المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح

المختصر النصيح
اسمه:
لم يثبت اسم الكتاب أول المخطوط، ولكن جاء على الصفحة الأولى أن الغافقي كان يثني على هذا المختصر النصيح.
والمهلب قد ذكر اسم كتابه في أوله فقال: «ولعل الله يمهل في الأجل لهذا الأمل ويعين على شرح هذا المختصر النصيح» ثم قال: «وها أنا حين أبتدئ بتهذيب الكتاب الجامع الصحيح».
وقد مر بنا أن تلميذ المصنف القاضي ابن سهل قال: وله في البخاري اختصار مشهور سماه: «كتاب النصيح في اختصار الصحيح».
فتلخص من هذا وذاك أن الشق الأول من اسم الكتاب هو: المختصر النصيح كما نص مؤلفه في المقدمة.
وأن تتمته: بتهذيب الكتاب الجامع الصحيح، كما نص أيضا هو.
فيكون اسم الكتاب: المختصر النصيح بتهذيب الكتاب الجامع الصحيح، والدليل على هذه التتمة أمران:
الأول: أن بها تتم السجعة، وعادة المصنفين ولا سيما في القرون المتقدمة سجع العناوين.
الثاني: أن بها يتم وصف الكتاب والتعريف به، فإذا قيل ما المختصر النصيح؟ قيل: تهذيب الكتاب الجامع الصحيح، وقد جاء ذلك على لسان مؤلفه في المقدمة، والله أعلم.

(1/104)


سبب تأليفه:
قد بينه المهلب في مقدمة كتابه، فقال بعد أن ذكر البخاري بما هو أهله, وذكر كتابه بما يستحقه: «فلذلك رغب إلي منكم راغبون كثير في اختصار تكراره، وتحرير آثاره، حرصًا على قرب أمره، وتأتي حفظه».

الراويات التي اعتمدها المهلب:
اعتمد المهلب على رواية شيخه أبِي محمد الأصيلي, فأتى بألفاظها، إلا أنه لم يخل النسخة من بعض الفروقات اليسيرة مع رواية القابسي.
والقابسي والأصيلي شيخان للمهلب، مرد روايتيهما إلى أبِي زيد المروزي، ولأن القابسي اعتمد على صاحبه الأصيلي في ضبط نسخته عن أبِي زيد قل الفارق بين النسختين.
وأكثر الروايات موافقة للأصيلي والقابسي رواية الكشميهني كما ظهر لي من مقارنة الروايات بعضها ببعض، وذكرته آنفًا.

فوائد روايات صحيح البخاري:
تقوم النسخة من صحيح البخاري مقام الراوي الثقة عن الشيخ، فاجتماع عامة الروايات عن البخاري على شيء ثم مخالفة رواية عنه لمجموع هذه الروايات هو من قبيل الشاذ الذي يحكم بتخطئته، ولا يعول عليه، ولا سيما إذا لم يكن له خارج البخاري ما يعضده.

(1/105)


مثاله في روايتنا هذه، أعني رواية الأصيلي ما وقع عنده ووافقه عليه الكشميهني من رواية حديث أبِي هريرة في الجهاد «اِنْتَدَبَ اللهُ» الحديث، بلفظ: «ائْتَدَبَ».
فقال الحافظ رحمه الله تعالى: «اِنْتَدَبَ الله» هُوَ بِالنُّونِ, أَيْ سَارَعَ بِثَوَابِهِ وَحُسْن جَزَائِهِ، إلى أن قال: وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْأَصِيلِيّ هُنَا «ائْتَدَبَ» بِيَاءٍ تَحْتَانِيَّة مَهْمُوزَة بَدَل النُّون مِنْ الْمَأْدُبَة, وَهُوَ تَصْحِيف, وَقَدْ وَجَّهُوهُ بِتَكَلُّفٍ.
لَكِنْ إِطْبَاق الرُّوَاة عَلَى خِلَافه مَعَ اِتِّحَاد الْمَخْرَج كَافٍ فِي تَخْطِئَته أهـ.
ومن فوائد النسخ: تقييد المهمل، فقد يذكر البخاري الراوي ولا ينسبه، وأشهر من في البخاري على هذه الصفة، شيخه محمد، الذي قيل فيه أقاويل كثيرة، فبعض النسخ يكون محمد هذا منسوبًا، فيستفاد منها هذه المعرفة.
وأكثر النسخ اعتناء بتقييد المهمل نسخة ابن السكن الحافظ، وقد روى عنه ابن خلفون في آخر كتابه في شيوخ الشيخين ما يفيد أن كل ما في الصحيح عن محمد عن شيوخ عراقيين هو محمد بن سلام, وما فيه محمد عن عبد الله أو عن المراوزة فهو أَبُوالحسن بن مقاتل، وهذه قاعدة حسنة، والله اعلم.
وفي بعض النسخ أيضا فوائد زائدة عن النسخ الأخرى، قد تكون من زيادات أصحابها أو مما استفاده الرواة عن غير البخاري، فقد نقل الفربري عن وراق البخاري في أماكن عدة.
فَحَكَى الْفَرَبْرِيُّ بعد حديثٍ للزُبَيْرِ بْنِ عَرِبِيٍّ أَنَّهُ وَجَدَ فِي كِتَاب أبِي جَعْفَر مُحَمَّد بْن أبِي حَاتِم وَرَّاق الْبُخَارِيّ - قَالَ: قَالَ أَبُوعَبْد الله يَعْنِي الْبُخَارِيّ: الزُّبَيْر بْن عَرَبِيّ هَذَا بَصْرِيّ, وَالزُّبَيْر بْن عَدِيّ كُوفِيّ، اِنْتَهَى.

