حاشية السيوطي
على سنن النسائي (كتاب الْإِمَامَة)
[778] عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءُ بِالتَّشْدِيدِ
وَالْمَدِّ كَانَ يَبْرِي النَّبْلَ وَاسْمُهُ زِيَادُ
بْنُ فَيْرُوزٍ وَقِيلَ كُلْثُومٌ وَاجْعَلُوهَا مَعَهُمْ
سُبْحَةً بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحدَة أَي
نَافِلَة تَكْرِمَتِهِ هِيَ الْمَوْضِعُ الْخَاصُّ
لِجُلُوسِ الرَّجُلِ مِنْ فرَاش أَو سَرِير مِمَّا يعد لَا
كرامه وَهِي تفعلة من الْكَرَامَة
(2/75)
[784] إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَيُرْوَى التَّصْفِيحُ وَهُمَا
بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ
وَهُوَ أَنْ تَضْرِبَ بِأُصْبُعَيْنِ مِنَ الْيَدِ
الْيُمْنَى فِي بَاطِنِ الْكَفِّ الْيُسْرَى وَهُوَ
صَفْحُهَا وَصَفْحُ كُلِّ شَيْءٍ جَانِبِهِ وَقِيلَ
التَّصْفِيحُ الضَّرْبُ بِظَاهِرِ إِحْدَاهُمَا على
الْأُخْرَى وبالتصفيق الضَّرْبُ بِبَاطِنِ إِحْدَاهُمَا
عَلَى بَاطِنِ الْأُخْرَى وَقِيلَ التَّصْفِيحُ
بِأُصْبُعَيْنِ لِلتَّنْبِيهِ وَبِالْقَافِ بِالْجَمِيعِ
لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ
(2/79)
[790] إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ فَلَا
تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي قَالَ الْعُلَمَاءُ النَّهْيُ
عَنِ الْقِيَامِ قَبْلَ أَنْ يَرَوْهُ لِئَلَّا يَطُولَ
عَلَيْهِمُ الْقِيَامُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يعرض لَهُ عَارض
فيستأخر بِسَبَبِهِ نجى فعيل من الْمُنَاجَاة أَي مناج
مَكَانَكُمْ بِالنَّصْبِ أَيِ الْزَمُوا يَنْطِفُ رَأْسُهُ
بِضَمِّ الطَّاء الْمُهْملَة وَكسرهَا أَي يقطر
(2/81)
[807] لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ
قُلُوبُكُمْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ إِذَا تَقَدَّمَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الصُّفُوف تأثرت قُلُوبهم
وَفَشَا بَينهم الْخلف ليلني مِنْكُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ
هُوَ بِكَسْرِ اللَّامَيْنِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ مِنْ
غَيْرِ يَاءٍ قَبْلَ النُّونِ وَيَجُوزُ إِثْبَاتُ
الْيَاءِ مَعَ تَشْدِيدِ النُّونِ عَلَى التَّوْكِيدِ
أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى أَيْ ذَوُو الْأَلْبَابِ
وَالْعُقُولِ وَاحِدُهَا حِلْمٌ بِالْكَسْرِ فَكَأَنَّهُ
مِنَ الْحِلْمِ الْأَنَاةُ وَالتَّثَبُّتُ فِي الْأُمُورِ
وَذَلِكَ مِنْ شَعَائِرِ الْعُقَلَاءِ وَوَاحِد
(2/87)
النُّهَى نُهْيَةٌ بِالضَّمِّ سُمِّيَ
الْعَقْلُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَنْهَى صَاحِبَهُ عَنِ
الْقَبِيحِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ أُولُو الْأَحْلَامِ هُمُ
الْعُقَلَاءُ وَقِيلَ الْبَالِغُونَ وَالنُّهَى بِضَمِّ
النُّونِ الْعُقُولُ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أُولُو
الْإِحْلَامِ الْعُقَلَاءُ يَكُونُ اللَّفْظَانِ بِمَعْنًى
فَلَمَّا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ عَطَفَ أَحَدَهُمَا عَلَى
الْآخَرِ تَأْكِيدًا وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ
الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ
الْفَارِسِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النُّهَى مَصْدَرًا
