المتواري على
أبواب البخاري (48 - كتاب الشَّهَادَات)
(255 - (1) بَاب مَا جَاءَ فِي الْبَيِّنَة على
الْمُدَّعِي)
وَقَوله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا
تداينتم بدين إِلَى أجل مُسَمّى - إِلَى قَوْله - وَالله
بِكُل شئ عليم) [الْبَقَرَة: 282] وَقَوله {ياأيها الَّذين
آمنُوا كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله، وَلَو على
أَنفسكُم أَو الْوَالِدين والأقربين - إِلَى قَوْله -
بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا} [النِّسَاء: 135] .
قلت: رَضِي الله عَنْك} وَجه الِاسْتِدْلَال بالاَى على
التَّرْجَمَة أَن الْمُدَّعِي لَو كَانَ مُصدقا بِلَا
بيّنة لم تكن حَاجَة إِلَى الْإِشْهَاد وَلَا إِلَى
كِتَابَة الْحُقُوق وإملائها. فالإرشاد على ذَلِك يدل على
الْحَاجة إِلَيْهِ. وَفِي ضمن ذَلِك أَن الْبَيِّنَة على
الْمُدعى.
(256 - (2) بَاب شَهَادَة المختبئ.)
وَأَجَازَهُ عَمْرو بن حُرَيْث قَالَ: وَكَذَلِكَ يفعل
بالكاذب الْفَاجِر وَقَالَ الشّعبِيّ
(1/303)
وَابْن سِيرِين وَعَطَاء وَقَتَادَة:
السّمع شَهَادَة. وَقَالَ الْحسن: لم يشهدوني على شَيْء،
وَلَكِن سَمِعت كَذَا وَكَذَا.
فِيهِ ابْن عمر: انْطلق النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- وأبى بن كَعْب يؤمّان النّخل الَّتِي فِيهَا ابْن
صياد حَتَّى إِذا دخل النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- طفق يتقى بجذوع النّخل. وَهُوَ يخْتل أَن يسمع من
ابْن صياد شَيْئا قبل أَن يرَاهُ. وَابْن صياد مُضْطَجع
على فرَاشه فِي قطيفة لَهُ فِيهَا رمرمة أَو زمزمة. فرأت
أم ابْن صياد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَهُوَ
يتقى بجذوع النّخل. فَقَالَت لِابْنِ صياد: أى صَاف {هَذَا
مُحَمَّد. فتناهى ابْن صياد. فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]-: لَو تركته لبين.
وَفِيه عَائِشَة: جَاءَت امْرَأَة رِفَاعَة الْقرظِيّ
إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَت: كنت
عِنْد رِفَاعَة فطلقني. فَأَبت طَلَاقي. فتزوجني عبد
الرَّحْمَن بن الزبير وإنمّا مَعَه مثل هدبة الثَّوْب.
فَقَالَ أَتُرِيدِينَ أَن تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَة. لَا،
حَتَّى تذوقين عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك. وَأَبُو
بكر جَالس، وخَالِد بن سعيد بن العَاصِي بِالْبَابِ
ينْتَظر أَن يُؤذن لَهُ. فَقَالَ: يَا أَبَا بكر} أما تسمع
إِلَى مَا تجْهر بِهِ هَذِه، عِنْد النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]-.
قلت: رَضِي الله عَنْك! مَوضِع الدَّلِيل من حَدِيث
زَوْجَة رِفَاعَة أَن خَالِد نقل عَنْهَا وَأنكر عَلَيْهَا
بِمُجَرَّد سَماع صَوتهَا، وَإِن كَانَ شخصها محتجباً
عَنهُ. وَهَذَا حَاصِل شَهَادَة المختبئ. وَالله أعلم.
(257 - (3) بَاب إِذا شهد شَاهد أَو شُهُود بِشَيْء
فَقَالَ آخَرُونَ: مَا علمنَا ذَلِك فَيحكم بقول من شهد.)
