المختصر النصيح
في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلانَا مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
(*) الإمام الحافظ والحبر العالم أَبُوعبد الله محمد بن
إسماعيل البخاري رحمه الله بترك تكراره بعد تقصي آثاره،
وما دل على فائدة فيه، مما نصح به المسلمين، وهذبه
للمتحفظين والمتفقهين، بتأييد رب العالمين: الشيخ الإمام
الحافظ الثقة العدل القاضي:
أَبُو القاسم المهلب بن أبِي صفرة رحمه الله ونضر وجهه
ورضي عنه.
رواية: الشيخ الفقيه القاضي أبِي عبد الله بن المرابط رحمه
الله عنه (1).
رواية: الشيخ الفقيه القاضي الخطيب أبِي عبد الله محمد بن
أحمد بن خلف القيسي بالحمراء عنه (2).
_________
(1) توفي في الرابع من شوال سنة خمس وثمانين وأربعمائة (4/
10/ 485 هـ).
(2) في هامش الورقة أن: عياض بن موسى قَالَ: نَا به القاضي
أَبُوعبد الله محمد بن أبِي عبد الله بن المرابط عنه.
وفي الهامش أيضا تملك بالبيع الصحيح لشخص بقي من نسبه:
مسعود ..
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كأن هنا سقطا، وفي
المخطوطة المصورة في المطبوع ما يدل على أن قَصًّا حصل
بأعلى الصفحة، وفي ط دار القلم - الرباط، في هذا الموضع:
(هذا صحيح)، وضعها المحقق «الشريف ولد عبد الله ولد أباه»
بين قوسين، وقال في مقدمته: كل ما هو واقع بين قوسين،
هكذا: () فهو ليس من المخطوط، وإنما أثبتناه من نص صحيح
البخاري؛ إذ لا يستقيم المعنى - حسب فهمنا - إلا به،
واحتمال السهو من الناسخ في أكثره وارد [استفدنا هذا
التنبيه من الأخ الفيومي جزاه الله خيرا]
(1/141)
رواية: الشيخ المحدث الثقة الراوية الحافظ
أبِي محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد
الله الحجري رحمه الله عنه (1).
رواية: الشيخ الفقيه القاضي أبِي القاسم أحمد بن يزيد بن
بقي رحمه الله عنه (2).
رواية: محمد بن أحمد بن محمد القيسي ثم الزندي اسعده الله
ووفقه عنه.
كان أَبُوالحسن محمد بن عبد العزيز بن علي بن علي بن مختار
الغافقي الإمام المحدث العدل الثقة شيخ أبِي محمد بن حوط
الله (3)، رحمهم الله يثني على هذا المختصر النصيح ثناء
جميلا ويفضله على جميع أمثاله.
_________
(1) توفي سنة إحدى وتسعين وخمسمائة (591).
(2) توفي سنة خمس وعشرين وستمائة (625).
(3) ابن حوط الله توفي في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة
وستمائة (ربيع الأول/612).
(1/142)
بسم الله الرحمن الرحيم
(1/143)
وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا
وَمَوْلانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
تَسْلِيمًا. (1) وصل فافهم، ومثل فأكمل، .. , وردد القصص
.. من القصص, وأطال فما استحال، وأوجز فأعجز، فلا بكلمة
مكبوت، ولا فهم إلا بمعانيه ... (2) إلى بيان الرسول كما
شرط في محكم التنزيل، فقَالَ عزَّ مِنْ قائل
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ
مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
فامتثل النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيان
كما أُمر، ونطق عن غير هوى كما بُشر، ما ترك فريضة مجملة
إلا فصلها وحددها، ولا سنة منزلة إلا بيَّنها وقيَّدها،
ولا فضيلة مرجوة إلا بسطها وفردها، وبالغ في الإبلاغ،
وأشهد الله عَزَّ وَجَلَّ يوم حجة الوداع على ذوي الأبصار
والأسماع، بما أعلن به وصدع، وبيَّنَ وشرع، فقَالَ: (ألا
هل بلغت) فقَالَوا: اللهم نعم، فقَالَ: (اللهم فاشهد)
فبرأه الله من ملامة التقصير والإسرار، ورضي منه بالإعلان
والإجهار، وأعلمهُ بكمال الدين، وتمام النعمة على
المؤمنين.
ثم دعا عَلَيْهِ السَّلاَمُ لمن تسَمَّعَ منه فبلغ عنه،
فرب مبلَّغٍ في نازلة عصره أوعى له من سامع نَصِّهِ، ذلك
فضل الله يؤتيه من يشاء، ممن أقامهم الله عَزَّ وَجَلَّ
لدينه عدولًا من كل خَلَفٍ، ينفون عنه انتحال المبطلين،
وتحريف الغالين، إلى يوم الدين.
_________
(1) النقطتان للدلالة على أنه بياض في الأصل المنقول منه.
(2) بياض في الأصل، ولعله أوكل تعالى إلى بيان الرسول أو
ما شابه من الكلمات.
(1/144)
ثم آنسَ النُّفُوسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
مما آذن به من فيض العلم، حِين تَسُودُ الأُغَيْلِمَةُ (1)
الجهلاء، وتراه بَيْنَ الأغبياء، بأن الله عَزَّ وَجَلَّ
قد نصر من هذه الأمة الطائفة القائمين بالحجة على أهل
الجهالة والبدعة، فقَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(لا تزال طائفة من أمتي على الحق ما يضرهم من كذبهم ولا من
خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).
فجعل إليهم تعالى برحمته استنباط حكم النازلات، وتأويل فقه
المشكلات من مفهوم (2) النصوص، وبيان العام والخصوص،
وسَوَّغَهُمْ توجيه الأقاويل المختلفة إلى السنن المعروفة,
فقَالَ تعالى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى
أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ
أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ
وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
فلا خفاء بعدُ على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
أن من تبوأ الدار والإيمان, وشهد مواقع نجوم القرآن، وتلقى
من الرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْم التنزيل
في جماعات الرجال والنساء، وأيفاع الولدان والإماء،
ومتجالات العيال، وربات الحجال، أولى بضبط الشرائع، وأحق
بنقل الحقائق إلى الذين اتبعوهم بإحسان - رضي الله عنهم -
كافة عن كافة إلى كافة, منصوص على فضل جميعها, ثم إلى عالم
من أهلها فقيه المعنى .. مبشر منه صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بانتهاء العلم إليه، ووقفه عليه، تضرب إليه آباط
الإبل, ويتكلف إليه بعيد السبل، من انقطاع العلم عن أشتات
الآفاق وآحاد الشام والعراق، حيث يطلع
_________
(1) لعلهما هكذا فإن الكلمتين غير واضحتين.
(2) لعلها هكذا.
(1/145)
قرن الشيطان للفتنة، ويزلزلها بالفرقة، فأي
الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم
يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون، فبهداهم
اقتده، فلهم الضبط والفهم، وإليهم يأرز العلم، أبناء طيبة،
ونشأة الروضة، تربة الرسول، ومنزل جبريل، ومحل الوحي وملبث
الحق، .. ، أرباب الأيمان وعيبة نصح الإسلام, لا جرم أن
لهم الحسنى وأنهم هم الفائزون, وحزب الله المفلحون،
{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ
مَصِيرًا} {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
جعلنَا الله من المتبعين سبيل المؤمنين, القائمين بحجة رب
العالمين, على منهاج خاتم النبيئين, وأول الشافعين, صلى
الله عليه وعلى أهله وأتباعه وأنصاره أجمعين, أفضل صلاة
وأزكاها وأطيبها وأرضاها، وسلم تسليما.
النبوءة، وحملة أعباء الرسالة, ومن أوصى بهم الرسول صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وخصهم بالصحبة جبريل، يطلبونه ..
ما يحجونه.
