المتواري على أبواب البخاري

 (37 -[كتاب الْحَرْث والمزارعة] )

(210 - (1) بَاب إِذا قَالَ: اكْفِنِي مُؤنَة النّخل أَو غَيره وتشركني فِي الثَّمَرَة.)
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَت الْأَنْصَار: أقسم بَيْننَا وَبَين إِخْوَاننَا النّخل. قَالَ: لَا. قَالَ: فتكفوننا الْمُؤْنَة ونشرككم فِي الثَّمَرَة. قَالُوا: سمعنَا وأطعنا.
قلت: رَضِي الله عَنْك! أَشَارَ فِي التَّرْجَمَة إِلَى حجَّة الْمُسَاقَاة ونزلها الشَّارِح على ذَلِك. وَلَيْسَ فِي الحَدِيث حَقِيقَتهَا لِأَن الرّقاب كَانَت ملكا للْأَنْصَار وهم أَيْضا الْعمَّال عَلَيْهَا، فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا مُجَرّد تمليكهم لإخوانهم نصف الثَّمَرَة بِلَا عوض، غير أَنهم عرضوا عَلَيْهِم الْملك ثمَّ الْقِسْمَة، فنزلوا عَن الْملك الْمُتَعَلّق إِلَى الثَّمَرَة، وَكَأَنَّهُم ساقوا نصِيبهم المعروض عَلَيْهِم بِجُزْء من الثَّمَرَة، وَكَانَ الْجُزْء مبينّا إِمَّا بِالنَّصِّ أَو الْعرف - وَالله أعلم - أَو بَان إِطْلَاق الشّرك منزل عَن النّصْف، وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالك - رَحمَه الله - والجزء الْمَنْسُوب إِلَى الأَصْل هَهُنَا هُوَ الكلّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّصِيب المعروض. ومذهبنا أَن الْمُسَاقَاة على أَن كل الثَّمَرَة للْمَالِك جَائِزَة. وَالله أعلم.

(1/260)


(211 - (2) بَاب إِذْ زرع بِمَال قوم بِغَيْر إذْنهمْ وَكَانَ فِي ذَلِك صَلَاح لَهُم.)

فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بَيْنَمَا ثَلَاثَة نفر يَمْشُونَ، فَأَخذهُم الْمَطَر فآؤوا إِلَى غَار. - الحَدِيث - فَقَالَ الثَّالِث: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرت أَجِيرا بفرق أرزّ، فَلَمَّا قضى عمله قَالَ: اعطني حقّى فعرضت عَلَيْهِ فَرغب عَنهُ. فَلم أزل أزرعه حَتَّى جمعت مِنْهُ بقرًا وراعيها فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ الله.
فَقلت: اذْهَبْ إِلَى ذَلِك الْبَقر وراعيها فَخذهَا. قَالَ: فَاتق الله وَلَا تستهزئ بِي فَقلت: لَا استهزئ بك. خُذْهُ فَأَخذه كُله. الحَدِيث.
قلت: رَضِي الله عَنْك! رد الشَّارِح التَّرْجَمَة وَقَالَ لَا يَصح إِلَّا بِأَن يكون الزَّارِع مُتَطَوعا. والترجمة صَحِيحَة ومطابقة لِأَنَّهُ قد عين لَهُ حقّه ومكنه مِنْهُ وبرئت ذمَّته مِنْهُ. فَلَمَّا ترك الْقَبْض وَوضع الْمُسْتَأْجر يَده ثَانِيًا على الْفرق، فَهُوَ وضع مُسْتَأْنف على ملك الْغَيْر. ثمَّ تصرفه فِيهِ إصْلَاح لَا تَضْييع فاغتفر ذَلِك، وَلم يعد تعدّياً ومعصية. وَمَعَ ذَلِك فَلَو هلك الْفرق لَكَانَ الزَّارِع ضَامِنا لَهُ إِذا لم يُؤذن لَهُ فِي زراعته.
فمقصود التَّرْجَمَة إِنَّمَا هُوَ خلاص الزَّارِع من الْمعْصِيَة وَإِن تعرض للضَّمَان. وَيدل على أَن فعله لم يكن مَعْصِيّة أَنه توسل إِلَى الله بِهِ بِنَاء على أَنه أفضل الْأَعْمَال وأقّر على ذَلِك وَوَقعت الْإِجَابَة بِحَسبِهِ. أَو يُقَال أَن توسله إِنَّمَا كَانَ بوفاء الْحق عِنْد حُضُور الْمُسْتَحق مضاعفاً من قبيل حسن الْقَضَاء، لَا من

(1/261)


كَونه زرع الْفرق الْمُسْتَحق، كَمَا أَن الَّذِي جلس بَين شعب الْمَرْأَة توسل بِمَا ذكره من الْقيام عَنْهَا خوفًا من الله، لَا بجلوسه الأول. فَإِنَّهُ مَعْصِيّة اتِّفَاقًا. وَالله أعلم.