جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، ت: الفحل

الحديث الثاني والعشرون
عَنْ جَابِر بنِ عبدِ الله - رضي الله عنهما -: أنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أرأيتَ إذا صَلَّيتُ المَكتُوبَاتِ، وصُمْتُ رَمَضانَ، وأَحْلَلْتُ الحَلالَ، وحَرَّمْتُ الحَرامَ، ولم أزِدْ على ذلك شيئاً، أأدخُلِ الجنَّةَ؟ قالَ: ((نَعَمْ)) . رواهُ مسلم.
هذا الحديثُ خرَّجه مسلم (1) من رواية أبي الزبير، عن جابر، وزاد في آخره: قالَ: والله لا أزيدُ على ذَلِكَ شيئاً. وخرَّجه أيضاً (2) من رواية الأعمش، عن أبي صالح، وأبي سفيان، عن جابر قالَ: قالَ النعمان بنُ قوقل: يا رسولَ الله، أرأيت إذا صليتُ المكتوبةَ، وحرمتُ الحرامَ، وأحللتُ الحلالَ ولم أزِدْ على ذَلِكَ شيئاً أَأَدخُلُ الجَنَّةَ؟ قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم)) .
وقد فسَّر بعضُهم تحليلَ الحلالِ باعتقادِ حلِّه، وتحريمَ الحرامِ باعتقاد حُرمته مع اجتنابه (3) ، ويُحتمل أنْ يراد بتحليل الحلال إتيانُه، ويكون الحلالُ هاهنا عبارةً عمَّا ليسَ بحرامٍ، فيدخل فيه الواجبُ والمستحبُّ والمباحُ، ويكونُ المعنى أنَّه يفعل ما ليس بمحرَّم عليه، ولا يتعدَّى ما أُبيحَ له إلى غيره، ويجتنب المحرَّمات. وقد روي عن طائفةٍ من السَّلفِ، منهم: ابنُ مسعود وابن عباس في قوله - عز وجل -: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} (4) ، قالوا: يُحلُّون
_________
(1) في " صحيحه " 1/33 (15) (18) .
(2) في " صحيحه "1/33 (15) (17) .
(3) منهم: الشيخ أبو عمرو بن الصلاح. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 1/159.
(4) البقرة: 121.

(2/611)


حلاله ويحرِّمون حرامَه، ولا يُحرِّفونه عن مواضِعه (1) .
والمرادُ بالتحليل والتحريم: فعلُ الحلال واجتنابُ الحرام كما ذُكر في هذا الحديث. وقد قال الله تعالى في حقِّ الكفار الذين كانوا يُغيرون تحريمَ الشُّهور الحُرُم: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ} (2) ، والمراد: أنَّهم كانوا يُقاتلون في الشهر الحرام عاماً، فيُحلونه بذلك، ويمتنعون من القتال فيه عاماً، فيحرِّمونَهُ بذلك (3) .
وقال الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً} (4) وهذه الآية نزلت بسبب قوم امتنعوا من تناول بعض الطيبات زهداً في الدنيا وتقشفاً، وبعضهم حرَّم ذلك عن نفسه، إمَّا بيمينٍ حَلَفَ بها، أو بتحريمه على نفسه، وذلك كُلُّه لا يوجبُ تحريمه في نفس الأمر، وبعضُهم امتنع منه من غير يمينٍ ولا تحريمٍ،
_________
(1) أخرجه: عبد الرزاق في " تفسيره " (113) ، والطبري في " تفسيره " (1565) عن ابن مسعود، به. =

= ... وأخرجه: الطبري في " تفسيره " (1563) ، وابن أبي حاتم في " التفسير " 1/218
(1157) ، والحاكم 2/266 عن ابن عباس، به.
(2) التوبة: 37.
(3) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (12981) عن ابن عباس، به.
(4) المائدة: 87-88.