قَالَ الْحميدِي: هَذَا كَمَا أخبر بِلَال أَن النَّبِي
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- صلى فِي الْكَعْبَة. وَقَالَ
(1/304)
الْفضل: لم يصل وَأخذ النَّاس بِشَهَادَة
بِلَال. كَذَلِك إِن شهد شَاهِدَانِ أَن لفُلَان على فلَان
ألف دِرْهَم، وَشهد آخَرُونَ بِأَلف وَخمْس مائَة يقْضِي
بِالزِّيَادَةِ.
فِيهِ عقبَة بن الْحَارِث: إِنَّه تزوج بِنْتا لأبي إهَاب
بن عَزِيز، فَأَتَتْهُ امْرَأَة. فَقَالَت: قد أرضعت
عقبَة، وَالَّتِي تزوج. فَقَالَ لَهَا عقبَة: مَا أعلم
أَنَّك أرضعتني، وَلَا أَخْبَرتنِي. فَأرْسل إِلَى آل
إهَاب فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: مَا علمنَا أرضعت صاحبتنا.
فَركب إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-
بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ. فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]-: كَيفَ وَقد قيل؟ ففارقها ونكحت غَيره.
قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة حَدِيث عقبَة
للتَّرْجَمَة أَنه -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- رتب على
قَول المثبتة للرضاع إرشاده إِلَى الْفِرَاق، وَإِلَى
الْتِزَام الْوَرع وَرفع الشُّبْهَة. وَلَوْلَا ذَلِك لبقي
النِّكَاح على مَا كَانَ تَغْلِيبًا لقَوْل النَّافِي.
وَوَقع للشَّارِح فِي هَذَا الْبَاب وهم. فَتَأَمّله
(258 _ (4) بَاب شَهَادَة الْقَاذِف وَالسَّارِق
وَالزَّانِي.)
وَقَوله تَعَالَى: {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا.
وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذين تَابُوا}
[النُّور: 4 - 5] وَجلد عمر أَبَا بكرَة وشبل بن معبد
ونافعاً بِقَذْف الْمُغيرَة. ثمَّ استتابهم. فَقَالَ: من
تَابَ قبلت شَهَادَته. وَأَجَازَهُ عبد الله بن عتبَة
وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَسَعِيد بن جُبَير وَطَاوُس
وَمُجاهد وَالشعْبِيّ وَعِكْرِمَة
(1/305)
وَالزهْرِيّ ومحارب بن دثار وَشُرَيْح
وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة. وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد: الْأَمر
عندنَا بِالْمَدِينَةِ إِذا رَجَعَ الْقَاذِف عَن قَوْله،
فَاسْتَغْفر ربه قبلت شَهَادَته. وَقَالَ الشّعبِيّ
وَقَتَادَة: إِذا أكذب نَفسه جلد وَقبلت شَهَادَته.
وَقَالَ الثَّوْريّ: إِذا جلد العَبْد ثمَّ أعتق جَازَت
شَهَادَته. أَو إِن استقضى الْمَحْدُود فقضاياه جَائِزَة.
وَقَالَ بعض النَّاس: لَا تجوز شَهَادَة الْقَاذِف، وَإِن
تَابَ. ثمَّ قَالَ: يجوز نِكَاح بِغَيْر شَاهِدين. وَإِن
تزّوج بِشَهَادَة محدودين جَازَ. وَإِن تزوج بِشَهَادَة
عَبْدَيْنِ لم يجز وَأَجَازَ شَهَادَة الْمَحْدُود
وَالْعَبْد وَالْأمة لرؤية رَمَضَان. وَكَيف تعرف
تَوْبَته؟ وَقد نفى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-
الزَّانِي سنة. وَنهى عَن كَلَام كَعْب بن مَالك وصاحبيه
حَتَّى مضى خَمْسُونَ لَيْلَة.
