المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح

65 - كتاب مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1)
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعبِ بْنِ لؤَيِّ بْنِ غالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ.

بَاب مَا لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِمكَّةَ
[2319] (3856) خ نَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ, نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ, نا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أبِي كَثِيرٍ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ عبد الله بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: بَيْنَما النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي
_________
(1) هكذا في النسخة، كتاب مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي بعض النسخ المطبوع: باب مبعث .. ، ولم يشر الحافظ لذلك، وأما المزي فإنه يخرج منه كثيرا، ويسميه كما في نسختنا، والله أعلم.

(4/109)


فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أبِي مُعَيْطٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُوبَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبَيْهِ، وَدَفَعَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وقَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ}.
وَخَرَّجَهُ في: مناقب أبِي بكر (3678) , وفي تفسير سورة غافر قوله {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا} الآية (4815).

بَاب ذِكْرُ الْجِنِّ
وَقَوْلُ الله عَزَّ وَجَلَّ {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}.

[2320] (3859) خ نا عُبَيْدُ الله بْنُ سَعِيدٍ, نا أَبُوأُسَامَةَ, نا مِسْعَرٌ, عَنْ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ أبِي قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا: مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ يَعْنِي عَبْدَ الله أَنَّهُ آذَنَتْ (1) شَجَرَةٌ.

بَاب إِسْلَامُ أبِي ذَرٍّ رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ
[2321] (3861) خ نا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ, نا ابْنُ مَهْدِيٍّ, نا الْمُثَنَّى.
خ, (3522) نا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ, نا أَبُوقُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ الْقَصِيرُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوجَمْرَةَ قَالَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِإِسْلَامِ أبِي ذَرٍّ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: قَالَ أَبُوذَرٍّ: كُنْتُ رَجُلًا مِنْ غِفَارٍ فَبَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَقُلْتُ لِأَخِي: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ كَلِّمْهُ وَأْتِنِي بِخَبَرِهِ، فَانْطَلَقَ فَلَقِيَهُ ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: وَالله لَقَدْ رَأَيْتُ
_________
(1) زَادَ فِي الصَّحِيحِ: بِهِمْ.

(4/110)


رَجُلًا يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَيَنْهَى عَنْ الشَّرِّ، فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ تَشْفِنِي مِنْ الْخَبَرِ، فَأَخَذْتُ جِرَابًا وَعَصًا ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَجَعَلْتُ لَا أَعْرِفُهُ وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَأَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ, قَالَ: كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ وَلَا أُخْبِرُهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ لِأَسْأَلَ عَنْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ، قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَا نَالَ الرَّجُلُ يَعْرِفُ مَنْزِلَهُ بَعْدُ، قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: انْطَلِقْ مَعِي، قَالَ: مَا أَمْرُكَ وَمَا أَقْدَمَكَ هَذِهِ الْبَلْدَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ، قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ هَا هُنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ فَرَجَعَ وَلَمْ يَشْفِنِي مِنْ الْخَبَرِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَلْقَاهُ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّكَ قَدْ رَشَدْتَ هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ فَاتَّبِعْنِي ادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَدًا أَخَافُهُ عَلَيْكَ قُمْتُ إِلَى الْحَائِطِ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي فَامْضِ أَنْتَ، وَمَضَيْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ: اعْرِضْ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ فَعَرَضَهُ فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ اكْتُمْ هَذَا الْأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ، فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُورُنَا فَأَقْبِلْ»، فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَجَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيهِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ.
زَادَ ابْنُ مَهْدِيّ: فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ.
إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ، فَقَامُوا فَضُرِبْتُ لِأَمُوتَ، فَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: وَيْلَكُمْ تَقْتُلُونَ مِنْ غِفَارَ رَجُلًا وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَارَ، فَأَقْلَعُوا عَنِّي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ الْغَدَ رَجَعْتُ فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالْأَمْسِ، قَالَوا: قُومُوا إِلَى هَذَا

(4/111)


الصَّابِئِ، فَصُنِعَ بِهِ مِثْلَ مَا صُنِعَ بِالْأَمْسِ، وَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ وَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ بِالْأَمْسِ، قَالَ: فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ إِسْلَامِ أبِي ذَرٍّ.
وَخَرَّجَهُ في: باب قصة زمزم (3522).

بَاب إِسْلَامُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ
[2322] (3863) خ نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ, نا سُفْيَانُ, عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أبِي خَالِدٍ, عَنْ قَيْسِ بْنِ أبِي حَازِمٍ, عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ.
وَخَرَّجَهُ في: مَنَاقِب عُمر (3684).

