المتواري على
أبواب البخاري (53 -[كتاب الْإِكْرَاه] )
(280 - (1) بَاب فِي بيع الْمُكْره فِي الْحق وَغَيره)
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: بَيْنَمَا نَحن فِي الْمَسْجِد
إِذْ خرج إِلَيْنَا رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- فَقَالَ: انْطَلقُوا إِلَى يهود، فخرجنا مَعَه
جِئْنَا بَيت الْمدَارِس. فَقَامَ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- فناداهم: يَا معشر يهود} أَسْلمُوا
تسلموا فَقَالُوا: فقد بلغت يَا أَبَا الْقَاسِم. قَالَ:
ذَاك أُرِيد ثمَّ قَالَهَا ثَلَاثًا. فَقَالَ: اعلموا
أَنما الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ، وأنّى اريد أَن أجليكم
فَمن وجد مِنْكُم بِمَالِه شَيْئا فليبعه، وَإِلَّا
فاعلموا أَن الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ.
قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قيل: ترْجم على بيع الْمُكْره
فِي الْحق وَغَيره وَلم يذكر إِلَّا بيع الْيَهُود
وَأَمْوَالهمْ مكرهين على الْجلاء وَالْإِكْرَاه بِحَق لَا
غير. فَمَا موقع قَوْله: " وَغَيره ".
قلت: يحْتَمل أَن يُرِيد: " بَاب بيع الْمُكْره فِي الدّين
مثلا وَغَيره ". وَالْكل حق وَذكر الحَدِيث لأَنهم
أكْرهُوا على بيع أَمْوَالهم، لَا لحق عَلَيْهِم، وَلَكِن
كَانَ
(1/330)
الْإِكْرَاه حَقًا. فالإكراه على البيع فِي
الْحق، ولسبب آخر غير مالىّ سَوَاء فِي نُفُوذ البيع،
كَمَا نقل عَن مَالك أَن الْمُفْسد يلْزم بيع دَاره لحق
جَاره فِي إبعاده عَنهُ على تَفْصِيل عِنْد الْفُقَهَاء.
(281 - (2) بَاب إِذا استكرهت الْمَرْأَة على الزِّنَا
فَلَا حدّ عَلَيْهَا.)
لقَوْله تَعَالَى: {وَمن يكرههن فإنّ الله من بعد إكراههن
غفورٌ رَحِيم} [النُّور: 33] .
وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنَا نَافِع أَن صَفِيَّة بنت أَبى
عُبَيْدَة أخْبرته أَن عبدا من رَقِيق الْإِمَارَة وَقع
على وليدة من الْخمس. فاستكرهها حَتَّى اقتضّها، فجلده عمر
الحدّ، ونفاه، وَلم يجلد الوليدة من أجل أَنه استكرهها.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ فِي الْأمة الْبكر يفترعها الْحر:
يُقيم ذَلِك الحكم من الْأمة الْعَذْرَاء بِقدر ثمنهَا
ويجلد. وَلَيْسَ فِي الثيّب فِي قَضَاء الْأَئِمَّة غرم،
وَلَكِن عَلَيْهِ الْحَد.
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: هَاجر إِبْرَاهِيم بسارة، دخل بهَا
قَرْيَة فِيهَا ملك من الْمُلُوك - أَو جبّار من
الْجَبَابِرَة - فَأرْسل إِلَيْهِ أَن أرسل بهَا إلىّ.
فَأرْسل بهَا. فَقَامَ إِلَيْهَا. فَقَامَتْ تَوَضَّأ
وتصلىّ. فَقَالَت: اللَّهُمَّ إنيّ كنت آمَنت بك وبرسولك
فَلَا تسلّط على الْكَافِر. فغطّ حَتَّى ضرب بِرجلِهِ.
قلت: رَضِي الله عَنْك! إِدْخَال حَدِيث سارة فِي
التَّرْجَمَة غير حسن، وَلَا
(1/331)
مُطَابق إِلَّا من جِهَة الْمَلَامَة
[عَنْهَا فِي الْخلْوَة لكَونهَا كَانَت مُكْرَهَة على
ذَلِك] وَظُهُور الْكَرَامَة فِي إِجَابَة الدعْوَة. وَلم
يكن من الْأَدَب الْحسن إِدْخَال الحَدِيث فِي
التَّرْجَمَة بِالْجُمْلَةِ. وَالله الْمُوفق.
(54 - كتاب [الْحِيَل] )
(282 - (1) بَاب ترك الْحِيَل والأعمال بِالنِّيَّاتِ،
وَإِن لكل امْرِئ مَا نوى فِي الْأَيْمَان وَغَيره.)
فِيهِ عمر: يَقُول سَمِعت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- يَقُول: إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِن
لكل امْرِئ مَا نوى. فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله
وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله. وَمن هَاجر
إِلَى دنيا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة يتزوّجها، فَهجرَته
إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ.
قلت: رَضِي الله عَنْك! أَدخل التّرْك فِي التَّرْجَمَة
حذرا من إِيهَام إجَازَة الْحِيَل، وَهُوَ شَدِيد على من
أجازها، فتجرى فِي التَّرْجَمَة خلاف إِطْلَاقه فِي
قَوْله: " بَاب بيعَة الصَّغِير "، وَإِن كَانَ -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- لم يبايعه كَمَا تقدّم آنِفا. وَلَكِن
لَا تدخل بيعَته الْإِنْكَار كالحيل، وَلِهَذَا عوضه عَن
الْبيعَة أَن دَعَا لَهُ، وَمسح رَأسه وَالله أعلم.
(1/332)
(283 - (2) بَاب فِي الصَّلَاة)
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- لَا يقبل الله صَلَاة أحدكُم إِذا أحدث حَتَّى
يتَوَضَّأ.
قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قلت مَا موقعها؟ .
قلت: عدّ قَول أبي حنيفَة أَن الْمُحدث عمدا فِي أثْنَاء
الْجُلُوس الْأَخير كَالْمُسلمِ، من التحّيل لتصحيح
الصَّلَاة مَعَ الْحَدث، لِأَن البُخَارِيّ - رَحمَه الله
- بنى على أَن التحلّل من الصَّلَاة ركن مِنْهَا، فَلَا
يقبل مَعَ الْحَدث. وَالَّذِي قبله بنى على أَن التحلّل
ضدها، لَا ركنها، فتحيّل لقبوله بِهَذَا الرَّأْي. |