فِيهِ عَائِشَة: إِن امْرَأَة سرقت فِي غَزْوَة الْفَتْح
فَأتى بهَا إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-
فَأمر بهَا فَقطعت يَدهَا. قَالَت عَائِشَة: فحسنت توبتها.
وَتَزَوَّجت وَكَانَت تَأتِينِي بعد ذَلِك. فأرفع
حَاجَتهَا إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-.
وَفِيه زيد بن خَالِد: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- أَمر فِيمَن زنا وَلم يحصن بجلد مائَة وتغريب
عَام.
قلت: رَضِي الله عَنْك! قَوْله فِي التَّرْجَمَة: وَكَيف
تعرف تَوْبَته؟ كالترجمة المستقلة المعطوفة ثمَّ بَين
كَيْفيَّة الْمعرفَة بِالتَّوْبَةِ بتغريب من يغرب مُدَّة
مَعْلُومَة، وبهجران الثَّلَاثَة مُدَّة مَعْلُومَة حَتَّى
تتَحَقَّق التَّوْبَة وتحسن الْحَال بِخَير إِلَى أَن
التَّوْبَة قه تظهر بقرائن الْأَحْوَال وبالأسباب المضيقة
على العَاصِي فَإِنَّهَا زواجر تندمه على جريمته فِي
الْغَالِب.
وأشكل مَا فِي ذَلِك تَوْبَة الْقَاذِف المحق إِذا لم يكمل
النّصاب. أما الْقَاذِف
(1/306)
الْكَاذِب فِي الْقَذْف فتوبته بَيِّنَة.
وَأما الصَّادِق فِي قذفه كَيفَ يَتُوب فِيمَا بَينه
وَبَين الله تَعَالَى؟ وأشبه مَا ذَلِك عِنْدِي أَن
المعاين للفاحشة لَا يجوز لَهُ أَن يكْشف صَاحبهَا إِلَّا
إِذا تحقق كَمَال النّصاب مَعَه. فَإِذا كشفه حَيْثُ لَا
نِصَاب فقد عصى الله، وَإِن كَانَ صَادِقا فيتوب من
الْمعْصِيَة فِي الإعلان، لَا من الصدْق. وَالله أعلم.
(259 - (5) بَاب شَهَادَة الْأَعْمَى وَأمره ونكاحه
وإنكاحه ومبايعته)
وقبوله فِي التأذين. وَمَا يعرف بالأصوات. وَأَجَازَ
شَهَادَته الْقَاسِم وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَالزهْرِيّ
وَعَطَاء. وَقَالَ الشّعبِيّ: تجوز شَهَادَته إِذا كَانَ
عَاقِلا. وَقَالَ الحكم: رب شَيْء تجوز فِيهِ. وَقَالَ
الزُّهْرِيّ: أَرَأَيْت ابْن عَبَّاس لَو شهد على شَهَادَة
إِن كنت ترده؟ وَكَانَ ابْن عَبَّاس يبْعَث رجلا إِذا
غَابَتْ الشَّمْس أفطر. وَيسْأل عَن الْفجْر فَإِذا قيل
لَهُ طلع، صلى رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ سُلَيْمَان ابْن
يسَار: اسْتَأْذَنت على عَائِشَة فَعرفت قَالَت:
سُلَيْمَان {ادخل فَإنَّك مَمْلُوك مَا بقى عَلَيْك شَيْء
وَأَجَازَ سَمُرَة شَهَادَة امْرَأَة منتقبة.
فِيهِ عَائِشَة: سمع النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-
رجلا يقْرَأ فِي الْمَسْجِد فَقَالَ: رَحمَه الله} لقد
أذكرني فِي كَذَا آيَة أسقطتهن من سُورَة كَذَا وَكَذَا.
وَقَالَت عَائِشَة: هجّد النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] فِي بَيْتِي فَسمع صَوت عباد يصلى فِي الْمَسْجِد.