(2/612)


فسمَّى الجميع تحريماً (1) ، حيث قصد الامتناعَ منه إضراراً بالنفس، وكفاً لها عن شهواتها. ويقال في الأمثال: فلانٌ لا يحلِّلُ ولا يحرِّمُ، إذا كان لا يمتنع من فعل حرام، ولا يقفُ عندَ ما أُبيح له، وإنْ كان يعتقدُ تحريمَ الحرام، فيجعلون من فَعَلَ الحرامَ ولا يتحاشى منه مُحلِّلاً له، وإنْ كان لا يعتقد حلّه.
وبكلِّ حالٍ، فهذا الحديثُ يدلُّ على أنَّ من قام بالواجبات، وانتهى عن
المحرَّمات، دخلَ الجنة، وقد تواترتِ الأحاديثُ عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا المعنى، أو ما هو قريبٌ منه، كما خرَّجهُ النَّسائي، وابنُ حبان، والحاكم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما مِنْ عبدٍ يُصلِّي الصلواتِ الخمس، ويصومُ رمضان، ويُخرجُ الزَّكاة، ويجتنبُ الكبائر السَّبعَ، إلاَّ فُتِحَتْ له أبوابُ الجنة، يدخُلُ من أيِّها شاء)) ، ثم تلا: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (2) (3) .
وخرَّج الإمام أحمد (4) والنسائي (5) من حديث أبي أيوب الأنصاري، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -،
_________
(1) انظر في ذلك: تفسير الطبري (9635) و (9636) ، وتفسير ابن أبي حاتم (6687)
و (6689) .
(2) النساء: 31.
(3) أخرجه: النسائي في " المجتبى " 5/8، وابن حبان (1748) ، والحاكم 1/316 و262.
وأخرجه: البخاري في " التاريخ الكبير " 4/266، والطبري في " تفسيره " (7287) ، وابن خزيمة (315) ، وابن منده في " الإيمان " (477) ، والبيهقي 10/187، وإسناده ضعيف لجهالة صهيب مولى العتواري فقد تفرد بالرواية عنه نعيم المجمر.
(4) المسند 5/413.
(5) في " المجتبى " 7/88، وهو حديث قويٌّ.

(2/613)


قال: ((مَنْ عَبدَ الله، لا يُشركُ به، وأقامَ الصَّلاةَ، وآتى الزَّكاة، وصامَ رمضان، واجتنبَ الكبائرَ، فله الجنةُ، أو دخل الجنة)) .
وفي " المسند " (1) عن ابنِ عباس: أنَّ ضِمَامَ بنَ ثعلبةَ وفَدَ على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فذكر له الصَّلوات الخمس، والصيام، والزكاة، والحج، وشرائع الإسلام كلها، فلمَّا فرغ، قال: أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله، وسأؤدِّي هذه الفرائض، وأجتنبُ ما نهيتني عنه، لا أزيدُ ولا أنقُصُ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنْ صدقَ دخلَ الجنَّة)) . وخرَّجه الطبراني (2) مِنْ وجهٍ آخرَ، وفي حديثه قال: والخامسة لا أَرَبَ لي فيها، يعني: الفواحش، ثم قال: لأعملنَّ بها، ومن أطاعني، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لئن صدقَ، ليدخلنَّ الجنَّة)) .
وفي " صحيح البخاري " (3) عن أبي أيوب: أنَّ رجلاً قال للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أخبرني بعمل يُدخلني الجنَّة، قال: ((تعبدُ الله لا تُشركُ به شيئاً، وتقيمُ الصَّلاة، وتُؤْتِي الزكاةَ، وتَصِلُ الرَّحم)) . وخرّجه مسلم (4) إلاَّ أنَّ عنده أنَّه قال: أخبرني بعملٍ يُدنيني من الجنَّةِ
_________
(1) المسند 1/250 و264 و265، وهو حديث قويٌّ.
(2) في " الكبير " (8151) و (8152) ، وفي إسناده مقال.
(3) الصحيح 2/130 (1396) و8/5-6 (5982) و8/6 (5983) .
(4) في " صحيحه " 1/31-32 (13) (14) .

(2/614)


ويُباعدُني من النَّارِ. وعنده في رواية: فلما أدبرَ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنْ تمسَّك بما أُمِرَ به، دخلَ الجنَّة)) .
وفي " الصحيحين " (1) عن أبي هريرة: أنَّ أعرابياً قال: يا رسول الله، دُلَّني على عملٍ إذا عملتُه دخلتُ الجنَّة، قال: ((تعبدُ الله لا تُشركُ به شيئاً، وتقيمُ الصَّلاةَ
_________
(1) صحيح البخاري 2/130-131 (1397) ، وصحيح مسلم 1/33 (14) (15) .

