شرح ابن ماجه
لمغلطاي 37- باب الرخصة في
ذلك
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب
عن
عكرمة عن ابن عباس قال: " أكل نبي الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتفا، ثم مسح يده بمسح
كان تحته، ثم قام إلى الصلاة فصلى ". هذا حديث خرجاه (4)
في صحيحيهما
من حديث ملك بن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، وقال ابن عبد
البر:
وعن عطاء في هذا أيضا حديث أم سلمة أنّها أخبرته: "
أنها/قد أتت
لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبنا مشويا
فأكل ثم صلى ولم يتوضأ " (5) . وليس هذا
__________
(1) صحيح. رواه الطحاوي في " شرح معاني الآثار ": (1/64) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/90) وأبو داود (ح/195)
والترمذي (ح/79)
والبيهقي في " الكبرى " (1/155) والمجمع (1/249) وعزاه إلى
الطبراني في " الكبير "،
ورجاله رجال الصحيح.
(3) صحيح، متفق عليه، وتقدم من أحاديث الباب ص 446.
(4) صحيح. رواه البخاري في (الوضوء، باب " 50 ") ومسلم في
(الحيض، ح/91)
وأبو داود (189) ومالك (طهارة، ح/19) وأحمد (1/267، 281،
366، 2/
389) والتمهيد (3/329، 333، 345) والشافعي (131) .
قوله: " مسح " بكسر الميم وسكون السين، وهو كساء معروف.
(5) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 74- باب: في
ترك الوضوء مما=
(1/457)
باختلاف على عطاء في إسنادها وهذان حديثان
مسندان صحيحان، وفي
مسند السراج عن قتيبة عن الدراوردي عن زيد زيادة: " ولم
يتمضمض". ولما
خرج أبو موسى حديث عطاء بن حبة بن جريج قال: حسن صحيح،
وقال
ابن عساكر: كذا رواه روح عن ابن جريج، ورواه خالد بن الحرث
وأبو
عاصم عن ابن جريج عن محمد بن يوسف عن سليمان- يعني: ابن
يسار-،
وقال أبو عيسى: رواه ابن سيرين وعلى بن عبد الله بن عباس
وعطاء وعكرمة
ومحمد بن عمرو بن عطاء وغير واحد عن ابن عباس. وفي مسند
الإمام:
أحمد ثنا حفص بن عمر عن همام عن قتادة عن يحيى بن يعمر عن
ابن
عباس أن النبي- عليه السلام-: " أنهش من كتف، ثم صلى ولم
يتوضأ " (1) . ورواه أيضا عن يحيى عن ابن جريج حدثنا سعيد
بن الحويرث،
وفي كتاب السراج: ثنا زياد بن أيوب بن إسماعيل بن إبراهيم
ثنا أيوب عن
أبي مليكة، وفي كتاب ابن شاهين: ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا
الحسن بن عرفة
ثنا هُشيم عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي كلهم عن
ابن عباس
بنحوه، وفي المصنف من حديث محمد بن عمرو بن عطاء: " أكل من
عظم، أو يغرف من ضلع ". وفي حديث أبي جعفر: " مر بقدر تفور
فأخذ
منها عرقا- أو كتفا- فأكله ثم تمضمض ولم يتوضأ " (2) . وفي
سنن أبي داود
__________
مست النار، (ح/190) .
قوله:" انتهش " هو بالشين المعجمة: أخذ اللحم بالأضراس،
وبالسين المهملة: أخذ اللحم
بمقدم الفم. وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/251)
وعزاه إلى " أبي يعلى "، وفيه
حسام بن مصك، وقد أجمعوا على ضعفه. قلت: وتحسينه لوجود
أكثر من طريق له.
(1) بنحوه. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/254) من
حديث أم عامر بنت يزيد بن السكن،
وكانت من المبايعات: " أنها أتت رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرق فتعرقه وهو في مسجد بنت عبد
الأشهل، ثم قام
فصلى ولم يتوضأ ". وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " من
طريق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي خليفة عن عبد
الرحمن بن ثابت بن صامت عنها، ولم أجد من ذكر هذين.
(2) في " مجمع الزوائد " (1 / 254) عن عمرو بن محمد بن
عمرو بن سعد بن معاذ قال: سمعت هند
بنت سعيد بن أبي سعيد الخدري تحدث عن عمتها قالت: " جاء
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عائدا لأبي
سعيد الخدري
فقدمنا إليه ذراع شاة فأكل، وحضرت الصلاة فتمضمض ثم صلى
ولم يتوضأ ". رواه الطبراني في " الكبير " عن محمد بن يوسف
عنها، ولم أجد من ذكر محمدا هذا.
(1/458)
قال ابن عباس: " فرأيته يسأل على لحيته
أساج من دم وماء ثم قام إلى
الصلاة " (1) . وفي مسند ابن عباس تصنيف القاضي إسماعيل بن
إسحاق من
حديث حجاج عن سعد بن إبراهيم عن علي بن عبد الله بن عباس
عن أبيه
أن النبي- عليه السلام-: " أكل في بيت ضباعة بنت الحرث
كنفا " (2) .
وقال: هكذا رواه أبو معاوية عن حجاج، وخالفه يزيد بن
هارون، ورواه عن
حجاج: " دخل على ضباعة بنت الزبير فأكل عندها كتفا من لحم
... "
الحديث. وفي تاريخ بحْشلْ من حديث سعيد بن جبير: " أكل ابن
عباس
لحما ثم صلى ولم يتوضأ ". ولم يتبين من/البساط شيئا.
حدثنا محمد بن الصباح، ثنا سفيان عن محمد بن المنكدر وعمرو
بن
دينار وعبد الله بن محمد عقيل عن جابر بن عبد الله قال: "
أكل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأبو بكر وعمر خبزا ولحما ولم يتوضئوا ". هذا حديث رواه
الترمذي (3) عن
ابن عمر، ثنا ابن عيينة ثنا ابن عقيل، سمع جابرا قال
سفيان: ثنا ابن المنكدر
عن جابر قال: " خرج النبي- عليه السلام- وأنا معه، فدخل
على امرأة من
الأنصار فذبحت له شاة وأكل، وآتته صاعا من رطب فأكل منه،
ثم توضأ
للظهر وصلى ثم انصرف، فأتته بعُلالة الشاة فأكل ثم صلى
العصر ولم
يتوضأ " (4) . ولم يحكم عليه بشيء، وفيه نقص عما رواه له
شيخه، والذي في
__________
(1) صحيح. تقدم من أحاديث الباب.
(2) صحيح التمهيد (3/344، 346) والشافعي (13) بلفظ: " أكل
كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ".
وفي " مجمع الزوائد " (1/253) : " أنها وضعت إلى النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحما فانتهش منه، ثم
صلْى
ولم يتوضأ " وعزاه إلى أبي يعلى وأحمد، ورجاله ثقات.
(3) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 66- باب
الرخصة في ذلك، (ح/
489) . في الزوائد: رجال هذا الإِسناد ثقات. وصححه الشيخ
الألباني.
(4) صحيح رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 59- باب ما جاء
في ترك الوضوء مما غيرت
النار: (ح/80) .
هذا حديث صحيح، ليست له علة. وقد حاول بعضهم أن يعلله؛
فنقل البيهقي في المعرفة
عن الشافعي أنه قال: لم يسمع ابن المنكدر هذا الحديث من
جابر، إنما سمعه من عبد الله بن
محمد بن عقيل عن جابر. وهو مردود برواية ابن جريج عن أحمد
(رقم 14505 ج 3
ص 322) وأبي داود (1/75) قال: " أخبرني محمد بن المنكدر
قال: سمعت=
(1/459)
مسنده: " ففرشت لنا تحت صوْر لها- والصوْر:
النخلات المجتمعات- وفي
آخره: وشهدت أبا بكر دخل على أهله فقال: هل من طعام؟
قالوا: لا، قال:
فأين شاتكم الوالد؟ فأتى بها فحلها ثم أمر بلبانها فطبخ
فأكل منه، ثم صلى
ولم يتوضأ، ثم شهدت عمر بن الحطاب وأتى بحفنتين فوضعت
إحداهما بين
يديه والأخرى من خلفه، فأكل وأكلنا معه ثم صلى ولم يتوضأ
". وقال فيه
الجوزجاني: حديث صحيح. رواه عن ابن المنكدر جماعة، وخرجه
أبو حاتم
البُستي في صحيحه (1) عن عبد الله بن محمد الأزدي، ثنا
إسحاق بن
إبراهيم، ثنا أبو علقمة عبد الله بن محمد بن أبي فزوة،
حدثني محمد بن
المنكدر عن جابر قال: " رأيت النبي- عليه السلام- أكل
طعاما مما مسته
النار ثم صلى قبل أن يتوضأ، ثم رأيت بعد النبي أبا بكر أكل
طعاما مما مسته
النار ثم صلى قبل أن يتوضأ، ثم رأيت بعد أبي بكر عمر أكل
طعاما مما مسته
النار ثم صلى ولم يتوضأ "، وفي لفظ: " دعت امرأة رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأكل
هو وأصحابه، وحضرت الصلاة فتوضأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصلى، ثم دعا إلى
بيتها فأقبلوا فحضرت العصر فلم يتوضأ النبي، عليه السلام "
(2) ، وفي لفظ:
" أكل النبي- عليه السلام- لحما ومعه أبو بكر وعمر، ثم
قاموا إلى العصر
ولم يتوضأ " (3) . وفي صحيح ابن خزيمة: ثنا موسى بن سهْل
الرملي، ثنا
علي بن عياش، ثنا شعيب بن أبي حمزة عن ابن المنكدر عن
جابر/قال:
" آخر الأمرين من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ترك الوضوء مما غيرت النار " (4) . أخرجه
ابن حبان في صحيحه عنه قال: هذا خبر مختصر، ثم حدّث حديثا
طويلا
__________
جابر بن عبد الله يقول: قربت للنبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبزا ولحما فأكل ولم يتوضأ ".
قوله: " علالة " العلالة: بضم العين للمهملة: البقية، أو
ما يتعلل به شيئا بعد شيء، من
العلل- بفتح العين- وهو الشرب بعد الشرب.
(1) صحيح. رواه ابن حبان: (2/228- 230) .
(2) للصدر السابق: (2/230- 231) .
(3) راجع للصدر الأول " الحاشية رقم 1 ".
(4) صحيح. التمهيد (3/347) وللعقيلي (3/4) وابن حبان، وابن
خزيمة، والمنتقى (24)
وأبو داود (ح/4864) والنسائي (1/108) والبيهقي (1/106) .
(1/460)
اختصره شُعيب متوهما لنسخ إيجاب الوضوء مما
مست النار مطلقا، وأما نسخ
الإيجاب بالوضوءِ مما مست النار خلا الجزور فقط، وقال أبو
داود عند
تخريجه: هذا اختصار من الحديث الأول، ولفظ الحاكم في
التاريخ عن ابن
عقيل عنه: " أكلت مع النبي من شاة صنعت له قبل العصر،
فحضرت
الصلاة فصلى ولم يمس ماء، ثم حضرت عمر في ولايته فأتى
بحفنة فيها ثريد
ولحم فأكلها مع ناس من المهاجرين، وحضرت الصلاة ولم يمس
عمر ولا أحد
ممن أكل معه ماء " (1) . وقال الدارقطني في الأفراد: تفرد
به شعيب عنه، ولا
أعلم رواه عنه غير علي بن عباس، ورواه في موضع آخر منه
بلفظ: " بينما
نحن مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأكل مما
مست النار ". هكذا حديث غريب من حديث
ابن عيينة عن الثوري. تفرد به طاهر بن الفضل الحلبي عن ابن
عيينة، وقال ابن
أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه علي بن عباس: " كان آخر
الأمرين ... ". فقال: هذا حديث مضطرب المتن، إنّما هو أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكل
كتفا ولم يتوضأ ". كذا رواه الثقات عن ابن المنكدر عن
جابر، ويمكن أن
يكون شعيبا حدّث به من لفظه فوهم فيه، وقال في موضع آخر:
إنّما هو أنّ
النبي- عليه السلام-: " أكل كتفا ثم صلى ولم يتوضأ ".
ولقائل أن يقول:
الذي سلف من عند أبي داود وابن حبان أقرب مما ذكره
الرازْي؛ لتباعد لفظ
المتنين، ولعدم جواز التعبير بأحدهما عن الآخر، والانتقال
من أحدهما إلى
الآخر إنما يكون عن غفلة شديدة ببعد منها شعيب، وقول أبي
داود أقرب؛
لأنّه يمكن أن يعبر بهذه العبارة عن معنى الرواية الأولى،
ولقائل أن يقول
أيضا: المراد بآخر الأمرين ذكره جابر أولا من أنه أكل لحما
وخبزا ثم توضأ ثم
أكل فضل طعامه، أجل ثم لم يتوضأ، فكان الآخر من الفعل
الأول ترك
الوضوء فصحّ إذا الاختصار كان جائزا فهم من التابع الراوي
عنه أنّه عرف
روايته للحديث الأوّل، فعبر له بعبارة موجزة يفهمها
السامع- والله أعلم-،
وعلى هذا لا يعلو إن ادّعى النسخ بقوله:/آخر الأمرين.
وأمّا ابن حزم فزعم
بعد تصحيحه حديث آخر الأمرين أنّ من قال إنّه مختصر من
الأول قول
__________
(1) ضعيف. راجع: المجمع (1/254) .
(1/461)
بالظن، والظن أكذب الحديث، بل هما حديثان
اثنان كما ورد حديث ابن
للمنكدر وحده، ولفظ ابن أبي داود في كتاب الطهارة: " أن
امرأة اشترت
حائطا، فسألت النبي- عليه السلام- أن يأتيه ويدعو فيه
بالبركة ... "
الحديث، وفي لفظ " كنّا زمان النبي- عليه السلام- وما نجد
من الطعام إلا
قليلا، فإذا نحن وجدنا لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا
وسواعدنا وأقدامنا ثم
نصلي ولا نتوضأ "، وفي سنن الكجي: " جئنا امرأة في
الإسراف، وهي
حبرة خارجة بن زيد بن ثابت "، وفيه عنه " أن النبي أخذ
بكفه جرعا
فمضمض من غير الطعام ". انتهى. وفي الحديث علّة خفيت على
من صحح.
ذكرها البخاري في التاريخ الأوسط فقال: ثنا علي، قلت
لسفيان: إن أبا
علقمة الفروي قال عن ابن المنكدر عن جابر: " أكل النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يتوضأ "
فقال: احسبني سمعت ابن المنكدر قال: أخبرني من سمع جابرا
أكل النبي
وقال بعضهم عن ابن المنكدر: سمعت جابر، ولا يصح فهذا حكم
فيه
بعّدم اتصالها وإن كان قد صرح في التاريخ الكبير بسماعه من
جابر، ولا
منافاة بين القولين لاحتمال أن يكون ظهر له أنه لم يسمع
هذا منه بخصوصه،
وإن كان قد سمع منه غيره كما قاله، لما سأله الترمذي عن
حديث ابن
عباس: " الشاهد واليمين ". قال: لم يسمع عمرو هذا الحديث
عندي من
ابن عباس مع تصريحه بسماعه من ابن عباس غير ما حديث، وما
ذكره
الشافعي إثر رواية له في سنن حرملة عن عبد الحميد بن عبد
العزيز عن ابن
جريج مختصرا، قال: لم يسمع ابن المنكدر هذا الحديث من
جابر، إنّما سمعه
من عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر، قال البيهقي: وهذا
الذي قاله
الشافعي محتمل؛ وذلك لأنّ صاحبا الصحيح لم يخرجا هذا
الحديث من جهة
ابن المنكدر عن جابر في الصحيح مع كون إسناده من شرطهما،
ولأنّ ابن
عقيل قد رواه أيضا عن جابر، ورواه عنه جماعة، إلا أنّه قد
روى عن
حجاج بن محمد وعبد الرزاق ومحمد بن مكثر عن ابن جريج عن
ابن
للمنكدر، وقال: سمعت جابرا، فذكروا هذا الحديث فإن لم/يكن
ذكر
السماع فيه وهما من ابن جريج فالحديث صحيح على شرط صاحبي
الصحيح- والله أعلم-. انتهى كلامه. وفيه عدم رجوع لما قاله
الشافعي
(1/462)
وركون إلى قول من صرح بالسماع، وذهول عن
قول الجعفي- رحمهم الله
تعالى- ويزيده وضوحا أيضا: رجوع ابن المنكدر عن هذا الرأي،
إلى غيره؛
ذكر أبو زرعة الدمشقي في تاريخه عن شعيب بن أبي حمزة: أنّ
الزهري ناظر
ابن المنكدر فاحتج ابن المنكدر بحديث جابر، واحتج الزهري
بحديث عمر بن
أميّة في الوضوء مما مست النار قال: فرجع ابن المنكدر عن
مذهبه إلى مذهب
الزهري.
ولقائل أن يقول: لو أخذه ابن المنكدر عن جابر شفاها لما
رجع عنه ولا
صاغ له ذلك، ولكن لما أخذه عنه بواسطة ضعيفة رجع عنه
مسرعا، وقد
رواه عن جابر أبو الزبير ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان.
ذكر ذلك الحاكم
في تاريخ نيسابور، فقال: ثنا أبو حامد الحافظ نا أبو حاتم،
نا أحمد بن
يوسف السلمي، نا الجارود بن يزيد عن عبد الله بن زياد بن
سمعان، حدثني
يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي يزيد عن جابر بلفظ قال لنا:
" يأتيكم
رجل من أهل الجنة، فجاء عمر، ثم قال: ليأتينكم رجل من أهل
الجنّة اللهم إن
شئت جعلته عليٌا فجاء علي " (1) .
ثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم أبو سعيد محمد بن شاذان،
ثنا بشر بن
محمد القاري ثنا ابن المبارك، ثنا الأوزاعي عن يحيى عن
محمد بن عبد
الرحمن بن ثوبان عن جابر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " أكل كتف شاة ثم صلى ولم
يتوضأ ". وقد تقدم ضرب ابن عقيل عنه، ورأيت بخط سعْد
الخير: نا ابن
قداس، نا ابن بشران، أنا الحسن بن صفوان، نا ابن أبي
الدنيا، نا محمد بن
يوسف بن الصباح، سمعت رشدين بن سعْد يقول: " رأيت النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
المنام أربع عشرة مرة في كلها أقول له: نا ابن شهاب عنك أن
توضئوا مما
مسته النار، فيقول لي: لها يا رشدين ". وذكر ابن أبي
الدنيا عن محمد بن
موسى بن الصباح بن رشدين بن سعْد قال: " رأيت النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام أربع
عشرة مرة في كلها أقول: يا رسول الله ثنا ابن شهاب عنك أن
توضئوا مما
غيرّت النار، فيقول: لها يا رشدين ". حدثنا عبد الرحمن بن
إبراهيم
الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، ثنا الزهري
قال: حضرت/عشا
عند الوليد أبو عبد الملك، فلما حضرتني الصلاة قمت لأتوضأ،
فقال جعفر بن
(1/463)
عمرو بن أمية: " أشهد على أبي أنه شهد على
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أكل
طعاما مما غيرت النار، ثم صلّى ولم يتوضأ " (1) . وقال علي
بن عبيد الله بن
عباس: " وأنا أشهد على أبي بمثل ذلك ". هذا حديث خرجه مسلم
في
صحيحه وخرجه البخاري من حديث عمرو فقط، وفي كتاب ابن أبي
داود
دائرة ثم أخبر رجال من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسائر أزواجه أنّ رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: " توضئوا مما غيرت النار " (2) . قال ابن أبي داود:
فوهنت تلك في
الناس قول الزهري: رواه عن عمرو بن عثمان، ثنا شعيب عنه،
حدثنا محمد بن
الصباح، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن
علي بن
الحسن عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت: " أتى رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بكتف فأكل منه وصلى ولم يمس ماء " (3) ./هذا حديث خرجه
الحافظ أبو
بكر في صحيحه، ورواه النسائي في الكبير من حديث ابن جُريج:
حدثني
محمد بن يوسف عن سليمان بن يسار، قال: " دخلت على أم سلمة،
فحدثتني أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان يصبح جنبا من غير احتلام ثم يصوم " (4) .
وحدثنا مع هذا الحديث أنها حدثته أنها قربت الحديث. وأنا
ابن المثنى، ثنا
يحيى، ثنا جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين، ولفظه: " أكل
كتفا فجاء
بلالُ فخرج إلى الصلاة ولم يمس ماء "، وقد تقدّم كلام أبي
عمر بأن سنده
صحيح، وتقدّم أيضا ما يعارضه.
__________
(1) صحيح. رواه أحمد (3/380) والطبراني في " الكبير "
(17/250) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 66- باب
الرخصة في ذلك، (ح/
490) . وصححه الشيخ الألباني.
ورواه مسلم في: 3- كتاب الحيض، 24- باب نسخ الوضوء مما مست
النار، (ح/93) .
(3) صحيح. رواه ابن ماجة (486، 487) وأحمد (2/265، 271،
470، 479،
503، 529، 5/184، 188، 190، 6/89) والبيهقي (1/141، 155،
157)
والتمهيد (3/335، 338) والمشكاة (303) والمجمع (1/249)
والفتح (1/311) وابن
أبي شيبة (1/50، 51) وأبو عوانة (1/269) والحلية (36315)
والتاريخ الكبير (2/18،
6/409) وابن عساكر (3/19) والخطيب (6/375) وابن عدي
(3/883، 4/1580) .
(4) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 66- باب
الرخصة في ذلك (ح/491) .
وصححه الشيخ الألباني.
(1/464)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا علي بن
مسهر، عن يحيى بن سعيد، عن
بشير بن يسار ثنا سويد بن المعتمر الأنصاري: " أنهم خرجوا
مع رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا كانوا
بالصهباءِ صلى العصر، ثم دعا بأطعمة، فلم يؤت إلا
بسويق فأكلوا وشربوا، ثم دعا بماء فمضمض فاه ثم قام فصلى
بنا المغرب ".
هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه (1) من حديث ملك بن شعبة
بن
سفيان عن يحيى بن سعيد، وقال مسلم في الوحدان: حدثنا محمد
بن عبد
الملك بن أبي الشوارب، ثنا عبد العزيز بن المختار، ثنا
سُهيل عن أبيه عن أبي
هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
أكل كتف شاة فمضمض وغسل يده
وصلى " (2) . هذا حديث خرجه البخاري، والحافظ أبو بكر بن
خزيمة في
صحيحه (3) عن أحمد بن عبدة، ثنا عبد العزيز- يعني:
الدراوردي- عن
سُهيل عن أبيه ولفظه: " أنه رأى النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ من ثور أقط، ثم رآه أكل
من كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ ". وهو مشكل بما أتى (4) به
الإمام
العلامة محمد بن محمد المغربي- رحمه الله- أنبأتنا أم محمد
مسندة عن
أبي روح وابن الصفاء وإسماعيل القاري وزينب الشعرية
وغيرهم، قال أبو روح
وزينب: ثنا العسكري في كتابه من حديث الجعد بن عبد الرحمن
عن
الحسن بن عبد الله بن عُبيد عنه. وحديث عمته هند ابنة سعيد
بن أبي سعيد
الخدري، وقيل: بنت أبي سعيد، وقيل: بكرة أم عبد الرحمن: "
أن النبي-
عليه السلام- زارهم، فأكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ ".
ذكره المديني
من حديث يعقوب بن حميد عن الدراوردي عن محمد بن أبي حميد
عن
__________
(3) مشكل الآثار: (1/225، 226) .
(1) صحيح. رواه البخاري في (الوضوء، باب " 51، 54 "
والجهاد، باب " 123 "
والأطعمة باب " 7، 51 " والمغازي، باب " 38 ") وابن ماجة
(ح/492) في للزوائد:
رجال إسناده ثقات، ومالك في (الطهارة، ح/20) وأحمد (3/
448) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/493) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) تقدّم من أحاديث الباب.
(4) قوله: " بما أتى " وردت في " الأولى ": " بماء به "،
وهو تصحيف، وفي " الثانية ":
" بما أتى به "، وهو الصحيح، وكذا أثبتناه.
(1/465)
هند عنها. وحديث عمرو بن عبد الله قال: "
رأيت النبي أكل كتفا، وصلى
ولم يتوضأ ". رواه زاهر وابن الصفار والفارسي.