فَقَالَ: يَا عَائِشَة أصوت
(1/307)
عبّاد هَذَا؟ قلت: نعم. قَالَ: اللَّهُمَّ
ارْحَمْ عباداً.
وَفِيه ابْن عمر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]-: إِن بِلَالًا يؤذّن بلَيْل. فَكُلُوا وَاشْرَبُوا
حَتَّى يُؤذن ابْن أم كُلْثُوم. وَكَانَ أعمى، لَا يُؤذن
حَتَّى يَقُول لَهُ النَّاس: أَصبَحت.
وَفِيه الْمسور: قدمت على رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- أقبية فَقَالَ لي أبي: انْطلق بِنَا عَسى أَن
يُعْطِينَا مِنْهَا شَيْئا. فَقَامَ أبي على الْبَاب،
فَتكلم. فَعرف النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-
صَوته. فَخرج النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-
وَمَعَهُ قبَاء وَهُوَ يرِيه محاسنه وَيَقُول: خبأت هَذَا
لَك، خبأت هَذَا لَك.
قلت: رَضِي الله عَنْك! الْجَامِع بَين هَذِه الْأَحَادِيث
معرفَة الصَّوْت وتمييز صَاحبه بِهِ، كتميزه بشخصه لَو
رَآهُ. ويقتضى ذَلِك صِحَة شَهَادَة الْأَعْمَى على
الصَّوْت. وَأما كَون ابْن عَبَّاس كَانَ يبْعَث رجلا
يُخبرهُ بغيبوبة الشَّمْس وَإِن لم يعاينها اكْتِفَاء
بِخَبَر الْوَاحِد مَعَ قَرَائِن الْأَحْوَال. وَلَعَلَّ
البُخَارِيّ يُشِير بِحَدِيث ابْن عَبَّاس إِلَى شَهَادَة
الْأَعْمَى على التَّعْرِيف، أَي يعرف أَن هَذَا فلَان.
فَإِذا عرف شهد وَشَهَادَة التَّعْرِيف مُخْتَلف فِيهَا
عِنْد مَالك _ رَحمَه الله تَعَالَى _ وَكَذَلِكَ
الْبَصِير إِذا لم يعرف نسب الشَّخْص، فَعرفهُ بنسبه من
وثق بِهِ. فَهَل يشْهد على فلَان ابْن فلَان بنسبه أَو
لَا؟ مُخْتَلف فِيهِ أَيْضا.
(260 - (6) بَاب إِذا زكى رجل رجلا كَفاهُ)
وَقَالَ أَبُو جميلَة: وجدت مَنْبُوذًا فَلَمَّا رَآنِي
عمر كَأَنَّهُ يتهمني. قَالَ عريفي:
(1/308)
إِنَّه رجل صَالح قَالَ: كَذَلِك. قَالَ:
اذْهَبْ وعلينا نَفَقَته.
فِيهِ أَبُو بكرَة: أثنى رجل على رجل عِنْد النَّبِي -[صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ: وَيلك قطعت عنق صَاحبك
مرَارًا. ثمَّ قَالَ: من كَانَ مِنْكُم مادحاً أَخَاهُ لَا
محَالة، فَلْيقل: أَحسب فلَانا وَالله حسيبه. وَلَا أزكّى
على الله أحدا. أَحْسبهُ كَذَا وَكَذَا إِن الله يعلم
ذَلِك مِنْهُ.
قلت: رَضِي الله عَنْك! استدلاله على التَّرْجَمَة
بِحَدِيث أبي بكرَة ضَعِيف فَإِن غَايَته أَن النَّبِي
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- اعْتبر تَزْكِيَة الرجل
أَخَاهُ إِذا اقتصد وَلم يتغال. وَالِاعْتِبَار قد يكون
لِأَنَّهُ جُزْء النّصاب، وَقد يكون لِأَنَّهُ كافٍ
فَهَذَا مسكوت عَنهُ.