(2/615)


المكتوبة، وتؤدِّي الزكاةَ المفروضة، وتصومُ رمضانَ)) ، قال: والذي بعثك بالحقِّ، لا أزيدُ على هذا شيئاً أبداً ولا أَنْقُصُ منه، فلمَّا ولَّى، قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سرَّه أنْ ينظرَ إلى رجلٍ من أهلِ الجنَّة، فلينظر إلى هذا)) .
وفي " الصحيحين " (1) عن طلحة بنِ عُبَيد الله: أنَّ أعرابياً جاء إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ثائرَ الرأس، فقال: يا رسولَ الله، أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصَّلاةِ؟ فقالَ: ((الصلوات الخمس، إلا أنْ تَطوَّع شيئاً)) ، فقالَ: أخبرني بما فرض الله عليَّ منَ الصِّيامِ؟ فقال: ((شهر رمضان، إلا أنْ تطوَّع شيئاً)) فقال: أخبرني بما فرض الله عليَّ منَ الزَّكاة؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائع الإسلام، فقال: والذي أكرمك (2) بالحقِّ، لا أتطوَّعُ شيئاً ولا أنقصُ ممَّا فرضَ الله عليَّ شيئاً، فقال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفلحَ إنْ صدق، أو دخل الجنَّة إنْ صدق)) ولفظه للبخاري.
وفي " صحيح مسلم " (3) عن أنس: أنَّ أعرابياً سألَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فذكره بمعناه، وزاد فيه: ((حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً)) فقال: والذي بعثك بالحقِّ لا أزيد
_________
(1) صحيح البخاري 1/18 (46) ، وصحيح مسلم 1/31 (11) (9) .
(2) في (ص) : ((بعثك)) .
(3) الصحيح 1/31 (12) (10) و1/31 (12) (12) .

(2/616)


عليهن ولا أنقُصُ منهن، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((لئنْ صدَقَ ليَدْخُلَنَّ الجنَّة)) .
ومراد الأعرابي أنَّه لا يزيدُ على الصلاة المكتوبة، والزكاة المفروضة، وصيام رمضان، وحجِّ البيت شيئاً من التطوُّع، ليس مرادُه أنَّه لا يعمل بشيءٍ من شرائعٍ الإسلام وواجباته غير ذلك، وهذه الأحاديثُ لم يذكر فيها اجتناب المحرَّمات؛ لأنَّ السائل إنَّما سأله عَنِ الأعمال التي يدخل بها عامِلُها الجنَّة.
وخرَّج الترمذي (1) من حديث أبي أُمامة قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَخطُبُ في حجَّةِ الوداع يقول: ((أيُّها النَّاس، اتَّقوا الله، وصلُّوا خمسَكم، وصُوموا شهركم، وأدُّوا زكاةَ أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنَّة ربكم)) وقال: حسن صحيح، وخرَّجه الإمام أحمد (2) ، وعنده: ((اعبدوا ربكم)) بدل قوله
: ((اتقوا الله)) . وخرَّجه بقي بن مخلد في " مسنده " من وجه آخر، ولفظ حديثه: ((صلُّوا خمسَكم، وصوموا شهرَكم، وحُجُّوا بيتكم، وأدُّوا زكاة أموالكم، طيِّبةً بها أنفسكم، تدخلوا جنَّة ربِّكم)) (3) .
_________
(1) الجامع الكبير (616) .
(2) في " مسنده " 5/251.
(3) أخرجه: أحمد 5/262.

(2/617)