(1/106)


هَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ أبِي ذَرٍّ عَنْ شُيُوخه عَنْ الْفَرَبْرِيِّ.
وغالب زيادات الفربري عن أبِي جعفر رواها أَبُوذر.
قال الحافظ في شرح حديث ابن عمر: «مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ»: قَوْلُهُ: (قَالَ الْفَرَبْرِيّ: قَالَ أَبُوجَعْفَر) هُوَ مُحَمَّد بْن أبِي حَاتِم الْبُخَارِيّ وَرَّاق الْبُخَارِيّ, وَقَدْ ذَكَرَ عَنْهُ الْفَرَبْرِيّ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَوَائِد كَثِيرَة عَنْ الْبُخَارِيِّ وَغَيْره, وَثَبَتَتْ هَذِهِ الْفَائِدَة فِي رِوَايَةِ أبِي ذَرّ عَنْ مَشَايِخِهِ الثَّلَاثَةِ وَسَقَطَتْ لِغَيْرِهِ أهـ.
وقوله: سقطت لغيره فيه نظر.
وربما لم يسمِّ الفربري عمن أخذ الفائدة، ففي بعض النسخ بعد حديث «فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ»، الحديث, قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ: ذُكِرَ عَنْ أبِي عَبْدِ الله عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ هُمْ الْمُرْتَدُّونَ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى عَهْدِ أبِي بَكْرٍ فَقَاتَلَهُمْ أَبُوبَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ.
وربما زاد الفائدة عن البخاري، كما ثبت في بعض النسخ في الأطعمة قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُولُ: إِذَا كَانَ الْقَوْمُ عَلَى الْمَائِدَةِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُنَاوِلُوا مِنْ مَائِدَةٍ إِلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى وَلَكِنْ يُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي تِلْكَ الْمَائِدَةِ أَوْ يَدَعُ أهـ.

(1/107)


منهج المهلب في هذا الكتاب النصيح:
ذكر المهلب أن البخاري لا يكرر الحديث إلا لفائدة، ولذلك كان لا بد من تكرار الحديث في أكثر من باب، وقال لمن سأله اختصار الصحيح على معنى حذف المكرر وترك الزوائد:
ولو كان تكرره على كل باب على نص واحد لأمكن ما رغبوه، وساغ ما أرادوه، ولكن يكرره بألفاظ مختلفة يدل على وجوه، وبزيادات الرواة على غيرهم تنفس المعاني للناظر الفقيه.
ولذلك فإنَّ اختصار البخاري لا بد أنْ يكون على طريقة خاصة تحافظ على روعة هذا الصحيح وبهجته، كما قال المهلب منبهًا على ذلك:
فلو اختصر على ما ظنه الراغبون فيه، واحتمل على رأي المستنبطين له, لذهبت بهجة الكتاب، وطمست أعين المعاني, وعدم من فوائد الحديث الأكثر التي ترجم بها، واستنبطها من خفي ما ... فجلاها للعقول، ونبه عليها من جوامع كلام الرسول فإنه عليه السلام قال: (بعثت بجوامع الكلم).
قال ابن فارس: ولذلك نزلت قيمة معظم مختصرات البخاري، لما أهمل المختصرون ما تنبه إليه القاضي.
فاختصره المهلب على منهج آخر وفق له بعد إعمال النظر، قال مخبرًا عن ذلك: فأعملت النظر أيدكم الله فيما رغبه الآملون لتحفظه، والراغبون في التفقه منه مع تهذيبه، فلم يمكنني فيه غير اختصاره بإسقاط تكراره، إلا ما ضنت الحاجة إليه، واشتملت المتون من اللفظ عليه، فأبقيه لفائدة فيه.
وباختصار أقول، إن منهج المهلب في هذا الكتاب يتضح في هذه المباحث:

(1/108)


الأول: أعمل المهلب إسقاط المكرر باعتماد موضع واحد يذكر فيه طرق الحديث الواردة في الصحيح, فيسوق الأسانيد، ثم يتبع بالمتون، فيأتي بأكمل المتون وأشمل الألفاظ.
والبخاري في تكريره يرى أنَّ المحدث الفقيه العارف لما يروي يجوز له اختصار الحديث والاقتصار منه على ما يريده المصنف أو الفقيه، ولذلك وقع له في الصحيح أن كرر الحديث في مواضع بإسناد واحد زاد في ألفاظه بما يحتاج إليه بحسب كل ترجمة.
مثاله:
حديث «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» خرجه في ثلاث مواضع قال فيها: نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الله نا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أبِي الْغَيْثِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ (رقم: 2766، 5764, 6857) , وفي موضعين ساقه بتمامه لاحتياجه في الترجمة لذلك، لكن في كتاب الطب لم يحتج لمتنه كاملا, فرواه بإسناده, بلفظ: «اِجْتَنِبُوا الْمُوبِقَاتِ: الشِّرْكَ بِاللهِ وَالسِّحْرَ».
وكذلك: حديث سَعِيدُ بْنُ أبِي مَرْيَمَ عن مُحَمَّد بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ الله عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ» قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ

(1/109)


عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» قُلْنَ: بَلَى, قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا».
هكذا ساقه بتمامه في الحيض (304) وساق إسناده في الشهادات (2658) وقال فيه: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» قُلْنَ: بَلَى قَالَ: «فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا».
وهذا من فقه البخاري رحمه الله وقدرته على التصرف في المتون، فهو من فقهاء المحدثين وأئمة الدنيا.
الثاني: يَذْكر المهلب الحديث في الباب الذي هو أولى به، وأجدر أن يحتوي عليه.
الثالث: يسوق المهلب لفظ راوٍ ينص عليه، ثم يبين ما زاده كل راوٍ ساق إسناده أول الحديث، ولذلك فإنه لا يأتي إلا بالأسانيد التي احتوت متونها على ألفاظ زائدة للمتن الكامل الذي اختاره.
ومع تنوع الأسانيد وتشعبها فإنَّ المُهَلَّبَ ينص على من عليه مدار الحديث.
قال المهلب: «فظهر إلي أن أخرج من كل حديث على أكمل ما أجده في الأبواب التي ذكره فيها ليُريَ فوائده، وتنوِّع أسانيده، وأتوخى أولى الأبواب به ما أمكن، وأذكر فيه ما زاده الضابط من الرواة على غيره في موضعه من نصه، بعد تقديم شعوب سنده إلى من عليه مدار الحديث، لكيما يكمل المتن مسند الألفاظ مقيد الزوائد».