فإني أوصي نفسي بما به أوصيكم من لزوم الخير والتقى والصبر
عن عرض الدنيا فقد أخذ الله عَزَّ وَجَلَّ عليكم الميثاق,
وتضمن لكم الأرزاق، وأراد بكم الخير, ووعدكم النصر، حين
فقهكم في الدين, .. , وقضى لكم بالسيادة, ... وقلد لكم
الآية {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} ..
فإنما الأعمال بالنيات، واسلكوا سبيل الجادة، وتنكبوا ..
عن مختلف الأقاويل، بالرد إلى الرسول، واعتصموا بحبل الله
جميعا ولا تفرقوا ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من
بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم.
(1/146)
فقد حفظ الله عليكم التنزيل، وبين لكم
الرسول، وقيد العلماء، واستنبط الفقهاء، ونقلت الأمة،
وصححت الأئمة، واجتمعت على هذا الكتاب الجامع الصحيح
الآثار، وقنعت به عن أمات أهل الإكثار، واقتصرت قرون
الإسلام عليه، ولجأ المخالف والمؤآلف إليه، ولن تجتمع
الأمة على ضلال، ولا تتفق على اختلال.
فرحم الله مؤلفه الفاضل محمد بن إسماعيل العالم المرضي،
والحبر الزكي، الناهج لسبيل النجاة، والدليل الماهر في
مهامه الرواة، والنجم الهادي في الظلمات، .. يتضمن صحيح
الحديث على أئمة الأمصار، فما عورض والزعيم يميز صريح
الأسانيد ..
العارف بعدالة الرجال الحاكم فيهم بتغليب الحال، المنكت
بجواهر العلم بتبويباته، والمنبه على خفيه بإشاراته، فهو
يصدر في أول الباب بوجه الحديث ليفهم، ويميز المعنى الذي
به ترجم، ويكرر الأحاديث بكثرة المعاني التي فيها، فمن وهب
الله له فهمها ودَّ تكثيرها، ومن خفت عليه كره تكريرها.
فلذلك رغب إِلَيَّ منكم راغبون كثير في اختصار تكراره،
وتحرير آثاره، حرصا على قرب أمره، وتأتي حفظه، ولو كان
تكرره في كل باب على نص واحد لأمكن ما رغبوه، وساغ ما
أرادوه، ولكن يكرره بألفاظ مختلفة يدل على وجوه، وبزيادات
الرواة على غيرهم تنفس المعاني للناظر الفقيه.
فلو اختصر على ما ظنه الراغبون فيه، واحتمل على رأي
المستنبطين له, لذهبت بهجة الكتاب، وطمست [ص/3] أعين
المعاني, وعدم من فوائد الحديث
(1/147)
الأكثر التي ترجم بها، واستنبطها من
خَفِيِّ أماكنه فجلاها للعقول، ونبه عليها من جوامع كلام
الرسول فإنه عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: (بعثت بجوامع
الكلم).
فأعملتُ النظر أيدكم الله فيما رغبه الآملون لتحفظه فتقر
فيه , والراغبون في التفقه منه مع تهذيبه، فلم يمكنني فيه
غير اختصاره بإسقاط تكراره، إلا ما ضنت الحاجة إليه،
واشتملت المتون من اللفظ عليه، فَأُبْقِيهِ لفائدةٍ فيه.
فظهر إِلَيَّ أنْ أُخَرِّجَ من كل حديث على أكمل ما أجده
في الأبواب التي ذكره فيها ليُريَ فوائده، وينوِّعَ
أسانيده، وأتوخى أولى الأبواب به ما أمكن، وأركب فيه ما
زَادَه الضابط من الرواة على غيره في موضعه من نصه، بعد
تقديم شعوب سنده إلى من عليه مدارالحديث، لكيما يكمل المتن
مسند الألفاظ مقيد الزوائد.
وإنْ كان ابن شهاب الْزُهْرِيّ رضي الله عنه وغيره من
الأئمة قَالَ في حديث الإفك، وحديث موسى مع الخضر عليهم
السلام, وفي غيرهما حين كثرت عليه زيادات الرواة في
الحديث، فقَالَ في آخر الاسناد: وكلٌّ حَدَّثَنِي طائفة من
الحديث، وبعضهم يزيد في الحديث على بعض، ولم يذكر المزيد
ولا الزائد، ثم ساوى الحديث على نص واحد ولم يعين لكل راوٍ
منهم زيادته.
ولم أَسْمَحْ أنَا في ذلك, ولا قنعتُ به, لأنَّ ابن معين
رحمه الله قد تكلم في مثل هذا, فرأيت الخروج عن موضع
التكلم أولى، وإن زَادَت الأسانيد، لكني ربما ذكرت زيادة
الراوي في المتن وفصلتها بتحويقة.
وربما كررت اسم الأول الذي له اللفظ, ثم إني ذكرت في آخر
الحديث كل باب خرجه البخاري رضي الله عنه فيه ليستدل
الدارس له المتفقه بتلك التراجم
(1/148)
على لطيف المعاني التي تضمنت ويتعلم كيف
وجه الاستنباط لها إن خفيت واستخراجها إن غمضت, والله يلقي
الحكمة من أراد به الخير بفضله.
ولما خرجت من الأحاديث الأكمل، وركبت منها المشتت فاتصل،
ألفيت الذي صدَّر به من الحديث في أوائل الأبواب مقطوعا
وأكثرها في الكتاب مسندًا في غير تلك الأبواب المصدر بها
فيها فخرجتها حيث أجدها وتركت ذكرها في مواضع التصدير بها.
وهممت أيضا بترك الأبواب التي هي بمعنى واحد في أواخر
الأحاديث، مثل قوله باب تزويج المحرم، وقَالَ في النكاح:
باب نكاح المحرم، وباب المرأة تحيض بعد الإفاضة، وقَالَ في
الحج: باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت، وخرج فيها حديثا
واحدا، وغيرها كثير فتركت الأقل، وذكرت الأكثر.
(1/149)
فصل:
ثم إني تدبرت هذا الكتاب الصحيح الذي جعله الله في آخر
الزمان عصمة للمختلفين, وحكما للمتفرقين، ورحمة للعالمين،
فألفيت مؤلفه رحمه الله على ضمان الصحة، وجامعه عن أهل
الثقة، لم يبلغ من تهذيبه ما أراد، ولا تمكن فيه من كل ما
أمل، واستدللت على أنه أعجل عنه بأجل، أو غالب شغل، بأنه
يبوب أبوابًا كثيرة وتركها فارغة لم يخرج فيها أحاديثها
وبعضها يفهم من الترجمة، ولا يفهم من بعض، ومن تلك الأبواب
الفارغة ما صدر فيها الأحاديث بما يدل على المعنى ثم لم
يخرج فيها غير التصدير, وأبواب كثيرة قَالَ فيها: باب، ثم
ذكر أحاديثها ولم يترجم لها بالمعنى, وأحاديث مقطوعة لم
يسندها، كحديث (إن لقيتم فلانَا وفلانَا فأحرقوهما بالنار)
, وحديث ابن عباس (ليس السعي ببطن الوادي بين الصفا
والمروة بسنة) قَالَ فيهما البخاري: وقَالَ ابن وهب، ولم
يذكر من حدثه عنه.
وكذلك قَالَ في حديث الخشبة، وحديث أسماء رأيت زيد بن عمرو
بن نفيل مسندا ظهره إلى الكعبة، وحديث عائشة أن رسول الله
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يذكر سردا لحديثه
كسردكم، قَالَ فيها كلها: وقَالَ اللَّيْثُ, أو يذكر، ولم
يذكر من حدثه عن الليث.
وسأسندها إنشاء الله تعالى.
وقد يترجم بعض الحديث لبيان معناه، ويترجم بطرف منه ليدل
عليه، وفي كثير من الأبواب خرج فيها أحاديث يخفى معنى ذلك
التبويب من نصها إلا باستدلالٍ خفي ٍ وغوص ذكي، ولو أمهل -
والله أعلم - لأردف تلك النصوص بما هو أجلى لوجوه المعاني
وأظهر لها.
