حاشية السيوطي
على سنن النسائي (كتاب الْقبْلَة)
[745] وَقَدْ أَمَرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ
فَاسْتَقْبِلُوهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رُوِيَ بِفَتْحِ
الْبَاءِ عَلَى الْخَبَرِ وَبِكَسْرِهَا على الْأَمر
(2/61)
[746] مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ قَالَ
فِي النِّهَايَةِ هِيَ بِالْهَمْزَةِ وَالسُّكُونِ لُغَةٌ
قَلِيلَةٌ فِي آخِرَتِهِ وَقَدْ منع مِنْهَا بَعضهم وَلَا
تشدد
(2/62)
[750] مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ بِالْمَدِّ
الْخَشَبَةُ الَّتِي يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا الرَّاكِبُ مِنْ
كُورِ الْبَعِيرِ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْمَرْأَةُ
وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي الْخَوْفِ عَلَى
قَطْعِهَا بِالشَّغْلِ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَإِنَّ
الْمَرْأَةَ تَفْتِنُ وَالْحِمَارَ يَنْهَقُ وَالْكَلْبَ
يُرَوِّعُ فَيَتَشَوَّشُ الْمُتَفَكِّرُ فِي ذَلِكَ حَتَّى
تَنْقَطِعَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ
الْأُمُورُ آيِلَةً إِلَى الْقَطْعِ جَعَلَهَا قَاطِعَةً
الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ
عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَتَصَوَّرُ
بِصُورَةِ الْكِلَابِ السُّودِ وَقِيلَ لَمَّا كَانَ
الْأَسْوَدُ أَشَدَّ ضَرَرًا مِنْ غَيْرِهِ وَأَشَدَّ
تَرْوِيعًا كَانَ الْمُصَلِّي إِذَا رَآهُ أُشْغِلَ عَنْ
صَلَاتِهِ فَانْقَطَعت عَلَيْهِ لذَلِك أَتَانٍ
بِالْمُثَنَّاةِ أُنْثَى الْحِمَارِ تَرْتَعُ أَيْ تَرْعَى
(2/63)
[762] اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا
تُطِيقُونَ بِفَتْحِ اللَّامِ يُقَالُ كَلِفْتُ بِهَذَا
الْأَمْرِ أَكْلَفُ بِهِ إِذَا أُولِعْتُ بِهِ
وَأَحْبَبْتُهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى
تَمَلُّوا بِفَتْحِ الْمِيمِ فِي الْفِعْلَيْنِ
وَالْمَلَالُ اسْتِثْقَالُ الشَّيْءِ وَنُفُورُ النَّفْسِ
عَنْهُ بَعْدَ مَحَبَّتِهِ وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ
تَعَالَى بِاتِّفَاقٍ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ إِنَّمَا أُطْلِقَ هَذَا
عَلَى جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ اللَّفْظِيَّةِ مَجَازًا
كَمَا قَالَ تَعَالَى وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا
وَأَنْظَارِهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَجْهُ مَجَازِهِ
أَنَّهُ تَعَالَى
(2/64)
وَحِمَارَةٌ هِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ
وَالْأَصَحُّ حِمَارٌ بِغَيْرِ تَاءٍ لِلْمُذَكَّرِ
وَالْأُنْثَى
[754] فَفَرَعَ بَيْنَهُمَا بِفَاءٍ وَرَاءٍ مُخَفّفَة
(2/65)
وَعين مُهْملَة أَي حجز بَينهمَا وَفرق
سهوة بمهم بَيْتٌ صَغِيرٌ مُنْحَدرٌ فِي الْأَرْضِ
قَلِيلًا شَبِيهٌ بالمخدع والخزانة وَقيل هُوَ الصِّفَةُ
تَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ الْبَيْتِ وَقِيلَ شَبِيهٌ
بِالرَّفِّ أَوِ الطاق يوضع فِيهِ الشَّيْء
(2/66)
لما قطع ثَوَابه عَمَّن قَطْعِ الْعَمَلِ
مَلَالًا عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْمَلَالِ مِنْ بَابِ
تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ وَقَالَ
الْهَرَوِيُّ مَعْنَاهُ لَا يَقْطَعُ عَنْكُمْ فَضْلَهُ
حَتَّى تَمَلُّوا سُؤَالَهُ فَتَزْهَدُوا فِي الرَّغْبَةِ
إِلَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَتَّى
عَلَى بَابِهَا فِي انْتِهَاءِ الْغَايَةِ وَمَا
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَفْهُومِ وَجَنَحَ
بَعْضُهُمْ إِلَى تَأْوِيلِهَا فَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا
يَمَلُّ اللَّهُ إِذَا مَلِلْتُمْ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي
كَلَامِ الْعَرَبِ يَقُولُونَ لَا يَفْعَلُ كَذَا حَتَّى
يَبْيَضَّ الْقَارُ أَوْ حَتَّى يَشِيبَ الْغُرَابُ
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الْبَلِيغِ لَا يَنْقَطِعُ حَتَّى