(1/110)


مثال ذلك:
حديث عبد الله بن عمرو في صيامه وقيامه، فقد كرره البخاري في سبعة عشر موضعا في كتاب الصلاة والصيام والنكاح والقرآن والتفسير والأدب، لم يكرر البخاري إسنادًا واحدًا مرتين إلا ويأتي بزيادة في الإسناد أو المتن.
وقد رواه في مواضع عن شيخين مختلفين عن شيخ اتفقا عليه، وقد كتب إسنادًا واختصر متنه، فذكر المهلب عامة الطرق التي استوعب بها عامة لفظ الحديث، فخرجه من اثني عشر إسنادًا للبخاري، استوعب ما في الحديث من ألفاظ مدخلها في الصلاة أو الصيام أو النكاح .. إلى آخر فوائد الحديث.
ومازَ زيادات الرواة على ما اشترط.
وكحديث عائشة في حجة النبي صلى الله عليه وسلم, كرره البخاري في خمسة وثلاثين موضعا، في كتب عدة، تبدأ بالحيض وتنتهي بالأدب، وقد لخصه المهلب بطريقة بديعة ليرفع ما فيه من إشكالات، فحصر الرواة له عن عائشة فإذا هم أربعة، فساق أسانيد البخاري إلى هؤلاء الأربعة وشعب عنهم طرقًا كثيرة، واقتصر على ستة عشر إسنادًا احتوت متونها عامة ألفاظ حديث عائشة ولم تغادر منه شيئا.
الرابع: مذهب المهلب أنه يجب على الراوي إذا روى حديثا عن شيخين ثقتين أن يبين لفظ هذا من هذا، وفي المسألة قولان، إلا أن المهلب تشدد فيها، واعتمد القول الأصعب، والتزم به في هذا النصيح.

(1/111)


قال: «وإن كان ابن شهاب الزهري رضي الله عنه وغيره من الأئمة قال في حديث الإفك، وحديث موسى مع الخضر عليهم السلام وفي غيرهما حين كثرة عليه زيادات الرواة في الحديث، فقال في آخر الاسناد: وكلٌّ حدثني طائفة من الحديث، وبعضهم يزيد في الحديث على بعض، ولم يذكر المزيد ولا الزائد، ثم ساوى الحديث على نص واحد ولم يعين لكل راوٍ منهم زيادته».
قلت: ومذهب البخاري مذهب الزهري، وقد انتقده الإسماعيلي في بعض ذلك.
قال البخاري في كتاب المغازي، باب (ويوم حنين): نا أَبُوالنُّعْمَانِ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ الله, ح، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أنا عَبْدُ الله أنا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قَفَلْنَا مِنْ حُنَيْنٍ سَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اعْتِكَافٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَفَائِهِ.
فَقَدْ عَابَ عَلَيْهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ جَمْعهمَا لِأَنَّ قَوْله: «لَمَّا قَفَلْنَا مِنْ حُنَيْنٍ» لَمْ يَقَع فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد أَيْ أن الرِّوَايَة الْأُولَى مُرْسَلَة.
وهذا مما يسجل في منهجية البخاري رحمه الله تعالى في التدوين، وقد أخذ به صاحبه مسلم بن الحجاج.
إلا أنَّ المهلب لم يرتض هذا المذهب، واختار أن يفصل رواية هذا عن هذا، وقال: «ولم أسمح أنا في ذلك ولا قنعت به لأن ابن معين رحمه الله قد تكلم في مثل هذا، فرأيت الخروج عن موضع التكلم أولى، وإن زادت الأسانيد، لكني ربما ذكرت زيادة الراوي في المتن وفصلتها بتحويقة.

(1/112)


وربما كررت اسم الأول الذي له اللفظ».
ولأنَّ الناسخ لم يعرف قيمة تلك التحويقة فأخل بها فقد حافظت أنا على جهد المهلب، فميزتُ الزيادات وفصلتها بأن وضعت في آخرها فاصلة هذا رسمها (,) وربما فصلت بوضع كل زيادة بين علامتين هذا رسمهما («») وذلك إذا كانت الزيادة في النص المرفوع، وربما استأنفت سطرا جديدا.
الخامس: بعد ذكر الحديث كاملًا يتبع المهلب بتخريج الحديث في أبوابه التي ذكره البخاري فيها.
فقال: «ثم إني ذكرت في آخر الحديث كل باب خرجه البخاري رضي الله عنه فيه ليستدل الدارس له المتفقه بتلك التراجم على لطيف المعاني التي تضمنت ويتعلم كيف وجه الاستنباط لها إن خفيت واستخراجها إن غمضت, والله يلقي الحكمة من أراد به الخير بفضله.
ولما خرجت من الأحاديث الأكمل، وركبت منها المشتت فاتصل، ألفيت الذي صدَّر به من الحديث في أوائل الأبواب مقطوعا وأكثرها في الكتاب مسندًا في غير تلك الأبواب المصدر بها فيها فخرجتها حيث أجدها وتركت ذكرها في مواضع التصدر بها».
السادس: لم يكرر المهلب الأبواب المكررة الواردة في كتب مختلفة, فقال: «وهممت أيضا بترك الأبواب التي هي بمعنى واحد في أواخر الأحاديث، مثل قوله باب تزويج المحرم، وقال في النكاح: باب نكاح المحرم، وباب المرأة تحيض

(1/113)