(1/150)
ومنه أبواب لا يفهم ما أراد منها إلا بدليل
التصدير, مثل باب قوله عَزَّ وَجَلَّ {وَرَاوَدَتْهُ
الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} ثم أدخل حديث
ابن مسعود أن قريشا لَمَّا أبطؤوا على رسول الله صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا عليهم بسبع كسبع يوسف، ثم صدر
في الباب قوله {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} فبلغ إلى
موضع الفائدة ثم لم يذكرها وهو قوله تعالى {وَإِذَا
ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً
يَسْتَسْخِرُونَ} وفي معنى ذلك تبويبه والله أعلم.
ووجه ذلك أنه شبه ما عرض ليوسف عَلَيْهِ السَّلاَمُ مع
إخوته ومع امرأة العزيز بما عرض لمحمد عَلَيْهِ السَّلاَمُ
مع قومه حين أخرجوه من وطنه وأهله وآذوه، كما أخرج إخوة
يوسف يوسف عن أبيه وباعوه ممن استعبده فلم يعنف محمد
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قومه كما لم يعنف يوسف
إخوته حين أتوهما تائبين معترفين، فقَالَوا ليوسف عَلَيْهِ
السَّلاَمُ {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا
وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} , وقَالَ أَبُوسفيان لمحمد
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنك قد بعثت بصلة الرحم
وإن قومك قد هلكوا فادع الله عَزَّ وَجَلَّ لهم, وقَالَوا
ربنَا اكشف عنَا العذاب إنَا مؤمنون فدعا لهم عَلَيْهِ
السَّلاَمُ فأخبره تعالى أنه كاشف العذاب وأنهم عائدون
يريد إلى التكذيب، حتى ينتقم منهم في البطشة الكبرى يوم
بدر، ودعا يوسف لإخوته فقَالَ لهم لا تثريب عليكم اليوم
يغفر الله لكم حين أتوه نادمين معترفين، وقَالَوا لأبيهم:
{يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا
خَاطِئِينَ}، فقَالَ لهم: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ
رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} , فقَالَ الله
تعالى لمحمد عَلَيْهِ السَّلاَمُ: {بَلْ عَجِبْتَ
وَيَسْخَرُونَ} [ص/4] أي عجبتَ من حلمي عنهم مع سخريتهم
وتماديهم في غيهم، ومن قرأ بقراءة عبد الله برفع التاء من
(1/151)
عجبت فمعناه والله أعلم: بل عجبتُ من حلمك
عن قومك حين رأوا العذاب فأتوك متوسلين بالرحم فدعوت لهم
بكشف ما كنت دعوت به عليهم كحلم يوسف عَلَيْهِ السَّلاَمُ
عن إخوته، إذ أتوه محتاجين, وكحلمه عن امرأة العزيز حين
راودته عن نفسه ثم أغرت به سيدها فكذبت عليه فقَالَتْ:
{مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ
يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، ثم عفا يوسف صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها بعد سجنه الطويل بمكرها، وتزوجها
على ما جاء الخبر عنها.
فأراد البخاري رحمه الله أن يريك أن العفو عن الظالم إذا
أتى تائبا أو متوسلا سنة النبيئين، وسنة رب العالمين في
عباده التائبين والمتوسلين، فأراد تناسب ما بين الآيتين
بالمعنى على بعد الظاهرين منهما، ومثل هذا فِي كِتَابِه
كثير، مما قد عابه به من لم يفتح الله عليه بفهمه (1).
_________
(1) قَدْ نَقَلَ الْحَافِظُ هَذَا الْفَصْلَ مُختصَرًا
عَازِيًا إِيَّاهُ إِلى أبِي الْإِصْبَع عِيسَى بْن سَهْل
فِي شَرْحه فِيمَا نَقَله الحافظ مِنْ رِحْلَة أبِي عَبْد
اللَّه بْن رُشَيْد، وأَبُو الإصْبَعِ تَجَلَّدَ فِي
نَقْلِهِ حِينَ لَمْ يِنْسِبْهُ لِلْمُهَلَّبِ مَعَ
أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ وَحَافَظَ عَلَى كَلِمَاتِه.
قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ تَكَلَّفَ لَهَا أَبُوالْإِصْبَع
عِيسَى بْن سَهْل فِي شَرْحه فِيمَا نَقَلْته مِنْ رِحْلَة
أبِي عَبْد اللَّه بْن رَشِيد عَنْهُ مَا مُلَخَّصُهُ:
تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ: بَاب قَوْله (وَرَاوَدَتْهُ
الَّتِي هُوَ فِي بَيْتهَا عَنْ نَفْسه)، وَأَدْخَلَ
حَدِيث اِبْن مَسْعُود: أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا
أَبْطَئُوا، الْحَدِيث، وَأَوْرَدَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي
التَّرْجَمَة عَنْ اِبْن مَسْعُود (بَلْ عَجِبْتُ
وَيَسْخَرُونَ)، قَالَ: فَانْتَهَى إِلَى مَوْضِع
الْفَائِدَة وَلَمْ يَذْكُرهَا، وَهُوَ قَوْله: (وَإِذَا
ذُكِّرُوا لاَ يَذْكُرُونَ، وَإِذَا رَأَوْا آيَة
يَسْتَسْخِرُونَ).
قَالَ: وَيُؤْخَذ مِنْ ذَلِكَ مُنَاسَبَة التَّبْوِيب
الْمَذْكُورَة، وَوَجْهه: أَنَّهُ شَبَّهَ مَا عَرَضَ
لِيُوسُف عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَعَ إِخْوَته وَمَعَ
اِمْرَأَة الْعَزِيز بِمَا عَرَضَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْمه، حِينَ أَخْرَجُوهُ
مِنْ وَطَنه كَمَا أَخْرَجَ يُوسُف إِخْوَته، وَبَاعُوهُ
لِمَنْ اِسْتَعْبَدَهُ، فَلَمْ يُعَنِّفْ النَّبِيّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمه لَمَّا فَتَحَ مَكَّة،
كَمَا لَمْ يُعَنِّف يُوسُف إِخْوَته حِينَ قَالَوا لَهُ:
(تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَك اللَّه عَلَيْنَا)، وَدَعَا
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَطَرِ
لَمَّا سَأَلَهُ أَبُوسُفْيَانَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ،
كَمَا دَعَا يُوسُف لِإِخْوَتِهِ لَمَّا جَاءُوهُ
نَادِمِينَ، فَقَالَ: (لاَ تَثْرِيب عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ
يَغْفِر اللَّه لَكُمْ).
قَالَ: فَمَعْنَى الآيَة بَلْ عَجِبْت مِنْ حِلْمِي
عَنْهُمْ مَعَ سُخْرِيَتِهِمْ بِك وَتَمَادِيهِمْ عَلَى
غَيّهمْ، وَعَلَى قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود بِالضَّمِّ بَلْ
عَجِبْتُ مِنْ حِلْمك عَنْ قَوْمك إِذْ أَتَوْك
مُتَوَسِّلِينَ بِك فَدَعَوْت فَكُشِفَ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ
كَحِلْمِ يُوسُف عَنْ إِخْوَته إِذْ أَتَوْهُ
مُحْتَاجِينَ، وَكَحِلْمِهِ عَنْ اِمْرَأَة الْعَزِيز
حَيْثُ أَغْرَتْ بِهِ سَيِّدَهَا وَكَذَبَتْ عَلَيْهِ
ثُمَّ سَجَنَتْهُ ثُمَّ عَفَا عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ
وَلَمْ يُؤَاخِذهَا.
قَالَ: فَظَهَرَ تَنَاسُب هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي
الْمَعْنَى مَعَ بُعْد الظَّاهِر بَيْنَهُمَا.
