المتواري على أبواب البخاري

(45 - كتاب النِّكَاح)
(232 - (1) بَاب تَزْوِيج الْمُعسر الَّذِي مَعَه الْقُرْآن وَالْإِسْلَام)
فِيهِ سهل: عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-.
وَفِيه ابْن مَسْعُود: كُنَّا نغزوا مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لَيْسَ مَعنا نسَاء. فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله {أَلا نستخصى؟ فَنهى عَن ذَلِك.
قلت: رَضِي الله عَنْك} مُطَابقَة التَّرْجَمَة لحَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه نَهَاهُم عَن الاستخصاء، ووكلهم إِلَى النِّكَاح. وَلَو كَانَ الْمُعسر لَا ينْكح وَهُوَ مَمْنُوع من

(1/280)


الاستخصاء - وَهُوَ مَمْنُوع يُكَلف شططاً لَا يُطَاق. وَالله أعلم.

(بَاب نِكَاح الثّيّب)
قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لَا تعرضن علىّ بناتكن وَلَا أخواتكن.
فِيهِ جَابر: قَفَلْنَا مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من غَزْوَة، فتعجلت على بعير لي قطوف فلحقني رَاكب من خَلْفي قَالَ: مَا يعجلك؟ قلت كنت حَدِيث عهد بعرس. قَالَ: بكر أم ثيب؟ قلت: ثيب؟ قَالَ: فَهَلا جَارِيَة تلاعبها وتلاعبك؟ الحَدِيث.
وَقَالَ أَيْضا: مَالك والعذارى ولعابهن؟
قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة قَوْله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: " لَا تعرضنّ على بناتكن " لِأَنَّهُ - خَاطب بذلك أَزوَاجه، ونهاهن أَن يعرضنّ عَلَيْهِ ربائبه لحرمتهن.
وَهَذَا تحقق أَنه -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- تزوّج الثّيّب ذَات الْبِنْت من غَيره.

(1/281)


(234 - (3) بَاب اتِّخَاذ السراري، وَمن أعتق جَارِيَة ثمَّ تزوج بهَا)
فِيهِ أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَيّمَا رجل كَانَت عِنْده وليدة فعلّمها فَأحْسن تعليمها، وأدّبها فَأحْسن تأديبها، ثمَّ أعْتقهَا وتزوّجها فَلهُ أَجْرَانِ. الحَدِيث.
وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: لم يكذب إِبْرَاهِيم إِلَّا ثَلَاث كذبات. بَيْنَمَا إِبْرَاهِيم مرّ بجبّار، وَمَعَهُ سارة - ذكر الحَدِيث - فَأعْطَاهُ هَاجر، قَالَت: كفّ الله يَد الْكَافِر، وأخدمني هَاجر.
وَفِيه أنس: أَقَامَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بَين خَيْبَر وَالْمَدينَة ثَلَاثًا، بنى على صَفِيَّة بنت حييّ. فدعوت الْمُسلمين إِلَى وليمته فَمَا كَانَ فِيهَا من خبز وَلَا لحم، وَإِلَّا التَّمْر والإقط وَالسمن. فَقَالَ الْمُسلمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ أَو مَا ملكت يَمِينه؟ إِن حجبها فهى من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَإِن لم يحجبها فَهِيَ مَا ملكت يَمِينه. فَلَمَّا ارتحل وطّى لَهَا خَلفه، ومدّ الْحجاب بَينهمَا وَبَين النَّاس.
قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة حَدِيث هَاجر للتَّرْجَمَة أَنَّهَا كَانَت أمة مَمْلُوكَة. ثمَّ قد صحّ أَن إِبْرَاهِيم - عَلَيْهِ السَّلَام - أولدها بعد أَن ملكهَا، فهى سَرِيَّة.

(1/282)


(235 - (49 بَاب الْأَكفاء فِي الدّين)
[وَقَوله:] {وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله نسبا وصهراً} [الْفرْقَان: 54] .
فِيهِ عَائِشَة: إِن حذيفه بن عتبَة بن ربيعَة - وَكَانَ شهد بَدْرًا مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- تبنى سالما، وأنكحه ابْنة أَخِيه: هِنْد بنت الْوَلِيد بن عتبَة بن ربيعَة، وَهُوَ مولى لامْرَأَة من الْأَنْصَار. كَمَا تبنّى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- زيدا. الحَدِيث.
وَفِيه عَائِشَة: دخل النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على ضباعة بنت الزبير فَقَالَ لَهَا: لعّلك أردتّ الْحَج. قَالَت: وَالله مَا أجدني إِلَّا وجعةً. قَالَ: حجّي، واشترطي، وَقَوْلِي: اللَّهُمَّ محلّي حَيْثُ حبستني. وَكَانَت تَحت الْمِقْدَاد بن الْأسود.
وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: تنْكح الْمَرْأَة لأَرْبَع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها. فاظفر بِذَات الدّين تربت يداك.
وَفِيه سهل: مرّ رجل على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: مَا تَقولُونَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: حرىّ إِن خطب أَن ينْكح، وَإِن شفع أَن يشفع، وَإِن قَالَ أَن يسمع. قَالَ:

