المتواري على
أبواب البخاري (59 -[كتاب الاسْتِئْذَان] )
(294 - (1) بَاب قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ حَتَّى
تستأنسوا أَو تسلموا على أَهلهَا} - إِلَى - {وَمَا
تكتمون} [النُّور: 27 - 29] .)
وَقَالَ سعيد بن أبي الْحسن لِلْحسنِ: إِن نسَاء الْعَجم
يكشفن رُؤْسهنَّ وصدروهن. قَالَ: اصرف بَصرك. وَقَوله
تَعَالَى: {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم ويحفظوا
فروجهم} [النُّور: 30] قَالَ قَتَادَة: عمّا لَا يحل
لَهُم: {وَقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن}
[النُّور: 31] خَائِنَة الْأَعْين: النّظر إِلَى مَا
ينْهَى عَنهُ
(1/346)
وَقَالَ الزُّهْرِيّ فِي النّظر إِلَى
الَّتِي لم تحل من النِّسَاء: لَا يصلح النّظر إِلَى شَيْء
مِنْهَا وَإِن كَانَت صَغِيرَة. وَكره عَطاء النّظر فِي
الْجَوَارِي يبعن بِمَكَّة إِلَّا أَن يُرِيد أَن
يَشْتَرِي.
فِيهِ ابْن عَبَّاس: أرْدف النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- الْفضل بن عَبَّاس يَوْم النَّحْر خَلفه على عجز
رَاحِلَته، وَكَانَ الْفضل رجلا مضيئاً. فَوقف النَّبِي
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- للنَّاس يفتيهم. وَأَقْبَلت
امْرَأَة من خثعم وضيئة تستفتى النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- وَالْفضل ينظر إِلَيْهَا. فأخلف يَده
فَأخذ بذقن الْفضل، فَعدل وَجهه عَن النّظر إِلَيْهَا.
الحَدِيث.
وَفِيه أَبُو سعيد: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- قَالَ: إيَّاكُمْ وَالْجُلُوس بالطرقات. قَالُوا:
يَا رَسُول الله {مَا لنا من مجالسنا بُد نتحدث بهَا.
قَالَ: فَإِذا أَبَيْتُم إِلَّا الْمجَالِس فأعطوا
الطَّرِيق حَقه. قَالُوا: وَمَا حق الطَّرِيق؟ قَالَ: غض
الْبَصَر، وكفّ الْأَذَى، وردّ السَّلَام، وَالْأَمر
بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَن الْمُنكر.
قلت: رَضِي الله عَنْك} وَجه الْجمع بَين التَّرْجَمَة
بِالْآيَةِ وَبَين الْآثَار والآيات الْمَذْكُورَة
بعْدهَا، أَن الِاسْتِئْنَاس هُوَ الاسْتِئْذَان. إِنَّمَا
جعل من أجل النّظر خشيَة أَن ترى الْعَوْرَة فَجْأَة. فقرر
بالآثار أَن رُؤْيَة الْعَوْرَة محرم ومنهى عَنهُ. فَإِذا
كَانَ الهجوم بِلَا اسْتِئْذَان ذَرِيعَة إِلَيْهِ وَجب
تَحْرِيمه لأدائه إِلَى الْمحرم.
(295 - (2) بَاب إِذا دعى فجَاء، هَل يسْتَأْذن؟)
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: عَنهُ - عَلَيْهِ السَّلَام -
قَالَ: هُوَ إِذْنه.
(1/347)
وَفِيه: أَنه دعى أهل الصّفة فَأَقْبَلُوا،
فَاسْتَأْذنُوا.
قلت: رَضِي الله عَنْك {أورد البُخَارِيّ الْحَدِيثين،
ظاهرهما التَّعَارُض لينبّه على الْجمع. وَوَجهه أَن
الحَدِيث الأول فِيمَن دعى بِالْبَابِ مثلا، فَهَذَا لَا
يسْتَأْذن. وَالْعَادَة تشهد بذلك. وَالله أعلم.
(296 - (3) بَاب كَيفَ يكْتب إِلَى أهل الْكتاب)
فِيهِ ابْن عَبَّاس: إِن أَبَا سُفْيَان أخبرهُ أَن هِرقل
أرسل إِلَيْهِ فِي نفر وَكَانُوا الحَدِيث - ثمَّ دَعَا
بِكِتَاب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَإِذا
فِيهِ:
" بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، من مُحَمَّد بن عبد
الله وَرَسُوله، إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم. سَلام على من
اتّبع الْهدى. أما بعد ... ".