وخرَّج الإمام أحمد (1) بإسناده عن ابنِ المنتفق، قال: أتيتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهو بعرفات، فقلت: ثنتان أسألُك عنهما: ما يُنجيني من النار، وما يُدخلني الجنَّة؟ قالَ: ((لئن كنتَ أوجزتَ في المسألة لقد أعظمتَ وأطولت، فاعقل عني إذن: اعبد الله لا تشرك به شيئاً وأقم الصَّلاة المكتوبةَ، وأدِّ الزَّكاةَ المفروضةَ، وصُمْ رمضان، وما تُحِبُّ أنْ يفعله بكَ النَّاسُ، فافعله بهم، وما تكره أنْ يأتي إليك الناس، فذرِ الناس منه)) .
وفي روايةٍ له أيضاً قال: ((اتَّقِ الله، لا تشركْ به شيئاً، وتُقيم الصَّلاة، وتُؤتِي الزَّكاة، وتحجّ البيت، وتصوم رمضان، ولم تَزِدْ على ذلك)) وقيل: إنَّ هذا الصحابي هو وافد بني المنتفق، واسمه لقيط (2) .
فهذه الأعمال أسبابٌ مقتضية لدخول الجنَّة، وقد يكونُ ارتكابُ المحرَّمات موانع، ويدلُّ على هذا ما خرَّجه الإمام أحمد (3) من حديث عمرو بن مرَّة الجهني، قال: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسولَ الله، شهدتُ أنْ لا إله إلاَّ الله، وأنَّك رسولُ الله، وصلَّيتُ الخمس، وأدَّيتُ زكاةَ مالي، وصُمْتُ شهرَ رمضانَ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من مات على هذا، كان مع النبيِّين
_________
(1) في " مسنده " 3/472 و6/383، وإسناده ضعيف.
(2) ذكر الحافظ ابن حجر هذا الحديث ونسبه إلى عبد الله بن المنتفق اليشكري وكذا قال أبو نعيم الأصبهاني. انظر: معرفة الصحابة 3/246 (1769) ، والاستيعاب 3/998، والإصابة 3/296 (4980) .
(3) كما في " إتحاف المهرة " 12/526 (16033) ، وأطراف المسند 5/154 (6843) حيث إن هذا الحديث سقط من مطبوع المسند للإمام أحمد. قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " 8/147: ((رواه أحمد والطبراني بإسنادين ورجال أحد إسنادي الطبراني رجال الصحيح)) .

(2/618)


والصدِّيقينَ والشهداءِ (1) يومَ القيامة هكذا - ونَصَبَ أصبعيه - ما لم يَعُقَّ والديه)) .
وقد ورد ترتُّب (2) دخولِ الجنة على فعلِ بعض هذه الأعمال كالصَّلاةِ، ففي الحديث المشهور: ((من صلَّى الصلواتِ لوقتِها، كان له عندَ الله عهدٌ أنْ يُدخِلَهُ الجنّة)) . وفي الحديث الصحيح: ((من صَلَّى البَرْدَينِ دخل الجنة)) ، وهذا كلُّه من ذكر السبب المقتضي الذي لا يعمل عمله (3) إلاَّ باستجماع شروطه، وانتفاء موانعه؛ ويدلُّ على هذا ما خرَّجه الإمام أحمد (4) عن بشير بنِ الخَصاصِيةِ،
_________
(1) زاد بعدها في (ص) : ((والصالحين)) .
(2) في (ص) : ((ترتيب)) .
(3) في (ص) : ((عليه)) .
(4) في " مسنده " 5/224، وإسناده ضعيف لجهالة أبي المثنى العبدي مؤثر بن عَفاذة فقد تفرد بالرواية عنه جبلة بن سحيم.

(2/619)


قالَ: أتيتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لأبايِعَه، فشرط عليَّ شهادة أنْ لا إله إلاَّ الله، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وأنْ أُقيمَ الصَّلاةَ، وأنْ أُوتي الزكاة، وأنْ أحجَّ حجة الإسلام، وأنْ أصومَ رمضان، وأنْ أُجاهِد في سبيل الله، فقلتُ: يا رسول الله أما اثنتان فوالله ما أُطيقُهُما: الجهاد والصَّدقةُ، فقبضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يدَهُ، ثمَّ حَرَّكَها، وقال: ((فلا جهادَ ولا صدقةَ؟ فبِمَ تدخلُ الجنَّة إذاً؟)) قلتُ: يا رسول الله أنا أُبايعُك، فبايعتُه عليهنَّ كُلَّهنَّ. ففي هذا الحديث أنَّه لا يكفي في دخول الجنَّة هذه الخصالُ بدون الزكاة والجهاد.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أنَّ ارتكاب بعضِ الكبائر يمنع دخولَ الجنَّة، كقوله: ((لا يدخل الجَنَّةَ قاطع)) (1) ، وقوله: ((لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرَّةٍ من كِبْر)) (2) ،
_________
(1) أخرجه: البخاري 8/6 (5984) ، ومسلم 8/7 (2556) (18) من حديث جبير بن مطعم.
(2) أخرجه: أحمد 1/412 و416، ومسلم 1/65 (91) (148) ، وأبو داود (4091) من حديث عبد الله بن مسعود.