(1/283)


ثمَّ سكت. فمرّ رجل من فُقَرَاء الْمُسلمين. فَقَالَ: مَا تَقولُونَ فِي هَذَا؟ فَقَالُوا: حرىّ إِن خطب أَن لَا ينْكح، وَإِن شفع أَن لَا يشفع، وَإِن قَالَ أَن لَا يسمع فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-. هَذَا خير من ملْء الأَرْض مثل هَذَا.
قلت: رَضِي الله عَنْك {مَوضِع التَّرْجَمَة والاستشهاد من حَدِيث ضباعة قَوْله: " وَكَانَت تَحت الْمِقْدَاد ".
وضباعة بنت الزبير بن عبد الْمطلب، بنت عمّه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] والمقداد مولى حَلِيف الْأسود بن عبد يَغُوث تبناه، وَنسب إِلَيْهِ.
(236 - (5) بَاب الحرّة تَحت العَبْد)
فِيهِ عَائِشَة: كَانَت فِي بَرِيرَة ثَلَاث سِنِين عتقت فخيّرت فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : الْوَلَاء لمن أعتق.
وَدخل النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وبرمة على النَّار، فَقيل: تصدّق بِهِ على بَرِيرَة فَقَالَ: هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَة، وَلنَا هَدِيَّة.
قلت: رَضِي الله عَنْك} لَيْسَ فِي حَدِيث بَرِيرَة هَذَا مَا يدل أَن زَوجهَا كَانَ عبدا. وَإِثْبَات الْخِيَار لَهَا لَا يدل عِنْد الْمُخَالف لِأَن الْمُعتقَة تخيّر عِنْده مُطلقًا تَحت الحرّ وَالْعَبْد. وَقد خرّج حَدِيثهَا أتمّ من هَذَا، وَفِيه التَّصْرِيح بِأَنَّهُ عبد.

(1/284)


(237 - (6) بَاب تَفْسِير ترك الْخطْبَة)
فِيهِ ابْن عمر: حِين تأيمت حَفْصَة لقى [عمر] أَبَا بكر. [قَالَ] فَقلت: إِن شِئْت أنكحك حَفْصَة، فَلَبثت ليالى ثمَّ خطبهَا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فلقيني أَبُو بكر، فَقَالَ: لم يَمْنعنِي أَن أرجع إِلَيْك فِيمَا عرضت عليّ إِلَّا أَنى قد علمت أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قد ذكرهَا، فَلم أكن لأفشى سرّ رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-، وَلَو تَركهَا لقبلتها.
قلت: رَضِي الله عَنْك! تقدم لَهُ " النَّهْي عَن الْخطْبَة على خطْبَة أَخِيه حَتَّى ينْكح أَو يدع " وَذكرهَا هُنَا فِي " تَفْسِير ترك الْخطْبَة " حَدِيث حَفْصَة، فأورد الشَّارِح أَنه لم يكن -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أعلم عمر بِالْخطْبَةِ فضلا عَن التراكن. فَكيف توقف أَبُو بكر عَن الْخطْبَة، أَو قبُولهَا من الْوَلِيّ؟ وَأجَاب بِأَن أَبَا بكر علم أَن عمر يُجيب النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ويرغب إِلَى ذَلِك. فَكَأَنَّهُ قد حصل التراكن بِلِسَان الْحَال، فَلهَذَا امْتنع.
وَبنى الشَّارِح الْأَمر على أَن البُخَارِيّ إِنَّمَا ترْجم على هَذَا التَّنْزِيل. وَالظَّاهِر - عِنْدِي - أَنه أَرَادَ أَن يُحَقّق امْتنَاع الْخطْبَة بامتناع أبي بكر هَذَا، وَلم ينبرم الْأَمر عَن الْخَاطِب وَالْوَلِيّ، فَكيف لَو تراكنا؟ وَكَأَنَّهُ من البُخَارِيّ اسْتِدْلَال بِأولى. وَالله أعلم.