ثنا المسند وجيه بن ظاهر بن محمد السماحي قراءة عليه،
وبنحوه وسمع
ثنا بالإسناد أبو القاسم عبد الكريم بن هواذن القشيري
قراءة عليه، ثنا أبو
الحسين أحمد بن محمد الحقاف قراءة عليه، ثنا أبو العباس
محمد بن
إسحاق بن إبراهيم بن مهدي بن مهران الثقفي السراج، قال:
ثنا إسحاق بن
إبراهيم، ثنا وكيع، ثنا سفيان، ثنا أبو عون الثقفي عن عبد
الله بن شداد قال:
" شهدت أبا هريرة يقول لمروان: توضئوا مما مست النار "،
فأرسل مروان إلى
أم سلمة رسولا فسألها، فقالت: " نهش رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندي من كتف ثم
قام فصلى ولم يتوضأ ". انتهى. وهو سند صحيح، وبيان إشكاله:
كيف يأمر
بالوضوء بعد موته- عليه السلام- مع ما شاهده من فعله الذي
رآه؟! وقد
تقدّم كلام البيهقي في ذلك، والله أعلم.
وقد روى الرخصة في ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ غير من تقدم؛ منهم: عبد
الله بن الحرث بن حر الزبيري قال: " وضع لنا الطعام في عهد
رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصفة فأكلنا، ثم
أقيمت الصلاة فصلينا/ولم نتوضأ "، وحديث ألزم
الدارقطني الشيخين إخراجه، وأخرجه أبو ذر الهروي في كتابه،
وقال ابن
عبدة: تفرد به المصريون، وأخرجه ابن حبان أيضا في صحيحه،
ورواه أبو
القاسم الطبراني في المعجم الكبير عن عمر بن عبد العزيز بن
مقلاص قال:
ثنا أبي قال: ثنا ابن وهب، أخبرني حيوة عن عقبة بن مسلم
عنه، وبالغ في
الأوسط: لم يروه عن عقبة إلا حيوة بن شريج، ولفظ أبي داود:
" لقد
رأيتني سابع سبعة- أو سادس ستة- مع النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دار رجل، فمرّ بلال
فناداه بالصلاة فخرجنا فمررنا برجل وبرمة على النار، فقال
النبي- عليه
السلام-: أطابت برمتك؟! فقال: نعم بأبي أنت وأمي، فتناول
منها بضعة فلم
يزل حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه " (1) . رواه عن أبي
الظاهر أحمد بن
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 74- باب في
ترك الوضوء مما مست
النار (ح/193) .
(1/466)
عمرو بن السرج ثنا عبد الملك بن أبي
كُريمة، حدثني عُبيد بن ثمامة عنه،
وبنحوه ذكره أبو زكريا بن مندة في كتاب آخر من مات من
الصحابة، وفيه
رد لما قاله أبو القاسم الطبراني، والله أعلم؛ لأن الحديث
واحد، وإن اختلفت
ألفاظه، فكله يدور على معنى واحد؛ وهو اصطلاح المخرجين
وعائشة- رضى
الله عنها- قالت: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يأكل خبزا وكتفا وأقام المؤذن الصلاة،
فأراد القيام فقلت له: ألا تتوضأ يا رسول الله من
الأطيبين؟! فتوضأ ثم قام
فصلى ولم يتوضأ ". رواه الحافظ أبو العباس السراج في مسنده
لإسناد صحيح،
وأبو رافع قال: " أشْهد أن استوي لرسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطن شْاة ثم صلى ولم
يتوضأ ". رواه مسلم (1) في صحيحه، ولفظ السراج في مسنده
قال: " ذبحت
لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاة، وأمرني
فطبخت له من بطنها، فأكل منه، ثم قام فصلى
ولم يتوضأ ". في سنده عتاد من ولد أبي رافع- وهو مجهول-
ولما رواه ابن
الأشعث من حديث سلمة بن الفضل، ثنا أبو جعفر الرازي عن
داود بن أبي
هند عن شرحبيل عن أبي رافع مطولا قال: هذا حديث غريب، وأبو
بكر
الصديق- رضى الله عنه- روى حديثه ابن أبي داود عن عمرو بن
عثمان، ثنا
عقبة بن علقمة عن الأوزاعي قال: كان مكحول يتوضأ مما مست
النار حتى
أتى عطاء بن أبي رباح فأخبره عن جابر بن عبد الله/أن أبا
بكر أكل ذراعا-
أو كتفا- ثم صلى ولم يتوضأ، فقيل له: أتركت الوضوء؟ فقال:
لأن يقع
أبو بكر من السماء فيتقطع أحب إليه من أن يخالف أمر رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
وفي لفظ عن مكحول: أخبرني ثقة عن جابر: " رأيت أبا بكر أتى
بطعام
مسته النار قبل صلاة المغرب، فأكل ثم قام فصلى ولم يتوضأ
... وفيه: رأيت
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الأول في مثل
هذا اليوم أكل في هذا الموضع مما مست النار
قبل صلاة المغرب، ثم صلى ولم يتوضأ، ففعلت كما فعل " (2) ،
قال زيد بن
واقد: فقلت: أخبرك ثقة؟ قال: نعم. ولما رواه البزار من
حديث أسير الجمال
__________
= قوله: " برمة " بضم الباء وسكون الراء هي القدر، وجمعها
برام- بكسر الباء- قاله الجوهري.
(1) صحيح. رواه مسلم في: 3- كتاب الحيض (ح/94) .
قوله: " بطن الشاة " البطن: الكبد، وما معها من حشوها.
(2) سنن الترمذي: (1/119) .
(1/467)
حدثنا عمرو بن أبي المقدام ثنا عمرو بن أبي
مسلم عن أبي عبلة عن بلال
قال: حدثني مولاي أبو بكر قال سمعت النبي يقول: " لا يتوضأ
رجل من
طعام أكله حل له " (1) . قال: لا نعلمه يروي عن النبي هذا
اللفظ إلا من
هذا الوجه وعمرو بن أبي المقدام هو ابن ثابت، حدث عنه أبو
داود جماعة
من أهل العلم على تشيعه، ولم يترك حديثه لذلك، وأسند حديث،
وأحاديث
لم يتابع عليها، وإنما ذكرنا هذا الحديث لانا لم نحفظه إلا
من هذا الوجه بهذا
الإِسناد فذكرنا وبينا العلة فيه، لما ذكره ابن أبي حاتم
في كتاب العلل من
حديث الأوزاعي عن حسان بن عطية عن جابر عن أبي بكر: " أنه
أكل مع
النبي لحما ثم صلى ولم يتوضأ ". وقال: سمعت محمد بن عوض
يقول: هذا
خطأ، إنما يرويه الناس عن عطاء عن جابر عن أبي بكر موقوفا.
انتهى كلامه.
وفيه إشعار بأنه موقوف، وفي هذا رد لما قاله أبو عيسى:
حديث أبو بكر لا
يصح من قبل إسناده؛ إنمّا رواه حسام بن مصار عن ابن سيرين
عن ابن عباس
عن أبي بكر، والصحيح إّنما هو عن ابن عباس عن النبي. هكذا،
رواه الحفاظ،
وروى عن غير وجه عن ابن سيرين عن ابن عباس، ورواه عطاء بن
يسار عن
عكرمة، ثنا محمد بن عمرو عليِ بن عبد الله بن عباس وغير
واحد عن ابن
عباس عن النبي، ولم يذكروا فيه عن أبي بكر، وهذا أصح وكثر
رجل من
الصحابة قال: " كنا عند النبي- عليه السلام-، فوضع لنا
طعام فأكلنا، ثم
أقيمت الصلاة، فقمنا فصلينا ولم نتوضأ ". رواه الحافظ أبو
بكر بن الأشعث
في سننه عن أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السّرح، ثنا ابن
وهِب
سمعت حِيوة بن شُريح سألت/عقبه بن مسلم التجيبي عن الوضُوء
مما مسته
النار فقال: إنه كثير، وكان من أصحاب النبي- عليه السلام-
... الحديث،
وأبو سعيد روى حديث ابن أبي داود عن أيوب بن محمد الوازن،
ثنا مروان
ثنا هلال بن ميمون ثنا عطاء بن يزيد قال ورواه عن أبي سعيد
قال: " تعرّق
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظما ثم صلى
ولم يتوضأ " (2) . ورواه أبو الشيخ في فوائد
__________
(1) حبيب (1/25) وابن عدي في " الكامل " (5/781) .
(2) صحيح. رواه ابن عدي في " الكامل (1/340) بلفظ: " تعرق
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ =
(1/468)
الأصفهاني من حديث الحكم بن يوسف عن زفر عن
أبي حنيفة عن داود بن
عبد الرحمن عن شرحبيل عنه، وفي كتاب العلل للحربي: وذكر
محمد بن
أبي حميد عن هند بنت سعيد بن أبي سعيد عن أبي سعيد به،
فقال إبراهيم
في هذا الحديث عن أبي حميد: هند لم تدرك أبا سعيد، والصواب
ما قال
عمرو بن محمد بن عمرو بن معاذ ومحمد بن كعب عن عمها وعنها
أيضا
أخت أبي سعيد لم تدرك النبيِ، ولا نعرفها أنهّا حدثت عن
أحد، وإن كان
الحديث عن عمة أمهّا أخت أبي سعيد فهي الفارغة ولها صحبة.
وميمونة
زوج النبي- عليه السلام-: " أن النبي- عليه السلام- أكل
عندها كتفا ثم
صلى ولم يتوضأ " (1) . وعثمان بن عفان قال: " رأيت رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل
خبزا ولحما وصلى ولم يتوضأ ". رواه البزار (2) عن محمد بن
عبد الرحيم، ثنا
ملك بن إسماعيل ثنا عبد السلام عن إسحاق بن عبد الله عن
محمد بن أبي
إمامه عن أبان بن عثمان ثم قال: وهذا الحديث فيه إسحاق بن
عبد الله
وسائر أسانيده فحسن، ورواه أحمد بن القاضي في مسند عثمان
عن أبي
بكر بن أبي شيبة، ثنا علي (3) بن منصور، ثنا شعيب بن زريق
عن عطاء
حدثنا ليث عن ابن المسيب: " أن عثمان قعد على منبر رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتى
بخبز ولحم فأكل، ثم صلى ولم يتوضأ، وقال: قعدت مقعد رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأكلت طعام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
(4) . وبنحوه رواه النسائي في كتاب الكُنى عنه
عن إسحاق بن موسى، ثنا الوليد عن شعيب بن أبي شيبة وابن
مسعود:
__________
= كتف شاة ". وفي التمهيد (3/343) بلفظ: " تعرّق كتفا، ثم
قام فصلى ولم يتوضأ ".
قلت: ولهذا الحديث شواهد صحيحة مرت في هذا الباب.
(1) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 لم 253)
وعزاه إلى الطبراني في " الكبير" و" الأوسط "، ورجاله
موثقون.
(2) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/251)
وعزاه إلى البزار وأحمد، ورجال
أحمد ثقات.
(3) قوله: " علي " وردت في " الأولى ": " معلي "، وكذا
أثبتناه.
(4) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/251) وعزاه إلى
أحمد وأبي يعلى والبزار.
(1/469)
" كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يأكل اللحم ثم يقوم إلى الصلاة ولا يمس ماء "
(1) .
ثنا بحديثه أبو النون السقا قراءة عليه وأن أسمع، أنباكم
المقبري عن الحافظ
السلامي، ثنا أبو منصور المعمري، ثنا القاضي أبو بكر بن
أبي حُصين/عن
يونس بن أبي خلْدة عنه، ثنا عمر بن عثمان ثنا عبد الله بن
مطيع قال: ثنا
إسماعيل بن جعفر أخبرني عمرو بن أبي عمرو عن عبيد الله بن
حمزة أبي
عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود ومحمد بن مسلمة الأنصاري أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أكل آخر أمره لحما، ثم صلى ولم يتوضأ " (2) . رواه أبو
القاسم عن عباس
الإسقاطي ثنا عبد الرحمن بن المبارك ثنا دريش بن حسان عن
يونس بن أبي
خِلْدة عنه. والمغيرة بن شعبة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل طعاما وأقيمت الصلاة
فقام، وقد كان يتوضأ قبل ذلك فأتيته بماء، ليتوضأ فانتهرني
وقال لي: وراك
فساءني ذلك، ثم صلى فشكوت ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال: يا
رسول
الله، إن المغيرة بن شعبة قد شق عليه انتهارك إياه خشى أن
يكون في نفسك
عليه شيء فقال: ليس في نفسي عليه شيء إلا خير، ولكنّه
أتاني بماءِ لأتوضأ
وإنما أكلت طعاما، ولو فعلت ذلك فعل الناس ذلك من بعدي "
(3) . أنبأ بذلك
المسند فتح الدين العسقلاني رحمه الله قراءة عليه وأنا
أستمع، أنبأكم الأخوان
أبو المكارم عبد الله وأبو عبد الله الحسن بن الحسن بن
منصور وقال الأول: نا،
وقال الثاني: نا الحافظ العلامة أبو بكر محمد بن موسى
الهمذاني قال: قرأت
على محمد بن أبي الأزهر بواسط بالعراق: أخبرك ابن طاهر
القارئ في كتابه
نا الحسن بن أحمد نا دعْلج نا محمد بن علي، ثنا سعيد نا
عبيد الله بن
إياد بن لقيط عن أبيه عن سويد بن سرحان عن المغيرة وقال:
هذا حديث
يروى عن سُويد من غير وجه، فمنهم من يقول فيه: كان يتوضأ
قبل ذلك،
ومنهم من يقول: كان توضأ قبل ذلك ورواه أبو داود (4) في
سننه عن
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب ص 456 (2) تقدٌم بنحوه. وراجع
المجمع (1/252) .
(3) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/251)
وعزاه إلى " أحمد " والطبراني
في " الكبير "، ورجاله ثقات.
(4) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 74- باب في
ترك الوضوء مما=
(1/470)
عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن سليمان
الأنباري، ووكيع عن سعد عن أبي
صخرة جامع بن سواد عن المغيرة بن شعبة قال: " ضيفت النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات
يوم فأمر بجنْب فشوى، وأخذ شفرته فجعل يجر لي بها/منه،
قال: فجاء
بلال فأذنه، بالصّلاة فألقى الشفرة وقال: ما له ترتب يداة
وقام يصلي ". وزاد
الأنباري: وكان شاري دفا فقال: أقصه لك على شراك أو قصه لي
على شراك
وسيأتي بعد- إن شاء الله تعالى- في كتابه الوليمة. ورافع
بن خديج قال:
" رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل
ذراعا فلما فرغ أمر أصابعهُ على الجرار، ثم صلى
العصر والمغرب ولم يتوضأ ". ورواه أبو القاسم في المعجم
الكبير (1) عن
الحسين بن إسحاق التستري ثنا هشام بن عمار عن صدقة بن خالد
عن عمر بن
قيس عن إبراهيم بن محمد بن خالد عن ابن المسيب عنه وإحدى
زوجات
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: " كان رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلّ ليلة يأتينا
إلا قلنا له فيه تكون
في المدينة فيأكل منها فيصلي ولا يتوضأ ". رواه الكجي من
حجاج، ثنا
عمارة عن محمد بن المنكدر قال: " دخلت على إحدى أزواج
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقلت: ألا تحدثيني: فقالت ... الحديث ". وعكراش بن ذؤيب: "
أنه أكل
مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصعة من ثريد
ثم أتى بماء فغسل يده وفمهُ ومسح وجههُ وقال
لي: يا عكراش هذا الوُضُوءُ مما مست النار ". رواه أبو حفص
في كتابه عن
هارون بن أحمد، ثنا النضر بن طاهر، ثنا عبيد الله بن عكراش
عن أبيه،
ومعاذ بن جبل وقيل له: إنّ ناسا يقولون: إن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ مما مست
النار، فقال: إنّ قوما سمعوا ولم يعُوا، كنا نُسمّي غسل
اليد والفمِ وضوءا،
وليس بواجب، إنما أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ المؤمنين أن يغسلوا أيديهم وأفواههُم مما
مسّتِ النارُ، وليس بواجب، ورواه البيهقي (2) في كتاب
السنن ثم قال: فيه
__________
مست النار (ح/188) .
قوله: " الجنب" بفتح الجيم وسكون النون وآخره باء: للقطعة
من الشيء تكون معظمه أو شيئا كثيرا منه.
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/252) من
حديثه رافع بن خديج
بنحوه، وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "، وفيه عمرو بن
قيس المكي عن إبراهيم بن محمد بن خالد بن الزبير، ولم أر
من ترجمهما، وله من طريق آخر، وفيه الواقدي، وهو كذاب.
(2) قوله: " البيهقي " غير واضحة " بالأصل "، وكذا
أثبتناه.
(1/471)
مطرف بِن مازن، وفيه كلام، ورواه البزار في
مسنده مرفوعا: " إذا أكل
أحدنا طعاما غيرته النّار غسل يده وفاه ثلاث! ". فعد هذا
وضوء من حديث
الحسين بن يحيى الخشني، وحاله مختلف فيها؛ فابن معين
يوثقه، والنسائي
يأبي ذلك. وأم عامر قالت: " رأيت النبي وهو في مسجد بني
عبد الأشهل
أبي يعرف فتعرفه ثم صلى ولم/يتوضأ ". كتبه ابن شيبة في
كتاب أخبار
المدنية فقال: ثنا محمد بن خالد، ثنا إبراهيم بن أبي حبة
عن داود وعبد
الرحمن بن عبد الرحمن عنها وعبد الله بن عمران النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من
أكل من هذا اللحم شيئا فليغسل يديه " (1) . رواه القاسم في
الأوسط من
حديث الوازع بن نافع عن سالم عنه وقال: لم يروه عن سالم
إلا الوازع. تفرّد
به المغيرة بن سقلاب. وأم هانئ: " أنه- تعني: النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكل كتفا،
وصلى ولم يتوضأ " (2) . رواه أيضا، وفيه أحمد بن علي
الأيار، ثنا أميّة عن
يزيد بن زريع عن روح بن القاسم عن محمد بن المنكدر قال:
زعمت أم
هانئ فذكره. وضباعة: " أنها رأت النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل كتفا ثم قام إلى الصلاة
ولم يتوضأ " (3) . ورواه أيضا فيه من جهة موسى بن خلف عن
قتادة عن
إسحاق بن عبد الله عن أم عطية عن أختها ضباعة وقال: لم
يروه عن قتادة إلا
موسى بن خلف. تفرد به ابنه خلف العمي، وإسحاق الذي روى عنه
قتادة هو
ابن عبد الله بن الحرث بن نوفل، وضباعة هي ابنة الزبير بن
عبد المطلب-
رضي الله عنها-. انتهى كلامه. وفيه نظر؛ لما ذكره أبو
إسحاق الحربي في
كتاب العلل: رواه قتادة عن أبي الجليل وإسحاق بن عبد الله
بن الحرث، وقال
__________
(1) موضوع. ابن القيسراني (727) والمجمع (5/30) وعزاه إلى
" أبي يعلى " والطبراني في
" الأوسط "، وفيه الوازع بن نافع، وهو متروك. وتمام لفظ
الهيثمي: " من أكل من هذا اللحم
شيئا فليغسل يده من ريح وضره لا يؤذي من حذاءه ".
" والوضر ": الدسم وأثر الطعام.
(2) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/253) وعزل
إلى الطبراني في الكبير "
و" الأوسط "، ورجاله موثقون.
(3) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/253)
وعزاه إلى " أبي يعلى "
و" أحمد "، ورجاله ثقات. ولفظه:
" أنها وضعت إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لحما، فانتهش منه، ثم صلى ولم يتوضأ ".
(1/472)
يزيد بن زريع: عن أبي الجليل عن عبد الله
بن الحرث، وكان ينبغي أن يقول:
عن أبي الجليل وعبد الله بن الحرث وإسحاق عن أم حكيم، وليس
هي أم
حكيم، إنما هي أم الحكم، وأختها ضباعة ابنتي الزبير بن عبد
المطلب وهذه
جدّته من قبل أمه، والتي من قِبل أبيه قام عبد الله بن
الحرث هذه بنت أبي
سفيان بن حرب وأمّها صفية بنت أبي عمرو بن أمّية، ولو قال
عن أخته أم
الحكم كان أشبه؛ لأنه كان لإسحاق أختا لأبيه وأمّه تسمى أم
الحكم، ولدت
لمحمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس ابنه على بن محمد، وقول
سعيد بن
بشير عن جدّته وهم؛ لأنّ أمه أم عياش بن أبي ربيعة، وقال
التستري: عن
إسحاق وأحسن في قوله أم الحكم، فأمّا همام فقد أحسن في
قوله: أم الحكم:
" رأيت " في موافقة سعد بن بشير جدّته وأمّا موسى بن خلف
فقال: عن أم
عطية، وإنمّا أراد أن يقول عن أم الحكم عن ضباعة/وكان
للزبير ابنة يقال لها:
أم عطية، إنّما له ابنتان ضباعة وأم الحكم، فكيف يقول موسى
أم عطية عن
أختها ضباعة؟. وصفية: " أنها قرّبت للنبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتفا يعني: فأكل ولم
يتوضأ "؟! رواه داود بن أبي هند عن إسحاق الهامشي عنها،
وقال الحربي:
صفية هذه ليست ابنة حُيي، ولكنها صفية بنت أبي عمرو بن
أمّية؛ لأنها
جدّته من قبل أبيه. وحديث علي بن أبي طالب أن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان
يأكل الثريد ويشرب اللبن ويصلي ولا يتوضأ " (1) . رواه
الطبراني في كتاب
تهذيب الآثار عن إبراهيم بن سعد الجوهري، ثنا أبو أحمد
الزبيري عن عبد
الأعلى عن محمد بن علي عنه. وأم حكيم بنت الزبير: " أنّ
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دخل على ضباعة بنت الزبير فأكل عندها كتفا من لحم ثم خرج
إلى الصلاة
ولم يتوضأ ". رواه البغوي الكبير عن يزيد، نا ابن أبي
عروبة نا قتادة عن
صالح أبي الخليل عن عبد الله بن الحرث عنها، ورواه الخطابي
في غريبه من
جهة يحيى بن حكيم، ثنا مجنون بن الحسن عن داود بن أبي هند
عن
إسحاق بن عبد الله بن الحرث عنها، ولفظه: " أنّها أتته
بكتف، فجعلت
تسيجلها له فأكل منها، ثم صلى ولم يتوضأ ". وأصما أبي سعيد
الخدري
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/251)
وعزاه إلى " أبي يعلى"
و" البزار "، وفيه حسام بن مصك، وقد أجمعوا على ضعفه.
(1/473)
قالت: " جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عائدا لأبي سعيد، فقدمنا إليه ذراع
شاة، فأكل
منها، وحضرت الصلاة فدعا بماء فمضمض وقام فصلى " (1) .
رواه النسائي في
كتاب الكنى (2) عن عبيد الله بن عبد الكريم، ثنا سعيد بن
محمد الجرمي، ثنا
عمرو بن محمد بن عمرو بن معاذ الأنصاري أبو محمد، ثنا هند
بنت سعيد بن
أبي سعيد الخدري عن عمتها فذكرته ثم قال: رواه عبيد الله
عن سعيد، وقد
تقدّم ما قاله لطربي في هذا الحديث قبل، وأكثر ابن عازب أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أكل خبزا ولحما، وصلى ولم يتوضأ " (3) . رواه أبو عبد
الله في تاريخ
نيسابور عن محمد بن حامد البزار، ثنا مكي بن عمران، ثنا
أحمد بن يوسف
السلمي، ثنا سعيد بن الصباح، ثنا مكين بن معول عن أبي
السفر عنه
ومعاوية بن أبي سفيان أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ./ " أكل النبأ فصلى ولم يتوضأ ". ذكره
عبد الغني بن سعيد في كتاب إيضاح الإشكال رواه عن أبي
الطاهر، ثنا ابن
ناجية ثنا يوسف بن واضح، ثنا الحسن بن ندية ثنا روح بن
القاسم عن
محمد بن المنكدر عنه، وهو منقطع. نبّه على ذلك الحربي؛
فقال: رواه ابن
المنكدر عن رجل غير معين وقال: يقول من قال: أكل النبأ
خطأ. إنما أراد أن
يقول لنا بغير ألف قبل اللام، وهو حديث بنت أبيض: سُئل
الحمصي بطيخ
فقال: للمرأة أمضيا كلّها لنا، وكان ينبغي أن يقول في
الحديث أيضا مطبوخا
أو مسلوقا حتى يكون مما مست النار فأما ما لم تمسّه النار
فلا معنى للحديث.