(2/620)


وقوله: ((لا تدخلوا الجنة حتَّى تُؤمِنوا، ولا تُؤْمِنوا حتَّى تحابُّوا)) (1) والأحاديث التي جاءت في منع دخول الجنَّة بالدَّينِ حتى يُقضى، وفي الصَّحيح
: ((أنَّ المؤمنين إذا جازوا الصِّراطَ، حُبِسُوا على قنطرة يقتصُّ منهم مظالمُ كانت بينهم في الدنيا)) (2) .
وقال بعض السَّلف: إنَّ الرجل ليُحبَسُ على باب الجنَّةِ مئة عام بالذنب كان يعملُه في الدنيا (3) . فهذه كُلُّها موانع.
_________
(1) أخرجه: ابن أبي شيبة (25742) ، وأحمد 2/391، ومسلم 1/53 (54) (94) من حديث أبي هريرة.
(2) أخرجه: البخاري 3/167 (2440) و8/138 (6535) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً.
(3) أخرجه: ابن أبي شيبة (35416) من قول أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي.

(2/621)


ومن هنا يظهرُ معنى الأحاديث التي جاءت في ترتيب دخول الجنَّة على مجرَّد التوحيد، ففي " الصحيحين " (1) عن أبي ذرٍّ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((ما مِنْ عبدٍ قال: لا إله إلاَّ الله، ثمَّ مات على ذلك إلاَّ دخل الجنَّة)) ، قلت: وإنْ زنى وإنْ سرق؟! قالَ: ((وإنْ زنى وإنْ سرق)) ، قالها ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: ((على رغم أنف أبي ذرٍّ)) ، فخرج أبو ذرٍّ، وهو يقول: وإنْ رغم أنفُ أبي ذرٍّ.
وفيهما (2) عن عُبادة بنِ الصامت، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَنْ شهد أنْ لا إله إلا الله وحدَهُ لا شَريكَ له، وأنَّ محمداً عبده ورسولُه، وأنَّ عيسى عبدُ الله ورسوله وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، وأنَّ الجنَّةَ حقٌّ، والنَّارَ حقٌّ، أدخله الله الجنَّة على ما كان من عملٍ)) .
وفي " صحيح مسلم " (3) عن أبي هريرة، أو أبي سعيد - بالشَّكِّ -، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ((أشهد أنْ لا إله إلا الله وأنِّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عَبْدٌ

غيرَ شاك، فيُحْجَبُ عن الجنَّة)) .
وفيه (4) عن أبي هُريرة: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال له يوماً: ((مَنْ لَقِيتَ يشهد أنْ لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبُه، فبشِّره بالجنَّة))
_________
(1) صحيح البخاري 7/192-193 (5827) ، وصحيح مسلم 1/66 (94) (154) .
(2) صحيح البخاري 4/201 (3435) ، وصحيح مسلم 1/42 (28) (46) .
(3) الصحيح 1/41 (27) (45) .
(4) الصحيح 1/43 (31) (52) .

(2/622)


وفي المعنى أحاديث كثيرة جداً.
وفي " الصحيحين " (1) عن أنس: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال يوماً لمعاذ: ((ما مِنْ عبدٍ يشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً عبدُه ورسوله إلاَّ حرَّمه الله على النار)) .
وفيهما (2) عن عِتبان بن مالك، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ الله قد حرَّم على النَّارِ مَنْ قال: لا إله إلا الله، يبتغي بها وجه اللهِ)) .
فقال طائفةٌ من العلماء: إنَّ كلمة التوحيد سببٌ مقتضٍ لدخول الجنَّة وللنجاة مِنَ النَّارِ، لكن له شروطٌ، وهي الإتيانُ بالفرائضِ، وموانعُ وهي إتيانُ الكبائر. قال الحسن للفرزدق: إنَّ لـ ((لا إله إلا الله)) شروطاً، فإيَّاكَ وقذفَ المحصنة (3) . ورُوي عنه أنَّه قال: هذا العمودُ، فأين الطُّنُبُ (4) ، يعني: أنَّ كلمةَ التوحيد عمودُ الفسطاط، ولكن لا يثبتُ الفسطاطُ بدون أطنابه، وهي فعلُ الواجبات، وتركُ المحرَّمات.
وقيل للحسن: إنَّ ناساً يقولون: من قال: لا إله إلا الله، دخل الجنَّة، فقال: من قال: لا إله إلا الله، فأدَّى حقَّها وفرضها، دخلَ الجنَّةَ (5) .
_________
(1) صحيح البخاري 1/44 (128) ، وصحيح مسلم 1/44 (32) (53) .
(2) صحيح البخاري 1/115-116 (425) ، وصحيح مسلم 1/44 (33) (54) .
(3) ذكره الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 4/584.
(4) الطنب: جمعها أطناب وطنبة، قال ابن سيده: الطنب حبل طويل يشد به البيت والسرادق بين الأرض والطرائق، وقيل: ((هو الوتد)) . انظر: لسان العرب 8/205 (طنب) .
(5) انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 1/200.