[2323] (3864) خ ونا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي زَيْدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ, عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ فِي الدَّارِ خَائِفًا إِذْ جَاءَهُ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ وعَلَيْهِ حُلَّةُ حِبَرَةٍ وَقَمِيصٌ مَكْفُوفٌ بِحَرِيرٍ، وَهُوَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لَهُ: مَا بَالُكَ؟ قَالَ: زَعَمَ قَوْمُكَ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونَنِي إِنْ أَسْلَمْتُ، قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْكَ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا آمَنْتُ (1) , فَخَرَجَ الْعَاصِ فَلَقِيَ النَّاسَ قَدْ سَالَ بِهِمْ الْوَادِي فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالَوا: نُرِيدُ هَذَا ابْنَ الْخَطَّابِ الَّذِي صَبَا، قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، فَكَرَّ النَّاسُ.
_________
(1) كذا في الأصل، وفي الصحيح: أَمِنْتُ.
قَالَ الحافظ: بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون وَضَمّ الْمُثَنَّاة، أَيْ حَصَلَ الْأَمَان فِي نَفْسِي بِقَوْلِهِ ذَلِكَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْأَصِيلِيّ بِمَدِّ الْهَمْزَة، وَهُوَ خَطَأ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ قَبْل ذَلِكَ، ذَكَرَ عِيَاض أَنَّ فِي رِوَايَة الْحُمَيْدِيّ بِالْقَصْرِ أَيْضًا لَكِنَّهُ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاة، وَهُوَ خَطَأ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَصِير مِنْ كَلَام الْعَاصِ بْن وَائِل، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ كَلَام عُمَر، يُرِيد أَنَّهُ أَمِنَ لَمَّا قَالَ لَهُ الْعَاصِ بْن وَائِل تِلْكَ الْمَقَالَة، وَيُؤَيِّدهُ الْحَدِيث الَّذِي بَعْده أهـ.
وَهْوُ حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ مِنْ وَجْهٍ آخَرٍ، قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُهُ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عِنْدَ دَارِهِ وَقَالَوا: صَبَا عُمَرُ، وَأَنَا غُلَامٌ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِي، فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ فَقَالَ: قَدْ صَبَا عُمَرُ فَمَا ذَاكَ، فَأَنَا لَهُ جَارٌ، قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّاسَ تَصَدَّعُوا عَنْهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَوا: الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ.
وانظر مشارق القاضي عياض فقد فصل فيه: ج1، ص66.

(4/112)


[2324] (3866) خ ونا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ, قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ, أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ, عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ، بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ لَقَدْ (كَانَ) (1) كَاهِنَهُمْ، عَلَيَّ الرَّجُلَ، فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتَقْبَلَ بِهِ رَجُلٌ رجلًا مُسْلِمًا (2) , قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي، قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ، قَالَتْ: أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا، وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا، وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا، قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ، بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ، يَقُولُ: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا الله, (فَوَثَبَ الْقَوْمُ قُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَى: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله) (3) فَقُمْتُ، فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ هَذَا نَبِيٌّ.
_________
(1) سقطت من الأصل.
(2) هكذا هو أيضا في رواية النسفي وأبي ذر، ولغيرهم: اُسْتُقْبِلَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ.
(3) سَقَطَ عَلَى النَّاسِخِ مِنْ انْتِقَالِ النَّظَرِ.

(4/113)


[2325] (3867) خ ونا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى, نا يَحْيَى, نا إِسْمَاعِيلُ, نا قَيْسٌ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ لِلْقَوْمِ: رَأَيْتُنِي مُوثِقِي عُمَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَنَا وَأُخْتُهُ وَمَا أَسْلَمَ، وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا انْقَضَّ (1) لِمَا صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ لَكَانَ مَحْقُوقًا أَنْ يَنْقَضَّ.
وخرجَ هذا فِي بَابِ إسلام سعيد بن زيد رحمه الله (3862).

بَاب انْشِقَاقُ الْقَمَرِ
[2326] (3869) خ نا عَبْدَانُ, عَنْ أبِي حَمْزَةَ, عَنْ الْأَعْمَشِ, عَنْ إِبْرَاهِيمَ, عَنْ أبِي مَعْمَرٍ, عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ.

[2327] (3868) خ ونا عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ, نا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ, نا سَعِيدُ بْنُ أبِي عَرُوبَةَ, عَنْ قَتَادَةَ, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمْ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا.
زَادَ عَبْدُاللهِ: وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى فَقَالَ: «اشْهَدُوا» , وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ نَحْوَ الْجَبَلِ.
وَخَرَّجَهُ في: تفسير سورة {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} (4864) (4865) (4868)، وفِي بَابِ سؤال المشركين أن يريهم النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آية (3636) (3637)، وفِي بَابِ علامات النبوة (2).
_________
(1) كذا للأصيلي، وفي الحرف روايات أخرى: ارفض، انفض، وقد صححها كلها القاضي في المشارق 2/ 170، وقال: المعنى متقارب، أي تصدع وتبدد وتفرق.
(2) هما بابان مترادفان.

(4/114)


بَاب هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ
[2328] (3878) خ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى, نا يَحْيَى, عَنْ هِشَامٍ, قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي, عَنْ عَائِشَةَ, أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ,ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا للنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

بَاب قِصَّةِ أبِي طَالِبٍ
[2329] (1360) خ نا إِسْحَاقُ, نا يَعْقُوبُ, نا أَبِي, نا صَالِحٌ, عَنْ الزهري.
ح (4772) نا أَبُوالْيَمَانِ, أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ, عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ, عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ الله بْنَ أبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ: «أَيْ عَمِّ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله».
وقَالَ صَالِحٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ: «أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله».
قَالَ شُعَيْبٌ: فَقَالَ أَبُوجَهْلٍ وَعَبْدُ الله بْنُ أبِي أُمَيَّةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيذَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ، حَتَّى قَالَ أَبُوطَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله.