(1/285)


(238 - (7) بَاب قَوْله تَعَالَى: {وآتو النِّسَاء صدقاتهن نحلة} [النِّسَاء: 4] وَكَثْرَة الْمهْر، وَأدنى مَا يجوز من الصَدَاق، وَقَوله تَعَالَى: {وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا} [النِّسَاء: 20] . وَقَوله تَعَالَى {أَو تفرضوا لَهُنَّ فَرِيضَة} [الْبَقَرَة: 236] . قَالَ سهل: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَلَو خَاتمًا من حَدِيد.)

فِيهِ أنس: إِن ابْن عَوْف تزوج امْرَأَة على وزن نواة من ذهب فَرَأى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بشاشة الْعَرُوس، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إنيّ تزوجت امْرَأَة على وزن نواة من ذهب.
قلت: رَضِي الله عَنْك! التَّرْجَمَة مُطَابقَة إِلَّا قَوْله: " وَأدنى مَا يجوز من الصَدَاق.
وَالظَّاهِر عِنْدِي أَن البُخَارِيّ يرى أَن لَا حدّ لأكثره، وَلَا أقلّه. وَهُوَ قَول مَشْهُور للْعُلَمَاء أَن الْمُعْتَبر فِيهِ التَّرَاضِي. فاستدلّ البُخَارِيّ على الْكثير بقول: {وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} ، وعَلى الْقَلِيل بقوله: {أَو تفرضوا لَهُنَّ فَرِيضَة} فَأطلق، دلّ أَنه غير مَحْدُود. وَالله أعلم.

(1/286)


(239 - (8) بَاب حق إِجَابَة الْوَلِيمَة والدعوة. وَمن أولم بسبعة أَيَّام وَنَحْوه. وَلم يوقّت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ)
فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فكّوا العاني، أجِيبُوا الدَّاعِي، وعودوا الْمَرِيض.
وَفِيه الْبَراء: أمرنَا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بِسبع، ونهانا عَن سبع. مِنْهَا إِجَابَة الدَّاعِي. وَذكر الحَدِيث.
وَفِيه سهل: دَعَا أَبُو أسيد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي عرسه، وَكَانَت امْرَأَته يومئذٍ خادمهم، وَهِي الْعَرُوس - أنقعت لَهُ تمرات من اللَّيْل. فلمّا أكل سقته إِيَّاه.
قلت: رَضِي الله عَنْك! ترْجم على جَوَاز الْوَلِيمَة سَبْعَة أَيَّام، وَلم يَأْتِ فِيهِ بِحَدِيث. وقصده الردّ على من أنكر الْيَوْم الثَّالِث، وَقَالَ: الثَّانِي فضل، وَالثَّالِث سمعة. فاستدل البُخَارِيّ على جَوَازه إِلَى سَبْعَة أَيَّام، وَنَحْوهَا بِإِطْلَاق الْأَمر بإجابة الدَّاعِي غير مقيّدة بِهَذِهِ: فاندرج فِيهِ السَّبْعَة الْمُدعى أَنَّهَا مَمْنُوعَة.

(1/287)


(240 - (9) بَاب حسن المعاشرة مَعَ الْأَهْل)
فِيهِ عَائِشَة: جلس إِحْدَى عشرَة امْرَأَة فتعاهدن أَن لَا يكتمن من أَخْبَار أَزوَاجهنَّ شَيْئا.
قَالَت الأولى: زَوجي لحم جملٍ غثّ على رَأس جبل، لَا سهلٍ فيرتقي، وَلَا سمين فَينْتَقل.
قَالَت الثَّانِيَة: زَوجي لَا أبث خَبره، إِنِّي أَخَاف أَن لَا أذره، إِن أذكرهُ أذكر عُجَره وبجره.
قَالَت الثَّالِثَة: زَوجي العشنق، إِن أنطق أطلق، وَإِن أسكت أعلق.
قَالَت الرَّابِعَة: زَوجي كليل تهَامَة لَا حرّ وَلَا قر، وَلَا مَخَافَة وَلَا سآمة.
قَالَت الْخَامِسَة: زَوجي إِن دخل فَهد، وَإِن خرج أَسد، وَلَا يسْأَل عَمَّا عهد.