بعد الإفاضة، وقال في الحج: باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت، وخرج فيها حديثًا واحدًا، وغيرها كثير فتركت الأقل، وذكرت الأكثر».
السابع: وصل المهلب ما في الصحيح من معلقات لم توجد في البخاري مسندة، واعتذر عما وقع في البخاري من ذلك بأن المنية حالت بين البخاري وبين تهذيب كتابه، فقال: «إني تدبرت هذا الكتاب الصحيح الذي جعله الله في آخر الزمان عصمة للمختلفين, وحكما للمتفرقين، ورحمة للعالمين، فألفيت مؤلفه رحمه الله على ضمان الصحة، وجامعه عن أهل الثقة، لم يبلغ من تهذيبه ما أراد، ولا تمكن فيه من كل ما أمل، واستدللت على أنه أعجل عنه بأجل، أو غالب شغل، بأنه يبوب أبوابًا كثيرة وتركها فارغة لم يخرج فيها أحاديثها وبعضها يفهم من الترجمة، ولا يفهم من بعض، ومن تلك الأبواب الفارغة ما صدر فيها الأحاديث بما يدل على المعنى ثم لم يخرج فيها غير التصدير, وأبواب كثيرة قال فيها: باب، ثم ذكر أحاديثها ولم يترجم لها بالمعنى, وأحاديث مقطوعة لم يسندها، كحديث «إِنْ لَقِيتُمْ فُلانًا وَفُلانًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ» , وحديث ابن عباس: لَيْسَ السَّعْيُ بِبَطْنِ الوَادِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بِسُنَّةٍ، قال فيهما البخاري: وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، ولم يذكر من حدثه عنه.
وكذلك قال في حديث الخشبة، وحديث أسماء رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسندا ظهره إلى الكعبة، وحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر سردا لحديثه كسردكم، قال فيها كلها: وقال الليث, ولم يذكر من حدثه عن الليث.
وسأسندها إنشاء الله تعالى.

(1/114)


وقد يترجم بعض الحديث لبيان معناه، ويترجم بطرف منه ليدل عليه، وفي كثير من الأبواب خرج فيها أحاديث يخفى معنى ذلك التبويب من نصها إلا باستدلالٍ خفي ٍ وغوص ذكي، ولو أمهل - والله أعلم - لأردف تلك النصوص بما هو أجلى لوجوه المعاني وأظهر لها».
الثامن: اعتاد المهلب في نصيحه عادة البخاري في صحيحه، من حيث إنه يعتمد سياقة متن آخر إسناد يورده، والبخاري إذا ساق إسنادين لمتنٍ واحد فإن المتن هو للفظ الآخر من الإسنادين ما لم ينص على خلاف ذلك.
مثاله في البخاري حديث «إِنَّ الله حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ».
رواه في كتاب الديات (6880) قال: نا أَبُونُعَيْمٍ نا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أبِي سَلَمَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ, وَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ رَجَاءٍ نا حَرْبٌ عَنْ يَحْيَى نا أَبُوسَلَمَةَ نا أَبُوهُرَيْرَةَ.
ثم ساق متنا واحدا لم يبين لفظ من هو.
وعلمنا أنه حديث عبد الله بن رجاء لما رأينا سوق البخاري لحديث أبِي نعيم مفردًا في كتاب العلم (112) فإذا غير متن ابن رجاء.
ومثله أيضًا:
قصة مقتل اليمان أبِي حذيفة يوم بدر، فقد رواها البخاري في باب العفو في الخطأ (6883) من حديث فَرْوَةُ بْنُ أبِي الْمَغْرَاءِ بإسناده عَنْ عَائِشَةَ ثم قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ فساق إسناده أيضا إلى عَائِشَةَ، والمتن الذي أعقب به إنما هو لمحمد

(1/115)


بن حرب, وإن لم يقل البخاري: لفظه، فقد أخرج حديث فروة في الأيمان (6668) مفردا لم يقرن إسناده بآخر وساق متنه غير متن ابن حرب.
ومثله أيضًا:
حديث أسماء رضي الله عنها: «لا تحصي .. »
فقد رواه في الهبة (2590) فقال: حَدَّثَنَا أَبُوعَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ, ح, وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَا تُوعِي فَيُوعِيَ الله عَلَيْكِ ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ».
فهذا لفظ محمد بن عبد الرحيم، لأنه ساق في كتاب الزكاة حديث أبِي عاصم (1434) فقال: حَدَّثَنَا أَبُوعَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ الله عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله مَا لِيَ مَالٌ إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ فَأَتَصَدَّقُ؟ قَالَ: «تَصَدَّقِي وَلَا تُوعِي فَيُوعَى عَلَيْكِ».
ومثله: حديث ابن عباس في السبعين ألفا.
رواه البخاري في الرقاق بَاب يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ (6541) قال: نا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ نا ابْنُ فُضَيْلٍ نا حُصَيْنٌ، ح, وحَدَّثَنِي أَسِيدُ بْنُ زَيْدٍ نا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْأُمَّةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ» الحديث، فهذا إنما هو لفظ

(1/116)


حديث أسيد بن زيد، فقد وجدنا البخاري خرج حديث عمران في كتاب الطب بَاب مَنْ اكْتَوَى أَوْ كَوَى غَيْرَهُ وَفَضْلِ مَنْ لَمْ يَكْتَوِ (ح 5705) فإذا لفظه غير هذا اللفظ.
قال البخاري: نا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ نا ابْنُ فُضَيْلٍ نا حُصَيْنٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ, فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: نا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمْ الرَّهْطُ» الحديث (1).
إلا أنّ المهلب خالف في موضع واحد وهو في تفسير قوله عز وجل {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} من سورة المائدة، فقد ساق إسناد البخاري فقال: نا أَبُوالْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ وَذَكَرَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا أُمُورًا عِظَامًا أهـ.
والبخاري أخرج حديث أبِي اليمان مرتين, مرة مفردا لم يسق إسنادا آخر معه وذلك في الصلاة باب وقت الظهر عند الزوال, والموضع الثاني في باب ما يكره من كثرة السؤال، الباب، لكنه قال في الموضع الثاني: نا أَبُوالْيَمَانِ أَخْبَرَنَا
_________
(1) وانظر مثالا له على نحو ما شرحت حديث " أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ" وهو في موضعين في الصحيح، الأول: برقم 2348، والثاني: برقم 7519، فقارن بين الإسنادين والمتنين.
وكذلك حديث سهل: اتهموا الرأي، قارن بين هذين الموضعين (3181) (7308).
وحديث "ويل للعرب"، قارن بين رقم (6218) و (7069).
وحديث مشهد المقداد يوم بدر، قارن بين الموضعين (3952) (4609).
وحديث البراءة من صنع خالد بن الوليد في بني جذيمة، قارن بين الموضعين والإسنادين (4339) (7189).