(4/115)


قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالله لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» , فَأَنْزَلَ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية، وَأَنْزَلَ الله فِي أبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}.
وَخَرَّجَهُ في: بَاب إِذَا قَالَ الْمُشْرِكُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا إِلَهَ إِلَّا الله (1360) , وفي تفسير قوله عَزَّ وَجَلَّ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية (4675) , وفي النذور بَاب إِذَا قَالَ وَالله لَا أَتَكَلَّمُ الْيَوْمَ فَصَلَّى, الباب (6681) , وَصَدَّرَ فِيهِ:
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الْكَلَامِ أَرْبَعٌ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا الله وَالله أَكْبَرُ».
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَلِمَةُ التَّقْوَى: لَا إِلَهَ إِلَّا الله.

[2330] (3885) خ ونا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ, نا اللَّيْثُ, حَدَّثَني ابْنُ الْهَادِ, عَنْ عَبْدِ الله بْنِ خَبَّابٍ, عَنْ أبِي سَعِيدٍ, أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

[2331] (6208) خ ونا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ, نا أَبُوعَوَانَةَ, نا عَبْدُ الْمَلِكِ بن عمير, نا عَبْدُ الله بْنُ الْحَارِثِ, نا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قلت لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ الله هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ».
قَالَ أَبُوسَعِيدٍ: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ, فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ».

(4/116)


وقَالَ فِيهِ الْعَبَّاسُ: قَالَ: «هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ, ولَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ».
وَخَرَّجَهُ في: باب صفة الجنة والنار (6564) (6572) , وباب كنية المشرك (6208).

بَاب المعراج وهو حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ
وَقَوْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.

[2332] (3393) خ نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى, نا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ, نا مَعْمَرٌ, عَنْ الزُّهْرِيِّ (1).

[2333] خ, و (3342) نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ, نا عَنْبَسَةُ, نا يُونُسُ, عَنْ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ أَنَس بْنُ مَالِكٍ: كَانَ أَبُوذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ.
_________
(1) حديث الزهري هذا هو عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، ولا يتفق مع الإسناد اللاحق ولذلك كان حتما على المصنف أن يسوقه بتمامه.
فالزهري له في الحديث إسنادان روايته عن أنس رضي الله عنه، وروايته عن سعيد عن أبِي هريرة رضي الله عنه.
وحتى إسناد البخاري الثاني الذي خرجه المصنف من حديث أنس قد روى البخاري به نفسه حديث أبِي هريرة، فقَالَ في التفسير: نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نا عَنْبَسَةُ نا يُونُسُ عَنْ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: قَالَ أَبُوهُرَيْرَةَ، الحديث، وهذا من عجائب ما اتفق في الصحيح.

(4/117)


[2334] (7517) خ ونا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الله قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ, عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ الله أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

[2335] خ, و (3207) نَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ, نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى, نا قَتَادَةُ، خ: وقَالَ لِي خَلِيفَةُ: عن يَزِيدِ بْنِ زُرَيْعٍ, عن سَعِيدٍ وَهِشَامٍ, نا قَتَادَةُ, نا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ, عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ».
وقَالَ مَالِكٌ بْنُ صَعْصَعَةَ: «فِي الْحَطِيمِ» , وَرُبَّمَا قَالَ: «فِي الْحِجْرِ, إِذْ أَتَانِي آتٍ».
وقَالَ شَرِيكٌ عَنْ أَنْسٍ قَوْلَهُ: «أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ, وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ, فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ، فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ، فَكَانَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَتَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ عليهم السلام تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ، فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ زَمْزَمَ, فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ عليه السلام، فَشَقَّ جِبْرِيلُ نَحْرَهُ إِلَى لَبَّتِهِ».
وقَالَ سَعِيدٌ وَهَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ: «فَشُقَّ مِنْ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ».
وقَالَ هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (1):شَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ، فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ, «فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي».
_________
(1) يعني في روايته لحديث أنس، وإلا فهمام يرويه عن قتادة عن أنس.

(4/118)


قَالَ شَرِيكٌ عَنْ أَنَسٍ قَوْلَهُ: حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ.
قَالَ مَالِكٌ عَنْهُ عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ: «فَغُسِلَ قَلْبِي ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ».
قَالَ شَرِيكٌ: ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ, فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ, مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ، يَعْنِي عُرُوقَ حَلْقِهِ، ثُمَّ أَطْبَقَهُ.
قَالَ مَالِكٌ عَنْهُ عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ: «ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ» , فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ: وَهُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَس: نَعَمْ، «يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ عليه السلام حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا, فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفَتَحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ».
وقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا إِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى, فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ».
زَادَ مَالِكٌ: «فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ».
«وَهَذِهِ الْأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَمَّا أَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ».
وقَالَ مَالِكٌ: «حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا خَالَةٍ، قَالَ: هَذَا

(4/119)


يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا ثُمَّ قَالَا: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، فقَالَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ فإذا أنا بإِدْرِيسَ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ, ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قَالَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى، قِيلَ: مَا يُبْكِيكَ، قَالَ: أَبْكِي لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هَذَا

(4/120)


أَبُوكَ إبراهيم فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ, ثم قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ».
وقَالَ شَرِيكٌ عَنْ أَنَسٍ قَوْلَهُ: في إِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ، وَمُوسَى فِي السَّابِعَةِ، بِتَفْضِيلِ كَلَامِ الله، ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا الله, فَقَالَ مُوسَى: لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عَلَيَّ أَحَدٌ.
قَالَ مَالِكٌ بنُ صَعْصَعَةَ عَنْهُ عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ: «ثُمَّ رُفِعَتْ لي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، قَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا».
قَالَ سَعِيدٌ: «فِي أَصْلِهَا».
«أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ».
قَالَ سَعِيدٌ وَهِشَامٌ فِيهِ: «فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ».
وقَالَ هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى فِيهِ: «ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ: هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ».
زَادَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ: «فَقِيلَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ».
قَالَ شَرِيكٌ عَنْ أَنَسٍ قَوْلَهُ: «وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى، حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى الله فِيمَا يُوحَى».