(261 - (7) بَاب الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ فِي
الْأَمْوَال وَالْحُدُود)
وَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: شَاهِدَاك
أَو يَمِينه. وَقَالَ ابْن شبْرمَة: كلمني أَبُو الزِّنَاد
فِي شَهَادَة الشَّاهِد وَيَمِين الْمُدعى فَقلت: قَالَ
الله: {واستشهدوا شَاهِدين من رجالكم فَإِن لم يَكُونَا
رجلَيْنِ فرجلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن ترْضونَ من
الشُّهَدَاء أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا
الْأُخْرَى} [الْبَقَرَة: 282] مَا كَانَ يصنع بِذكر هَذِه
الْأُخْرَى؟
فِيهِ ابْن عَبَّاس: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- قضى بِالْيَمِينِ على المدّعى عَلَيْهِ.
وَفِيه عبد الله: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- قَالَ: شَاهِدَاك أَو يَمِينه.
(1/309)
قلت: رَضِي الله عَنْك {الْأَحَادِيث
والْآثَار مُطَابقَة لترجمته من حَيْثُ الْإِطْلَاق.
(262 - (8) بَاب إِذا ادّعى أَو قذف فَلهُ أَن يلْتَمس
البيّنة)
فِيهِ ابْن عَبَّاس: أَن هِلَال بن أُميَّة قذف امْرَأَته
عِنْد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ
النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: البينّة أَو حدّ
فِي ظهرك. فَقَالَ: يَا رَسُول الله} إِذا رأى أَحَدنَا
على امْرَأَته رجلا ينْطَلق يلْتَمس الْبَيِّنَة؟ فَجعل
يَقُول: البيّنة وَإِلَّا حدّ فِي ظهرك. فَذكر حَدِيث
اللّعان.
قلت: رَضِي الله عَنْك! رأى البُخَارِيّ أَن الْقَاذِف
يُمكن من السَّعْي فِي البيّنة على الْمَقْذُوف أَنه زنا
وَلَا يرد عَلَيْهِ أَن الحَدِيث فِي الزَّوْجَيْنِ.
وَالزَّوْج لَهُ مخرج من الْحَد بِاللّعانِ إِن عجز عَن
البيّنة، بِخِلَاف الْأَجْنَبِيّ لأَنا نقُول إِنَّمَا
كَانَ هَذَا وَقَوله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: انْطلق
قبل نزُول اللّعان، حَيْثُ كَانَ الزَّوْج وَالْأَجْنَبِيّ
سَوَاء. فاستقام الدَّلِيل.
(263 - (9) بَاب من أَقَامَ الْيَمين بعد البينّة)
وَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لعلّ
بَعْضكُم أَلحن بحجّته من بعض. وَقَالَ شُرَيْح
(1/310)
وَطَاوُس وَإِبْرَاهِيم: البيّنة العادلة أَحَق من البيّنة
الْفَاجِرَة.
فِيهِ أم سَلمَة: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- قَالَ: إِنَّكُم تختصمون إلىّ. ولعلّ بَعْضكُم
أَلحن بحجته من بعض. فَمن قضيت لَهُ من حق أَخِيه شَيْئا
بقوله، فَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار، فَلَا
يَأْخُذهَا.
قلت: رَضِي الله عَنْك {مَوضِع الاستشهاد من حَدِيث أم
سَلمَة أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يَجْعَل
الْيَمين الكاذبة مُقَيّدَة حلا وَلَا قطعا لحق المحق. بل
نَهَاهُ بعد يَمِينه عَن الْقَبْض، وساوى بَين حالتيه بعد
الْيَمين وَقبلهَا فِي التَّحْرِيم. فَيُؤذن ذَلِك
بِبَقَاء حق صَاحب الْحق على مَا كَانَ عَلَيْهِ. فَإِذا
ظفر فِي حَقه ببينّة فَهُوَ بَاقٍ على الْقيام بهَا، لم
يسْقط أصل حَقه من ذمَّته مقتطعة بِالْيَمِينِ. |