كَالْهُدَى وَأَنْ يَكُونَ جَمْعًا كَالظُّلْمِ ثُمَّ
الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ
الَّذِينَ يَقْرَبُونَ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْوَصْفِ
[808] أَهْلُ الْعُقَدِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ
الْقَافِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَعْنِي أَصْحَابَ
الْوِلَايَاتِ عَلَى الْأَمْصَارِ مِنْ عَقْدِ
الْأَلْوِيَةِ لِلْأُمَرَاءِ وَرُوِيَ الْعقْدَة يُرِيد
الْبيعَة المعقودة للولاة
(2/88)
[810] كَمَا تُقَوَّمُ الْقِدَاحُ جَمْعُ
قَدَحٍ وَهُوَ السَّهْمُ لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ
لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ أَيْ إِنْ لَمْ
تُقِيمُوا وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ اعْتِدَالُ الْقَائِمِينَ
لَهَا عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ وَيُرَادُ بِهِ أَيْضًا سَدُّ
الْخَلَلِ الَّذِي فِي الصُّفُوفِ وَاخْتُلِفَ فِي
الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فَقِيلَ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ
وَالْمُرَادُ بِهِ تَشْوِيهُ الْوَجْهِ بِتَحْوِيلِ
خَلْقِهِ عَنْ وَضْعِهِ بِجَعْلِهِ مَوْضِعَ الْقَفَا أَوْ
نَحْوَ ذَلِكَ وَقِيلَ مَجَازٌ وَمَعْنَاهُ يُوقِعُ
بَيْنكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَاخْتِلَافَ
الْقُلُوبِ كَمَا تَقُولُ تَغَيَّرَ وَجْهُ فُلَانٍ
عَلَيَّ أَيْ ظَهَرَ لِي مِنْ وَجْهِهِ كَرَاهِيَةٌ
لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ فِي الصُّفُوفِ مُخَالَفَةٌ فِي
ظَوَاهِرِهِمْ وَاخْتِلَافُ الظَّوَاهِرِ سَبَبٌ
لِاخْتِلَافِ الْبَوَاطِنِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أبي
دَاوُد ليخالفن الله بَين قُلُوبكُمْ
(2/89)
[813] فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ خَلْفِي كَمَا أَرَاكُمْ مِنْ
بَيْنِ يَدَيَّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ الصَّوَابُ
الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ
هَذَا الْإِبْصَارَ إِدْرَاكٌ حَقِيقِيٌّ خَاصٌّ بِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْخَرَقَتْ لَهُ فِيهِ
الْعَادَةُ قَالَ بن الْمُنِيرِ لَا حَاجَةَ إِلَى
تَأْوِيلِهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى تَعْطِيلِ لَفْظِ
الشَّارِعِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ
حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً
كَرَامَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَكَذَا نُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ ثُمَّ
إِنَّ ذَلِكَ الْإِدْرَاكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
بِرُؤْيَةِ عَيْنِهِ انْخَرَقَتْ لَهُ الْعَادَةُ فِيهِ
أَيْضًا وَكَانَ يَرَى بِهَا مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةٍ
لِأَنَّ الْحَقَّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ
الرُّؤْيَةَ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا عَقْلًا عُضْوٌ
مَخْصُوصٌ وَلَا مُقَابَلَةٌ وَلَا قُرْبٌ وَإِنَّمَا
تِلْكَ الْأُمُورُ عَادِيَةٌ وَيَجُوزُ حُصُولُ
الْإِدْرَاكِ مَعَ عَدَمِهَا عَقْلًا وَقِيلَ كَانَتْ لَهُ
عَيْنٌ خَلْفَ ظَهْرِهِ يَرَى بِهَا مَنْ وَرَاءَهُ