يَنْقَطِعَ خُصُومُهُ لِأَنَّهُ لَوِ انْقَطَعَ حِينَ
يَنْقَطِعُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِمْ مَزِيَّةٌ
وَهَذَا الْمِثَالُ أَشْبَهُ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ
لِأَنَّ شَيْبَ الْغُرَابِ لَيْسَ مُمْكِنًا عَادَةً
بِخِلَافِ الْمَلَالِ مِنَ الْعَابِدِ وَقَالَ
الْمَازِرِيُّ قِيلَ إِنَّ حَتَّى هُنَا بِمَعْنَى
الْوَاوِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ لَا يَمَلُّ وَتَمَلُّونَ
فَنَفَى عَنْهُ الْمَلَالَ وَأَثْبَتَهُ لَهُمْ قَالَ
وَقِيلَ حَتَّى بِمَعْنَى حِينَ وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ
وَأَحْرَى عَلَى الْقَوَاعِدِ وَأَنه من بَاب الْمُقَابلَة
اللفظية وَقَالَ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ هَذَا مِنْ
أَلْفَاظِ التَّعَارُفِ الَّتِي لَا يَتَهَيَّأُ
لِلْمُخَاطَبِ أَنْ يَعْرِفَ الْقَصْدَ مِمَّا يُخَاطَبُ
بِهِ إِلَّا بِهَا وَهَذَا رَأْيُهُ فِي جَمِيعِ
الْمُتَشَابِهِ وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى الله
أَدْوَمه قَالَ بن الْعَرَبِيّ معنى الْمحبَّة من الله
تعالىتعلق الْإِرَادَةِ بِالثَّوَابِ أَيْ أَكْثَرُ
الْأَعْمَالِ ثَوَابًا أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ قَالَ
النَّوَوِيُّ لِأَنَّ بِدَوَامِ الْقَلِيلِ يَسْتَمِرُّ
الطَّاعَةُ بِالذِّكْرِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَالْإِخْلَاصِ
وَالْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ
الشَّاقِّ حَتَّى يَنْمُوَ الْقَلِيلُ الدَّائِمُ بِحَيْثُ
يَزِيدُ عَلَى الْكَثِيرِ الْمُنْقَطِعِ أَضْعَافًا
كَثِيرَة وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ إِنَّمَا أَحَبَّ
الدَّائِمَ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّارِكَ
لِلْعَمَلِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ كَالْمُعْرِضِ بَعْدَ
الْوُصُولِ فَهُوَ مُتَعَرِّضٌ لِهَذَا وَلِهَذَا أَوْرَدَ
الْوَعِيدَ فِي حَقِّ مَنْ حَفِظَ آيَةً ثُمَّ نَسِيَهَا
وَإِنْ كَانَ قَبْلَ حِفْظِهَا لَا تَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ
وَالثَّانِي أَنَّ مُدَاوِمَ الْخَيْرِ مُلَازِمُ
الْخِدْمَةِ وَلَيْسَ من لَازم
(2/69)
الْبَابِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَقْتًا مَا
كَمَنْ لَازم يَوْمًا كَامِلا ثمَّ انْقَطع
[770] فَرُّوجُ حَرِيرٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ
الرَّاءِ الْمَضْمُومَةِ وَآخِرُهُ جِيمٌ وَحَكَى أَبُو
زَكَرِيَّا التَّبْرِيزِيُّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ
الْمَعَرِّيِّ جَوَازَ ضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ
الرَّاءِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الْقَبَاءُ الَّذِي
فِيهِ شقّ من خَلفه
[771] اذْهَبُوا بِهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ اسْمُهُ عَامِرٌ
وَقيل عبيد بن حُذَيْفَة بن غَانِم وأتوني
بِأَنْبِجَانِيَّةٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَحْفُوظُ
بِكَسْرِ الْبَاءِ وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا يُقَالُ كِسَاءٌ
أَنْبِجَانِيٌّ مَنْسُوبٌ إِلَى مَنْبِجٍ الْمَدِينَةِ
الْمَعْرُوفَةِ وَهِيَ مَكْسُورَةُ الْبَاءِ فَفُتِحَتْ
فِي النَّسَبِ وَأُبْدِلَتِ الْمِيمُ هَمْزَةً وَقِيلَ
إِنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَى مَوْضِعٍ اسْمُهُ أَنْبِجَانُ
وَهُوَ أَشْبَهُ وَالْأَوَّلُ فِيهِ تَعَسُّفٌ وَهُوَ
كِسَاءٌ يُتَّخَذُ مِنَ الصُّوفِ وَلَهُ خَمْلٌ وَلَا
عَلَمَ لَهُ وَهُوَ مِنْ أَدْوَنِ الثِّيَابِ الْغَلِيظَةِ
قَالَ وَإِنَّمَا بَعَثَ الْخَمِيصَةَ إِلَى أَبِي جَهْمٍ
لِأَنَّهُ الَّذِي أَهْدَاهَا لَهُ وَإِنَّمَا طَلَبَ
مِنْهُ الْأَنْبِجَانِيَّ لِئَلَّا يُؤَثِّرَ رَدُّ
الْهَدِيَّةِ فِي قَلْبِهِ وَالْهَمْزَةُ فِيهِ زَائِدَةٌ
فِي قَوْلٍ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يُرْوَى بِفَتْحِ
الْهمزَة وَكسرهَا وبفتح الْبَاء وَكسرهَا وبتشديد الْبَاء
وتخفيفها
(2/72)
|