(2/623)


وقيل لوهب بنِ مُنبِّه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنَّة؟ قال: بلى؛ ولكن ما من مفتاحٍ إلا وله أسنان، فإنْ جئتَ بمفتاحٍ له أسنانٌ فتح لك، وإلاَّ لم يفتح لك (1) .
ويشبه هذا ما رُوِيَ عن ابنِ عمر: أنَّه سُئِلَ عن لا إله إلا الله: هل يضرُّ معها عملٌ، كما لا ينفع مع تركها عملٌ؟ فقالَ ابن عمر: عش ولا تغتر (2) .
وقالت طائفةٌ - منهم: الضحاكُ والزهري -: كانَ هذا قبلَ الفرائض والحدود (3) ، فمِنْ هؤلاء مَنْ أَشار إلى أنَّها نُسِخَتْ، ومنهم من قالَ: بل ضُمَّ إليها شروطٌ زيدت عليها، وزيادة الشرط هل هي نسخ أم لا؟ فيه خلاف مشهور بين الأصوليين، وفي هذا كلِّه نظرٌ، فإنَّ كثيراً مِنْ هذه الأحاديث متأخر بعدَ الفرائض والحدود.
وقال الثوري: نسختها الفرائضُ والحدودُ، فيحتمل أنْ يكونَ مرادُه ما أراده هؤلاء، ويحتمل أنْ يكون مرادُه أنَّ وجوبَ الفرائض والحدود تبين بها أنَّ عقوبات الدنيا لا تسقُطُ بمجرَّدِ الشهادتين، فكذلك عقوباتُ الآخرة، ومثل هذا البيان
وإزالة الإيهام كان السَّلفُ يُسَمُّونه نسخاً، وليس هو بنسخ في الاصطلاح
المشهور.
وقالت طائفة: هذه النصوص المطلقة جاءت مقيدة بأنْ يقولها بصدقٍ وإخلاصٍ، وإخلاصُها وصدقُها يمنع الإصرارَ معها على معصية (4) .
وجاء من مراسيل الحسن، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال: لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنَّة)) قيل: وما إخلاصها؟ قال: ((أنْ تحجُزَكَ عمَّا حرَّم الله)) (5) . وروي ذلك مسنداً من وجوه أخرَ ضعيفة (6) .
_________
(1) أخرجه: البخاري في " التاريخ الكبير " 1/98 (261) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 4/66.
(2) أخرجه: معمر في " جامعه " (20553) ، وعبد الله بن المبارك في " الزهد " (923) ، وابن الجعد في " مسنده " (3381) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 1/311.
(3) انظر في ذلك: الزهد لعبد الله بن المبارك (921) ، وشرح صحيح مسلم للنووي 1/200.
(4) انظر: شرح صحيح مسلم 1/200 و201.
(5) لم نقف عليه في مظانه. وذكره الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " 3/16، والقرطبي في " تفسيره " 10/60.
وقد روي هذا الحديث عن زيد بن أرقم مرفوعاً مسنداً.
أخرجه: الطبراني في " الكبير " (5074) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 9/254.
(6) في إسناده الهيثم بن جماز. سئل عنه أحمد بن حنبل فقال: ((كان منكر الحديث ترك
حديثه)) ، وعن يحيى بن معين قال: ((كان قاصاً بالبصرة ضعيف)) ، وعن أبي حاتم الرازي قال: ((ضعيف الحديث منكر الحديث)) ، وعن أبي زرعة قال: ((ضعيف)) .