وأمّ سُليم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
أكل جبنا مشويا ثم صلى ولم يتوضأ ". رواه ابن
عون عن محمد بن يوسف عنها، قال الحربي: إِنما أراد أن
يقول: أم سلمة
لأن هذا الكلام بعينه رواه ابن جريج عن محمد بن يوسف عن
سليمان بن
يسار عن أم سلمة، وابن يوسف هذا مولى عمرو بن عثمان بن
عفان، حدث
عنه مكين بن الأشج وابن عجلان، قال ابن المنذر: ممن روى
عنه أنه توضأ
مما مسته النار، وأمرنا بالوضُوء منه. ابن عمر وأم طلحة
وأنس بن مالك وأبو
__________
(1) قلت: " سقطت " بعض الكلمات من لفظ هذا الحديث،
وأثبتناه من " الثانية ".
(2) قوله: " الكنى " وردت " بالأولى ": " الكناية "، وهو
تصحيف، والصحيح: " الكنى ".
(3) في " الكامل " لابن عدي (3/961) بلفظ: " أكل رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحما ولم يتوضأ ".
(1/474)
موسى الأشعري وعائشة وزيد بن ثابت وأبو
هريرة، وروى مالك عن عمر بن
عبد العزيز وأبي مجلز وأبي قلابة ويحيى بن يعمر والحسن بن
أبي الحسن
والزهري، وكان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي-
رضي الله
عنهم- وابن مسعود وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبو أمامة
وأبّي بن كعب
وأبو الدرداء ومالك وأهل المدينة والثوري وأهل الكوفة
والأوزاعي وأهل الشّام
والشّافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي لا يرون منه
وضوءا،
وكذلك نقول، وذكره البيهقي عن أبي عبد الله الشّافعي،
وإنّما قلنا: لا نتوضأ
منه؛ لأنه عندنا منسوخ؛ ألا ترى أنّ عبد الله بن عبّاس/،
وإِنّما صحبه- عليه
السلام- بعد الفتح، روى عنه: " أنه رأى النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل من كتف شاة،
ثم صلى ولم يتوضأ " (1) . وهذا عندنا من ابن الدلالات على
أن الوضوء منه
منسوخ، وأن أمره بالوضوء منه بالغسل للتنظيف، والثابت عنه-
عليه السلام-
أنه لم يتوضأ منه. انتهى كلامه. وفيه نظر؛ لما تقدّم من
حديث عائشة المتقدم:
" ما ترك النبي- عليه السلام- الوضوء مما مست النار حتى
قبض ". قال
عثمان بن سعيد الدارمي: لما رأينا هذه الأحاديث قد اختلف
فيها عن النبي
عليه السلام فلم نقف على الناسخ منها فنظرنا إلى ما أجمع
عليه الخلفاء
الراشدون والأعلام من الصحابة، فأخذنا بإجماعهم في الرخصة
فيه، قال
الحاربي: وأكثر الناس يُطلقُون القول بأن الوضُوء منه
منسوُخ ثم إجماع الخلفاءِ
الراشدين، وإجماع أئمة الأمصار بعدهم يدل على صحّة النسخ،
وحديث
المغيرة- يعني المتقدّم- يدل على أنّ الرخصة كانت غير
مرّة، وقال البغوي في
شرح السنّة: هو منسوخ عند عامة أهل العلم، وقال ابن عبد
البر: أعلم
مالك الناظر في موطإه أنّ عمل الخلفاءِ الراشدين بترك
الوضُوء سنة منه، دليلٌ
على أنّه منسوخٌ، وأنّ الآثار الوارِدة بأن لا وضُوء على
من أكل شيئا مسته النار
ناسخة للآثار الموجبة له، وقد جاء هذا المعنى عن مالك بها
روى محمد بن
الحسن أنه سمع مالكا يقول: إذا جاء عن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثان مختلفان وبلغنا
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 66- باب
الرخصة في ذلك (ح/488) بلفظ: " أكل النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتفا، ثم مسح يديه بمسح كان تحته، ثم
قام إلى الصلاة، فصلى ".
وصححه الشيخ الألباني.
(1/475)
أن أبا بكر وعمر عملا بأحد الحديثين وتركا
الآخر، في ذلك دلالة على أن
الحق فيما عملا به، ركب عياش بن عباس إلى يحيى بن سعيد
يسأله: هل
توضأ مما مسته النار؟ قلنا له: هذا مما يختلف فيه، وقد
بلغنا عن أبي بكر
وعمر أنهما أكلا مما مسّت النار ثم صليا ولم يتوضئا أو في
التمهيد: الأمر
بالوضُوء منسُوخْ عند أكثر العلماءِ وجماعة الفقهاءِ،
وأشكل ذلك على طائفة
كثيرة من أهل العلم بالمدينة والبصرة، ولم يقفوا على
الناسخ في/ذلك من
المنسُوخ، وفي مسائل حرب بن إسماعيل الكرماني: ثنا عمرو بن
عثمان، ثنا
سويد بن عبد العزيز عن الأوزاعي قال: سألت الزهري عن
الوضوء مما غيرت
النار، فقال: توضأ، قلت: عمن؟ قال: عن زيد بن ثابت وابن
عمر وأبي
هريرة وأبي موسى الأشعري وأنس وعائشة وأم سلمة، قلت: وأبو
بكر؟ قال:
لم يكن يتوضأ، قلت: فعمر؟ قال: لم يكن يتوضأ، قلت: فعلي؟
قال: لم يكن
يتوضأ، قلت: فابن مسعود؟ قال: لم يكن يتوضأ، قلت: بهما
رجالا مثل
رجال قلت: إذا لا أبيك، وفي كتاب الكجي لأبي عبد الرحمن:
سئل سعيد
بن المسيب عن الوضوء مما مست النار، فقال: اغسل يدك وفمك.
(1/476)
38- باب ما جاء في
الوضوء من لحوم الإبل
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد الله بن إدريس وأبو
معاوية قال:
حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن
أبي ليلى عن
البراء بن عازب قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوضوء من لحوم الإبل فقال:
" توضئوا منها " (1) . هذا حديث قال عبد الله: سألت أبي عن
الوضوء للصلاة
من لحوم الإبل فقال: حديث البراء وجابر بن سمرة صحيحان- إن
شاء الله
تعالى- وقال الأثرم عنه نحوه وصححه أيضا الإمام إسحاق بن
راهويه فيما
حكاه عنه أبو عيسى وأبو محمد الفارسي بعد توثيقه عبد الله
راويه، وتبع في
ذلك الإمام أحمد؛ فإنّه لما سئل عنه قال. لا أعلم إلا
خيرا، وقال الأعمش:
كان ثقة لا بأس به، وقال صحاح: كان ثقة، وكذلك قاله
العجلي، وقال ابن
المديني: معروف وقال العجلي: ثقة، وخرجه ابن الجارود في
كتابه، وقال
الحافظ أبو بكر بن خزيمة عند تخريجه: لم نر خلافا بين
علماء أهل الحديث
إن هذا الخبر صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه. حكاه
البيهقي عنه. وخرجه
الحافظ البستي في صحيحه من حديث إسحاق عن عبد الرزاق، ثنا
الثوري
عن الأعمش والحافظ ضياء الدين في صحيحه، وقال البيهقي في
المعرفة:/هو
صحيح عند أثر أهل العلم، وقد أقام الأعمش إسناده وأفسده
الحجاج (2) بن
أرطأة وعبيدة الضبي، وهما ضعيفان، وقال ابن المنذر: ثبت أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/81) وأبو داود (ح/184) وابن
ماجة (494) وكلاهما-
أي: رواية أبي داود والذي بعده- من طريق أبي معاوية عن
الأعمش. ورواه ابن
الجارود (ص 22) من طريق محاضر الهمداني عن الأعمش. وابن
أبي شيبة (1/46) والتمهيد
(3/350) وشرح السنة (1/349) والكنز (27064) ونسبه الشوكاني
أيضا لابن حبان وابن
خزيمة، ونقل ابن خزيمة قال: " لم أر خلافا بين علماء
الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة
النقل لعدالة ناقليه ". قلت: وقد صحح هذا الحديث الشيخ
الألباني.
(2) رواية الحجاج بن أرطأة هذه رواها أحمد في المسند
(4/352) : " ثنا محمد بن مقاتل
المروزي أنا عباد بن العوام، ثنا الحجاج عن عبد الله مولى
بني هاشم، قال: وكان ثقة، قال:
وكان الحكم يأخذ عنه، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد
بن خضير ". وعبد الله بن
عبد الله مولى بني هاشم هو الرازي.
(1/477)
توضأ من لحوم الإبل، وصححه أيضا أبو حاتم
الرازي فيما حكاه عنه ابنه،
ورواه أبو داود عن عثمان ثنا أبو معاوية عن الأعمش بزيادة:
وسئل عن لحوم
الغنم فقال: لا وضوء منها، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل،
فقال: " لا
تصلوا في مبارك الإبل، فإنها من الشياطين "، وسئل عن
الصلاة في مرابض
الغنم فقال: " صلوا فيها فإنها بركة "، ولما رواه الترمذي
(1) مختصرا عن
هناد، ثنا أبو معاوية قال: وفي الباب عن جابر بن سمرة واشب
بن قصير، وقد
رواه حجاج بن أرطأة عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن
بن أبي ليلى
عن البراء وروى عبيدة الضبي عن عبد الله بن عبد الله
الرازي عن عبد
الرحمن عن ذي الغرة، ورواه حماد بن سلمة عن الحجاج فأخطأ
فيه فقال:
عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه عن أسير، والصحيح:
الأول، وقال في
كتاب العلل: وذو الغرة لا يدري من هو. انتهى كلامه. وفيه
نظر:
الأول: قوله: وذو الغرة لا يدري من هو، وإن كان البيهقي قد
وافقه على
ذلك فالمؤاخذة له أيضا؛ لأن أبا عيسى نفسه قد ذكره في كتاب
الصحابة
تأليفه- الذي في أوله تسمية أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكره في الصحابة أيضا
عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي في معجمه، وسماه
يعيش، ونسبه
جهنيا، وأبو الحسن بن نافع وابن أبي حاتم، وقال: له صحبة،
وذكر عن أبيه
أن الحديث المشار إليه خطأ، والصحيح: عن ابن أبي ليلى عن
البراء عن النبي،
وعبيدة ضعيف. ثنا عباس الدوري سمعت يحيى بن معين يقول: ذو
الغرة من
أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو
القاسم بن مطير في المعجم الكبير في حرف الياء،
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/348، 349) وقال: هذا حديث حسن
صحيح، وابن
ماجة (ح/768، 769) وأحمد (4/86) والبيهقي (2/449) وابن أبي
شيبة (1/384)
والمجمع (2/26) والتمهيد (5/303) والمعاني (1/384) . وصححه
الشيخ الألباني:
(الإرواء: 1/194)
قوله: " مرابض للغنم " جمع " مربض" بفتح الميم، وسكون
الراء، وكسر الباء الموحدة، وآخره
ضاد معجمة: وهو مأوى الغنم ومكان ربوضها.
قلت: والنهي عن الصلاة في مرابض الإِبل للتحريم، فلا تصح
الصلاة المحرمة، وهو مذهب
أحمد والظاهرية وغيرهم، وهو نهي تعبدي. والأمر بالصلاة في
مرابض الغنم أمر للإِباحة، لا
نعلم في ذلك خلافا.
(1/478)
وأفاد فائدة خرج بها عبيدة الضبي المعصوب
برأسه الجنابة عند الترمذي وأبي
حاتم من الإسناد وتوبع / فقال: يعيش الجهني، وهو ذو
الغرّة، ثنا محمد بن
عبد الله الحضرمي، ثنا محمد بن عمر ان بن أبيِ ليلى، ثنا
أبي عمران بن أبي
ليلى عن أخيه عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن يعيش
الجهني- يعرف
بذي الغرّة- فذكر الحديث، وذكره أبو عمر بن عبد البر
بنحوهما تقدّم،
ونسبه جهنيّا قال: ويقال: كان طائيّا ويقال: هلاليا، وفي
تاريخ الجعفي:
يعيش الغفاري، ويقال: الجهني، له صحبة.
ثنا المسند المعمر أبو الحسن علي بن كليب الحجازي بقراءتي
عليه، أخبركم
المسند المعمر أبو العباس أحمد بن إسحاق العجمي، ثنا أبو
سهل بن أبي الفرح
الهمداني، ثنا الحافظ أبو منصور بن سرويه، أنا ابن السبع،
ثنا أبو عاصم بن
المأمون ثنا الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الرحمن الشيرازي-
رحمه الله
تعالى- قال ذو الغرّة الجهني- واسمه يعيش-: ثنا أبو عبد
الله محمد بن
إسحاق بن محمد بن يحيى، ثنا عبد الرحمن بن حمدان بن
المرزبان، ثنا
هلال بن العلاء، ثنا محمد بن عمران بن أبيِ ليلى، ثنا أبي
عن ابن أبي ليلى
فذكر الحديث بسند الطبراني المتقدّم، وذكره الإمام أبو عبد
الله في مسنده،
وذكره في الصحابة أيضا ابن أبي خيثمة في تاريخ الأوسط،
والدارقطني في
المختلف والمؤتلف، وأبو جعفر الطبري في المذيل، وابن
الجوزي في كتاب
الصحابة بنحوه، وقال ابن ماكولا: روى- يعني: ذا الغرّة- عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
روى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وتفرّد بروايته عبد الله
الرازي، واختلف
على عبد الله فيه؛ فرواه عبيدة الضبي عبد الغني، فلم يسم
ذا الغرّة، ورواه
محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الرازي وقيل: بل رواه
عن أخيه
عيسى، يقال: عن عبد الرحمن عن يعمِش الجهني- وهو ذو
الغرّة- وخالفه
الأعمش؛ فرواه عن الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن
البراء، قال
بعض أهل العلم: إنّ البراء هو ذو الغرّة؛ سُمي بذلك لبياض
كان في وجهه،
ورواه أبو معمر عن عباد عن حجاج عن الرازي فقال: عن أسيد
بن حضير لا
عن البراء شكّ في ذلك، رواه / حبيب (1) ابن أبي نائبة عن
عبد الرحمن بن
__________
(1) في " الأولى " " حبيب " وفي " الثانية " وردت: " جبير
".
(1/479)
أبي ليلى يقال: عن السليل والسليك عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولما ذكر ابن أبي داود
حبيب ذي الغرّة في سننه قال: هذه سنة تفرّد بها أهل
الكوفة.
الثاني: قوله: وفي الباب عن جابر وأسيد، وليس كذلك، بل في
الباب جمر
هذين الحديثين سنذكرهما بعد- إن شاء الله تعالى- وأما ما
ذكره أبو داود
الطيالسي في مسنده عن شعبة عن الأعمش: سمعت عبد الله مولى
قريش عن
ابن أبي ليلى به فيريد: مولى قريش عبد الله بن عبد الله لا
غيره، والله تعالى
أعلم.
حدّثنا محمد بن بشار، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا زائدة
وإسرائيل عن
أشعث بن أبي الشعثاء عن جعفر بن أبي مور عن جابر بن سمرة
قال: " أمرنا
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نتوضأ من
لحُوم الإبل ولا نتوضأ من لحوم الغنم " (1) . هذا
حديث خرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي عوانة عن عثمان بن
عبد
الله بن وهب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر أن رجلا سأل رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا
تتوضأ. قال:
أأتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم. قال: أأصلي في مرابض
الغنم؟ قال:
نعم. قال: أأصلي في مبارك الإبل قال: لا " (2) . رواه عن
أبي كامل
الجحدري عنه، وأتبعه برواية زائدة عن سماك، ورواية شيبان
عن ابن وهب-
أو شعث- كلّهم عن جعفر بمثل حديث أبي كامل عن أبي عوانة
قال: وقد
روى الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، قال: أنبأني من سمع جابر
بن سمرة
يقول: " كنا نمضمض من ألبان الإبل ولا نمضمض من ألبان
الغنم، وكنا
نتوضأ من لحوم الإبل ولا نتوضأ من لحوم الغنم " (3) .
وفي مستخرج أبي نعيم عن أشعث، وفي المعرفة من حديث زائدة
عن
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/97) وأحمد (5/86، 88،
92، 101، 102، 106،
108) ورواه ابن ماجة (495) وابن أبي شيبة (14/150) والكنز
(27067) .
(2) تقدم تخريجه في " الهامش السابق ".
قوله: " مبارك الإِبل ": هي مأوى الإِبل، ومكان مباركها.
(3) انظر: المصدر السابق لمسلم.
(1/480)
سماك، كلاهما عن جعفر عن جابر قال: " أتى
رجل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا عنده،
فقال: يا رسول الله أتطهر من لحوم الغنم؟ قال: ان شئت
فتطهر وإن شئت
فدع. قال:/أفأصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم. قال: أتطهر من
لحوم
الإبل؟ قال: نعم. قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا " (1)
. وأخرجه بن
منده، وقال: هذا إسناد صحيح أخرجه الجماعة إلا البخاري
لجعفر بن أبي ثور،
وفي قوله ذلك نظر؛ لأن هذا الحديث ليس في كتب الجماعة- خلا
(2)
القشيري وابن ماجة- وقال البيهقي في المعرفة: هو صحيح عند
أكثر أهل
العلم، وأمّا البخاري فإنّه لم يخرجه، ولعله إنّما لم يخرج
حديث ابن وهب
وأشعث لاختلاف وقع في اسم جعفر بن أبي ثور، وقولُ عليِ بن
المديني
لجعفر: هذا مجهول لا يعللّ الحديث، وذلك لأنّ سفيان الثوري
وزكريا بن
أبي زائدة على روايته عن سماك عن جعفر بن أبي ثور عن جابر،
وإنمّا قال:
شعبة عن أبي ثور بن عكرمة بن جابر، وشعبة أخطأ فيه، وفي
العلل الترمذي:
أخطأ شعبة فيه، وجعفر بن أبي ثور رجل مشهور روى عنه سماك
وابن وهب
وأشعث، وهو من خالد جابر بن سمرة، وحديث الثوري أصح، وقال
ابن
خزيمة: هؤلاء الثلاثة من أجلّ رواة الحديث، وقال البيهقي:
ومن روى عنه مثل
هؤلاء، خرج من أن يكون مجهولا؛ ولهذا أودعه مسلم في صحيحه،
وفي
تاريخ الحرمي: جعفر هذا كوفي، والرواية عنه قليلة، ولا
أدري كيف نسبته
إلى جابر بن سمرة؟! وفي تاريخ محمد بن الأوسط: جعفر بن أبي
ثور بن
جابر السوائي قال: سفيان وزكريا وزائدة عن سماك عن جعفر بن
أبي ثور،
وقال: سماك عن جعفر بن أبيِ ثور، وقال: عن جعفر بن سريات
عن جابر
عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- في لحوم الغنم، وقال
حماد بن
سلمة: عن سماك عن جعفر بن أبي ثور عن جدّه جابر، وقال
النضر: عن
شعبة عن سماك سمعت أبا ثور بن عكرمة بن جابر بن سمرة عن
جابر قال:
محمدا هذا كلّه وهم الا ما قاله سفيان وزائدة بن جعفر بن
أبي ثور وروى
عن جعفر بن محمد بن قيس الأسدي وابن وهب، ثنا عبد الرحمن
بن شيبة،
__________
(1) المتقدم قريبا.
(2) كذا ورد " بالأصل ".
(1/481)
ثنا أبو أسامة عن ابن وهب عن عمه عثمان بن
عبد الله بن وهب، عن رجل
بالكوفة سماه لي فلم أحفظه كان أبوُه / صحب النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أباه أخبره أنه
سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنتوضأ من
الغنم؟ قال: لا ". ثنا موسى أبو عوانة، ثنا
عثمان بن موهب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر مثله وبنحوه
ذكره في
الكبير، وقال أبو حاتم: اسم أبي ثور: مسلم، وقال بعضهم:
مسلمة، وحكى
مسلم وعبد الله في علله عن الإِمام أحمد بن جابر جده من
قبل أمه، وقال
اللالكائي: نافع بن سفيان وهو ابن معاوية، وكذلك روى عثمان
بن وهب،
وروى عنه أبو عوانة وشيبان بن عبد الرحمن مثله، ووافقه
محمد بن قيس
وأشعث، وقال أبو أحمد الحاكم: قول شعبة غلط بكل حال، ومن
قال أبو
ثور فهو مخطئ، وزعم مسلم في كتاب الكنى أن محمد بن إسماعيل
قال:
اسم أبي ثور الذي روى عن جابر ابن سمرة: اسمه مسلم، وتبعه
على ذلك
ابن عمر، ولا أدري كيف هذا ولا كيف يتجه هذا القول مع ما
تقدم من
كتابته؟! ولما ذكره أبو حاتم في كتاب الثقات قال: جعفر بن
أبي ثور- وهو
أبو ثور بن عكرمة- فمن لم يحكم صناعة الحديث يتوهم أنهما
رجلان
مجهولان- والله أعلم-، ورواه أبو الحسن في الأفراد من حديث
عبد
الرحمن بن أبي ليلى عن جابر، وقال: تفرد به عدي بن يونس عن
الأعمش،
وأسنده عن جابر، وغيره يرويه عن الأعمش، وبسنده عن البراء،
وفيه خلاف
على عبد الله الدوري عن ابن أبي ليلى.
حدثنا أبو إسحاق الهروي إبراهيم بن عبد الله بن حاتم ثنا
عباد بن العوام
عن حجاج عن عبد الله بن عبد الله- مولى بنى هاشم- وكان
ثقة، وكان
الحكم يأخذ عنه، ثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن
حضير قال رسول
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 67- باب ما
جاء في الوضوء من
لحوم الإِبل (ح/496) .
في الزوائد: إسناده ضعيف؛ لضعف حجاج بن أرطأة وتدليسه، وقد
خالفه غيره. والمحفوظ:
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء.
انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/109) ، وصحيح أبي داود (ح/177) ،
وضعيف الجامع (ح/6279) .
(1/482)
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
لا تتوضئوا من ألبان الغنم وتوضؤوا من ألبان الإبل " (1) .
هذا
الحديث تقدم كلام أبي عيسى عليه، وقال أبو حاتم: ليس صحيح،
وقد ذكره
الحافظان الدمشقيان- ابن عساكر وأبو الحجاج- فلم يذكراه في
كتاب
الأطراف، وهو باب في سنن ابن ماجة كما يروى، ورواه أبو
القاسم في
الأوسط من حديث عمران القطان عن الحجاج، ولفظه: قال النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" توضئوا من لحوم/الإبل ولا تصلوا في مناخها، ولا توضئوا
من لحوم الغنم
وصلوا في مراتعها " (1) . وقال: لم يروه عن عمران إلا عمرو
بن عاصم
الكلائي، وهو حديث ضعيف؛ لضعف رواية الحجاج بن أرطاة بن
ثور بن
هبيرة بن إسرائيل بن كعب بن سلام بن عامر بن حارثة بن سعيد
بن ملك بن
السميع، وإن كان الثوري قد قال فيه: عليكم به فإنه ما بقى
أحدا عرف بما
يخرج من رأسه منه، وقال ابن أبي نجيح: ما جاء بأمثله، وقال
حماد بن زيد:
كان عندنا أفهم لحديثه من الثوري، وزاد الدولابي: قال
الحسن: قلت ليزيد بن
هارون: أكان الثوري أحفظ من الحجاج وأثبت؟ قال: لم يكن
بأثبت منه،
ولكن كان أرضا منه، وقال العجلي: كان فقيها أخذ يفتي
الكوفة وكان فيه
ثقة، وكان يقول: أهلكني حب الشرق، وولى قضاء البصرة، وكان
جائز
الحديث إلا أنّه صاحب إرسال، وإنما تعب الناس من التدليس،
وقال الإمام
أحمد: كان من الحفاظ، وفي حديثه زيادة على حديث الناس: ليس
يكاد له
حديث إلا فيه زيادة، وقال ابن معين: صدوق، ليس بالقوي،
يدلس عن
العزري عن عمرو بن شعيب، وفي رواية معاوية بن صالح عنه:
ثقة، وقال أبو
زرعة: صدوق مدلس، يكتب حديثه، فإذا قال: ثنا، فهو صالح لا
يرتاب في
صدقه وحفظه إذا بين السماع، وقال حماد بن زيد: قدم علينا
جرير بن حازم
فقال: ثنا قيس بن سعد عن ابن أرطأة، فلبثنا ما شاء الله،
ثم قدم علينا الحجاج
ابن ثلاثين- أو إحدى وثلاثين- فرأيت عليه من الزحام ما لم
أر على
حماد بن أبي سليمان، ورأيت غيرنا مطر الوراق، وداود بن أبي
هند ثناه علي
أرجلهم يقولون: ثنا أرطأة ما يقول في كذا، وقال هشيم:
سمعته يقول:
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/250)
وعزاه إلي الطبراني في
" الأوسط "، وفيه الحجاج بن أرطأة، وفي الاحتجاج به
اختلاف.
