شرح ابن ماجه لمغلطاي

28- باب ما جاء في الوضوء على أمر الله تعالى
حدّثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن جامع بن شداد
أبي صخرة قال: سمعت حمران يحدث أبا بردة في المسجد انه سمع عثمان
يحدث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"من أتمّ الوضوء كما أمره الله فالصلوات
المكتوبة كفارات لما بينهن" (1) . هذا حديث رواه مسلم في صحيحه عن
عبيد الله بن معاذ ثنا أبي وثنا محمد بن مثنى وابن يسار قالا: ثنا محمد بن
جعفر وقالا جميعًا ثنا شعبة عن جامع كما ذكره ابن ماجة، ومثل هذا حديث
ابن معاذ، وليس في حديث غندر في أبيك سمعت عثمان يحدّث أبا بردة في
إمارة بشر أن عثمان فذكره، ولا ذكر المكتوبات، وفي لفظ النسائي
فالصلوات الخمس، حدّثنا محمد بن محي ثنا حجاج ثنا همام ثنا إسحاق بن
عبد الله بن أبي طلحة حدّثني علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه
رفاعة ابن رافع: أنه كان جالسًا عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:"إنها لا تتم صلاة
لأحد حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى بغسل وجهه ويديه إلى المرفقين،
ويمسح يرأسه ورجليه إلى الكعبين" (2) . هذا حديث لما رواه الترمذي (3) عن
علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي بن محيى بن خلاد بن
رافع الزرقي عن جدّه عن رفاعة بن رافع بأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"بينما هو
جالس في المسجد يومًا قال رفاعة ونحن معه: إذا جاءه رجل كالبدوي فصلى
فأخذ صلاته ثم انحرف فسلّم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال النبي: وعليك فارجع
__________
(1) ضعيف أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/233) وعزاه إلى الطبراني في"الأوسط"
وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف.
(2) صحيح مسلم (208) صحيح. ن 9111 حم: 56، 66، 69 أبو عوانة: 228 سنة
327، كنز 18959- كر 4: 438 وابن ماجة (ح/459) والترغيب (1/159) . وصححه
الشيخ الألباني.
(3) رواه الطبراني (5/29) وتلخيص (1/59، 217) وإتحاف (2/381) والمنثور (2/
263) والتاريخ الكبير (0/323) .

(1/362)


فصل فإنّك لم تصل فرجع فصلى ثم جاء/فسلم عليه فقال وعليك فارجع
فصل فإنك لم تصل ففعل ذلك مرتين أو ثلاثًا كل ذلك يأتي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فيسلم فيقول: وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل فخاف الناس وكبُر عليهم
أنّ يكون من أخف صلاته فقال الرجل في آخر ذلك: فأرني وعلمني فإنّما أنا
بشر أصيب وأخطأُ فقال: أجل إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله به
ثم تشهد فأقم الصلاة فإن كان معك قرآن فأقرأه وإلا فاحمد الله وكبره وهلله
ثم اركع فاطمئن راكعًا ثم اعتدل قائمًا ثم اسجد فاعتدل ساجدًا ثم اجلس
فاطمئن جالسًا ثم قم فإذا فعلت ذلك فقد تمّت صلاتك وإن انتقصت منه
شيئا انتقصت من صلاتك"قال: وكان هذا أهون عليهم من الأول إنه من
انتقص من ذلك شيئًا انتقص من صلاته ولم تذهب كلّها قال: هذا حديث
حسن، وقد روى عن رفاعة هذا الحديث من غير وجه، ورواه أبو داود مطولًا
من حديث إسحاق عن علي بن محيي بن محمد بلفظ:"أنه لا تتم صلاة
لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء يعني مواضعه ثم يكبر ويحمد الله
عز وجل ويثنى عليه، ويقرأ ما شئت من القرآن ثم يقول الله أكبر ثم تركع
حتى تطمئن مفاصله ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يستوي قائما ثم
يقول: الله أكير يسجد حتى تطمئن مفاصله ثم يرفع رأسه فيكبّر فإذا فعل
ذلك تمت صلاته"وعن إسحاق عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن
عمه فذكر لفظ ابن ماجه، ولما ذكر المفاصل أراد حتى يسترخي ثم يكبّر
فيستوي قاعدًا على مقعده، ويقيم صلبه فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات
__________
(1) صحيح متفق عليه. رواه البخاري (1/192، 193، 6918، 169) ومسلم في (الصلاة،
ح/45) وأبو داود في (استفتاح الصلاة، باب"33"والترمذي (303) وصححه. والنسائي
(3/59. 60) وابن ماجة (1060) وأحمد (2/437، 0/394) . والبيهقي (2/15، 37،
62، 101، 122، 126، 345، 372) والحاكم (1/241) والدارقطني (1/96) وعبد
الرزاق (3739) وابن خزيمة (ح/461، 590) ومناقب (2/37) والحلية (9/78) والترغيب
(0/341) وإتحاف (3/422) والكنز (28338) والتمهيد (7/51، 9/182، 183)
والطبراني (5/30، 36) . قلت: وفى المصطلح الاعتبار أولا برواية الترمذي كما أشار مغلطاي؛
ولكنى وضعت في أول الحديث رواية الشيخين تأكيدا على صحة الحديث المتفق عليه.

(1/363)


حتى فرغ لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك. نا واهب ابن نجية عن خاله
عن محمد بن عمر وعن يحيى بن خلاد عن رفاعة بن رافع بهذه القصّة قال:
إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر ثم اقرأ آية من القرآن أو ما شاء الله أن تقرأ
وإذا ركعت/فضع راحتيك على ركبتيك وأمدد ظهرك، قال: وإذا سجدت
فمكّن سجودك، وإذا رفعت فاقعد على فخذك اليسرى" (1) وفي حديث
محمد بن إسحق حدّثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع عن أبيه عن عمه
بهذه القصة فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش اليسرى ثم تشهد
ثم إذا قمت فمثل ذلك حتى تفرغ، ولفظ النسائي (2) عن عمر له وروى فيه
حتى كان عند الثالثة أو الرابعة قال:"والذي أنزل عليك الكتاب لقد
جَهدت وحَرصت فأرني وعلمني فذكره"روى معنى الحديث أبي عيسى
وذكره الحافظ أبو حاتم في صحيحه من حديث محمد بن عمرو، وفي معجم
الطبراني (3) الكبير: " صلى صلاة خفيفة لا يتم ركوعها ولا سجودها وفيه
فإذا لم يفعل ذلك فلا تتم صلاته وفيه أنه كان من الأنصار"وذكره أيضا أبو
محمد بن حزم مصححا، ولما ذكره البزار (4) بلفظ:"ما أدري ما تعيد علي
من صلاتي وما الوتر فقال عليه السلام:"أنه لا تتم صلاة أحدكم حتى
يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى فيغسل يديه ووجهه ويديه إلى المرفقين
ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين"ثم ذكره وقال: هذا الحديث لا نعلم
أحدا رواه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا رفاعة وأبو هريرة، وحديث رفاعة ثم
حديث أبي هريرة وهو حديث حسن انتهى كلامه وفيه نظر لما ذكره الترمذي
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (859) والبيهقي (2/334) ونصب الراية (1/364، 366)
والفتح (2/243) .
(2) رواه النسائي: (3/59، 60) .
(3) رواه الطبراني: (0/35، 36) .
(4) رواه الطبراني (5/29) وتلخيص (1/59، 217) والبزار وإتحاف (2/381) والمنثور (2/
263) والتاريخ الكبير (0/323) .

(1/364)


من أنّ عمارا روى ذلك أيضا، وعاب أبو الحسن على أبي محمد عبد الخالق
سكوته عنه، وأعلّه بيحيى بن علي بن خلاد فإنه لا يعرف له حال، وليس فيه
مزيد على الإِسناد انتهى كلامه وفيه نظر لما أسلفنا ذكره عند من صححّ
حديثه، وذلك لا يكون إلَّا بعد معرفة حاله خصوصًا ابن حبان فإنه ذكره في
كتاب الثقات.
***

(1/365)


29- باب في النضح في بعد الوضوء
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن بشر، ثنا زكريا بن أبي زائدة
قال:/نا منصور وثنا مجاهد عن الحكم بن سفيان الثقفي أنه رأى رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ثم أخذ كفا من ماء فنضح به فرجه" (1) . هذا حديث اختلف في
تصحيحه وضعفه وإرساله ووصله؛ فممن حكم باتصاله: أبو زرعة فيما حكاه
عنه عبد الرحمن حين قال: سمعت أبا زرعة يقول: رواه جرير عن منصور
عن مجاهد بن الحكم بن سفيان أو أبي الحكم بن سفيان ورواه الثوري عن
منصور فقال: عن الحكم بن سفيان أو سفيان بن الحكم ورواه وهب عن
الحكم عن أبيه، ورواه ابن عيينة عن منصور وابن أبي نُجيح عن مجاهد عن
رجل من ثقيف عن أبيه، وقال: والصحيح مجاهد عن الحكم بن سفيان وله
صحبة والنسائي (2) حين رواه في سننه عن الحكم قال: رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما
عند ابن ماجة وكذلك ذكره ابن ماجة، ولما أخرجه أبو عبد الله في مستدركه
من طريق سفيان عن منصور عن مجاهد عن سفيان بن الحكم، أو الحكم بن
سفيان قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وإنما تركاه للشك فيه،
وليس ذلك مما يوهنه، وقد رواه جماعة عن منصور عن مجاهد عن الحكم
ابن سفيان قال في كتاب المري: رواه عن منصور ثنا به عشرة رجالي وقالوا:
في إسناده شبه أقاويل، قال سلام بن أبي مطيع وزكريا وإسرائيل الحكم ابن
سفيان وقال سفيان وزائدة ومعمر وهو من سفيان بن الحكم أو الحكم بن
سفيان وقال أبو عوانة وجرير وأبو عبيدة وقيس بن شيبان وأبو المجباه وحسن
عن الحكم أو ابن الحكم، وقال شعبة ووهب عن الحكم أو أبي الحكم عن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 58- باب ما جاء في النضح بعد
الوضوء، (ح/461) قوله:"فنضح به فرجه"أي رشْه عليه لنفي الوسوسة.
وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه النسائي في: الغسل، باب"49"، ومسلم في (الحيض، ح/19)
وأحمد (1/104) والبيهقي (1/115) وابن خزيمة (22) وأبو عوانة (1/273) بلفظ:
"توضأ وانضح فرجك".

(1/366)


أبيه وقال ابن عيينة: عن رجل عن أبيه وأرسله مسعود، والذي عندي أنه
الحكم ابن سفيان رجل من ثقيف له صحبة، نزل الطائف فسمع منه مجاهد
بمكة وقال ابن حبان في كتاب الصحابة: الحكم بن سفيان عن عثمان بن
عامر بن مغيث الثقفي من أهل الحجاز هو الذي/يقال له: سفيان بن الحكم
يخطئ الرواة في اسمه واسم أبيه، وأم الحكم عائشة بنت أبي عقيل بن
مسعود بن عامر بن معتب.
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر وابن الجويني في كتاب الصحابة:
الحكم بن سفيان وسفيان بن الحكم، وقيل ابن أبي سفيان وقيل أبو الحكم
الثقفي واحد، وذكره في الصحابة أيضًا ابن أبي خيثمة في تاريخه الأوسط
وأبو القاسم الطبراني وأبو جعفر الطبري في المذيل، وأبو إسحاق الجرمي في
كتاب العلل وقال: نزل الطائف فسمع منه مجاهد وأبو أحمد العسكري وأبو
نعيم، وقال ابن عبد البر: سماعه عندي صحيح يعني من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وخالف ذلك البخاري في التاريخ الكبير بعد ذكره اختلاف ألفاظ الرواة فقال:
وقال بعض ولد الحكم بن سفيان: لم يدرك الحكم النبي عليه السلام، وزاد
الترمذي في العلل: لم يروه، وفي كتاب العلل قال أبي يعني- أبا حاتم
الرازي-: الصحيح الحكم عن أبيه ولأبيه صحبة، وخالف ذلك في كتاب
الجرح والتعديل فذكر في باب الحكم أنّه رأى النبي- عليه السلام- وبنحو ما
قاله البخاري قاله أحمد في كتاب العلل وابن بنت منيع في معجمه عن ابن
عيينة.
وذكر الحاكم في تاريخ نيسابور قال محمد بن يحيى الذهلي: قلت لابن
المديني الصحيح عندك عن الحكم أو عن أبيه فقالا: عن أبيه: كذا يقول شعبة
ولما ذكره الأشبيلي قال: اختلف في إسناد هذا الحديث، وفي اسم الصاحب
وأصح/الأسانيد فيه إسناد النسائي الحكم عن أبيه كذا قال الترمذي عن
البخاري حين رواه عن أبي عمر عن ابن عيينة عن منصور، وابن أبي نجيح عن
مجاهد رجل من ثقيف عن أبيه قال: وقال بعضهم: الحكم بن سفيان،
وقال بعضهم: سفيان بن الحكم واضطربوا في هذا الحديث، وفي هذا ردًا
على ابن عساكر في إغفاله ذكر الترمذي، وربيعة على ذلك المنذري وهو غير

(1/367)


صواب منها وقال أبو عمر: هذا حديث مضطرب جدًا، وكذا قاله العسكري
قال أبو الحسن بن القطان: كلامه يوهم صحة الحديث من وجهين: أحدهما:
سكوته عن إعلاله، والأخرى: قوله إن هذه الطريق أصخ، وهو قد عدم
الصحة لوجوه:
أحدها: الاضطراب.
والثاني: الجهل بحال الحكم بن سفيان، فإنه غير معروف، ولا سيما على
ما ارتضى أبو محمد من النسائي بأن يكون تابعًا.
والثالث: أبوه المذكور لا تعرف صحبته، ولا روايته لشيء غير هذا.
والرابع: تهافت لفظ الحديث المذكور المجتمع من روايات رواته، وشرح
ذلك أن مداره عَلَى ابن منصور، وهو قد تلوث وتلوث عليهم ألوانًا فرواية
شعبة عن الحكم عن أبيه، وفي رواية أخرى الحكم وأبو الحكم عن أبيه، وفي
أخرى الحكم أو أبو الحكم أنه رأى النبي وهو خطأ؛ لأن الرجل الذي لا
يعرف إذا قال عن نفسه أنه ثقة فذلك غير مقبول منه، وأما قوله: كان فيبعد
أن يكون على ظاهره، ولو أطلق ألزم الناس للنبي- عليه السلام- وكلام
البخاري لا يعطي حكمًا بصحة الحديث إنّما هو كما يقال: هذا المرسل أصح
فلا تخرج من شيء من ذلك تصحح ما رواه ضعيف أو متروك أو ما روى
مرسلًا، وأيضا فالبخاري لم يقل ذلك إنما سألَهُ الترمذي عنه فقال الصحيح:
ما رواه شعبة وَوَهبْ وقال عن أبيه، وربما قال ابن عيينة في هذا الحديث عن
أبيه فما هذا عن البخاري أنه قال: هو أصح الأسانيد، وإنما قال: الصحيح
زيادة من زاد على أبيه، وتعين أن ننظر في حالة تكوينه تابعيًا وعدالته، وهي لم
تثبت، ولعل قائلًا يقول: فلعلّه أيضًا قد رأى النبي- عليه السلام- كما رآه
أبوه أخذًا من رواية من لم يقل عن أبيه فيقول: ما في هذا أكثر من إنهما
ادّعيا إنهما رأيا وسمعا فإذا لم يعرفا بالعدالة لم يقبل منهما، وأيضًا فقد نص

(1/368)


العلماء على أن الحكم لم يدرك النبي قال ذلك البخاري. فكلام ابن عبد البر
حيث قال: سماعه من النبي- عليه السلام- عندي صحيح يعد (1) لأنه قلد
الثقات منهم الثوري ولم يخالفه من هو مثله كذا قاله وهو غير صحيح، قال
/الثوري: كان رواه عن منصور فلم يقل عن أبيه فشعبة قال ذلك ووهب
ووهما، فإن قيل قد اختلف على شعبة فلم يذكر النضر عنه قوله عن أبيه قلنا:
والثوري عنه في هذا أقوال منها: قول محمد بن بشر عنه سفيان بن الحكم
أو الحكم عن سفيان كان النبي، فإن احتج أبو عمر بهذه الرواية حيث لم يقل
فيها عن أبيه قلنا هي محتملة أن يكون شاكَا في اسم الرجل الذي قال إنّه
رأى النبي، أو أن يكون شكّا في انه الأب أو الابن فهي بهذا الاحتمال الثاني
متردد فيها الإِرسال والانقطاع كانه يقول: لا أدري أعن سفيان بن الحكم
فيكون مرسلَا أو عن أبيه الحكم بن سفيان فيكون منقطعًا، ولم يذكر فيه
الرواية والسماع فيقطع النزاع ويرتفع الاحتمال؛ إنما فيها لفظة كان فيها وما
فيها، ورواه أيضَا كذلك عن سفيان بغير زيادة عن أبيه عن أبي، والشك في
الحكم أو سفيان بن مهدي ولفظه أحسن ولفظ محمد بن كثير قال:"رأيت
النبي عليه السلام بال فتوضأ" (2) ذكر ذلك ابن السكن ولفظه، ورواه كذلك
معمر ممن رواه عن سفيان بغير زيادة عن أبيه دون شك في الأب والابن
محمد بن يوسف وهي التي يمكن أن يحتج بها ابن عبد البر لما ذهب إليه من
تصحيح صحة الحكم قال فيه عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن الحكم بن
سفيان قال: رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر ذلك عنه البخاري في التاريخ، ويمنعه من
الاحتجاج به رواية من رواه عنه بالشك كما قدمناه، وقد رواه عن منصور
__________
(1) قوله:"يعد"غير واضحة"بالأصل"وكذا أثبتناه.
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (1/256) من حديث عوسجة بن مسلم
عن أبيه، وعزاه إلى الطبراني في"الكبير"وعوسجة بن مسلم لم أجد من ذكره إلا الذهبي.
قال عوسجة بن أقرم روى عن يحيى بن عوسجة حديثه في المسح على الخفين لم يصح- قاله
البخاري.

(1/369)


هذا بغير شك ولا زيادة عمار عن أبيه عمار بن رُزيق وجرير بن عبد الحميد
بغير لفظه كان إما أخبر عن فعله واحدة، ورواه كذلك زكريا والذي يقوله: لا
يترك رواية من زاد عن أبيه لترك من يترك ذلك، وأمر الحفظ حجة على من لم
يحفظ، وإذا لم يكن بدا من زيادته فالحكم تابعي فيحتاج أن تعرف من عدالته
ما يلزمنا به قبول روايته، وإن لم يثبت ذلك لم تصح عندنا روايته/ونسأل من
صححها عمّا علم من حاله وليس بمعين لها فيما أعلم. والله تعالى أعلم انتهى
كلامه، وفيه نظر من وجوه:
الأول: تفرقته بين الاضطراب والتهافت ثم جمع بينهما حين بيّنت
التهافت فذكر لفظ الاضطراب سواء بغير زيادة ولو أراد التهافت الاصطلاح
الذي هو السقوط لما ساعده.
الثاني: قوله: أن الراوي شكّ فقال سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان
فقد أسلفنا قول ابن حبان وغيره في ذلك.
الثالث: قوله: كان بعيدًا أن يكون على ظاهره أو ما علم أنّ لفظة كان
لا يُقتضى الدوام والاستمرار، ويؤيّد ذلك ما ذكره البيهقي في الكبير رواه
إسرائيل وسلام بن أبىَ مطيع، وذكرنا فقالوا عن الحكم: بغير شك وهؤلاء
حفاظ أثبات جزموا ما يثبت لديهم، قالت عائشة:"كنت أقتل قلائد هدي
النبي عليه السلام" (1) ومن المعلوم أنّ ذلك إنما كان مرة.
الرابعُ: على تقدير صحة ما يرجحه من ذكره من اقتضاء التكرار فحديث
ابن ماجة سالم من ذلك.
الخامس: قوله: وأن يكون شكُّا في كونه الأب أو الابن إلى آخره، فقول
لم يقله أحدًا غيره، وإنما يحتمل ما قاله إذا ثبت إن للحكم ولدًا يقال له
سفيان فأما إن ثبت له ولدًا بالوهم فالاحتمال، ويركب عليه التردّد فما أظنّه
يستقيم.
__________
(1) صحيح. رواه النسائي (1/156، 171، 173، 174) وابن خزيمة (2573) والحميدي
(208، 209، 218) والتمهيد (2/264) وابن عدي (3/1032) .

(1/370)


السادس: قوله: وتعين أمّا ننظر في حاله لكونه تابعيًا غير مستقيم؛ لأنّ
كلّ من روى حديثًا غير صحابي لا يكون تابعيا؛ لأنَ الصحابة يروي بعضهم
عن بعض، ولئن أثبتنا روايته لهذا الحديث عن أبيه فيكون عند من أسقطها من
مراسيل الصحابة، وذلك مقبول عند الجماهير.
السابع: تطرقّه إلى أبيه سفيان لعدم قبول روايته وهو في ذلك غير
منصف؛ لأنّ سفيان أباه ذكره في الصحابة أبو أحمد العسكري، وذكر عنده
جماعة رووا عنه عدَة أحاديث فصح بهذا المجموع قول الحاكم وغيره.
الثامن: إغفاله ما ذكره أبو إسحاق من اله يقال له: أيضا الحكم والله
تعالى أعلم.
لم حدّثنا إبراهيم بن محمد العبراني، حدّثنا حسان بن عبد الله، ثنا ابن
لهيعة عن عُقيل عن الزهري عن عروة، ثنا أسامة بن زيد عن أبيه زيد بن
حارثة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"علمني جبريل الوضوء وأمرني أن أنضح تحت
ثوبي لما يخرج من البول بعد الوضوء" (1) .
هذا حديث إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة، ولما سئل عنه أبو حاتم
الرازي قال: هذا حديث كذب باطل قال ابنه: وقد كان أبو زرعة يضعفه
أيضا وضعفه أيضا ابن عدي وابن طاهر، وأبو الفرج أخرج هذا الحديث في
كتاب المختصر عن ابن أبي شيبة عن الأشيب عن ابن لهيعة فظننت أنه قديما
للمعرفة وحاله يقرب من حال ابن لهيعة.
ورواه أحمد في مسنده من جهة رشد بن سعد عن عقيل بحذف زيد أبي
أسامة، ولما ذكر الإشبيلي حديث زيد بن حارثة المتقدّم من عند البزار قال:
هذا يرويه ابن لهيعة وهو ضعيف عندهم، وقد رُوى أيضًا من طريق رشدين
__________
(1) ضعيف ومتنه صحيح. رواه هـ 462- إتحاف 2: 429- صحيحة 2: 520 قلت:
وعلته ضعف ابن لهيعة. وضعفه الشيخ الألباني) ضعيف الجامع. ص 545) .
قلعت والحديث حسن. دون الأمر- المشكاة 336، والضعيفة 1312، وصحيح أبي داود
159.

(1/371)


أسنده إلى زيد بن حارثة وهو ضعيف عندهم لذلك، وهو غير صواب من فعله
لأن حديث رشدين لا ذكر فيه لزيد كما سقته لكم أولا فاعلمه وقد وقع لنا
هذا الحديث من طريق جبيرة لا ذكر فيها لابن لهيعة ولا لرشدين ذكرها أبو
القاسم في معجمه الأوسط من حديث سعد بن شرحبيل، ثنا الليث بن سعد
عن عُقيل عن ابن شهاب عن عروة عن أسامة عن أبيه زيد. الحديث فال: لم
يروه عن الليث إلا سعد بن سهل، والمشهور من حديث ابن لهيعة، حدثنا
الحرث بن سلمة أحمدي، ثنا سلمة بن قتيبة، ثنا الحسن بن علي الهاشمي عن
عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إذا توضأت
فانضج" (1) هذا حديث قال فيه أبو عيسى: هذا حديث/غريب وسمعت
محمدًا يقول: الحسن بن علي منكر الحديث، وقال ابن حبان هذا حديث
باطل، ولما ذكره البغوي في شرح السنة قال: إسناده غريب، وذكره ابن عدي
فيما أنكره من حديث الهاشمي، ولما ذكره العقيلي وحديثا آخر قال: لا يُتابع
عليه من هذا الوجه، فأمّا الإِيضاح فقد روى بغير هذا الإِسناد بإسناد صالح،
وأمّا الثاني: فلا يحفظ إلَّا عنه، وقال الدارقطني: كان يروى عن الأعرج عن
أبي هريرة مناكير، الحديث وأخرجه الحافظ أبو نعيم من حديث ابن قتيبة:
حدّثني الحسن الهاشمي قال: قلت لابن لهيعة قال عادلته إلى مصر وكان
مولى لنا، عن أبي هريرة قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"قال لي جبريل: إذا توضأت
فانضح"حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عاصم بن علي، ثنا قيس عن ابن أبي
ليلى عن أبي الزبير عن جابر قال:"توضأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنضح فرجه"
هذا حديث إسناده ضعيف لضعف رواته الأول: عاصم بن علي أبو الحسين
الواسطي وإن كان البخاري قد خرج حديثه وأثنى عليه الإمام أحمد بن حنبل
فقد قال فيه يحيى بن معين: لا يساوي شيئًا، وفى رواته كَذابّ بن كذاب.
الثاني: قيس بن الربيع أبو محمد الأسدي الكوفي وإن أبو حفص وشعبة
أثنى عليه فقد وثّقه أبو الوليد الطيالسي، وكذا قاله أبو عفان والثوري وشعبة
__________
(1) ضعيف. ومتنه صحيح. هـ463- إتحاف 2: 429.
وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/103) ، والضعيفة (ح/1312)
وا لصحيحة (2/519- 520) ، والمشكاة (ح/367) .

(1/372)


فقد قال عمرو بن علي كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدّثان عنه، وكان عبد
الرحمن ثنا عنه قبل ذلك ثم تركه وقال عفان: كان ربما أدخل حديث مغيرة
في حديث منصور، وسئل عنه أحمد فلينه وقيل له مرة أخرى لم ترك الناس
حديثه قال: كان يتشيّع، وكان كثير الخطأ في الحديث، وروى أحاديث
منكرة، وكان ابن المديني ووكيع يضعفانه وكان وكيع إذا ذكره قال: الله
المستعان، وسئل عنه ابن معين فقال ليس بشيء وقال مرة: ضعيف، وقال
ابن نمير وأبو داود: كان له ابن هو آفته،/وقد رواه أصحاب الحديث في
كتبهم فأنكروا حديثه فطنوا أنه قد غيرها، وقال ابن عدي وغالب رواياته
مستقيمة، والقول فيه ما قال شعبة: كان لا بأس به، وقال ابن سعد أبو
محمد بن قيس بن الربيع الجوَّال توفي بالكوفة سنة ثمان وستين ومائة، وكان
كثير الحديث ضعيفًا فيه، وقال السعدي: ساقط، وقال الدارقطني: ضعيف
الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن حبان تتبعت حديثه
فرأيته صادقا إلَّا أنه لما كبر ساء حفظه فيدخل عليه فختم فيه ثقة ما ثقة
فوقعت المناكير في روايته واستحق المجانبة، وقال أبو الفتح الأزدي: ثنا ابن
سبع، ثنا محمود بن غيلان قال لي محمد بن عُبيد: كان قيس بن الربيع
استعمله أبو جعفر على المدائن فكان يعلّق النساء بأثدائهن ويرسل عليهن أناس،
وقال ابن القطان: إنما ساء حفظه بعد ولايته القضاء فهو مثل شريك وابن أبي
ليلى، وذكره الساجي والعقيلي في كتاب الضعفاء وضعّف به ابن طاهر غير
ما حديث.
الثالث: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى بيسار وقيل: داود الأنصاري
الفقيه القاضي قال سعيد ما رأيت أسوأ حفظًا منه أفادني أحاديث فإذا هي
مقلوبة، وقال أحمد بن يونس كان زائدة لا يروى عنه، وكان قد ترك
حديثه، وقال أحمد: كان يحيى بن سعيد يضعفه وفي رواية سيء الحفظ،
وقال أحمد: هو سيء الحفظ مضطرب الحديث وكان فقيه أحب إلي من
حديثه، فيه اضطراب جدَا وفي موضع آخر ضعيف، وعن عطاء أكثر خطأ
إنّما دخل عليه وهو ضعيف، وقال مرة: ضعيف الحديث، وقال يحيى: ليس
بذلك، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال العجلي: كان فقيها صاحب سنة،

(1/373)


وكان قارئا للقرآن عالما به، قرأ حمزة عليه وكان حمزة يقول: إنما تعلمنا
جَودة القراءة عند ابن أبي ليلى، وكان من أحسن الناس وأحفظهم للمصحف
وأخطهم قلمًا وكان جميلا نبيلًا، وأؤل من استقضاه على الكوفة/يوسف بن
عمر الثقفي، وكان يرزقه في كل شهر مائة درهم، وفي موضع آخر كان
كوفيا صدوفا، قال أبو حاتم الرازي: شُغل بالقضاء فساءَ حفظه ولا يتهم
بشيء من الكذب إنما ينكر عليه كثرة الخطأ فلا تصح به، وقال ابن حبان:
كان فاحش الخطأ، رديء الحفظ فكثرت المناكير في حديثه فاستحق الترك،
تركه أحمد ويحيى وقال الدارقطني: وهو رديء الحفظ كثير الوهم، وقال ابن
طاهر في كتاب التذكرة: أجمعوا على تركه، وفيما قاله نظر لما أسلفناه من
عند العجلي، وذكره أبو جعفر العضلي وأبو القاسم البلخي في كتاب
الضعفاء، وكذلك يعقوب بن سفيان، وضعف به أبو أحمد والإشبيلي وابن
القطان ومحمد بن عبد الواحد المقدسي وأبو محمد بن حزم وأبو عمر بن عبد
البر في كتاب التمهيد، وأبو الفرج في العلل المتناهية والتعليق، وللبيهقي
الخلافيات والكبير والمعرفة غير ما حديث، ولما ذكره الساجي في كتاب
الضعفاء قال: كان صاحب فقه ورأي وكان سيء الحفظ لا يتعمد الكذب،
وكان يُمتدح في فقهه وقضائه، فأما في الحديث فلم يكن بحجة، وقد ذكر
الدارمي في مسنده: حدثنا إسناده صحيح هو أولى بالذكر مما تقدم من
الأحاديث، رواه عن قَبيصة، ثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار
عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"توضأ مرةً مرة ونضح" (1) وهو في صحيح
البخاري بغير هذه الزيادة، وقال الإِمام أحمد فيما حكاه عنه البيهقي: قوله
ونضح تفرد بها قبيصة عن سفيان، وقد رواه جماعة عن سفيان بدون هذه
الزيادة، وقد روى من وجه آخر عن ابن عباس من حديث الحسين بن علي
عن يزيد الصرائي عن إبراهيم بن فروخ مولى عمر بن الخطاب عن أبيه عن ابن
عباس مطولا فذكر نومه عند ميمونة، قال ابن أبي حاتم: سألت عنه أبي
فقال: هذا حديث منكر وإبراهيم عنه مجهول، ورواه الحافظ أبو الشيخ في
فوائد الأصفهانيين عن/عبيد الله بن محمد زكريا عن. حمد بكير عن
__________
(1) تقدْم في بابه.