قلت: رَضِي الله عَنْك} وهم ابْن بطال فاستدل بِالْكتاب
على جَوَاز بداءة أهل الْكتاب بِالسَّلَامِ، وَلَيْسَ
فِيهِ إلاّ سَلام على من اتّبع الْهدى. فَكَأَنَّهُ سَلام
مُعَلّق على إسْلَامهمْ. وَالْمُعَلّق على شَرط عدمٌ،
عِنْد عدم الشَّرْط. وَلَو كَانَ كَمَا ظنّ لقَالَ: سَلام
عَلَيْكُم.
(1/348)
(297 - (4) بَاب المعانقة، وَقَول الرجل:
كَيفَ أَصبَحت؟)
فِيهِ ابْن عَبَّاس: إِن عليا خرج من عِنْد رَسُول الله
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي وَجَعه الَّذِي توفّي
فِيهِ. فَقَالَ النَّاس: يَا أَبَا الْحسن: كَيفَ أصبح
رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . فَقَالَ: أصبح
بِحَمْد الله - بارئاً. فَأخذ بِيَدِهِ الْعَبَّاس،
فَقَالَ: أَلا ترَاهُ؟ أَنْت - وَالله بعد ثَلَاث عبد
الْعَصَا. وَالله إِنِّي لأرى رَسُول الله -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- يسْتَوْفى فِي وَجَعه وَإِنِّي لَا أعرف
فِي وُجُوه بني عبد الْمطلب الْمَوْت. فَاذْهَبْ بِنَا
إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فنسأله فِيمَن
يكون الْأَمر؟ فَإِن كَانَ فِينَا علمنَا ذَلِك. وَإِن
كَانَ فِي غَيرنَا أمرناه. فأوصى بِنَا. فَقَالَ علىّ:
وَالله لَئِن سَأَلنَا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- فمنعناها لَا يعطيناها النَّاس أبدا. وَإِنِّي لَا
أسالها رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أبدا.
قلت: رَضِي الله عَنْك! المعانقة ترْجم عَلَيْهَا، وَلم
يذكر حَدِيثهَا. وَإِن كَانَ قد ذكر معانقة النَّبِي -[صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم]- لِلْحسنِ فِي غير هَذَا الْكتاب.
ذكره فِي بَاب " مَا ذكر فِي الْأَسْوَاق " وَكَانَ
الَّذِي مَنعه من ذكره هَهُنَا أَن عَادَته لَا يكّرر
الحَدِيث، إِلَّا إِذا اخْتلفت أَلْفَاظه، وَإِسْنَاده.
فَلَمَّا لم يجد لهَذَا الحَدِيث عِنْده إِسْنَادًا آخر
كَانَ فِي مهلة التماسه فاخترم قبل ذَلِك. وَالله أعلم.
(1/349)
20298 - (5) بَاب الْجُلُوس كَيْفَمَا
تيّسر)
فِيهِ أَبُو سعيد: نهى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- عَن لبستين: اشْتِمَال الصمّاء، والاحتباء فِي ثوب
وَاحِد لَيْسَ على فرج الْإِنْسَان مِنْهُ شَيْء.
قلت: رَضِي الله عَنْك! مُطَابقَة التَّرْجَمَة للْحَدِيث
من جِهَة الْمَفْهُوم، لِأَنَّهُ إِنَّمَا نهى عَن حَالَة
وَاحِدَة من حالات الْجُلُوس، فأفهم بالتخصيص أَن الحكم
فِيمَا عدا هَذِه الْحَالة الْإِبَاحَة. وَالله أعلم.
(229 - (6) بَاب كل لَهو بَاطِل إِذا اشغل عَن طَاعَة الله
عزّ وجلّ وَمن قَالَ لصَاحبه: تعال أقامرك.)
وَقَوله تَعَالَى: {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو
الحَدِيث ليضل عَن سَبِيل الله بِغَيْر علم، ويتخذها هزوا}
[لُقْمَان: 6] .
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]-: من حلف مِنْكُم فَقَالَ فِي حلفه: بِاللات
والعزى، فَلْيقل: لَا إِلَه إِلَّا الله. وَمن قَالَ:
أقامرك، فليتصدق.
(1/350)
قلت: رَضِي الله عَنْك {وَجه استفادة التَّرْجَمَة من
الْآيَة أَن الله عزّ وجلّ جعل اللَّهْو دَاعِيَة الضلال
عَن سَبِيل الله. وسبيل الله هِيَ الْحق. فَكل شَيْء
ضادّها وحادّها بَاطِل. وَهَذَا الانتزاع أحسن من قَول
الْمُؤلف: إِنَّه انتزعه من قَول الْقَاسِم: الْغناء
بَاطِل، وَالْبَاطِل فِي النَّار. |