(1/483)
استفتيت وأنا ابن ست عشرة، وقال ابن عدي:
إنما عاب الناس عليه (1)
تدليسه عن الزهري وعن غيره وربما أخطأ في بعض الروايات؛
فأما أن يتعمد
الكذب فلا، وهو ممن يكتب حديثه، وقال الخطيب: كان أحد
العلماء
بالحديث/والحفاظ له، وقال الحاكم في تاريخ نيسابور: وثقة
شعبة وغيره من
الأئمة، وأكثر ما عيب فيه التدليس، والكلام فيه يطول، وقال
أبو حاتم البستي
في ترجمة سليمان الأسدي: سيد شباب أهل العراق ابن أرطأة،
وخرج حديثه
مسلم في صحيحه مقرونا بابن أبي عيينة، والبخاري في كتاب
الأدب، وقال
أبو الحسن: لا بأس به، فقد قال فيه الإمام أحمد بن حنبل:
يروى عمن لم
يلقه، لا يحتج بحديثه، وقال يحيى: ضعيف، وقال مرة: لا يحتج
به، وقال
يحيى بن سعيد القطان: هو وابن إسحاق عندي سواء- يعني: في
الضعف-
فلا أحدّث عنهما، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال البخاري
في التاريخ
الأوسط: متروك لا يعرف، وقال الساجي: متكلّم فيه وذكر عن
ابن خزيمة:
لا أحتج به إلا فيما قال: ثنا، أو سمعت، وفي الذخيرة لابن
طاهر: حجاج
متروك الحديث، وقال ابن حبان: تركه ابن المبارك ويحيى بن
سعيد القطان
وابن مهدي وابن معين وأحمد، وفي كتاب العقيلي عن ابن معين
والحرث
المجاري قالا: أمرنا زائدة أن نترك ابن أرطأة، وقال ابن
إدريس: كنت آتيه
فأجلس على بابه حتى تطلع الشمس، فلا يخرج إلى الصلاة جماعة
وتركته،
ولما ذكره أبو العرب في كتاب الضعف قال: كان يقول: ترك
الصلاة في
الجماعة ابن المرورة، قال أبو العرب: وهذا من مثاله، وقال
ابن سعد: كان
شريفا سريا، توفى في خلافة جعفر، وكان ضعيفا في الحديث،
وبنحوه ذكره
يعقوب بن سفيان في تاريخه، وابن أبي خيثمة في الأوسط
والبلخي في
كتاب الضعفاء.
الثاني: إبراهيم بن عبد الله بن حاتم القهروي وإن كان ابن
معين قال: لا
بأس به، وقال صالح بن محمد: صدوق، وقال الدارقطني: عنه
ثبت، وذكره
__________
(1) قوله: " عليه " في " الأصل ": " علم "، وفي " الثانية
": " علم "، وهو تصحيف،
والصحيح ما أثبتناه.
(1/484)
ابن حبان في كتاب الثقات، فقد قال فيه أبو
داود: ضعيف، وقال النسائي:
ليس بالقوي، وهما تلميذاه، وأعرف به ممن سواهما،/والله
تعالى أعلم.
حدثنا محمد بن يحيي، ثنا يزيد بن عبد ربه، ثنا بقية عن
خالد بن يزيد بن
عمرو بن هبيرة الفزاري عن عطاء بن السائب: سمعت محارب بن
دثار.
سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " توضئوا من
لحوم الإبل، ولا توضئوا من لحوم الغنم، وتوضؤوا من ألبان
الإبل، ولا توضئوا
من ألبان الغنم، وصلوا في مراح الغنم، ولا تصلوا في معاطن
الإبل " (1) . هذا
حديث قال ابن أبي حاتم: سألت أبيِ عن حديث رواه أحمد بن
عبيدة عن
يحيى بن كثير عن عطاء بن السائب عن محارب الحديث فقال: إني
كنت
أنكر هذا الحديث لتفرده من حديث له أصلا، ثنا ابن المصفي
عن بقية،
حدثني فلان سمّاه عن عطاء عن محارب بنحوه قال: وحدثني عبد
الله بن
سعد الزهري، حدثني عمي يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق، حدثني
عطاء بن
السائب أنّه سمع محاربا يذكر عن ابن عمر بنحو هذا، ولم
نرفعه، قال أبي:
حديث ابن إسحاق الموقوف أشبه. انتهى.
وفي الباب حديث آخر من رواية جابر بن يزيد الجعفي عن حبيب
بن أبي
ثابت عن بن أبي ليلى عن سليك الغطفاني عن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الوضوء من
لحوم الإبل (2) . ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل، وأشار
إلى ضعفه زيد،
وتقدّم ذكره قبل. قال ابن المنذر: قال بالوضوء منه جابر بن
سمرة ومحمد بن
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 67- باب ما
جاء في الوضوء من
لحوم الإِبل (ح/497) .
في الزوائد: في إسناده بقية بن الوليد، وهو مدلس، وقد رواه
بالعنعنة، رجاله ثقات، خالد بن
عمر مجهول الحال.
وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع ص/367 ح/2496) .
انظر: صحيح أبي داود (ح/77) ، وضعيف ابن ماجة (110/497) .
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/250)
وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "،
وفيه جابر الجعفي وثقة شعبة وسفيان وضعفه الناس. ولفظه: "
توضئوا من لحوم الإبل، ولا
توضئوا من لحوم الغنم. وصلوا في مرابض للغنم، ولا تصلوا في
مبارك الإِبل ".
(1/485)
إسحاق- صاحب المغازي- وأحمد بن حنبل وإسحاق
وأبو خيثمة ويحيى بن
يحيى، وكان مالك والثوري والشافعي والنعمان لا يوجبون منه
وضوء، قال
أبو بكر: والثابت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يقول: وفي كتاب المعرفة قال الشافعي في
بعض كتبه: إن صح الحديث في الوضوء من لحوم الإبل قلت به،
وقال
علي بن الحسن الأوطس: رأيت محمد بن الحسن يتوضأ من لحوم
الإبل، وقال
أبو محمد بن حزم: وأكل لحوم الإبل عند أبيه أو مطبوخة أو
مشوية وهو
يدري أنه لحم جمل أو ناقة ينقض الوضوء، ولا ينقضه/أكل
شحومها محضة،
ولا أكل شيء منها غير لحمها، فإن كان يقع على بطونها أو
رؤوسها وأرجلها
اسم اللحم عند العرب نقض الوضوء ألا وبهذا القول يقول أبو
موسى
الأشعري، زاد أبو عمر في الاستذكار وأبو ثور رحمهم الله
أجمعين، وقال
الخطابي: ذهب عامة أصحاب الحديث إلى إيجاب الوضوء منه،
وأما عامة
الفقهاء فمعنى الوضوء عندهم متأوّل على الوضوء الذي هو
النظافة، وبقي
الزمومة كما روى: " توضئوا من اللبن فإن له دسما " (1) .
كما قال: " صلوا
في مرابض الغنم، ولا تصلوا في عطبان الإبل ". وليس ذلك من
أجل أن بين
الأمرين فرقا في باب الطهارة والنجاسة؛ لأن الناس إنما
قائل يرى نجاسة
الأبوال كلها، أو قائل يرى طهارتها، والغنم والإِبل سواء
عند الفريقين، وإنما
هي عن ذلك لنفارها، وذلك مأمون في الغنم، ومعلوم أن في
لحمها من الحرارة
والزمومة ما ليس في لحم الغنم. انتهى كلامه. ولقائل أن
يقول: أنّه نهى عن
الصلاة في أعطان الإبل لما يخالطها من الشياطين، وذلك بين
في حديث
حمزة: " ولا تصلوا في معاطن الإبل؛ على ظهر كل منها شيطان
فإذا
ركبتموهم فسموا الله، ولا تقعدوا عن حاجاتكم " (2) . وفي
حديث عبد الله بن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب للطهارة، 68- باب
المضمضة من شرب اللبن،
(ح/ 498) . ولفظه: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال: مضمضوا من اللبن فإن له دسما ".
قوله: " فإن له دسما " الدسم: هو الودك. وصححه الشيخ
الألباني.
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (768) وأحمد (4/86) وللبيهقي
(2/449) وابن أبي شيبة
(1/384) والتمهيد (5/303) والكنز (19174، 19184، 19185)
والمجمع (2/26)
والمعاني (1/384) والإِرواء (1/194) . وصححه الشيخ
الألباني.
(1/486)
مغفل: " ولا تصلوا في معاطن الإبل؛ فإنها
خلق من الشياطين " (1) .
ذكرهما أبو القاسم في معجمه، ويكون ذلك لنهيه- عليه
السلام- عن
الصلاة في الوادي من أجل الشيطان الذي به، والله تعالى
أعلم.
وروى حديث الإبل جماعة لا واحد لها من لفظها، وكذلك الغنم
قاله في
التلخيص، وفي كتاب الصحاح: وهي موثقة؛ لأنها اسم الجموع
التي لا
واحد لها من لفظها إذا كانت تعبر إلا ودعت (2) والتأنيث
لها اللازم، وإذا
صغرتها أدخلتها الهاء فقلت أبيلة وغنيمة ونحو ذلك، وربما
قالوا للإبل: إِبْل-
بتسكين الباء للتخفيف والجمع إبال، فإذا قالوا إبلان
وغنمان وإنما يريدون
قطيعين من الإبل- وأرض إبلية أي: ذات إبل، والنسبة إلى
الإبل إبلي يسمون
الباء استحبابا لبوال السكرات، والمراح- بالضم- حيث تأوى
إليه الإِبل والغنم
بالليل، وثالثه الموضع الذي/يروح منه القوم أو يروحون إليه
كالمعدي للموضع
الذي نتعدّى منه. حكاه المنذري، والعطن، وجمعه أعطان مبرك
الإبل حول
الماء. ذكره أبو عبيدة. وفي كتاب الصحاح: العطن والمعطن
واحد الأعطان،
والمعاطن: وهي مبارك الإبل عند الماء ليشرب بعللٍ بعد نهل،
فإذا استوفت
ردت إلى المراعي وعطنت وعطبت الإبل بالفتح تعطن عطونا إذا
رويت ثم
نزلتا فهي إبل عاطنة وعواطن، وقد ضربت تعطن أي: نزلت،
وكذلك نقول:
هذا عطن الغنم وتعطنها (3) لمرابطها حول الماء، والله
تعالى أعلم.
__________
(1) صحيح، وإسناده ضعيف. رواه ابن ماجةْ (769) . في
الزوائد: إسناد المصنف فيه مقال.
وأصل الحديث رواه النسائي مقتصرا على النهي عن أعطان
الإبل. والمجمع (2/26) وعزاه إلى
" أحمد " والطبراني في " الكبير " إلا أنه قال: " وصلْوا
في مراح للغنم، فإنها بركة من
الرحمن ". وقد رواه ابن ماجة والنسائي باختصار، ورجال أحمد
ثقات وصرح ابن إسحاق
بقوله: حدثني. وصحح إسناده الشيخ الألباني.
(2) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".
(3) قوله: " وتعطنها " وردت " بالأولى ": " معطنها "،
والصحيح ما أثبتناه من الثانية.
(1/487)
المضمضة من شرب اللبن
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم،
ثنا الأوزاعي
عن الزهيري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: " تمضمضوا من اللبن؛ فإن له دسما " (1) . هذا حديث
خرجه الأئمة
الستة في كتبهم بغير لفظ إلا مروان، وكان المنذري قد أطلق
ذلك ولم يبينه
فيشبه أن يكون وهما؛ ولما ذكره الطبري في شرح الآياد من
حديث ليث عن
عقيل عن ابن شهاب قال: هذا خبر عندنا صحيح، وإن كان عند
غيرنا فيه
نظر لاضطراب ناقليه في مسنده فمن قائل عن الزهري عن ابن
عباس من غير
إدخال عبيد الله بينهما، ومن قائل عن الزهري عن عبيد الله
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال (2) : " من شرب لبنا " من غير ذكر ابن عباس بعد، فليس
في
مضمضته - عليه السلام- من اللبن وجوب مضمضة ولا وضوء على
شارب
من شربه إذ كانت أفعاله غير لازمة لأمته العمل بها، إذا لم
يكن بيانا عن
جملة عرض في تنزيله- انتهى كلامه- وفيه نظر من حيث ذكره
لفظ الأمر
لا الفعل- والله أعلم- لكنه مشكل ما ذكره البيهقي عن ابن
عباس راوي
الأمر لولا التلفظ ما/ قال إلا أمضمض.
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا خالد بن مخلد عن موسى بن
يعقوب
قال: حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه عن أم
سلمة زوج النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا شربتم اللبن
فمضمضوا فإن له
دسما " (3) .
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الوضوء، باب " 52 "
والأشربة باب " 12 ")
ومسلم في (الحيض، ح/95) والترمذي (89) والنسائي في
(الطهارة، باب " 124 ")
وابن ماجة (498) وأحمد (1/223، 227، 329، 337، 373) .
قال الحافظ في " الفتح: 1/270 ": " هذا أحد الأحاديث التي
أخرجها الأئمة الخمسة
وهم: الشيخان وأبو داود والنسائي والترمذي عن شيخ واحد؛
وهو قتيبة ".
(2) قوله: " قال " سقط من " الأصل "، وكذا أثبتناه.
(3) صحيح. رواه ابن ماجة (499) والكنز (41046) . وصححه
الشيخ الألباني.
(1/488)
هذا حديث إسناده صحيح، موسى بن يعقوب
الزمعي الأسدي أبو محمد
المدني، روى عنه جماعة؛ منهم: معن بن عيسى، وابن أبي فديك
ومحمد بن
عثمة. وسعيد بن أبي مريم وثقة بن معين، ولما ذكر حديثه هذا
أبو عبد
الرحمن في كتاب الكني اتبعوا التوثيق، ووثقه أيضا أبو محمد
الرشاطي قال:
ووقع في كتاب ابن أبي حاتم أنه قرشي زهري، وهو وهم، اللهم
إلا أن يكون
زهريا من قبل أمّه أو بوجه آخر- والله أعلم- انتهى كلامه.
وكما نسبه ابن
أبي حاتم نسبه البخاري في تاريخه الكبير وأما أبو عبيدة
الذي ذكر أبو عمر
أنهم اتفقوا على أنه لا اسم له فحديثه صحيح، وأبو عبد الله
بن زمعة له
صحبة فيما ذكره ابن حبان.
حدثنا أبو مصعب ثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد
الساعدي
عن أبيه عن جده أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال: " تمضمضوا من اللبن، فإن له
دسما " (1) . هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف عبد المهيمن
المذكور قبل في
باب التسمية في الوضوء. حدثنا إسحاق بن إبراهيم السواق،
ثنا الضحاك بن
مخلد ثنا زمعة بن صالح عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال: "
حلب
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاة، وشرب من
لبنها، ثم دعا بماء فمضمض فاه، وقال: إن
له دسما " (2) . هذا حديث قال ابن أبي حاتم: وسمعت أبا
زرعة، وانتهى في
القراءة إلى حديث شبابة عن عبيد الله بن يعيش عن يونس بن
بكير عن
محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك: "
شرب-
عليه السلام- لبنا، ثم قال: / هاتوا ماء، فمضمض" (3) . هذا
وهم، إنما هو ما
__________
(1) صحيح، وإسناده ضعيف. رواه ابن ماجة (500) في الزوائد:
إسناده ضعيف لضعف عبد المهيمن.
قال فيه البخاري: منكر الحديث. وابن أبي شيبة (1/57)
والطبراني (6/153) .
قلت: وللحديث شواهد صحيحة. وصحح إسناده الشيخ الألباني.
(2) ضعيف الإسناد والمتن. صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب
الطهارة، 68- باب
المضمضة من شرب اللبن (ح/501) .
وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/111) .
(3) ضعيف جدا. العلل: (193) .
(1/489)
ثنا ابن أبي شيبة، ثنا ابن عيينة عن عبد
الله بن أبي بكر وعن الزهري عن
عبيد الله بن عبد الله عن النبي- عليه السلام- بنحوه مرسل.
وأمّا زمعة بن صالح الجندي اليمامي ثم المكي، ولن كان مسلم
قرنه في
كتابه ابن أبي حفصة، وقال الفلاس: هو جائز الحديث مع الضعف
الذي
فيه. وقال ابن عدي: ربما يهم في بعض ما يرويه، وأرجو أن
حديثه صالح لا
بأس به، فقد قال الإمام أحمد: ضعيف الحديث، وقال البخاري:
مخالف في
حديثه، وتركه ابن مهدي أخيرا، وقال ابن معين: ضعيف، وفي
رواية: لم
يكن بالقوي، وهو أصلح حديثا من صالح بن أبي الأصفر، وقال
أبو حاتم:
ضعيف الحديث، ووهب أوثق منه، وقال ابن حبان: كان رجلا
صالحاً يهم
ولا يعلم، ويخطئ ولا يفهم، فغلب في حديثه المناكير، وقال
للنسائي: ليس
بالقوي الغلط عن الزهري، ولما ذكره الساجي في كتاب للضعفاء
قال: لم
يكن حديثه حجة في الأحكام.
وذكره العقيلي والبلخي في كتاب الضعفاء، ويؤيد قول البخاري
فيه:
مخالف في حديثه؛ ما روى أبو داود في كتاب السنن معارضا له،
وبه استدل
ابن شاهين على نسخ ما تقدم بإسناد لا بأس به، فقال: ثنا
عثمان بن أبي
شيبة عن زيد بن الحباب عن مطبع بن راشد عن ثوبة العنبري،
سمع أنس بن
مالك: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شرب لبنا، فلم يمضمض ولم يتوضأ، وصلى ".
قال زيد: دلني شعبة على هذا الشيخ. ولما ذكره ابن صخر في
فوائده، قال:
قال لنا أبو محمد: وهذا حديث غريب من حديث ثوبة عن أنس، لا
أعلم
رواه إلا زيد بن الحباب عن مطيع بن راشد عنه. انتهى. ويشبه
أن يكون مطيع
هذا هو الوال، فان كان فهو ثقة وأجدر به أن يكون؛ لأنه ممن
عرف برواية
عن التابعين وبرواية وكيع والقطّان وأبي/نُعيم ويعلى بن
عبيد عنه وهذه هي
طبقة ابن راشد- والله أعلم- وإن كان غيره فلا أعلم من حاله
شيئا؛ لكونه
ليس يذكروا وفي كتاب البخاري وأبي حاتم الرازي وابن حبان،
وثوبة حديثه
في صحيح البخاري، ويشك ما ذكره أحمد بن منيع في مسنده: ثنا
(1/490)
إسماعيل، ثنا أيوب عن ابن سيرين عن أنس
أنه: " كان يمضمض من اللبن
ثلاثا " (1) . وذكر أبو عيسى أن في الباب إثر حديث ابن
عباس وحديث
سهل بن سعد وأم سلمة وأغفل حديث أنس، وحديث جابر بن عبد
الله
المذكور عند ابن شاهين في كتاب الناسخ والمنسوخ من حديث
أبي عامر
العقدي، ثنا أيوب بن يسار وهو ممن اتهمه يحيى بالكذب عن
محمد بن
المنكدر عنه: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شرب لبنا فمضمض من دسمه " (2) . قال
الطبري: ثنا ابن حميد، ثنا جرير عن عطاء قال: أتي عبد
الرحمن بلبن
فشرب، فحضرت الصلاة فقيل له: ألا تمضمض؟! فقال: من أي شيء؟
من
اللبن الخالص الطيب، ثم صلى ولم يمضمض ". قال أبو جعفر:
وبذلك قال
جماعة علماء الأمصار والسلف، رضي الله عنهم أجمعين.
39- باب الوضوء من القُبلة
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع
ثنا
الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة: "
أن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل بعض نسائه، ثم
خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، قلت: من هي
إلا أنت؟ فضحكت ".
هذا حديث لما رواه أبو داود (3) عن عثمان: ثنا وكيع قال:
وكذا رواه
__________
(1) المطالب: (138) .
(2) تقدم. وراجع: (الصحيحة: ح/1361) .
(3) صحيح. رواه أبو داود (178) عن عثمان بن أبي شيبة. عن
ابن ماجة (502) عن أبي
بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد. وفي الزوائد: هذا الحديث قد
رواه أبو داود والنسائي
بإسناد فيه إرسال، والإرسال لا يضر عند الجمهور في
الاحتجاج. وقد جاء بذلك الإسناد
موصولا. ذكره الدارقطني، ورواه البزار بإسناد حسن، ورواه
المصنف بإسنادين؛ فالحديث
حجة بالاتفاق. ورواه الطبري في التفسير (5/67) عن أبي
كريب، وأحمد في المسند (6/
210) كلهم عن وكيع عن الأعمش هذا الإِسناد. ورواه
الدارقطني (ص 50) من طريق أبي
هشام للرفاعي وحاجب بن سليمان ويوسف بن موسى، وكلهم عن
وكيع عن الأعمش. ورواه
الطبري عن إسماعيل بن مرسى السدي عن أبي بكر بن عياش عن
الأعمش.
(1/491)
زائدة وعبد الحميد الحماني عن الأعمش، ثنا
إبراهيم بن مخلد الطائفاني ثنا
عبد الرحمن بن معن، ثنا الأعمش، ثنا أصحاب لنا عن عروة
المزني عن عائشة
بهذا الحديث. قال أبو داود:/قال يحيى بن سعيد لرجل: احبك
عني أنه
هذين- يعني: حديث الأعمش هذا عن حبيب، وحديثه بهذا الإسناد
في
المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة- قال: حبك عني أنها سبه لا
شيء وروى
عن الثوري قال: ما ثنا حبيب إلا عن عروة المزني يعني: لم
يحدثهم عن
عروة بن الزبير سيء، وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة
بن الزبير
عن عائشة، حدثنا زياد بن العبد واللؤلؤي صحيحا. انتهى
كلامه. ولقائل أن
يقول: قول الأعمش ثنا أصحاب لنا لا يقدح في الإسناد الأول؛
لأمرين:
الأول: عبد الرحمن بن معن لا مقام زائدة والحماني ووكيعا،
الثاني: يحتمل
أن أصحابه رووه له كما رواه له حبيب، ويكون لحبيب في هذا
شيخان إذا
قلنا بصحة إسناد الثاني، قول الثوري: لم يحدثنا حبيب عن
ابن الزبير لا يؤثر
__________
ورواه الدارقطني (ص 51) من طريق إسماعيل بن موسي أيضا،
ورواه كذلك من طريق
محمد بن الحجاج عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش. ورواه (ص
50) من طريق علي بن
هاشم وأبي يحيى الحماني عن الأعمش. وكل هذه الروايات لم
يذكر منها نسب عروة، إلا
في رواية أحمد وابن ماجة، فإن فيهما: " عن حبيب بن أبي
ثابت عن عروة بن الزبير ".
وهذا حديث صحيح لا علْة له، وقد علله بعضهم بما لا يطعن في
صحته. وقد رواه للترمذي
(ح/86) . وقال الترمذي: " وقد رُوي نحو هذا عن غير واحد من
أهل للعلم من أصحاب
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعين. وهو
قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، قالوا: ليس في القبلة وضوء.
وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق: في
القبلة وضوء، وهو قول غير
واحد من أهل للعلم من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ والتابعين. وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا؛ لأنه لا
يصح عندهم؛ لحال الإِسناد.
قال: وسمعت أبا بكر العطار البصري يذكر عن علي بن المديني،
قال: ضعف يحيى بن
سعيد القطان هذا الحدث جدا، وقال: هو شبه لا شيء.
قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وقال: حبيب
بن أبي ثابت لم
يسمع من عروة.
وقد روي عن إبراهيم التيمي عن عائشة: " أن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلها ولم يتوضأ ". وهذا لا
يصح
أيضا، ولا نعرف لإِبراهيم التيمي سماعا من عائشة. وليس يصح
عن للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب
شيء.