(1/374)


مَحيّرز بن مَحْرز عن إبراهيم بن عبد الله بن فرح عن أبيه عن ابن عباس
ولفظه:"توضأ ونضح فرجه"وقال: هذا حديث لم يروه إلا محيّرز بن
محرز تفرد به، وفيما أسلفناه من عند الدارمي ردّ عليه كاف والله أعلم،
وروى أبو الحسن في غرائب حديث مالك من حديث القاسم بن عبد الله إلا
حميمي عن سحرم بن عبد الله القيرواني عنه عن الزهري عن أنس أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"كان إذا توضأ نضح عانته"ثم قال: هذا باطل عن ذاك ولا يصح،
وحديث عمار بن ياسر المتقدم عند ابن ماجة في خصال الفطرة وفيه
الانتضاح، وذكر الحافظ أبو بكر الإِسماعيلي في جمعه"مسند الحسن أبو
القاسم البغوي، ثنا أحمد بن حازم الغفاري، ثنا عبد الله بن محمد بن سالم،
حدّثني حسين بن زيد بن علي بن الحسن عن أبيه عن الحسن بن علي أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"كان إذا توضأ أفضل لموضع سجوده ماءً حتى يسيله على
موضع السجود" (1) ولما ذكره أبو جعفر الطبري في كتاب تهذيب الآثار عن
ابن حازم، قال: وهذا عندنا خبر صحيح إسناده وقد يحب أن تكون على
مذهب الآَخرين سقيما لعلتين: إحداهما: أنه خبر لا يُعرف له مخرج يصح عن
النبي عليه السلام إلا من هذا الوجه، والخبر إذا انفرد به منفرد وجب التثبت
فيه، والثانية: أن ذلك لا يعرفه العامة وهو عمل من أعمال الطهارة ولو كان
صحيحَا عن النبي عليه السلام لم تجهله العامة، كذا قال أبو جعفر: ولم أجد
في تاريخ محمد بن إسماعيل، ولا في كتاب ابن أبي حاتم سماعَا ولا رواية
لزيد بن الحسن عن أبيه إنّما ذكر روايته عن ابن عباس أنه تطيب بالمسك لم
يذكروا له رواية عن غيره، وقال ابن عدي: الحسن بن زيد بن الحسن بن
علي بن أبي طالب روى عن أبيه وعكرمة أحاديث مُفضلة، وروايته عن أبيه
أنكرها عن عكرمة، وفي حديث جابرا وابن عباس وأنس بن مالك والحسن
وعمار ردٌ لما أغفله الترمذي. النضح: الرش، نضحت البيت- بالفتحة
وبالكسر- وهو أيضا الشرب دون الذي ذكره الجوهري، وفي الحديث
الصحيح: النضح من النضْح يريدُ من أصابه نَضحٌ من البول فعليه أن ينضحه
__________
(1) صحيح. كما في تهذيب الآثار.

(1/375)


بالماء، والنضح دون النضح وفي المغيث هما متقاربان في المعنى، وقيل بالخاء
ما بقى له أثر، وقيل: ما كان على اعتاد، وبالحاء بخلافهما وقيل بالمهملة أدق
ومعناه إذا توضأت فصبّ الماء على العضو صبًا، ولا يقتصر على مسحه فأنه لا
يجزئ فيه إلَّا الغسل، وقيل: استبراء الماءِ بالنثر والتنحنح يقال: نضحت أسلت
وانتضحت تعاطيت الإسالة، وقيل: رش الإزار الذي على الفرج بالماء ليكون
أذهب للوسواس وقيلَ: معناه الاستنجاءَ بالماء إشارة إلى الجمع بينه وبين
الأحجار، وفي المحكم قال أبو علي: النضح ما كان من علو إلى سُفل.
***

(1/376)


30- باب المنديل بعد الوضوء وبعد الغسل
حدّثنا محمد بن رمح، ثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن
سعد ابن أبي هند أن أبا مرة مولى عقيل حدثه أنّ أمّ هانئ بنت أبي طالب
حدّثته:"أنه لما كان عام الفتح قام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى غسله فسترت عليه
فاطمة ثم أخذ ثوبه فالتحف به" (1) هذا حديث اتفقا على تخريجه وذكر أبو
عمر بن عبد البر من حديث سعيد بن أبي سعيد عن أبي مرّة عنها قالت:
"أتاني يوم حمران فأجرتهما فجاء علي يريد قتلهما فأتينا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو
بالأبطح بأعلى مكة وقد ذكرت غسله ثم قالت: قلت يا رسول الله إني
أجرت حمو بن أبي وإن ابن أمي عليًا أراد قتلهما فقال عليه السلام: ليس له
ذلك قد أجرنا من أجرت" (2) قال أبو عمر: الذي أجارته هو ولد هبيرة بن أبي
وهب المخزومي واحدا كان واثنين، لأن في حديث ابن أبى النضر ما يدلُّ على أنه
كان واحدا وفي حديث لم المقبري. اثنان وهبيرة زوجها وولده حمولها، وقيل: إنّ
الذي أجارته الحرث ابن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة المخزوميان، وأمّا قول من قال
أنه جعدة بن هبيرة فما أدري ما هذا؛ لأنّ جَعْدة ابنها لا حموها، ولم يذكر أهل
النسب ابنَا لهبيرة يسمّى جَعْدَة من غير أم هانئ. والله أعلم، حدّثنا علي بن
محمد، ثنا وكيع عن ابن أبي ليلى عن محمد بن عبد الأكمل بن سعد بن زرارة
عن محمد بن شرحبيل عن قيس بن سَعْد قال:"أتانا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضعنا له ماءً
فاغتسل ثم أتيناه بملحفة ورسية فاشتمل بها، فكأني أنظر إلى أثر الورس عليه" (3) .
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 59- باب المنديل بعد الوضوء وبعد
الغسل، (ح/465) . وصححه الشيخ الألباني.
قوله:"إلى غسله"بفتح الغين، أي اغتساله. وبضمها إلى الماء. و"فالتحف به"أي
اشتمل به. فصار الثوب للبدن كالمنديل الذي ينشف به أثر الماء.
(2) صحيح متفق عليه. رواه البخاري (1/100، 4/122، 8/46) ومسلم في (صلاة المسافرين، ح/
82) وأبو داود (ح/2763) وأحمد في"المسند" (6/341، 342، 343، 423، 424، 425)
والبيهقي في"الكبرى" (9/95) والحاكم في"المستدرك" (4/45، 53) ومنصور (2612) والموطأ
(152) والنبوة (5/81) وتجريد (147) ومعاني (3/223، 323) والمنتقى (1055) .
(3) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 59- باب المنديل بعد الوضوء-

(1/377)


هذا حديث إسناده ضعيف بابن أبي ليلى المتقدّم ذكره، ورواه أبو
محمد بن حزم في كتابه مصححَا له من طريق آخر مختصرَا، وفي تصحيحه
له نظر، وذلك أنّ أبا داود رواه في سننه عن هشام وابن مثنى قالا: ثنا الوليد
ابن مسلم، ثنا الأوزاعي، سمعت يحيى بن أبي كثير، حدّثني محمد بن عبد
الرحمن عن قيس قال:"زارنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منزلنا فقال: السلام
عليكم ورحمة الله، قال قيس: فرد سعد ردًّا خفيًا قال قيس: فقلت ألا تأذن
لرسول الله قال: ذره يكثر علينا من السلام فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليكم
ورحمة الله، ثم رجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأتبعه سعد فقال: يا رسول الله إني
كنت أسمع تسليمك وأرد عليك ردًا خفيًا لتكثر علينا من السلام، قال:
فانصرف معه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمر له سَعْد فاغتسل، ثم ناوله ملحفة مصبوغة
زعفران فناوله فاشتمل ثم رفع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه وهو يقول:"اللهم اجعل
صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عُبادة، قال: ثم أصاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من
الطعام، فلما أراد الانصراف قرب له سعد حمارًا قد وطيء عليه بقبطيتة،
فركب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/: فقال سعد: يا قيس اصحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال
قيس: فقال: يا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اركب فأبيت فقال: إما أن تركب وإما أن
تنصرف، قال: فانصرفت" (1) .
قال أبو داود: رواه عمر بن عبد الواحد وأبن سماعة عن الأوزاعي مرسلا
ولم يذكرا قيسا، فهذا كما ترى سقط من هذه الطريق محمد بن شرحبيل
الذي لم يتصل والله أعلم، ورواه النسائي (2) من طريق ابن أبيِ ليلى فقال
__________
= وبعد الغسل، (ح/466) في طريق قولع:"ورسية"مصبوغة بالورس. وهو نبت أصفر
يصبغ به.
وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/104) . وتتمة لفظه:"على عكنه"
قلت: والعكنة: البطن في البان من السمن.
(1) الكنز (33772) وابن السني (657) ومنثور (0/273) والجوامع (9917) وابن أبي شيبة
(12/156) والطبراني (18/350) . لتعدد طرقه الضعيفة. وله طريق حسن لذاته دون الذي
في إسناده ابن أبي ليلى.
(2) قوله:"النسائي"سقط من"الأصل"وأثبتناه من"المطبوع".

(1/378)


عمرو بن شرحبيل عن قيس بنحوه، وعن محمد بن حاتم عن حبان عن ابن
المبارك عن الأوزاعي عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن النبي-
عليه السلام- مرسل- زاد البراء فقال:"اللهم صلِ على الأنصار وعلى ذرية
الأنصار وعلى ذرية ذرية الأنصار، ثم أوقف سعد حمارًا له عليه قطيفة فقال لابنه:
اذهب فرد الحمار فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اركب على صدر حمارك فأبك ربه،
فقال: هو لك يا رسول الله" (1) وذكر حديث ميمونة في اغتساله من الجنابة
وسيأتي ذكره، وفي معناه حديث وائل بن عبد الجبار بن وائل عن سعد بن عبد
الجبار عن وائل عن أبيه عن جدّه عنه مرفوعا فترك الوضوء وفيه ولم أراه تنشف،
وحديث عبد الله بن جعفر: ذهب عليه السلام إلى الحائط فتوضأ بعد أن قضى
حاجته فأقبل والماء يقطر من لحيته على صدره. ذكرهما أبو علي الحسن بن علي بن
شبيب العمري في كتاب ما ينبغي للرجل أن يستعمله في يومه وليلته، حدّثنا
العباس بن الوليد وأحمد بن الأزهر قالا: حدّثنا مروان بن محمد، ثنا يزيد بن
السمط، ثنا الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن سليمان الفارسي: " أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ فقلب جُبة صوف كانت عليه فمسح بها وجهه" (2) هذا
حديث قال عنه أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن الوضين إلا ابن السمَطَ،/
تفرّد به مروان الظاهري بن عطاء بن كنانة بن عبد الله بن مصدع الخزاعي، أبا
كنانة الدمشقي وإن كان قد قال فيه أحمد بن حنبل: هو ثقة وفي موضع: ما كان
به بأس، كان يرى القدر، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وكذلك قاله
دُحَيم، وفال أبو داود: صالح الحديث قيل له هو ثقة قال: وهو ثقة وتكلّم فيه
السعدي بقوله: واهي الحديث، وقال المزني: غيره أوثق منه، وقال ابن سعد: كان
ضعيفًا في الحديث، ولما ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء قال أحمد بن محصي: ثنا
الهيثم بن خارجة، ثنا الوليد بن مسلم قال: مات الوليد حتى كان صاحب خُطب
__________
(1) صحيح. بشواهده. الكنز (33772) وا بن السني (657) ومنثور (0/273) والجوامع
(9917) وابن أبي شيبة (12/156) والطبراني (18/350) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 59- باب المنديل بعد الوضوء وبعد
الغسل، (ح/468) . في الزوائد: إسناده صحيح، ورواته ثقات، وفي سماع محفوظ من
سليمان، نطر. وصححه الشيخ الألباني.

(1/379)


ولم يكن في حديثه بذاك، وذكره الساجي في كتاب الضعفاء، وزعم أنّ عنده
حديثًا منكرًا وهو:"وكاءَ السه العينان" (1) ، ورد ابن عدي هذا الحديث وقال ابن
عدي: القول فيه قول دحيم؟ لأنه أعرف به، وضعفه أبو الحسن القطان، وما أرى
بحديثه بأسا، وكذا ضعفه البلخي، ولما ذكر الترَمذي حديث عائشة عن سفيان بن
وكيع، ثنا عبد الله بن وهب عن زيد بن حبان عن أبي معاذ عن الزهري عن عروة
عنها قالت:"كان للنبي- عليه السلام- خرقة يتنشف بها بعد الوضوء" (2) قال:
وفي الباب عن معاذ ثنا قتيبة، ثنا رشدين عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن
عتبة بن حميد عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ قال:"رأيت
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه" (3) قال أبو عيسى: هذا حديث
غريب وإسناده ضعيف، ورشدين وابن أنعم يضعفانه في الحديث، وقال ابن القسم
في الأوسط: لا يروى هذا الحديث عن معاذ إلا بهذا الإِسناد تفرّد به رشدين، قال
أبو عيسى: وحديث عائشة ليس بالقائم ولا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب
شيء/وأبو معاذ يقولون: هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف عند أهل الحديث.
انتهى كلامه وفيه نظر من وجوه:
الأول: أبو معاذ يقولون هو ابن أرقم يعني تحرّصًا لا يقينًا، وقد أتى ذلك
الإِمام أحمد بن حنبل حين سأله مهنأ عنه فقال: هو حديث منكر وأبو معاذ
ياسين بن معاذ وهو ضعيف وهو أقوى من سليمان بن أرقم، وأما عبد الله
الحاكم فأنه لما ذكر 5 في مستدركه قال أبو معاذ: هو الفضل بن ميسرة روى
عنه يحيى بن سعيد وأثنى عليه، وهذا حديث صحيح وقد روى عن أنس
وغيره ولم يخرجاه فليس قوله بأولى من قوليهما.
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/203) وشرح السنة (1/337) قوله:"الوكاء"ما تشد به
القربة ونحوها من الأوعية، والسه- بفتح السين تاء محذوفة- اسم من أسماء الدبر.
قلت: وحسنه على قاعدة الشيخ أبي داود الذي صنف عليها كتابه السنن.
(2) ضعيف جدا وعلامات النكارة عليه واضحة. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 40-
باب ما جاء في التمندل بعد الوضوء، (ح/53) قال أبو عيسى:"حديث عائشة ليس
بالقائم. ولا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب شيء".
(3) الكنز: (17843) .

(1/380)


الثاني: قوله ولم يصحّ عن النبي- عليه السلام- في هذا الباب شيء
مردود بحديث أم هانئ لو لم يكن في الباب غيره على رأي من لم يفرق بين
التنشُّف من الغسل والتنشُّف من الوضوء.
الثالث: اقتصاره على ذكر حديث معاذ وأغفل ما أسلفناه، وكذا حديث
أبي بكر رضى الله عنه أن النبي عليه السلام:"كانت له خرقة يتنشف بها
بعد الوضوء"قال: قال البيهقي إسناده غير قوي، قال: وإنما رواه أبو
عمرو بن العلاء عن إياس بن جعفر أن رجلا حدّثه:"أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت
له خرقة أو منديل يتنشف بها بعد الوضوء"وهو المحفوظ، وقال الدارقطني في
كتاب الإفراد والغرائب: هكذا رواه الصولي عن أبي العلاء عن أبي سعيد بن
أوس عنَ أبي عمرو بن العلاء عن أنس بن خالد عنه، ورواه عون بن عمارة
عن أبي عمرو بن إياس بن صالح عن رجل:"أن النبي- عليه السلام-
كانت له خرقة أو منديل"وقال: غيره عن أبي عمرو عن إياس بن جعفر
عن رجل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحديث أنس بن مالك قال البيهقي: ثنا أبو
الحسين بن يسر أنّ ابن السماك ثنا حنبل بن إسحاق، ثنا أبو معمر عبد الله بن
عمرو قال: سألت عبد الوارث (1) عن حديث عبد العزيز بن صهيب عن
أنس:"أن النبي عليه السلام كان له خرقة/أو منديل فإذا توضأ مسح
وجهه، فقال: كان في قطنية فأخذه ابن علية فلست أرويه، قال الشّيخ: وهذا
لو رواه عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس وكان سندا صحيحا إلَّا أنه امتنع
من روايته، ويحتمل أنه كان عند الإسناد الأوّل- يعني إسناد حديث أبي عنه
ابن العلاء المتقدّم له المستور لما سئَل أبو حاتم عنه قال: رأيته في بعض
الروايات عن عبد العزيز أنه كان لأنس خرقة، والموقوف أشبه ولا يحمل أن
يكون مسندا وحذف إسناده الأودي، ثنا به المسند المعمر أبو بكر بن علي
الحميدي بقرأتي عليه، أخبركم المشايخ أبو المفاخر المخزومي وابن الشمعة
وغيرهما، ثنا عبد العزيز بن عمر، ثنا أبو زرعة، ثنا والدي الحافظ محمد بن
طاهر المقدسي، ثنا الخسر بن أحمد السمرقندي، ثنا أبو العباس جعفر بن
__________
(1) قوله:"عبد الوارث"غير واضحة"بالأصل"وكذا أثبتناه.

(1/381)


محمد، ثنا الخليل بن أحمد، ثنا زيد، ثنا يحيى بن يونس، حدثني أبو الحسن
سئل النسائي، ثنا سليمان بن عبد الرحمن التيمي، ثنا عتبة بن حماد بن
الحكم، ثنا مُنِيبْ بن مدرك الأودي عن أبيه عن جده قال:"رأيت رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجاهلية وهو يدعو الناس إلى التوحيد والإِيمان وهم يردون عليه
ويلقون التراب على وجهه حتى تعالى النهار، فأقبلت جارية تحمل قدحا
ومنديلًا فأخذ النبي- عليه السلام- القدح فغسل وجهه- يعني توضأ-
ومسح بالمنديل وجهه ثم قال: يابنية" (1) فذكر حديثًا طويلا قال ابن طاهر:
رواه أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي عن سليمان التيمي مختصرًا،
وعلونا فيه إليه. وحديث أبي مريم إياس بن جعفر بن الصلت عن فلان- رجل
من الصحابة- أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"كان له منديل أو خرقة يمسح بها
وجهه إذا توضأ"رواه النسائي في كتابه الكبير عن إبراهيم بن يعقوب
وسهل بن حماد، ثنا أبو عمرو، ثنا العلاء فأخبرني أبو مريم فذكره، وروى
مَشعَر عن سويد مولى عمرو بن حُريث"أن عليًا اغتسل فأتى بثوب/فدخل
فيه يعني تنشف به، وهذه رواية وكيع عن مسعود"ورواه أبو نعيم عن سُوَيد
مولى عمرو بن حُريث عن عمرو بن حُريث أنه:"أتى عليًا وقد اغتسل
فأخذ ثوبًا فلبسه أو قال دخل فيه"ذكرهما أبو بكر الإِسماعيلي في جَمعه
حديث مُسعَر، وقد اختلف الناس في التمندل: فأمّا ابن المنذر فذكر أنه أخذ
المنديل بعد الوضوء عثمان والحسن بن علي وأنس بن مالك وبشير بن أبي
مسعود، ورخّص فيه الحسن وابن سيرين وعلقمة والأسود ومسروق والضحاك،
وكان مالك والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي لا يرون به بأس،
وروينا عن جابر أنه:"كان إذا توضّأ لا يتمندل"وكره ذلك عبد الرحمن بن
أبي ليلى وابن المسيب والنخعي ومجاهد وأبو العالية وعن ابن عباس كراهيته
في الوضوء دون الغسل من الجنابة، ورخص فيها آخرون قال أبو بكر: ذلك
كلّه مباح، قال أبو عيسى: إنما كرهه من كرهه من قبل أنه قيل إن الوضوء
يوزن. روى ذلك عن ابن المسيب والزهري، ثنا محمد بن حميد، ثنا جرير،
__________
هـ
(1) صحيح. أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 21/61) وعزاه إلى"الطبراني"ورجاله ثقات.

(1/382)


حدّثنا علي بن مجاهد وهو عندي ثقة عن ثعلبة عن الزهري قال: إنما كره
المنديل بعد الغسل والوضوء؛ لأن الوضوء يوزن، وأما المنديل فنونه وياؤه
زائدتان وميمه مكسورة قاله الجوهري: تقول منه مندلت بالمنديل وتمندلت
وأنكرها الكسائي، وفي تاريخ الموصل: ثنا العلاء بن أيوب، ثنا سليمان بن
محمد بن حبان، ثنا يحيى بن عيينة عن حميد عن أنس فال عليه الصلاة
والسلام:"لا يتوضأ أحدكم موضع استنجائه فإن الوضوء يوضع مع
الحسنات" (1) .
وذهب أبو محمد إلى أنه يكره للمغتسل أن يتنشف في ثوب غير ثوبه،
ولا يكره ذلك في الوضوء، وتمندل بالمنديل لغة في مندل وتمدل تمدلت؛ لأن
المنديل مفعيل من مدلت يده يدك إذا أغمرت، فقيل: منديل لأنه يسمح به
ذلك ويقال: مندل في معنى منديل، وحكى ابن محيى فتح الميم قال:
واشتقاقه من الندم وهو الحرب، وأبو مرة اسمه زيد لزم عقلًا فنسب إليه وإنما
هو/مولى أم هانئ واسمها فاختة وصححه الكلاباذي، وقيل هند وقال
بعضهم: جمانة، قال أبو الحداد وهو خطأ إنما جمانة أمها، وهي شقيقة علي،
وفي ذلك نظر لأنّ أم علي لا خلاف في أن اسمها فاطمة إلَّا أن يكون
جمانة لقبًا، والله أعلم.
***
__________
(1) رواه ابن عدي في"الكامل": (7/2709) .

(1/383)


31- باب ما يقال بعد الوضوء
حدّثنا موسى بن عبد الرحمن، ثنا الحسن بن علي وزيد بن الحبُاب، ح
وثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو نعيم، وثنا إبراهيم بن نصر، ثنا أبو نعيم، ثنا زيد
العُمي عن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"من توضأ فأحسن الوضوء
ليشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ويشهد أن محمدًا رسول الله؛
فتح الله له ثمانية أبواب الجنة من أيّها شاء دخل" (1) . هذا حديث إسناده
ضعيف لضعف رواته زيد العمي المتقدّم الذكر، ولما ذكره البخاري الحاكم
شاهدًا ضعفه، وكذلك ابن أبي حاتم في علله حتى سأله أبا زرعة عنه وخرجه
ابن منده في كتاب الوضوء من تأليفه من حديث عمرو بن عبيد الله بن
موهب عن زيد حدّثنا علقمة بن عمرو الرواسي، ثنا أبو بكر بن عباس عن أبي
إسحاق عن عبد الله بن عطاء البجلي عن عقبة بن عامر الجهني عن عمر بن
الخطاب قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم
يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله؛ إلا فتحت له ثمانية
أبواب الجنة يدخل من أيها باب شاء" (2) هذا حديث خرجه أبو عيسى من
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 60- باب ما يقال بعد الوضوء،
(ح/469) .
في الزوائد: في إسناده زيد العمي وهو ضعيف.
قال السندي: قلت لكن أصل الحديث صحيح من حديث عمر بن الخطاب. رواه مسلم وأبو
داود والترمذي. كما رواه المصنف من رواية عمر أيضا. ولا عبرة بتضعيف الترمذي الحديث
في رواية عمر، كما نبه عليه، والعجب من صاحب الزوائد أنه اقتصر على كلام الترمذي مع
ثبوت الحديث في صحيح مسلم.
راجع: إتحاف (2/368) واللآليء (2/118) والحاوي (2/197) وأذكار (30) .
وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/105) ، والضعيفة (ح/4578) .
(2) ضعيف. رواه الترمذي (ح/55) من حديث عمر. وقال أبو عيسى: حديث عمر قد
خُولف زيد بن حُباب في هذا الحديث. قال: وروى عبد الله بن صالح وغيره عن معاوية بن
صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر عن عمر، وعن ربيعة عن=

(1/384)


حديث أبي إدريس وأبي عثمان عن عمرو قال: هذا حديث في إسناده
اضطراب، قال الدارقطني: ورواه عبد الله بن عطاء وقيل: عن ابن عطاء عن
سَعْد بن إبراهيم عن زياد بن مخراق عن شَهْر بن حَوشب ففسّر الحديث عند
شعبة لما فحص عنه، وفي كتاب العلل للحربي: ثنا المثنى عن معاذ قال: قلت
لأبي لم نهيت عن حديث عقبة بن عامر هذا من كتاب شعبة؟ فقال: سل
أنس بن النضر عنه، فسألته فقال: ثنا شعبة قلت لأبي إسحاق: ممن سمعت
حديث/عقبة هذا قال: من الأسود الذي يجالسنا، وذكر أسود ليس بشيء،
فسألت أسود فقال: سمعته من ابن المنكدر، فلقيت ابن المنكدر في الحج
فسألته فقال: حدّثني به زياد بن مخراق، فرجعت إلى البصرة فسألته فقال:
بلغني عن شهر ولا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب كبير شيء، وفيما
قاله نظر، لأنّ مسلفا- رحمه الله تعالى- ذكر في صحيحه: حدّثني
محمد بن حاتم، ثنا ابن مهدي، ثنا معاوية بن صالح عن ربيعة- يعني ابن
يزيد- عن أبي إدريس الخولاني- عن عقبة بن عامر، وحدّثني أبو عثمان عن
جبير بن نفير عن عقبة بن عامر قال: كانت علينا رعاية الإِبل فجاءت نوبتي
فروحتها بعشي، فأدركت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائمَا يحدّث الناس فأدركت من
قوله:"ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقول: ... فيصلى ركعتين
فيقبل عليها بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة" (1) قال: فقلت من الذي جوّد
هذه فإذا قال بين يدي يقول التي خلفها أجود، فنظرت فإذا عمر قال لي: قد
رأيتك أجبت آنفا، قال: ما منكم قال:"ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ-
أو يسبغ وضوءه- ثم يقول: أشهد أن لا أنه إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله
__________
= أبي عثمان عن جُبير بن نفير عن عمر.
وهذا حديث في إسناده اضطراب. ولا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب كبير شيء.
قال محمد: وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئًا.
قلت: وحديث أنس رواه ابن ماجة (1/89- 90) وأحمد في المسند (رقم 1328 ص 265)
وفي إسناده زيد العمي وهو صدوق تكلموا في حفظه.
(1) رواه أحمد في"المسند" (4/153) والكنز (18978) .