(4/121)


قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ, أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَيَّةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولَانِ: إن النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) «ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ».
قَالَ مَالِكٌ عَنْهُ عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ: «ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ» , زَادَ أَنَسٌ قَوْلَهُ: «وَلَيْلَةٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ».
قَالَ مَالِكٌ عَنْهُ عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ: «قَالَ: فإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَالله قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ, فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأَمَرَ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إلى موسى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأَمَرَ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ».
زَادَ أَنَسٌ قَوْلَهُ: «عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا فَضَعُفُوا وَتَرَكُوهُ، فَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْدَانًا وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ، كُلَّ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ لِيُشِيرَ عَلَيْهِ فَلَا يَكْرَهُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ، فَرَفَعَهُ عِنْدَ
_________
(1) سقط من الأصل: قَالَ، ولعلها: قَالَ النبي بدل: إن النبي.

(4/122)


الْخَامِسَةِ فَقَالَ: يَا رَبِّ، إِنَّ أُمَّتِي ضُعَفَاءُ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ (1) وَأَبْدَانُهُمْ فَخَفِّفْ عَنَّا، فَقَالَ الْجَبَّارُ: يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: إِنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَهِيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ، فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: كَيْفَ فَعَلْتَ، فَقَالَ: خَفَّفَ عَنَّا، أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فقَالَ مُوسَى موسى عليه السلام: قَدْ وَالله رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَتَرَكُوهُ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ حقًا».
قَالَ مَالِكٌ عَنْهُ عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ: «قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَاني مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي».
زَادَ أَنَسٌ: «قَالَ: فَاهْبِطْ بِاسْمِ الله, فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ الْحَرَامِ».
خرجه فِي بَابِ كَيْفَ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ فِي الْإِسْرَاءِ (349) , وفِي بَابِ قَوْلِه عَزَّ وَجَلَّ {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} (3393)، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (7517) , وفِي بَابِ ذِكْرِ إِدْرِيسَ (3342) , وفِي بَابِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ (3570) , وفِي بَابِ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ (3207) وفِي بَابِ ما جاء في زمزم (1636)، وفِي بَابِ قوله عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} (4716).
_________
(1) زَادَ فِي الصَّحِيحِ: وَأَبْصَارُهُمْ.

(4/123)


بَاب وُفُودِ الْأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَبَيْعَةِ الْعَقَبَةِ
[2336] (3890) خ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الله, نا سُفْيَانُ، قَالَ: كَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: شَهِدَ بِي خَالَايَ الْعَقَبَةَ.
قَالَ عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ (1):
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَحَدُهُمَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ.

[2337] (3891) خ ونا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى, نا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُ قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: أَنَا وَأَبِي وَخَالاي (2) مِنْ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ.

بَاب تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَقَدِمُوا بها الْمَدِينَةَ وَبِنَائِهِ بِهَا
[2338] (3896) خ نا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ, نا أَبُوأُسَامَةَ, عَنْ هِشَامٍ, عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ رضي الله عنها قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ
_________
(1) هَكَذا في الأَصْلِ، مَوصُولٌ عَنْ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبدِاللهِ بْنِ مُحَمدٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَفي بَعْضِ النُّسَخِ: قَالَ أَبُوعَبْد اللَّهِ - يعني الْبُخَارِيَّ - قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ.
قَالَ الحافظُ: وَنُقِلَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد وَهُوَ الْجُعْفِيُّ أَنَّ اِبْن عُيَيْنَةَ قَالَ: أَحَدهمَا: الْبَرَاء بْن مَعْرُور، كَذَا فِي رِوَايَة أبِي ذَرّ، وَلِغَيْرِهِ: قَالَ أَبُوعَبْد اللَّه يَعْنِي الْمُصَنِّف، فَعَلَى هَذَا فَتَفْسِير الْمُبْهَم مِنْ كَلَامه، لَكِنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ كَلَام اِبْن عُيَيْنَةَ مِنْ وَجْه آخَر عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، فَتَرَجَّحَتْ رِوَايَة أبِي ذَرّ أهـ.

قلت: لو اطلع على هذه الرواية ما احتاج إلى هذا الاستدلال، فإن الرواية صريحة أن البخاري أخذه عن الجعفي عن سفيان، والله أعلم.
(2) كذا ثبت في الأصل، ومثله في النسخة التي شرحها الحافظ، وفي بعض نسخ الصحيح المطبوعة: وخالي، وهو خطأ ترده الرواية التي قبله.
لكن قَالَ الحافظ: وَوَقَعَ عِنْد اِبْن التِّين " وَخَالَيَّ " بِغَيْرِ أَلْف وَتَشْدِيد التَّحْتَانِيَّة وَقَالَ: لَعَلَّ الْوَاو وَاو الْمَعِيَّة أَيْ مَعَ خَالِي، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون بِالْإِفْرَادِ بِكَسْرِ اللَّام وَتَخْفِيف الْيَاء أهـ.

(4/124)


بِثَلَاثِ سِنِينَ، فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ, وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ, ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ (1).

