المتواري على أبواب البخاري

 (52 -[كتاب الْأَحْكَام] )

(275 - (1) بَاب هَل يقْضى القَاضِي أَو يُفْتى وَهُوَ غَضْبَان)
فِيهِ أَبُو بكرَة: إِنَّه كتب إِلَى ابْنه - وَكَانَ بسجستان - بِأَن لَا تقضى بَين اثْنَيْنِ، وَأَنت غَضْبَان، فإنى سَمِعت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول: " لَا يقْضى حكم بَين اثْنَيْنِ، وَهُوَ غَضْبَان ".
وَفِيه أَبُو مَسْعُود: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ: وَالله إِنِّي أتأخر عَن صَلَاة الْغَدَاة من أجل مَا يُطِيل بِنَا فلَان فِيهَا. فَمَا رَأَيْت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قطّ أشدّ غَضبا فِي موعظة مِنْهُ يؤمئذٍ، ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس {إِن فِيكُم منفّرين فَأَيكُمْ مَا صلىّ بِالنَّاسِ فليوجز فَإِن فِيكُم الْكَبِير وَالصَّغِير وَذَا الْحَاجة.
وَفِيه ابْن عمر: إِنَّه طلق امْرَأَته - وَهِي حَائِض - فَذكر عمر للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فتغيّظ فِيهِ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-، ثمَّ قَالَ: فَلْيُرَاجِعهَا، ثمَّ ليمسكها.
قلت: رَضِي الله عَنْك} أَدخل فِي تَرْجَمَة الْبَاب الحَدِيث الأول، وَهُوَ دَلِيل على منع الْغَضَب. وَأدْخل الحَدِيث الثَّانِي وَهُوَ دَلِيل جَوَاز الْقَضَاء مَعَ الْغَضَب تَنْبِيها مِنْهُ على الْجمع. فَأَما أَن يحمل قَضَاء النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على الخصوصية بِهِ للعصمة، والأمن من التَّعَدِّي. وَأما أَن يُقَال: إِن غضب للحق فَلَا يمنعهُ ذَلِك من الْقَضَاء مثل غَضَبه -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-. وَإِن غضب غَضبا مُعْتَادا دنيوياً، فَهَذَا هُوَ الْمَانِع - وَالله أعلم -. كَمَا قيل فِي شَهَادَة العدّو إِنَّهَا تقبل إِن كَانَت الْعَدَاوَة دينيّة، وَترد إِن كَانَت دنيوية. وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.

(1/326)


(276 - (2) بَاب من لم يكترث بطعن من لَا يعلم فِي الْأُمَرَاء)
فِيهِ ابْن عمر: بعث النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بعثاً وأمّر عَلَيْهِم أُسَامَة بن زيد فطعن فِي إمارته، فَقَالَ: إِن تطعنوا فِي إمارته فقد كُنْتُم تطعنون فِي إِمَارَة أَبِيه من قبل وأيم الله إِن كَانَ لخليقاً للإمرة، وَإِن هَذَا لمن أحبّ النَّاس إلىّ بعده ".
قلت: رَضِي الله عَنْك {لعلّه عَنى بقوله: " بَاب من لم يكترث بطعن من لَا يعلم " وَعدل عَن قَوْله: " بَاب عدم الاكتراث " للتّنْبِيه على أَن الْحَال تخْتَلف فالمنقول عَنهُ أَنه اكترث بالطعن على سعد، وَسعد مكانته من الدّين مَشْهُورَة. وَلِهَذَا قَالَ لَهُ عمر لما اعتذر، وتبّرأ: ذَلِك الظَّن بك يَا أَبَا اسحق} .
وَالْفرق بَين الْحَالَتَيْنِ أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قطع بِحَال أُسَامَة، وبسلامة الْعَاقِبَة، ونجاحها فِي ولَايَته فَلم يُعَارض الْعلم طعن.
وَأما عمر - رَضِي الله عَنهُ - فَإِن حَاله الظَّن، وَالظَّن لَا يبعد عَنهُ الطعْن فَعمل بِالِاحْتِيَاطِ. وَالله أعلم.
(277 - (3) بَاب تَرْجَمَة الْحَاكِم، وَهل يجوز ترجمان وَاحِد)
وَقَالَ خَارِجَة بن زيد بن ثَابت أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أمره أَن يتعلّم