(1/492)
في صحة هذا الحديث؛ لأنه الشيخ غالبا لا
يروي لأصحابه عن جميع
مشايخه، وقد يخص قوما دون آخرين، وقال أبو عيسى. سمعنا
محمد
الضعيف هذا الحديث وقال حبيب بن أبي ثابت: لم يسمع من
عروة، وقد
روي عن التيمي عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قبلها ولم يتوضأ، وهذا لا يصح
أيضا ولا يعرف لإبراهيم سماعا من عائشة وليس يصح في هذا
الباب شيء،
قال أبو عيسى: وسمعت أبا بكر العطار يذكر عن ابن المديني
قال: ضعف
يحيى بن سعيد هذا الحديث جذا، قال أبو عيسى: وإنما ترك
أصحابنا حديث
عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا؛
لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد، وذكر
الدارقطني عن يحيى بن سعيد أنه قال: إنما كان الثوري أعلم
الناس بهذا،
وزعم أن حبيبا لم يسمع من عروة شيئا، وبنحوه ذكره الإمام
أحمد بن حنبل
ويحيى بن معين والحافظان؛ أبو بكر البيهقي، وأبو الحسن بن
القطان، وأبو
الفرج ابن الجوزي وابن سرور والمقدسي واستناد ابن حزم إلى
عدم صحته،
وفي كتاب الخلال: سئل أبو عبد الله عن حديث عائشة/في
القبلة؛ فقال: هو
غلط، وفي كتاب الميمون: قال أبو عبد الله: هذا الحديث
مقلوب على
حديث عائشة قيل: وهو صائم وهو هذا الحديث بعينه، يرويه
هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة قلت: فمن أين؟ أليس حبيب صالح الحديث؟!
قال: بلى
ولكن لا أعلم أحدا روى عن حبيب عن عروة شيئا إلا هذا
الحديث،
وحديث آخر يرويه الأعمش، وفي كتاب العلل لابن أبي حاتم:
وسمعت أبي
يقول: لم يصح حديث عائشة في ترك الوضوء من القبلة- يعني:
حديث
الأعمش عن حبيب عن عروة- وسئل أبو زرعة عن الوضوء من
القبلة؛ فقال:
إن لم يصح حديث عائشة قلت به، وأشار البغوي في شرح السنة
إلى ضعفه،
وقال الشافعي: ليس بمحفوظ من قبل أن عروة إنما روى: " أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قبلها صائما " (1) . وقال البيهقي في المعرفة: والصحيح
رواية عروة والقاسم بن
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/88) ومسلم في
(المقدمة باب " 6 " رقم " 32 ") وأبو داود
(2386) وأحمد (6/39، 123، 234، 280، 291، 310، 318) وأبو
عوانة، والدارقطني (1/
142) والحميدي (197) وشفع، وشرح السنة (6/278) والتمهيد
(5/123) ومعاني (2/90، 91)
والمشكاة (2005) والفتح (4/152) والطبري (5/68)
(1/493)
محمد وعلي بن الحسن وعلقمة والأسود ومسروق
وعمرو بن ميمون عن
عائشة: " كان- عليه السلام- يقبل وهو صائم ". وحديث حبيب
معلول (1) . وقال في الخلافيات: أشبه فساده على ليث ممن
ليس الحديث من
بابه وقرأهُ إسنادا صحيحا، وهو فاسد من وجهين: الأول:
الانقطاع، والثاني:
عروة هو ابن الزبير إنما هو شيخ يحتمل يعرف بالمدني، وقال
عباس بن محمد
الدوري: قلت لابن معين: حبيب ثبت؟ قال: نعم، إنما روى
حديثين أظن
يحيى يريد منكرين الحديث: " تصلي الحائض وإن قطر الدم على
الحصير " (2) ، وحديث القبلة، وفي مسائل حرب بن إسماعيل
الحنظلي
الكرماني: وسمعت إسحاق- يعني: ابن راهويه- لما ذكر حديث
حبيب عن
عروة- يعني هذا- قال: هذه الرواية ليست بصحيحة لما فطن أن
حبيبا لم
يسمع من عروة، وإنما بلغه عنه، ويروى عن هشام عن أبيه خلاف
ذلك وهذا
أعظم الدلالة في ذلك. انتهى كلامه. وفيه نظر، لما نذكر بعد
من رواية هشام
عن أبيه/لرواية حبيب، والله تعالى أعلم.
وقال أبو جعفر البخاري في كتاب الناسخ والمنسوخ، وذكر
حديثا فيه
حبيب هذا حديث فيه غير علله منها أن حبيب بن أبي ثابت على
محلة لا
يقوم لحديثه حجة لمذهبه، وكان مذهبه أنه قال: لو حدثني رجل
عنك
بحديث ثم حدثت به عنك لكنت صادقا، ومنها أنه روِى عن عروة
عن
عائشة: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل
بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ "، وقال أبو
عمر بن عبد البر هذا حديث معلول (3) عندهم؛ فمنهم من قال:
لم يسمع
حبيب من عروة، ومنهم من قال: ليس هو عروة بن الزبير،
وضعفوا هذا
الحديث ورفعوه، قال: وصححه الكوفيون وبيّنوه لرواية الثقات
من أئمة
__________
وابن كثير (2/278) وابن عساكر في " التاريخ " (2/2299) .
(1) قوله: " معلول " ورد " بالأصل ": " مقلوب "، وكذا
أثبتناه من " الثانية ".
(2) موضوع. رواه أحمد (6/137) ونصب الراية (1/200)
وللدارقطني (1/212) بلفظ:
" تصلي المستحاضة ولو قطر الدم على الحصير ".
(3) قوله: " معلول " ورد " بالأصل ": " مقلوب "، وهو
تصحيف، والصحيح ما أثبتناه من
" الثانية ".
(1/494)
الحديث له، وحبيب لا ينكر لقاؤه عروة
لرواية من هو أكبر من عروة وأجل
وأقدم موتا، وهو إمام ثقة من أجلة العلماء. انتهى. ما ذكره
وهو مزيل
للانقطاع من صحته إمكان اللقاء فقط، ويؤيده قول أبي داود:
روى حبيب
عن عروة حديثا صحيحا.
ولقائل أن يقول: ما قاله أبو داود لا يعطي سماعا؛ لاحتمال
أن يكون
الحديث الذي أشار إليه- وهو قوله- عليه الصلاة والسلام-: "
اللهم عافني
في جسدي وعافني في بصري " (1) - صحيحا في نفس الأمر لا
ضعيفا
كهذا، إذ هو معروف الصحة من خارج فيقال له إنما ذكره أبو
داود في هذا
الموطن ردا على من زعم أنه لم يسمع منه، ولولا ذلك لكان
كلامه لا فائدة
فيه، وفي قول أبي عمر: حبيب لا ينكر لقاؤه عروة إلى آخره
نظر؛ لما علم
من حاله جماعة من الأئمة روى أحدهم عن الكبار، وأرسل عن
الصغار هذا
أبو حاتم الرازي يقول في ابن شهاب: لم يسمع من أبان بن
عثمان؛ لأنه لم
يدركه، وقد أدرك من هو أكبر منه، ولكن لا نثبت له السماع
منه كما أن
حبيب بن أبي ثابت لا يثبت له السماع من عروة، وهو قد سمع
ممن هو أكبر
منه غير أن أهل الحديث قد اتفقوا على ذلك، واتفاق أهل لم
الحديث على
شيء يكون حجة وأما قوله: ومنهم من قال: ليس هو عروة بن
الزبير ففيه
نظر، لما أبلغناه من رواية وكيع المصرح فيها بنسبه عند ابن
ماجة والدارقطني،
وأيضا قال أحد من الغرباء يتجاسر على أم المؤمنين بقوله: "
من هو إلا أنت؟ "
ويحكى وضوحها غالبا إلا من كان ذا محرم منها، ويزيده وضوحا
رواية هشام
له عن أبيه كرواية حبيب. ذكر ذلك الدارقطني في كتاب السنن
من رواية
حاجب بن سليمان عن وكيع عنه، وقال: تفرّد به حاجب عن وكيع
ووهم
فيه، والصواب عن وكيع بهذا الإسناد: " أن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُقبل وهو صائم "
وحاجب لم يكن له كتاب، إنما كان يحدّث من حفظه. انتهى.
ولقائل أن يقول: هو تفرد ثقة، وبحديثه من حفظه إن كان أوجب
كثرة
__________
(1) حسن. رواه الترمذي (3480) وقال: هذا حديث حسن غريب،
والحاكم (1/530)
والخطيب (2/137) وأمالي الشحري (1/233) والأذكار (349)
ونصب الراية (1/270)
وكشاف (93) وابن عدي في " الكامل " (2/815) وأحمد (5/42)
والكنز (3642، 5069) .
(1/495)
أخطائه بحيث يجب ترك حديثه فلا يكون ثقة،
وليس كذلك؛ لقول
النسائي، وابن حبان فيه: ثقة، وإن لم يوجب خروجه عن الثقة
فلعله لم يفهم،
وكان نسبه إلى الوهم بسبب مخالفة الأكثرين له، وليس
لمتابعة عاصم بن
علي أبي الحسن الواسطي- المخرّج حديثه في صحيح البخاري،
والقائل فيه
أحمد بن حنبل: صدوق، وفي رواية المروزي عنه: لا أعلم إلا
خيرا- كان
حديثه صحيحا له ذكر ذلك أبو الحسن في كتابه عن الحسين بن
إسماعيل عن
علي بن عبد العزيز الوراق- يعني: المصنف المشهور- عنه عن
أبي أويس
قال: حدثني هشام فذكره ثم قال: لا أعلم حدث به عن عاصم غير
علي بن
عبد العزيز، ورواه أيضا من جهة شيبان بن عبد الرحمن عن
الحسن بن الزبير
عن هشام عن أبيه عروة بن الزبير أن رجلا قال: سألت عائشة
الحديث، ومن
جهة محمد بن جابر عن هشام، ومن جهة عبد الملك بن محمد عن
هشام،
ورواه عن عروة كروايتهما عن الزهري قال أبو الحسن: ثنا ابن
قانع عن
إسماعيل بن الفضل عن محمد بن عيسى بن يزيد الطرسوسي عن
سليمان بن
عمر بن/يسار عن أبيه عن ابن أخي الزهري، أكثرهم مجهولون
ولا يجوز
الاحتجاج بأخبار ترويها المجاهيل، ورواه الدارقطني أيضا من
جهة إسماعيل بن
موسى ثنا عيسى بن يونس عن سر فأدخل بين الزهري وعروة رجلا-
وهو
أبو سلمة- ثم قال: هذا خطأ من وجوه، قال البيهقي: إنما
أراد الخطأ في
نسبه وإسناده جميعا حيث أدخل سلمة وزاد في سننه: " ثم صلى
ولم
يتوضأ "، والمحفوظ ما سبق، والحمل فيه على من دون عيسى،
وكيف يكون
ذلك من جهة الزهري صحيح ومذهبه بخلافه، ورواه عن عروة أيضا
محمد بن
عمر، وذكره عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد عن معبد بن
نباتة عن محمد
عن عروة به، وذكر الزعفراني عن الشافعي قال: إن ثبت حديث
معبد في
القبلة لم أر به بأسا ولا في اللمس، ولا أدري كيف معبد
هذا؟ فإن كان ثقة
فالحجة فيما روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ولكن أخاف أن يكون غلطا، قال أبو
عمر: هو مجهول لا حجة فيما رواه عندنا، وقال البيهقي نحوه
وزادنا
محمد بن عمر: ولم يثبت له عن عروة شيء. انتهى.
فقد تبين لك أن عروة هذا هو ابن الزبير لا المزني لكونه
مجهولا، ولم يرو
(1/496)
عنه إلا ابن أبي ثابت، أخذ من إسناد حديثه
المذكور عند ابن أبي داود، ولو
روى عنه ما وصفناه يخرج عن الجهالة التي لم تزايله فيما
ذكره غير واحد من
المؤرخين والله تعالى أعلم.
وأيضا فقد رواه عن عائشة جماعة غير عروة نذكر منه ما تيسر؛
فمن
ذلك: رواية عطاء عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " كان يقبل بعض نسائه ولا يتوضأ ".
رواه البزار (1) في مسنده عن إسماعيل بن يعقوب بن صبيح بن
محمد بن
موسى بن أعين حدثني أبي عن عبد الكريم الخرزي عنه، وقال:
هذا الحديث لا
نعلمه يروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إلا من رواية عائشة، ولا نعلمه يروى عن عائشة
إلا من حديث حبيب/عن عروة ومن حديث عبد الكريم عن عطاء
عنها،
وقال في موضع آخر: وهذا الحديث إسناده حسن، وهو معروف من
حديث
عبد الكريم، ومحمد بن موسى ليس به بأس، قد احتمل حديثه أهل
العلم، ولا
نعلم فيه مطعنا يوجب التوقف عن حديثه، وسائر الرجال
ليستعين بشهرتهم
عن صفاتهم، وإسماعيل أبي بيان رجل ثقة مشهور، وقد رواه
خطاب بن
القاسم قاضي حران، وكان مشهورا أيضا عن عبد الكريم. انتهى
كلامه. وفيه
نظر؛ لما نذكره بعد- إن شاء الله تعالى-، ولما ذكر أبو
محمد الإشبيلي هذا
الحديث قال: موسى بن أعين، يعد مشهورا وابنه مشهور روى له
البخاري، ولا
أعلم لهذا الحديث علّة توجب تركه، ولا أعلم فيه مهما تقدم
أكثر من قول
يحيى بن معين حديث عبد الكريم عن عطاء حديث روى لأنه غير
محفوظ،
قال أبو محمد: انفراد الثقة بالحديث لا يغيره فإما أن يكون
قبل نزول الآية
وإما أن يكون الملامسة الجماع كما قال ابن عباس: ولما رواه
الدارقطني من
جهة جندب بن والق ثنا عبيد الله عن غالب عن عطاء قال: غالب
هو ابن
عبد الله، متروك. وقال صاحب الذخيرة: هذا حديث لا يصح لأنّ
غالبا
يفهم بالموضع، قال أبو الحسن بن عثمان بن أحمد الدقّاق بن
محمد بن
__________
(1) بألفاظ متقاربة. رواه الدارقطني (1/135، 137، 142)
وابن عساكر في " للتاريخ "
(1/397) والبزار والمجمع (1/274) من حديث أم سلمة وعزاه
إلى الطبراني في " الأوسط "
وفيه يزيد بن سنان الرهاوي ضعفه أحمد ويحيى وابن للديني،
ووثقه البخاري وأبو حاتم، وثبته
مروان بن معاوية، وبقية رجاله موثقون.
(1/497)
غالب ثنا بن الوليد بن صالح ثنا عبيد الله
بن عمر وعن عبد الكريم الخوازى
بمثله ثم قال: يقال أن الوليد وهم في قوله: عبد الكريم،
إنما هو حديث
غالب، ورواه الثوري عن عبد الكريم عن عطاء من قوله وهو
الصواب. ولما
ذكر أبو بكر هذا الحديث في كتاب الخلافيات لم يقل على
الوليد بشيء إلا
بقول عبد الله بن أحمد قلت لأبي: لِم لم تكتب عن الوليد
فقال: رأيته يصلي
في المسجد الجامع ونسي صلاته، وفي موضع آخر قال: ورواه
سلمة بن
صالح منفردا به ولم يدافع عليه، قال الحاكم: عن محمد بن
عبد الرحمن
الكوفي عن عطاء عن عائشة، وروي عن عبد الكريم عن عائشة
مرفوعا، وهو
وهم، والصحيح: عن عطاء من قوله. انتهى.
/والذي يشبه أن يكون ابن معين أراد الطريق التي أسلفناها
من عند
الدارقطني أولا، يؤيد ذلك قول ابن عدي، والحديث الذي ذكره
أبو زكريا
هو ما روى عبيد الله بن عمرو عنه عن عطاء، فذكر حديث
القبلة، ثم قال:
إنما أراد ابن معين هذا الحديث؛ لأنه غير محفوظ ثم قال:
ولعبد الكريم
أحاديث صالحة مستقيمة يرويها عن قوم ثقات، وإذا روى عند
الثقات فحديثه
مستقيم، وقول الدارقطني: يقال أن الوليد وهم في قوله: عن
عبد الكريم؛ فقد
تنازع في ذلك على طريقة معلومة لمتأخري المحدثين والفقهاء
إذا كان ثقة
ويطالب قائل ذلك بالدليل على ما حكم به من الوهم، وما
تقدّم من متابعة
ابن معين تضعيف قوله ومقنعي أن للحديث أصلا من رواية عبد
الكريم، وقال
ابن الحصار في كتابه تقريب المدارك: وقد طعنوا على عبد
الكريم؛ لانفراده
برفع هذا الحديث وليس ذلك مطعنا، وانفراد الثقة برفع
الحديث لا يقدح فيه،
وحديثه هذا مسند صحيح، وأمّا رواية الثوري له موقوفا فهي
مسألة مشهورة
عند الفقهاء، والأصل فيما إذا وقف ثقة ورفع ثقة، وعبيد
الله بن عمرو من
الثقات المخرج حديثهم في الصحيحين، وأيضا فعطاء قوي معروف
بذلك
فيجوز أن يكون أمي بما روى كما نقل ذلك عن جماعة من
الصحابة
والتابعين فلا تقوى القرينة في غلط من دفع كلّ القوة، وأما
ما ذكره البيهقي
عن الوليد فليس عيبا ترد به أحاديثه؛ لاحتمال أن يكون يرى
رأي العراقيين،
(1/498)
وصلاة بعضهم عند أحمد غير صحيحة، ولئن
سلمنا له الطعن فيه؛ فحديث
البزار المذكور ليس فيه حرمة، والله أعلم.
ومن ذلك: رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عنها: أنا عنها
القدوة المعمر
أبو الفتح نصر بن سليمان بن عمر بقراءتي عليه: أخبركم أبو
إسحاق
إبراهيم بن خليل بن عبد الله الدمشقي قراءة عليه يوم
الجمعة ثامن عشر ربيع
الأول سنة سبع وخمسين وستمائة بجامع حلب، أنا أبو محمد/عبد
الرحمن بن
علي بن المسلم اللخمي المعروف بابن الخدمي بقراءة أخي سنة
ست وثمانين
وخمسمائة، أنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة بن الحضر
السلمي في ربيع
الأول سنة ست وعشرين وخمسمائة، أنا أبو محمد عبد العزيز بن
أحمد بن
محمد الصوفي، أنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم
بن أبي نصر،
أنا خيثمة بن سليمان بن جنادة سنة أربعين وثلاثمائة، ثنا
العباس بن الوليد بن
يزيد، ثنا محمد بن شعيب أخيه ابن سعيد بن سيراء ومنصور بن
زادان حدثه
عن محمد بن مسلم الزهري عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت: "
كان
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج إلى الصلاة،
ثم يقبلني ولا يتوضأ ". قال أبو القاسم في
المعجم الأوسط، ورواه من حديث شعبة: لم يروه عن الزهري إلا
منصور،
وتفرد به سعيد، وقال أبو حاتم: وسأله إنه عند هذا الحديث
قيل لا أصل له
من حديث الزهري، ولا أعلم منصور أسمع من الزهري ولا روى
عنه، قال أبو
محمد: وحفظي عن أبي أنه قال: إنما أراد الزهري: عن أبي
سلمة عن عائشة:
" كان يقبل وهو صائم ". قلت لأبي: ممن الوهم؟ قال: من
سعيد، وقال
البيهقي: تفرد به سعيد، وليس بالقوي، وقال الدارقطني: تفرد
به سعيد عن
منصور عن الزهري، ولم يتابع عليه، وليس بقوي في الحديث،
والمحفوظ عن
الزهري عن أبي سلمة عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان يقبل وهو صائم ".
كذلك رواه الثقات الحفاظ عن الزهري؛ منهم معمر وعقيل وابن
أبي ذئب،
وقال مالك: عن الزهري في القبلة الوضوء، ولو كان ما رواه
سعيد عن
منصور عنده صحيحا لما كان المزهري مفتي بخلافه. انتهى. وفي
تعليله بفتوى
(1/499)
الزهري نظر؛ لما علم من حال جماعة ردوا
أحاديث، وعملوا بغيرها إما
لذهولهم عمّا رووا لثبوت ناسخ عدهم، أو لغير ذلك كما فعل
أبو هريرة حين
أفتى في ولوغ الكلب في الإناء يغسل ثلاثا، وروايته عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك/
سبعا، ومالك يروى في موطأه حديث ابن عمر: " البيعان
بالخيار " (1) ، ومذهبه
إلا خيار، وأما سعيد فيحتمل رفعه لحديث تابعه عليه غيره من
الثقات؛ لقول
ابن عيينة فيه. كان حافظا، وقال سعيد: كان صدوق اللسان،
وقال أبو زرعة
البصري: وروايته موضعا عند أبي مسهر للحديث، وكان يقول:
ليس بمصرنا
أحفظ منه قال: وسألت دحيما عن محمد بن داسة فقال: ثقة وكان
يميل لما
هوى، فقلت أين هو من سعيد؟ فقدم سعيدا عليه، وفي موضع آخر
كان
مشايخنا يقولون: هو ثقة، وقال عبد الرحمن: سألت أبي وأبا
زرعة عنه فقالا:
محله عندنا الصدق، وسمعت أبي ينكر على من أدخله في كتاب
الضعفاء،
وقال: يحول منه، وقال ابن عدي: لا أرى بما يرويه بأسا،
والغالب عليه
الصدق، ومن ذلك أبو الصديق الناجي؛ ذكر ذلك ابن أبي حاتم
في كتاب
العلل، وقال: سألت أبي عنه فقال: هذا حديث منكر، ومن ذلك:
دبيب
السحمة إلا في حديثهما بعد، ومن ذلك: إبراهيم التيمي عنها:
" أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبّلها، ولم يتوضأ "
(2) . رواه أبو داود عن محمد بن شار ثنا يحيى وعبد
الرحمن ثنا سفيان عن أبي روق عنه، وقيل: هذا مرسل؛ التيمي
لم يسمع من
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (3/76، 77، 84، 85)
ومسلم في (البيوع،
باب " 47 ") والترمذي (1245، 1246، 1247) وصححه، والنسائي
في (البيع، باب
" 4، 8، 9، 10) وأبو داود (3457، 3459) وابن ماجة (2182،
2183) والمنتقى
(619) وأحمد (2/9، 73، 3/402، 403، 434، 4/425، 5/12، 17،
21، 22، 23) والدارمي (2/250) والحاكم (2/16) والبيهقي
(5/269، 270،
271، 272) والقرطبي (5/153) والمشكاة (2802، 2804) وابن
كثير (2/234)
وأصفهان (1/220، 2/2، 3/363) .
وصححه الشيخ الألباني. (الإِرواء: 5/124، 153) .
(2) ضعيف. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 27- باب
للوضوء من القبلة (ح/178) .
قال أبو داود: وهو مرسل، إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة.
(1/500)
عائشة، وقد سبق كلام البخاري فيه، وقال
الدارقطني: لم يروه عن إبراهيم
غير أبي روق عطية بن الحرث، ولا نعلم حدث به غير الثوري
وأبي حنيفة من
حديث يحيى بن نظر وصاحب عنه واختلفا فيه فأسنده الثوري عن
عائشة،
وأبو حنيفة عن حفصة، وكلاهما أرسله، وإبراهيم لم يسمع من
عائشة ولا من
حفصة ولا أدرك زمانهما، وفيه نظر؛ لما علم أن مولده على ما
ذكره البيهقي
سنة خمسين، وتوفيت حفصة سنة إحدى وأربعين على ما قاله أبو
معشر وابن
أبي خيثمة، وعائشة كانت وفاتها سنة سبع- أو ثمان- وخمسين،
والله أعلم.
وقال ابن حزم: هذا الخبر لا يصح؛ لضعف أبي روق/وقال أبو
عمر: هو
مرسل لاختلاف فيه، وفي موضع آخر: لم يروه غير أبي روق،
وليس فيما
انفرد به حجة، وقال النسائي: إبراهيم لم يسمع من عائشة،
وليس في هذا
الباب أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسل، وفي الخلافيات: هو
فاسد
من وجهين؛ الأول: الإرسال، والثاني: أبو روق لا يقوم به
حجة. أما قول
عمر: وليس فيما انفرد به حجة ترد قوله في كتاب الاستمناء
هو عندهم
صدوق ليس به بأس، صالح الحديث، وفي موضع آخر: وقال
الكوفيون: هو
ثقة لم يذكره أحد يخرجه، وقال أحمد: ليس به بأس، وقال أبو
حاتم الرازي:
صدوق، وذكره أبو حاتم في كتاب الثقات.