بَاب هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ
[2339] (3899) خ نا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ, نا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوعَمْرو الْأَوْزَاعِيُّ, عَنْ عَطَاءِ بْنِ أبِي رَبَاحٍ قَالَ: زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ فَسَأَلَهَا عَنْ الْهِجْرَةِ فَقَالَتْ: لَا هِجْرَةَ الْيَوْمَ، كَانَ الْمُؤْمِنُ يَفِرُّ بِدِينِهِ إِلَى الله وَإِلَى رَسُولِهِ مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ الله تبارك وتعالى الْإِسْلَامَ, فالمؤمن اليومَ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ.
وَخَرَّجَهُ في: باب مقام النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة (4312)، وباب لا هجرة بعد الفتح (3080).

[2340] (3911) خ نا مُحَمَّدٌ, نا عَبْدُ الصَّمَدِ (2) , نا أَبِي, نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ, نا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ.

[2341]- (3905) خ نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ, نا اللَّيْثُ, عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ, أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، فَلَمَّا ابْتُلِيَ المؤمنون خَرَجَ
_________
(1) في الأصل: سبع، وهو تصحيف، اتفقت الروايات على التسع، أخرجه البيهقي من طريق حماد بن شاكر (دلائل النبوة ح686) وقَالَ: من هذا الوجه أخرج البخاري في الصحيح هكذا مرسلا أهـ
(2) في الأصل: نا محمد بن عبد الصمد نا أبِي، وهو تصحيف، سيعيده على الصواب في الحديث اللاحق.

(4/125)


أَبُوبَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ (1)،
وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ أَبُوبَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي، قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ، أَنْتَ تَكْسِبُ الْمُعْدَمَ (2) , وَتَصِلُ الرَّحِمَ, (3) وَتَقْرِي الضَّيْفَ, وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ، ارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَقَالَوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَلْيُصَلِّ بها وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ وَلَا يُؤْذِنَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُوبَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُوبَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَهُ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ لِذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالَوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَأَعْلَنَ
_________
(1) قَالَ الحافظ: بِضَمِّ الْمُهْمَلَة وَالْمُعْجَمَة وَتَشْدِيد النُّون عِنْد أَهْل اللُّغَة، وَعِنْد الرُّوَاة بِفَتْحِ أَوَّله وَكَسْر ثَانِيه وَتَخْفِيف النُّون.

قَالَ الْأَصِيلِيّ: وَقَرَأَهُ لَنَا الْمَرْوَزِيُّ بِفَتْحِ الْغَيْن، وَقِيلَ: إِنْ ذَلِكَ كَانَ لِاسْتِرْخَاءٍ فِي لِسَانه وَالصَّوَاب الْكَسْر ..
(2) هكذا عنده وعند الْكُشْمِيهَنِيّ، وغيرهم: المعدوم.
(3) زَادَ فِي الصَّحِيحِ: وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، لعلها سَقَطَت عَلَى النَّاسِخِ.

(4/126)


بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتَتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا (1) فَانْهَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، فَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أبِي بَكْرٍ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، قَالَ أَبُوبَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ الله عَزَّ وَجَلَّ.
وَالنَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ: «إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ» , وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُوبَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» , فَقَالَ أَبُوبَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَحَبَسَ أَبُوبَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ، وَهُوَ الْخَبَطُ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُوبَكْرٍ: فِدًا لَهُ أبِي وَأُمِّي، وَالله مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ
_________
(1) قَالَ الحافظ: (أَنْ يَفْتِن نِسَاءَنَا) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّة وَفَاعِله أَبُوبَكْر، كَذَا لِأَبِي ذَرّ، وَلِلْبَاقِينَ " أَنْ يُفْتَن " بِضَمِّ أَوَّله " نِسَاؤُنَا " بِالرَّفْعِ عَلَى الْبِنَاء لِلْمَجْهُولِ أهـ، وَوَقَع هُنَا: يفتتن كما أثبته.

(4/127)


لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ» , قَالَ أَبُوبَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله، قَالَ: «فَإِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ» , قَالَ أَبُوبَكْرٍ: الصَّحَابَةَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله، قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» قَالَ أَبُوبَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِالثَّمَنِ».
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقِ.
قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَمَكَثَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ الله بْنُ أبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ.
(4093) زَادَ هِشَامٌ (1):
فَلَا يَفْطُنُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الرِّعَاءِ، فَلَمَّا خَرَجَا خَرَجَ مَعَهُمَا يُعْقِبَانِهِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ.
_________
(1) لم يسق إسناده أَوَّلَ الحديثِ، وَأخْشَى أَنْ يَكونَ سَقَطَ عَلَيهِ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: نا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ نا أَبُوأُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.

(4/128)


وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا، وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَهُمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَالِثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ.

[2342] (3917) خ نا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ, نا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ, نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أبِي إِسْحَاقَ هو الهمداني قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ، قَالَ: سَأَلَ عَازِبٌ أبا بكرٍ عَنْ مَسِيرِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أُخِذَ عَلَيْنَا بِالرَّصَدِ، فَخَرَجْنَا لَيْلًا فَأَحْيَيْنا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا، حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، ثُمَّ رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ فَأَتَيْنَاهَا وَلَهَا شَيْءٌ مِنْ ظِلٍّ، قَالَ: فَفَرَشْتُ لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْوَةً مَعِي ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ قَدْ أَقْبَلَ فِي غُنَيْمَتِهِ يُرِيدُ مِنْ الصَّخْرَةِ مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا، فَسَأَلْتُهُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: أَنَا لِفُلَانٍ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ لَهُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ فَقُلْتُ: انْفُضْ الضَّرْعَ، قَالَ: فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ عَلَيْهَا خِرْقَةٌ قَدْ رَوَّأْتُهَا لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ الله، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ ارْتَحَلْنَا وَالطَّلَبُ فِي إِثْرِنَا.
قَالَ الْبَرَاءُ: فَدَخَلْتُ مَعَ أبِي بَكْرٍ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِذَا عَائِشَةُ مُضْطَجِعَةٌ قَدْ أَصَابَتْهَا حُمَّى، فَرَأَيْتُ أَبَاهَا يُقَبِّلُ خَدَّهَا، وَقَالَ: كَيْفَ أَنْتِ يَا بُنَيَّةُ.