قَالَ: وَمِثْل هَذَا كَثِير فِي كِتَابِهمِمَّا عَابَهُ
بِهِ مَنْ لَمْ يَفْتَح اللَّه عَلَيْهِوَاَللَّه
الْمُسْتَعَان.
وَمِنْ تَمَام ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: تَظْهَر الْمُنَاسَبَة
أَيْضًا بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ مِنْ قَوْله فِي
الصَّافَّات: وَإِذَا رَأَوْا آيَة يَسْتَسْخِرُونَ،
فَإِنَّ فِيهَا إِشَارَة إِلَى تَمَادِيهِمْ عَلَى
كُفْرهمْ وَغَيّهمْ، وَمِنْ قَوْله فِي قِصَّة يُوسُف
(ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الْآيَات
لِيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) أهـ.
(1/152)
وأكثر ما شنع عليه به رحمه الله ما ترجم به
في أول باب من كتابه ثم أدخل غير ما ترجم به عندهم, وذلك
أنهم ألفوهم في أول باب ... فاستغنوا به عن إصلاح كثير مما
سايروا الكتاب، وهو أنه قَالَ: باب كيف كان بدء الوحي إلى
رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أدخل حديث
الأعمال بالنيات، زعموا أن ليس فيه شيء مما تضمنت الترجمة
حتى بلغني أن بعض المتقدمين وضع في هذا الباب وشبهه مما لم
ينفك له منه معنى الترجمة في سائر الكتاب وضعا يشنع به على
البخاري رحمه الله.
وذلك الحديث والله أعلم نفس ما ترجم به, وأولى الأحاديث
بنصه، ووجهه:
أن الله عَزَّ وَجَلَّ قد اصطفى محمدا صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أطيب الأصلاب، وأطهر الترائب، في
أكرم الأنساب، وفطره على الأيمان, وزينه في قلبه وكره إليه
الفسوق والعصيان وعبادة الأوثان والنيران والنجوم
والحيوان، ولم يجد في جاهلية قومه شرعا يعبد الله عليه،
ولا حكما يلجأ عند الإشكال إليه، لجأ إلى دعاء ربه تعالى,
وتضرع إلى معبوده في الهداية إلى سبيله، والإنعام عليه
بدليله،
(1/153)
فوهب له تبارك وتعالى أول أسباب النبوءة,
وهو الرؤيا الصادقة، التي قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إنها
جزء من أجزاء النبوءة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق
الصبح.
قَالَ بعض أهل العلم: فكان ذلك ترشيحا له من الله عَزَّ
وَجَلَّ للنبوءة، فلما رأى ما وهب الله عَزَّ وَجَلَّ من
ذلك فأطلعه به على كثير من الغيوب والإنذارات بما يقع،
ويفهمه به على كثير مما يضر وينفع، تحقق طمعه في الإجابة،
وقوي رجاءه في استكمال ما ابتدأه به, ورشحه له, فأخلص
النية لله عَزَّ وَجَلَّ بالعمل، ومحض له الطوية في التعبد
والرغبة والانقطاع إليه، وحبب إليه الخلاء، فكان يتعبد في
غار حراء عدد الليالي والأيام، ثم يرجع ويتزود لمثلها، حتى
فجئه الحق وأتاه الملك بالوحي من ربه, فقبل الله تعالى
عمله، لصحة نيته، ووهب له ما نوى كما أمل ورجا، إجابة
لخالص دعواته، والله أعلم حيث يجعل رسالاته (1).
فأي معنى أولى بهذه الترجمة من هذا الحديث، وأشد مشاكلة
ومطابقة لها عند من فتح الله عليه الفهم، فبحث عن العلم,
واقتبس من أهل التقدم، ولقد ينبغي لأهل الطلب والتفقه أن
يعرفوا وكيد حاجتهم إلى علم معاني الحديث الصحيح، ووجوه
مطابقته للمسائل الصحيحة، المتوفرة بينهم في الفتوى,
فيستنبطون منها ما لم يتقدم فيه قولٌ لعالم، ويفرقون منها
بين الوهم والصواب من الاختلاف، إذ قد كثر وعورض المتقدم
بالمتأخر، ولعله مفسر وقر قوله، وهو لله
_________
(1) وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَا حَكَاه
الْمُهَلَّب أيضًا منْ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بِهِ حِين قَدِمَ الْمَدِينَة
مُهَاجِرًا، فَنَاسَبَ إِيرَاده فِي بَدْء الْوَحْي؛
لِأَنَّ الأَحْوَال الَّتِي كَانَتْ قَبْل الْهِجْرَة
كَانَتْ كَالْمُقَدِّمَةِ لَهَا لِأَنَّ بِالْهِجْرَةِ
اُفْتُتِحَ الْإِذْن فِي قِتَال الْمُشْرِكِينَ،
وَيَعْقُبهُ النَّصْر وَالظَّفَر وَالْفَتْح.
قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا وَجْه حَسَن، إِلاَ أَنَّنِي
لَمْ أَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَخَطَبَ بِهِ أَوَّل مَا هَاجَرَ -
مَنْقُولًا أهـ.
(1/154)
أو لرسوله معارض، فلا اعتصام إلا بشاهد
الكتاب والسنة, فيهما يتبين محض الصواب، وتنفصل المسائل
المشكلة، فيستغنى عن حفظ كثير أشخاصها بضبط حكم أجناسها،
لكن العذر قلة وجود المعلم، وعدم الفالح، مع حب بعضنَا
للرياسة في العامة، واستعجال الفائدة من عندها فوقفوا
أنفسهم على ذكر مسائلها والتحيل لها في وثائقها، بالهروب
عن الحدود بزور العقود، فقنعوا منها بالتسويد ونكبوا عنه
لأنه عندهم محدود، ولزموا التسوق به فهو المحدود، فنالوا
من الدنيا المراتب، وولوا الفهماء فيها المعائب، حتى ضاعت
الحقائق وهجر أهلها، وعمت الجهالة وظهر حزبها، تصديقا من
الله عَزَّ وَجَلَّ لما أنذر به الرسول عَلَيْهِ
السَّلاَمُ من انقطاع العلم وظهور الجهل، {وَمَنْ يُرِدِ
اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ
شَيْئًا}.
ولقد هممت أيدك الله أن أذكر في آخر كل حديث من كتابي هذا
ما أدركت من معانيه، والفقه الذي فيه، لكني أظن أن فيما
أمللت عندما قرئ علي هذا الكتاب الصحيح وكتب عني بلاغا
وفتح باب إلى استخراج بقية ما تركت أو غاب عني من معاني
الأحاديث لمن بحث عن ذلك إنشاء الله, والله هو الفتاح
العليم.
ولعل الله يمهل في الأجل لهذا الأمل ويعين على شرح هذا
المختصر النصيح بأوجز ما يتهيأ, فيكون بعون الله شرحه على
قدر كتاب البخاري أو قدره، وتكون الفائدة في شرحه أجدى على
الناس من ما اختصرت من تكرير نصه، غير أني قد تكلمت فيه
على نبذ من الأحاديث المشكلة التي أدخلها رحمه الله على
اضطراب الرواة فيها، ونثرها فيه غير مرتبة ولا مبينة، على
ما نبين وجوهها، وأشرت فيها بما
(1/155)
ينفي الاضطراب عنها فلا تتعارض، ويقف الوهم
في أسانيدها أو متونها على من حكم به النظر عليه من
ناقليها، وكذلك فعلت في تأويل معانيها.
ومنها ما هذبت أسانيدها، وطرحت الوهم الظاهر فيها:
كحديث صفة عيسى وموسى في رؤيا النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لهما في منامه عند الطواف.
وكحديث الإفراد والقران في الحج، وقد تكلمت عليه.
وكحديث رافع في المزارعة.
وحديث جابر فيما دون الحد من العقوبة.
وحديثه في بيع الجمل واشتراط ظهره.