(1/117)


شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ, ح، وحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، ثم ساق المتن كما ساقه المهلب.
ومتن أبِي اليمان الأول فيه نقص يسير عن هذا المتن, فقد يجوز أن يكون المهلب ساق الإسناد كما هو عند البخاري لكن سقط على الناسخ, مع أن عادته الاقتصار في مثل هذا على الإسناد الثاني، والله أعلم.
التاسع: لم يلتزم المهلب في تخريج الحديث الاكتفاء بحديث الصحابي الذي خرجه فيه، ففي أحيان كثيرة يخرج المهلب حديث الباب بذكر شواهده التي في الكتاب, فمثلا حديث الساعدي الطويل في قصة سفرهم إلى تبوك, وفي آخره قوله صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى أُحُدًا: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» فقد ذكر في تخريجه أن البخاري رواه في باب أحد يحبنا في غزوة أحد, وليس هناك إلا حديث أنس في جبل أحد, ورقمه في الصحيح (4083) , وهكذا يفعل المهلب في باقي الأحاديث.
العاشر: إذا كان الحديث طويلًا وكرره البخاري في مواضع عدة فإنه حينما يذكر لفظ الباب المخرج به لا يعزو إلى أصل الحديث كله سواء منه ما احتوى على اللفظ المقصود أم لا, بل يخرجه من الباب الذي فيه نفس اللفظ والشاهد.
كحديث شعبة الطويل الذي كتب به إلى معاوية رضي الله عنهما وفيه أذكار بعد الصلاة وجملة مما أمر به ونهى عنه, وقد كرره البخاري في مواضع عدة ومن طرق عدة أرقامها في الصحيح هكذا: (844) (1477) (2408) (5975) (6330) (6473) (6615) (7292).

(1/118)


وفي الحديث المختص بالزكاة ورقمه (1477) وفيه النهي عن إضاعة المال خرجه المهلب بقوله: وخرجه في باب عقوق الوالدين من الكبائر (5975) , اقتصر على ذلك ولم يزد لأن هذا الباب هو الذي يشاكل لفظه لفظ باب الزكاة ويقاربه، ولم يعرج في التخريج على أصل الحديث, وإلا كان خرج عن مقصوده, إذ أن هذا ليس هو الموضع الأول الذي يمر فيه الحديث، فقد سبق في الصلاة, وهناك ذكر حديث شعبة تاما مطولًا، لأنه أول موضع يمر فيه, ورقمه في الصحيح (844) , وخرجه هناك بأوسع فقال: خرجه في باب الدعاء بعد الصلاة, وخرج الآخر في باب النهي عن كثرة السؤال وتكلف ما لا يعني, وفي كتاب الدعاء، وباب لا مانع لما أعطى الله, والأول: في باب ما يكره من قيل وقال أهـ.
الحادي عشر: قد يعيد المهلب الحديث في موضعين من كتابه، ويخرجه في كل موضع, كحديث عائشة «لكن أفضل الجهاد» لاحتياجه إليه في الترجمة.
الثاني عشر: تعامل المهلب مع الكتاب تعامل المحدث والفقيه.
أما نظر المحدث:
فهو في الكتاب في مواضع عديدة, يتكلم على الموافقة والمخالفة، والتفرد والشذوذ، ويصحح يضعف، ويعدل ويجرح, ويبين من تفرد بين الرواة ومن زاد عليهم، وله تعقبات على البخاري لم يسبق إليها وليست من نوع تتبع الدارقطني وإلزاماته.

(1/119)


وقد حكم على أحاديث بالشذوذ وعلى أخرى بالاضطراب، كحديث ابن عباس في من مات وعليه صوم فقد حكم باضطرابه ولم يجد بدا من تخريجه بعد أن تبرأ منه البخاري, كما قال ..
وأما نظر الفقيه:
فالمهلب مالكي المذهب، متقن لفقه السادة المالكية، مطلع على مذاهب أصحاب المذاهب، ومع أنه بدأ كتابه بالاستدلال العام على تفوق مذهب مالك وأهل المدينة على من سواهم ولا سيما مذهب أهل الكوفة والعراق، وعقد لذلك مفاضلة غير خالية من التحيز للمذهب، فإنه لا يخفى على طالب العلم أن مواطن العلم التي خرج منها العلم - وهي الحجازان مكة والمدينة، والعراقان البصرة والكوفة، والشام - تتساوى في الأصل الذي فاضل به, فكلها نزل فيها من الصحابة جم غفير, وكان فيها من العلم ما أنار مشارق الأرض ومغاربها، وقد حشد المهلب هذا الكتاب بالمناقشات الفقهية, والاستدلالات المذهبية, ينتصر فيها غالبا لمذهبه، وإن خالفت مذهب المصنف البخاري.
قال المهلب: «ولعل الله يمهل في الأجل لهذا الأمل ويعين على شرح هذا المختصر النصيح بأوجز ما يتهيأ, فيكون بعون الله شرحه على قد كتاب البخاري أو قدره، وتكون الفائدة في شرحه أجدى على الناس من ما اختصرت من تكرير نصه، غير أني قد تكلمت فيه على نبذ من الأحاديث المشكلة التي أدخلها رحمه الله على اضطراب الرواة فيها، ونثرها فيه غير مرتبة ولا مبينة, على ما نبين وجوهها، وأشرت فيها بما ينفي الاضطراب عنها فلا تتعارض، ويقف الوهم في أسانيدها

(1/120)