(4/129)


[2343] (3906) قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّواحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقَا بِأَعْيُنِنَا، ثُمَّ لَبِثَ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ، فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَخَطَطْتُ (1) بِزُجِّهِ الْأَرْضَ وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا, فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا؟ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ تُقَرِّبُ بِي، حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ.
زَادَ أَنَسٌ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، هَذَا فَرَسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا، فَالْتَفَتَ نَبِيُّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اللهمَّ اصْرَعْهُ» , فَصَرَعَهُ فقَامَتْ تُحَمْحِمُ، فَقَالَ: يَا رسولِ الله، مُرْنِي بِمَا شِئْتَ، فقَالَ: «قِفْ مَكَانَكَ لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا».
_________
(1) هَكَذَا جَوَّدَهُ في الأَصْلِ، لَكِنْ قَالَ الحافظ: فَخَطَطْت بِالْمُعْجَمَةِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيّ وَالْأَصِيلِيّ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ أَمْكَنْت أَسْفَله أهـ.

(4/130)


قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى رسولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ آخِرَ الليل مَسْلَحَةً لَهُ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا غُبَارٌ (1) سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنْ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الزَادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي وَلَمْ يَسْأَلَانِي إِلَّا أَنْ قَالا: «أَخْفِ عَنَّا» , فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ ثُمَّ مَضَى رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
زَادَ زُهَيْرٌ عَنْ أبِي إِسْحَاقَ (2): فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ: كَفَيْتُكُمْ مَا ها هُنَا، فَلَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنْ الشَّامِ, فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ.
وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ بمَخْرَجِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا
_________
(1) هكذا ثبت هنا وفي رواية الكشميهني، ولغيرهم: عُثَان، قَالَ مَعْمَرٌ: قُلْت لِأَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء مَا الْعُثَان؟ قَالَ: الدُّخَان مِنْ غَيْر نَار.
(2) أي في حديث البراء بن عازب.

(4/131)


يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَبَصُرَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمْ السَّرَابُ، فَلَمْ يَمْلِكْ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، هَذَا جَدُّكُمْ الَّذِي تَنْتَظِرُونَهُ، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلَاحِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ (1)،
فَقَامَ أَبُوبَكْرٍ لِلنَّاسِ وَجَلَسَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى أَصَابَتْ الشَّمْسُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ أَبُوبَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (2) عِنْدَ ذَلِكَ, فَلَبِثَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: «هَذَا إِنْ شَاءَ الله الْمَنْزِلُ».
_________
(1) في هامش الأصل: خـ يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول.

أي أنه هكذا في نسخة أخرى.
(2) سَقَطَ عَلَى النَّاسِخِ مِنْ انْتِقَالِ النَّظَرِ.

(4/132)


ثُمَّ دَعَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَا: بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ الله (1) , ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ، وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ: (2) «هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ».
وَيَقُولُ:
«اللهمَّ إِنَّ الْأَجْرَ أَجْرُ الْآخِرَهْ ... فَارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ»

فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذَه الأَبْيَاتِ.
وَخَرَّجَهُ في: باب هل يزور صاحبه كل يوم (6079) , وفِي بَابِ شرب اللبن, وقوله تعالى (يخرج من بين فرث ودم لبنا خالصا) (3) (5607) , وفِي بَابِ إِذَا اشْتَرَى مَتَاعًا أَوْ دَابَّةً فَوَضَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ (2138) , وباب استئجار المشركين عند الضرورة, الباب (2263).

[2344] (3911) خ نا مُحَمَّدٌ, نا عَبْدُ الصَّمَدِ, نا أَبِي, نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ, نا أَنَسٌ.
(3329) ح ونا ابْنُ سَلَامٍ, نا الْفَزَارِيُّ, عَنْ حُمَيْدٍ, عَنْ أَنَسٍ.
(3932) خ: وحَدَّثَني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ, نا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: سَمِعْتُ أبِي يُحَدِّثُ, نا أَبُوالتَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا
_________
(1) زاد هنا في الصحيح: (فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا).
(2) هكذا في النسخة أسقط الشطر الأول، وهو: هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ، وهو ثابت في الصحيح.
(3) الآية: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا} وقد سبق الإشارة إلى هذا التصحيف

(4/133)


قَدِمَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ (1)، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلَإِ بَنِي النَّجَّارِ، قَالَ: فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي سُيُوفِهِمْ.
زَادَ ابنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ: وَقَالَوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ.
قَالَ أَبُوالتَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ، وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أبِي أَيُّوبَ.
قَالَ: فَكَانَ يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ, وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ.
قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَإِ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا، فَقَالَ: «يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي حَائِطَكُمْ هَذَا» , فَقَالَوا: وَالله لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى الله تبارك وتعالى, فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ كَانَتْ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَتْ فِيهِ خِرَبٌ، وَكَانَتْ فِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَت، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، قَالَ: وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً.
قَالَ ابنُ صُهَيْبٍ فِي حَدِيثِهِ: فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ الله، جَاءَ نَبِيُّ الله، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (فَأَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ الله جَاءَ نَبِيُّ الله) (2) فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ جَانِبَ دَارِ أبِي أَيُّوبَ، فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ الله بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ، فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ الَّذِي يَخْتَرِفُ فِيهَا فَجَاءَ وَهِيَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ (إِلَى) أَهْلِهِ، فَقَالَ نَبِيُّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ» , فَقَالَ أَبُوأَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ الله
_________
(1) تتمته في الصحيح: فِي حَيٍّ يُقَالَ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
(2) سَقَطَ عَلَى النَّاسِخِ مِنْ انْتِقَالِ النَّظَرِ.

(4/134)


هَذِهِ دَارِي وَهَذَا بَابِي، قَالَ: «فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا قُومَا عَلَى بَرَكَةِ الله» , فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ عَبْدُ الله بْنُ سَلَامٍ.

[2345] (4480) زَادَ حُمَيْدٌ عَنْهُ (1) قَالَ: فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ، فمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وما يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وإِلَى أمه، قَالَ: «خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ» , قَالَ: جِبْرِيلُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» , قَالَ: ذَلِكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ «{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} , أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتْ» , قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الله.
وقَالَ الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ: قَالَ: «وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ الْمَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ, وَإِذَا سَبَقَت كَانَ الشَّبَهُ لَهَا».
قَالَ ابْنُ صُهَيْبٍ: فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الله وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَقَدْ عَلِمَتْ (2) يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَسَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالَوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ, فَأَرْسَلَ نَبِيُّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
زَادَ حُمَيْدٌ: إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ يَبْهَتُونَنِي، فَجَاءَتْ الْيَهُودُ.
_________
(1) وهي رواية عبد الله بن بكر عن حميد.
(2) سقطت من الأصل.

(4/135)


قَالَ ابنُ صُهَيْبٍ: فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَيْلَكُمْ اتَّقُوا الله، فَوَالله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله حَقًّا, وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ, فَأَسْلِمُوا» , قَالَوا: مَا نَعْلَمُهُ قَالَوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ، قَالَ: «فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ الله بْنُ سَلَامٍ؟» , قَالَوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا، قَالَ: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ» , قَالَوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ» , قَالَوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ» , قَالَوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: «يَا ابْنَ سَلَامٍ اخْرُجْ عَلَيْهِمْ» , فَخَرَجَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ اتَّقُوا الله، فَوَالله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ الله وَأَنَّهُ جَاءَ بِالحَقِّ، فَقَالَوا: كَذَبْتَ.
زَادَ حُمَيْدٌ: فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، فَقَالَوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا فَانْتَقَصُوهُ، قَالَ: هَذَا الَّذِي كُنْتُ (أَخَافُ) (1) يَا رَسُولَ الله.
قَالَ ابنُ صُهَيْبٍ: فأخرجهم رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَخَرَّجَهُ في: باب تفسير قوله {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} (4480) , وفِي كِتَابِ الأنبياء باب قوله عَزَّ وَجَلَّ {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (3329) , وفِي بَابِ كَيْفَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ (3938).
وخرج بناء المسجد فِي بَابِ هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الْجَاهِلِيَّةِ وَيُتَّخَذُ مَكَانُهَا مَسجِدا (428)، وفِي بَابِ إِذَا أَوْقَفَ جَمَاعَةٌ أَرْضًا مُشَاعًا فَهُوَ جَائِزٌ (2771) , وبَاب وَقْفِ الْأَرْضِ لِلْمَسْجِدِ (2774).
_________
(1) سَقَطَت عَلَى النَّاسِخِ وهي في الصحيح.

(4/136)


وبَاب التَّقَنُّعِ من اللباس (5807) (1).
وخرج حديث النطاق فِي بَابِ الْخُبْزِ الْمُرَقَّقِ من الأطعمة (388).
وخرج حديث الهجرة وقصة سراقة بن مالك في علامات النبوة (3615) , وفِي بَابِ هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، الباب (6079).

[2346] (3915) خ نَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ, نا رَوْحٌ, نا عَوْفٌ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ, قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوبُرْدَةَ بْنُ أبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ, قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ: هَلْ تَدْرِي مَا قَالَ أبِي لِأَبِيكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّ أبِي قَالَ لِأَبِيكَ: يَا أَبَا مُوسَى هَلْ يَسُرُّكَ إِسْلَامُنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِجْرَتُنَا مَعَهُ وَجِهَادُنَا مَعَهُ وَعَمَلُنَا كُلُّهُ مَعَهُ بَرَدَ لَنَا وَأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدَهُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ، فَقَالَ أَبِي: لَا وَالله، قَدْ جَاهَدْنَا بَعْدَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّيْنَا وَصُمْنَا وَعَمِلْنَا خَيْرًا كَثِيرًا وَأَسْلَمَ عَلَى أَيْدِينَا بَشَرٌ كَثِيرٌ وَإِنَّا لَنَرْجُو ذَلِكَ، قَالَ أَبِي: لَكِنِّي أَنَا وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ بَرَدَ لَنَا، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَاكَ وَالله خَيْرٌ مِنْ أَبِي.