وأما إجماعهم على إرساله فليس كذلك؛ لما ذكره أبو الحسن في
سننه
مسندا من طرق صحيحة، فقال: ورواه معاوية بن هشام- يعني:
المخرج
حديثه في صحيح مسلم- عن الثوري عن أبي روق عن إبراهيم عن
أبيه-
يعني: المخرج حديثه في الصحيحين- عنها فوصل إسناده واختلف
عنه في
لفظه؛ فقال عثمان بن أبي شيب فيما ثناه البغوي عنه بهذا
الإسناد: " أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقبل وهو
صائم "، وقال غيره: " كان يقبل ولا يتوضأ ".
ولما ذكر البيهقي هذا في المعرفة قال معاوية لي: قويا لم
يُرد على ذلك، وليس
به علة ترد به هذا لما أسلفناه، والله تعالى أعلم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة نا محمد بن فضيل عن حجاج عن
عمرو بن
شعيب عن زينب السهمية عن عائشة أن رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يتوضأ ثم
(1/501)
يقبل ويصلي ولا يتوضأ، وربما فعله بي " (1)
. هذا حديث قال ابن أبي حاتم:
سألت أبي وأبا زرعة عنه فقالا: الحجاج يدلس في حديث
الضعفاء، ولا يحتج
بحديثه، وقال أبو الحسن: زينب هذه مجهولة ولا يقوم بها
حجة، ونحوه قاله
أبو/عمر في الاستذكار، وقال الحاكم: أبو عبد الله فيما
ذكره عند البيهقي في
الخلافيات: هذا الإسناد لا يقوم به حجة؛ حجاج على جلالة
قدره غير مذكور
في الصحيح، وزينب ليس لها ذكر في حديث آخر ولا أبو بكر.
وقد رواه ابن فضيل الأوزاعي عن عمرو عنها، وقد قيل: عن
عمرو عن
أبيه عن جدّه مرفوعا: " كان يقبل ولا يحدث وضوءا " (2) .
رواه العوفي عنه،
وهو متروك. انتهى كلامه. وفيه بيان لصحة الحديث المذكور
حيث قال: ورواه
الأوزاعي عن عمر، ويخرج حجّاج من أن يكون علة له على قول
من أعلّه
به، وعلى التقدير أن يكون ثقة كان حديثه عن عمرو منقطعا،
قال ابن
المبارك: ولم يبق إلا النظر في حال زينب فقط؛ هل كما قيل:
مجهولة، أم لا،
فنظرنا فإذا أبو حاتم البستي ذكرها في كتاب الثقات؛ فزال
عنها- بحمد
الله- اسم الجهالة، وصح حديثها على هذا لما أسلفنا من
متابعات وشواهد،
والله تعالى أعلم.
وأما قول البزّار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن غير
عائشة، ففيه نظر؛
لما ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث أبي علي الحنفي عن
زفر بن
الهذيل عن ليث بن أبي سليم عن ثابت بن عبيد عن أبي مسعود
الأنصاري:
أن رجلا أقبل إلى الصلاة، فاستقلب امرأته، فأكبّ عليها
فناولها، فأتى النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك له، فلم يأمره
بالوضوء، ولم يروه عن زفر إلا أبو علي. ولما
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/ 503) وأحمد في " المسند "
(6/62) والكنز (17855) .
في الزوائد: في إسناده حجاج بن أرطاة، وهو مدلس، وقد رواه
بالعنعنة. وزينب، قال فيها
الدارقطني: لا تقوم بها حجة. قلت: فهي مجهولة.
وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/ 112) .
(2) موضوع. جامع مسانيد أبي حنيفة (1/427) وابن القيسراني
(554) بلفظ: " كان
يقبل ولا يعيد الوضوء ".
(1/502)
ذكره أبو الفرج في كتاب العلل من حديثه ذكر
ابن عبد الله الشامي القائل
فيه ابن حبان: يروى عن مكحول نسخة أكثرها موضوع، ولا يحل
الاحتجاج
به عن مكحول عن أبي أمامة أنه قال: " قلت: يا رسول الله
الرجل يتوضأ
للصلاة ثم يقبل المرأة أو يلاعبها، أينقض ذلك وضوءه؟ قال:
لا " (1) . ذكره
الإسماعيلي في جمعه من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة
بن عبد
للرحمن،/عن أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان يقبلها وهو
صائم ثم لا يفطر ولا يحدث وضوءا " (2) . رواه من جهة يزيد
بن سنان أبو
فروة الرهاوي قال فيه أحمد وعلي والدارقطني: ضعيف، وقال
النسائي:
متروك عن الأوزاعي عن يحيى، ولما ذكره أبو القاسم في
الأوسط قال. لم
يروه عن الأوزاعي- إلا يزيد بن سنان. تفرد به سعيد بن يحيى
الأموي عن أبيه.
وقد تقدم حديث حفصة من كتاب الدارقطني، وحديث عمرو بن
العاص
من عند البيهقي، وقوله؛ ولأنه لم يرو عن عائشة من حديث
حبيب وعبد
للكريم أيضا نظر؛ لما أسلفناه والله تعالى أعلم.
وفي كتاب التمهيد: روى عن عمر بن الخطاب بإسناد صحيح ثابت
أنه
" كان يقبل امرأته ويصلي قبل أن يتوضأ " (3) . وروى
الدارقطني عن ابن أخي
ابن شهاب عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر قال: "
القبلة من اللمم
فتوضأ منها "، وهو وهم عندهم وخطأ، لا حفاظ أصحاب ابن شهاب
يجعلونه عن ابن عمر ولا عن عمر، وذكر إسماعيل بن إسحاق أن
مذهب
عمر بن للخطاب في الجنب لا يتهم (4) . ويدل على أنه كان
يرى الملامسة ما
دون للجماع كمذهب ابن مسعود، فإن صح عن عمر ما قاله
إسماعيل بين
الخلاف في القبلة عنه، والله أعلم، وصحح الحاكم ذلك عن عمر
في مسنده
وله والبيهقي في كتاب الخلافيات قال أبو عمر: وأما ابن
مسعود فإنه يختلف
عنه أن اللمس ما دون الجماع، وأن الوضوء واجب على من قبّل
امرأته
كمذهب ابن عمر سواء هو ثابت عن ابن عمر من وجوه، وممن رأى
الوضوء
__________
(1) موضوع. ابن القيسراني (1059) .
(2) تقدم من أحاديث الباب.
(3) تقدم من أحاديث الباب.
(4) كذا ورد " بالأصل ".
(1/503)
في القبلة من التابعين: عبيدة السلمان وابن
المسيب وحماد والبيهقي في المعرفة،
وعن ابن مسعود أيضا من طريق شعبة عن مخارق عن طارق بن شهاب
عنه،
قال: وهذا الإسناد/ صحيح موصول. قاله أبو عمر والنخعي
ومكحول
الدمشقي وابن شهاب وزيد بن أسلم وسعيد بن عبد العزيز ويحيى
الأنصاري
وسعيد بن أبي عبد الرحمن ومالك وأصحابه، وهو قول جمهور أهل
المدينة
والشافعي وأحمد وإسحاق، وأما الذين ذهبوا إلى أن اللمس هو
الجماع؛ فعبد
الله بن عباس وعائشة- فيما ذكره في الأسرار- ومسروق والحسن
وعطاء بن
أبي رباح وطاوس اليماني وعبيد بن عمير، وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه
والثوري وسائر الكوفيين إلا ابن أخي، ورووا عن علي بن أبي
طالب مثل
ذلك، واختلف في ذلك عن الأوزاعي، والحجة لأصحابنا أن إطلاق
الملامسة
لا يعرف العرب منها إلا اللمس باليد قال الله تعالى:
(فلمسوه
بأيديهم) (1) . وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
اليدان تزنيان وزناهما اللمس " (2) ، وفيه مع
الملامسة، وهو لمس الثوب باليد وحديث ابن عباس: " لعلك
مسست "، وفي
المستدرك عن عائشة: " كان يقبّل ما دون الوقاع ". قال أبو
عمر: وقد قرنت
الآية: (أو لامستم النساء) (3) وذلك يفيد اللمس باليد،
وحمل الظاهر
والعموم على التصريح على الكناية، وقد روى عبد الملك بن
عمير عن ابن أبيِ
ليلى عن معاذ قال: " أتى رجل النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله عن رجل أتى امرأة لا تحل
له، فأصاب منها ما يصيب الرجل من امرأته إلا الجماع، فقال-
عليه السلام-
: توضأ وضوءا حسنا " (4) . فأمره بالوضوء لما قال منها دون
الجماع- والله
أعلم- انتهى كلامه. وفي استدلاله بحديث معاذ نظر؛ لأن آخره
تبين أن
__________
(1) سورة الأنعام آية: 7.
(2) صحيح. رواه أحمد (2/343، 411، 528. 535) والطبراني
(10/192) وإتحاف
(7/434) وحبيب (2/55) .
(3) سورة النساء آية: 43.
(4) ضعيف. رواه البيهقي (1/125) والمنثور (3/352) ومسير
(4/166) ونصب الراية
(1/70) وابن كثير (2/277، 4/288) والطبري (12/81)
والدارقطني (1/134)
والحميدي (181) والترمذي (4/128- التحفة) والحاكم (1/135)
.
(1/504)
المقصود بالوضوء الصلاة لأجل التكفيل لا
لأجل اللمس، بين ذلك لسوقه من
كتابي الدارقطني والبيهقي قد علم أنه في كتاب المستدرك،
وهو منقطع فيما
بين عبد الرحمن بن أبي ليلى ومعاذ أن رجلا قال: يا رسول
الله ما تقول في
رجل أصاب من امرأة لا تحل له، فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من
امرأته/الا
قد أصابه منها، الا أنه لم يجامعها؟ فقال: " توضأ وضوءا
حسنا ثم قم
فصل، فأنزل الله تعالى: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من
الليل
الآية، فقال معاذ: أهي خاصة له أم للمسلمين عامة؟ فقال: "
بل للمسلمين
عامة "، وأما قوله: إطلاق الملامسة لا يعرف العرب منها الا
اللمس باليد ففيه
نظر؛ لما علمه أئمة اللغة أبو عمرو بن العلاء وابن السكيت
والفارابي وابن دريد
والجوهري والبطليوسي والمبرد وصاعد وابن القوطية وابن
القطاع وابن سبرة
والفراء وابن الأعرابي وثعلب وابن الأنباري وأبو عبيد بن
سلام والعسكري
والخطابي والأزهري والهروي وابن حيي وابن قتيبة والقزاز
والتبريزي وأبو عبيدة
معمر بن المثني وغيرهم، وفي كتاب الأشراف: وقال عطاء: ان
قبل حلالا
فلا إعادة عليه، وإن قبل حراما أعاد الوضوء فتعين، ولما
ذكر ابن حزم حديث
عائشة قال: لو صح لما كانت لهم فيه حجة؛ لأن معناه منسوخ
فتعين؛ لأنه
موافق لما كان عليه الناس من قبل نزول الآية، ووردت الآية
بشرع زائد لا
يجوز تركه ولا تخصيصه، فإن احتجوا بحديثها الصحيح: "
التمست النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الليل فوقعت يدي على
باطن قدمه وهو ساجد ". فلا حجة لهم
فيه؛ لأن الوضوء إنما هو على القاصد، واللمس لا على
الملموس من دون أن
يقصد هو إلى أصل الملامسة لأنه لم يلامس، فأيضا فليس فيه
أنه كان في
صلاة وقد سجد المسلم من غير صلاة، وحتى لو صحّ أنه كان في
صلاة،
__________
- قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بمتصل، عبد الرحمن بن
أبي ليلى لم يسمع من
معاذ ابن جبل، ومعاذ مات في خلافة عمر، وقتل عمر وعبد
الرحمن بن أبي ليلى غلام صغير
ابن ست سنين، وقد روى عن عمر ورآه. وروى شعبة هذا الحديث
عن عبد الملك بن عمير
عن عبد للرحمن بن أبي ليلى عن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا ".
وبهذا أعله البيهقي، فقال عقبة: " وفيه إرسال عبد الرحمن
بن أبي ليلى لم يدرك معاذ ابن
جبل ".
(1/505)
وهذا مالا يصح فليس في الخبر أنه لم ينقض
وضوءه ولا أنّه صلى صلاة
مسابقة دون تجديد وضوء ثم لو صح أنه كان في صلاة وصح تأديه
عليها
وأنه صلى غيرها دون تجديد وضوء- وهذا كله لا يصح أبدا-
فإنه كأن
يكون في هذا الخبر موافقا للحال التي كان الناس عليها قبل
الآية بلا شك،
وكذا حديث صلاته وهو حامل أمامة؛ لأنه ليس فيه نص أن يديها
ورجليها
مست شيئا من بشرته- عليه السلام-/إذ قد يكون موشحة بقفازين
أو
جوربين أو يكون تقريبا شائعا، وهو الأولى أن يظن مثلها
محضر الرجال، وإذا
لم يكن ما ذكرنا في الحديث فلا يحل لأحد أن يزيد فيه ما
ليس منه؛ فيكون
كاذبا، وإذا كان ما ظنوا ليس في الخبر وما قلنا ممكنا، أو
الذي لا يمكن غيره
بطل تعلّقهم به، والله تعالى أعلم.
40- باب الوضوء من المذي
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا هشيم عن يزيد عن أبي زياد
عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي: سئل رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المذي فقال:
" فيه الوضوء، وفي المني الغسل " (1) .
هذا حديث أصله في الصحيحين من حديث ابن الحنفية عن أبيه،
وخرجه
أبو عيسى عن محمد بن عمرو السواق البلخي ثنا هشيم وثنا
محمود بن
غيلان ثنا حسين الجعفي عن زائدة كلاهما عن يزيد بن أبي
زياد وقال: هذا
حديث حسن صحيح. ورواه الطبراني في الأوسط من حديث إسماعيل
بن
عمرو ثنا زائدة عن حصين بن عبد الرحمن عن حصين بن قبيصة عن
علي:
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (ح/1/45، 56) والترمذي (ح/121)
وابن ماجة (ح/504)
والنسائي (1/96، 97، 214) وأحمد في " للسند " (1/82، 108،
111) والبيهقي
في " الكبرى " (1/115) وابن خزيمة (19، 291) وعبد الرزاق
(604) والمنثور (1/285)
وشرح السنة (1/330) ومشكل (3/294، 295، 296) والكنز (4252،
27055)
ومعاني (1/46، 47) .
قوله: " المذي ": ماء رقيق يخرج عند الملاعبة والتقبيل،
عادة.
(1/506)
" كنت رجلا مذاء " فسألت النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (1) ، ثم قال: لم يروه عن
حصين
إلا زائدة تفرد به إسماعيل، ومن طريق زائدة رواه أبو عبد
الرحمن، قال أبو
القاسم: ورواه غير إسماعيل عن أبي حصين عن حصين بن قبيصة،
وخرجه
عن أبي داود الحافظان ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما من
حديث
عبيدة بن حميد عن الركين بن الربيع عن حصين عنه بلفظ: "
فذكر ذلك
للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو ذكر له ".
وانفرد ابن حبان بحديث أبي عبد الرحمن عن
علي: " كنت رجلا مذاء فسألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فقال: " إذا رأيت الماء فاغسل
ذكرك ... " الحديث، ولما ذكر المنذري حديث أبي داود اتبعه
قول الترمذي
حسن صحيح/.
وقد قدمنا ذلك في حديث الترمذي، قال ذلك في حديث يزيد لا
هذا
ولم يخرجه في كتابه، إنما هو عند أبي عبد الرحمن وأبي داود
فقط، وأغفل
ذكر ابن ماجة ولا ينبغي له ذلك، ولما ذكر الإشبيلي حديث
حصين سكت
عنه إلا ما أبرز من ذكر حصين، ويعقب ذلك ابن القطان عليه
بقوله: حصين
من أهل الكوفة، روى عن علي وابن مسعود، وروى عنه الركن
والقاسم بن
عبد الرحمن ولا يعرف حاله، واعترض فيه عن عبيدة بن حميد
فلم يعلمه به
ولا بين كونه من روايته، وأصاب في ذلك، وإنما أخطأ حين ضعف
من أجله
حديث ابن مسعود: " كانت صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الشتاء ... " (2) الحديث
وعلى تضعيفه ذلك من أجل عبيدة كان يلزمه في هذا أن ينبه
على كونه من
روايته، وإذ لم يفعل فقد أخطأ، والله أعلم. انتهى.
حصين روى عنه أيضا حصين أبو حصين المذكور، ووثقه ابن حبان
تذكرة
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/207) والنسائي (1/97) وابن ماجة
(ح/505) وعبد الرزاق
(ح/600) والموطأ (ص/40، 215) وشفع (49) والكنز (27071)
وأحمد في " المسند "
(4/6) والشافعي في " المسند " (ح/12) .
(2) ضعيف. رواه أحمد في " المسند ": (3/135، 60) بلفظ: "
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يصلي في الشتاء ... ".
(1/507)
له في كتاب الثقات، وفيما أسلفناه من
توثيقه عند من صحح حديثه، وقال
أبو سعد: هو من أسد بن خزيمة بن مدركة، وروى أيضاً عن
سلمان؛ فزال-
بحمد الله- ما أعله به أبو الحسن، قال الدارقطني: ورواه
أبو عبيدة أيضا عن
الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
عن علي،
ولم يتابع على هذا القول وهو من الحفاظ، وقال في الأفراد:
غريب من
حديث الحجاج بن حجاج عن الأعمش. تفرد به إبراهيم بن طهمان
عنه، ومن
قال في هذا الحديث: عن الحجاج عن سلمان بن المنذر، فقد وهم
وهما
قبيحا، وأمّا تصحيح الترمذي حديث يزيد ففيه نظر؛ لما علم
من اختلاف
نظره فيه؛ فتارة يصحح حديثه وتارة يحسنه وتارة يُضعفه،
وإذا صحح حديثا
استدركه عليه، اللهم إلا أن يكون تصحيحه حديثه بالنظر لما
عضده من
متابعات وشواهد وغير ذلك، وقد تقدم ما للناس من الكلام في
يزيد/.
حدثنا محمد بن بشار ثنا عثمان بن عمر ثنا مالك بن أنس عن
سالم أبيِ
النضر عن سلمان بن يسار عن المقداد بن الأسود أنه سأل
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن
الرجل يدنو من امرأته فلا ينزل قال: " إذا وجد أحدكم ذلك
فلينضح
فرجه " (1) . يعني: يغسله ويتوضأ، هذا حديث خرجه ابن خزيمة
في صحيحه
فقال: ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه،
ولفظه: يسأل
عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه، فإن
عندي ابنة رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أستحي أن
أسأله، قال المقداد: فسألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عن ذلك
فقال: " إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه
للصلاة ".
ونحوه ذكره ابن الجارود في منتقاه وابن حبان في صحيحه،
وقال إثره:
مات المقداد بالحرن سنة ثلاث وثلاثين، ومات سليمان بن يسار
سنة تسع
وتسعين، وقد سمع سليمان من المقداد وهو ابن دون عشر سنين،
وقال أبو
عمر: ورواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن
عباس أنه سمع
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/207) والنسائي (1/97) وابن
ماجة (ح/505) وعبد
الرزاق (ح/600) والموطأ (ص/40، 215) وشفع (49) والكنز
(27071) وأحمد في
" المسند " (4/6) والشافعي في " المسند " (ح/12) .
(1/508)
عليا بالكوفة، قال: وقد خولف في ذلك عمرو،
والحديث صحيح ثابت عند
أهل العلم، وله طرق شتى عن علي والمقداد وعمار، وكلّها
صحاح حسان،
أحسنها ما ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قيل لعطاء:
أرأيت المذي
أكنت ماسحه مسحا قال: لا، المذي أشد من البول. أخبرني عايش
بن أنس
أخو بني سعد بن ليث، قال: تذاكر علي وعمار والمقداد المذي
فقال علي:
إني رجل مذاء، فسلا عن ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قال عايش: فسأله أحد الرجلين-
عمارا والمقداد- وقال عطاء: قد سمع عايش ونسيته. وذكره ابن
حزم
مصححا له- أعنى الحديث الأول- وأبي ذلك الحافظ أبو بكر
البيهقي بقوله:
هكذا رواه أبو النضر عن سليمان، ورواه بكير بن عبد الله
الأشج عن سليمان
عن ابن عباس موصولا / أنبأ به أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو
بكر بن جعفر ثنا
عبد الله بن أحمد ثنا أحمد بن عيسى ثنا ابن وهب أخبرني
مخرمة بن بكير
عن أبيه، فذكره. انتهى كلامه. وفيه نظر في موضعين:
الأول: حكمه على حديث مخرمة بالاتصال، وليس كذلك، وإن كان
مسلم- رحمه الله تعالى- قد خرجه في صحيحه. نص على ذلك أبو
عبد
الرحمن في كتاب المراسيل فقال: ثنا عبد الله بن أحمد فيما
كتب به أبي ثنا
حماد بن خالد عن مخرمة قال: لم يسمع من أبي شيئا نا محمد
بن محمومة
قال: سمعت أبا طالب قال: سألته يعني: أحمد عن مخرمة قال:
هو ثقة لم
يسمع من أبيه شيئا، إنما روى من كتاب أبيه ثنا علي بن
الحسن ثنا سعيد بن
أبي مريم أنبأنا موسى ابن سلمة خالي قال: أتيت مخرمة بن
بكير قلت:
حدثك أبوك؟ قال: لم أدرك أبي، ولكن هذه كتبه، وقد انتقد
الحافظ أبو
الحسن البغدادي على مسلم إخراجه هذه الترجمة، والله أعلم.
الثاني: ما ذكر من انقطاع حديث سليمان، وليس هو بأبي عذرة
هذا
القول، لتقدم الإمام الشافعي بذلك بقوله: سلمان عن المقداد
مرسل، لا نعلم
سمع منه شيئا، وتبعه على ذلك الحافظ أبو الوليد الدمشقي
وغيره، فغير
صحيح لما أسلفناه قبل، والمثبت مقدم على النافي؛ لا سيما
مع بيان وجه
ذلك وسببه، وأما قول أبي عمر: رواية يحيى عن مالك في هذا
الحديث:
" فلينضح فرجه وليتوضأ ". وفي رواية ابن بكير والقعنبي
وابن وهب
(1/509)
وسائرهم: " فليغسل فرجه وليتوضأ وضوءه
للصلاة ". وهذا هو الصحيح،
وقد رواه عبد الرزاق عن مالك كما رواه يحيى: " ولينضح فرجه
". ولو
صحت (1) رواية يحيى ومن تابعه كانت مجملة يفسرها رواية
غيره؛ لأن
النّضح يكون في لسان العرب مرة الغسل ومرة الرش انتهى ما
ذكره. وفيه
نظر؛ لما تقدم من حديث الباب عن عثمان بن عمر عن مالك
بلفظ:/
" ولينضح فرجه "، وكذلك رواه أبو داود (2) في سننه من حديث
القعنبي،
وذكر الدارقطني في كتاب أحاديث الموطأ أن أبا مصعب وأحمد
بن إسماعيل
المدني وابن وهب ومعن القزاز وعبد الله بن يوسف ويحيى بن
بكر الشافعي
وابن القاسم وعتبة بن عبد الله وأبا علي الحنفي وإسحاق بن
عيسى والقاسم بن
يزيد رووه عن مالك بلفظ: " فلينضح "، إلا ابن وهب؛ فإن في
بعض
ألفاظه: " فليغسل " فلو عكس أبو عمر قوله لكان مصيبا،
والله تعالى أعلم.
وفي مسند أحمد من حديث هانئ بن هانئ عن علي: " كنت رجلا
مذاء فأمر ابن المقداد، فسأل النبي، فضحك وقال: فيه وضوء "
وفي رواية
لأبي داود من طريق ابن العبد نا القعنبي عن هشام بن عروة
عن ابن فضالة
والثوري وابن عيينة عن هشام عن أبيه عن علي ثنا أحمد بن
يونس ثنا أبي
عن هشام عن أبيه أن عليا، قال أبو داود: (3) ورواه الثوري
وجماعة عن هشام
عن أبيه عن المقداد عن علي وفيه: " فليغسل ذكره وأنثييه ".
