفرك ولسنا مقرين
الاستعلان. فَأَتَاهُ ابْن الدّغنة فَقَالَ: قد علمت
الَّذِي عقدت لَك. فإمّا أَن تقتصر عَلَيْهِ وإمّا علىّ
ذِمَّتِي. فإنّي لَا أحبّ أَن تسمع الْعَرَب أَنِّي أخفرت
فِي رجل عقدت لَهُ.
قَالَ أَبُو بكر: فَإِن أردّ إِلَيْك جوارك وأرضى بجوار
الله وَالنَّبِيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْمئِذٍ
بِمَكَّة - فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-:
قد أريت دَار هجرتكم. فَهَاجَرَ من هَاجر قبل الْمَدِينَة.
وَرجع إِلَى الْمَدِينَة بعض من كَانَ هَاجر إِلَى أَرض
الْحَبَشَة. وتجهّز أَبُو بكر مُهَاجرا فَقَالَ. النَّبِي
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : على رسلك. فإنى أَرْجُو أَن
يُؤذن لي. فحبس أَبُو بكر نَفسه على النَّبِي [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] وعلف راحلتين كَانَتَا عِنْده أَرْبَعَة
أشهر.
قلت: رَضِي الله عَنْك! أَدخل هَذَا الْبَاب فِي
الْكفَالَة وَيَنْبَغِي أَن يُنَاسب كَفَالَة الْأَبدَان،
كَمَا ناسب: {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} كَفَالَة
الْأَمْوَال. وَوجه الْمُنَاسبَة أَن المجير كَانَ يكفل
للمجار أَن لَا يضام من جِهَة من أجاره مِنْهُم وَضمن لمن
أجاره عَمَّن أجاره مِنْهُ أَن لَا يُؤْذِيه فَتكون
الْعهْدَة عَلَيْهِ. وَالله أعلم.
(1/258)
|