دَائِمًا وَقِيلَ كَانَتْ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَيْنَانِ مثل
سم الْخياط يبصر بهما وَلَا يَحْجُبُهُمَا ثَوْبٌ وَلَا
غَيْرُهُ وَقِيلَ بَلْ كَانَتْ صُوَرُهُمْ تَنْطَبِعُ فِي
حَائِطِ
(2/91)
قِبْلَتِهِ كَمَا تَنْطَبِعُ فِي
الْمِرْآةِ فَيَرَى أَمْثِلَتَهُمْ فِيهَا فيشاهد أفعالهم
[820] خَيْرُ صُفُوفِ الرَّجُالِ أَوَّلُهَا يَعْنِي
أَكْثَرُهَا أَجْرًا وشرها آخرهَا يَعْنِي أجرا
(2/93)
[828] أَلَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ
رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ زَادَ أَبُو دَاوُدَ
وَالْإِمَامُ سَاجِدٌ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ
رَأْسَ حِمَارٍ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْوَعِيدِ
فَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقِيلَ هُوَ مجَاز
عَن البلادة وَقَالَ بن بَزِيزَةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ
بِالتَّحْوِيلِ الْمَسْخُ أَوْ تَحْوِيلُ الْهَيْئَةِ
الْحَسَنَةِ أَوِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَوْ هُمَا مَعًا
(2/96)
[830] فَأَرَمَّ الْقَوْمُ قَالَ فِي
النِّهَايَةِ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ بالراء
وَتَشْديد الْمِيم أَي سكتوا وَلم يُجِيبُوهُ يُقَالُ
أَرَمَّ فَهُوَ مُرِمٌّ وَيُرْوَى بِالزَّاي وَتَخْفِيفِ
الْمِيمِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ لَكِنَّ الْأَزْمَ
الْإِمْسَاكُ عَنِ الطَّعَامِ وَالْكَلَامِ خَشِيتُ أَنْ
تَبْكَعَنِي بِهَا يُقَالُ بَكَعْتُ الرَّجُلَ بَكْعًا
إِذَا اسْتَقْبَلْتُهُ بِمَا يكره
(2/97)
[847] اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ
أَيِ اسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ وَحَوَّلَهُمْ إِلَيْهِ
فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ
الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هِيَ
الْمُنْفَرِدَةُ عَنِ الْقَطِيعِ الْبَعِيدَةُ مِنْهُ
يُرِيدُ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَتَسَلَّطُ عَلَى الْخَارِج
من الْجَمَاعَة وَأهل السّنة
(2/98)
أَسِيفٌ أَيْ سَرِيعُ الْبُكَاءِ
وَالْحُزْنِ وَقِيلَ هُوَ الرَّقِيق
(2/99)
يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ أَيْ
يَمْشِي بَيْنَهُمَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا مِنْ
ضَعْفِهِ وَتَمَايُلِهِ لِيَنُوءَ أَيْ لِيَنْهَضَ
(2/100)
الْفَذ أَي الْوَاحِد الْفَرد
(2/103)
[848] ثُمَّ أُخَالِفُ إِلَى رِجَالٍ قَالَ
فِي النِّهَايَةِ أَيْ آتِيهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَوْ
أُخَالِفُ مَا أَظْهَرْتُ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ
وَأَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فَآخُذُهُمْ عَلَى غَفْلَةٍ أَوْ
يَكُونُ بِمَعْنَى أَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاة بمعاقبتهم
فَأحرق عَلَيْهِم بُيُوتهم قَالَ بن سَيِّدِ النَّاسِ
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي أَرَادَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِحْرَاقَ بُيُوتَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْهَا مَا هِيَ
فَقِيلَ هِيَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَقِيلَ الْعِشَاءُ أَوِ