انظر: الجرح والتعديل 9/102 (330) .
وأخرجه: الطبراني في " الأوسط " (1257) ، وفي إسناده محمد بن عبد الرحمان بن غزوان. قال عنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " 1/18: ((وضاع)) .

(2/624)


ولعل الحسن أشار بكلامه الذي حكيناه عنه من قبلُ إلى هذا فإنَّ تحقق القلب بمعنى ((لا إله إلا الله)) وصدقه فيها، وإخلاصه بها يقتضي أنْ يرسخَ فيه تألُّهُ الله وحده، إجلالاً، وهيبةً، ومخافةً، ومحبَّةً، ورجاءً، وتعظيماً، وتوكُّلاً، ويمتلئَ بذلك، وينتفيَ عنه تألُّه ما سواه من المخلوقين، ومتى كان كذلك، لم يبقَ فيه محبَّةٌ، ولا إرادةٌ، ولا طلبٌ لغير ما يُريدُهُ الله ويحبُّه ويطلبه، وينتفي بذلك مِنَ القلب جميعُ أهواءِ النُّفوس وإراداتها، ووسواس الشيطان، فمن أحب شيئاً وأطاعه، وأحبَّ عليه وأبغض عليه، فهو إلههُ، فمن كان لا يحبُّ ولا يبغضُ إلا لله، ولا يُوالي ولا يُعادي إلا له، فالله إلههُ حقاً، ومن أحبَّ لهواه، وأبغض له، ووالى عليه، وعادى عليه، فإلهه هواه، كما قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (1) قالَ الحسن: هوَ الذي لا يهوى شيئاً إلا ركبه (2) . وقال قتادة: هوَ الذي كلما هَوِيَ شيئاً ركبه، وكلما اشتهى شيئاً أتاه، لا يَحجزُه عن ذلك ورعٌ ولا تقوى (3) . ويُروى من حديث أبي أمامة مرفوعاً ((ما تحتَ ظلِّ السماء إلهٌ يُعبد أعظم عندَ الله من هوى متَّبع)) (4) .
وكذلك مَنْ أطاعَ الشيطان في معصية الله، فقد عبده، كما قال الله - عز وجل -
: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (5) .
فتبيَّن بهذا أنَّه لا يصحُّ تحقيقُ معنى قولِ: لا إله إلا الله، إلاَّ لمن لم يكن في قلبه إصرارٌ على محبة ما يكرهه الله، ولا على إرادة ما لا يُريده الله، ومتى كان في القلب
_________
(1) الجاثية: 23.
(2) ذكره القرطبي في " تفسيره " 13/31.
(3) أخرجه: عبد الرزاق في " التفسير " (2831) ، والطبري في " تفسيره " (24134) .
(4) أخرجه: ابن أبي عاصم في " السنة " (3) ، والطبراني في " الكبير " (7502) ، وابن عدي في " الكامل " 3/126، وأبو نعيم في " الحلية " 6/118، وابن الجوزي في
" الموضوعات " (1616) وهو حديث موضوع، وإسناده مسلسل بالمتروكين.
(5) يس: 60.

(2/625)


