المتواري على
أبواب البخاري (56 - كتاب الْمُحَاربين)
(287 - (1) بَاب الْمُحَاربين من أهل الْكفْر والردّة)
وَقَوله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ
الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا}
[الْمَائِدَة: 33] .
فِيهِ أنس: قَالَ: قدم على النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- نفر عَن عكل، فأسلموا، فاجتووا
(1/335)
الْمَدِينَة فَأَمرهمْ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- أَن يَأْتُوا إبل الصَّدَقَة فيشربوا من
أَلْبَانهَا وَأَبْوَالهَا. فَفَعَلُوا فصحّوا،
فَارْتَدُّوا فَقتلُوا راعيها، وَاسْتَاقُوا الْإِبِل.
فَبعث فِي آثَارهم. فَأتى بهم فَقطع أَيْديهم وأرجلهم،
وسمل أَعينهم، ثمَّ لم يحسمهم حَتَّى مَاتُوا.
قلت: رَضِي الله عَنْك {ترْجم على الْمُحَاربين الْكفَّار،
وَأدْخل الْآيَة وَهِي عامّة لَا تخصّ الْكَافِر. وَبهَا
اسْتدلَّ الْفُقَهَاء على أَحْكَام الْمُحَاربين
الْمُسلمين. وَلَكِن - وَالله أعلم - بنى على قَول من
قَالَ: إِنَّهَا نزلت فِي هَؤُلَاءِ النَّفر المرتدّين.
وَهُوَ قَول قَتَادَة.
(288 - (2) بَاب الرَّجْم فِي البلاط)
فِيهِ ابْن عمر: أَتَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّة، قيل: زَنَيَا
جَمِيعًا فَقَالَ لَهُم: مَا تَجِدُونَ فِي كتابكُمْ؟
فَقَالُوا: إِن أحبارنا أَحْدَثُوا تحميم الْوَجْه،
وَالتَّجْبِيَة.
قَالَ ابْن سَلام: ادعهم يَا رَسُول الله بِالتَّوْرَاةِ.
فَأتى بهَا، فَوضع يَده على آيَة الرَّجْم، وَجعل يقْرَأ
مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا. فَقَالَ لَهُ ابْن سَلام:
ارْفَعْ يدك فَرفع يَده، فَإِذا آيَة الرَّجْم تَحت يَده،
فَأمر بهما النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-
فَرُجِمَا عِنْد البلاط. فَرَأَيْت الْيَهُودِيّ أجنأ
عَلَيْهَا.
قلت: رَضِي الله عَنْك} اسْتشْكل ابْن بطال تَرْجَمته
هَذِه، وَقَالَ: البلاط
(1/336)
وَغَيره سَوَاء. أَي فَلَا فَائِدَة للاحتجاج على صُورَة
هِيَ غير مَقْصُودَة. وَيحْتَمل عِنْدِي فائدتين تقصدان:
إِحْدَاهمَا أَن نبّه أَن الرَّجْم لَا يخْتَص بمَكَان
مَخْصُوص لِأَنَّهُ مرّة رجم بالبلاط، ومرّة بالمصلى،
وَهُوَ الحَدِيث الَّذِي ترْجم عَلَيْهِ يلى هَذِه
التَّرْجَمَة.
وَيحْتَمل أَن نبّه على أَنه لم يحْفر للْمَرْأَة لِأَن
البلاط لَا يحْفر فِيهِ عَادَة. كَمَا اسْتدلَّ على عدم
الْحفر بِكَوْن الْيَهُودِيّ أكبّ عَلَيْهَا يَقِيهَا
بِنَفسِهِ على أَن مِنْهُم من قَالَ: إِن البلاط هُوَ
الأَرْض الملساء الصلبة. وَالظَّاهِر أَن البلاط مَكَان
مَعْرُوف عِنْدهم بِالْمَدِينَةِ وباقٍ على الْعرف
الْمَعْهُود فِي إِطْلَاقه كَمَا قدّمناه. |