(1/385)


إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء". وثناه أبو بكر بن أبي
شيبة، ثنا زيد بن حُباب، ثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي
إدريس الخولاني وأبي عثمان عن جبريل بن نُفير عن عقبة به، ولما أخرجه أبو
عوانة في صحيحه بين أنّ معاوية بن صالح هو القائل وحدّثني ربيعة بن يزيد،
ولما أخرجه ابن منده قال: هذا حديث مشهور من طرق وعن عقبة وعن
عمر، والعجب من أبي عيسى في إخراجه حديث أبي إدريس وتركه حديث
غيره وهو قد سأل البخاري في كتاب العلل عن حديث أبي إدريس فقال:
هذا خطأ إنّما هو معاوية بن صالح عن ربيعة عن أبي إدريس عن عقبة عن عمر
ومعونة عن ربيعة عن عثمان عن جبير بن نفير عن عمرو وليس لابن إدريس
سماع من عمر، قلت: من أبو عثمان هذا؟ قال شيخ: لم أعرف/اسمه
فالذي يصححه يجد رواية أبي إدريس وأبي عثمان مرسله، ويأخذ بالزيادة في
إثبات عقبة بن عامر من أبي إدريس بن عمرو إثبات جبير بن نفير بين أبي
عثمان وعمر، فإن الأخذ بالزائد أولى، وفي علل أبيِ الحسن رواه عن عقبة
عن عمر أبو إدريس وجبير وليث بن سليمان الجهني وابن عمر زهير بن مَعْبد
ومحمد بن ثابت القرشي، وممطور والقاسم أبو عبد الرحمن وأبو الأحوص
حكم بن عُمير وحمير بن هلال وإن سمع من عقبة، وأحسن أسانيده ما رواه
معاوية عن ربيعة عن أبي إدريس وأبي عثمان من جبير عن عقبة وحديث
يحيى بن حمزة عن يزيد بن أبي مريم عن القاسم أبي عبد الرحمن عن عقبة
ليس به بأس أيضًا، ورواه يزيد بن أبي منصور عن دحيم أبي الهيثم عن عقبة
عن أبي بكر الصديق، وذكره ابن أبي عروة في مسند عقبة من تأليفه عن أبي
نعيم، ثنا خالد بن إياس عن صالح بن محمد بن زائدة عن عقبة، وذكره أبو
جعفر أحمد بن سنان في مسنده عن يعقوب بن محمد الزهري، ثنا إبراهيم بن
محمد بن ثابت، حدّثني أبي عن عقبة قال: وذكره أبو القاسم في الأوسط
بغير اللفظ الذي سقناه مطولًا من عقبة قال: جئت في اثني عشر راكبًا حتى
حللنا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال أصحابي من يرعى إبلنا وننطلق نحن نقتبس من النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا راح اقتبسنا ما سمع من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: أنا، ثم قلت في نفسي:

(1/386)


لعلي مغبون يسمع أصحابي ما لم أسمع، فحضرت يوما فسمعت رجلا يقول:
قال نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من توضأ وضوءَا كاملا ثم قام إلى صلاته قام من
خطيئته كيوم ولدته أمه"" (1) فتعجبت من ذلك فقال عمر بن الخطاب: فكيف
لو سمعت الكلام الآخر كنت أشدّ عجبًا، فقلت أزد علي جعلني الله فداك، فقال
عمر: إن نبي الله قال:"من مات لا يشرك بالله شيئًا فتحت له أبواب الجنة
الثمانية يدخل من أيها شاء"أو لها ثمانية أبواب؟ فخرج علينا نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فجلست مستقبله فصرف وجهه عني ثلاًثا، فلما كانت/الرابعة قلت: يا نبي الله
بأبي أنت وأمي لم تصرف وجهك عني، فأقبل علي فقال: أو أحدٌ أحب إليك أو
اثنا عشر، مرتين أو ثلاثًا، فلما رأيت ذلك إلى أصحابي" (2) فال أبو القاسم: لم
يروه عن الوضين- يعني: عن القسم أبي عبد الرحمن عن عقبة- إلا يحيى بن
حمزة، وأما قول الترمذي وفي الباب عن أنس وعقبة فقد أغفل حديثًا رواه ثوبان
مرفوعًا:"من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال. أشهد أن لا
أنه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، فتحت له أبواب
الجنة الثمانية فيدخل من أيّها شاء" (3) وفي الباب عن أنس وعقبة ذكره البزار في
كتاب السنن عن ابن مثنى عن شجاع بن الوليد، ثنا أبو سعد عن أبي سلمة عنه
وقال: لا يعلمه يروى عن ثوبان إلا من هذا الوجه، وفيما قاله نظر لما ذكره أنه
القاسم في الأوسط من حديث مسور بن دورع العنبري ثنا الأعمش عن سالم أبي
الجعد، عن ثوبان مرفوعًا بلفظ:"فساعة يفرغ من وضوءه يقول: أشهد أن لا أنه
إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من
المتطهرين" (4) الحديث. وهم، ولم يروه عن الأعمش إلا مسور، وحديثًا ذكره
__________
(1) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في المجمع (1/234) وعزاه إلى الطبراني في"الأوسط"وفي
إسناده القاسم أبو عبد الرحمن وهو متروك.
(2) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (1/23) وعزاه إلى الطبراني في
"الأوسط"وفي إسناده القسم أبو عبد الرحمن وهو متروك.
(3) صحيح. إتحاف (2/375) وبلفظ:"من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع بصره إلى السماء"
إتحاف (2/367، 368) واللآلئ (2/33) والحاوي (2/191) والمغني عن حمل الأسفار (1/
135) وابن السني (29) . وصححه الشيخ الألباني في: الإرواء (1/135) بشواهده.
(4) صحيح. تقدم. ورواه الترمذي في: أبواب الطهارة، باب"41"، (ح/55) .=

(1/387)


النسائي في كتاب اليوم والليلة من حديث يحيى بن أبي كثير أن غسان عن شعبة
عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا أنه إلا أنت
أستغفرك وأتوب إليك؛ كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة" (1)
ثم رواه عن ابن بشار عن محمد بن شعبة عن أبي هاشم سمعت أبا مجلز يُحدث
عن قيس بن عباد عن أبي سعيد قال: ما من مسلم موقوفا، وفي مسائل أخرى
يحدث، ثنا شعبة عن منصور، ثنا هشيم عن أبي هاشم فذكره مرفوعا بلفظ:"من
توضأ فقال عند فراغه ... ثم قال: طبع على قلبه، فيرفع تحت العَرش فلا يقضي إلى
يوم القيامة"وقال: لم يرو هذا/الحديث مرفوعا عن شعبة إلا يحيى، وفي فوائد
المزكي تخريج الدارقطني حدث روح بن القاسم عن أبي هاشم مرفوعا بلفظ:"من
توضأ ففرغ من وضوءه فقال: سبحانك اللهم وبحمدك"الحديث. قال: غريب
عن روح تفرد به عيسى بن شعيب عن روح، وفيه رواه ابن منده في كتاب الوضوء
بزيادة البسملة في أوله، وقد تقدّم ذكره، وحديث ذكره الإِسماعيلي في جمعه
حديث الأعمش من حديث سعيد بن عثمان قال: حدّثني عمرو بن شمر عن
سليمان عن شقيق عن عبد الله قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إذا فرغ أحدكم من
طهوره فليشهد أن لا أنه إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويصلي علي فأنه إذا فعل
ذلك فتحت له أبواب الجنة السبعة"ورواه أيضا أبو نعيم الحافظ في تاريخه (2) من
حديث يحيى بن هاشم الغساني وهو متروك، ثنا الأعمش بزيادة:"إذا تطهر
أحدكم فليذكر الله؛ فأنه يطهر جسده كلّه فإن لم يذكر أحدكم اسم الله على
طهره لم يطهر إلا ما مرّ عليه وإذا فرغ ... " (3) الحديث. ولما ذكره أبو موسى في
__________
= قال الترمذي:"وهذا حديث في إسناده اضطراب. ولا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا
الباب شيء. قلت: وصحة هذا الحديث بشواهده. انظر: الإرواء (1/135) .
(1) صحيح. أورده ابن حجر في تلخيص الحبير (1/101) والترغيب (1/172) والمجمع (1/
239) وعزاه إلى الطبراني في"الأوسط"ورجاله رجال الصحيح إلا أن النسائي قال بعد تخريجه
في اليوم والليلة: هذا خطأ والصواب موقوفا، ثم رواه من رواية الثوري وغندر عن شعبة موقوفا.
(2) ضعيف جدا. تاريخ أصفهان: (1/198) .
(3) ضعيف جدا. رواه البيهقي في"الكبرى" (1/44) والدارقطني في"سننه" (1/73) ونصب
الراية (1/7) وإتحاف (2/369) .

(1/388)


كتاب الترغيب والترهيب قال: هذا حديث مشهور له طرق عن عمر وعقبة وثوبان
وأنس، وليس في شيء منها ذكر الصلاة إلا في هذه الرواية، وحديث ذكره أبو
الحسن البغدادي من حديث صالح بن عبد الجبار ثنا ابن السلماني عن أبيه عبد
الرحمن بن السلماني عن عثمان بن عفان يرفعه:"من توضأ فقال هكذا"ولم
يتكلم ثم فال: أشهد أن لا أنه إلا الله" (1) الحديث وفيه"غفر الله له ما بين
الوضوءين". وفي مسند عثمان للقاضي أحمد بن علي:"من توضأ فغسل يديه
ثلاثًا ثم تمضمض ثلاثًا واستنشق ثلاثا وغسل يديه ثلاثًا إلى المرفقين ثلاثا ومسح
رأسه ثم غسل رجليه" (2) الحديث رواه عن القواريري ثنا محمد بن الحرب الحارس
عبيد بن محمد بن عبد الرحمن السلماني، وأما الدعاء عند غسل كل عضو
فمروى عن علي عن النبي من طرق وفي كلّها ضعفاء ومجاهيل، وفي بعضها مع/
ذلك انقطاع. ذكر منها ابن عساكر طرفا في أماليه وابن الجوزي والله أعلم، ولما
دخلت حمص سنة تسع وسبع مائة أفادني بعض الفضلاء جزءًا من الحديث لا
أدري الآن من مخرّجه ولا ما سنده فيقال: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"كان يقرأ بعد فراغه
من وضوءه سورة القدر ثم يرفع رأسه فيقول: أشهد أن لا أنه إلا الله" (3) الحديث.
***
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/239) وعزاه إلى"أبى يعلي"وفيه
محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني وهو مجمع على ضعفه.
(2) ضعيف. المسانيد، (2/12) والترغيب (1/872) والكنز (1/1999) والمجمع (1/239)
وعلقنا عليه في الحاشية السابقة.
(3) سقطت بعض ألفاظ هذا الحديث من"الأولى"وأثبتناها في"الثانية". [

(1/389)


32- باب الوضوء في الصفر
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن الماجشون
ثنا عمرو بن محيى عن أمه عن عبيد الله بن زيد صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
"أتانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخرجنا له ماءً في ثور من صُفر فتوضأ به"هذا
حديث خرجه البخاري (1) وخرج مسلم أصله ولم يذكر الثور. حدثنا يعقوب
ابن حميد بن كاسب، ثنا عبد العزيز محمد الدراوردي عن عبيد الله بن عمر
عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جحش عن أبيه عن زينب بنت جحش
أنه كان لها مُخضَبٌ من صُفر قالت:"كنت أرجل رأس رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (2) هذا حديث إسناده صحيح إبراهيم وثقة ابن حبان وأبوه محمد روى
عنه أيضًا مولاه أبو كبير، وقال ابن أبي حاتم له صحبة، قتل أبوه يوم أحد
وهو غير مطابق لما ترجم له أبو عبد الله، والذي رواه أحمد في مسنده مطابق
فكان أولى بالذكر قالت:"كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ في مخضب من صفر" (3)
لفظه في الإِفراد:"توضأ النبي في مخضبي هذا مخضب من صفْر"ورواه
من حديث الدراوردي عن إبراهيم بن محمد عن أبيه عنها وعن الدراوردي
عن إبراهيم بن عبد الله بن جحش عنها، وفال: اختلفنا في إسناده وهو
حديث غريب تفرد به الدراوردي عن عبيد الله بن عمر ولفظه عند أبي عبيد:
"أن زينب كانت تغسل رأس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مخضب من صفر"قال/
العمري: وقد رأيت ذلك المخضب. حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن
محمد قالا: ثنا وكيع عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن أبي زرعة بن
__________
(1) صحيح. رواه البخاري في (الوضوء، باب"45") وابن ماجة (471) .
وذكره الشيخ الألباني في"صحيح ابن ماجة".
(2) صحيح. رواه مسلم في (اللباس، ح/76) والفتح (1/401، 10/368) وأبو عوانة
(1/312) والكنز (27456) وتمام لفظه:
"كنت أرجل رأس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا حائض".
(3) ضعيف. رواه أحمد (6/324) والتاريخ الكبير (1/320) .

(1/390)


عمرو بن جرير عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"توضأ في ثور" (1) هذا
حديث إسناده صحيح، وهو غير مطابق؛ إذ الثور يكون من غير الصفر والله
أعلم، وفي الباب أيضا حديث عائشة قالت:"كنت أغتسل أنا ورسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثور من شبّه" (2) ذكره أبو داود وفي صحيح ابن خزيمة من حديثها
أيضًا قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي مات فيه:"صبوا علي
من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن قالت: فأجلسناه في مخضب لحفصة من
نحاس وسكبنا عليه الماء" (3) الحديث. وقال: ثنا محمد بن يحيى سمعت
عبد الرزاق يذكر عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة نحوه غير أنه لم
يقل من نحاس حين حمل الحديث عن عروة، ولا شك. وفي كتاب البيهقي
عن عائشة من طريق فيها ضعف ولكنها متصلة قالت:"كنت أغتسل أنا
والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثور من شبه"وذكره أبو داود من طريق منقطعة وفي الأوسط
عن جابر:"توضأ عليه السلام في طست فأخذته فصببته في زير لنا"وقال:
لا يروي عن جابر إلا بهذا الإِسناد أبن المبارك، أنا عمر بن سمكة بن أبي
مزيد المديني عن أبيه عن جابر تفرّد به ابن المبارك وأخرجه الحاكم، وقال:
صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وفي كتاب الطهور لأبي عبيد بن
سلام: نا ابن أبي عدي عن ابن عون عن ابن سيرين قال:"كانت الخلفاء
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (1/251) وعزاه إلى"البزار"وهو في
الصحيح خلا قوله:"ثم أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ"ورجاله رجال الصحيح خلا
شيخ البزار.
ورواية الصحيح: له شواهد صحيحة بنحوه.
ورواه مسلم في (الحيض، ح/90) والترمذي (79) والنسائي في (الطهارة، باب"121")
وأحمد (1/366، 2/265، 389، 427، 479، 503) .
(2) صحيح. رواه الحاكم في"المستدرك": (1/169) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه أحمد (6/151، 228) والبيهقي (1/31) وإتحاف (10/287) وابن
خزيمة (258) والفتح (10/240) وعبد الرزاق (179) والكنز (18842، 32195) والمغنى
عن حمل الأسفار (1/262) وابن عدي (6/2438) والمجمع (9/42) وإسناده حسن. وعزاه
الطبراني في"الأوسط"و"الكبير"باختصار.

(1/391)


يتوضئون في طست في المسجد"وعن الحسن قال:"رأيت عثمان يصب
عليه من إبريق"وعن عبد الرحمن بن أبي الموالي قال: حدّثني حسن بن
علي بن محمد بن علي ورأيته يتوضأ في ثور فذكر وضوؤه، ثم قال: أخبرني
أبي عن أبيه: أنّ عليَا كان يتوضأ، هكذا قال أبو عبيد وعلى هذا أمر الناس
في الرخصة والتوسعة في الوضوء في آنية النحاس وأشباهه من الجواهر يروي
عن ابن عمر من الكراهة،/ثنا حجاج عن شعبة عن عبد الله بن جبر
الأنصاري قال: جاء ابن عمر إلى بني عبد الأشهل فطلب وضوءا فأتيته بثور
من ماء فقال: رده وأتني به في قصعة أو ركوة، وفي كتاب الأشراف: توضأ
أنى بن مالك في طست، ورخص كثير من أهل العلم في ذلك، وبه قال
الثوري وابن المبارك والشافعي، وما علمت أبي رأيت أحدًا من أهل العلم كره
الوضوء في آنية الصفر وكذا الرصاص والنحاس وما أشبهه، وبه نقول،
والأشياء على الإِباحة، وليس يحرم فا هو مباح. موقوف على ابن عمر.
وكان الشافعي وإسحاق وأبو ثور يكرهون الوضوء في آنية الذهب والفضة وبه
نقول، ولو توضأ فيه متوضئ أجزأه وقد أساء، وحكى عن أبي حنيفة أنه كان
يكره فيها الأكل والشرب في آنية الفضة، وكان لا يرى بأسًا بالمفضّض، وكان
لا يرى بالوضوء منه بأسًا، وفي قوله: ما علمت أحدًا كره الوضوء في آنية
الصفر والنحاس وآلات الصفر هو النحاس، وفى قول أبي عبيدة ثنا علي بن
إبراهيم عن ابن عمر نظر لما ذكره في الأشراف عن معاوية أيضا، وأمّا الصّفر:
فهو النحاس بالضم حكاه ثعلب في فصيحه، وروى المطرّز عنه: النّاس كلّهم
يقولون صفر وأبو عبيدة يكسره يعني الصاد وقال ابن درستويه: سُمّى النحاس
صفرا لصفرته، والذي يصنع بالنوشادر ويقال له الشبه؛ لأنه يشبه الذهب. وفي
الجامع هو النحاس الجيد والمخصب المزكن وهي الإِجانة التي يغسل فيها
الثياب. كذا في الصحاح وفى الغريب شبه المزكن، والله أعلم.

(1/392)


33- باب الوضوء من النوم
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، ثنا وكيع ثنا، الأعمش عن
إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت:"كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام حتى ينفخ
ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ" (1) قال الطنافسي: قال وكيع: تعني وهو ساجد،
هذا حديث إسناده على شرط الشيخين،/حدّثنا عبد الله بن عامر بن زرارة ثنا
يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن حجاج عن فضل بن عمرو عن إبراهيم عن
علقمة عن عبد الله:! أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نام حتى نفح ثم قام فصلى"هذا
حديث إسناده صحيح على شرط مسلم، ولفظ أبي عبيد الله أحمد بن إبراهيم
الدورقي في مسند ابن مسعود:"كان عليه السلام ينام وهو ساجد، وكنا
نعرف ذلك بنفخه، ثم يقوم فيمضي في صلاته" (2) ورواه محمد بن
الصلت بن منصور بن أبي الأسود عن الأعمى عن إبراهيم، ثنا سعيد بن
سليمان، ثنا ابن أبي زائدة بن حجاج عن فضل- يعني العصبي- عن إبراهيم
نحوه، قال حجاج: فسألت عطاء فقال النبي- عليه السلام-:أليس
كغيره"ولما ذكره في الأوسط وقال: لم يروه عن الأعمى إلا منصور، وفي
إسناد الدارقطني علي أبي محمد السمعي، ثنا أحمد بن الحسن، ثنا عبد
الجبار، ثنا أبو خيثمة عن محمد بن حازم عن حجاج عن حماد عن إبراهيم
عن علقمة عن عبيد الله:"كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام مستلقيًا حتى ينفخ ثم يقوم
فيصلي ولا يتوضأ" (3) . حدّثنا عبد الله بن عامر بن زرارة، ثنا ابن أبيِ زائدة
عن حريث بن أبي مطر عن يحيى بن عباد أبي هبيرة الأنصاري عن سعيد بن
جبير عن أبن عباس قال: كان نومه ذلك وهو جالس، كذا فيما رأيت من
النسخ، وفي الأطراف لأبي القاسم زيادة من نفس السنن- يعني النوم الذي
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/474) وأحمد في"المسند" (6/135) وابن أبي شيبة في
"المصنف" (1/132) والكنز (17852) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) ضعيف. رواه ابن أبي شيبة في"المصنف" (1/133) والكنز (27137، 27177) .
(3) صحيح. رواه أحمد (1/426) والمجمع (8/266) وعزاه إلى"أبي يعلي"و"البزار"،
ورجال أبي يعلي رجال الصحيح.

(1/393)


لم يتوضأ منه- ولما رواه أبو القاسم في الأوسط من حديث أبي هريرة عن ابن
المسيب عن أبن عباس:"أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نام وهو قاعد ثم قام فصلى ولم
يتوضأ"قال: لم يروه عن أشعث عن أبي هريرة عن سعيد إلا شريك 0
ورواه غيره عن أشعث عن أبي هريرة عن ابن جبير، وفي موضع آخر
"فأخر العشاء حتى نام القوم واستيقظوا وهو ساجد، ثم ناموا واستيقظوا فصلى
بهم ولم يذكر أنهم توضئوا" (1) وقال: لم يروه عن يونس بن عبيد/العمي
عن عطاء عنه إلا حماد بن مسلمة تفرّد به يونس المؤذن وابن عائشة، رواه عن
محمد بن الصلت ثنا منصور بن أبي الأسود عن الأعمى عن إبراهيم ثنا
سعيد بن سليمان، ثنا ابن أبي زائدة، ثنا حجاج عن فضيل- يعني الفقيمي-
عن إبراهيم نحوه قال: حجاج فسألت عطاء فقال النبي عليه السلام ليس
كغيره. وفي الدارقطني على أبي محمد السمعي، ثنا أحمد بن الحسن بن عبد
الجبار، ثنا أبو خيثمةْ عن محمد بن حازم عن حجاج عن حماد عن إبراهيم
عن علقمة عن عبد الله بن دينار:"كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام مستلقيًا حتى ينفخ
ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ" (2) وهو حديث ضعيف لضعف رواته، وحريث
أبي عمر أحد الحفاظ فأنه ممن قال فيه البخاري، فيه نظر وفي رواته عنه ليس
عندهم بالقوي، وقال عمرو ابن علي: لم أسمع يحيى ولا عبد الرحمن
يحدثان عنه ابني قط وهو حديث ابن عمرو وهو ضعيف الحديث بأبي عبيدة
الضبي وعبد الأعلى الجرار وانظاره وبنحوه، قال أبو حاتم الرازي وابن عدي:
وفي مسند الإِمام أحمد بن حنبل ثنا حميد عن عبد الله بن عبيد عن رجل
قال:"رأيت نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نام حتى نفخ ثم قام فصلى ولم يتوضأ" (3)
__________
(1) رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 57- باب ما جاء في الوضوء من النوم، (ح/57) .
قال: وفي الباب عن عائشة، وا بن مسعود، وأبو هريرة. ورواه أحمد (رقم 2315 ج 1 ص 256) وأبو
داود (1/80) والبيهقي (1/121) كلهم من طريق عبد السلام بن حرب.
قلت: ولم يحكم الترمذي على هذا الحديث بشيء من صحة أو ضعف.
(2) تقدم وهو حديث ضعيف. ص 393
(3) صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (8/266) وعزاه إلى "أحمد"وإسناده
جيد.

(1/394)


وسئل عمن نام وهو جالس فقال: يعيد وضوءه، ذكره في تاريخ الموصل من
جهة المغيرة بن زياد عن أبي رباح عنه، وقال يحيى بن معين: لا شيء، وفى
رواية ضعيف، وقال النسائي: متروك الحديث، وكذا قاله علي بن الجنيد
وقال الحربي في كتاب العلل: ليس هو حجة، وذكره العقيلي في كتاب
الضعفاء، وقال الساجي: ضعيف الحديث عنده مناكير، ومَعْنى حديثه هذا في
صحيح مسلم بل هو واضح في الدلالة من حديث ابن عباس قال:"بت
عند خالتي ميمونة فقلت لها: إذا قام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأيقظيني، فقام رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقمت إلى جنبه الأيسر فأخذ بيدي فجعلني في شقه الأيمن، فجعلت
إذا أغفيت يأخذ سخمة أذني، قال: فصلى إحدى عشرة ركعة، ثم أجبني
حتى أني لأسمع نفسه زائدًا، فلما/تبيّن له الفجر فصلى ركعتين خفيفين" (1)
وقد ورد في نوم القاعد غير ما حديث، من ذلك حديث ابن المبارك: ثنا معمّر
عن قتادة عن أنس قال:"لقد رأيت أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوقظون
للصلاة حتى أني لأسمع غطيطا، ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون" (2) قال
ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس: قال الحافظ البيهقي: وعلى هذا جملة
عبد الرحمن ومهدي والشّافعي، وهو محتمل لما قالوه، لكن وردت زيادة تمنع
من هذا التأويل، ويردّه على من أوله ذكرها أبو محمد بن حزم مصححًا لها،
وذكرها أيضًا أبو الحسن ابن القطان من رواته يحيى بن سعد القطان عن سعيد
عن قتادة عن أنس:"أنّ أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينتظرون الصلاة فيضعون
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: كتاب الصلاة، 27- باب في صلاة الليل، (ح/1374) .
ولفظه:
"بت عنده ليلة وهو عند ميمونة فنام حتى إذا ذهب ثلث الليل أو نصفه استيقظ فقام إلى شن
فيه ماء فتوضأ وتوضأت معه، ثم قام فقمت إلى جنبه على يساره فجعلني على يمينه، ثم وضع
يده على رأسي كأنه يمس أذني كأنه يوقظني، فصلّى ركعتين خفيفتين قد قرأ فيهما بأم القرآن
في كل ركعة، ثم سلْم، ثم صلْى حتى صلّى إحدى عشرة ركعة بالوتر، ثم نام، فأتاه بلال
فقال: الصلاة يا رسول الله، فقام فركع ركعتين، ثم صلى بالناس".
انظر، الصحيحة: (2/498) .
ورواه الترمذي: (ح/78) وقال:"هذا حديث حسن صحيح".
(2) قوله:"ولا يتوضؤن "سقطت من"الأصل"وكذا أثبتناه.

(1/395)


جنوبهم، فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة " قال قاسم بن أصبغ: ثنا
محمد بن عبد السلام الخشني، ثنا ابن بشار ثنا يحيى بن سعيد فذكره، وهو
كما نرى صحيح من رواية إمام عن سعيد فأعلَّه. ورواه البزار (1) من حديث
أبو عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أنس:" أنّ أصحاب النبي- عليه
السلام- كانوا يضعون جنوبهم فمنهم من يتوضأ ومنهم من لا يتوضأ"وقال
ابن المنذر: حديث ابن عباس يعني هذا لا يثبت، وفي كتاب ابن عدي من
حديث محمد بن مسلم الطائفي عن قتادة عن أنس قال:"كنا ننام في
مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا نُحْدِثُ لذلك وضوءَا" (2) وقد أكد حديث سعيد ما
في الصحيح من حديث ابن عباس ونومه عند النبي عليه السلام قال:"ثم
اضطجع فنام حتى نفخ"ولكن قد قال هو:"إنّ عيني تنامان ولا ينام
قلبي" (3) وقال سفيان: هذا للنبي خاصة أو كذا قاله عكرمة فعلى هذا لا
حجة فيه على التأكيد، وقد روى ذلك عن عائشة وأنس وجابر وأبو هريرة،
وقد روى يزيد بن أبي زيادة وهو منكر الحديث عن مقسم عن ابن عباس
قال: وجب الوضوء على كلّ نائم إلا من خفق خفقة برأسه، قال البيهقي:
هكذا رواه جماعة عن يزيد موقوفَا، وروى ذلك مرفوعا ولا يثبت رفعه/. وقال
ابن المنذر: حديث ابن عباس هذا لا يثبت، قال الأثرم: قال أبو عبد الله
عند ذكر حديث عبد الأعلى يضعون جنوبهم ما في هذا أحسن من حديث
أنس:"كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون"
هكذا قال شعبة، وقال هشام: يخفقون برؤوسهم، وقال ابن أبي عروبة:
فيضعون جنوبهم وتبسم أبو عبد الله ثم قال: هذا مرّة يضعون جنوبهم، وفي
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (1/248) من حديث أنس، وعزاه إلى
"البزار"ورجاله رجال صحيح.
(2) ضعيف. رواه ابن عدي في"الكامل": (6/2219) .
(3) صحيح. متفق عليهِ. رواه البخاري (2/67) ومسلم في (صلاة المسافرين، ح/125)
والنسائي (3/234) والترمذي (439) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد (4/106)
وابن خزيمة (49) وتلخيص (3/135) ومشكل (4/353) واستذكار (1/99) والشمائل
(144) والشفا (1/189، 2/349، 409) والتمهيد (5/208، 209، 6/392، 393) .

(1/396)


السنن أيضًا من حديث أبي الجعد: ثنا شعبة عن الجُريري عن خالد بن علاثة
عن أبي هريرة قال:"من استحق النوم فقد وجب عليه الوضوء" (1) وفي
لفظ:"فسألناه عن استحقاق النومْ فقال: هو أن يضع جنبه"قال البيهقي.
وروى ذلك مرفوعا ولا يصح، وفي كتاب أبي داود عن أنس قال:" كان
أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم ثم
يصلون ولا يتوضئون" (2) قال أبو داود: وزاد فيه سعيد عن قتادة قال: على
عهد النبي- عليه السلام- وفي رواية معمر عن قتادة:"حتى أني أسمع
لأحدهم غطيطًا"وفي رواية كتاب الترمذي من حديث عبد السلام بن حرب
عن خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس:"أنه رأى رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نام وهو ساجد حتى غطّ أو نفخ ثم قام فصلى، فقلت: يا رسول
الله، إنك قد نمت، قال: إنّ الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعا فأنه
إذا اضطجع استرخت مفاصله" (3) ، قال أبو عيسى: رواه سعيد عن أبي
عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله: ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه، ولما
ذكره دعلج في مسند ابن عباس من تأليفه، قال: سمعت موسى بن هارون
__________
(1) شاذ لا يصح."غرائبً شعبة" (2/148) والبغوي في"الجعديات" (7/1/69) ومن
طريقه البيهقي (1/119) . وعلي بن الجعد ثقة ثبت، وقد تابعه ثقات، فقال ابن أبي شيبة في
"المصنف" (1/2/39) : حدثنا هُشيم وابن عُلَية عن الجريري عن خالد بن غِلاف القيسي عن
أبى هريرة قال: فذكره موقوفا عليه. ولعله الصواب. وزاد ابن علية، قال الجريري: فسألنا
عن استحقاق النوم؟ فقالوا:"إذا وضع جنبه".
انظر: الضعيفة (ح/954) .
(2) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 79- باب الوضوء من النوم، (ح/
قوله:"تخفق"خفق يخفق- من باب ضرب يضررب- يقال: خفق برأسه، إذا أخذته
سنة من النعاس فمال برأسه دون جسده.
(3) منكر. رواه الترمذي (ح/77) وأبو داود (ح/202) قلت: وقد سبق أن وضحنا أن
الترمذي لم يعلّق على هذا الحديث بالحسن أو غيره. ولكن قال أبو داود عقب حديثه:
"الوضوء على من نام مضطجعا"هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن
قتادة. وقال: وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاما له، وقال:
ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة؟ ولم يعبأ بالحديث.

(1/397)


يقول: هذا حديث منكر لا نعلم أحدا رواه إلا الدالانى؛ ولما رواه أبو داود
قال: قوله:"الوضوء على من نام مضطجعَا"هو منكر لم يروه إلا الدالاني
عن قتادة، وروى له جماعة عن ابن عباس لم يذكروا شيئا من هذا، وكان
النبي- عليه السلام- محفوظًا في نومه، وقال شعبة: إنّما سمع قتادة من أبي
العالية أربعة أحاديث/بحديث يونس بن مَتَّى، وحديث ابن عمر في الصلاة
وحديث:"القضاة ثلاثة ... " (1) ، وحديث ابن عباس قال: وذكرت
حديث يزيد للإِمام أحمد فقال: ما للدلاني يدخل على أصحاب قتادة، بهذا
الحديث، قال البيهقي: يعني به أحمد ما ذكره، وقاله في التفرّد وقال أبو
داود: لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية ولم يجئ به إلا يزيد، قال
البيهقي: يعني به أحمد ما ذكره البخاري من أنه لا يعرف لأبي خالد بسماع
من قتادة، ولما ذكره أبن أبي داود في كتاب الطهارة من السنن قال: هذا
حديث معلول لم يسمع قتادة من أبي العالية إلَّا أربع أحاديث معروفة ليس
هذا منها وهذا مرسل من قتادة، وأبى العالية يحتاج وصل آخر، وهذه سنة
تفرد بها أهل البصرة وحفظها أهل الكوفة من صحة، وفي كتاب العلل لأبي
عيسى الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: هذا لا شيء رواه ابن
أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله: ولم يذكر فيه أبا العالية، ولا نعرف
لأبي خالد سماعَا من قتادة، وفال الدارقطني: تفرّد به الدالاني ولا يصح،
وقال البيهقي: وأمّا هذا الحديث فقد أنكره على ابن أبي خالد جميع الحفاظ،
وقال الخزرجي في كتاب تقريب المدارك: حديث أبي العالية هذا منكر، وليس
بمتصل الإسناد وأما ردّ ابن حزم هذا الحديث بعبد السلام بن جرير فغير
صواب؛ لأنه ممن زيَّفه جماعة، وخرج الشيخان حديثه في صحيحيهما، وقول
__________
(1) صحيح. رواه البيهقي في"الكبرى" (10/116، 117) والمجمع (4/193، 195) وعزاه
إلى الطبراني في"الأوسط"و"الكبير"ولفظه:"قاض قضى بالهوى فهو في النار، وقاض
قضى بغير علم فهو في النار، وقاض قضى بالحق فهو في الجنة".
وشرح السنة (10/94) والترغيب (3/155) والفتح (13/319) والمشكاة (3735) وتلخيص
(4/185) وابن عساكر في"التاريخ" (7/309) والخفاء (2/144) . وتمام لفظ الحديث:
"عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: القضاة ثلاثة: واحد
ناج واثنان في النار من قضى بالجور أو بالهوى هلك، ومن قضى بالحق نجا".