أو متونها على من حكم به النظر عليه من ناقليها، وكذلك فعلت في تأويل معانيها.
ومنها ما هذبت أسانيدها، وطرحت الوهم الظاهر فيها، كحديث صفة عيسى وموسى في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لهما في منامه عند الطواف، وكحديث الإفراد والقران في الحج، وقد تكلمت عليه، وكحديث رافع في المزارعة، وحديث جابر فيما دون الحد من العقوبة، وحديثه في بيع الجمل واشتراط ظهره، وغيرها كثير، كلها أعجل البخاري رحمه الله عن تهذيبها, وتقليب الصواب لأهللها، ولم أتقصها كلها كيلا يكثر الكتاب فيمل الشارح والكتاب، وتبقى الإطالة, فلا تعدم الملامة».
إلا أن بعض هذه المواضع غفل من التعليق والتبيين، فلا أدري أنسي المهلب أم أخل الناسخ فيها.
الثالث عشر: هذا الكتاب مصنف لطوائف الطلبة كلهم، المتفقهين منهم والحديثيين وطلبة الحفظ.
قال المهلب منبهًا إلى ذلك: «وقد يسوغ لمن أراد تحفظ متون الأحاديث خاصة أن يختصر ذكر أسماء المختلفين في ألفاظها بالزيادة والنقصان، فيكون متن الحديث أسمح لقراءته، وأيسر لتحفظه، كما يسوغ له أيضا أن يختصر ذكر الأبواب من آخر كل حديث، إذا لم يرد التفقه فيه منها، وقدم تحفظها، فيكون قد خفف عن نفسه مؤونة كبيرة من ذكر الأسماء التي يحتاج إليها أهل الإسناد، والأبواب التي منها تفقه أهل العلم.

(1/121)


فكتابي هذا إذًا:
يحتاج إليه طبقات العلم الثلاث أعني المسندين، والمتفقهين، والمتحفظين.
فلكل واحد منهم فيه بغيته ملخصة، وحاجته معينة، ومطالبه مقربة، وليس لمن صفرت يداه من بضاعة الحديث وعلم إسناده ومعانيه».

(1/122)


منهج المهلب في شرح الحديث وتفسيره:
لما كان من منهج المهلب في هذا النصيح أن يجمع الروايات والأسانيد في مكان واحد، فإنَّ ذلك قد أفاد القارئ فائدتين عظيمتين لا يمكن الكشف عنهما إلا بهذا الحشد والجمع، وهما:
معرفة علل الأسانيد، ومعرفة شرح الحديث ومعناه على الوجه الصحيح.
أما معرفة العلل:
فإن هذه المعرفة غير معرفة الصحيح من الضعيف، حتى لا يظن ظان أن هذا النوع غير موجود في صحيح البخاري، لاقتصار البخاري في كتابه على الصحيح، فإن العلة إنما تدخل على الحديث الصحيح.
قال أَبُوعبد الله الحاكم رحمه الله: وانما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل, فإن حديث المجروح ساقط واه, وعِلَّة الحديث يكثر في أحاديث الثقات, أن يحدثوا بحديث له علَّة, فيخفى عليهم علمه, فيصير الحديث معلولا, الحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير أهـ.
وقد أجمل الحاكم أوجه العلل في أحاديث الثقات فقال: فان المعلول ما يوقف على عِلَّتِه أنه دخل حديث في حديث, أو وهم فيه راو, أو أرسله واحد فوصله واهم اهـ وزاد غيره أوجهًا أخرى.
إلا أنه لا يمكن الكشف عن علة حديث ما إلا بجمع طرقه ومقارنة أسانيده وألفاظ رواته بعضها ببعض.
قال يحي بن معين: لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه (1).
_________
(1) المدخل إلى الإكليل 14.

(1/123)


وقال ابن المديني: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه (1).
فاستفاد المهلب من جمعه للحديث الواحد معرفة علته، وحكم في كتابه هذا على حديث ابن عباس في المرأة التي ماتت وعليها قضاء فقضت عنها ابنتها، وعلى حديث رافع في المساقاة بالاضطراب, وعلله سندًا ومتنًا.
قال عن حديث رافع:
إِنَّ فِي حَدِيثِ رَافِعٍ فِي كِرَاءِ الأَرْضِ مِن الاضْطِرَابِ فِي أَسَانِيدِهِ فِي مَنْزِلِهِ لَمْ يَجِد الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ بُدًّا مِنْ إِدْخَالِهِ بِاضْطِرَابِهِ لِيَتَدَبَّرَ أَهْلُ الرُّسُوخِ فِي الْعِلْمِ أَمْرَهُ سَنَدًا وَمَعْنَىً.
فَأَمَّا السَّنَدُ فَمَرَّةً حَدَّثَ رَافِعٌ عَن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَمَرَّةً عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرٍ بْنِ رَافِعٍ عَنْهُ, وَمَرَّةُ عَنْ عَمَّيْهِ وَكَانَا قَدْ شَهِدَا بَدْرًا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ أهـ
ولئن كان الشاذ في اصطلاح المتقدمين نوع آخر من غير جنس العلل كما فرق بينهما الحاكم أَبُوعبد الله في المعرفة فذكر الشاذ بعد العلل, إلا أن بينهما ارتباطًا وثيقًا من حيث كون الشاذ لا يكون إلا في الحديث الصحيح، وطريق معرفة الشاذ هي طريق معرفة الحديث المعلل.
وقد رد المهلب ألفاظا عديدة في الصحيح بحجة الشذوذ، كلفظة القضاء الواردة في حديث ابن شهاب، وحديث هشام بن حسان في المتلاعنين، ولفظة محمود بن غيلان في الصلاة على المحدود، وحديث سعيد بن عبيد في القسامة وهمه في ألفاظه الثلاثة، وفي حساب تركة الزبير، ولم يضف الوهم فيه لأحد, وغير ذلك إنما أردت التمثيل.
_________
(1) مقدمة ابن الصلاح: ص 82

(1/124)