الْفَجْرُ وَقِيلَ الْجُمُعَةُ وَقِيلَ كُلُّ صَلَاةٍ
وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ
أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ
حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ
الْمِرْمَاةُ ظِلْفُ الشَّاةِ وَقِيلَ مَا بَيْنَ
ظِلْفَيْهَا وَتُكْسَرُ مِيمُهُ وَتُفْتَحُ وَقِيلَ
(2/106)
الْمِرْمَاةُ بِالْكَسْرِ السَّهْمُ
الصَّغِيرُ الَّذِي يُتَعَلَّمُ بِهِ الرَّمْيُ وَهُوَ
أَحْقَرُ السِّهَامِ وَأَرْذَلُهَا أَيْ لَوْ دُعِيَ إِلَى
أَنْ يُعْطَى سَهْمَيْنِ مِنْ هَذِهِ السِّهَامِ
لَأَسْرَعَ الْإِجَابَةَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَهَذَا
لَيْسَ بِوَجِيهٍ وَيَرْفَعُهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ
الْأُخْرَى لَوْ دُعِيَ إِلَى مِرْمَاتَيْنِ أَوْ عِرْقٍ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٌ وَهَذَا حَرْفٌ لَا أَدْرِي مَا
وَجْهُهُ إِلَّا أَنَّهُ هَكَذَا يُفَسَّرُ بِمَا بَيْنَ
ظِلْفَيِ الشَّاة يُرِيد بِهِ حقارته وَقَالَ بن سَيِّدِ
النَّاسِ قَالَ الْأَخْفَشُ الْمِرْمَاةُ لُعْبَةٌ كَانُوا
يَلْعَبُونَهَا بِنِصَالٍ مُحَدَّدَةٍ يَرْمُونَهَا فِي
كَوْمٍ مِنْ تُرَابٍ فَأَيّهُمْ أَثْبَتَهَا فِي الْكَوْمِ
غَلَبَ قَالَ وَهُوَ ضَرْبَهُ عَلَيْهِ الصّلَاةُ
والسَّلَامُ مَثَلًا أَنَّ أَحَدَ هَؤُلَاءِ
الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْجَمَاعَةِ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ
يُدْرِكُ الشَّيْءَ الْحَقِيرَ وَالنَّزْرَ الْيَسِيرَ
مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا أَوْ لَهْوِهَا لَبَادَرَ إِلَى
حُضُورِ الْجَمَاعَة ايثارا لذَلِك على مَا أعده اللَّهُ
تَعَالَى لَهُ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى شُهُودِ الْجَمَاعَةِ
وَهُوَ صِفَةٌ لَا يَلِيقُ بِغَيْرِ الْمُنَافِقِينَ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَهُ بَعْضُ
الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ مرماتين خشبتين وَقَالَ
الْخَشَبُ الْغَلِيظُ وَالْخَشَبُ الْيَابِسُ مِنَ
الْخَشَبِ وَالْمِرْمَاتُ ظِلْفُ الشَّاةِ لِأَنَّهُ
يُرْمَى بِهِ هَذَا كَلَامُهُ قَالَ وَاَلَّذِي
قَرَأْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ وَهُوَ الْمُتَدَاوَلُ بَيْنَ
أَهْلِ الْحَدِيثِ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ مِنَ
الْحُسْنِ وَالْجَوْدَةِ لِأَنَّهُ عَطَفَهُمَا عَلَى
الْعِرْقِ السَّمِينِ وَقَدْ
(2/108)
فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٌ وَمَنْ بَعْدَهُ
مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا إِلَى تَفْسِيرِ
الْخَشَبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَقَدْ حَكَيْتُ مَا
رَأَيْتُ وَالْعُمْدَةُ عَلَيْهِ
[850] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ أَعْمَى إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ النَّوَوِيّ
وَهُوَ بن أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ لِي
قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الصَّلَاةِ فَسَأَلَهُ أَنْ
يُرَخِّصَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَأَذِنَ لَهُ
فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَتَسْمَعُ
النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَجِبْ
(2/109)
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
دَلَالَةٌ لِمَنْ قَالَ الْجَمَاعَةُ فَرْضُ عَيْنٍ
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِأَنَّهُ سَأَلَ هَلْ لَهُ
رُخْصَةٌ فِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ وَتَحْصُلُ لَهُ
فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ بِسَبَبِ عُذْرِهِ قِيلَ لَا
وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ يَسْقُطُ
بِالْعُذْرِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا
تَرْخِيصُهُ لَهُ ثُمَّ رَدُّهُ وَقَوْلُهُ فَأَجِبْ
فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِوَحْيٍ نَزَلَ فِي الْحَالِ
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ
وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ إِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ
الِاجْتِهَادُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُ أَوَّلًا
وَأَرَادَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْكَ الْحُضُورُ إِمَّا
لِلْعُذْرِ وَإِمَّا لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ حَاصِلٌ
بِحُضُورِ غَيْرِهِ وَإِمَّا لِلْأَمْرَيْنِ ثُمَّ
نَدَبَهُ إِلَى الْأَفْضَلِ فَقَالَ الْأَفْضَلُ لَكَ
وَالْأَعْظَمُ لِأَجْرِكَ أَنْ تُجِيبَ وَتَحْضُرَ فأجب
[851] عَن بن أُمِّ مَكْتُومٍ اسْمُهُ عَمْرٌو وَقِيلَ
عَبْدُ اللَّهِ قَالَ فَحَيَّ هَلًا قَالَ فِي
النِّهَايَةِ هِيَ كَلِمَتَانِ جُعِلَتَا كَلِمَةً
وَاحِدَةً فَحَيَّ بِمَعْنَى أَقْبِلْ وهلا بِمَعْنى أسْرع
(2/110)
[858] تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا جَمْعُ
فَرِيصَةٍ وَهِيَ اللُّحْمَةُ الَّتِي بَيْنَ الْجَنْبِ
وَالْكَتِفِ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ بن سِيدَهِ
الْفَرِيصَةُ لُحْمَةٌ عِنْدَ نَغْضِ الْكَتِفِ فِي وَسَطِ
الْجَنْبِ عِنْدَ مَنْبِضِ الْقَلْبِ وَهُمَا فَرِيصَتَانِ
تَرْعُدَانِ عِنْدَ الْفَزَعِ فَإِنَّهَا لَكُمَا
نَافِلَةٌ قَالَ بن سيد النَّاس قَالَ بن سِيدَهِ
النَّافِلَةُ الْغَنِيمَةُ وَالنَّافِلَةُ الْعَظِيمَةُ
وَالنَّافِلَةُ مَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ مِمَّا لَا
يَجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ من ذَلِك
[862] فَدُرِّعَ الْآنَ مِثْلُهَا مِنْ نَارٍ
(2/113)
بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ
الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ أَي البس عوضهَا
درعا من نَار
(2/116)
[871] وَزَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا
تَعُدْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْعَيْنِ مِنَ
الْعَوْدِ أَيْ إِلَى أَنْ تَرْكَعُ دُونَ الصَّفِّ حَتَّى
تَقُومَ فِي الصَّفِّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَعُدْ إِلَى
أَنْ تَسْعَى إِلَى الصَّلَاةِ سَعْيًا بِحَيْثُ يَضِيقُ
عَلَيْكَ النَّفْسُ وَقِيلَ لَا تَعُدْ إِلَى الْإِبْطَاءِ
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا
إِلَى الْمَشْي إِلَى الصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ
الْخُطْوَةَ وَالْخُطْوَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ تُفْسِدِ
الصَّلَاةَ لَكِنَّ الْأَوْلَى التَّحَرُّزُ عَنْهَا
(2/118)
|