المتواري على أبواب البخاري

(49 -[كتاب الصُّلْح] )

(264 - (1) بَاب إِذا اصْطَلحُوا على جور فَهُوَ مَرْدُود.)

فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة وَزيد بن خَالِد: جَاءَ أَعْرَابِي فَقَالَ: يَا رَسُول الله} اقْضِ بَيْننَا بِكِتَاب الله، فَقَامَ خَصمه، فَقَالَ: صدق اقْضِ بَيْننَا بِكِتَاب الله، فَقَامَ الْأَعرَابِي، فَقَالَ: إِن ابْني كَانَ عسيفاً على هَذَا، فزنا بامرأته، فَقَالُوا لي: على ابْنك الرَّجْم. ففديت ابْني مِنْهُ بِمِائَة من الْغنم ووليدة. ثمَّ سَأَلت أهل الْعلم فَقَالُوا: إِنَّمَا على ابْنك جلد مائَة، وتغريب عَام. فَقَالَ النَّبِي _[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]_: لأقضّينّ بَيْنكُمَا بِكِتَاب الله. أما الوليدة وَالْغنم فردّ عَلَيْك، وعَلى ابْنك جلد مائَة وتغريب عَام.

(1/311)


وَأما أَنْت يَا أنيس فاغد على امْرَأَة هَذَا، فارجمها فغدا عَلَيْهَا أنيس فرجمها.
وَفِيه عَائِشَة: قَالَ النَّبِي _[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]_ من أحدث فِي أمرنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ مَرْدُود.
قلت: رَضِي الله عَنْك! الصُّلْح على الْجور قد يكون من الْجَانِبَيْنِ، وَقد يكون من أَحدهمَا. مِثَاله فِي أَحدهمَا أَن يدعى عَلَيْهِ دينا فيجحده ويصالحه على بعض. فَهَذَا يَقُول الدَّافِع أَنه جور. وَلَا يرد بل يمْضِي. وَقد يتفقان على أَنه جور. وَذَلِكَ بِأَن يظنّ الدَّافِع أَن الدَّعْوَى لَو ثبتَتْ لزمَه مِنْهَا حق، فَيكْشف الْعَيْب لَهما إِن حكم الشَّرْع أَن هَذِه الدَّعْوَى لَو اعْترف بهَا، أَو ثبتَتْ ببينّة لم يلْزم فِيهَا حق. وَأَنَّهَا غير متوجهة إِلَى مَال الصُّلْح وَلَا بعضه. فَهَذَا جور يرد فِي مثله خلاف عِنْد مَالك - رَضِي الله عَنهُ -. قيل: يردّ اتبَاعا للْحَدِيث. وَقيل: يلْزم لقَوْله: " الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم ". وَقد فرط الدَّافِع فَكَأَنَّهُ تطوعّ. والتطوع يلْزم على أَهله بِالشُّرُوعِ فِيهِ.
(265 - (2) بَاب فضل الْإِصْلَاح بَين النَّاس وَالْعدْل بَينهم.)

فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- كل سلامي من النَّاس عَلَيْهِ صَدَقَة كلّ يَوْم تطلع فِيهِ الشَّمْس، يعدل بَين النَّاس صَدَقَة.

(1/312)


قلت: رَضِي الله عَنْك {ترْجم على الْإِصْلَاح وَالْعدْل. والْحَدِيث لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْعدْل. وَلَكِن لما خَاطب النَّاس كلهم بِالْعَدْلِ بَين النَّاس. وَقد علم أنّ فِي النَّاس الْحُكَّام وَغَيرهم، كَانَ عدل الْحَاكِم إِذا حكم، وَعدل غَيره إِذا أصلح.