(1/398)


من قال أنه تفرّد بهذا اللفظ- أعني الدالاني- نظرا لما يذكره من متابعة
يعقوب بن مقاتل له بعد. والله أعلم، وفي الاستذكار حديث أبي خالد هذا
عند أهل الحديث منكر لم يروه غير أبي خالد عن قتادة؛ ولما ذكر ابن الجوزي
في التحقيق كلام الدارقطني، قال: قد ذكرنا مذهب المحققين أثناء قول أنَّى
وقف الحديث احتياطا وليس هذا. بشيء، وقول الدارقطني: لا يصح لأنه
دعوى بلا دليل وقد ذكرت هذا الحديث مستوفيا العلل في كتابي المسمى
بالسنن في الكلام على أحاديث السنن ولله الحمد والمنّة.
/وفي كتاب الدارقطني من حديث يعقوب بن عطاء. وهو ضعيف عند
أحمد وابن معين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال:"من نام جالسا فلا وضوء عليه ومن وضع جنبه فعليه الوضوء" (1)
وذكره ابن عدي في كامله من حديث مقاتل بن سليمان المتهم بالوضع عند
النسائي عنه، وفي التاريخ نيسابور من حديث الجارود بن يزيد عن أبي زيد
عن الزهري عن ابن المسيب عنه يرفعه:"الوضوء من سبعة أقطار: البول
والدم السائل والقئ، ومن دسعه علا بها الفم والنوم المضطجع والرجل
في الصلاة، ومن خروج الدم" (2) وفي الكاهل أيضا من حديث معاوية بن
يحيى وهو واهي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة:"إذا وضع
أحدكم جنْبه فليتوضأ" (3) ، قال الجوني: هذا حديث هو منكر وفيه من
حديث فرعة ابن سويد عن يحيى بن كثير وهو منكر الحديث عن ميمون
الحفاظ عن أبي عياض عن حذيفة بن اليمان قال."كنت في مسجد المدينة
جالسا أخفق واحتضنني رجل من خلفي فالتفت فإذا النبي- عليه السلام-
فقلت: يا رسول الله هل وجب علي وضوء قال: لا حتى تضجع جنبك" (4)
__________
(1) ضعيف جدا. رواه ابن عدي في (الكامل" (6/2431) والدارقطني (1/161) والقرطبي
(5/223) . (2) "الكامل"لابن عدي: (6/2431) .
(3) منكر. رواه ابن عدي في"الكامل": (6/2396) .
(4) ضعيف جدا. العقيلي: (2/75) . وأورده الهيثمي في ترجمة: زيد بن عياض أبو عياض
البصري. قال العقيلي: هذا حديث غير محفوظ.

(1/399)


قال البيهقي تفرّد به بحر السقا وفيه أيضًا حديث ابن عباس مرفوعًا:"وجب
الوضوء على كل نائم إلا من خفق برأسه خفقة أو خفقتين" (1) قال
الدارقطني: إنما يروى عن ابن عباس من قوله قد تقدّم: حدّثنا محمد بن
المصفى الحمصي، ثنا بقية عن الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن
عبد الله بن عائذ الأودي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
"العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ" (2) هذا حديث لما ذكره الساجي في
كتاب الضعفاء في ترجمة الوضين قال: عنده حديث واحد منكر وذكر هذا
ثم قال: ورأيت أبا داود يدخل هذا الحديث في كتاب السنن ولا أراه وضعه
إلا وهو صحيح عنده، ولما سئل أحمد عن هذا الحديث وحديث معاوية قال:
حديث علي أثبت وأقوى، وفي الخلافيات نحوه، ولما ذكره أبو محمد
الفارسي قال: هذا أثر ساقط،/قال أبو الأشبل: حديث علي ليس بمتصل،
وقال ابن القطان: هو كما قال ليس بمتصل، ولكن بقى عليه أن يبيّن أنه من
رواية بقية وهو ضعيف عن الوضين وهو واهي، وقد أنكر عليه هذا الحديث
نفسه عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ وهو مجهول الحال عن
علي، ولم يسمع منه فهذه ثلاث علل سوى الإِرسال كل واحدة تمنع من
تصححه مسندًا كان أو مرسلًا، وفيما قاله نظر حيث قال: عن ابن عائذ
مجهول الحال وليس كذلك؛ فأنه لا يحتاج إلى معرفة حاله ولا الكشف عنها
لكونه صحابيًا مشهورًا بذلك قد ذكره في الصحابة جماعة منهم البغوي بن
بنت منيع وأبو نعيم الأصفهاني والعسكري، وقال: كان من أصحاب
النبي- عليه السلام- وأصحاب أصحابه، وكان من حملة العلم، وذكر له
حديثًا فيه سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:"لو حلفت يمينًا لبَررْت أنه لا يدخل
__________
(1) رواه الطبراني (8/290) بلفظ:"الوضوء على من نام". واستذكار (1/190) بلفظ:
"الوضوء على من نام مضطجعا".
(2) ضعيف. رواه ابن عدي في"الكامل": (7/2551) . وأدخله أبو داود في كتابه
"السنن" ولم يضعف إسناده. وفي"الخلافيات"بنحوه. ولكن وهى إسناده بالانقطاع غير
واحد، وبه بقية وهو ضعيف. قلت: بالإضافة إلى علة الإرسال.

(1/400)


الجنة قبل الرعيل الأول من أمتي قبل خمسة عشر إلا إبراهيم وإسماعيل
وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وموسى ومريم ابنة عمران" (1) ، وقال أبو
عمر بن عبد الله، ويقال عبد بن عبد أبو الحجاج اليماني، ويقال عبد الله بن
عائذ من الأزد يُعدّ في الشاميين حديثه عند بقية بن الوليد، لما ذكره ابن
حبان في كتاب الثقات قال.: يقال أن له صحبة، قاله صفوان بن عمرو
السكسكي وفي قول الأشبيلي حديث على ليس بمتصل فيه نظر إن أراد
الحديث الذي من رواية عبد الرحمن، فمسلم على أن ابن حبان ذكر أنه روى
عن علي قال: وقد قيل أنه لقى عليا روى عنه أهل الشام وإن أراد نفس
الحديث فغير مسلم لما أسلفناه من رواية غير عبد الرحمن والله أعلم، وفي
رواية البيهقي من حديث بقية عن أبي بكر بن أبي مريم في عطية بن قيس عن
معاوية قال عليه السلام:"العين وكان السه، فإذا نامت العين استطلق
الوكاء" (2) قال: ورواه مروان بن جناح والوليد بن مسلم عن عطية عن
معاوية موقوفا والوليد ومروان/ْ أثبت من أبي مريم، وبمثله قاله ابن عدي في
الكامل، ولما ذكره في الخلافيات من حديث ابن عباس وأبي هريرة قال:
حديث علي الذي يرويه الوضين أثبت منه في هذا الباب وقال: أبو عمر بن
عبد البرّ وأبو محمد حديث علي ومعاوية ضعيفان، زاد أبو عمر: ولا حجة
فيهما من جهة النقل، ولما رواه عبد الله بن أحمد وجاده في كتاب أبيه
بخط يده قال: كان في المحنة، وقد ضرب على هذا الحديث في كتابه، ولما
سأل ابن أبي حاتم إياه وأبا زرعة عن حديث علي ومعاوية قالا: ليسا بقويين
ولما ذكره ابن أني داود في سننه من حديث الوليد بن أني مريم عن عطية قال:
هذه سنة تفرد بها أهل حمص، قال ابن الجوزي: فيهما مقال. حدّثنا أبو
__________
(1) المنثور: (1/140) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/477) والبيهقي في"الكبرى" (1/118) ونصب الراية (1/
46) والدارقطني في"سننه" (0/161) وابن عساكر في"تاريخه" (4/288، 6/237) والحلية
(5/154) وابن عدي في"الكامل" (2/471) .
وصححه الشيخ الألباني (الإرواء: 1/148) .

(1/401)


بكر بن أبي شيبة، ثنا سفيان عن عيينة عن عاصم عن زر عن صفوان بن
عسال قال:"كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام إلا من
جنابة. لكن من غائط وبول ونوم"هذا حديث رواه ابن ماجة (1) في موضع
آخر، ورواه ابن أبي عمر في مسنده عن سفيان مطولًا بلفظ:"أتيت صفوان
ابن عسال أسأله عن المسح على الخفين فقال: ما جاء بك يا زر؟ قلنا: تبعَا
للعلم، فقال: إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضَا بما يطلب قلت:
أنه حك في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول، وكنت امرءَا من
أصحاب النبي- عليه السلام- فجئت أسأل هل سمعت في ذلك شيئًا؟ قال:
نعم، كان يأمرنا إذا كنَّا سفرَا- أو مسافرين- أن لا ننزع خفافنا بعد ثلاثة
أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم قال: قلت: هل سمعته
يذكر في النجوى شيئَا قال: نعم كنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السفر فبينا نحن
عنده إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري: يا محمد. فأجابه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بصوت على نحو من صوته: هاؤم قلنا: ويحك اغضض من صوتك فإنك عند
النبي- عليه السلام- وقد نهيت عن هذا، فقال: والله لا أغضض، قال/
الأعرابي: المرء يحب القوم ولما يلحق بهم قال النبي: المرءُ مع من أحب يوم
القيامة، فما زال يحدّثنا حتى ذكر بابَا من قبل المغرب مسيرة عرضه- أو يسير
الراكب في عرضه- أربعين أو سبعين عامًا () قال سفيان:"قبل الشام خلقه
الله يوم خلق السموات والأرض مفتوحًا يعني للتوبة لا يغلق حتى تطلع
الشمس منه"ورواه الترمذي (2) عن أحمد بن عبدة ثنا حماد بن زيد عن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 62- باب الوضوء من النوم، (ح/
478) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 71- باب المسح على الخفين للمسافر
والمقيم، (ح/96) . وقال:"هذا حديث حسن صحيح"قلت: والحديث نسبه ابن حجر في
"التلخيص (ص 85) "إلى الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان
والدارقطني والبيهقي. ورواه أيضا الخطابي بإٍسناده في معالم السنن (1/60-62) مطولا،
وشرحه شرحا جيدا. قلت: ورواه الترمذي أيضَا: (ح/3535) والنسائي (1/84) . واْحمد
في"المسند" (4/240) والبيهقي (1/114، 118، 276) والحميدي (881) وشرح=

(1/402)


عاصم، وقال: حسن صحيح، وخرجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه
عن أحمد بن عبدة، ثنا حماد وعن علي بن خشرم ثنا ابن عيينة والحافظ أبو
حاتم البستي عن الحسين بن محمود بن. أبي معشر، ثنا عبد الرحمن بن عمرو
البجلي، ثنا زهير بن معاوية عن عاصم، وثنا أبو يعلي، ثنا هارون بن معروف،
ثنا سفيان، وثنا عبد الله بن محمد الأزدي، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبد
الرزاق، ثنا معمر عن عاصم، وثنا ابن خزيمة، ثنا محمد بن يحيى وابن رافع،
ثنا عبد الرزاق فذكره، ولما ذكره الحاكم في مستدركه قال: صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأخرجه ابن الجارود في منتقاه عن محمد بن
عبد الله بن يزيد، ثنا سفيان وصححه أبو محمد بن حزم، وفي كتاب ابن
السكن ما يرد على الحاكم قوله، وهو: وقال الصعق بن حزن عن علي بن
الحكم عن المنهال بن عمرو عن زر عن بن مسعود قال: جاء رجل من مراد
يقال له صفوان فذكر هذا الحديث، وفي معجم الطبراني (1) من جهة عبد
الكريم بن أبي المخارق عن حبيب بن أبي ثابت عن زر بقصة المسح. والله
أعلم.
أما حديث أبي هريرة قال عليه السلام:"من وضع جنبه فنام
فليتوضأ" (2) ، فإن الحربي لما ذكره في علله قال: هذا منكر لم يروه عن
الزهري إلا معاوية بن يحيي السَّه: اسم من أسماء الدبر، وقيل: هي حلقة
الدبر فيما ذكره الهروي، والوكاء: الحبل الذي يشد فوهة القربة قال:
ولا القرب وكاء الزاد أحسبه لقد علمت بأن الزاد مأكول
وفي بعض الأمالي: حفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء قال أبو بكر بن المنذر
في كتاب الأشراف: واختلفوا في الوضوء من النوم فكان الحسن لم يقول: إذا
__________
= السنة (1/335) والطبراني (8/72) والشافعي (18) وابن عساكر في"تاريخه" (5/378)
والإرواء (1/140) . وقد جاء أيضا في الزهد لابن ماجة ببعضه (ح/2388) .
(1) رواه الطبراني في"الكبير": (8/72) .
(2) تقدم من أحاديث الباب ص 399.

(1/403)


خالط النوم قلب أحدكم فليتوضأ وهو قول سعيد بن المسيب وإسحاق بن أبي
عُبيد، وروينا معناه عن أبي هريرة وابن عباس وأنس وقال الزهري وربيعة
ومالك: إن نام قليلًا قاعدًا لم ينتقض وضوءه، وإن تطاول ذلك توضأ، وقال
الأوزاعي معنا ذلك، وبه قال أحمد وكان حماد بن أبي سليمان والحكم
وسفيان وأصحاب الرأي يقولون: إنّ من نام قائمًا أو قاعدًا فلا ينتقض وضوءه،
وإذا نام مضطجعًا أو متكئًا انتقض وضوءه، واحتجوا بحديث عن ابن عباس
ولا يثبت وفيه قول رابع: وهو من نام ساجدًا في صلاة فليس عليه وضوء،
فإن نام ساجدًا في غير صلاة توضأ، وإن تعمّد النوم ساجدًا في الصلاة فعليه
الوضوء وهو قول ابن المبارك.
وفيه قول خامس: وهو أن من زاد عن حدّ الاستواء قاعدًا أو نام قائمًا أو
راكعًا أو ساجدًا أو مضطجعًا فعليه الوضوء وهو قول الشافعي.
وفيه قول سادس: وهو أن الوضوء لا يجب من النوم على أي حال كان
حتى يحدث حدثًا غير النوم، روى معنى هذا القول عن أبي موسى الأشعري
قال: في شرح السنة- وهو فول الأعرج-: قال أبن المنذر وعن ابن المسيب
أنه كان ينام مرارًا مضطجعًا ينتظر الصلاة ثم يصلي ولا يعيد الوضوء، قال
أبو بكر: والقول الأول أقوى استدلالًا بالسنة وبإجماعهم على أنّ من زال
عقله بغير النوم فعليه الوضوء، والنائم زائل العقل أو في معناه، وقال ابن
حزم: والنوم في ذاته حدث ينتقض الوضوء سواء قلّ أو كثر، قاعدًا أو قائمًا،
في صلاة أو غيرها، أو راكعًا أو ساجدًا، ومتكئًا أو مضطجعًا أيقن من حواليه
أنه لم يحدث أو لم يوقنوا، برهان ذلك حديث صفوان يعم عليه السلام، كل
نوم ولم يخص قليله من كثيره ولا حالًا من حال وسوى بينه وبين الغائط
والبول، وهذا قول أبي هريرة،/وأبي رافع وعروة بن الزبير وعطاء والحسن
وابن المسيَّب وعكرمة والزهري وغيرهم، وذهب الأوزاعي إلى أن النوم لا
ينقض كيف كان لما أسلفناه من عند ابن المنذر وهو قول صحيح عن جماعة
من الصحابة، وعن ابن عمر ومكحول وعبيدة وذكر حديث:"فيضعون
جنوبهم"، وحديث:"ينامون ثم يصلون"، قال: لو جاز القطع بالإِجماع
فيما لا يتيقن أده يشذ عنه أحد؛ لكان هذا يجب أن يقطع فيه أنه إجماع لا

(1/404)


تلك الدعاوي التي يدعونها وذهب داود بن علي إلى أنّ النوم لا ينقض
الوضوء؛ إلا نوم المضطجع فقط وهو قول روى عن عمر بن الحطاب وابن
عباس ولم يصح عنهما وعن ابن عمر، وصح عن النخعي وعطاء والليث
والثوري والحسن بن يحمى، وذهب أبو حنيفة إلى قول يعني ما تقدم لا نعلمه
عن أحد من المتقدّمين إلَّا أن بعضهم ذكر ذلك عن أبي سليمان والحكم، ولا
يعلم كيف قالا، وأمّا قول الشّافعي: فما نعلم تقسيمه يصح عن أحد من
المتقدّمين، إلا أنّ بعض الناس ذكر ذلك عن طاووس وابن سيرين ولا يحفظ
وانتهى كلامه، وفيما حكاه عن أنه رواه البيهقي من جهة يزيد بن أبي زيادة
قال: وقد روى مرفوعا، والمرسل إذا عُضِّد بمرسل آخر أو قول صحابي كان
عند جماهير المحدثين أقوى من مسندٍ لو عارضه. والله أعلم.
***

(1/405)


34- باب الوضوء من مس الذكر
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا عبد الله بن إدريس عن هشام بن عروة
عن أليه، عن مروان بن الحكم، عن بُسرة بن صفوان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضأ" (1) . هذا حديث احترت في تصحيحه
وتضعيفه؛ فأما أبو عيسى الترمذي فأنه لما رواه من جهة يحيى بن سعيد عن
هشام أخبرني أبي عن بسرة فال فيه: حسن صحيح. قال: وهكذا روى
غير/واحد مثل هذا عن هشام عن أبيه عن بُسرة، وفد روى أبو أسامة الزياد
عن عروة عن بُسرة، ولما سأل البخاري عنه في كتاب العلل؟ قال: أصح
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/479) والنسائي (0/101) وأحمد في"المسند" (6/407)
والبيهقي في"الكبرى" (1/128) والحاكم في"المستدرك" (1/138) وصححاه. والدارقطني
(1/146، 147، 148) وعبد الرزاق (412) وابن خزيمة (33) وشرح السنة (1/340)
والخفاء (1/106) والمطالب (139، 141) والموطأً (42) وشفع (90) والبغوي (1/535) وا بن
حبان (214) وابن عساكر في التاريخ (1/403) والشافعي (12) والحلية (7/159) والخطيب
(4/311) والترمذي (82) وقال:"هذا حديث حسن صحيح". قلت: وأصل الحديث رواية
مالك في الموطأ:"عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن خزام: أنه سمع عروة بن
الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذاكرنا ما يكون عنه من الوضوء، فقال مروان:
ومن سق الذكر الوضوء. فقال عروة: ما علمت هذا، فقال مروان بن الحكم: أخبرتني بسرة
بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ".
ورواية أحمد والنسائي من طريق شعيب عن الزهري قال:"أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن
حزم الأنصاري أنه سمع عروة بن الزبير يقول: ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من
مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده، فأنكرت ذلك عليه، فقلت: لا وضوء على من مسه،
فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر ما يتوضأ منه،
فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ويتوضأ من س الذكر. قال عروة: فلم أزل أماري مروان حتى دعا
رجلا من حرسه فأرسله إلى بسرة يسألها عما حدثت من ذلك؟ فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي
حدثني عنها مروان".
ثم أخذ عروة بن الزبير بهذا الحديث وصار يفتي به ويناظر عليه، فروى ابن الجارود في المنتقى
(ص 19) من طريق سفيان بن عيينة:"عن عبد الله بن أبي بكر قال: تذاكر أبي وعروة وما
يتوضأ منه، فذكر عروهَ وذكر، حتى ذكر الوضوء من مس الذكر".

(1/406)


شيء عندي في مس الذكر حديث بسرة، والصحيح عروة عن مروان عن بسرة،
وذكر البيهقي عن إسماعيل القاضي قال: سمعت ابن المديني يقول: وذكر
حديث شعيب بن إسحاق عن هشام الذي يذكر فيه سماع عروة من بسرة
فقال: على هذا مما يدّلك أنّ يحيى بن سعيد قد حفظ عن هشام عن أبيه
أخبرني بسرة، وقال ابن عدي في كامله: إنّما رواه عروة عن بسرة ولما سأل
داود عبد الرحمن أبا عبد الله أحمد بن حنبل؟ قلت: حديث بسرة ليس
بصحيح في مسّ الذكر، قال: بلى هو الصحيح؛ وذلك أنّ مروان حدثهم
ثم جاءهم الرسول عنها بذلك، وروى يعقوب بن حبان عن أحمد أنه سئل
عن حديث بسرة فقال: هو صحيح، وأنا أذهب إليه قيل له: على الاختيار أو
على الوجوب، قال: على الاختيار، وفي كتاب الميموني قلت: لابن معين
أي حديث عن النبي- عليه السلام- أثبت في الوضوء من مسّ الذكر قال:
حديث بسرة من أثبتها، وإنّما يطعن عليه من لا يذهب إليه، قلت: فلما لا
تتوضأ أنت منه؟! قال: لأنيْ رأيت أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يتوضأ بعضهم.
قلت: فإذا اختلف الصحابة في شيء وأنت تجده عن النبي- عليه السلام-
تدعه، ولما سأله مضر بن محمد قال: ما صح فيه شيء، إلا حديث بسرة
وحديث بسرة فيه شيء ولما خرجه الحافظ أبو بكر بن إسحاق السلمي في
صحيحه من حديث هشام عن أبيه عن مروان عنها قال: سمعت يونس بن
عبد الأًعلى يقول: نا ابن وهب عن مالك قال:"أرى الوضوء من مس
الذكر استحبابًا لا أوجبه، وكان الشّافعي يوجب الوضوء من مس الذكر اتباعا
لخبر بسرة لا بأس، قال أبو بكر: ويقول الشافعي: أقول: لأنّ عروة قد سمع خبر
بسرة منها لا كما يوهمه بعض الناس من أنّ الخبر واهي بضعفه في مروان، ولما
ذكره ابن حبان في صحيحه من جهة/عروة سمعت بُسرة قال: معاذ الله أن
نحتج بمروان وخرجه ابن الجارود في منتقاه من حديث عروة عن مروان وفي
آخره قال عروة: فسألت بسرة فصدقته ولما ذكره في المعرفة قال: إذا ثبت
سؤال عروة بسرة له كان صحيحًا على البخاري ومسلم جميعًا، ولما خرجه
ابن الربيع في مستدركه من جهة خلف عن حماد بن زيد عن هشام أنّ عروة

(1/407)


كان عند مروان فسئل عن مس الذكر؟ فقال عروة: إن بسرة حدّثني أنّ النبي-
عليه السلام- قال:"إذا أفضى أحدكم إلى ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ" (1) .
فبعث مروان حرسيا الحديث قال: هكذا ساق ابن زيد هذا الحديث وذكر فيه
سماع عروة من بسره وخلف بن هشام ثقة وهو أحد أئمة القراء، ومما يدل
على صحة روايته رواية الجمهور من أصحاب هشام عن أبيه عن بسرة منهم
أيوب السختياني وقيس بن سعد المكي وابن جريج وابن عيينة، وعبد العزيز بن
أبي حازم ومحيى بن سعد ومحيى بن سلمة ومعمر وهشام بن حسان وعبد
الله بن محمد أبو علقمة وعاصم بن هلال، ويحيى بن ثعلبة المازني وسعيد بن
عبد الرحمن. الجمحي وعلي بن المبارك وأبان بن العطار ومحمد بن عبد
الرحمن. الطقاوي وعبد الرحمن بن جعفر الأنصاري، والدراوردي ويزيد بن
سنان وعبد الرحمن بن أبي الزياد وعبد الرحمن بن أبي عبد العزيز، وحامد بن
هرم الفقيمي وأبو مَعْشر وعباد بن مُهَيب وغيرهم، وقد خالفهم فيه جماعة
فرواه عن هشام عن أبيه عن مروان عن بسرة منهم الثوري ورواية عن هشام بن
حسان ورواية عن حماد بن سلمة ومالك ووهب بن خالد وسلام بن أبي مطبع
وعمر بن علي المقدسي وعبد الله بن إدريس وعلي بن مُسهر وأبو أسامة وغيرهم،
وقد ظهر الخلاف فيه على هشام من أصحابه فنظر، فإذا القوم من الذين أثبتوا
سماع عروة عن بسرة أكثر وبعضهم أحفظ من الذين جعلوه عن مروان، إلا
أنّ جماعة من الأئمة الحفاظ ذكروا عن مروان منهم مالك والثوري ونظرا
وبها، فنظر جماعة ممن لم يمعن النظر في هذا الاختلاف أنّ الخبر واهي، لطعن
أئمة الحديث على مروان فنظرنا فوجدنا جماعة من الثقات/الحفاظ رووا عن
هشام عن أبيه عن مروان عن بسرة ثم ذكروا في رواياتهم أنّ عروة قال: ثم
لقيت بعد ذلك بسرة فحدّثني بالحديث كما حدّثني مروان عنها؛ فدّلنا ذلك
على صحة الحديث وثبوته على شرط الشيخين وزال عنه الخلاف والشبهة
__________
(1) ضعيف. رواه الحاكم (1/136) والمشكاة (321، 322) والشفع (91، 92) . وفي
شرح السنة (1/341) بلفظ:"إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه ... "الحديث.
قلت: وعلته مروان، فقد طُعن من أئمة الحديث.

(1/408)


وثبت سماع عروة من بسرة فممن (1) ذكرنا من سماع عروة منهم شعيب بن
إسحاق الدمشقي وربيعة بن عثمان التيمي والمنذر بن عبد الله الحرامي،
وعنبسة بن عبد الواحد القرشي وأبو الأسود حميد بن الأسود الثقة المأمون،
وقد رواه عن عروة جماعة منهم عبد الله بن أبي بكر وابن شهاب وأبو الزياد
ومحمد بن عروة ومحمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن عبد الحميد بن حزم
الأنصاري، والحسن بن مسلم بن يقاق وغيرهم من التابعين وأتباعهم، ورواه
عن بسرة جماعة من الصحابة والتابعين منهم عبد الله بن عمرو بن العاص،
وسعيد بن المسيب، وابن أبي مليكة، وعمرة بنت عبد الرحمن، وسليمان بن
موسى، ولما سئل أبو داود عن حديث في مسّ الذكر؟ قال: حديث أبي بكر عن
عروة عن بسرة، ولما ذكره أبو محمد الفارسي في كتابه مصححا به قال: فإن
قيل: إن هذا رواه الزهري عن عروة وعن عبد الله بن أبي بكر عن عروة. قلنا:
مرحبا بهذا عبد الله ثقة والزهري لا خلاف أنه سمع من عروة وجالسه، فهذا
قوة للخبر والحمد لله تعالى، ولما ذكره الأشبيلي صححه وكذلك ابن الحصار
في كتابه: تقريب المدارك، وقال البغوي في شرح السنة: هو حديث حسن،
وقال أبو بكر الحازمي: حديث بسرة- وإن لم يخرجاه- لا خلاف يقع في سماع
عروة؛ إذ هو عن مروان عنها فقد احتجا بسائر رواة حديثها مروان فمن دونه
وكلامه يقتضي أنهما خرجا لمروان وليس كذلك؛ لأنه معدود في إفراد
البخاري وبنحو ما قلنا نبّه عليه البيهقي في المعرفة وصححه أيضا ابن وضاح،
وأما الذين ضعّفوه ابن السكن وأبو عمر والدارقطني وقال ابن الجوزي في
التحقيق: هذا السند مطعن فيه، ولما ذكره في كتاب العلل قال بعد كلامه:
فلما ورد الاختلاف على هشام أشكل أمر هذا/الحديث، وطن كثير من الناس
ممن لم يمعن النظر في الاختلاف أن هذا الحديث غير ثابت؛ لاختلافهم فيدلان
الواجب في الحكم أن يكون القول قول من أراد في الإِسناد؛ لأنهم ثقات
والثقات زياداتهم مقبولة فحكم حديث قيس عندنا أثبت من حديث بسرة،
وقال ابن معين: أي حديث بسرة لولا أن قابل طلحة في الطريق وكان ابن
__________
(1) في"الأصل"ورد"من ما"وليس لها محل في سياق الكلام.