وبعض ما يحكم عليه المهلب من الشذوذ مصيب فيه، وبعضه محل نزاع.
وأما معرفة شرح الحديث ومعناه:
فإنَّ المعرفة الأولى مفيدة جدا في شرح الحديث، إذ كانت جسارة المهلب تحمله على رد الألفاظ التي يحكم بشذوذها أو اضطرابها، قانعًا بالألفاظ الصحيحة التي يتفق عليها عامة الرواة، وإن كان بعض الشراح المتأخرين يميل دائمًا للجمع بين الألفاظ ولو بالتعسف الشديد, واللي المستكره أحيانًا، والحافظ ابن حجر في شرحه يجمع بين القولين, قول من وفق بينهما على تكلف ومن رد لفظًا وقنع بآخر، لكنه لا يختار أحيانًا بين الأقوال التي ينقلها.
فهذه السمة الأولى من سمات منهج المهلب في شرح الحديث.
والسمة الثانية وهي مهمة جدًا، وجدتها بينةً في كتابه، لم أرها على هذا البيان في كتاب آخر، وذلك أن المهلب يفسر الحديث بالحديث، فالرواية في صحيح البخاري يبحث عن تفسيرها في رواية أخرى في الصحيح، وهذا المنهج قد طربت له كثيرًا، ورأيته أصلحَ المناهج في تفسير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمها، فإنَّ الروايات يفسر بعضها بعضًا، بمثابة تفسير القرآن بالقرآن، فإنَّ القراءات سواء المتواتر منها أو ما يسمى بالقراءات التفسيرية أو حتى ما يطلق عليها بالشاذة تفسر القرآن، وخير ما فسر به القرآن القرآن.
ليس عبثًا ولا تقطيعًا للحديث حينما يفرق المهلب بين أجزاء الحديث الواحد بألفاظ رواته، وقد يضيق صدر الجاهل أحيانًا بهذا التقطيع إلا انه للعالم بردًا وسلامًا.

(1/125)


انظر إلى المهلب كيف يفسر حديث البخاري بحديث البخاري، ويحمل متشابه الألفاظ على محكمها:
قال البخاري: نا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ نا زَائِدَةُ عَنْ عُبَيْدِالله، ونا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا.
وقال زائدة: قَسَمَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا.
فقَالَ المهلب:
فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ.
ويستفيد كذلك تعيين المبهمين:
قال البخاري: نا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ ومُسَدَّدٌ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ اسْتَقْبَلَهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ.
فأعقبه المهلب بالقول:
وخرجه في باب حمل صاحب الدابة غيره بين يديه مفسرا، فقال البخاري: نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ نا أَيُّوبُ ذُكِرَ شَرُّ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ عِكْرِمَةَ فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَى رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَمَلَ قُثَمًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْفَضْلَ خَلْفَهُ, أَوْ قُثَمَ خَلْفَهُ وَالْفَضْلَ بَيْنَ يَدَيْهِ, فَأَيُّهُمْ شَرٌّ وَأَيُّهُمْ خَيْرٌ.

(1/126)


وتظهر لك نجاعة هذا المنهج في تفسير الرواية بالرواية في كتاب الحج, وكيف رتبه المهلب وفسر ألفاظه من ألفاظه، وأزعم أن ترتيبه لكتاب المناسك شرح للكتاب على حياله، فمن ارتاب فيما أقول فلينظر فيه أولًا.
وقد صرح هو فيه بمنهجه في تفسير الأحاديث وأنه يرتب الألفاظ على مواطنها وأوقاتها، ويجمع الروايات, ويركب الألفاظ على المواطن.
قَالَ الْمُهَلَّبُ:
إن هذا الحديث من الإشكال بحيث قد اعتمد (!) على حفاظ النقل وأئمة الفقه مساق نصه وتأويله، حتى تكلف كثير من العلماء المتقدمين تأليف الكتب والدواوين في اختلاف نصوصه واضطراب ألفاظه، رغبة منهم رحمهم الله في تلخيص سبيله والتسيب إلى تأويله.
فمنهم من وقف اضطراب ألفاظه على أمنا عائشة رضي الله عنها، ومنهم من جعل ذلك من قبل ضبط الرواة عنها على قدر تقدم المتقدم منهم في الحفظ والضبط وتأخره، وهذا الوجه كان آدب وأقرب، لولا أن الله بفضله قد فتح لنا في تصحيح معناه على نصه بترتيبه على مواطنه وأوقات إخبارها عنه صلى الله عليه وسلم من جمع الروايات فيه, وتركيبها على لفظه في المواطن التي ابتدأ الإحرام فيها, ثم أعقب حين دنا من مكة بما أمر به من لم يسق الهدي, إذ أوحى الله عز وجل إليه بتجويز الاعتمار في أشهر الحج, فسحة منه تعالى لهذه الأمة، ورمة لهم بإسقاط أحد السفرين عنهم, ومنع عز وجل في كتابه من إحلال الهدي بقوله عز وجل {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ} فأمر عليه السلام من لم

(1/127)


يكن معه هدي بالإحلال بعمرة ليُريَ أمته جوازها، ويعرفهم بنعمة الله عليهم بها عيانًا، عملًا بحضرته صلى الله عليه وسلم لا خبرًا.
فأوجب الاعتبار للأحاديث وصحح النظر في إحرامه أولًا وفيما أمر به آخرًا تخليص المعنى من الاشكال بحمد الله كما نشير إليه من ترتيب ذلك على المواطن في هذا الباب إنشاء الله عز وجل، ولم نستغن عن تكرير الحديث، لكثرة من رواه من الصحابة رضي الله عنهم مع أم المؤمنين رضي الله عنها، لما في نصوص أحاديثهم من موافقة هذا الترتيب بحديث عائشة، والشاهد على صحته، وتصديق الترتيب فيه, والتأويل فيه.
ثم طفق سوقًا للأحاديث وقرنًا للألفاظ المجملة بالمبينة.
وأما حديث البخاري: «إِنَّ الله لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ».
فلم يجد تفسيره في صحيح البخاري فراغ إلى بحر السنة الزخار وقال:
قد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لِقَيْلَةَ بنتِ مَخْرَمَةَ الوافدة عليه، حين ذكرت ولدا لها قاتل معه عليه السلام يوم الربذة، ومات بخيبر، فبكت عليه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «لَوْ لم تَكُونِي مِسْكِينَةً لجَرَرْنَاكِ اليَوْمَ عَلَى وَجْهكِ, أَيُغْلَبُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُصَاحِبَ صُوَيْحِبَهُ فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا, فَإِذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَنْ هُوَ أَوْلى بِهِ اسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ: رَبِّ آسِنِي مَا أَمْضَيْتَ، وَأَعِنِّي عَلَى مَا أَبْقَيْتَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ أَحَدَكُم لَيَبْكِي، فَيَسْتَعِيرُ إليه صُوَيْحِبَهُ، فَيَا عِبَادَ الله لا تُعَذِّبُوا إِخْوَانَكُم»
حَدَّثَنَا بِهِ .. ثم ساق إسناده.