(1/327)


كتاب الْيَهُود حَتَّى كتب للنَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-، وأقرأه كتبهمْ إِذا كتبُوا إِلَيْهِ وَقَالَ عمر وَعِنْده عليّ وَعبد الرَّحْمَن وَعُثْمَان -: مَاذَا تَقول هَذِه؟ .
قَالَ عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب: تخبرك بصاحبها الَّذِي صنع بهَا.
وَقَالَ أَبُو جَمْرَة: كنت أترجم بَين يَدي ابْن عَبَّاس وَبَين النَّاس.
وَقَالَ بعض النَّاس: لابد للْحَاكِم من مترجمين.
فِيهِ ابْن عَبَّاس: أَن أَبَا سُفْيَان أخبرهُ أَن هِرقل أرسل إِلَيْهِ فِي ركب من قُرَيْش. ثمَّ قَالَ لِترْجُمَانِهِ: قل لَهُم إِنِّي سَائل هَذَا فَإِن كَذبَنِي فكذّبوه - فَذكر الحَدِيث - فَقَالَ للترجمان قل لَهُ: إِن كَانَ مَا تَقول حَقًا فسيملك مَوضِع قدمىّ هَاتين.
قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه الدَّلِيل من قصَّة هِرقل، مَعَ أَن فعله لَا يحتجّ بِهِ صوّب من رَأْيه. وَكَثِيرًا مِمَّا رَآهُ فِي هَذِه الْقِصَّة صَوَاب مُوَافق للحق.
فموضع الدَّلِيل تصويب حَملَة الشَّرِيعَة لهَذَا وَأَمْثَاله من رَأْيه، وَحسن تفطنه، ومناسبة استدلاله.

(1/328)


(278 - (4) بَاب بيعَة الصَّغِير)
فِيهِ أَبُو عقيل زهرَة بن معبد: عَن جدّه عبد الله بن هِشَام، وَكَانَ قد أدْرك النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَذَهَبت بِهِ أمه زَيْنَب بنت حميد إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَت: يَا رَسُول الله {بَايعه. فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: هُوَ صَغِير. فَمسح رَأسه، ودعا لَهُ.
قلت: رَضِي الله عَنْك} يعْنى بقوله: " بَاب بيعَة الصَّغِير " أَي عدم انْعِقَادهَا شرطا، لأنّه -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لم يبايعه. فالترجمة موهمة، والْحَدِيث يزِيل إيهامها.
(279 - (5) بَاب بيعَة النِّسَاء. رَوَاهُ ابْن عَبَّاس)
فِيهِ عبَادَة: قَالَ لنا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَنحن فِي مجْلِس: بايعوني على أَن لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَان تفترونه بَين أَيْدِيكُم وأرجلكم، وَلَا تعصوا فِي مَعْرُوف. فَمن وفى مِنْكُم فَأَجره على الله. الحَدِيث.
وَفِيه عَائِشَة - رضى الله عَنْهَا -: كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يُبَايع النِّسَاء بالْكلَام بِهَذِهِ الْآيَة: {وَلَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا} قَالَت: وَمَا مسّت يَد رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَد امْرَأَة، إلاّ امْرَأَة يملكهَا.
وَفِيه أم عطيّة: بَايعنَا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَرَأَ: {على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا، وَلَا يَسْرِقن} [الممتحنة: 12] ونهانا عَن النِّيَاحَة. الحَدِيث.

(1/329)


[قلت] : رَضِي الله عَنْك {أَدخل حَدِيث عبَادَة فِي التَّرْجَمَة على بيعَة النِّسَاء، فَإِنَّهَا وَردت فِي نصّ الْكتاب الْعَزِيز فِي حق النِّسَاء، ثمَّ اسْتعْملت فِي حق الرِّجَال، فَصَارَت الْبيعَة معروفه بِهن. وَالله أعلم.