(1/409)


المديني يقول نحو ذلك وفي كتاب الدبوسي، قال ابن معين: ثلاثة أخبار لا تصح
عن النبي- عليه السلام- منها حديث:"من مس ذكره فليتوضأ"، قال الحربي
في كتاب العلل: حديث بسرة يرويه شرطي عن شرطي عن امرأة، وهو يخالف لما
قدمناه عن ابن معين، وروى الدارقطني في سننه، ثنا محمد بن الحسن النقاش ثنا
عبد الله بن يحيى القاضي السرخسي، ثنا رجاء بن مرجأ الحافظ قال: اجتمعنا في
مسجد الخيف أنا وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين فتناظروا في
مسّ الذكر فقال يحيى: يتوضأ منه، وقال علي: يقول الكوفيون ونقله قولهم،
واحتج ابن معين بحديث بسرة، واحتج علي بحديث قيس بن طلق وقال ليحيى:
كيف نحتج بتقلّد إسناد بسرة؟ ومروان أرسل شرطيًا حتى ردّ جوابها إليه فقال
يحمى: وقد أكمر النّاس في قيس بن طلق ولا نحتجّ بحديثه، فقال أحمد: كلا
الحديثين على ما قلتما. فقال يحيى عن نافع عن ابن عمر:"أنه توضأ من مس
الذكر". فقال علي: كان ابن مسعود لا يتوضأ منه، إنما هو بضعة من جسدك،
فقال يحيى: من قال سفيان عن أبي قيس عن هُزيل عن عبد الله فإذا اجتمع ابن
مسعود وابن عمر واختلفا فابن مسعود أولى أن يتبع فقال له أحمد نعم، ولكن أبو
قيس لا نحتج بحديثه فقال: حدّثني أبو نعيم حدّثنا مُشعَر عن عمر بن سعيد عن
عمار بن ياسر فقال: ما أبالي مسسناه وأنفى، قال أحمد: ابن عمر وعمارًا سويا
فمن شاء أخذ بهذا، ومن شاء أخذ بهذا، وذكر الخطابي أنّ هذه المناظرة كانت بين
أحمد ويحيى وأنّ أحمد احتج بحديث ابن عمر ولم يدفعه يحيى فلعلّهما واقعتان،
ولما ذكره أبو جعفر الطحاوي في شرحه من جهة عبد الرزاق عن عمر عن الزهري
عن عروة بلفظ فأرسل إليها مروان شرطيا قال: هذا عروة لم يرفع بحديث بسرة
رأسا وذلك بأنها عنده في حال من لا يؤخذ ذلك لم عنها ففي تضعيف من هو أقل
من عروة ليس ما يسقط به حديثها، وقد تابعه على ذلك ربيعة بن عبد الرحمن
وقال: لو وضعت يدي في دم أو حيض ما نقض وضوئي، فمس الذكر أيسر أم
الدم، وكان يقول لهم ويحكي مثل هذا يؤخذ به ويعمل بحديث بسرة، والله لو
أن بسرة شهدت على هذا الفعل لما أجزت، فلم يكن في الصحابة من يقيم هذا
الدين إلا بسرة قال ابن يزيد: على هذا أدركا مشيختنا ما منهم أحد يرى في مس

(1/410)


الذكر وضوءا، وإن كان إنما ترك أن يرفع بذلك رأسا؛ لأنّ مروان ليس عنده في
حال من يجب القبول من مثله، فإنّ خبر شرطي من مروان عن بسرة دون خبره
عنها، فإن كان خبر مروان في نفسه عند عروة غير مقبول فخبر شرطية إيّاه عنها
بذلك أحرى أن لا يكون مقبولا، وأيضا فهذا الحديث لم يسمعه الزهري من عروة
إنّما دلّس به عن عبد الله بن أبي بكر عنه، وهذا الأمر وإنما هو عند الزهري عن عبد
الله بن عروة فقد خطّ بذلك درجة؛ لأنّ عبد الله ليس في حديثه عن عروة
كحديث الزهري عن عروة ولا عبد الرحمن في حديثه عنهم بالمتقن بعد،
حدّثني يحيى بن عثمان، ثنا ابن وزير سمعت الشّافعي سمعت ابن عيينة
يقول: كنّا إذا رأينا الرجل يكتب الحديث عن واحد من نفر سماهم منهم عبد
الله بن أبي بكر سخرنا به؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون الحديث وأنهم قد يضعون
الحديث ما هو مثل هذا، ثنا من كلام ابن عيينة، وقال آخرون: الذي بين
الزهري وعروة في هذا الحديث أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فإن
قالوا: فقد روى هذا الحديث فشام عن أبيه فليس ممن تكلّم في روايته بشيء
قيل له: إنّ هشاما لم يسمع هذا من أبيه، إنما أخذه من أبي بكر أيضًا فدلس
به عن أبيه، ثنا بذلك سليمان بن شعيب، ثنا الخصيب ثنا همام عن هشام
قال: حدّثني أبو بكر بن محمد عن عروة، فإن قالوا: فقد رواه عن عروة
غير الزهري وهشام وهو ما رواه ابن لهيعة، ثنا أبو الأسود عن عروة قيل لهم:
كيف تحتجون في هذا بابن لهيعة وأنتم لا تجعلونه حجة لخصمكم فيما يحتج
به عليكم؟ ولم أرد بشيء من ذلك الطعن على عبد الله بن أبي بكر ولا ابن
لهيعة ولا عنهما، ولكن أردت إتيان ظلم الخصم فثبت بها حديث الزهري/
بالذي دخل بيته، وعن عروة وبها حديث الزهري أيضا وهشام بالذي بين
عروة وبسرة؛ لأن عروة لم يقبل ذلك، ولم يرفع به رأسا وبه يسقط الحديث
بأقل من ذلك، فإن احتجوا في ذلك بحديث يحيى ابن أبي كثير أنه سمع
رجلا يحدّث في مسجد النبي- عليه السلام- بحديث عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جدّه أن بسرة سألت النبي- عليه السلام- الحديث؟ قيل لهم: أنتم
تزعمون أنّ عمرا لم يسمع من أبيه شيئا، إّنما حدّثه صحيفة فهذا على قولكم

(1/411)


منقطع والمنقطع لا يجب به عندكم حجة انتهى قوله، وعليه فيه مآخذ الأول:
قوله: إنّ عروة لم يرفع بحديث بسرة رأسًا، وذلك أنها عنده في حال من لا يؤخذ
عنها ففي الصحيح لكونها صحابية معروفة الصحبة، ومن كانت بهذه المثابة فأجدر
بأن يرفع لحديثها الرؤوس، قال الحاكم: هي من سيدات قريش قال فيها مالك بن
أنس: أنه دوّن من هي جدّة عبد الملك أم أمه فاعرفوا هذا، وذكر مُصْعب الزبيري
أنها من المبايعات وورقة بن نوفل عمّها وليس لصفوان بن نوفل عقب الأمر قبلها
وهي زوج المغيرة بن أبي العاص روى عنها جماعة، وروينا لها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خمسة أحاديث غير هذا الحديث، فقد ثبت مما ذكرنا أخبارها وأنّ اسم الجهالة
مرتفع عنها بهذه الروايات، وذكر الشّافعي أنّ لها سابقة وهجرة قديمة وصحبة
بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: وفد حدثت بهذا الحديث في دار المهاجرين والأنصار
وهم متوافرون، فلم يدفعه منهم أحد بل علمنا بعضهم صار إليه عن روايتها
منهم عروة بعد إنكاره ذلك وعبد الله ابن عمر بن الخطاب، وفي الاستيعاب
ولدت للمغيرة معاوية وعائشة وكانت عائشة أخت مروان، وفي كتاب الزبير بن
أبي بكر هي أم معاوية وجدّة عائشة بنت معاوية وعائشة هي أم عبد الملك وكانت
من المبايعات، وبنحوه ذكره ابن الكلبي في جامعه، وزعم أنها من كنانة قال ابن
عمر: وليس ذلك بشيء، والصواب أنها من بني أسد بن عبد العزي انتهى كلامه
وفيه نظر؛ لأنّ أسد بن عبد العزي لا مخرج له عن نسب كنانة فكان البر في
نسبها إلى الجذم لا إلى الفضيلة والله أعلم، ولما ذكرها ابن سعد قال: بسرة
بنت صفوان بن نوفل بن عبد العزي اابن قُصي أمهَّا سالمة بنت أمية بن حارثة
الأوقص بن مرّة بن هلال بن فالج بن ذكّوان بن ثعلبة بن بُهثه بن سُلَيم
وأخوها لأمها عقبة بن أبي معيط وابنها معاوية قتل منصرف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من
أحد وهو جدّ عبد الملك، وقال ابن حبان: هي من المهاجرات وخديجة أم
المهاجرات وخديجة أم المؤمنين عمة ابنها.
وقال أبو محمد الأموي: وصح أن بسرة صحابية مشهورة. وابن أبي شيبة
في كتاب أخبار المدينة على ساكنها الصلاة والسلام قال محمد: يعني ابن
طلحة الطويل التيمي:"صلى عليه الصلاة والسلام في دار بسرة بنت

(1/412)


صفوان" رضى الله عنها وأما ما قاله الحافظ بن سرور: من أنها خالة مروان
"فسيء" (1) لم أعرفه لغيره وأيضًا فقد أسلفنا أنه أخذ عنها هذا الحديث نفسه،
وحدث به عنها بغير واسطة كما سبق فدل أنها عنده أهل وموضع للرواية لا
كما زعم لا سيما عمل به رواته ورجوعه إليه بعد إنكاره ذلك.
الثاني: قوله: إن هشامًا لم يسمعه من أبيه، ولعمري لقد قال ذلك قبله
شعبة فيما حكاه عنه الإمام أحمد في تاريخه الذي رواه عن أبيه أبي بكر
الحضرمي قال شعبة: لمَ يسمع هشام حديث مس الذكر من أبيه قال يحيى:
فسألت هشامًا؟ فقال: أخبرني أبي ثم رواه في مسنده أخبرني يحيى عن هشام
قال: حدثني أني أن بُسرة حدّثته فذكر الحديث.
وقد أسلفنا قول ابن المديني في ذلك أيضًا، وشبه أن يكون مستند من قال
ذلك: رواية داود العطار عنه ووهم في ذلك، قال الحاكم: أبو عبد الله وروى
داود العطار عن هشام عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة حديث بسرة وهو
وهم، وقال في موضع آخر: ما. روى من وجه يعتمد وفيما قاله نظر؛ لما رواه
أبو القاسم في الأوسط عن علي بن عبد العزيز عن حجاج بن منهال عن
همام بن يحيى عن هشام عن عبد الله بن أبي بكر به وهؤلاء كلّهم ثقات
ويحمل ذلك على أنه سمعه عنه أولًا، ثم شافهه آخر الصحة الروايتين عنه
بذاك ولإن كان ما قاله أبو جعفر صحيحًا فلا وجه على الحرث فيه؛ لأن
عبد الله ممن خرج الشيخان حديثه في صحيحيهما، وقال مالك: النجم فيه
كان رجل صدق، وقال أحمد بن حنبل: حديثه شفاء، وقال ابن سعد: كان
ثقة كثير الحديث عالماً، ووثقه ابن معين وأبو حاتم الرازي/وابن حبان والعجلي
والبرقي وغيرهم، فعلى هذا يتناول ما نقله عن ابن عيينة، وأنه ليس بطعن يردّ
به حديثه فسواء برز أو لم يُبرز لعدالته وثقته ولعدم افتقارنا إلى وجوده، ولما
ذكرنا من سماع هشام له من أبيه وسماع الزهري من عروة كما سبق بيانه
من عند ابن حزم وغيره.
الثالث: قوله: لأن مروان عنده ليس في حال من يجب القبول من مثله
__________
(1) كذا ورد"بالأصل".

(1/413)


إلى آخره. قد بيتا أنّ مروان ليس له ولا لشرطه في هذا الحديث مدخل،
ولسنا ممن نعتمد على قول البيهقي في المعرفة، ولولا ثقة الحربي عند عروة لما
قبله من أن عروة مشي إلى بسرة فشافهته به فذكر أولئك ضرب من التشعيب
الذي لا طائل تحته، ولئن سلمنا إلى ما قاله فمروان ليس ممن تفرد به
الأحاديث؛ لأنه ممن ذكره في الصحابة جماعة من الأئمة، وروى له البخاري
في صحيحة حديث محتجًا به عن علي بن أبي طالب وفاطمة وآخر مقرونًا
بالمسوَر بن مخرمة وأما ما قُرن به من قبل طلحة منّي لم يثبت عليه، ولم يأت
إلَّا على لسان مؤرخ مقدوح في عدالته كأني مختف وهشام وغيرهما والله
أعلم، وسيأتي ذكر من سمّاه المهاجرين علي بعد إن شاء الله تعالى.
الرابع: ما حكاه عن ربيعة مردود بما سنذكره بعد من رواية جماعة من
الصحابة لذلك كروايتها.
الخامس: ذكره حديث عروة بن شعيب وادّعاؤه فيه الانقطاع مردودًا بما
أسلفناه قبل من اتصاله عند جماعة من العلماء ولكن منعنا من أن يحتج به
جهالة حال المحدّث بهن أبي كثير؛ لأنا لا نقبل ذلك إلا بعد معرفة عينه وحاله
أو ما يقوى مقامهما كما بيناه.
السادس: وقوله: إنّ أبا الأسود رواه أيضًا عن عروة لكن من طريق ابن
لهيعة يفهم أن غيره لم يروه كروايته عنه وهو غير صحيح؟ لما ذكره أبو عبد
الله بن الربيع من أن محمد بن عبد الله بن عروة رواه عن عروة، وكذلك
محمد بن عبد الرحمن بن نوفل وعبد الحميد بن حزم والحسن بن نياق، وفي
الترمذي ثنا علي، ثنا بن حجر ثنا عبد الرحمن بن أبي الزياد عن أبيه عن
عروة عن بسرة ومنهم/من عابه بالاختلاف في إسناده وألفاظه؛ وذلك أنه
مروى من جهة الزهري ومالك وهشام بن عروة، فأمّا الزهري فقد اختلف عليه
على وجوه أحدها عنه عن عروة عن مروان عن بسرة، وهذه رواية الطبراني أن
عبد الرزاق عن معمر عن عروة قال: قد أكثر هو ومروان الوضوء من مس
الفرج، فقال مروان: حدّثتني بسرة أنها سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالوضُوء من

(1/414)


مس الفرج، فكان عروة لم يرفع بحديثه فأرسل مروان إليها شرطيا فرجع
فأخبرهم أنها سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالوضوء من مس الفرج.
وكذلك رواه عبد الرحمن بن نمير اليحصبي عن الزهري عن عروة أنه
سمع مروان قال: أخبرتني بسرة الحديث أخرجها الطبراني عن أحمد بن
معلي الدمشقي عن هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن
نمير الثاني عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو ثم اختلفوا فقيل: عن
أبي بكر عن عروة عن بسرة، وهذه رواية يحيى بن عبد الله البابلتي عن
الأوزاعي عن الزهري بلفظ:"سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يتوضأ الرجل من
مس الذكر" (1) .
وكذلك رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي بكر عن
عروة عن بسرة من جهة دحيم عن أبيه عن الوليد وقيل: عن أبي بكر عن
مروان عن بسرة، وهذه رواية إسحاق بن راشد عن الزهري قال فيها: عن أبي
بكر أنَّ عروة حدَّثه أنَّ مروان في كر أن بسرة قالت: أنها سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول:"من مس فرجه فليتوضأ () . وهذه الرواية شاهدا من حديث سعيد بن
سفيان الجحدري عن سعيد عن أبي بكر سمعت عروة يقول: أرسل مروان إلى
بسرة فسألها عنه؟ فحدثت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"إذا مس أحدكم ذكره
فليتوضأ".
أخرجها أبو بكر ثم اختلفوا فقيل: عروة عن مروان عن بسرة وهذا من
جهة الليث بن سعد عن الزهري من رواية سعيد بن يحيى وعبد الله بن صالح
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود في: كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر، (ح/181) .
والترمذي في: أبواب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر، (ح/82-84) .
ورواه النسائي (1/100- من كتاب الطهارة) ، باب الوضوء من مس الذكر، (ح/749) .
ورواه الدارمي في: كتاب الطهارة، 50- باب الوضوء من مس الذكر، (ح/725) .
ورواه مالك في: كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الفرج، (ح/58) .
ورواه أحمد: (م/223، 5/194، 6/406-407) .
والحاكم في المستدرك. قال البخاري: هو اْصح شيء في هذا الباب. وقال الألباني في
صحيح الجامع (5/359) :"صحيح"ا. هـ.

(1/415)


عن الليث، وكذلك رواية ابن أبي ذئيب عن الزهري رواها الطبراني عن
إبراهيم بن محمد بن غرق بن عمرو بن عثمان عن عبد الملك بن محمد
الصنعاني عن زهر بن محمد/عن ابن أبي ذئيب، وكذلك رواية شعيب عن
الزهري ذكرها النسائي وكذلك رواية عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب
من رواية عبد الله بن صالح عن الليث عنه، وكذلك رواية الليث عن يونس
عن ابن شهاب، ورواية عبد الله بن صالح وقيل: عن الزهري عن عبد الله ابن
أبي بكر عن عروة عن بسرة أو زيد بن خالد رواها الطبراني عن الزبيري عن
عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب.
وأمّا مالك فالصحيح عنه ما أسلفناه وقيل عنه: عن هشام عن أبيه عن
بسرة رواها الطبراني عن أحمد بن عمرو الخلاد عن إبراهيم بن المنذر عن أبي
علقمة القروي وقيل: عن نافع عن ابن عمر عن بُسرة سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول:"الوضوء من مس الذكر" (1) .
ورواها أبو الحسن البغدادي في غرائب مالك، وقال: هذا الحديث
معروض بحفص بن عمر العدوي عن مالك وحفص ليس بقوي في الحديث،
وهذا في الموطأ من فعل ابن عمر غير مرفوع وهو الصواب، وروى عن أبي
مُصْعب عن مالك كرواية حفص، ولا يصح عن أبي مصعب ثم قال: حدّثني
إبراهيم بن محمد وعمر بن أحمد بن عثمان، ثنا الحسن بن مهدي بن عبدة
المروزي، ثنا محمد بن علي بن المنذر أبو عبد الله، ثنا أبو مصعب المدني، ثنا
مالك عن نافع عن ابن عمر عن بسرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"من مس فرجه
فليتوضأ".
وقال ابن عدي: هذا ليس يرويه عن مالك إلا حفص، وهذا الحديث في
الموطأ عن مالك عن ابن عمر موقوف وفي حديث ابن صاعد بيان ذلك،
وأما قوله: عن بسرة فهو باطل انتهى ما قدّمناه من عند الدارقطني، تفرّد قوله:
ورواه ابن مانع بلفظ آخر من جهة ابن مصعب عن حفص بلفظ قال عليه
__________
(1) ضعيف. رواه ابن عدي في"الكامل": (2/793) .

(1/416)


السلام:"من مس فرجه فليتوضأ" (1) . وأما هشام فقيل عنه: عن أبيه عن
بسرة وهذه رواية الترمذي ولفظه:"من مس ذكره فلا يصلي حتى
يتوضأ" (2) . وقال: حسن صحيح، وقال: هكذا رواه عن واحد عن هشام،
وروى أبو أسامة وغير واحد هذا الحديث عن هشام عن أبيه عن مروان ولفظ
الدارقطني:"وضوءه للصلاة"، وروى إسماعيل بن عباس عن هشام زاد:
"إذا مست المحاه قبلها فليتوضأ".
وضعف هذه الرواية وقيل عنه: عن أبي بكر بن محمد عن/عروة عن
بسرة أخرجها الطبراني عن علي بن عبد العزيز عن حجاج بن منهال عن
همام بن محيي عنه عن أمه عائشة وقيل: عنه عن عبد الله بن أبي بكر عن
عروة وقيل: عنه عن أبيه وفي كتاب الطبراني من قول عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جدّه عنها أنها سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المرأة تقرب بيدها فت فتصيب
فرجها؟ قال: تتوضأ يا بسرة. أخرجه عن حفص بن سليمان النوفلي عن
إبراهيم بن المنذر عن معن بن عيسى عن عبد الله بن الموصل عنه، وقد أسلفنا
حمدًا لله تعالى الجواب عن جميع ما ذكر من الاختلاف، وإن ذلك ليس لما
في التعليل بما تقدَم والله تعالى أعلم.
__________
(1) صحيح وإسناده ضعيف. رواه النسائي (1/216) وابن ماجة (ح/481، 482)
والحديث قال عنه في الزوائد: في الإِسناد مقال: ففيه مكحول الدمشقي، وهو مدلس.
وقد رواه بالعنعنة فوجب ترك حديثه. لا سيما وقد قال فيه البخاري وأبو زُرعة: أنه لم
يسمع من عنيسة بن أبي سفيان. فالإِسناد منقطع.
والثاني: في إسناده إسحاق بن أبي فروة. اتفقوا على ضعفه. وابن عدي في"الكامل"
(1/196، 2/793، 6/2125) وأحمد في"المسند" (6/406) والبيهقي في"الكبرى" (1/
130) والدارمي (1/185) والحاكم (1/137، 138) والطبراني (5/279) وابن حبان
(211) والدارقطني (1/146) وابن أبي شيبة (1/163) واللآلئ (2/118) ونصب الراية (1/
56، 57. 60) والعقيلي (2/144، 3/163) وابن القيسراني (891) . راجع الارواء:
(1/150) .
قلت: وصحح إسناده الشيخ الألباني.
(2) صحيح. تقدم. ورواه الترمذي (82- 84) والنسائي (1/216) وأحمد (6/407)
والحاكم (1/137) والصحيحة (3/237) .

(1/417)


حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، ثنا معن بن عيسى ح، حدثنا عبد
الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا عبد الله بن نافع جميعَا عن أبي ذئب عن
عقبة بن عبد الرحمن عنه، ثنا محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن
عبد الله قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إذا مس أحدكم ذكره فعليه الوضوء".
هذا حديث قال فيه ابن شاهين: غريب لا أعلم جودته إلا دحيم وأحمد
ابن صالح، وحدث بن محمد بن محمس النيسابوري قال محمد بن عوف: ثنا
الحسن بن محمد الزعفراني والعباس بن محمد جميعَا عن دحيم ولما ذكره أبو
عمر قال: هذا إسناده صالح كلّ مذكور فيه ثقة معروف بالعلم إلا عقبة بن
عبد الرحمن فأنه ليس بالمشهور بالعلم، فقال: هو عقبة بن عبد الرحمن بن
معمر ويقال عقبة بن عبد الرحمن بن جابر ويقال عقبة بن عبد الرحمن بن
معمر أبي عمر وانتهى كلامه أو يحتمل على أنه تارة ينسب لجده الأعلى،
وتارة للأدنى، ويكون أبوه يكنى: أبا عمرو؛ وذلك لا يتأتى إلَّا بعد معرفة
خالد فنظرنا فإذا أبو حاتم البستي ذكره في كتاب الثقات نحو ما قلناه فقال
عقبة بن عبد الرحمن: من أهل المدينة ويعرف بابن أبي عمرو، ولما ذكره
الحافظ قال: ما أعلم بحديث جابر بأسا وأتى ذلك البخاري فقال: ما ذكره
عقبة روى عنه ابن أبي ذئب مرسل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مس الذكر ورآه عبد
الله بن نافع عن جابر ولا يصح وقال الشّافعي- رحمه (1) الله تعالى-:/
وسمعت غير واحد من الحفاظ يرويه لم يذكروا جابرا، وفال أبو داود:
وسئل أحمد عن حديث ابن أبي ذئيب يعني هذا فقال: هذا من ابن نافع
عبد الله بن نافع قال أبو داود: يريد أن قوله عن جابر وهم، وان الحديث عن
محمد بن عبد الرحمن عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسل، وقال أبو طالب: سألت أبا
عبد الله عن حديث عبد الله بن نافع هذا فأنكره إنكارا شديدَا، وقال: هذا
ليس يرفع وعبد الله بن نافع منكر الحديث، وقد رأيته وجالسته، وكان من
المعدودين من أصحاب مالك وأعلمهم بقوله وكان يفتي بالمدينة وكان رجلا
__________
(1) قوله:"رحمة"وردت"بالأصل""نعمة"وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.

(1/418)


صالحَا قلت له: فما له لم يكن صاحب حديث ولا يعرفه أحاديثه منكره،
وقال أبو حاتم: سألت أبي عن حديث رواه دَحَيم يعني هذا فقال لي: هذا
خطأ الناس يروونه عن ابن ثوبان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلَا لا يذكرون جابراَ،
وإلى هذا مال الطحاوي وذكر مضر عن أبي زكريا قلت له: فحديث جابر،
قال: نعم رواه ابن أبي ذئيب وليس بصحيح، ولقائل أن يقول: قد تبيّن
بمجموع ما تقدم ضعف قول أبي عمرو المقدسي؛ لأنه أتى بأثر أشدّ من قول
محمد بن إسماعيل البخاري في عبد الله بن نافع الصائغ هذا في حفظه شيء
يعرف وينكر في حفظه وكتابه، وقول أحمد المتقدّم فيه وقال ابن عدي:
روى عن مالك غرائب وذكره العقيلي في كتاب الضعفاء وكذلك يعقوب بن
سفيان الفسوي والبلخي فيقال له: على طريقة معلومة الرفع بزيادة وهي من
الثقة مقبولة وابن نافع قال فيه: أبو زكريا بابن معين ثقة، وقال العجلي: ثقة
مرمى متعبد، وقال ابن عدي: هو مستقيم بالحديث وأنا يعني عنه سئل
عبد الوهاب بن يحيى يكون ذلك دليلًا على جلالته وقال محمد بن سعد:
كان يلزم لزومَا شديدًا، وكان لا يقدم عليه أحدَا وهو دون معنى وقال
سحنون: لزم مالكًا أربعين سنة حكاه الشيرازي، وقال أبو الفرج ابن الجوزي:
لم أرى عنه طعنًا يعني قادحًا وإلا فمن المعلوم أنه رأى بعض ما تقدّم، وإّنما
ذكر/العقيلي والبلخي وابن عدي له في كتاب الضعفاء فأنه لما ذكروا فيه
كلام البخاري وكلامه يُتئوّل؛ لعدم صراحته بالضعف، وكذلك كلام أحمد،
ولئن سلمنا ضعفه ووهمه فنحن عنه غير محتاجين لمتابعة معزلة كما سبق في
الباب والله أعلم، وفي قول البيهقي: روى يعني حديث جابر دحيم موصولًا
إشعار بمفرّده بذلك، وليس كما قال لما ذكره أبو نعيم الحافظ في تاريخ بلده،
ثنا أبي، ثنا الفضل بن الحصيب بن نصر، ثنا النضر بن سلمة، ثنا شاذان
المروزي، ثنا عبد الله بن نافع، ثنا ابن أبي ذئب عن عقبة بن عبد الرحمن عن
ابن ثوبان عن جابر الحديث مرفوعَا حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا المعلي بن
منصور، وثنا عبد الله بن أحمد بن بشر بن ذكوان الدمشقي، ثنا مروان بن
محمد قالا: ثنا الهيثم بن حميد ثنا العلاء بن الحرث عن مكحول عن

(1/419)


عنبسة بن أبيِ سفيان عن أم حبيبة قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
"من مس فرجه فليتوضأ". هذا حديث قال فيه علي بن سعد: سألت أبا
عبد الله عما يروي في مس الذكر أيّها أصح عندك؟ قال: حديث أم حبيبة،
وقال أبو طالب: قلت لأحمد: حديث أم حبيبة أصحها، قال: نعم هو
أصحها، وقال محمد بن عوف: قال لي أحمد: حديثك انتهى. أسمعه
حديث عنبسة وقال مهنأ: سالمت أحمد عن الهيثم بن حميد؟ فقال: لا بأس
به قلت: إنّ الهيثم بن خارجة قال: هو متروك الحديث، قال: لم يكن به
بأس، ولكنه كان يرى القدر وسألت أحمد عن العلاء بن الحرث؟ فقال: هو
من أصحاب مكحول، وفي الاستذكار حديث أم حبيبة صحيح لا أدفعه،
وفي التمهيد كان أحمد يقول: في مسّ الذكر حديث حسن ثابت وهو
حديث أم حبيبة وقال أبو زرعة: كتب إلى أحمد بن حنبل لأكتب بحديثه
في مسّ الفرج من جهة بن محمود عن أبي مسهر أخبرني محمد بن مهاجر
أنه يعرف الهيثم يطلب العلم قال أبو زرعة: قلت: فأعلم أهل/دمشق
بحديث مكحول وأتبعه فقال الهيثم: ومحيى ابن حمزة وقد ذكره أبو القاسم
في الأوسط، فإذا لم يروه عن مكحول إلَّا العلاء ولا يروى عن أم حبيبة إلا
بهذا، ولما سأل أبو عيسى في كتاب العلل الكبير أبا زرعة عنه استحسنه قال:
ورأيته كأنه يعدّه محفوظا، وفي موضع آخر قال: هو صحيح عَنْ شاذ، وقال
أبو عمر في التمهيد: قد صحّ عند أهل العلم سماع مكحول من عنبسة ذكره
ذلك دَحيم وغيره، وذكره البيهقي في الخلافيات عن إسناده ابن عبد الله هذا
حديث حدّث به الإِمام أحمد ويحيى بن معين ثبت بسماع مكحول، قال:
يعني الحاكم فإذا ثبت سماعه منه فهو أصح حديث في الباب، وقال الخلال
في كتاب العلل: قال أبو زرعة عبد الرحمن وعمرو الثغري: حدّثني محمد بن
زرعة الرعيشي قال: سألت داود بن محمد عن مكحول سمع من عنبسة فلم
ينكر ذاك قال الخلال: ولو لم يكن عند أبي عبد الله أنّ مكحولا سمع من
عنبسة لم ينوا بدعة، والرواية تصحح حديث أم حبيبة، وقال ابن السكن: ولا
أعلم في حديث أم حبيبة علّة إلا أنه قيل: أنه لم يسمع من عنبسة، وإلى ذلك

(1/420)


ذهب الحافظ البخاري لما سأله عنه الترمذي يقول مكحول: لم يسمع من
عنبسة روى عن رجل عن عنبسة عن أم حبيبة:"من صلى في يوم وليلة
ثنتي عشرة ركعة" (1) . وكأنه لم ير هذا الحديث صحيحا وفي مراسيل ابن
أبي حاتم، وسئل أبو زرعة عن أم حبيبة في مس الفرج فقال مكحول: لم
يسمع من عنبسة بن أبي سفيان شيئَا؛ ولذا ذكره أبو عبد الرحمن النسائي،
وفي كتاب العلل للرازي قلت لأبي: حديث أم حبيبة فيمن مسّ ذكره فقال:
روى ابن لهيعة في هذا الحديث مما يوهن الحديث، قال أبو محمد: أي تدل
روايته إن مكحولَا قد دخل بينه وبين عنبسة رجل، وفي الاستذكار لم يسمع
مكحولا من عنبسة حديث أم حبيبة في مسّ الذكر، وفي موضع آخر منه
مكحول لم يسمع عنبسة، وذكر أبو زيد الدبوسي في كتاب الأسرار: وكان
أحمد يقول: يصح هذا الحديث ثم وجده مرسلَا أنّ مكحولَا لم يلق/عنبسة،
وفي سؤالات مضر بن محمد سألت يحيى بن معين عن قول أحمد أصحّ
حديث في مسّ الفرج قاله مكحول عن عنبسة فقال يحيى: هذا لضعيف
قلت: وكيف قال مكحول: لم يسمع من عنبسة شيئَا؟ وفي كتاب التمهيد
عنه قلت: فإن أحمد يدرك أصحّ حديث من حديث الهيثم عن العلاء عن
مكحول فسكت، قال الطحاوي: حديث أم حبيبة منقطع وضعفه ابن وضاح
أيضَا مما زاده في الضعف وكيع بن الجراح بن مليح، والذي يرجح من هذه
الأقوال قول أحمد، وذلك أنّ المضعَّف إّنما ضعَّفوه بسبب، وقد بيتا من أثبت
سماع مكحول من عنبسة والمثبت مقدم على المنفي، وقد ذكر الدارقطني في
علله ما يسدّ ذلك، وقد رواه يحيى من حديث أم حبيبة في التطوع، حدّثنا
النعمان عن مكحول عن عنبسة أخبر عن أم حبيبة فذكره، وأما قول أبي
زرعة: أن حمل عليه بعد فعنده صحيح.
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/41هـ) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (3/
263) وأحمد (4/413، 6/326) وشرح السنة (3/443) والكنز (21363) والمغني عن
حمل الأسفار (1/149) وابن ماجة (1141) وابن أبي شيبة (2/203) والمجمع (2/231)
والمشكاة (11هـ9) والخطيب (هـ/81) .

(1/421)


حدثنا سفيان بن وكيع نا عبد السلام بن حرب عن إسحاق بن أبي فروة
عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن أبي أيوب قال: سمعت
رسول الله/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:"من مش فرجه فليتوضأ" (1) . هذا حديث رواه ابن
شاهين في الناسخ عن البغوي عن عبد الله بن عمر الكوفي عن أبي غسان عن
عبد السلام سالما من ابن وكيع ولفظه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"يتوضأ من مس
الذكر" (2) . وربما قال:"من مس ذكره فليتوضأ". وفي رواية الأبواب عن
عثمان بن أحمد الدقاق، ثنا أحمد بن ملاعب، ثنا أبي غسان، وثنا علي بن
محمد المصري ثنا يحيى بن أيوب، حدثني سعيد بن غفير، ثنا ابن لهيعة عن
عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عروة عن بُسرة وأبي أيوب الأنصاري
ولفظه:"إذا مس أحدكم ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ" (3) . وقال البيهقي
في الخلافيات: هذا حديث غير محفوظ بهذا الإسناد، وقال ابن وضاح: هو
غير صحيح وأجدر به أن يكون كذلك لما يذكَره بعد في الباب الذي بعد
هذا ورواية إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عبد الرحمن بن الأسود بن
سوارة ويقال: الأسود بن عمرو بن رياش، ويقال: ليان القرشي الأموي
أخي إسماعيل وصالح وعبد الأعلى وعبد الحكم وعمار بن ياسر ويونس
ومحمد فأنه ممن قال فيه أبو عيسى: تركه بعض أهل العلم منهم الإمام أحمد،
وقال الجوزجاني: سمعت أحمد يقول: لا تحل الرواية عنه، فقلَت: يا أبا
عبد الله لا تحل. قال: عندي، وقال أبو حاتم والفلاس والنسائي وعلي بن
الجنيد والدارقطني: زاد الفلاس منكر الحديث، وقال البخاري: قد تركوه، وقال
أبو زرعة: ذاهب الحديث، وقال يحيى: ليس بشيء لا نكتب حديثه، وفي
رواية: كذاب وسئل سعدون عن حديث يعلي بن ثابت عن الوازع بن نافع؟
__________
(1) تقدم أكثر من مرة، وكذا رقم"2"، وكذا رقم"3".
(2) صحيح. رواه النسائي (1/100) وابن ماجة (ح/479) وأحمد في"المسند" (6/407)
والبيهقي في"الكبرى" (1/128) والحاكم في"المستدرك" (1/138) والدارقطني (1/146-
148) والموطأ (42) .
(3) صحيح. بشواهده. رواه البيهقي في"الكبرى" (1/128، 129، 130، 2666) ومعاني
الآثار (1/73) وبلفظ فيه"فرجه"رواه ابن حبان (214) والخطيب (1/29) .