ورد أبو محمد
المنذري هذا الحديث بقوله: قال أبو حاتم: عروة عن علي مرسل
وفيه نظر في
موضعين:
الأول: أن هذا بعينه ذكره أبو داود نفسه في كتاب التفرّد
بقوله: وحديث
هشام عن أبيه عن علي ليس بمتصل، إلا أن أبي إسحاق قال: عن
عروة عن
__________
(1) قوله: " صحت " وردت " بالأصل ": " فمعنى "، وهو تصحيف،
والصحيح ما أثبتناه.
(2) حسن. رواه أبو داود " في: 1- كتاب الوضوء، 82- باب في
المذي (ح/209) .
(3) ضعيف. رواه أبو داود في: 1- كتاب الوضوء، 82- باب في
المذي، (ح/208) . قال أبو داود: وروى الثوري وجماعة عن
هشام، عن أبيه، عن المقداد، عن علي، عن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قلت: إسناده منقطع، وهذه علة للضعف.
(1/510)
المقداد عن علي. انتهى. فهو وإن كان لم
يسمعه من علي كان متصلا بوساطة
المقداد، كما ذكره أبو داود.
الثاني: لا حاجة ثنا أبي إلى ذكر قول أبي حاتم عن عروة عن
علي مرسل؛
لكونه صحيح في نفس السند بالانقطاع بقوله: حدثه عن علي،
وخرجه
الكجي عن حجاج، ثنا حماد عن قتادة عن الحسن عن المقداد أنه
سأل النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المذي فقال: " كل
فحل يمذي، وليس فيه إلا الطهور " (1) .
وقد اختلف ألفاظ حديث علي- رضي الله عنه- فذكر ابن حبان
بعد
تصحيحه حديثا/ المقداد وعمار أنّ عليا أمرهما، وحديث أبي
عبد الرحمن أنه
هو السائل، فقد يتوهم بعض المستمعين لهذه الأخبار أن بينها
تضاربا، وليس
كذلك؛ لأنّه يحتمل أن يكون علي أمر عمار أن يسأل فسأله، ثم
أمر المقداد
أن يسأل فسأله، ثم سأل هو بنفسه، والدليل على صحة ما ذكرت
أن متن
كل خبر بخلاف متن الخبر الآخر؛ ففي خبر أبي عبد الرحمن: "
إذا رأيت
الماء فاغسل ذكرك وتوضأ؛ وإذا رأيت المني فاغتسل " (2) ،
وفي خبر إياس بن
خليفة عن عمار: " يغسل مذاكيره ويتوضأ " (3) ، ليس فيه ذكر
المني، وخبر
المقداد متتابعين، وفيه أنه ليس السؤالين الذين ذكراهما؛
لأن فيه: سأل عن
الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ فإنّ
عندي أثبته فذلك ما
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/211) بلفظ: حدثنا إبراهيم بن
موسى، أخبرنا عبد الله بن وهب، ثنا
معاوية- يعني: ابن صالح- عن العلاء بن الحرث، عن حزام بن
حكيم، عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري، قال: سألت رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما يوجب الغسل،
وعن الماء يكون بعد الماء، فقال: " ذاك المذي، وكل فحل
يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة"
وأحمد (4/342) والموضح (1/109) والتاريخ الكبير (5/29)
والمجمع (1/284) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " من
رواية عطاء بن عجلان، وقد أجمعوا على ضعفه.
(2) صحيح. رواه النسائي (1/111) وأبو داود (206) والبيهقي
(1/167، 169) وابن خزيمة (20)
وابن حبان (ح/241) . بلفظ: " إذا رأيت المذي فاغسل
ذكرك.... " الحديث.
وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه النسائي (1/96، 97) وابن حبان (239)
والطبراني (4/340) ومشكل
(3/293) والعقيلي (1/33) ومعاني (1/45) .
(1/511)
وصفنا على أن هذه أسئلة متباينة في مواضع
مختلفة لعلل موجودة- والله
تعالى أعلم- انتهى الذي قاله بطريق الاحتمال. تقدم من عند
ابن عمر شيئا،
وقد ورد في بعض الألفاظ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هو السائل له. جاء ذلك مبينا في
حديث حسن الإسناد عن المسند المعتمر أبي زكريا محيي بن
يوسف المقدسي
عن وكيع: أخبرنا الحافظ أبو طاهر البغوي- رحمه الله- قراءة
عليه وأنا أسمع
في رمضان سنة أربع وسبعين وخمسمائة. أنا أبو الحسن المبارك
بن عبد الجبار
قراءة عليه وأنا أسمع، أخبرنا القاضي أبو عبد الله بن
هرمان، أنا القاضي أبو
محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خالد والرامهرمزي ثنا الحسن
بن علي قاضي
الأهواز، نا محمد بن علي الوراق، ثنا أبو نعيم، ثنا وزام
الضبي قال: سألت
جوابا التيمي عن المذي فقال: سألت منه أبا إبراهيم يزيد بن
شريك فألجأ
الحديث إلى علي، وألجأ علي الحديث إلى النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " رآني النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سحبت فقال لي: يا
علي لقد سحبت، قلت: سحبت/من اغتسال
الماء، وأنا رجل مذاء، فإذا رأيت منه شيئا اغتسلت، قال: لا
تغتسل منه يا
علي ... " (1) الحديث.
فعلى هذا وكف يده على ما في مسند أحمد عن عبد الله قال:
حدثني أبو
محمد بن شيبان ثنا عبد العزيز بن مسلم نا يزيد بين أبي
زياد عن عبد الرحمن بن
أبي ليلى عن علي قال: " كنت رجلا مذاء في فسألني رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: في
المذي الوضوء- وفي المني الغسل " (2) ، ويحتمل أن يكون لما
بعثني ليسأل رآه-
عليه الصلاة والسلام- ساحبا ونزل علي- رضي الله عنه- جوابه
عن ذلك بمنزلة
السؤال ابتداء على طريق التجوز، والله تعالى أعلم.
وأما رواية سعيد بن بشر عن محمد بن عبد الرحمن عن الأعمش
عن
يحيى بن الجرار عن علي أمر المقداد؛ فخطأ. قال ذلك ابن أبي
حاتم عن أبيه.
__________
(1) صحيح. أنظر: الكنز (27341) وجرجان (174) .
(2) صحيح. رواه أحمد (1/110، 112، 121) وابن عدي في "
الكامل " (3/1122) .
(1/512)
وفي السنن الكبير من جهة ابن جريج عن عطاء:
" أنّ عليّا كان يدخل في
إحليله القبلة من كثرة المذي ".
حدثنا أبو كريب ثنا عبد الله بن المبارك وعبدة بن سليمان
عن محمد بن
إسحاق ثنا سعيد بن عبيد بن السباق عن أبيه عن سهل بن حنيف
قال:
كنت ألقى من المذي شدة فأكثر منه الاغتسال: فسألت رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:
" إنما يجزيك من ذلك الوضوء "، قلت: يا رسول الله كيف بما
يصيب ثوبي؟
قال: " إنما يكفيك كف من ماء، فتنضح به عن ثوبك حيث ترى
أنه أصابه ".
هذا حديث خرجه الحافظ البستي في صحيحه (1) عن أبي يعلى:
ثنا إسماعيل بن
إبراهيم ثنا ابن إسحاق، وخرجه ابن خزيمة عن يعقوب بن
إبراهيم ثنا ابن علية وثنا
محمد بن أبان ثنا ابن أبي عدي عن ابن إسحاق، وخرجه ابن حزم
مصححا له، وقال أبو
عيسى (2) : هذا حديث حسن صحيح ولا نعرفه مثل هذا إلا من
حديث ابن إسحاق،
وفي مسائل حرب: " أرأيت ما يصيب ثيابي منه؟ قال: يعد إلي
كف من ماء "، وفي
كتاب الأثرم: " كنت ألقى من المذي عناء/فقال: يحزنك أن
تأخذ حفنة من ماء فترش
عليه؟ "، وقال: قلت لأبي عبد الله: ما تقول فيه: قال: لا
أعلم شيئا يخالفه، وأخبر به
محمد بن شداد أنه سمع أبا عبد الله يقول: لو كان غير ابن
إسحاق، وقال صالح: قال
أبي: حدثنا ابن إسحاق، لا أعرفه عن غيره ولا أحكم لابن
إسحاق، وفي كتاب
الخلال: سئل أبو عبد الله عن المذي يصيب الثوب، كيف العمل
فيه؟ قال: الغسل ليس
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/506) والطبراني (6/106) وابن
أبي شيبة (1/83) وابن
حبان (2/216) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 84- باب ما جاء
في المذي يصيب الثوب،
(ح/115) . وقال: " هذا حديث حسن صحيح، ولا نعرفه إلا من
حديث محمد بن
إسحاق في المذي مثل هذا ".
ورواه أحمد (3/485) والدارمي (1/184) وأبو داود (1/84- 85)
وابن ماجة (1/94)
وفي كل هذه الروايات- ما عدا الدارمي- صرح ابن إسحاق
بسماعه من سعيد بن عبيد.
وقد اختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب؛ فقال بعضهم: لا
يُجزيء ألا الغسل، وهو
قول الشافعي، وإسحاق، وقال بعضهم: يجزئه النضح.
وقال أحمد: أرجو أن يجزئه النضح بالماء.
(1/513)
في القلب منه شيء، حدثنا محمد بن إسحاق.
انتهى كلامه. وفيه نظر؛ لما ذكره أبو
القاسم في الأوسط من حديث إدريس بن محمد بن أبي الريان
الرملي ثنا أسباط بن عبد
الواحد بن العلاء بن هارون يعني: الذي عند أبي زرعة وابن
حبان- ثنا سعيد به وقال:
لم يروه عن العلاء إلا أسباط. تفرد به إدريس. حدثنا أبو
بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن
بشر ثنا مسعر عن مصعب بن أبي شيبة عن أبي حبيب بن يعلى بن
منبه عن ابن عباس أنّه
أتى أبي بن كعب ومعه عمر فخرج عليهما فقال: إني وجدت مذيا
فغسلت ذكري
وتوضأت فقال عمر: أو يجزئ ذلك؟ قال: نعم، قال: أسمعته من
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قال: نعم. هذا حديث قال أبو القاسم في الأوسط، لم يروه عن
مسعد عن مصعب إلا
محمد بن بشر- يعني: العبدي المخرج حديثه في الصحيحين- وأبو
حبيب ذكره أبو
حاتم في كتاب الثقات فصح على هذا إسناده؛ ولهذا ساغ للشيخ
ضياء الدين تخريجه
في المختارة، والله أعلم.
وفى الباب غير ما حديث فمن ذلك حديث عبد الله بن سعد
الأنصاري
قال: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء
فقال: " ذاك المذي، وكل فحل يمذي فاغسل من ذلك فرجك
وأنثييك
وتوضأ وضوءك للصلاة ". رواه أبو داود (1) عن إبراهيم من
موسى عن ان
وهب عن معاوية/بن صالح عن العلاء بن الحرث عن حرام بن حكيم
عن
عمه عبد الله بن سعدويه، ولما ذكره في التفرد مطولا الذي
تفرد به منه قوله:
" وأنثييك وروى ابن العلاء بن الحرث عند ابن ماجة (2) بهذا
السند قصة
مؤاكلة الحائض في موضعين، ليس منها ذكر المذي، وكذلك
الترمذي (3)
وقال: حديث حسن صحيح، وفي بعض النسخ حسن غريب، وخرجه ابن
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 82- باب في
المذي (ح/211) .
(2) قلت: ومن هذين الموضعين: هذا الموضع في سن ابن ماجة:
حدثنا أبو بشر، بكر بن
خلف، ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح، عن العلاء
بن الحارث، عن حرام بن
حكيم، عن عمه عبد الله بن سعد، قال: " سألت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مؤاكلة الحائض،
فقال: واكلها ".
(3) في: 1- كتاب الطهارة، 130- باب في مؤاكلة الحائض
(ح/651) .
ورواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 100- باب في مؤاكلة
الحائض وسؤرها (ح/133) .
وقال: هذا حديث حسن غريب، وهو قول عامة أهل العلم: لم يرو
بمؤاكلة الحائض بأسا.
(1/514)
الجارود في منتقاه، واعترض الإشبيلي حين
ذكره من عند أبي داود بقوله: لا
يصح غسل الأنثيين، ولا نحتج بهذا الإسناد، يعني: متابعة
لابن حزم حيث
قال فيه: غريب وحرم ضعيف. قاله من عند نفسه ولم يعزه، وقال
ابن
القطان: هو كما قال، ولكن بقى عليه أن يُبيّن منه موضع
العلة، وهو الجهل
بحال حرام بن حكيم الدمشقي، وإذا جعلناه علة للخبر فقد ثنا
قصة فيه؛
وذلك أن أبا محمد لا يزال يقبل أحاديث المسانيد الذين يروى
عن أحدهم
أكثر من واحد، وحرام هذا يروى عنه مع العلاء عبد الله بن
العلاء وزيد بن
واقدة. قاله أبو حاتم وترجم باسمه ابنه ابن محمد بعد ترجمة
أخرى ذكر فيها
حرام بن معاوية، وروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مرسلا، وروى عن عمر فروى معمر
عن زيد بن رفيع عنه وروى عبيد الله بن عمر وعن زيد بن رفيع
فقال: عن
حرام بن حكيم بن حرام قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول ذلك
فجعلهما
كما ترى رجلين، وتبع في ذلك البخاري، وزعم الخطيب أنّ
البخاري وهم
في ذلك ومن أنه رجل واحد يختلف على معاوية بن صالح في اسم
أبيه،
وممن عمل فيه عمل البخاري وابن أبي حاتم الدارقطني- رحمهم
الله تعالى-
انتهى كلامه. وفيه نظر في موضعين:
الأول: كونه الجنابة برأس حرام بن حكيم بن خالد بن سعد بن
حكيم
الأنصاري ويقال: العسيس، ويقال: العنسي، قال ابن عساكر:
روى/عن
أبي هريرة وعمه وأبي ذر وأنس بن مالك وأبي مسلم الخولاني
ونافع بن
محمود بن ربيعة، وروى عنه العلاء بن الحرث وزيد بن واقد
وعبد الله بن
العلاء بن زيد وبشر بن العلاء ومحمد بن عبد الله بن مهاجر
وزيد بن رافع
وعتبة بن أبي الحكم، قال العجلي: هو ثقة، وذكره فيهم أيضا
بن حبان،
وروى له البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام، ومن كان بهذه
المثابة لا
يكون علّة لحديث، ويكون القول فيه ما قاله الترمذي الذي لم
يروياه- والله
أعلم-. وأما قول أبي محمد في باب الحيض: حرام ضعيف، فلا
أدري من
أين جاء تضعيفه؟! ذكر ذلك بعض الحفاظ المتأخرين، ولو رأى
ما أسلفناه قبل
لم يقل ذلك، والله تعالى أعلم.
الثاني: متابعة عبد الحق في قوله: لا يصح غسل الأنثيين،
وذلك أنّا ما
قدّمنا قبل من عند أبي داود مخالف في لفظه على غيره، وإن
كان المنذري
(1/515)
والخزرجي قد ذكرا انقطاعه فقد قدّمنا،
وأيضا معنى حديث سليمان بن حبان
عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن
علي،
وفيه: فقال عليه السلام: " يغسل أنثييه وذكره، ويتوضأ
وضوءه للصلاة ".
ذكره الحافظ أبو عوانة (1) يعقوب بن إسحاق- رحمه الله-
والحافظ ضياء
الدين المقدسي في صحيحيهما، وفيه رد لما قاله الإِمام أحمد
لما سأله أبو داود
قال: غسل الأنثيين إلا هشام بن عروة في حديثه، وأما
الأحاديث كلها فليس
فيها هذا. وحديث حسان بن عبد الرحمن الضبعي قال عليه
السلام: " لو
اغتسلتم من المذي كان أشد عليكم من الحيض ". ذكره أبو موسى
في كتاب
الصحابة (2) بسند جيد. وحديث رافع بن حديج: أنّ عليا أمر
عمارا أن يسأل
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المذي وقال: "
يغسل مذاكيره ويتوضأ ". ذكره ابن حبان في
صحيحه (3) ، وإن كان الإِمام أحمد قال- فيما ذكره البيهقي
في المعرفة-
حديث المقداد/أصح، فليس فيه تضعيفه- والله أعلم-، وحديث
ابن عباس:
أن رجلا قال: يا رسول الله إني كلما توضأت سال. فقال: "
إذا توضأت
فسال من قرنك إلى قدمك فلا وضوء عليك ". ذكره الدارقطني
(4) وقال: لا
يصح، خرجه ابن أبي كثير- يعني: مرفوعا- في غسل الفرج من
المذي.
ذكره أبو القاسم في الأوسط وقال: لم يروه عن مسعر يعني عن
مصعب بن
شيبة عن أبي حبيب عن يعلى بن أمية عن ابن عباس عنه إلا
محمد بن بشر
الغريب. قال الآمدي: مذيت وأمذيت، وهو المذي والمني والودي
مشدّدان،
قال أبو عبيد وغيره: تخفيف المذي والودي قال: والصواب
عندنا أن المني
وحده بالتشديد والآخران بالتخفيف، قال ابن دريد: هو ما خرج
عند
__________
(1) صحيح. رواه أبو عوانة: (1/273) .
(2) كتاب الصحابة بسند جيد.
(3) صحيح. رواه ابن حبان (239) والنسائي (1/96، 97)
والطبراني (4/340) ومشكل
(3/293) والعقيلي (1/33) وشرح معاني الآثار (1/45) .
(4) ضعيف. رواه الدارقطني (1/159) والبيهقي (1/357)
والعقيلي (3/35) والمجمع (1/
247) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "، وفيه عبد الملك بن
مهران، قال العقيلي: صاحب
مناكير. وقد بوب لهذا الحديث الهيثمي فقال: " باب فيمن
يكون به البواسير ".
(1/516)
الالتقاء، وربما شدد، واختلفت النسخ من
كتاب العين في الودي ففي بعضها
مشدد، وفي بعضها مخفف، وقال صاحب الصحاح: المذي بالتسكين
فقال:
كل ذكر مذي، وكل أنثى ودي، وبنحوه ذكره الفراء، وقال: ولم
يسمع في
المني- يعني العين-، قال أبو الحسن: الصواب عندي أن يكون
المني وحده
مشدّدا والآخران مخففين، وفي الحديث: " المذاء من الثقات
"، هو أن
يكون الرجل يجمع الرجال والنساء فيماذي بعضهم مذاء ومماذأة
وأمذيت
فرسى، وهو أن عليه يدعى فيجوز أن يكون المذاء من هذا كأنه
تحلية الرجل
امرأته لما تريد من الحرام، قال الهروي: هو أدق ما يكون من
النطفة، وفي
الاستذكار عن مالك: وهو عندنا أشد من الودي؛ لأنّ الفرج
يغسل من المذي
والودي عندنا كذلك البول قال: فليس على الرجل أن يغسل منه
أنثييه اللذان
يظن أنه قد أصابهما منه شيء، قال: والودي يكون من الحمام
يأتي أثر البول
أبيض خائر، قال: والمذي يكون معه شهوة وهو رقيق إلى
الصفرة، ويكون
عند الملاعبة وعند حدوث الشهوة. انتهى.
قد أسلفنا أن حديث غسل الأنثيين صحيح، والتصحيح هنا المراد
به الرش.
جاء ذلك مبيّنا/فيما أسلفناه من حديث سهل، والله أعلم. قال
ابن المنذر:
وأوجب غسله من البدن جماعة من الصحابة، وهو مذهب مالك
والشافعي
وكثير من أهل العلم غير أحمد بن حنبل فإنه قال: أرجو أن
يجزئه النضح،
والغسل أحب إليّ، وقال أبو جعفر في بيان المشكل: إنما أمر
بغسل المذاكير
لنقائه من المذي بذلك فلا يخرج؛ لأنّ الماء يقطعه كما أمر
من ساق يديه،
ولها لئن أن ينضح ضرعها بالماء حتى لا يسيل؛ لأن ذلك واجب
كوجوب
وضوء الصلاة، والدليل عليه: ما تواتر من قوله فيه الوضوء،
فأخبر بالواجب
فيه، والله تعالى أعلم.
41- باب وضوء النوم
حدثنا علي بن محمد نا وكيع قال: سمعت سفيان يقول الزائرة
بن
قدامة: يا أبا الصلت هل سمعت في هذا شيئا؟ قال: ثنا سلمة
بن كهيل عن
(1/517)
كريب عن ابن عباس: " أن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام من الليل، فدخل الخلاء
فقضى
حاجته، ثم غسل وجهه وكفيه، ثم نام " (1) .
ثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي ثنا يحيى بن سعيد ثنا شعبة
ثنا سلمة ابن
كهيل أنا بكير عن كريب قال: فلقيت كريبا فحدثني عن ابن
عباس عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر نحوه هذا حديث.
خرجاه في صحيحيهما مطولا ومختصرا.
42- باب الوضوء لكل صلاة
والصلوات كلها بوضوء واحد
حدثنا سويد بن سعيد ثنا شريك عن عمرو بن عامر عن أنس بن
مالك
قال: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يتوضأ لكل صلاة، وكُنّا نحن نصلي الصلوات
كلها بوضوء واحد ". هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه (2) ،
وقال فيه
أبو عيسى: حديث حسن صحيح، وزاد: " ما لم يحدث ". ورواه
أيضاً عن
محمد بن حميد/الرازي ثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق
عن
حميد عن أنس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" كان يتوضأ لكل صلاة، طاهرا أو غير
طاهر "، قال: قلت لأنس: فكيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: " كنا
نتوضأ
وضوءا واحدا "، وقال: حديث حميد عن أنس حديث حسن (3) غريب
من
هذا الوجه، والمشهور عند أهل الحديث حديث عمرو بن عامر،
وقال في
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 71- باب
الوضوء من النوم (ح/
508) .
وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه البخاري (1/64) والترمذي (60) وقال: هذا
حديث حسن صحيح.
وأحمد (3/132، 133، 154، 5/358) والبيهقي (1/162) وابن
خزيمة (12) وأبو
عوانة (1/237) وابن أبي شيبة (1/29) وشرح السنة (1/447)
والمنثور (2/261) والكنز
(17853، 1/270) والطبري (6/73) والقرطبي (6/81) وابن كثير
(3/40، 42)
والتاريخ الكبير (6/356) والمنتقى (1) .
(3) انظر، سنن الترمذي: (1/88) .
قال الشيخ أحمد شاكر: وحديث حميد عن أنس متابعة جيده
لرواية عمرو بن عامر،
واستغراب الترمذي له لا أوافقه عليه، فإنّ الحديث الغريب
هو الذي ينفرد به أحد الرواة، وهذا
لم ينفرد به حميد، إلا إن كان يريد غرابته عن حميد نفسه،
ولذلك قيد قوله: " غريب " =
(1/518)
العلل: سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: لا
أدري ما سلمة هذا، كان
إسحاق تكلم فيه، ما أروي عنه، ولم يعرف محمد هذا من حديث
حميد،
وأمّا يحيى الحازمي حديث عمرو بن عامر وعزْوِهِ إياه إلى
أصحاب السنن
فذهول شديد عن ذكره من كتاب البخاري.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قال: ثنا وكيع عن
سفيان
عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان
يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم فتح مكة صلى الصلوات كلها
بوضوء
واحد " (1) . هذا حديث قال أبو عيسى إثر روايته له عن ابن
بشار ثنا ابن
مهدي عن سفيان عن علقمة عن سليمان: هذا حديث حسن صحيح،
وروى هذا الحديث علي بن قادم عن الثوري وزاد فيه: " فتوضأ
مرة مرة "،
وروى الثوري هذا الحديث أيضا عن محارب بن دثار عن سليمان
بن بريدة
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كان يتوضأ
لكل صلاة "، ورواه وكيع عن سفيان عن
محارب عن سليمان بن بريدة عن أبيه، وروى عبد الرحمن بن
مهدي وغيره
عن سفيان عن محارب عن سليمان عن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا (2) وهذا أصح من
__________
- في بعض النسخ باله: " من هذا الوجه "، وفي بعضها بأنه: "
من حديث حميد ". ولا
عبرة بقول الشارح: " تفرد به محمد بن إسحاق، وهو مدلس،
ورواه عن حميد معنعنا " فإن
ابن إسحاق ثقة حجة جليل القدر، ومن تكلّم فيه فلم يصنع
شيئا. قال شعبة: " محمد بن
إسحاق أمير المؤمنين في الحديث "، وقال أبو زرعة الدمشقي:
" ابن إسحاق رجل قد أجمع
الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه، وقد أختبره أهل
الحديث فرأوا صدقا وخيرا ".