(1/128)


وبعد، فإن تفسير الحديث بالحديث طريقة الحفاظ والمحدثين، ومنهج الإمام البخاري رحمه الله في شرح السنة.
قال في صحيحه:
نا سَعِيدُ بْنُ أبِي مَرْيَمَ نا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ, وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ».
قال: هَذَا تَفْسِيرُ الْأَوَّلِ, لِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الْأَوَّلِ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» وَبَيَّنَ فِي هَذَا وَوَقَّتَ, وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ, وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ, كَمَا رَوَى الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ، وَقَالَ بِلَالٌ: قَدْ صَلَّى, فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلَالٍ, وَتُرِكَ قَوْلُ الْفَضْلِ أهـ.
والحافظ ابن حجر أكثر الشراح اعتمادًا على هذه الطريقة وأخذًا بها، ولذلك نبل شرحه وكمل، والله أعلم.

(1/129)


النسخ الخطية:
لكتاب النصيح نسختان قابلت عليهما في تحقيق هذا الكتاب المبارك.
النسخة الأولى: هي من محفوظات الخزانة العامة في الرباط، ومنها نسخ مصورة في كثير من المكتبات، وقد صور لي هذه النسخة من مكتبة الجامعة الإسلامية في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم أخي الشيخ بلال أبو قدوم، فجزاه الله خيرًا.

وصف النسخة:
عدد أوراقها 318 ورقة في كل ورقة لوحتان، في اللوحة 30 سطرا, في كل سطر قريب من 18 كلمة.
وخطها مغربي جيد, ميز أبواب الكتاب بلون مغاير، وخط عريض.
لم يتبين لي مَنْ كاتبها، ولكنه مجتهد غير ذي خبرة في الحديث، فهو يصحف في أسماء الرجال المشاهير، وقد يكون في كلام المهلب بعد سوق الإسناد ما يضبط اسم الرجل الذي صحفه، ولكنه لا ينتبه لذلك.
وقد أخل الناسخ في مواضع عديدة في هذا النصيح من جراء انتقال النظر، فيترك سطرًا أو سطرين, وقد بينت ذلك ونبهت عليه.
ينقل أحيانا شروحا للغريب من كتابي المشارق والتوشيح, وقد أهملت ذكر ذلك، لقلة جدواه, وسهولة الوقوف عليه، ولأنه ليس من رأس المهلب.
في أول الحديث يكتب الناسخ: خ يرمز به للبخاري, وبين الأسانيد يكتب خ أو ح يهملها أحيانا ويعجمها أخرى، وقد جريت أنا في الكتاب على سنة واحدة:

(1/130)


فأول الحديث أكتب (خ) أي البخاري كما أراد المهلب، كأنه يقول: (قال البخاري: حدثنا .. ).
وعند التحويل بين الأسانيد أكتب (ح) كما هي عاة المحدثين، ولا التفت إلى اضطراب الناسخ في ذلك، وقد أتبع المخطوط أحيانا, والأمر ليس بذي بال.
النسخة الثانية:
وهي من مكتبة الحرم المكي الشريف، إلا انها غير تامة، تبدأ من كتاب النكاح، وتنتهي آخر كتاب الذبائح، وعدد أوراقها 57 ورقة.
وأحد هذين الأصلين منسوخ من الآخر بدلالة المتابعة في السقط وما شابه.
وقد تفضل أخي الشيخ أبو عمر عبد الرحمن الفقيه الغامدي، المشرف العام على ملتقى أهل الحديث، فصور لي هذه النسخة، فجزاه الله خيرا.

منهجي في التحقيق:
لما نسخت الكتاب أعدت مقابلته على الأصل الأول، ثم عارضت بالأصل الثاني، ثم قارنت رواية المهلب هذه بنسختين مطبوعتين مختلفتين، ثم قارنت بين روايات البخاري الأخرى وبين رواية المهلب هذه، وذكرت الفروقات بين النسخ, مكتفيًا بما الاختلاف فيه له تأثير، ونبهت على ذلك كي لا يعتقد في نسختنا التصحيف، معتمدا في معرفة الاختلاف على كتب الشروح ولا سيما شرح ابن بطال وشرح ابن حجر رحمهما الله تعالى.
عارضت الكتاب أيضا على نسخة أبي زيد ورمزت لها: ز.

(1/131)


تجد للأحاديث في هذا الكتاب رقمين، الأول الرقم العام في ترتيب هذا المختصر، والثاني رقم الرواية في صحيح البخاري، وكل شيخ للبخاري أذكر رقم حديثه قبل اسمه.
وقد اعتمدت في ترقيم الأحاديث على النسخ المطبوعة التي تعداد أحاديث البخاري فيها 7563 حديثا، وهي أكثر النسخ تعدادا للأحاديث فيما أحسب، لترقيمهم الأحاديث المعلقة التي صدر بها البخاري وأفردها المهلب في بعض الأبواب.
ضبطت الأسانيد والمتون والأبواب بالشكل صيانة لصحيح البخاري من اللحن، وتسهيلًا للراغبين في قراءته من عامة وخاصة، فإنَّ إعرابَ الحديثِ شَطرُ فَهْمِهِ، وقد اعتمدت بضبط الكتاب على النسخة أولًا، إذ أن ناسخها شكل فيها ما أشكل، ثم على كتب الشروح ثانيًا.
أسأل الله أن يتقبل هذا الجهد المتواضع من قليل البضاعة والطاعة، وأن يجعله في ميزان حسناتي ووالديَّ ومشايخي وجميع المسلمين، وأن يجزي المهلب خير الجزاء، وأن يرحمه ويتجاوز عنه، ويجمعنا به في روضات الجنات، والله الموفق والهادي إلى صراط المستقيم، وهو أهل التقوى وأهل المغفرة.

(1/132)


صورة المخطوط

(1/133)


صورة المخطوط2

(1/135)


صورة المخطوط3

(1/136)


صورة المخطوط4

(1/137)


صورة المخطوط5

(1/138)


صورة المخطوط6

(1/139)


صورة المخطوط

(1/140)