[2347] (3912) خ نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى, نا هِشَامٌ, عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بْنُ عُمَرَ, عَنْ نَافِعٍ, عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فِي أَرْبَعَةٍ، وَفَرَضَ لِابْنِ عُمَرَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَخَمْسَ مِائَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: هُوَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبَوهُ, يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ.
_________
(1) حديث عائشة في الهجرة.

(4/137)


[2348] (3921) خ نا أَصْبَغُ, نا ابْنُ وَهْبٍ, عَنْ يُونُسَ, عَنْ ابْنُ شِهَابٍ, عَنْ عُرْوَةَ, عَنْ عَائِشَةَ, أَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ كَلْبٍ يُقَالَ لَهَا أُمُّ بَكْرٍ، فَلَمَّا هَاجَرَ أَبُوبَكْرٍ طَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا، هَذَا الشَّاعِرُ الَّذِي قَالَ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ ورَثَى كُفَّارَ قُرَيْشٍ (1):
مَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الشِّيزَى تُزَيَّنُ بِالسَّنَام
وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الْقَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الْكِرَام
تُحَيِّي بالسَّلَامَةِ أُمُّ بَكْرٍ ... وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَام
يُحَدِّثُنَا الرَّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا ... وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَام

بَاب مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ الْمَدِينَةَ
[2349] (4941) خ نا عَبْدَانُ, نَا أَبِي, نَا شُعْبَةُ.
خ, و (3925) نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ, نا غُنْدَرٌ, نا شُعْبَةُ, عَنْ أبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَكَانَا يُقْرِؤونَ (2) النَّاسَ، فَقَدِمَ بِلَالٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى جَعَلَ الْإِمَاءُ.
زَادَ عَبْدَانُ: وَالصِّبْيانُ يَقُولُونَ.
_________
(1) هَكَذَا في الأَصْلِ، ولا بُدَّ مِن زيادة واوٍ لإقَامَةِ الوَزْنِ، وهَكَذا هُو في الصَّحِيح.
(2) هَكَذَا ثَبتَ في النُّسْخَةِ، وَعَكَسَ الحافظُ فقَالَ: (وَكَانُوا يُقْرِئُونَ النَّاس) فِي رِوَايَة الْأَصِيلِيّ وَكَرِيمَة (فَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ) وَهُوَ أَوْجَه.

(4/138)


قَالَ غُنْدَرٌ: يَقُلْنَ: قَدِمَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا قَدِمَ حَتَّى قَرَأْتُ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فِي سُورَةٍ (1) مِنْ الْمُفَصَّلِ.
وَخَرَّجَهُ في: تفسير سورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} (4941)، وفِي بَابِ تأليف القرآن (4955).

[2350] (3777) (3846) خ نَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ, نا أَبُوأُسَامَةَ, عَنْ هِشَامٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا قَدَّمَهُ الله لِرَسُولِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَدِمَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (2) وَقَدْ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ، وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وَجُرِّحُوا, قَدَّمَهُ الله لِرَسُولِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُخُولِهِمْ الْإِسْلَامَ.
وَخَرَّجَهُ في: باب أيام الجاهلية (3846) , وفي مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ (3777).

بَاب إِقَامَةِ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ
[2351] (3933) خ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ, نا حَاتِمٌ, عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عوفٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُ السَّائِبَ ابْنَ أُخْتِ الْنَّمِرِ: مَا سَمِعْتَ فِي سُكْنَى مَكَّةَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ, قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ لِلْمُهَاجِرِ بَعْدَ الصَّدَرِ».
_________
(1) كذا في الأصل، وفي الصحيح: سورٍ.
(2) سَقَطَ عَلَى النَّاسِخِ مِنْ انْتِقَالِ النَّظَرِ.

(4/139)


بَابٌ مَعْنَاهُ مِنْ مَتَى كَتَبُوا التَّارِيخَ؟ (1)
[2352] (3934) خ نَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ, نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن أبِي حازم, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مِنْ وَفَاتِهِ، مَا عَدُّوا إِلَّا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ.

بَاب إِتْيَانِ الْيَهُودِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ
(هَادُوا) صَارُوا يَهُودًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: (هُدْنَا) تُبْنَا، هَائِدٌ تَائِبٌ.

[2353] (3941) خ نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ, نا قُرَّةُ, عَنْ مُحَمَّدٍ, عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِنْ الْيَهُودِ لآمَنَ بِي الْيَهُودُ».

بَاب إِسْلَامِ سَلْمَانَ
[2354] (3946) خ نا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ, نا مُعْتَمِرٌ, قَالَ أَبِي: ونا أَبُوعُثْمَانَ.
خ, و (3947) نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الفريابي, نا سُفْيَانُ, عَنْ عَوْفٍ, عَنْ أبِي عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ يَقُولُ: أَنَا مِنْ رَامَ هُرْمُزَ.
وقَالَ مُعْتَمِرٌ فِيهِ: أَنَّهُ قَدْ تَدَاوَلَهُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ رَبٍّ إِلَى رَبٍّ.

[2355] (3948) خ ونا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ, نا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ, نا أَبُوعَوَانَةَ, عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ, عَنْ أبِي عُثْمَانَ, عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: فَتْرَةُ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ سِتُّ مِائَةِ سَنَةٍ.
_________
(1) هكذا في النسخة، وكأنه كان غفلا عند الأصيلي، وفي الصحيح والشروح: باب التاريخ من أين أراخو التاريخ.

(4/140)