شيءٌ مِنْ ذلك، كان ذلك نقصاً في التوحيد، وهو مِنْ نوع الشِّرك الخفيِّ. ولهذا قال مجاهدٌ في قوله تعالى: {أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} (1) قال: لا تحبُّوا غيري.
وفي " صحيح الحاكم " (2) عن عائشة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((الشِّركُ أخفى من دبيب الذَّرِّ على الصَّفا في الليلة الظَّلماء، وأدناه أنْ تُحِبَّ على شيءٍ مِنَ الجَوْرِ، وتُبغِضَ على شيءٍ مِنَ العدل، وهل الدِّينُ إلا الحبّ والبغض؟ قال الله - عز وجل -: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} (3) . وهذا نصٌّ في أنَّ محبةَ ما يكرهه الله، وبغضَ ما يُحبه متابعةٌ للهوى، والموالاة على ذلك والمعاداة عليه من الشرك الخفيّ.
وخرَّج ابن أبي الدُّنيا من حديث أنس مرفوعاً: ((لا تزالُ لا إله إلا الله
تمنعُ العبادَ مِنْ سخط الله، ما لم يُؤْثِروا دُنياهم على صَفقةِ دينهم، فإذا آثرُوا
صفقةَ دُنياهم على دينهم، ثم قالوا: لا إله إلا الله رُدَّتْ عليهم، وقال الله:
كذبتم)) (4) .
فتبيَّن بهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من شهد أنْ لا إله إلا الله صادقاً من قلبه حرَّمه الله على النار)) ، وأنَّ من دخل النارَ من أهل هذه الكلمة، فَلِقِلَّةِ صدقه في قولها، فإنَّ هذه الكلمة إذا صدقت، طهَّرت من القلب كلَّ ما سوى الله، فمن صدق في قوله: لا إله إلا الله، لم يُحبَّ سواه، ولم يَرْجُ إلاَّ إيَّاه، ولم يخشَ أحداً إلاَّ الله، ولم يتوكَّل إلاَّ على الله، ولم تبقَ له بقيَّةٌ من آثار نفسه وهواه، ومتى بقي في القلب أثرٌ لسوى الله، فمن قلَّة الصدق في قولها.
_________
(1) الأنعام: 151.
(2) المستدرك 2/191.
وأخرجه: ابن أبي حاتم في " تفسيره " (3399) ، أبو نعيم في "حلية الأولياء" 9/253، وابن الجوزي في " العلل المتناهية " 2/339، وإسناده ضعيف فيه عبد الأعلى بن أعين قال أبو زرعة الرازي: ((هذا حديث منكر وعبد الأعلى منكر الحديث ضعيف)) كما في " تفسير ابن أبي حاتم ".
(3) آل عمران: 31.
(4) أخرجه: أبو يعلى (4034) ، وإسناده ضعيف جداً لضعف حسين بن علي بن الأسود وعمر بن حمزة العمري.
وأخرجه: العقيلي 2/297 من حديث أبي هريرة، وسنده ضعيف لضعف عبد الله بن محمد ابن عجلان.

(2/626)


نارُ جهنَّم تنطفىء بنور إيمان الموحدين، كما في الحديث المشهور: ((تقول النار للمؤمن: جُزْ يا مؤمنُ، فقد أطفأ نورُك لهبي)) (1) .
وفي " مسند الإمام أحمد " (2) عن جابرٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يبقى برٌّ

ولا فاجر إلاّ دخلها، فتكونُ على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم،

حتى أنَّ للنار ضجيجاً من بردهم)) .
فهذا ميراثٌ وَرِثَه المؤمنون من حال إبراهيم - عليه السلام -، فنارُ المحبة في قلوب المؤمنين تخافُ منها نارُ جهنم. قال الجنيد: قالت النار: يا ربِّ، لو لم أُطِعك، هل كنت تُعذِّبني بشيءٍ هو أشدُّ مني؟ قالَ: نعم، كنتُ أسلط عليك نارِي الكبرى، قالت: وهل نارٌ أعظم مني وأشدُّ؟ قال: نعم، نار محبتي أسكنتُها قلوبَ أوليائي المؤمنين. وفي هذا يقول بعضهم:
ففي فؤادِ المُحِبِّ نارُ هوى ... أحرُّ نارِ الجحيم أبردُهَا
ويشهد لهذا المعنى حديثُ معاذ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَنْ كان آخِرَ كلامِهِ لا إله إلا الله، دخل الجنَّة)) (3) ، فإنَّ المحتضرَ لا يكادُ يقولُها إلاَّ بإخلاصٍ، وتوبةٍ، وندمٍ على ما مضى، وعزم على أنْ لا يعودَ إلى مثله، ورجح هذا القولَ الخطابيُّ في مصنَّفٍ له مفرد في التوحيد، وهو حسن.
_________
(1) أخرجه: الطبراني في " الكبير " 22/ (668) ، وابن عدي في " الكامل " 8/131، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 9/329، والبيهقي في " شعب الإيمان " (375) ، وهو حديث ضعيف.
(2) المسند 3/328.
وأخرجه: الحارث في " مسنده " كما في " بغية الباحث " (1127) ، وعبد بن حميد
(1106) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " (370) ، وهو حديث ضعيف.
(3) أخرجه: أحمد 5/233، أبو داود (3116) ، وابن منده (113) ، والحاكم 1/351 و500، والبيهقي في " شعب الإيمان " (9234) وفي " الاعتقاد "، له: 37، وهو حديث صحيح.

(2/627)