(1/422)


فقال: لا يروي الحديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مثل الوزاع، وسئل عن
حديث إسحاق بن أبي فروة؟ فقال: شرَا مما قال في التواريخ، وقال ابن
المديني: هو منكر الحديث، وقال ابن سعد: كان كثير الحديث يروي أحاديث
منكرة ولا يحتجون بحديثه وكان يرى رأي الخوارج، وقال الساجي:
ضعيف الحديث ليس بحجة وكان له أخ/يقال له: الحكم ضعيف مثله،
وكان أبو فروة يسمى كيسان وكان حفَّارَا من رقيق الإِمارة الذين يحفرون
القبور، وفي كتاب العقيلي جلس إسحاق في مسجد المدينة بحديث والزهري
إلى جانبه فجعل يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما أكثر قال الزهري: قاتلك
الله يا ابن أبي فروة ما أجرأك على الله ألا نستر، حديثك إنّك تتحدّث
بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمّة، وقال محمد بن عاصم: كان من أهل
الصدق قدمت المدينة ومالك حي فلم أر أهل المدينة يشكون أن إسحاق بن
أبي فروة متَّهم على الدين، وقال أبو غسان: جاءني ابن المديني يكتب عن
عبد السلام أحاديث ابن أبي فروة فقلت: أي شيء نصنع بها؟ فقال: أعرفها
لئلا تقلب، ولما ذكره أبو العرب في كتاب الضعفاء زاد أنّ النسائي قال: ليس
بثقة ولا نكتب حديثه، وقال ابن البرقي: هو ممن ترك حديثه واتهم في روايته
وفي سؤالات الآجري: سمعت أبا داود يقول: إسحاق بن أبي فروة مولى
عثمان قتلته الخوارج ودفن في المسجد وقال ابن نافع ضعيف، وقال البزار:
ليّن الحديث وضعفه أيضَا الفسوي وضعّف به ابن الجوزي غير حديث وكذلك
ابن طاهر في كتابيه الذخيرة والتذكرة، وفي الباب غير ما حديث عكس ما
يوهمه كلام ربيعة الرازي بقوله: أما كان في الصحابة من يحمل هذا الدين
إلا بُشرة من ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، ثنا به أبو النون
العسقلاني- رحمه الله- قرأه عليه وأنا أسمع بن المقر عن ابن ناصر، ثنا أبو
منصور محمد بن أحمد المعمري- رحمة الله عليه- وأنبأ الإِمام بدر الدين
محمد بن خالد بقراءتي عليه أخبركم ابن الغراب قرأه عليه عن فاطمة بنت
سعد، ثنا أبي ثنا المعمري، ثنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن أبي حفص،
ثنا الحافظ أبو جعفر بن شاهين قال عبد بن سليمان بن الأشعث، ثنا هشام بن
عبد الملك ثنا عبد الله بن محمد البغوي، ثنا محمد بن سليمان الباهلي قالا:

(1/423)


ثنا أحمد بن الفرح الحمصي ثنا بقية ثنا الزبيدي عن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/من حديث (1) سعيد بن المسيب عنها أنها
قالت: " يا رسول الله، كيف تتوضأ إحدانا أتمس فرجها بعد أن تتوضأ؟
فقال: من مسّ فرجه فليتوضأ ". ومن حديث ابن عمر عنها أيضا، ولما ذكره
أيضا في حديث عائشة من طريق ابن أبي شريح الرجال والنساء سواء، ولما
ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده
عن بسرة: " سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المرأة تدخل يدها في فرجها؟ فقال: عليها
الوضوء ". قال: لم يرو عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان إلا يحيى بن
أسد تفرد به سليمان بن داود، ولم يأت بعد في حديث عائشة- رضى الله
عنها- وفي كتاب العلل لأبي عيسى الترمذي قال: محمد وحديث
عبد الله بن عمرو بن العاص في مس الذكر هو عندي صحيح، وفي كتاب
المعرفة للبيهقي ورواه عن عمرو كذلك يعني موصولا عن عبد الله بن المؤمل
المخزومي وثابت بن ثوبان، وفي كتاب السنن الكبير وهو غير ثابت غرسه.
قال: وخالفهم المثنى بن الصباح عن عمرو في إسناده وليس بالقوي، وخرجه
ابن الجارود في المنتقى وأبي ذلك الإمام أحمد بن حنبل حين سُئل عنه فقال:
ليس بذاك كأنه ضعفه، ذكره الخلال في علله وفيه إشكال من حيث تخريجه
في مسنده أو لا يخرج فيه إلا ما صح عنده، كذا ذكر أبو موسى الحديثى
فيما رويناه عنه، وقال ابن وضاح: هو غير صحيح فصرح بذلك الطحاوي.
والقول والقلب إلى ما قاله البخاري: ومن تابعه أميل. والله أعلم، وحديث
زيد بن خالد الجهني- رضى الله عنه- ذكره أحمد بن أبي عزرة في مسنده
عن الحسن بن الرسخ، ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى أبو همام عن ابن
إسحاق، رواه ابن شاهين في كتاب الناسخ والمنسوخ عن الحسن بن حبيب
الدمشقي، ثنا أحمد بن عبد الرحيم العراقي، ثنا عمرو بن أبي سلمة، ثنا
صدقة (2) بن عبد الله عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن زيد بن
خالد الجهني عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من مس فرجه فليتوضأ " ثنا البغوي،
__________
(1) هنا بياض بالأصل غير واضح تماما.
(2) قوله: " صدقة " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(1/424)


ثنا ابن هانئ، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا أحمد بن يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي
عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن مسلم / الزهري فذكره وقال مهنأ سألت أبا
عبد الله في حديث ابن إسحاق عن الزهري عن عروة عن زيد بن خالد في
مس الذكر فقال: ليس بصحيح الحديث حديث بسرة فقلت: من قبِل منْ
جاء خطاؤه؟ قال: من قبل ابن إسحاق أخطأ فيه، قلت: وكان ابن إسحاق
يخطئ في مثل هذا؟ قال: نعم له غير شيء، ولما ذكره أبو جعفر الطحاوي
قال: نفس هذا الحديث منكر وأخلق به أن يكون غلطا، وذلك أن عروة
أنكره لما سأله مروان بن الحكم عن مس الفرج فأجابه برأيه إلا وضوء فيه، فلما
قال له: مروان بن بسرة ما قال، قال عروة: ما سمعت به وذلك بعد موت
زيد بن خالد، فكيف يجوز أن ينكر ما حدّثه إياه زيد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورد
ذلك عليه الحافظ البيهقي بقوله: وأما ما قال من تقديم موت زيد بن خالد
فهذا منه توهم ولا ينبغي لأهل العلم أن يطعنوا في الأخبار بالتوهم، فقد بقى
زيد إلى سنة ثمان وسبعين، ومات مروان سنة خمس وستين كذا ذكره أهل
العلم بالتواريخ يجوز أن يكون عروة لم يسمع من أحد حين سأله مروان، ثم
سمعه من بسرة ثم سمعه بعد ذلك من زيد، فرجع إلى رأيها وحديثها، وفي
سؤالات مُضر قلت له- يعني يحيى بن معين- فحديث زيد بن خالد قال:
خطأ أخطأ فيه ابن إسحاق، وقال لابن عبد البر: هو خطأ لا شك فيه،
ويقول يعقوب بن إسحاق: سفيان، وقال ابن المنذر: لا أعلم لابن إسحاق إلا
حديثين منكرين نافع عن ابن عمر مرفوعا: " إذا نعس أحدكم يوم
الجمعة " (1) ، والزهري عن عروة عن زيد بن خالد: " إذا مس أحدكم فرجه "
كذا ذكره البيهقي في الخلافيات، وفي كتاب العقيلي لم ينكر على أبي
إسحاق إلا حديث نافع إذا نعس أحدكم لم يذكر الثاني، وفي كتاب العلل
الترمذي قلت له- يعني البخاري-: فحديث محمد بن إسحاق عن الزهري
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/526) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والبيهقي في
" الكبرى " (3/238) وشرح السنة (4/269) والمشكاة (1394) والخطيب (1/229) وابن
حبان (57) والكنز (21162) وابن أبي شيبة (2/120) والمجمع (2/180) وعزا هـ إلى " البزار "
و" الطبراني في الكبير " وفيه إسماعيل في الجامع الصغير أيضا لأحمد.

(1/425)


عن عروة عنها عن زيد قال: إنما روى هذا الزهري عن عبد الله بن أبي بكر
عن عروة عن بُسرة، ولم يعد حديث زيد بن خالد محفوظا، وقال ابن وضاح
هذا حديث لا يصح. انتهى، والكل عصبوا الجناية برأس ابن إسحاق، وقد
بويع ابن إسحاق على ذلك فسلم الحديث/وهو من الحجاز، وذكر ابن أبي
حاتم في كتاب العلل: سألت أبي عن حديث رواه عبد الرزاق وأبو قرة
موسى بن طارق عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن
عروة عن بُسرة وزيد بن خالد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مس الذكر فقال لي: أخشى
أن يكون ابن جريج أخذ هذا الحديث من إبراهيم بن أبي يحيى؛ لأن أبا
جعفر ثنا قال: سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يقول: جاءني ابن جريج يكتب
مثل هذا خفض يده اليسرى ورفع يده اليمني مقدار بضعة عشر حرفا فقال:
أروي هذا عنك، فقال: نعم، وفي كتاب المعرفة لأبي بكر الحافظ- رحمه
الله- وهذا الحديث إنما ذكره صاحبنا الشافعي من جهة ابن جريج عن ابن
شهاب عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة، عن بُسرة وزيد وخالد، وقد
أخرجه إسحاق ابن إبراهيم الحنظلي في مسنده كما ذكرناها وهو إسناد
صحيح ليس فيه محمد بن إسحاق ولا أحد مما يختلف في عدالته، وإنما المنكر
عن ابن إسحاق روايته عن الزهري عن عروة نفسه؛ فإن الزهري لم يسمعه من
عروة، وإنما أنكر عليه ذكر زيد بن خالد في روايته من لم يبلغه رواية ابن
جريج أو بلغته بالشد، وقال في الخلافيات: رواه ابن جريج عن ابن شهاب
عن ابن أبي بكر، ثم اختلف عليه فقيل عبد الله بن أبي بكر عن عروة عن
بُسرة أو زيد بن خالد على الشك، وهذه رواية محمد بن أبي بكر عن ابن
جريج: أخبرني الزهري عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة، ولم أسمع ذلك
منه، وكذا رواية ابن خزيمة عن ابن رافع عن عبد الرزاق، أخبرني ابن جريج،
حدثني ابن شهاب عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة قال: ولم أسمع ذلك
أنه كان يحدث عن بُسرة أو عن زيد بن خالد، وكذلك إبراهيم بن الحسن
عن حجاج قال: قال ابن جريج فذكر الإسناد والشك بين بُسرة وزيد، وفيه
ولم أسمع ذلك منه- يعني الزهري- قائل ذلك روايته في مسند إسحاق فلا
أشك، ورواية بن إسحاق بن يسار تدل على صحة رواية إسحاق، وقال: وقد

(1/426)


بين ابن جريج هذا الحديث عن ابن شهاب عن عبد الله عن عروة/عن بُسرة
وزيد بن خالد، رواه إسحاق في مسنده عن محمد بن بكر البرساني عن ابن
جريج قال: حدثني الزهري فذكره قال: هذا إسناد صحيح. انتهى كلامه،
وفيه إشارة إلى دفع ما أعله به أبو حاتم؛ إذ فيه تصريح ابن جريج بالحديث
والله أعلم، ورواه ابن عدي في كامله من جهة أحمد بن هارون المصيصي
وقال: كان يروي مناكير عن قوم ثقات لا يتابعه عليها أحد عن حجاج عن
الزهري عن عروة عن عائشة وزيد بن خالد الحديث من غير تردّد، قال
البيهقي في الخلافيات: أخطأ فيه هذا المصيصي حيث قال عن عائشة وإنّما هو
عن بُسرة، وبنحوه ذكره الحافظ بن طاهر في كتاب الذخيرة وفي كتاب
المعرفة، وتعليل من علل حديث الزهري باختلاف الرواة عليه في إقامة إسناده
لا يقدح في رواية من أقام إسناده، فالذي أقامه حافظ ثقة وخطأ من أخطأ فيه
على الزهري حين قال عن عروة عن عائشة، أو على هشام حين قال: فيه عن
عروة، ولا يقدح في رواته أهل الثقة فمثل ذلك موجود في رواية الضعفاء
لأحاديث أهل الحفظ، فلم يقدح ذلك في روايتهم، ولم يرد به أحد من أهل
العلم حديثهم والله أعلم، وحديث حفصة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مس فرجه
فليتوضأ ".
وذكر الشيرازي عن الفرج عن مالك عن نافع عن ابن عمر عنها ثم قال:
هكذا قال، والصواب مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة وزيد بن خالد
وحديث أبي هريرة رواه الدارقطني في كتاب السنن فقال: حدثنا أحمد بن
خالد الدقاق، ثنا حسن بن سالم السواق، ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي،
ثنا يزيد بن عبد الملك بن المغيرة النوفلي عن سعيد بن أبي سعيد المغيري عن
أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه، فليتوضأ
وضوه للصلاة " (1) وهو حديث قال فيه الأثرم: قلت لأبي عبد الله: حديث
__________
(1) حسن. رواه للنسائي (1/216) وللبيهقي (1/132، 134) والدارقطني (1/147)
ونصب الراية (1/56) وللطبراني في " الصغير " (1/42) وتلخيص (1/125) .
قلت: تعددت طُرقه للضعيفة فحسنته.

(1/427)


أبي هريرة في مس الذكر أدخلوا بين يزيد عبد الملك وبين المقبري رجلا قال:
أنا موسى الخياط/قال: من قال هذا؟ قلت: عبد الله بن نافع الصائغ،
قال: ذلك لم يكن بحفظ الحديث، كان الغالب عليه الرأي، وأما أبو سعد
مولى بني هاشم فقال عن يزيد سمعت سعيد المقبري ثم قال: لا أبعد أن
يكون هذا من هذا الشيخ يزيد بن عبد الملك، فإنه يروى أحاديث مناكير،
قلت له: يروى عن يزيد بن حفصة حصيفة أحاديث مناكير، قال: نعم،
قال الخلال: ثنا عبد الله، ثنا أبي ثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك يعني
النوفلي، ثنا أبي ذكره عن سعيد بن أبي سعيد أنه أخبره عن أبي هريرة عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من أفضى بيده إلى ذكره وليس عليه ستر فقد وجب
عليه الوضوء " (1) أخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبد الله قال: يزيد بن عبد
الملك مدني ليس به بأس، وقال غيره: وصحح فيه، وقال ابن وضاح: هذا
حديث لا يصح وضعّفه الطحاوي وأبو عمر بن يزيد النوفلي وقال الشّافعي:
روى حديث يزيد عدد منهم سليمان بن عمرو ومحمد بن عبد الله بن دينار
عنه لا يذكرون أبا موسى الخياط، وقد سمع يزيد من سعيد المقبري، كذا
ذكره عنه البيهقي في المعرفة ثم قال: وروى عبد الرحمن بن القاسم ومعن بن
عيسى وإسحاق القروي وغيرهم عن زيد بن سعد كما قال الشّافعي، وفي
سؤالات مضر قلت له: يعني ابن معين فحديث أبي هريرة قال: رواه يزيد بن
عبد الملك عن سعيد وقد أدخلوا فيها رجلا مجهولا، ولما ذكره أبو بكر البزار
في مسنده عن سعيد بن بحر القراطيسي عن معن بن عيسى عن يزيد عن
المقبري عن أبي هريرة قال: وهذا حديث لا نعلمه يروى عن أبي هريرة هذا
اللفظ، وفيه نظر لذا ذكره الحازمي، وقد روى عن نافع بن عمر الجمحي عن
سعيد المقبري كما رواه يزيد بن عبد الملك، وإذا اجتمعت هذه الطرق، ولتنا
على أن هذا الحديث له أصل من رواية أبي هريرة، ولما ثنا أبو البركات محمد
__________
(1) ضعيف. رواه أحمد (2/333) والمعاني (1/74) والبيهقي (1/333، 134) ونصب
الراية (1/56) والمجمع (1/245) وعزاه إلى " أحمد " و" الطبراني " في " الأوسط "
و" الصغير " و" البزار " وفيه يزيد بن عبد الملك النوفلي، وقد ضعفه أكثر الناس ووثقه يحيى بن معين في رواية.

(1/428)


الصوفي- رحمه الله- بقرآتي عليه أخبركم أبو محمد بن عبد العزيز بن عبد
الرحمن وعبد العزيز الحراني قال الأول: ثنا أبا أسعد بن سعيد/الأصفهاني
وأم هانئ عفيفة الفارمانية وعائشة بنت معمر بن عبد الواحد وقال البراني:
أنبأنا عفيفة قالوا: ثنا فاطمة الجرزدانية، ثنا ابن يزيد، ثنا أبو القاسم سليمان بن
أحمد بن أيوب اللخمي، ثنا أحمد بن عبد الله بن العباس الطلي البغدادي، ثنا
أحمد بن سعيد الصمداني، ثنا أصبع بن الفرح، ثنا عبد الرحمن بن القاسم
عن نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك النوفلي عن سعيد المقبري عن أبي
هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها
حجاب فقد وجب عليه الوضوء " قال الطبراني: لم يروه عن نافع إلا عبد
الرحمن بن القاسم الفقيه المصري، ولا عن عبد الرحمن إلا إصبع تفرد به
أحمد سعيد، وفيما قاله نظر لما يذكره الحاكم بعد، وخرجه أبو حاتم بن حبان
في صحيحه من جهة نافع ويزيد كما قدمناه، ثم قال: اعتمادنا إنما هو علي
نافع، فأما يزيد فقد تبرأنا من عهدته في كتاب الضعفاء، وذكر أبو عمر أن
ابن السكن قال: هو أجود ما روى في هذا الباب لرواية أصبع عن ابن
القاسم صاحب مالك عن نافع ويزيد جميعا عن سعيد عن أبي هريرة، وأصبع
وابن القاسم فقيهان أعيان فصح الحديث بنقل العدل عن العدل على ما ذكر
ابن السكن، إلا أن الإِمام أحمد كان لا يرضى نافع بن أبي نعيم وخالفه ابن
معين فقال: هو ثقة ورواه أبو عبد الله في مستدركه فقال: ثنا أبو الحسين
محمد بن محمد الحافظ عن علي ابن أحمد بن سليمان، ثنا علان عن
محمد بن أصبع حدّثني أبي، ثنا نافع بن أبي نعيم عن سعيد بن أبي سعيد
عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مس فرجه فليتوضأ " وقال:
هذا صحيح شاهده الحديث المشهور عن يزيد بن عبد الملك عن سعيد، ولما
ذكره أبو القاسم في الأوسط، ثنا محمد بن الحسن بن قتيبة، ثنا محمد بن
خلف العسقلاني، ثنا حبيب كاتب الملك، ثنا شبل بن عبادة عن سعيد بن أبي
سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال:/قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أفضى
أحدكم بيده إلى ذكره فليتوضأ " ثم قال: لم يروه عن شبل إلا حبيب،
وحديث عائشة- رضى الله عنها- قال الدارقطني في السنن الكبير: ثنا

(1/429)


محمد بن مخلد، ثنا حمزة عن سعيد بن العباس المروزي، ثنا الحسين بن
إسماعيل، ثنا يحيى بن مُعلي، ثنا عتيق بن يعقوب، حدثني عبد الرحمن بن
عبد الله بن عمر بن حفص العمري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ويل للذين يمسون فروجهم ولا يتوضئون " (1) قالت
عائشة بأبي أنت وأمي هذا للرجال أفرأيت النساء قال: إذا أفضت أحداكن
فرجها فلتتوضأ للصلاة ثم قال عبد الرحمن العمري: ضعيف، وفي كتاب
الكبير للنسائي: ثنا محمود بن خالد، ثنا الوليد، ثنا صدقة أبو معاوية وحديثه
عن ابن وهب عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة
مرفوعا: " توضئوا من مس الذكر " ورواه ابن شاهين من جهة إبراهيم بن
إسماعيل بن أبي حبيِبة عن عمرو بن شريح عن الزهري عن عروة عنها قالت:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مس فرجه فليتوضأ "، قال: وقال الأموي:
ذكره ثنا سعيد بن قيس الصواب ثنا جامع بن سوادة، ثنا زياد بن يونس
الحضرمي، ثنا يحيى بن أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه عنها قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مس فرجه فليتوضأ " ثنا عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري
علي بن سعيد بن النعمان النسائي، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدّثني أبي
عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي بكر عن المهاجر بن عكرمة عن الزهري
عن عروة/عن عائشة أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعاد الوضوء في مجلس فسألوه عن ذلك
فقال: " إني دككت ذكري " (2) .
ولما سئل البخاري فيه بقول الترمذي قلت له: فحديث عروة عن عائشة
وعن أبي عن أروى فقال: ما يصنع بهذا هذا مما لا يستعمل به ولم يعبأ بهما،
وفي علل ابن أبي حاتم سألت أبي عن حديث رواه حسن الحلواني عن عبد
الصمد بن عبد الوراث عن أبيه عن حسين عن يحيى بن أبي كثير عن المهاجر
عن عكرمة عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي عليه السلام: " من
مس ذكره فليتوضأ ".
__________
(1) هذا حديث سقط من " الأولى " وأثبتناه من الثانية.
(2) سقطت بعض للكلمات من " هذا الحديث " وأثبتناها من النسخة " الثانية ".

(1/430)


ورواه شعيب بن إسحاق عن هشام عن يحيى عن عروة عن عائشة عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به قال أبي: هذا حديث ضعيف لم يسمعه يحيى من الزهري
وأدخل بينهما رجل ليس بالمشهور، ولا أعلم أحد روى عنه إلا يحيى، وإنما
يرويه الزهري عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة عن مروان عن بسرة، ولو أن
عروة سمع من عائشة لم يدخل بينهما أحد، وهذا يدل على وهن الحديث
وقد ذكر أبو نعيم الحافظ في هذا الحديث علة أخرى: وهي أن الزهري سمعه
من عروة فقال في تاريخ أصبهان، ثنا عبد الله بن محمد، ثنا عامر بن أحمد
الفرائضي، ثنا إبراهيم بن فهد، ثنا أحمد بن شبيب، ثنا أبي عن يونس عن ابن
شهاب عن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مس فرجه فليتوضأ " قال: سألت أبا عبد الله عن حديث عبد
العزيز عن الدستوائي عن يحيي بن أبي بكر عن أبي سلمة عن عروة عن عائشة
في مس الذكر فقال: ليس بصحيح، إنما كان يحدث به الدستوائي عن
يحيى بن أبي كثير عن رجل عن عائشة، قال الخليل: وقال غير مهنأ يعني
عنه ولو كان عنده يعني عروة صحيحا عن عائشة لم نحتج أن يجادل مروان
إنما الحديث حديث بسرة، ورواه أبو جعفر الطحاوي، ومن هذا ويعمر بن
شريح وقال ابن وضاح (1) : ليس بصحيح وأشار في المعرفة إلى أنه خطأ، وفي
المستدرك لأبي عبد الله وقد صحت الرواية عن عائشة بنت الصديق- رضى
الله عنهما- أنها قالت: " إذا مست المرأة فرجها توضأت " وسيأتي في
الباب الذي بعد هذا ما يناقض ذلك، وحديث عبد الله بن العباس أخرجه
أحمد بن عدي في كامله من جهة الضحاك بن حيوة قال: وليس بشيء كل
رواياته مناكير أما شاذا عن الهيثم الراسبي عن عبد الله بن يزيد عن يحيى بن
يعمر عنه مرفوعا: " من مس ذكره فليتوضأ " ولما ذكره البيهقي في
الخلافيات ضعفه بالضحاك هذا وأجدر أن يضعف / به الأحاديث؛ ولأنه ممن
قال فيه ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به، وقال الدارقطني: يضع الحديث والله
أعلم، وحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضى الله عنهما- ذكره ابن
(1) قوله: " وضاح " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(1/431)


شاهين فقال: ثنا الحسن بن حبيب بن عبد الملك بدمشق، ثنا أحمد بن عبد
الرحيم البرقي، ثنا عمرو بن أبي سلمة، ثنا صدقة بن عبد الله الدقيقي، ثنا
هاشم بن زيد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مس فرجه
فليتوضأ " ثنا أحمد بن محمد بن زيد الزعفراني، ثنا القاسم بن هاشم، ثنا
يحيى بن صالح، ثنا العلاء بن سليمان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مس فرجه فليتوضأ " ثنا أحمد بن محمد بن زيد
ورواه الحاكم في تاريخ نيسابور عن أبي زكريا يحيى بن محمد، ثنا إيراهيم بن
أبي طالب، ثنا أحمد بن يوسف السلمي، ثنا عمرو بن أبي سلمة بلفظ: " من
مس ذكره فليتوضأ "، ورواه أيضا عن الأصم، ثنا أبو الحسن الشعراني، ثنا
السر بن جرير الثقة وفوق الثقة، ثنا سعيد بن هبيرة ثنا جرير به عن نافع ورواه
أيضا فيما قاله البيهقي عن أبي بكر بن أبي العزائم الرباعي عن عبد العزيز بن
أبان، ورواه عن الثوري عن أيوب عن ابن سيرين عنه، وقال: تفرّد به أبو بكر
عن عبد العزيز بن أبان، ورواه البيهقي أيضا من جهة عمرو بن خالد عن
العلاء بن سليمان عن الزهري وقال: هذا ضعيف، والحمل فيه على العلاء
فيما أظن، ورواه أيضا من جهة ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب، وقال
ابن لهيعة: لا نحتج به، قال: ورواه الشافعي في القديم ثم عن الزنجي عن ابن
جريج عن عبد الواحد بن قيس وعن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن
عمرو بن شعيب عنه وكلاهما منقطع وفي سؤالات مضر قلت: وحديث ابن
عمر قال: الصحيح منه غير مرفوع وضعّفه الطحاوي بصدقة وبالعلاء، وقال
الخليل: هذا منكر بهذا الإِسناد لا يصح من حديث أيوب يعني عن ابن
أيوب- يعني عن ابن سيرين/عنه- ولا من حديث الثوري، والحمل فيه
على عبد العزيز بن إبان الكوفي ضعفّوه.
آخر الجزء والله أعلم، يتلوه في الجزء الذي بعده إن شاء الله تعالى
وحديث أروي ابنه أنيس، وكان الفراغ منه في يوم الأحد المبارك سادس عشر
من جمادي الأولى سنة سبع ثمان مائة أحسن الله بعضها بخير منه وكرمه
والحمد لله رب العالمين.
اللهم صلى على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل

(1/432)


بسم الله الرحمن الرحيم
صلّى الله على سيّدنا محمّد وآلِهِ وصحْبه وسلّم
وحديث أروى ابنة أنيس. ذكره الحافظ أبو زكريا، وقد تقدّم تضعيف البخاري له
من كتاب العلل الكبير الترمذي، وكلام البيهقي في المعرفة أيضا. وحديث يحيى بن
أبي كثير عن رجال من الأنصار أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ ".
رواه الشافعي (1) عن مسلم وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن يحيى به، وإسناده
صحيح عند جماعة لتوثيقهم يحيى، وفي المعرفة للحافظ أبي بكر: أنبأنا أبو عبد
الرحمن السُّلمي، أنّ أبا الحسن محمد بن عبد الله بن محمد بن صبيح أخبرهم، أنا عبد
الله بن محمد بن شيرويه، أنا إسحاق الحنظلي، أنا محمد بن بكر البرساني، ثنا ابن
جُريج قال: وقال يحيى بن أبي كثير عن رجل من الأنصار: " أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى
ثم عاد في مجلسه فتوضأ، ثم أعاد الصلاة فقال: إنّي كنت مسست ذكرى
فنسيت " (2) . هذا ضعيف لضعف السلمي، وحديث سعد بن أبي وقاص وأم
سلمة زوج المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذكرهما أبو عبد الله الحاكم في
كتاب المستدرك. وحديث قيس بن طلق عن أبيه، ذكره الطبراني، وسيأتي،
وفي حديث عبد الله بن عمر وسعد وأم سلمة والرجال والرجل من الأنصار،
__________
(1) صحيح. رواه الشافعي (12) والنسائي (1/100) وابن ماجة (479) وأحمد في
" المسند" (6/407) والبيهقي (1/138) والحاكم (1/138) والدارقطني (1/146- 147)
وعبد الرزاق (412) وابن خزيمة (33) وشرح السنة (1/340) والخطيب (4/311) والحلية
(7/159) والخفاء (1/106) ومطالب (139، 141) والموطأ (42) وشفع (90) والبغوي
(1/535) وابن حبان (214) وابن عساكر في " التاريخ " (1/403) والعقيلي (1/274) وابن
سعد (8/179) وحبيب (1/27226)
(2) ضعيف وتقدم من أحاديث الباب

(1/433)


وإن كان ظاهرهما الإرسال، وابن عباس وطلق ردّ لما أغفله الترمذي حين تعداده الرواة.
35- باب الرخصة في ذلك
حدثنا علي بن محمد بن جابر قال: سمعت قيس بن طلق الحنفي (1) عن
أبيه: " سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن مس الذكر فقال: ليس فيه وضوء إنما
هو منك ". هذا حديث ضعيف بضعف الإسناد؛ لأن محمد بن جابر بن
سيار بن طلق أبا عبد الله اليمامي الحنفي السحمي أخا أيوب بن جابر، قال
فيه يحيي بن معين: ضعيف، وقال مرة: ليس بشيء، وسئل عنه محمد بن
جابر فقال: لا بأس به، وفي تاريخ ابن المبارك قال عبد الله بن محمد بن
جابر: هذا وهو الحديث الثاني من أبيه لا يحفظ جزئية، فقلت له: أيّها
الشيخ إنك حدثتني بكذا وكذا، قال: فوثب أولئك على المسار للحديث
فكفّهم محمّد عني قال: ثم جاءني محمد إلى رحلي ومعه كتابه فقال: انظر،
فنظرت فإذا هو صحيح على ما حدثني فقلت: رحمه الله لا أحدِّث إلا من
كتابه، ولفظ أبي داود في كتاب التفرد/عن محمد بن جابر قال في الصّلاة،
كذا رواه الثوري وربيعة وهشام بن حسان وابن عيينة وجرير عن ابن جابر،
وفي رواية عباس أنه كان أعمى واختلط حديثه، وكان كوفيا ثم انتقل إلى
اليمامة، وقال أحمد: لا يحدث عنه إلا من هو شرّ منه، وقال البخاري:
ليس بالقوي، تكلموا فيه، وقال: ذهب في آخر عمره واختلط وساء حفظه،
وكان يلقن، وقال ابن حبان: كان أعمى يلحق في كتبه ما ليس من حديثه
ويسرق ما ذكر فيحّدث به، وقال عبد الله بن أحمد (2) : سمعت أبي يقول:
كان محمد رُبّما ألحق في كتابه أو لحق كتابه- يعني الحديث- وربما الحق،
وهذا حديث ليس بصحيح، وهو كذب، وفي كتاب العقيلي عن عبد الله
قال الفلاس: صدوق كثير الوهم متروك الحديث، وكان ابن مهدي يحدث
عنه ثم تركه بعد، وكان يروي أحاديث مناكير، وهو معروف بالسّماع، جيِّد
اللقاء وفي كتبه لحن، وحديثه عن حمّاد فيه اضطراب، وقال النسائي:
__________
(1) قوله: " الحنفي " وردت " بالثانية ": " الختني "، وهو تحريف، والصحيح الأولى.
(2) شطب " بالأصل ".