وغيرها كثير، كلها أعجل البخاري رحمه الله عن تهذيبها،
وتقليب الصواب لأهللها من رواتها، ولم أتقصها كلها كيلا
يكثر الْكِتَابُ فَيُمَلُّ القارئ والْكِتَابُ، وتبقى
الإطالة، فلا تعدم الملامة [ص/5].
وقد يسوغ لمن أراد تحفظ متون الأحاديث خاصة أن يختصر ذكر
أسماء المختلفين في ألفاظها بالزيادة والنقصان، فيكون متن
الحديث أسمح لقراءته، وأيسر لتحفظه، كما يسوغ له أيضا أن
يختصر ذكر الأبواب من آخر كل حديث، إذا لم يرد التفقه فيه
منها، وقنع بِحفظها، فيكون قد خفف عن نفسه مؤونة كبيرة من
ذكر الأسماء التي يحتاج إليها أهل الإسناد، والأبواب التي
منها تفقه أهل العلم.
(1/156)
فَكِتَابِي هَذَا إِذًا يَحْتَاجُ إِليهِ
طَبَقَاتُ الْعِلْمِ الثَّلاَث:
أَعْنِي الْمُسْنِدِينَ، وَالْمُتَفَقِّهِينَ،
وَالْمُتَحَفِّظِينَ.
فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيهِ بُغْيَتُهُ مُلَخَّصَةٌ،
وَحَاجَتُه مُعَيَّنَةٌ، وَمَطَالِبُهُ مُقَرَّبَةٌ،
وَلَيْسَ لِمَنْ صَفرَتْ يَدَاهُ مِنْ بِضَاعَةِ
الْحَدِيثِ وَعِلْمِ إِسْنَادِهِ وَمَعَانِيهِ.
واخْتِصَارِي لَهُ هَذَا عَلَى قَدْرِ الْوِسْعِ الَّذِي
أَعَانَ الله وَامْتَنَّ بِالْهِدَايَةِ إِليهِ، غَيْرُ
مُتَبَرِّئٍ مِنْ آفَاتِ الْبَشَرِ وَوَهَلِ الْمُدَّكِرِ،
وَمَنْ يَعْتَصِم بِالله فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ.
اللهم بك اعتصمت, وعليك توكلت, ووجهك أردت، وما عندك رجوت،
فاجعل لي به صالح ذكر في العالمين, ولسان صدق في الآخرين،
وانفعني بمن قرأه وكتبه من المؤمنين، ودعا لي بالرحمة في
الغابرين، حتى تدخلني رحمتك في عبادك الصالحين، وآخر
دعواهم أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على محمد خاتم
النبيئين، وآخر المرسلين, وأول الشافعين، وسلم تسليما.
(1/157)
وَهَا أَنَا حِينَ أَبْتَدِئُ بِتَهْذِيبِ
الْكِتَابِ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ، الَّذِي:
حَدَّثَنَا بِهِ سَمِاعًا الفَقِيهُ الْحَافِظُ
أَبُومُحَمَّدٍ عَبْدُالله بْنُ إِبْرَاهِيمِ بْنُ
مُحَمَّدٍ بْنُ جَعْفَرٍ الأَصِيلِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ
وَأَرْضَاهُ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَلَمْ أَلْقَ مِثْلَهُ.
وَحَدَّثَنَا بِهِ أَيْضًا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ
الْفَاضِلُ أَبُوالْحَسَنِ مُحَمَّد بْنُ خَلَفٍ
القَابِسِيُّ رَحِمَهُ الله، وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ،
إِجَازَةُ (1).
قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُوزَيْدٍ مُحَمَّد بْنُ أَحْمَدَ
الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: نَا مُحَمَّد بْنُ يُوسُفَ
الفِرَبْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلُ الْبُخَارِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ:
_________
(1) هكذا ثبت في النسخة، حدثنا .. إجازة، والأليق أن يقول:
أخبرنَا .. إجازة.
(1/158)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ
وَآلهِ وَسَلَّمَ
بَابٌ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ الله
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُ الله عَزَّ
وَجَلَّ {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا
إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} (1).
[1]- قَالَ البُخَارِيُّ:
(1) حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا سُفْيَانُ، نَا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، - عَلَيهِ مَدَارُ الحَدِيثِ -،
قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
التَّيْمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ
اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
عَلَى الْمِنْبَرِ يقول: سَمِعْتُ النبي صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ.
ح (6953) ونَا أَبُوالنُّعْمَانِ، نَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى، الْسَّنَد،: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّمَا الأَعْمَالُ».
_________
(1) هَكَذَا ثَبَتَ فِي الأصْلِ، وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ
أبِي ذَرٍّ لَفْظَ: بَاب.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: قَالَ لى أَبُوالْقَاسِم
الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِى صُفْرَةَ رَحِمَهُ اللهُ: مَعْنَى
هَذِهِ الآيَة أنَّ اللهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلى مُحَمَّدٍ
عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، كَمَا أَوْحَى إِلى
سَائِر الأَنْبِياءِ، عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلاَمُ
قَبْلَهُ وَحْيَ رِسَالةٍ، لاَ وَحْيَ إِلْهَامٍ، لأَنََّ
الْوَحْيَ يَنْقَسِمُ عَلَى وُجُوهٍ.
وَإِنَّمَا قَدَّمُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ حَدِيثَ
إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ فِي أَوَّلِ
كِتَابِهِ، لِيُعلمَ أَنَّه قَصَدَ في تَألِيفِهِ وَجْهَ
الله عَزَّ وَجَلَّ، فَفَائِدَةُ هَذَا الْمَعْنَى أَنْ
يَكُونَ تَنْبِيهًا لِكُلِّ مَنْ قَرَأ كِتَابَهُ، أَنْ
يَقْصِدَ بِهِ وَجْهَ الله تَعَالَى كَمَا قَصَدَهُ
الْبُخَارِيُّ فِي تَأْلِيفِهِ.
وَجَعَلَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ عِوَضًا
مِنْ الْخُطْبَةِ الَّتِى يَبْدَأُ بِهَا المؤلِّفُونَ،
وَلَقَدْ أَحْسَنَ العِوض من عوَّض مِنْ كَلامِهِ كَلامَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي
مَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى.
وقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ هَذَا
الْحَدِيثَ ثُلُثُ الإسْلاَمِ، وَبِهِ خَطَبَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَصَلَ إِلى
دَارِ الْهِجْرَةِ وَشَهَرَ الإسِلامَ أهـ.
(1/159)
قَالَ سُفْيَانُ: «بِالنِّيَّاتِ،
وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ
هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى
امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ
إِلَيْهِ» (1).
زَادَ حَمَّادٌ: «وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله
وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُولِهِ».
وَخَرَّجَهُ في: كِتَابِ النِّكَاحِ، فِي بَابِ مَنْ
هَاجَرَ أَوْ عَمِلَ خَيْرًا لِتَزويجِ امْرأةٍ فَلَهُ مَا
نَوَى (5070)، وفِي كِتَابِ النذور، فِي بَابِ النّيةِ في
الأَيْمَانِ (6689)، وفِي بَابِ هجرة النَّبِيِّ عَلَيْهِ
السَّلاَمُ (2) (3898)، وفِي كِتَابِ العِتْقِ، بَابٌ
الْخَطَأُ وَالنِّسْيان (2529)، وفِي كِتَابِ تَرْكِ
الْحِيلِ وَأَنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى (6953).
_________
(1) هَكَذَا هُوَ في رِوَاية الْبُخَارِيِّ عَنْ
الْحُمَيْدِيِّ في أَوَّلِ أَحَادِيثِ الْكِتَابِ:
بِحَذْفِ أَحَد وَجْهَيْ التَّقْسِيم، وَهُوَ قَوْله: "
فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَته إِلَى اللَّه وَرَسُوله "
وَلِذَلِكَ أَتَمَّهُ الْمُهَلَّبُ مِنْ زِيَادَةِ
حَمَّادٍ.