(1/288)


قَالَت السَّادِسَة: زَوجي إِن أكل لف، وَإِن شرب اشتفّ، وَإِن اضْطجع التفّ وَلَا يولج الكفّ ليعلم البثّ.
قَالَت السَّابِعَة: زَوجي غياياء - أَو عياياء - طباقاء. كل دَاء لَهُ دَاء. شجك أفلّك، أَو جمع كلا لَك.
قَالَت الثَّامِنَة: زَوجي المسّ مسّ أرنب، وَالرِّيح ريح زرنب.
قَالَت التَّاسِعَة: زَوجي رفيع الْعِمَاد، طَوِيل النجاد، عَظِيم الرماد، قريب الْبَيْت من الناد.
قَالَت الْعَاشِرَة: زَوجي مَالك، وَمَا مَالك، مَالك خير من ذَلِك. لَهُ إبل كثيرات الْمُبَارك، وقليلات المسارح، وَإِذا سمعن صَوت المزهر أيقنّ أَنَّهُنَّ هوالك.
قَالَت الْحَادِيَة عشر: زَوجي أَبُو زرع، وَمَا أَبُو زرع؟ ، أنَاس من حلىّ أذنىّ، وملأ من شَحم عضديّ، بجحني فبجحت إليّ نَفسِي، وجدني فِي أهل غنيمَة بشقّ، فجعلني فِي أهل صَهِيل وأطيط ودائس ومنق. فَعنده أَقُول فَلَا أقبّح، وأرقد فأتصّبح، وأشرب فأتقنح.
أم أبي زرع فَمَا أم أبي ذرع؟ عكومها رواح، وبيتها فساح. ابْن أبي زرع فَمَا ابْن أبي زرع؟ مضجعه كمسلّ شطبة، ويشبعه زراع الجفرة. بنت أبي زرع فَمَا بنت أبي زرع؟ طوع أَبِيهَا وطوع أمّها، وملّ كسائها، وغيظ جارتها. جَارِيَة أبي زرع فَمَا جَارِيَة أبي زرع؟ لَا تبثّ حديثنا تبثيثاً، وَلَا تملأ بيتنا تعشيثاً.

(1/289)


قَالَت: خرج أَبُو زرع والأوطاب تمخض، فلقى امْرَأَة مَعهَا ولدان لَهَا كالفهدين يلعبان من تَحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها. فنكحت بعده رجلا سرياً. ركب شريا، وَأخذ خطياً، واراح علىّ نعما ثرّيا، وَأَعْطَانِي كلّ رَائِحَة زوجا. وَقَالَ: كلي أم زرع، وميرى أهلك.
قَالَت: فَلَو جمعت كل شَيْء أعطانيه مَا بلغ أصغرانية أبي زرع.
قَالَت عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - فَقَالَ لي رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: كنت لَك يَا عَائِشَة كَأبي زرعٍ لأم زرع.
وَفِيه عَائِشَة: كَانَ الْحَبَش يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ. فسترني رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَأَنا أنظر. فَمَا زلت أنظر حَتَّى كنت أَنا أنصرف، فاقدروا قدر الْجَارِيَة الحديثة السن تسمع اللَّهْو.
قلت: رَضِي الله عَنْك! نبّه بِهَذِهِ التَّرْجَمَة على أَن إِيرَاد هَذِه الْحِكَايَة من النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لَيْسَ خلياً عَن فَائِدَة شَرْعِيَّة، بل مُشْتَمِلًا عَلَيْهَا. وَتلك الْفَائِدَة: الْإِحْسَان فِي معاشرة الْأَهْل كَمَا ندب الله سُبْحَانَهُ إِلَيْهِ. وَفِي بعض طرقه أَنه قَالَ لَهَا: كنت لَك كَأبي زرع لأم زرع غير أَنِّي لَا أطلقك.

(1/290)


(241 - (10) بَاب قَول الرجل لصَاحبه هَل أعرستم اللَّيْلَة؟ وَطعن الرجل ابْنَته فِي الخاصرة عِنْد العتاب)
فِيهِ عَائِشَة: عَاتَبَنِي أَبُو بكر، وَجعل يطعن بِيَدِهِ فِي خاصرتي. فَلَا يَمْنعنِي من التحرك إِلَّا مَكَان رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على فَخذي.
قلت: رَضِي الله عَنْك! أوّل التَّرْجَمَة من حَدِيث أبي طَلْحَة لمّا توفى ابْنه أخرجه فِي " الْعَقِيقَة " وَلم يُخرجهُ هُنَا. وَسَاقه مَعَ طعن الرجل ابْنَته فِي الخاصرة.
وَالْجَامِع بَينهمَا أَن كلا الْأَمريْنِ مُسْتَثْنى فِي بعض الْحَالَات. فإمساك الرجل بخاصرة ابْنَته مَمْنُوع إِلَّا لمثل هَذِه الْحَاجة. وسؤال الرجل صَاحبه عَمَّا فعله فِي كسر بَيته مَمْنُوع. وَقد ورد النَّهْي فِيهِ إِلَّا فِي هَذِه الْحَالة الْمُقْتَضِيَة للبسط، ولتسلية الْمُصَاب، وَلَا سِيمَا مَعَ الصّلاح، وَانْتِفَاء الظنة، وَسقط المزاح.