(1/434)


ضعيف، وقال ابن عدي ولمحمد بن جابر من الحديث غير ما ذكرت، وعند
إسحاق بن إسرائيل عنه أحاديث صالحة، وكان يعني ابن إسرائيل يفضله على
جماعة شيوخ هم أفضل منه وأوثق، وقد روى عنه من الكبار أيوب وابن عون
وهشام وحسان والثوري وشعبة وغيرهم، ولولا أن محمد بن جابر في ذلك
المحل لم يروه عنه هؤلاء الذين هو دونهم، وقد خالف في أحاديث، ومع ما
تكلم فيه من تكلم فكتب حديثه، وفي سؤالات الآجري: سألت أبا داود عن
محمد بن جابر اليمامي فقال: ليس بشيء، وفي موضع آخر: سمعت أبا داود
يقول: روى شعبة وسفيان عن محمد بن جابر ذاك الحديث، وسفيان أظنّه
كتب به إليه، وقال الدولابي في كتاب الكني: ضعيف، وقال العجلي:
ضعيف، وذكره أبو العز عن ابن مهدي، وذكر محمد بن جابر فجعل
يضعفه، وقال محمد بن عيسى: قال لي أخي- يعني إسحاق-: حديث
محمد بن جابر كان يحدّث لشريك عن أبي إسحاق، قال: وأبيه في كتابه
قد ألحقه ين سطرين من كتابه طري (1) ، قرأت على أبي الفنون وأبي الحسن بن
أبي بكر/الضرير- رحمهما الله تعالى- قلت للأول: أنبأك المقبري عن المدني
وابن ناصر، وقال المدني: نا وقال ابن ناصر أنبأنا ابن خلف، والثاني: أنبأك
الحافظ البكري أنا القاسم بن عبد الله الصفّار، ثنا عمه والد عائشة بنت أحمد
عن أبي بكر بن خلف، قال: أنا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، أنا أبو بكر بن
إسحاق الإمام أنا أبو مسلم عبد الله بن رجاء، ثنا همام عن محمد بن جابر
عن قيس بن طلق عن أبيه: " أنّه سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو سأله رجل- فقال: بينا
أنا في الصلاة ذهبت أحك فخذي فأصابت يدي ذكري فقال: هل هو إلا
بضعة منك " (2) . قال الحاكم: هذا حديث رواه جماعة من التابعين عن
محمد بن جابر فلم يذكر الزيادة في حك الفخذ غير عبد الله بن رجاء عن
همام بن يحيي، وهما ثقتان. وفي تاريخ أصبهان (3) لأبي نعيم من حديث ابن
جابر: " إنما هو بضعة منك فأنى أعزله "، وقال ابن شاهين: هذا حديث
__________
(1) كذا ورد هذا اللفظ " بالأصل ".
(2، 3) رواه النسائي (1/101) وأحمد (4/23) والبيهقي (1/134) وابن أبي شيبة=

(1/435)


اشتهر به محمد بن جابر، ورواه عنه الأكابر ممن هو أسنّ منه وأقدم موتا،
منهم: أيوب السختياني وعبد الله بن عون وسفيان الثوري وهشام بن حسان
وقيس بن الربيع وهمام بن يحيى وصالح المزي وحّماد بن زيد وسفيان بن عبد
الله ووكيع وابن فضيل والمفضل ابن صدقة وأخوه أيوب بن جابر، وجماعة
ذكروا في الأكابر عن الأصاغر، وذكر الحافظ أبو القاسم الطبراني لمحمد بن
جابر متابعا؛ وهو أيوب بن عتبة عن قيس بلفظ: " سأل رجل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقال: يا رسول الله أرأيت إذا مس أحدنا ذكره يتوضأ؟! فقال: لا، إنما هو
بضعة منك " (1) ، وفي لفظ: " سأله عن مس فرجه "، وأيوب أشُدّ من محمد،
فإنّه ممن قال فيه يحيى: ليس بشيء، وفي رواية: ليس بالقوي، وقال مرّة:
ضعيف الحديث، وكذلك قال مسلم وأبو زرعة، وقال النسائي: مضطرب
الحديث، وقال علي بن الجنيد: شبه المتروك، وقال البخاري: لا أحدث عنه،
كان لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه، وقال الترمذي: وضعّفه محمد بن
رجاء، وقال أبو داود: منكر الحديث، وقال السعدي: ضعيف، ولما ذكره
الشامي في كتاب الضعفاء قال: قال العلاء: وضعّفه يحيى، وليس هو ساقط
الحديث، وقال أحمد: ضعيف الحديث، وفي كتاب أبي العرب/قال ابن
البرقي أيوب بن النجار: والمحاملي وأيوب بن عتبة ممن نسب إلى الضعف
واحتملت روايتهما، وذكر البيهقي أنّ أيوب ومحمد ضعيفان، وكذا قاله
الحازمي وابن طاهر وابن الجوزي في العلل الساهرة، ورواه أيضا رجل آخر
يسمى أيوب بن محمد عن قيس بن طلق، في مس الذكر لا أعرفه، بل
أعرف لأبي داود شيخا يقال له أيوب بن محمد العجلي روى عن بشير له
وطعنه ابن علي، وأيوب بن محمد شيخ مصري يلقب أبا الجمل، ثنا عنه عبد
الله بن صالح بحديث عن أيوب بن موسى بن يحيى بن أبي كثير، فلعل عبد
الحميد أراد هذا إذ أيوب أخا محمد بن جابر، فقال ابن محمد: أو أراد بقول
__________
(1/165) وتلخيص (1/125) والمشكاة (320) وابن سعد (5/402) والمعاني (1/76)
وأصفهان (2/222) .
(1) رواه أحمد (4/22) والحلية (03/17) والفتح (1/254) والمتناهية (1/362، 363)
وأصفهان (3/353) والدارقطني (11/49) وابن عدي في " الكامل " (1/344) .

(1/436)


أيوب بن عتبة، وكان هذا أشبه من روى الحديث عمن يقال له أيوب تسعون
رجلا، وضعف هذا الحديث أيضا طلق الراوي له عن أبيه، وفي تاريخ أبي
زرعة: كان أحمد يضعف رواية أيوب عن يحيى بن أبي كثيِر قال: ذكر ابن
أبي حاتم في كتاب العلل: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه محمد بن
جابر عن قيس بن طلق عن أبيه في مس الذكر، فلم يثبتاه، وقالا: قيس بن
طلق ليس ممن تقوم به حجه ووهّناه، وفي كتاب " العلل " للخلال: قيل له-
يعني: للإِمام أحمد- حديت قيس بن طلق عن أبيه قال: قد رواه وغيره أثبت
منه (1) ، وقاله الشافعي في " القديم "، وزعم بعض من خالفنا أن قاضي اليمامة
يعني: أيوب بن عتبه- ومحمد بن جابر ذكرا عن قيس بن طلق عن أبيه عن
النبي- عليه السلام- ما يدلّ على أن لا وضوء منه، قال الشّافعي: قد سألنا
عن قيس فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا قبول خبره، وقد عارضه من وصفنا
ثقته ورجاحته في الحديث وثبته، وقال يحيى بن معين: لقد أكثر الناس في
قيس بن خلف وإنّه لا يحتج بحديثه، وأُعلّ أيضا باختلاف الرواة في ألفاظه
فيما ذكره المحاربي.
وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق سالمة من هؤلاء الضعفاء، وحكم
بصحيحها جماعة؛ منهم: الإمام أبو حاتم البستي، فإنه ذكر في كتابه
الصحيح: ثنا الحسن بن سفيان، ثنا نصر بن علي، ثنا ملازم بن عمرو عن عبد
الله بن بدْر/عن قيس بن طلق عن أبيه قال: " خرج وفد إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء
رجل فقال: يا نبي الله ... " الحديث ثم قال: ذكر الخبر المرخص فول من
زعم أن هذا الخبر ما رواه ثقة عن قيس بن طلق خلا ملازم بن عمرو، وأنا
محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري بمكة، ثنا محمد بن عبد الوهاب
الفراء، ثنا حسين بن الوليد عن عكرمة بن عمار عن قيس بن طلق عن أبيه:
" أنّه سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يمس ذكره فقال: لا بأس إنه كبعض
جسدك " (2) . ولما ذكره أبو عبد الله في تاريخ نيسابور، ثنا محمد بن يعقوب
(1) قوله: " أثبت منه " سقط من " الأولى "، وأثبتناه من " الثانية ".
(2) روى الترمذي في سننه: حدثنا هنّاد، حدثنا مُلازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن=

(1/437)


الحافظ ثنا الفراء، قال: تفّرد به الحسين بن الوليد الثقة المأخوذ عن عكرمة،
ومنهم الحافظ أبو محمد الفارسي في كتابه المحلّي، ورجحه ابن مندة على
حديث سبرة، وحكي نحو ذلك عن الفلاس وابن المديني، وقال أبو عيسى
عندما رواه في جامعه من حديث ابن بدُر عن قيس: وهذا الحديث أحسن
شيء في هذا الباب، وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر،
وقد تكلّم بعض أهل الحديث في محمد بن جابر وأيوب بن عتبة، وحديث
ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر أصح وأحسن، وأمّا قول أبي عمرو:
ملازم بن عمرو ثقة وعلى حديثه عوّل أبو داود والنسائي وكل من خرج في
الصحيح ذكر حديث سبرة في هذا الباب وحديث طلق بن علي إلا البخاري
فإنهما عنده متعارضان معلولان، وعند غيره هما صحيحان، وفيه نظر؛ لأنّ
مسلما لم يخرّج واحدا منهما، وكذا ابن خزيمة لم يخرّج حديث طلق، وهما
ممن يخرج في الصحيح، وأمّا قول البيهقي في المعرفة والخلافيات: حديث
عكرمة بن عمار عن قيس منقطع؛ لأنه قال عن قيس: إن طلقا سأل وقيس لم
يشهد سؤال طلق، وعكرمة بن عمّار أقوى من رواه عنْ نفر، وإن كان هو
أيضا يختلف في عدالته؛ فاحتج به مسلم في غير هذا الحديث وتركه
البخاري، وتبعه على ذلك الحازمي فغير الصواب منها؛ لما قدّمناه قبل من عند
ابن حبان من أنّ روايته متصلة لاشكّ فيها، وإذا صحّ للحديث طريق، وسلم
من شوائب/الطعن تعين المصير إليه، ولا عبرة باختلاف الباقين.
__________
- قيس بن طلق بن علي- هو الحنفي- عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " وهل هو إلا مضغة منه؟! " وبضعة منه؟! ". قال أبو عيسى: وقد رُوي عن غير واحد من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعض التابعين: أنهم لم يروا الوضوء من مس الذكر. وهو قول أهل الكوفة وابن مبارك. وقد روى هذا الحديث أيوب عن عتبة ومحمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه. وقد تكلم بعض أهل الحديث في محمد بن جابر وأيوب بن عتبة، وحديث ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر وهو أصح وأحسن.
قلت: والحديث رواه النسائي. (1/38) عن هناد شيخ الترمذي فيه، ويظهر أن الترمذي
اختصره، ولفظ النسائي: " أخبرنا هناد عن ملازم قال: حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن
طلق بن علي عن أبيه قال: خرجنا وفدا حتى قدمنا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعناه وصلينا معه، فلما قضى الصلاة جاء رجل كانه بدوي، فقال: يا رسول الله، ما ترى في رجل مس ذكره
في الصلاة؟ قال: وهل هو إلا مضغة منك؟! أو بضعة منك؟! ".

(1/438)


ورجحه أيضا محمد بن يحيى الذهلي بقوله: الوضوء من مس الذكر استحبابا
لا إيجابا؛ لحديث عبد الله بن بدْر عن قيس بن طلق عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حكاه
الحافظ بن خزيمة في صحيحه، وذكره أيضا ابن الجارود في كتاب المنتقى،
وكذلك الإمام أحمد بن حنبل، وسكت عنه أبو محمد الأودي، وذلك مشعر
بصحّته عنده، وتبع ذلك أبو الحسن عليه، وقال: هو حسن صحيح، وقال أبو
عمر بن عبد البر: أحسن أسانيده من جهة ملازم، وأشار الطبراني- رحمه الله
تعالى- إلى صحته، وأما تضعيف من ضعفه بقيس فغير صحيح؛ لأنه ممن
ذكره غير واحد في جملة الصحابة، وعلى تقرير لا يكون صحابيّا فقد وثقة
ابن معين فيما حكاه ابن عبد الحميد (1) وغيره، ولا معارضة بينه وبن ما
حكياه عنه من أنّه لا يحتج به؛ لاحتمال أن يكون أحد الأمرين قبل الآخر، أو
يكون الحجة عنده فوق الثقة، ووثقه أيضا أحمد بن عبد الله العجلي الحافظ،
وذكره أبو حاتم البستي في كتاب الثقات، وروى عنه جماعة؛ منهم: عبد
الله بن بدْر ومحمد بن جابر وعبد الله بن النعمان السّحيمي وابن أخيه
عجيبة بن عبد الحميد بن طلق وابنه هودة بن قيس وعكرمة بن عمار
وأيوب بن عتبة وأيوب بن محمد وموسى بن عُمير اليماني وسراج بن عقبة
وعيسى بن حيثم، وفي ذلك رد لقول من قال: قد سألنا عنه فلم نجد من
يعرفه بما يكون لنا قبول خبره؛ لأنّ هؤلاء عرفوه فرووا عنه، وأولئك عرفوا
حاله فأخبروا عنها، ولولا عرفانها لما جاز لهم تصحيح خبره، والله أعلم. ومن
كان بما وصفناه كان حديثه صحيحا لا علّة فيه، حسنا بغير شبهة تعتريه؛ أمّا
الصحة فقد تقدّم سببها، وأمّا الحسن فلعرفان مخرجه بما يأتي بعد، إن شاء
الله تعالى. حدثنا عمرو بن عثمان بن سعد بن كثير بن دينار الحمصي ثنا
مروان بن معاوية عن جعْفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامه سئل رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مس الذكر فقال: " إنما هو جزء منك " (2) . وفي مصنف وكيع بن
الجرّاح: " إنما هو جِذْوةٌ منك ". هذا حديث معلّل بأمرين:
__________
(1) قوله: " عبد الحميد لما وردت في " الأولى ": " الخير "، والصحيح الثاني.
(2) الكنز (27073) والمتناهية (1/363) .

(1/439)


الأول: جعفر بن الزبير الدمشقي الباهلي وقيل: الحنفي العابد العزاء، قال
عليِ بن المديني:/سمعت يحيى وذكره فقال: لو شئت أن كتب عنه ألفا
لكتبت، كان يروي عن ابن المسيب نحوا من أربعين حديثا، وضعفه يحيى
جدا، وقال يزيد بن هارون: كان جعفر ابن الزبير وعمران بن جُرير في
مسجد واحد، وكان الزحام على جعفر وليس عند عمران أحد فكان شعبة يمرّ
بهما فيقول: عجبا! الناس اجتمعوا على أكذب الناس وتركوا أحذق الناس،
قال يزيد: فما أتى علينا إلا العلل حتى رأيت ذلك الزِّحام على عمران وتركوا
جعفرا ليس عنده واحد، وقال غندر: رأيت شعبة راكبا على حمار، قيل له:
أين تريد يا أبا بسطام فقال: أذهب وأستعدى على هذا- يعني: جعفرا-
وضع على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعمائة حديث كذب، وقال يحيى بن معين:
جعفر ضعيف، وفي رواية: ليس بثقة، وقال الفلاس: متروك الحديث، كثير
الوهم، وقال أبو زرعة: اضربوا على حديثه، لا أحدّث عنه بشيء، وقال
السعدي: نبذوا حديثه، وقال البخاري: متروك الحديث، وفي التاريخ
الأوسط: أدركه وكيع ثم تركه، وقال النسائي والدارقطني وعلي بن الجنيد
والأودي: متروك الحديث، وقال أبو أحمد: وعامة أحاديثه لا يتابع عليها،
والضعف على حديثه بيّن، وتركه الإمام أحمد، وفي موضع آخر ضرب على
حديثه، وفي كتاب العلل عنه: أنّه أذهب رواية جعفر بن الزبير؛ لأنه إنّما كانت
رواية عن القاسم، وذكره القيرواني في كتاب الضعفاء وذكر العقيلي عن
محمد بن المثنى: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن حدثا عنه شيئا قط.
الثاني: أبو عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن الشامي مولى عبد
الرحمن بن خالد بن يزيد بن معاوية ويقال: مولى جويرية بنت أبي سفيان،
قال أبو زرعة الدمشقي: وهو أحبّ القولين إلي، وقال الطبراني: مولى
معاوية بن أبي سفيان، وإن كان قد وثقة يعقوب بن سفيان وابن معين
والترمذي ويعقوب بن شيبة والحربي، وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: ما
رأيت أحدا أفضل منه، وقال الجرجاني: كان خيرا فاضلا، فقد قال الإمام
أحمد ... وذكر فحمل عليه، وقال: يروي عنه علي بن يزيد أعاجيب، وتكّلم
فيها، وقال: ما أدّى هذا الأمر إلا من قبل القاسم وهو منكر الحديث، وفي

(1/440)


كتاب/العقيلي: هذه الأحاديث المناكير يقولون: من قبل القاسم، وسئل عنه
أبو حاتم فقال: حدّث الثقات عنه، مستقيم، لا بأس به، وإنمّا ينكر عليه
الضعفاء، وقال ابن حبان: كان يروي عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المعضلات
وقال الكوفي: نكتب حديثه، وليس بالقوي، وقال إبراهيم بن عبد الحميد (1) :
سمعت ابن معين يقول: القاسم ثقة إذا روى عنه الثقات أرسلوا ما رفع هؤلاء،
وفي رواية البرقي عنه: ضعيف ذكر ثنا أبو العرب، وفي الأوسط للبخاري:
روى عنه المعلي بن الحرث وكثير بن الحرث وسليمان بن عبد الرحمن ويحيى
بن الحرث وابن جابر أحاديث مقاربة، وأمّا من تكلّم فيه مثل جعفر بن الزبير
وعلي بن يزيد وبشر بن نمير ونحوهم ففي حديثهم مناكير واضطراب، وفي
كتاب العقيلي: لما حدّث بشر بن نمير عن القاسم قال شعبة: ألحقوه به، وعن
أبي داود: هو أبو عبد الرحمن ومولى عبد الرحمن وأهل الشام ينكرون أن
يكون ابن عبد الرحمن ويقولون: هو سيء، قال أبو داود: وهم أعلم به،
وقال الآجري: وسمعت أبا داود يقول: سمعت أحمد بن صالح يقول: إنما
هو القاسم مولى وأدخل بينه وبن أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثنا امامة وعمرو بن
عنبسة وعليا وجماعة لا أعرفهم، فضعف لحال هذا- والله أعلم- ذكره
الساجي والبلخي في كتاب الضعفاء. وفي الباب غير ما حديث بخلاف ما
يوهمه كلام أبي عيسى؛ من ذلك: حديث عمر بن الخطاب وعصمة بن ملك
الخظْمي- وكان من الصحابة- أنّ رجلا قال: " يا رسول الله، إنِّي أحنكم
في الصلاة فأصابت يدي فرجى فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وأنا أفعل ذلك". رواه الدارقطني
(2) عن محمد بن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال: ثنا أحمد بن محمد بن
رشدين عن ابن غفير عن الفضل بن المختار عن الصلت بن دينار عن ابن أبي
عثمان المهدي عن عمر بن الخطاب، وعن عبد الله بن موهب عن عصمة بن
الصلت، قال أحمد وعمرو بن علي: ليس بالقوي، وفي رواية عن أحمد:
ترك الناس حديثه، وقال علي بن الجنيد: متروك، والفضل بن المختار قال ابن
عدي: له أحاديث منكرة، وغايتها لا يتابع عليها، وقال أبو حاتم الرازي:
__________
(1) قوله: " عبد الحميد " وردت " بالأولى ": " بن الحيد "، والصحيح ما أثبتناه من الثانية.
(2) رواه الدارقطني في " السنن ": (1/149) .

(1/441)


مجهول، وأحاديثه/مُنكرة، يُحدثُ بالأباطيل، وقال الأزدي: منكر الحديث
جذا، ولما ذكرهما البيهقي في الخلافيات ضعفهما بنحو ما قدمناه بعد فصْله
بينهما.
وحديث الحنفي: " أن رجلا أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وأنّا
ربما كان ذلك أمضى في صلاتك " (1) . رواه الحافظ محمد بن إسحاق بن
مندة في كتاب معرفة الصحابة عن عبدوس بن الحسين النيسابوري عن
محمد بن المغيرة الهمداني عن القاسم بن الحكم العربي عن سلام الطويل عن
إسماعيل بن رافع بن حكيم بن سلمة عنه وسلام بن سلم وقيل: ابن سليمان
وقيل: ابن سالم أبو عبد الله السعدني الخراساني، سكن المدائن، قال فيه
يحيى: ضعيف لا نكتب حديثه، وقال مرّة: ليس بشيء، وضعفه ابن المديني
جدا، وقال الإمام أحمد: منكر الحديث، وقال البخاري والرازي: تركوه،
وقال أحمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: كذاب، وقال النسائي
وعلي بن الجنيد والأزدي والدارقطني: متروك الحديث، وقال ابن حبان: يروى
عن الثقات الموضوعات كانه كان المتعّمد لها، وإسماعيل بن رافع أبو رافع
مات بالمدينة قديما، وكان كثير الحديث ضعيفا وهو الذي روى حديث الصور
بطوله. قاله ابن سعْد، وقال أحمد ويحيى: ضعيف الحديث، وفي رواية عن
يحيى: ليس بشيء، وقال الفلاس: منكر الحديث، وقال النسائي وعليِ بن
الجنيد: متروك الحديث. انتهى. ويشبه أن يكون حديثه عن الصحابة لأني لم
أر أحدا ذكر أنه سمع من الصحابة، وإنما وصف بالرواية عن التابعين، ولما
ذكره البيهقي في الخلافيات عن رجل من بني حنيفة ولم يسمعه قال: هذا
منقطع، والله أعلم.
وحديث مرثد بن الصلت عن أبيه: " إنّه وفد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله
عن مس الذكر، فقال: إنما هو بضعة منك " (2) . رواه ابن بنت منيع الحافظ في
__________
(1) الكنز: (ح 27179) .
(2) تقدم من أحاديث الباب انظر ص 427.

(1/442)


معجمه عن محمد بن خلف المقري ثنا أحمد بن محمد بن شماس ثنا عبد
الرحمن بن عمرو قال: سمعت عبد الرحمن بن مرثد الجعْفي يحّدث عن أبيه
مرثْد بن الصلت، ثم قال: وهذا حديث منكر، والذي حدث به عبد الرحمن
ابن عمرو بن جبلة، وهو ضعيف الحديث جدا.
وحديث أبي أيوب الأنصاري قال: " سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت:
مسست ذكرى وأنا في الصلاة، فقال: لا بأس ". ذكره أبو زيد في كتاب
الأسرار بغير إسناد، ويشبه أن يكون ضعيفا؛ لاعنا نعرف اختلافه قبل./
وحديث عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سئل عن مسّ
الذكر فقال: ما أبالي مسسته أو مسست أنفى " (1) ذكره البيهقي في
الخلافيات، وقال: هذا حديث منكر، روينا خلافه عنها وحديث جاء من بني
حنيفة بنحوه ذكره أيضا ورماه بالانقطاع، وحديث ابن أبي ليلى. قد ذكره
البيهقي في السنن الكبير عن أبي بكر القاضي وأبي سعيد بن أبي عمرو قالا:
ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق
ثنا محمد بن عمران حدّثني ابن أبي ليلى عن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي
ليلى عن أبي ليلى قال: " كنّا عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء الحسن، فأقبل يتمرغ
عليه، فرفع عن قميصه وقبل ربيبته ". ذكره إثر حديث طلق ثم قال: هذا
إسناد غير قوي، وليس فيه أنه مسّه بيده ثم صلى ولم يتوضأ.
اختلف أهل العلم في هذا الباب ة فذهب بعضهم إلى هذه الأحاديث،
ورأوا ترك الوضوء من مسّ الذكر. يروى ذلك عن علي بن أبي طالب
وعمار بن ياسر وابن مسعود وعبد الله بن عباس وحذيفة بن اليمان وعمران بن
حصين وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقّاص- في إحدى الروايتين- وعمر بن
خطاب في رواية وعمران بن حصين، وأنس بن مالك ومعاذ بن جبل وعبد
الله بن عمر وأبي بكر الصديق وأبي هريرة- في إحدى الروايتين عنه- وأبي
__________
(1) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/244) من حديث سيف بن عبد الله الحميري،
وعزاه إلى " أبي يعلى " من رواية رجل من أهل اليمامة عن حسين بن دفاع عن أبيه عن سيف
وهؤلاء مجهولون، وهو أقل ما يقال فيهم.

(1/443)


أيوب وعائشة- في إحدى الروايتين عنها- قال أبو عمران عبد البرقي:
الأسانيد عن الصحابة في إسقاط الوضوء منه أسانيد صحاح من نقل الثقات.
انتهى كلامه (1) . وفيه نظر إن أراد هؤلاء المسمين؛ لأن حديث ابن مسعود
تقدّم ردّه بأبي قيس الأودي، وحديث ابن عمر وعائشة تقدّم الكلام عليهما
قبل، وحديث حذيفة أعلّه أبو حاتم الرازي فيما حكاه عنه ابنه، وكذلك
حديث أبي أيوب وعمر بن الخطاب تقدم ذكرهما، وحديث عمران مشكوك
في اتصاله أنه من رواية الحسن عنه وغيره أحد زعم أنه منقطع وقال: فيه أيضا
ابن المسيب والشعبي وإبراهيم وسعيد بن جبير والحسن البصري وعكرمة وقتادة
وطاوس وأبو عبد الرحمن السلمي والضحاك ومكحول وأبو جعفر محمد بن
علي بن الحسين- جدّ الثوري- وأبو حنيفة وأصحابه وربيعة بن عبد الرحمن
وشريك والحسن بن حيي وعبيد الله بن الحسين، وقال/أبو عمر: وجمهور
علماء العراقيين معنى على ذلك أسلافُهم، ويحيى بن معين وابن المبارك؛
وخالفهم في ذلك آخرون؛ فذهبوا إلى إيجاب الوضوء من مسّ الذكر فممن
يروى عنه ذلك: عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب وزيد بن خالد وأبو
هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر بن عبد الله وعائشة وأم حبيبة
وبُسرة بنت صفوان وسعد بن أبي وقاص وابن عباس وعروة بن الزبير
وسليمان بن يسار وعطاء ابن أبي رباح وأبان بن عثمان وجابر بن زيد
والزهري ومصعب بن سعد ويحيى بن أبي كثير وسعيد بن المسيب، قال
الحازمي في أصّح الروايتين عنه: وهشام بن عروة والأوزاعي وأكثر أهل الحديث
وجماعة أهل الشام والمغرب والشّافعي وأحمد وإسحاق والمشهور من قول
مالك ومجاهد وعبد الرحمن بن القاسم وحُميد الطويل وسلمان التيمي وأبو
العالية والشعبي. قال أبو عمر بن عبد البرغي الثوري قال: دعاني ابن جريج
وبعض الأمراء فسُئلْنا عن مسّ الذكر فقال ابن جريج: يتوضأ من مسّ الذكر،
وقلت أنا: لا وضوء على/من مسّ ذكره فلما اختلفنا قلت لابن جُريج:
أرأيت لو أنّ رجلا وضع يده في مني؟! قال: يغسل يده. قلت: فأيهما نجس
__________
(1) قلت: كذا ورد هذا القول " بالأصل "، ولعل علاء الدين مغلطاي يقصد أنه يقلب الأسانيد
عن الصحابة.

(1/444)


المني أم الذكر؟ قال: المني. قلت: فكيف هذا؟ قال: ما ألقاها على لسانك
إلا شيطان. قال أبو عمر: يقول الثوري: إذا لم يجب الوضوء من مس المني
فأجدر ألا يجب من مس الذكر، فإذا لم يجب من النجس فأحرى ألا يجب
من الطاهر، وإنما ساقت المناظرة وصارت المعارضة عنده في هذه المسألة
لاختلاف الآثار فيها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واختلاف الصحابة رضي الله عنهم، ومن
تعلم في ذلك، ولو كان فيها أثر لا معارض له ولا مطعن فيه لسلّم الجميع له
وقالوا به، قال أبو بكر بن حازم: ومن ذهب إلى إيجاب الوضوء ادّعى أنّ
حديث طلق منسوخ، وناسخه حديث بُسرة وأبي هريرة وعبد الله بن عمر؛
لتأخّرهم في الإسلام، وقال بعض من ذهب إلى الرخصة المصير إلى حديث
طلق (1) أولى؛ لأسباب: منها: إشهار طلق بالصحبة، ومنها: طول صحبته
وكثرة روايته، ثم لو سلمنا ثبوت حديث بُسرة فمن أين لكم ادعاء النسخ في
ذلك إذ ليس في حديث بُسرة/ما يدل على النسخ؟ بل أولى الطرق أن يجمع
بين الحديثان كما حكى عن ابن عيينة، فإنه قال: تفسير حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من مس ذكره فليتوضأ " معناه: أن يغسل يده إذا مسّه، وردّ ذلك ابن حزْم
فقال: هذا باطل، لم يقل أحدٌ أنّ غسل اليد واجب أو مستحب من مس
الفرج، لا المتأولون لهذا التأويل الفاسد ولا غيرهم، ويقال لهم: إن كان كما
تقولون فأنتم مخالفين الأمر، وأيضا فإنه لا يطلق الوضوء في الشّريعة إّلا
الوضوء للصلاة، وقد أنكر- عليه السلام- اتباع هذه اللفظة على غير الوضوء
للصلاة لما أتى من الغائط فأتى بطعام فقيل: ألا تتوضأ؟ فقال: لم أصل
فأتوضأ، وقد جاء مبينا في حديث بُسّرة: " فليتوضأ وضوءه للصلاة "، وقال
ابن حبّان: خبر طلق منسوخ؛ لأن قدومه على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول سنة من سنين
الهجرة، وقد روى أبو هريرة إيجاب الوضُوء من مسّ الذكر، وأبو هريرة أسلم
سنة سبْع، ذلك على أن خبر أبي هريرة كان بعد خبر طلق بسبع سنين، ثم
قال: ذكر الخبر المصّرح برجوع طلق إلى بلده بعد قدمته، قال: أنبأنا خليفة نا
(1) قوله: " طلق " وردت في " النسخة الأولى ": " طوق "، وهو تحريف، والصحيح " طلق "
كما في النسخة الثانية.