فقَالَ حَمَدُ بنُ سُليمَان الْخَطَّابِيُّ: وَقَعَ هَذَا
الْحَدِيث فِي رِوَايَتنَا وَجَمِيع نُسَخ أَصْحَابنَا
مَخْرُومًا قَدْ ذَهَبَ شَطْره، وَلَسْت أَدْرِي كَيْفَ
وَقَعَ هَذَا الْإِغْفَال، وَمِنْ جِهَة مَنْ عَرَضَ مِنْ
رُوَاته؟ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ غَيْر طَرِيق
الْحُمَيْدِيّ مُسْتَوْفًى، وَقَدْ رَوَاهُ لَنَا
الأَثْبَاتُ مِنْ طَرِيق الْحُمَيْدِيّ تَامًّا أهـ.
قُلتُ: هُوَ فِي الْمُسْنَدِ لِلْحُمَيْدِيِّ بِتَمَامِهِ
ح31، وَاتِّفَاقُ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْبُخَارِيِّ عَلَى
هَذَا الإِسْقَاطِ تُقَوِّي فَرَضِيَّةَ أَنَّهُ هُوَ مَنْ
أَسْقَطَ شَطْرَ الْحَدِيثِ، فَإِنْ كَانَ وَقَعَ مِنْهُ
لِسَهْوٍ فَلِلَّهِ فِي ذَلِكَ حِكْمَةً، فَإِنَّ
الْكَمَالَ فِي الْكُتُبِ لا يَكُونُ إِلاَّ لِكِتَابِ
اللهِ، وَحَتَّى هَذَا الْكِتَاب الَّذِي هُو أَصَحُّ
الْكُتُبِ بَعْدَ الْقُرْآنِ حَصَلَ في أَوَّلِهِ مَا
حَصَلَ!.
وَإنْ كَانْ عَمْدًا مِنْ الْبُخَارِيِّ فَأَحْسَنُ مَا
قِيلَ في الْجَواب عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُومُحَمَّد
عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن سَعِيد الْحَافِظ فِي أَجْوِبَة
لَهُ عَلَى الْبُخَارِيّ، فَقَالَ: لَعَلَّ الْبُخَارِيّ
قَصَدَ أَنْ يَجْعَل لِكِتَابِهِ صَدْرًا يَسْتَفْتِح
بِهِ، عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِير مِنْ النَّاس مِنْ
اِسْتِفْتَاح كُتُبهمْ بِالْخُطَبِ الْمُتَضَمِّنَة
لِمَعَانِي مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ التَّأْلِيف،
فَكَأَنَّهُ اِبْتَدَأَ كِتَابه بِنِيَّةٍ رَدَّ عِلْمهَا
إِلَى اللَّه، فَإِنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ
الدُّنْيَا أَوْ عَرَضَ إِلَى شَيْء مِنْ مَعَانِيهَا
فَسَيَجْزِيهِ بِنِيَّتِهِ، وَنَكَبَ عَنْ أَحَدِ وَجْهَيْ
التَّقْسِيم مُجَانَبَة لِلتَّزْكِيَةِ الَّتِي لاَ
يُنَاسِب ذِكْرهَا فِي ذَلِكَ الْمَقَام. (اِنْتَهَى
مُلَخَّصًا مِنْ الْفَتْحِ).
وَلا يُعْتَرضُ بِأَنَّ هَذَا الْخَرْمَ لا يَجُوزُ،
فَمَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ يَلُوحُ مِنْ صَحِيحِهِ
بِجَوَازِ تَقْطِيعِ الْحَدِيثِ وَرِوَايَتِهِ
بِالْمَعْنَى.
(2) أي من كتاب مناقب الأنصار، واسم الباب كاملا: باب هجرة
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.
(1/160)
[2]- (2) خ نَا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ،
نَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ، ح, و (3215) نَا فَرْوَةُ، نَا
عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ
الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ الله صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، كَيْفَ
يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ: «كُلُّ ذَاكَ يَأْتِينِي,
الْمَلَكُ أَحْيَانَا مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ».
زَادَ مَالِكٌ: «وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ».
«فَيَفْصِمُ عَنِّي، وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ،
وَأَحْيَانَا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا
فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ».
قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ
فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ
وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا.
وَخَرَّجَهُ في: كِتَابِ بِدْءِ الْخَلْقِ، فِي بَابِ
ذِكْرِ الْمَلاَئِكَةِ (ح3215).
[3]- خ (4923) نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: نَا
عَبْدُ الصَّمَدِ, قال: نَا حَرْبٌ, نا يَحْيَى بنُ أبِي
كَثِير, قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ: أَيُّ الْقُرْآنِ
أُنْزِلَ أَوَّلُ, الْحَدِيث.
[4]- (4956، 6982) خ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ
مُحَمَّدٍ, نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ, أَنَا مَعْمَرٌ, عن
الْزُهْرِيّ, مَدَارُه.
و (4953) حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مَرْوَانَ, نَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أبِي رِزْمَةَ,
قَالَ: نَا أَبُوصَالِحٍ سَلْمَوَيْهِ, قَالَ: حَدَّثَنِي
عَبْدُ الله عَنْ يُونُسَ, عنه.
(1/161)
و (,4953،4955) (1) نَا يَحْيَى بْنُ
بُكَيْرٍ, نَا اللَّيْثُ, عَنْ عُقَيْلٍ - لَفْظُهُ -,
عَنْ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ, عَنْ
عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ, أَنَّهَا قَالَتْ:
أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ الله صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا
الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ.
وقَالَ مَعْمَرٌ ويُونُسُ: الصَّادِقَةُ.
فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ
الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ
يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وَهُوَ
التَّعَبُّدُ، اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ
يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِ ذَلِكَ،
ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا
حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ.
وقَالَ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ: حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ.
وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ
له: اقْرَأْ.
- وقَالَ مَعْمَرٌ ويونُسُ: فقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ».
قَالَ: «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي
الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فقُلْتُ:
مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي (2) الثَّانِيَةَ حَتَّى
بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ:
اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي
فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ
ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}».
زَادَ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ: إلَى قَوْلِهِ {مَا لَمْ
يَعْلَمْ}.
فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ.
_________
(1) وهذا من الأحاديث التي رواها البخاري رحمه الله بإسناد
واحد في مواضع مختلفة بألفاظ مختلفة، ومعنىً متفق، لأنه
رحمه الله كان يجيز الرواية بالمعنى للفقيه الحاذق.
(2) هنَا في النسخ: فغطني الثانية، اتفق عقيل مع معمر
ويونس في ذكرها وقد تكون سقطت على الناسخ، والله أعلم.
(1/162)
وقَالَ مَعْمَرٌ: بَوَادِرُهُ (1).
فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، فَقَالَ
لَهَا: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» , فَزَمَّلُوهُ حَتَّى
ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ (2).
فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: «لَقَدْ
خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» , فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: وَالله مَا
يُخْزِيكَ الله أَبَدًا.
وقَالَ مَعْمَرٌ ويُونُسُ: كَلاَ, أَبْشِرْ, فوَالله لا
يُخْزِيكَ الله أَبَدًا.
إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ.
زَادَ مَعْمَرٌ ويُونُسُ: وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ.
وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي
الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ،
فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ
بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ
عَمِّ خَدِيجَةَ.
زَادَ مَعْمَرٌ ويُونُسُ: أَخِي أَبِيهَا.
وَكَانَ امْرءًا قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،
وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ
مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ.
_________
(1) في الهامش: بوادره جمع بادرة، وهي اللحمة التي بين
المنكب والعنق، تضطرب عند فزع الإنسان.
(2) في الهامش: أي الفزع.
(1/163)
وقَالَ مَعْمَرٌ ويُونُسُ:
بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ الله أَنْ يَكْتُبَ (1).
وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ (2)، فَقَالَتْ لَهُ
خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ،
فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟
فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِخَبَرِ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا
النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ الله عَلَى مُوسَى، يَا
لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، يا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا
إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ.
وقَالَ مَعْمَرٌ: حِينَ (3).
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟» , قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ
رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَ عُودِيَ،
فَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا
مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ
وَفَتَرَ الْوَحْيُ.
زَادَ مَعْمَرٌ: حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنَا غَدَا مِنْهُ
مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ
الْجِبَالِ, فَكُلَّمَا أَوْفَى في ذِرْوَةِ جَبَلٍ
[لِكَيْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ الله حَقًّا،
فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ، وَتَقِرُّ نَفْسُهُ،
فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ
غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ
جَبَلٍ] (4) تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ
ذَلِكَ.
[3]- (4) قَالَ عُقَيْلٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
وَأَخْبَرَنِي أَبُوسَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, عن
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيِّ, وَهُوَ
يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ, فَقَالَ فِي
حَدِيثِهِ:
_________
(1) كذلك ثبتت هذه الزيادة في حديث عقيل في النسخ
المطبوعة، وإنما قَالاَ هنا: وكان يكتب الكتاب العربي،
فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب .. فلعل
الناسخ عجل أراد أن يكتب العربية فكتب العبرانية.
(2) في الأصل: قد أعما.
(3) أي: حين يخرجك قومك ..
(4) سقط على الناسخ مابين العلامتين من انتقَالَ النظر.
(1/164)
«بَيْنَما أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا
مِنْ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا الْمَلَكُ
الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ».
وقَالَ ابنُ أبِي كَثِير: «عَلَى عَرْشٍ».
«بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَرُعِبْتُ مِنْهُ,
فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي».
وقَالَ مَعْمَرٌ ويُونُسُ: «زَمِّلُونِي» ثَانِيةً,
فَدَثَّرُوهُ, فَأَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ {يَاأَيُّهَا
الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ
فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ
فَاهْجُرْ}.
(4925) قَالَ مَعْمَرٌ: قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاَةُ،
وَهِيَ الأَوْثَانُ.
فَحَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ.
وَخَرَّجَهُ في: تفسير سورة المدثر فِي بَابِ قوله {قُمْ
فَأَنْذِرْ} (4922، 4923، 4924، 4925، 4926) , وفِي
كِتَابِ الأنبياء فِي بَابِ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ
مُوسَى} (3392) , وفي الأدب فِي بَابِ رَفْعِ الْبَصَرِ
إِلى السَّمَاءِ (6214)، وفِي بَابِ ذِكْرِ الْمَلاَئِكَةِ
(3238)، وفي تَفْسِيرِ سُورَةِ إِقْرَأ باسم ربك (4953،
4954، 4955، 4956، 4957).
[5]- خ (7) نَا أَبُوالْيَمَانِ، نَا شُعَيْبٌ، عَنْ
الْزُهْرِيّ، هُوَ مَدَارُهُ.
و (4553) نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ،
عَنْ مَعْمَرٍ، (ح, وحَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ
مُحَمَّدٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ،
عَنْ الْزُهْرِيِّ.
ح (2941) ونَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، نَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ،
عَنْ ابْنِ شِهَابٍ) (1)، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عَبْدِ
الله بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ
_________
(1) سقط على الناسخ ما بين القوسين من انتقَالَ النظر،
والمتن الذي ساقه المهلب إنما هو لحديث إبراهيم بن حمزة.
(1/165)
عَبَّاسٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ
رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى
قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلاَمِ، وَبَعَثَ
بِكِتَابِهِ إِلَيْهِ (1) دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ،
وَأَمَرَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، لِيَدْفَعَهُ
إِلَى قَيْصَرَ، وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ الله
عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى
إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِمَا أَبْلاَهُ الله، فَلَمَّا جَاءَ
قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ قَرَأَهُ: الْتَمِسُوا لِي هَا
هُنَا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ، لأَسْأَلَهُمْ عَنْ رَسُولِ
الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُوسُفْيَانَ،
قَالَ مَعْمَرٌ: مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ.
قَالَ صَالِحٌ: أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ فِي رِجَالٍ مِنْ
قُرَيْشٍ قَدِمُوا تُجَّارًا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي
كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ.
قَالَ أَبُوسُفْيَانَ: فَوَجَدَنَا رَسُولُ قَيْصَرَ
بِبَعْضِ الشَّامِ، فَانْطُلِقَ بِي وَبِأَصْحَابِي،
حَتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ، فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ،
فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ، عَلَيْهِ
التَّاجُ، وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، فَقَالَ
لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا
إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ،
قَالَ أَبُوسُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ
إِلَيْهِ نَسَبًا، قَالَ: مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ؟ فَقُلْتُ: هُوَ ابْنُ عَمِّي، وَلَيْسَ فِي
الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ
غَيْرِي، فَقَالَ قَيْصَرُ: أَدْنُوهُ، وَأَمَرَ
بِأَصْحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي عِنْدَ كَتِفِي،
ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا
الرَّجُلَ (عَنْ) (2) الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ،
فَإِنْ كَذَبَني (3) فَكَذِّبُوهُ.
_________
(1) زاد في بعض نسخ الصحيح: مَعَ.
(2) زيادة من الصحيح لا بد منه لإقامة المتن، وقد سقطت على
الناسخ.
(3) في الهامش ضبط هذه الكلمة بالتخفيف وكتب:
قَالَ محمد بن إسماعيل التيمي: كذبني بالتخفيف، يتعدى إلى
مفعولين، مثل صدق، تقول: كذبني الحديث، وصدقني الحديث،
قَالَ الله تعالى: لقد صدق الله رسوله الرؤيا.
وكذب بالتشديد يتعدى إلى مفعول واحد، وهما من غريب الألفاظ
أهـ.
(1/166)
قَالَ أَبُوسُفْيَانَ: لَوْلاَ الْحَيَاءُ
يَوْمَئِذٍ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ
لَحَدَّثْتُهُ عَنِّي (1).
وقَالَ شُعَيْبٌ: لَكَذَبْتُ عَلَيهِ، وقَالَ مَعْمَرٌ:
لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ.
وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الْكَذِبَ
عَنِّي، فَصَدَقْتُ.
ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: كَيْفَ نَسَبُ
هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ،
قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ فِيكُمْ
قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ
عَلَى الْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ:
لاَ، قَالَ: فَهَلْ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ:
لاَ، قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ
ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، قَالَ:
فَيَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ،
قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ
أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَهَلْ
يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لاَ، وَنَحْنُ الْآنَ مِنْهُ فِي
مُدَّةٍ نَحْنُ نَخَافُ أَنْ يَغْدِرَ، قَالَ
أَبُوسُفْيَانَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ
فِيهَا شَيْئًا أَتَنَقَّصُهُ (2) بِهِ لاَ أَخَافُ أَنْ
تُؤْثَرَ عَنِّي غَيْرُهَا.
قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ؟ قَالَ:
نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ كَانَتْ حَرْبُهُ وَحَرْبُكُمْ؟
قُلْتُ: كَانَتْ دُوَلًا وَسِجَالًا، يُدَالُ عَلَيْنَا
الْمَرَّةَ وَنُدَالُ عَلَيْهِ الْأُخْرَى، قَالَ:
فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قَالَ: يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ
الله وَحْدَهُ، ولاَ نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَانَا
عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ
_________
(1) لم أجد هذه اللفظة في طرق الحديث في الصحيح.
والذي في رواية صالح بن كيسان: لكذبته حين سألني عنه.
(2) في الصحيح ح2941: أنتقصه بتقديم النون.
(1/167)
آبَاؤُنَا، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ،
وَالصَّدَقَةِ، - قَالَ يُونُسُ: وَالزَّكَاةَ (1) -
وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ
الأَمَانَةِ.
فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ لَهُ: قُلْ
لَهُ: إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ،
فَزَعَمْتَ أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ
تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَالَ
أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ، فَزَعَمْتَ
أَنْ لاَ، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ
هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ؛ قُلْتُ: رَجُلٌ يَأْتَمُّ
بِقَوْلٍ قَدْ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ
كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ
مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ
يَكُنْ يَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ فَيَكْذِبَ عَلَى
الله، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ
مَلِكٍ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ
آبَائِهِ منْ مَلِكٍ قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ
آبَائِهِ، وَسَأَلْتُكَ: أَشْرَافُ النَّاسِ
يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّ
ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ،
وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟
فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ
(يَنُمُّ) (2) حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَرُدُّ
(3) أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ
فِيهِ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ
تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، لاَ يَسْخَطُهُ أَحَدٌ،
وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ،
وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ يَغْدِرُونَ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ
قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ
فَعَلَ، وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ دُوَلًا تَكُونُ،
يُدَالُ الْمَرَّةَ عَلَيْكُمْ وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ
الْأُخْرَى، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَتَكُونُ
لَهَا الْعَاقِبَةُ، وَسَأَلْتُكَ: بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ
به؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا
الله، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ
عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُكُمْ
بِالصَّلاَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْعَفَافِ،
_________
(1) قد أخرج البخاري حديث يونس مُختصَرًا لم يذكر فيه هذه
الجملة ح 3174، 6260.
(2) هذه اللفظة ليست في الصحيح.
(3) هكذا في الأصل، وفي الصحيح: يَرْتَدُّ.
(1/168)
وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ
الأَمَانَةِ، قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نبيٍ، وقَدْ كُنْتُ
أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَكِنْ لَمْ أَظُنَّ أَنَّهُ
مِنْكُمْ، وَإِنْ يَكُن مَا قُلْنَا حَقًّا (1) فَيُوشِكُ
أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ.
قَالَ مَعْمَرٌ: وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ
قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ.
وَلَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ
لُقِيَّهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ.
قَالَ أَبُوسُفْيَانَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ الله
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرأه، فَإِذَا فِيهِ:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ الله وَرَسُولِهِ، إِلَى هِرَقْلَ
عَظِيمِ الرُّومِ، سَلاَمٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى،
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ
الْإِسْلاَمِ (2)».
وقَالَ يُونُسُ: «بِدِعَايَةِ».
«أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ الله أَجْرَكَ
مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ
الأَرِيسِيِّينَ».
وَكَذَلِكَ قَالَ مَعْمَرٌ، وقَالَ يُونُسُ:
الْيَرِيسِيِّينَ (3).
وَ {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ
سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا
اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ
بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.
قَالَ أَبُوسُفْيَانَ: فَلَمَّا أَنْ قَضَى مَقَالَتْهُ.
_________
(1) في الصحيح: إن يك ما قلت حقا ..
(2) داعية ليست في نسخ الصحيح، وهي في صحيح مسلم.
(3) قَالَ الْحَافِظُ: الأَرِيسِيِّينَ هُوَ جَمْع
أَرِيسِيّ، وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى أَرِيس بِوَزْنِ فَعِيل،
وَقَدْ تُقْلَب هَمْزَته يَاء كَمَا جَاءَتْ بِهِ رِوَايَة
أبِي ذَرّ وَالأَصِيلِيّ وَغَيْرهمَا هُنَا.
(1/169)
زَادَ يُونُسُ: وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ
الْكِتَابِ.
عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ
الرُّومِ، وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ.
وقَالَ شُعَيْبٌ: الصَّخَبُ, وقَالَ مَعْمَرٌ: اللَّغَطُ.
فَلاَ أَدْرِي مَاذَا قَالَوا فأُمِرَ بِنَا
فَأُخْرِجْنَا، فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي
وَخَلَوْتُ بِهِمْ، قُلْتُ لَهُمْ: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ
ابْنِ أبِي كَبْشَةَ، هَذَا مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ
يَخَافُهُ.
قَالَ أَبُوسُفْيَانَ: وَالله مَا زِلْتُ ذَلِيلًا
مُسْتَيْقِنَا بِأَنَّ أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى
أَدْخَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ قَلْبِي الْإِسْلاَمَ وَأَنَا
كَارِهٌ.
قَالَ يُونُسُ فِي حَدِيثِهِ: وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ -
صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ - سُقُفًّا عَلَى نَصَارَى
الشَّامِ يُحَدِّثُ: أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ
إِيلِيَاءَ أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ
بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قَدْ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ،
قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ: وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً
يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ:
إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي
النُّجُومِ مُلْكُ (1) الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، فَمَنْ
يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ قَالَوا: لَيْسَ
يَخْتَتِنُ إِلاَ الْيَهُودُ، فَلاَ يُهِمَّنَّكَ
شَأْنُهُمْ، وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ
فَلْيَقْتُلُوا مَنْ كان فِيهِمْ مِنْ الْيَهُودِ،
فَبَيْنَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ، أُتِيَ هِرَقْلُ
بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عَنْ
خَبَرِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ، قَالَ: اذْهَبُوا
فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لاَ؟ فَنَظَرُوا -
زَادَ شُعَيْبٌ: إِلَيْهِ -، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ
مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنْ الْعَرَبِ، فَقَالَ: هُمْ
يَخْتَتِنُونَ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا مُلْكُ هَذِهِ
الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ.
ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ،
وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى
حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابُ
صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ
_________
(1) الضبط من الأصل.
(1/170)
النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ
لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ، ثُمَّ
أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ
فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي
الصَّلاَحِ، - وقَالَ شُعَيْبٌ: في الْفَلاَحِ -
وَالرُّشْدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَنُبَايِعَ
هَذَا النَّبِيَّ، فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ
إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا
رَأَى نَفْرَتَهُمْ هِرَقْلُ، وَيئس مِنْ الْإِيمَانِ،
قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ
مَقَالَتْي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى
دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ، فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا
عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ.
وَخَرَّجَهُ في: تَفْسير آل عِمْرَان فِي بَابِ قَوْله
{تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ} (4553)، وفِي بَابِ كَيفَ يُكتبُ إلى أَهلِ
الكِتَابِ وَدَعْوتِهِم إلى الإسْلامِ قَبْلَ القِتَال
(6260)، وفِي بَابِ هَلْ يُرْشِدُ المسلمُ أَهلَ الكِتابِ
أَوْ يُعَلمهم الكِتَابَ (2936)، وفي ترجمة الحكام وهل
يجوز ترجمان واحد (7196)، وفِي بَابِ ما يجوز من تفسير
التوراة مُختصَرًا (7541) , وفِي بَابِ قوله عَزَّ وَجَلَّ
{هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}
(1)، والحرب سجال مُختصَرًا (2804)، وفِي بَابِ دعاء النبي
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس إلى الإسلام والنبوة
الباب (2940، 2941)، وفِي بَابِ فضل الوفاء بالعهد
مُختصَرًا (3174)، وفِي بَابِ دعوة اليهود والنصارى وعلى
ما يقاتلون وما كتب به إلى كسرى وقيصر (؟) (2)، وفِي بَابِ
صلة المرأة أمها ولها زوج مُختصَرًا (5980)، وفِي كِتَابِ
_________
(1) في الأصل زيادة وفِي بَابِ الحرب .. ، فسواهما بابين
وهما باب واحد في المطبوعة.
(2) ليس في هذا الباب ذكر للحديث في المطبوعة، وهو في
الباب الذي يليه وذكره المهلب، باب دعاء النبي صلى الله
عليه وسلم ..
(1/171)
الحيض فِي بَابِ تقضي الحائض المناسك كلها
إلا الطواف بالبيت، وقَالَ إبراهيم: لا بأس أن تقرأ الآية
(1)، وفِي بَابِ من أمر بإنجاز الوعد (2681).
_________
(1) لم يسنده في هذا الموضع بل علقه، لذلك ليس له رقم في
المطبوعة، والحديث الذي بعده رقمه 305.
(1/172)
|