(1/445)


مسدد نا ملازم نا عبد الله عن قيس عن أبيه قال: " خرجنا ستة وفدا على
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة من بني حنيفة، ورجل من بني ضبيعة من ربيعة حتى قدمنا
على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبايعناه وجلسنا معه، وأخبرناه بأن بأرضنا بيعة لنا واستوهبناه
من فضل طهوره فدعا بماء فتوضأ منه وتمضمض وصبّ لنا في إداوة ثم قال:
اذهبوا هذا الماء فإذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم، ثم انضحوا مكانها من
هذا الماء واتخذوا مكانها مسجدا، قلنا يا رسول الله، البلد بعيد، والماء ينشف
قال: فأمدوه من الماء فإنّه لا يزيده إلا طيبا، فخرجنا فتشاجرنا على حمل
الإداوة أيّنا يحملها، فجعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك يوما لكل رجل يوما وليلة فخرجنا
بها حتى قدمنا بلدنا فعملنا الذي أمرنا، وراهب ذلك القوم رجل من طيء
فنادينا بالصلاة، فقال/الراهب: دعوة حق ثم ذهب فلم ير بعد قال أبو حاتم:
في هذا الخبر بيان واضح ان طلقا رجع إلى بلده بعد القدْمة التي ذكرنا قال:
ثم لا يُعلم له رجوع إلى المدينة بعد ذلك فمن ادعّى رجوعه بعد ذلك فعليه
أن يأتي ببينة مصرحة (1) ، ولا سبيل له إلى ذلك وبنحوه قاله البيهقي والبغوي
في شرح السنة وفيه نظر لما ذكره أبو القاسم الطبري نا الحسن بن علي
الفسوي ثنا حماد بن محمد الحنفي ثنا أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق عن
أبيه طلق عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مس فرجه فليتوضأ ". قال الطبراني: لم
يرد هذا الحديث عن أيوب بن عتبة إلا حماد بن محمد وهما عندي
صحيحان يشبه أن يكون سمع الحديث الأوّل من النبي عليه السلام قبل هذا
ثم سمع هذا بعد فوافق حديث بسرة وغيرها فسمع الناسخ والمنسوخ انتهى،
وفيه إشعار برجوعه مرة أخرى فإن الإيجاب وعدمه لإثبات في أيام قليلة غالبا
لما قيل عنه: من أنّ مقامه بالمدينة كان قليلا نص على ذلك الأئمة، وإذا كان
كذلك كان حديثها ظاهرا في النسخ ولا احتياج إلى حديث أبي هريرة لتقدّمه
عليه، وممن قال ذلك إسماعيل بن سعد الفقيه والاحتياط في ذلك أبلغ يروى
عن النبي عليه السلام بإسناد صحيح أنه: " نهى أن يمس الرجل ذكره
بيمينه " (2) أفلا ترون ان الذكر لا يشبه سائر الجسد، ولو كان ذلك بمنزلة
__________
(1) قوله: " مصرحة " وردت " بالأولى ": " مفرجة "، وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه من " الثانية ".
(2) صحيح. رواه الترمذي (15) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والحميدي (428) =

(1/446)


الإِبهام والأنف والأذن وما هو منّا لكان لا بأس علينا أن نمسّه بأيماننا فكيف
يشبه الذكر بما وصفوا من الإبهام وغير ذلك فلو كان شرعا سواء لكان سببه
في المسّ سبيل ما سمّينا، ولكن ها هنا علّة قد غابت عنا معرفتها، ولعل ذلك
أن يكون عقوبة لكي يترك الناس مس الذكر فيصير من ذلك إلى الاحتياط
انتهى كلامه، وفي استدلاله بحديث مسّ الذكر باليمين نظر؛ لإغفاله قوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يبول لما فيه من الاستهانة باليمين وخشية الاستنجاء، والله أعلم.
وقال أبو محمد/بن حزْم: خبر طلق صحيح إلا إنه لا حجة فيه لوجوده
أحدها أنّ هذا الخبر موافق لما كان الناس عليه قبل ورود الأمر بالوضوء من
مسّ الفرج، هذا ما لا شك فيه، وهو كذلك فحكمه منسوخ يقينا حين أمر-
عليه السّلام- بالوضوء منه، ولا يحل ترك ما يتيقّن أنه ناسخ والأخذ بما يتيقّن
أنّه منسوخ، وثانيها: أن كلامه- عليه السلام- هل هو إلا بضعة منك؟! "
دليل على أنه كان قبل الأمر بالوضوء منه؛ لأنه لو كان بعده لم يقل- عليه
السلام- هذا الكلام؛ بل كان بيّن على أنّ الأمر بذلك قد نسخ، وقوله هذا
يدل على أنه لم يكن سلف قد حكم أصلا وأنّه كسائر الأعضاء، وقال
الخطابي: وترك خبر طلق على أنه أراد اللمس ودونه حائل، واستدلوا على ذلك
برواية الثوري وشعبة وابن عيينة أنّه سأله عن مسّه في الصلاة والمصلي لا يمس
فرجه من غير حائل بينه وبينه انتهى.
وفي قوله: والمصلي لا يمس فرجه من غير حائل نظر؛ لما ذكره أبو عمر من
حديث أبي الوليد الطيالسي ثنا نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة عن
عمر بن الخطاب: " أنه صلى بالناس فأهوى بيده فأصاب فرجه فأشار إليهم
كما أنتم، فخرج فتوضأ ثم رجع إليهم فأعاد "، وفي الإسرار: ومطلق المس
اسم للمس بلا حائل، وهذه المسألة وقعت في زمن عبد الملك بن مروان،
__________
والخطيب (3/111) . وتمام لفظه: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه ".
قلت: وأخرجه الشيخان بلفظ: " إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإِناء، وإذا أتى الخلاء فلا
يمسّ ذكره بيمينه، ولا يتمسح بيمينه ". وأخرجه أبو داود (1/12) من طريق أبان عن
يحيى بن أبي كثير. قال المنذري: " وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة
مطولا ومختصرا ".

(1/447)


فشاور الصحابة فأجمع من بقي من الصحابة أنه لا وضوء فيها، وقالوا: لا
ندع كتاب ربنا ولا سنة نبيّنا لقول امرأة لا تدري أصدقت أم كذبت يعْنُون
بُسرة، ومعنى قولهم: كتاب ربنا، بين الأحداث في كتابه وكانت نجسة من
دم حيض ومنى وغائط وشرع الاستنجاء بالماء بقوله: (رجال يحبون أن
يتطهروا) (1) الآية. فكانوا يتبعون الحجارة الماء والاستنجاء بالماء لا يتصور إلا
بمس الفرجين جميعا، فلما ثبت بالنص أنه من التطهير لم يجز أن يجعل حدثا
بخبر غريب تعظم به البلوى، فسقط على ما هو الأصل في خبر الواحد؛ لأنه
ورد بخلاف القياس، وقد ثبت من مذهب أبي هريرة ما يذكر أنه ليس
بحديث، والراوي إذا ذهب إلى خلاف ما روى دل على زيافة الحديث على
ما عرف في موضعه، قال أبو محمد بن حزْم: وقول من قال: تعظم به
البلوى، ولو كان لما جهله/ابن مسعود ولا غيره حماقة قد غاب عن جمهور
الصحابة الغسل من الإيلاج الذي لا إنزال معه، وهو مما تكثر به البلوى، وقد
رأى أبو حنيفة الوضوء من الرعاف، وهو مما تكثر به البلوى، ولم يعلم ذلك
جمهور العلماء، ورأى الوضوء من ملك الفم من القلس ولم يره في أقل من
ذلك، وهذا تعظم به البلوى، ولم نعلم قال ذلك قبله أحدٌ من ولد آدم- عليه
السلام- والله أعلم.
وأما الوضوء من مسّ الإبط، فقد جاء في حديث رواه الزهري عن عبد
الله بن عتبة عن عمر: أنه رأى رجلا يتوضأ من مسّ الإبط. قال البيهقي:
هذا مرسل، وقد أنكره الزهري بعد ما حدث به، ويمكن أن يكون أمره بغسل
اليد تنظفا، وروى أبو الحسن من حديث ابن عرفة: ثنا خلف بن خليفة عن
ليث عن مجاهد عن ابن عمر: " إذا توضأ الرجل ومس إبطه أعاد الوضوء ".
قال: وعن ابن عباس: ليس عليه إعادة، وروى البيهقي أن ابن عمر أدخل يده
في إبطه وهو في الصلاة ثم مضى.
وأما الوضُوء من مسّ الصنم فذكر المدائني في تفسيره من حديث محمد بن
الوليد عن يعلى بن عبيد عن صالح بن حبان عن ابن بُريدْة عن أبيه: " أن
__________
(1) سورة التوبة آية: 108.

(1/448)


النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بريدة وقد مس بريدة صنما فتوضأ " (1) . وفي مصنف عبد
الرازق، وعن سفيان بن عيينة عن عمار الرهني عن أبي عمرو النسائي أن
علي بن أبي طالب لما استناب المستورد العجلي مسّ صليبا كان في عُنقه فلما
دخل في الصلاة قدم رجلا ثم أخبر الناس إنه لم يفعل ذلك لحدثٍ أحدثه،
ولكنّه من مس هذه الأحداث فأجبت أن أحدث وضوءا. وفي الأوسط
للطبراني: ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا
معاوية بن هشام ثنا شيبان أبو معاوية عن جابر الجعفي عن عبد الرحمن بن
الأسود عن أبيه عن ابن مسعود قال: " كنا نتوضأ من الأبرص إذا
مسسناه " (2) . لا يروى هذا الحديث عن ابن مسعود إلا بهذا الإسناد. تفرد به
ابن نُمير ولم يكتبه إلا عن الحضرمي، وكتبه عنه عبد الله بن أحمد بن حنبل
من حديث شعبة عن عمر وابن أبي عمرو عن طاوس عن ابن عباس قال-
عليه السلام:- " الحدث حدثان: حدث اللسان وحدث الفرج، وحدث
اللسان أشد من حدث الفرج ومنهما الوضُوءُ " (3) . وقد روى عن ابن عباس
موقوفا، وروى داود بن المحبّر القائل به/ابن المديني وهب حديثه عن شعبة عن
قتادة عن أنس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يتوضأ من الحدث وأذى المسلم " (4) ،
وقالت عائشة: " يتوضأ أحدكم من الطعام الطّيب ولا يتوضأ من الكلمة
العوراء " (5) يقولها لأخيه؟! وعن إبراهيم النخعي: إني لأصلّي الظهر والعصر
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/246) وعزاه إلى " البزار " وفيه
صالح بن حبان، وهو ضعيف.
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/246) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
و" الكبير "، وفيه جابر الجعفي، وثقة شعبة والثوري، وضعّفه الناس.
(3) العلل المتناهية: (1/365) .
(4) روى ابن ماجة في سننه: حدثنا محمد بن الصباح، قال: أنبأنا سفيان بن عيينة، عن
الزهري، عن سعيد، وعباد بن تميم، عن عمه، قال: شُكي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجُل يجدُ
الشيء في الصلاة فقال: " لا، حتى يجد ريحا، أو يسمع صوتا ".
1- كتاب الطهارة، 74- باب لا وضوء إلا من حدث، (ح/513) . قلت: وهذا حديث
صحيح الإسناد.
(5) ضعيف. رواه عبد الرزاق (470) والمطالب (120) . قلت: هذا حديث موقوف عن عائشة، مُعلل.

(1/449)


والمغرب بوضُوء واحد إلا أن أحدث، أو قول منكر، الوضوء من الحدث
وأذى المسلم، وعن عبيدة السلماني نحوه، وفي كتاب الترهيب لأبي محمد
عبد الله بن محمد الأصبهاني: ثنا محمد بن سعيد الشافعي عن محمد بن
عامر عن سعيد بن عبد الحميد بن جعفر ثنا عثمان بن مظفر عن أبي عبيدة
عن علي بن زيد عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من
فسر القرآن برأيه وهو على وضوء فليعد وضوءه " (1) ، وعن ابن مسعود: " لأن
أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب إليّ من أن أتوضأ من الطعام الطيب " (2) . ذكره
ابن حزم، وعلّل الجميع قال: وقد أوجب الوضوء من قرقرة البطن في الصلاة
إبراهيم النخعي، وأوجب الوضوء في الإيقاظ والتذكر والمس على الثوب بشهوة
بعض المتأخرين، وروينا إيجاب الغسل من نتف الإبط عن علي وعبد الله بن
عمرو، وعن مجاهد، الوضوء من تنقية الأنف، وقد صح عن عروة: " الوضوء
من مس الاثنين " (3) ، وروينا عن علي بن أبي طالب ومجاهد وذر والد عُمر بن
ذر الحبان: " الوضوء من قص الأظفار، وقص الشعر "،- والله تعالى أعلم-
قال ابن المنذر: وبه قال الحكم وحمّاد، ومن ارتد ثم رجع إلى الإِسلام كان
الأوزاعي يقول: يستأنف الوضوء. (4)
__________
(1) ضعيف. إتحاف: (4/526) . قلت: هذا حديث موقوف عن ابن مسعود، مُعلل.
(2) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/254) ، وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "، ورجاله موثقون.
(3) الكامل لابن عدي: (2/793) بلفظ: " الوضوء من مس الذكر ".
(4) قوله: " الوضوء " زائدة في " الأولى " التي عليها العمل، فكذا أثبتناها.

(1/450)


36- باب الوضُوءِ مما غيرت النّار
حدثنا محمد بن الصباح ثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عمرو بن
علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" توضئوا مما مسّته النار " (1) ، فقال ابن عباس أتوضأ من الحميم فقال: يا ابن
أخي إذا سمعت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثا فلا تضرب له الأمثال. هذا
حديث رواه مسلم في صحيحه مرفوعا من حديث ابن شهاب. أخبرني
عمر بن عبد العزيز أنّ عبد الله/بن إبراهيم بن قارظ أخبره: " أنه وجد أبا
هريرة يتوضأ على المسجد فقال: إنما أتوضأ من ثور أقط أكلتها؛ لأني سمعت
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " توضئوا مما مسته النار ". رواه الترمذي (2) عن ابن
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/352، 353) وأبو داود (195) وابن ماجة
(485، 487) والطبراني (4/167، 5/107، 139) وعبد الرزاق (666، 667)
والفتح (1/311) وابن عساكر في " التاريخ " (6/127) والبيهقي (1/141، 155، 157)
والتمهيد (3/335، 338) والمشكاة (303) والمجمع (1/249) وابن أبي شيبة (1/50، 51)
وأبو عوانة (1/269) وشرح السنة (1/348) والتاريخ الكبير (2/18، 6/409) والخطيب (6/
375) وابن عدي في " الكامل " (3/883، 4/1580) .
(2) صحيح. رواه الترمذي (79) ومسلم في (الحيض، ح/90) والنسائي في (الطهارة،
باب " 121 ") وأحمد (1/366، 2/265، 271، 389، 427، 479، 503)
وفي مسند أحمد حديث يشبهه في معناه، رواه في مسند ابن عباس (رقم 3464 ج 1
ص 236) قال: " حدثنا عبد الرزاق وابن بكر قالا: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني محمد بن
يوسف: أن سليمان بن يسار أخبره: أنه سمع ابن عباس ورأى أبا هريرة يتوضأ، فقال: أتدري
مما أتوضأ؟ قال: لا، قال: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل كتف لحم ثم قام إلى الصلاة وما توضأ.
قال: وسليمان حاضر ذلك جميعا ". وهذا إسناد صحيح، رواته أئمة ثقات، وهو مع رواية
الترمذي يدلان على أن الجدل في هذا كان شديدا بين ابن عباس وأبي هريرة، وأنه لم يقتنع
أحدهما بحجة الآخر. ويؤيد ذلك ما رواه أحمد في المسند (رقم 10860 ج 2 ص 529)
والنسائي (1/39) واللفظ له، من طريق يحيى بن أبي كثير عن الأوزاعي أنه سمع المطلب بن
عبد الله بن حنطب يقول: " قال ابن عباس: أتوضأ من أشهد عدد هذا الحصى أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " توضئوا مما مست النار ".
قوله: " الأقط " بفتح الهمزة وكسر القاف: لين مجفف يابس، كانه نوع من الجبن،
و" الثور ": القطعة منه.

(1/451)


عمر. ثنا سفيان بن عيينة فذكره وفيه فقال ابن عباس: أنتوضأ من الدهن؟
أنتوضأ من اللحم " (1) ؟! ولم يحكم عليه بشيء، والذي رأيت في مسند ابن
أبي عمر: ثنا الدراوردي وابن عيينة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " توضئوا مّما مسته النار، ولو من ثور أقط "، فقال له ابن
عباس: يا أبا هريرة أنتوضأ من الحميم؟ فقال له أبو هريرة ... الحديث، وفي
مسند أبي العباس السراج من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال:
اجتمع أبو هريرة وابن عباس فقال ابن عباس: ليس في طعام وضوُء وقال:
آكل الطعام ولم يتوضأ، قال: فناول أبا هريرة كفا من حصباء فقال: سمعت
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عدد هذه الحصباء يقول توضئوا مما غيرت النار " (2)
وفي لفظ: " ولو من ثور أقط "، وفي لفظ: " مما أنضجت النار " (3) ، وفي
لفظ: " قال ابن عباس: أتوضأ من طعام أخذه حلالا في كتاب الله عز
وجل؛ لأن النار نجسته؟! "، وقال البيهقي في كتاب السنن الكبير: وذهب
بعض أهل العلم إلى أن حديث أبي هريرة- يعني هذا- معلول بفتواه بعد
وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بألا وضوء منه. انتهى كلامه. وفيه نظر؛ لما علم من مذاهب
المحدثين بأنّ العبرة مما روى لا بما رأى، خلافا للحسين. حدثنا حرملة بن
يحيى بن وهب ثنا يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " توضئوا مما مسته النار ". هذا حديث لم يسمعه ابن شهاب من
عروة بيان ذلك في كتاب مسلم وغبره، قال مسلم: ثنا عبد الملك بن شعيب
حدثني أبي عن جدّي حدّثني عقيل بن خالد قال: قال ابن شهاب: أخبرني
__________
(1) في " العقيلي: 3/296 ": " أنتوضأ من الأطيبين: اللحم والخبز؟ ! ".
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (485) وأبو داود (195) والنسائي في (الطهارة، باب " 121 ")
وأحمد (1/248، 249) واللآليء (1/172) والمجمع (1/248، 249) والتمهيد (3/
330، 332، 339) والحلية (7/160) ومطالب (130) والخطيب (13/100) وابن
عدي (5/1865) .
وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه النسائي (الطهارة، باب " 16 " وأحمد (2/458، 4/30) وابن عدي
في " الكامل " (1/180) .

(1/452)


عبد الملك بن عبد الرحمن بن الحرث بن شهاب أن خارجة بن زيد الأنصاري
أخبره أن أباه زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " /الوضوء
مما مسته النار ". قال ابن شهاب: وأخبرني عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن
إبراهيم بن قارط، أخبره أنه وجد أبا هريرة يتوضأ على المسجد فقال. " أنا
أتوضأ من أثوار أقط أكلتها؛ لأني سمعت من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: توضئوا
مما مست النار ". قال (1) ابن شهاب: أخبرني سعيد بن خالد بن عمرو بن
عثمان، وأنا أخترت هذا الحديث أنه سأل عروة بن الزبير عن الوضوء مما
مست النار فقال عروة: سمعت عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " توضئوا مما مست النار ". وفي مسند السراج: ثنا محمد بن يحيى
ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن سعيد بن خالد
أخبره أن عروة أخبره ... فذكر الحديث، وفي كتاب ابن شاهين من حديث
ثواب بن يحيى: ثنا أبي عن الزهري عن القاسم سمعتُ عائشة تقول: " ما
ترك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوضوء مما مست النار حتى قبض " (2) . قال محمد بن
عمر الحافظ: روى عن الزهري عن عروة عن عائشة، وقيل: عن الزهري عن
سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان عن عروة عنها، وقيل: عن الزهري عن
خارجة بن زيد عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: عن الزهري عن عبد الملك بن
أبي بكر عن خارجة بن زيد عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما ذكر الحربي حديث
الزهري عن عبد الملك بن أبي بكر عن خارجة بن زيد عن أبيه قال: إن كان
معمر لم يزل عبد الملك بن أبي بكر بقدر عمدا معمر أنه رواه في كتابه، وقد
وافقه صالح وابن أبي ذئب ويونس وشعيب وعقيل وعبد الرحمن بن خالد،
وأما قول ابن لهيعة: عن عقيل عن الزهري عن سالم عن أبيه فالقول قول
ليث؛ لأنه رواه كما رووه.
حدثنا هشام بن خالد الأزرق ثنا خالد بن يزيد بن أبي ملك عن أبيه عن
__________
(1) قوله: " قال " وردت في " الأولى ": " فلما "، وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه من
" الثانية ".
(2) قلت: سقطت كلمتان من لفظ هذا الحديث، وصححناه من " النسخة الثانية ".

(1/453)


أنس بن مالك قال: كان يضع يديه على أذنيه ويقول: صحت إن لم أكن
سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " توضئوا مما مست النار " هذا حديث قال
أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن يزيد- يعني: عن أنس- إلا ابنه خالد بن
يزيد بن أبي مالك- واسمه هانئ يكنى: أبا هاشم- وإن قال فيه العجلي:
كان ثقة، وقال أبو حاتم البستي: هو من فقهاء الشّام، وكان صدوقا في
الرواية، ولكنه كان يخطيء أكثر، وفي حديثه مناكير، قال ابن عدي: لم أر
له إلا ما يحتمل، أو يرويه/عن ضعيف، فيكون البلاء من الضعيف لا منه،
ولا يعجبني، والاحتجاج به إذا انفرد عن أبيه وما أقربه ممن ينسبه إلى التعديل،
وهو ممن استخير الله- تعالى- فيه فقد قال فيه الإمام أحمد وابن معين: ليس
بشيء، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الرازي: يروى أحاديث مناكير، وقال
الدارقطني: ضعيف، وذكره العقيلي والساجي في كتاب الضعفاء ويزيده
ضعفا وعدم حفظه؛ وذلك أن هماما رواه عن مطر عن الحسن عن أنس عن
ابن طلحة قال- عليه السلام-: " الوضُوء مما غيرت النار لونه ". أنا بذلك
الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف المنجي رحمه الله
بقراءتي عليه أخبرتكم المسندة أم أحمد زينب بنت مكي بن علي بن كامل
الحرانية أنا أبو حفص بن طرزدان أن أبو غالب بن البنا أنا أبو الغنائم بن المأمون
نا أبو القاسم بن حبانة نا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني
الحافظ قال: نا محمد بن المؤمل ثنا بشر بن عمر نا همام ... فذكره، وإسناده
صحيح، ورواه السراج في مسنده عن إسحاق بن إبراهيم ثنا بشر ... فذكره،
ورواه عبد الرحمن، وفي الباب غير ما حديث؛ من ذلك: حديث زيد بن
ثابت خرجه مسلم في صحيحه، وقد تقّدم ذكره، وحديث أم حبيبة وشرب
عندها ابن أختها أبو سفيان بن سعيد سويقا وقالت: يا ابن أختي، توضأ فإن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " توضئوا مما مست النار ". خرجه أبو داود (1) ،
وإسناده صحيح، وقال الحربي: رواه عن الزهري ثلاثة عشر، وقالوا: أربعة
أقاويل؛ فقال يزيد بن زريع عن معمر: دخل عليها سعيد بن سفيان بن المغيرة،
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: كتاب الطهارة، 75- باب التشديد في ذلك (ح/ 195) .

(1/454)


وهذا مما أوهم فيه معمر بالبصرة، وقال عبد الرزاق عنه، فدخل عليها أبو
سفيان بن المغيرة ولم يصب أيضا، إنما هو أبو سفيان بن سعيد بن المغيرة بن
الأخنس، وأسقط عثمان بن حكم أبا سلمة بن عبد الرحمن- يعني: شيخ
الزهري- قال الماجشون عن عبيد الله: وهذا وهم منه لا شك فيه، وليس
كقول من قال: عن أبي سلمة عن أبي سفيان بن سعيد بن المغيرة، وفي
الأوسط: لم يروه عن بكير إّلا جعفر بن ربيعة، وذكر عن الزهري أنّ أبا
سفيان ابن أخت أم حبيبة. وحديث أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري خرجه
عبد الرحمن النسائي، وإسناده جيِّد وصححه ابن حزْم. وحديث عبد الله بن
عمر قال ابن أبي حاتم: سألت أبي/عن حديث رواه عبد الرحمن بن
حميد بن سالم المهدي عن عقيل عن سالم عن أبيه يرفعه: " توضئوا مما
مست النار "، فقال أبي: هذا خطأ، ولم يبيِّن الصواب ما هو وما علّة ذلك،
والصحيح ما رواه معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه موقوفا، ورواه شعيب
بن أبي حمزة وابن أبي ذئب وعبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عمر بن
عبد العزيز عن ابن قارظ عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد يرفع
حميد بن سالم ذكر القشيري في تاريخ الترمذي: ثنا هلال عمرو بن عثمان
ثنا العلاء بن سليمان الرقي عن الزهري عن سالم عن أبيه به مرفوعا، ورواه
أبو القاسم في الأوسط من حديث عقيل عن ابن شهاب، وقال: لم يروه عن
عقيل إلا حال أبي عن عبد الله الطاهر- واسمه موسى بن ربيعة. وحديث
سلمة بن سلامة وكان آخر أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إّلا أن يكون أنس بن
مالك فإنه قد بقى بعده، إلا أنهما دخلا وليمة وسلمة على وضوءٍ فأكلوا ثم
خرجوا فتوضأ سلمة فقال له: ألم تكن على وضُوء؟ قال: بلى، ولكن سنة
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخرجنا من دعوة دعيناها ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على وضُوء فأكل
ثم توضأ فقلت: ألم تكن على وضوء يا رسول الله؟ قال: " بلى ولكن الأمر
يحدث " (1) . وهذا مما يحدث خرجه الحافظ أبو بكر بن أبي داود في سننه
__________
(1) ضعيف. رواه الحاكم (3/418) والطبراني (7/47) والمجمع (1/249) وعزاه إلى
الطبراني في " الكبير "، وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وثقة عبد الملك بن شعيب ابن
الليث، وضعفه أحمد وجماعة، واتهم بالكذب.

(1/455)


عن عبد الملك بن شُعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي حدثني زيد بن
حُبيرة بن محمود بن أبي حُبيرة الأنصاري ثم الأشهلي عن أبيه حبيرة عن
محمود عنه. وحديث عبد الله بن زيد. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا وضوء إلا
مما مست النار، أو حدث، أو ريح " (1) . رواه ابن شاهين عن الحسين بن أحمد
ابن صدقه ثنا أحمد بن سعيد ثنا يوسف بن عدي ثنا ابن المبارك عن محمد بن
أبي حفصة عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه فذكرها ورواه أبو القاسم
في الأوسط عن أحمد بن رشد بن عبدُ الرحمن ثنا يوسف بن عدي ثم قال:
لا يروي هذا الحديث عن الزهري إّلا محمد ابن أبي حفصة. تفّرد به ابن
المبارك. وحديث زيد بن ثابت مرفوعا: " توضئوا مما مست النار " (2) . قال
الدارقطني: ورواه في الأفراد. تفرد به ابن المنذر بن محمد عن أبيه عن
جبارة بن مسلم عن عبد الله عن الزهري/عن عمران بن إبان عنه. وحديث
بسرة بنت صفوان أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " توضئوا مما أنضجت النار ". وذكره
ابن عدي في كامله (3) من طريق أحمد بن عبد الله بن ميسرة عن سليمان بن
داود الشرقي عن الزهري عن ابن المسيب عنها، وضعفه بأحمد وسليمان،
وقال: إسناد غير محفوظ. وحديث ابن خزيمة في صحيحه من حديث
حماد بن زيد عن هشام عن محمد بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس ثم
قال: خبر حماد بن زيد عن هشام عن محمد بن عمرو غير متصل الإسناد،
غلطنا في إخراجه فأتت بين هشام وعروة وبين محمد بن عمرو وهب أن
إسناد ذلك رواه يحيى بن سعد وعبدة بن سليمان، ورواه وهب عن محمد بن
عمرو ولفظه: " ولم يتمضمض ولم يمس ماء ". وحديث رجل من الصحابة
قال: " كنا نتوضأ ممّا غيرت النار ونتمضمض من اللبن ولا نتمضمض من
__________
(1) صحيح بشواهده. رواه أحمد (2/410، 435) وتغليق (110) والفتح (1/315) .
بلفظ: " لا وضوء إلا من حدث أو ريح ". قلت: وإسناد هذا الحديث ضعيف، إلا ان له
متابعات صحيحة بنحوه مرت في هذا الباب قوت إسناده.
(2) تقدم من أحاديث الباب ص 446.
(3) ضعيف. رواه ابن عدي في " الكامل " (1/180) والنسائي في (الطهارة، باب " 121 ") وأحمد في " المسند " (2/ 458، 4/30) . قلت: في إسناد الحديث أحمد وسليمان، وإسناده غير محفوظ.

(1/456)


التمر " (1) . رواه الكجي في سننه عن حجاج، ثنا حماد عن أيوب عن أبي
قلابة عنه. وحديث أبي سعد الخير الأنصاري. ذكره الحافظ أبو بكر أحمد بن
عبد الله بن عبد الرحيم حدثنا الوليد بن سليمان بن أبي السائب ثنا فراش
الشعار، سمعت أبا سعد الخير، سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الوضوء مما مسته
النار " (2) . وعلت المراجل. وحديث أبي موسى الأشعري، ذكره حرب في
مسائله. وحديث أم سلمة- زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" توضئوا مما مست النار " (3) . رواه الكجي في سننه: ثنا أبو عاصم عن أبي
ذئب عن الحرث عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن عبد الله بن عبد
الله عنها، وهو مشكل بما يذكره عنها بعد- إن شاء الله تعالى- أو يكون قد
روت الأمرين الناسخ والمنسوخ جميعا، والله تعالى أعلم.