(1) رواه الترمذي (ح / 61) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال
أيضا: وروى هذا
الحديث ابن قادم عن سفيان الثوري، وزاد فيه: " توضأ مرة
مرة ".
ورواه مسلم (9111) وأبو داود (1/ 66- 67) والنسائي (1/
32-33) كلهم من طريق
سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد. ورواه ابن ماجة (9511) من
طريق وكيع عن الثوري عن
محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة عن أبيه.
(2) وخلاصة البحث فيما تعرض له الترمذي من أسانيد هذا
الحديث: أن سفيان الثوري رواه
عن شيخين: أحدهما علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن
أبيه مرفوعا موصولا، وهذا لم
يختلف فيه الرواة عن الثوري أنه موصول. والشيخ الثاني
للثوري: محارب بن دثار عن
سليمان بن بريدة، ولكن الرواة عن الثوري اختلفوا فيه؛
فبعضهم يقول: عن سليمان بن بريدة
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا مرسل؛
لأن سليمان ليس صحابيا، وبعضهم يقول:=
(1/519)
حديث وكيع، وقال ابن أبي حاتم في كتاب
العلل: سئل أبو زرعة عن
حديث رواه أبو نعيم عن سفيان عن محارب عن سليمان بن بريدة
عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنه صلى خمس صلوات
بوضوء واحد "، ورواه وكيع- يعني:
مسندا- فقال أبو زرعة: حديث/أبي نعيم أصح. انتهى. وفيه أن
وكيعا تفرد
برفعه، وليس كذلك لمتابعة المعتمر بن سليمان له. ذكر ذلك
البزار في مسنده
إثر روايته عن سلمة بن شعيب ثنا عبيد الله بن موسى ثنا
سفيان عن علقمة بن
مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه، ومن هذه الطريق رواه
مسلم (1) في
صحيحه عن ابن نمير ثنا أبي ثنا سفيان ولفظه: " أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى
الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد، ومسح على خفيه "، فقال له
عمر: لقد
صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه، قال: عمدا صنعته يا عمر ".
قال البزار: ثنا
علي بن الحسين الدرهمي ثنا المعتمر بن سليمان ثنا سفيان عن
محارب بن
دينار عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه، وقال الحافظ أبو علي
الجياني- رحمه الله- في كتابه تقييد المهمل: وروى هذا
الحديث وكيع
ومعتمر وغيرهما عن الثوري عن محارب عن ابن بريدة عن أبيه
عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما رواه علقمة بن
يزيد، والله أعلم.
وأما قول الحاكم في المستدرك (2) : اتفقا على حديث علقمة
عن سليمان بن
يزيد عن أبيه: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كان يتوضأ لكل صلاة ". فقول لا أعلم له فيه
سلفا ولا رأيت أحدا، قال ابن سليمان: اتفقا على حديثه،
وممن نص على
أنه من أفراد مسلم هو في كتاب المدخل قال: ذكر من اتفقا
عليه فمن أبيه
سليمان فذكر جماعة ثم قال: وأخرج مسلم وحده سليمان بن
بريدة، ثم ذكر
__________
= عن سليمان بن بريدة عن أبيه مرفوعا، وهذا متصل، والذي
رواه عن الثوري هكذا هو
وكيع، وروايته عن ابن ماجة، وهذه الرواية جعلها الترمذي
مرجوحة، ورأى أن رواية من رواه عن الثوري عن محارب عن
سليمان مرسلا أصح. ولسنا نوافقه على ذلك؛ لأن الحديث
معروف عن سليمان عن أبيه، ووكيع ثقة حافظ، فالظاهر أن
الثوري كان تارة يروي الحديث
عن محارب موصولا، كما رواه عنه وكيع، وتارة مرسلا، كما
رواه عنه غيره.
(1) انظر: الحاشية قبل السابقة.
وراجع: ابن خزيمة (13، 14) وعبد الرزاق (157) والمشكاة
(425) والكنز (27032) .
(2) قوله: " المستدرك " وردت في " الأولى " غير واضحة،
وكذا أثبتناه.
(1/520)
جماعة-. والله أعلم- اللهم إلا لو قال:
اتفقا على حديث علقمة عن ابن
بريدة، لكان صوابا للاختلاف الآتي بعد في ابن بريدة هذا من
هو؟ وأن
بعضهم سماه عبد الله.
حدثنا إسماعيل بن ثوبة ثنا زياد بن عبد الله ثنا الفضل بن
معشر قال:
" رأيت جابر بن عبد الله يصلي الصلوات بوضوء واحد. فقلت:
ما هذا؟
فقال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يصنع هذا، فأنا أصنع كما صنع رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". وهذا حديث ذكره
الثعلبي في تفسيره بزيادة: " فإن بال أو أحدث/
توضأ ومسح بفضل طهوره الخفين "، فقلت: الحديث وإسناده صحيح
على
رأي أبي حاتم بن حبان لتوثيقه الفعل، وقال أبو حاتم: يكتب
حديثه، وزياد
خرج حديثه في الصحيح، وإسماعيل قال أبو حاتم الرازي: صدوق،
وفي
الباب غير ما حديث؛ منها حديث عبد الله بن حنطلة بن أبي
عامر الغسل:
" أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أمر
بالوضوء عند كل صلاة طاهرا كان أو غير
طاهر، فلما شق ذلك على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أمر بالسواك عند كل صلاة،
ووضع عنه الوضوء إلا من حدث، فكان ابن عمر يرى أن به قوة
على ذلك
ففعله حتى مات ". رواه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه
(1) عن
محمد بن منصور أبو جعفر ومحمد بن شوكة البغدادين قال: ثنا
يعقوب-
وهو بن إبراهيم بن سعد- ثنا أبي عن ابن إسحاق ثنا محمد بن
يحيى بن
حبان الأنصاري ثم المازني عن عبيد الله بن عبد الله بن
عمرو ثنا محمد بن
يحيى بن حبان عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال: فلت
له: أرأيت وضوء
عبد الله بن عمر لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر؟ عن من
هو؟ فقال
حديثه: أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة
فذكره، وفي
آخره: هذا حديث يعقوب بن إبراهيم غير أن محمد بن منصور
قال: " فكان
يفعله حتى مات "، ولما رواه داود عن أحمد بن خالد ثنا بن
إسحاق، ولما
ذكره ابن أبي حاتم (2) في كتابه حسنه به، قال إبراهيم بن
سعد: رواه عن ابن
(1) قلت: وقد سقطت بعض الكلمات من " ألفاظ " هذا الحديث،
وصححناه من مصدرين:
الأول: صحيح ابن خزيمة. الثاني: من النسخة الثانية التي
عليها التصحيح.
(2) قوله: " حاتم " وردت في " الأولى، والثانية " " حبان "
والصحيح " حاتم " كما أثبتناه.
(1/521)
إسحاق فقال: عبيد الله بن عبد الله. انتهى.
وهو مع ذلك منقطع فيما بين
محمد بن إسحاق ومحمد بن يحيى بن حبان. نص على ذلك الحافظ
أبو
القاسم بن عساكر- رحمه الله تعالى- فقوله إثر قول أبي داود
المتقدم: كذا
رواه علي بن مجاهد وسلمة بن الفضل، وأدخلا بينه وبين محمد
بن طلحة،
يعني أن يزيد بن ركانة بن عبد بن يزيد بن المطلب بن عبد
مناف القرشي
المطلبي الموثق عند ابن/معين وغيره- والله تعالى أعلم-،
وحديث عبد الله بن
عمر: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يتوضأ لكل صلاة، حتى كان يوم الفتح، فإنه
صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بوضوء واحد " (1) . رواه
عبد الغني في
إيضاح الإِشكال من حديث حبان عن الحكم بن ظهير عن مسعر عن
حبيب
ابن أبي ثابت عنده عنه، وحديث أبي هريرة عن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه: " لولا أن
أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء
بسواك ".
رواه الإِمام أحمد في مسنده (2) . قال أبو جعفر الطحاوي:
فذهب قوم أن
الحاضرين يجب عليهم الوضوء لكل صلاة، واحتجوا في ذلك بحديث
بريدة:
" كان يتوضأ لكل صلاة "، وخالفهم في ذلك أكثر العلماء
فقالوا: لا يجب
الوضوء إلا من حدث، وما روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محمول على إلتماس النّفل لا
على الوجوب، ويحتمل أن يكون هذا لما حصر فيه- عليه الصلاة
والسلام-
دون أمته فإن قيل: وهل وجدتم في ذلك دليلا؟ قلنا: نعم؛
حديث أنس-
يعني: المتقدم- قال: فهذا أنس قد علم ما ذكرنا من فعله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم ير ذلك
فرضا على غيره قال: وقد يجوز أن يكون النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك وهو
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب ص 511.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه ابن أبي شيبة (1/168) وابن عدي
في " الكامل " (3/
1218) والبيهقي في " الكبرى " (1/35) ومعاني (1/43) وأحمد
(1/221) .
وفي المتفق عليه: " لولا ان أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك
عند كل صلاة ".
رواه البخاري (2/5، 3/40، 9/106) ومسلم في (الطهارة، باب "
15 " رقم " 42 ")
وأبو داود (46، 47) والترمذي (22، 23) والنسائي (1/12)
وابن ماجة (287) وأحمد
(1/221، 366، 2/245، 250، 287، 399، 400، 410، 429)
والمجمع
(1/221) والبيهقي (1/35) وإتحافات (265) والتمهيد (7/196،
197) وعبد الرزاق
(2106، 5746) وابن عدي (1/421، 4/1617، 5/1704) والمعاني
(1/
33) والإِرواء (1/108، 109، 2/197) .
(1/522)
واجب، ثم نسخ؛ يدل عليه حديث عبد الله بن
حنظلة، وحديث بريدة:
" وصلى- عليه الصلاة والسلام- يوم الفتح الصلوات بوضوء
واحد " (1) .
وقال ابن شاهين: ولم يبلغنا أن أحدا من الصحابة والتابعين
كانوا يتعمدون
الوضوء لكل صلاة، والله تعالى أعلم.
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب ص. 511
(1/523)
43- باب الوضوء على
الطهارة
حدثنا محمد بن يحيى بن عبد الله بن يزيد المغري، ثنا عبد
الرحمن بن
زياد عن أبي غطيف الهذلي، سمعت عبد الله بن عمر بن الخطاب
في مجلسه
في المسجد فلما حضرت الصلاة قام فتوضأ فصلى ثم عاد إلى
مجلسه، فلما
حضرت/العصر قام فتوضأ وصلى ثم عاد إلى مجلسه، فلما حضرت
المغرب
قام فتوضأ ثم صلى المغرب ثم عاد إلى مجلسه، فقلت: أصلحك
الله أفريضة
أم سنة الوضوء عند كل صلاة؟ قال: أو فطنت إلي قال: هذا مني
فقلت:
نعم، فقال: لا، لو توضأت لصلاة الصبح له لصليت به الصلوات
كلها ما لم
أحدث، ولكني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يقول: " من توضأ على طهر فله عشر
حسنات، وإنما رغبت في الحسنات " (1) . هذا حديث قال فيه
أبو عيسى:
إسناد ضعيف، وقال في كتاب العلل: ورأيت محمد أثنى على
الإفريقي خيرا
ويقوى أمره، وفي موضع آخر: هو مقارب الحديث، وذكر بعض
الحفاظ
المتأخرين أن البخاري قال: هذا حديث منكر، وقال ابن المرى
فيما ذكره
العقيلي: قال يحيى القطان: ذكر لهشام بن عروة هذا الحديث
فقال: هذا
إسناد مشرقب، وفي موضع آخر: هذا إسناد ضعيف، وفى موضع آخر:
دعنا
منه حديثه حديث مشرقي ابن محمد قاله لما سأله يحيى عن
الأفريقي فيما
__________
(1) ضعيف. رواه الترمذي (ح/59) وقال: حدثنا بذلك الحسين بن
حريث المروزي حدثنا
محمد بن يزيد الواسطي عن الإفريقي، وهو إسناد ضعيف، وقال
شارح الترمذي: أي رواة
هذا الحديث أهل المشرق، وهم أهل الكوفة والبصرة. كذا في
بعض الحواشي، وهو كلام غير
مفهوم، إلا إن كان يريد أن الحديث معروف عندهم من رواية
أبي غطيف، ويبعد أن يريد
رواية الإفريقي؛ لأنه أولا: مغربي، وثانيا: متأخر الوفاة
بعد هشام بنحو 15 سنة. والمعاني
(1/42) والمتناهية (1/353) والدرر (159) وأبو داود (ح/62)
وابن ماجة (ح/512) .
في الزوائد: مدار الحديث على عبد الرحمن بن زياد الإفريقي،
وهو ضعيف، ومع ضعفه كان
يدلّس. والبيهقي (1/162) واللآلىء (2/79) والحاوي (52311)
وإتحاف (2/375)
وتذكرة (31) والفوائد (11) والخفاء (2/46، 336، 465) .
وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص 797 ح 5536) .
انظر: المشكاة (293) ، وضعيف أبي داود (ح/9) .
(1/524)
ذكره أبو أحمد، ونحوه قاله في شرح السنة،
وفي العلل المتناهية، وسبب ذلك
ما تكلم به في حق الإفريقي عبد الرحمن بن زياد بن أنعم بن
دري بن معد
يكرب بن أسلم بن منبه بن الثماد بن حديل بن عمرو بن أشرط
بن سعد بن
ذى سبعين بن بعض بن صنيع بن شعبان بن عمرو بن معاوية بن
قيس
الشجاني المعافري المصري أبي أيوب، ويقال. أبو خالد قاضي
أفريقية، وأول
مولود في الإسلام بها، قال عمر: وابن علي كان يحيى بن سعيد
وابن مهدى
لا يحدثان عنه إلا أنّى سمعت عبد الرحمن مرة يقول: ثنا
سفيان عن
عبد الكريم الجوزي، والإفريقي جمعهما من حديث قال. وهو
مليح الحديث
ليس مثل غيره في الضعف، وقال ابن عدي: ضعفه يحيى بن
سعيد/وقال
كتبت عنه بالكوفة كتابا، وقال ابن مهدى: أمّا الإفريقي فما
ينبغي أن يروى
عنه حديث، وقال الخليل في الإرشاد: منهم من يضعفه، ومنهم
من يكتبه
ويفرد بأحاديث، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي، وقال ابن
المديني: كان
أصحابنا يضعفونه وأنكروا عليه أحاديث تفرّد بها لا يعرف،
وقال يحيى ابن
معين: ضعيف، وقال بن أبي حاتم عن أبيه: يكتب حديثه وإنما
أنكر عليه
الغرائب التي كان يجيئ بها، وقال الساجي. فيه ضعف، وقال
ابن أبي حاتم
عن أبيه: يكتب حديثه ولا يحتج به، قال: وسألت أبي وأبا
زرعة عن ابن
لهيعة كثير (1) ، أمّا الإفريقي فإن أحاديثه التي تذكر عن
شيوخ لا نعرفهم وعن
أهل بلده، فيحتمل أن يكون منهم ويحتمل أن لا يكون، وقال
الترمذي: هو
ضعيف، ضعّفه القطان وغيره، وقال الإمام أحمد: لا أكتب
حديثه، وفى
رواية أبي طالب عنه: ليس بشيء، وفى رواية المروزي: منكر
الحديث، قال
المفضل بن غسان الغلاني بن أنعم: يضعفونه ويكتب حديثه،
وقال النسائي:
ضعيف، وقال ابن عدى: وعامة حديثه لا يتابع عليها، وأردى
النّاس عنه
الثوري، وقال الخيري في علله: غيره أوثق منه، وقال
النسائي: هو واهٍ
عندهم، وقال أبو الحسن بن القطان: كان من أهل العلم والزهد
بلا خلاف
بين الناس، ومن الناس من يوثقه ويرتابه عن حضيض ردّ
الرواية، والحق فيه أنّه
__________
(1) كذا ورد هذا السياق في " الأصل ".
(1/525)
ضعيف بكثرة رواياته المنكرات، وهو أمر
يعتري الصالحين، وقال أبو البرى
العرب: أنكروا عليه منه أحاديث ذكرها بهلول بن راشد، قال:
سمعت
الثوري يقول: جاءنا ابن أنعم بستة أحاديث مرفوعة لم أسمع
أحدا من العلماء
يرفعها: حديث أمهات الأولاد، وحديث الصدائي وحديث: " إذا
رفع الرجل
رأسه من آخر السجدة فقد تمت صلاته وإن أحدث " (1) وحديث: "
لا خير
فيمن لم يكن عالما أو متعلما " (2) ، وحديث: أعنى عالما أو
متعلّما، ولا تكن/
الثالث " فتهلك " وحديث: " العلم ثلاثة " (3) . قال أبو
العرب: فلهذه الغرائب
ضعف، وقال الدارقطني: ليس بالقوى، وقال ابن حبان: يروي
الموضوعات
عن الثقات ويدلس عن محمد بن سعيد المصلوب، وسئل عنه صالح
بن
محمد فيما ذكره عنه الخطيب في تاريخه فقال: منكر الحديث،
ولكنه كان
رجلا صالحا، قال عبد الرحمن بن يوسف: متروك وفى كتاب
العقيلي عن
ابن معين: سألت يحيى بن سعيد عنه فقال: لا أسقط حديث، وهو
ضعيف،
وقال أبو إسحاق الجوزجاني: غير محمود في الحديث، وكان
صارما خشنا،
وأبي ذلك غيرهم فوثقوه وأحسنوا الثناء عليه فمنعهم يحيى بن
سعيد القطان
الذي تقدم أنّه ضعّف ذكر الجرجاني في كتابه نا أحمد بن عمر
بن بسطامْ ثنا
بن تمراذ سمعت إسحاق بن راهوية سمعت يحيى بن سعيد يقول:
ابن العم
ثقة فلعلّ ظهر له أحد الأمرين بعد الآخر، وقال ابن معين
فيما رواه عندهم
الدوري: ليس به بأس، وفيه ضعف وهو أحب إلي من أبي بكر بن
أبي مريم،
وقال أبو داود: قلت لأحمد بن صالح: يحتج بحديث الإفريقي؟
قال: نعم،
فلت: هو صحيح الكتاب؟ قال: نعم، وقال أحمد بن محمد بن
الحجّاج بن
__________
(1) ضعيف. المنحة (468) والبيهقي (2/139) .
(2) ضعيف. إفريقية: (27) .
(3) ضعيف. رواه ابن ماجة (54) وأبو داود (2885) والحاكم
(4/232) والتمهيد (4/
266) وكحال (1/119) والذهبي (102) والمشكاة (239) وشرح
السنة (1/291) ولفظ
ابن ماجة: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " العلم ثلاثة، فما وراء ذلك فهو فضل؛ آية
محكمة، أو
سُنة قائمة، أو فريضة عادلة ".
وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة.
(1/526)
رشدين: قلت لأحمد بن صالح. يحيى يجرى عندك
مجرى ابن هانىء في
الثقة؟ قال: نعم، قال: وابن أنعم عندي أكبر من يحيى، ورفع
بابن أنعم في
الثقة قلت لأحمد: فمن يتكلم فيه عندك جاهل، قال: من يتكلم
في ابن أنعم
ليس بمقبول، ابن أنعم فمن ضعف وهو ثقة صدوق رجل صالح، وقال
يعقوب بن سفيان: ثنا أبو عبد الرحمن المقري ثنا عبد الرحمن
بن زياد ليس
به بأس، وقد بيّن الحافظ أبو بكر بن أبي داود- رحمه الله-
السبب الموجب
للكلام فيه بقوله: إنما تكلم الناس في ابن أنعم وضعّفوه؛
لأنه روى عن/مسلم
بن يسار فقيل له: أين رأيت مسلم بن يسار؟ فقال: بإفريقية،
فكذّبه الناس،
وضعفوه، وقالوا: ما دخل مسلم بن يسار إفريقية قط يعنون
البصري ولم
يعلموا أن مسلم بن يسار آخر يقال له: ابن عثمان الطنبرى،
وطنبر بطن من
اليمن، وعنه روى، وكان الإفريقي رجلا صالحا، ونحوه ذكره
أبو العرب في
كتاب الطبقات وآدابه قول قرأت، ويزيده وضوحا ما ذكره عبد
الله بن أحمد
في مسائله: سمعت أبي يقول: الإفريقي عن مسلم بن يسار ليس
هو البصري
هذا رجل أراه من ناحية إفريقية يحدّث عن ابن المسيب وسفيان
بن وهب
الخولاني والبصري يحدث عنه ابن سيرين وقتادة، وابنه عبد
الله بن مسلم هذا
غير ذاك، ونحوه ذكره ابن معين فيما ذكره عنه محمد بن أحمد
بن تميم
القيرواني قال الخطيب في كتابه المتفق والمفترق: في قول
أحمد: " يحدّث عن
ابن المسيب" نظر، وما أرى الذي يروى عن ابن المسيب إلا
مسلم بن أبي
مريم. انتهى كلامه. وفى قول ابن أبي داود: " وطنبر بطن من
اليمن " نظر، إنما
هي قرية من قرى مصر من عمل البهنسا. قاله السمعاني
والبرهانى وغيرهما،
ويزيده وضوحا ذكر ابن يونس وغيره إياه من أهل مصر، وقال
الحافظ أبو بكر
عبد الله بن محمد المالكي في كتابه رياض النفوس: كان
الإفريقي من جلة
المحدّثين منسوبا إلى الزهد والورع، صلبا في دينه، متفننا
في علوم شتّى،
مشهورا أدخله المولعون في كتبهم، وكان سفيان الثوري: يعظمه
ويعرف حقّه
وردّه مكة، ولما ولى القضاء سار بالعدل، ولم يقبل من أحد
صلة ولا هدية،
نزه عن ذلك نفسه، فرفع الله قدره وأعلى منارة حتى عزل نفسه
عن القضاء،
وذلك هو الصحيح، وقيل: مات وهو على القضاء، وقال العلامة
أبو جعفر
(1/527)
أحمد بن إبراهيم بن خالد في كتابه التعريف
تصحيح التاريخ: وفى سنة
إحدى وستين ومائة توفي أبو خالد/عبد الرحمن بن زياد بن
أنعم، وكان قد
ولى قضاء إفريقية فكان عدلا في قضائه، وسمع من جلة
التابعين، وقال الحافظ
أبو العرب في كتابه طبقات القيروان: وحدثني عيسى بن مسكين
عن محمد
بن سحنون قال: قلت لسحنون: إن الفلاس قال: ما سمعت يحيى
ولا
عبد الرحمن يحدثنا عن ابن أنعم، فقال سحنون: لم يصنع شي
عبد الرحمن
ثقة، قال سحنون: وكان من يعرف العلم بقي في صدره ولا
يسألونه- يعنى:
أهل إفريقية- فيموت به مثل ابن أنعم بقي العلم في صدره لم
ينشر عنه ولا
يعرف، قال أبو العرب: إنما وجدنا كبائر فقط، وكان من أجلة
التابعين عدلا
في قضائه صلبا، وفى كتاب الساجي: كان عبد الله بن وهب يطري
الإفريقي، وكان أحمد بن صالح يوثقه وينكر على من تكلّم
فيه، واختلف في
وقت وفاته؛ فالذي ذكره الحافظ أبو بكر البغدادي وابن نافع:
ست وخمسين
وقبلهما قاله ابن يونس، وأبي ذلك ابن خالد المذكور وأبو
العرب وأبو بكر
القيروانيون فقالوا: سنة إحدى وستين، وزاد أبو العرب: في
رمضان وهم بأهل
بلدهم أخبر- والله أعلم- فقد تبين بمجموع ما تقدّم رجحان
قول من وثقة
على قول من ضعّفه، وإن العلّة التي هي ضعف بها حديثه زالت
عنه، وأما
الأحاديث التي قيل أنه تفرّد برفعها، فلعلنا نجد متابعا
نتبع فيه من تابعه على
ذلك، والله تعالى أعلم.
وأما قول أبو غطيف: فاختلف فيه على ألوان؛ فمنهم من كنّاه
كما كنّاه
ابن ماجة، ومنهم من قال: عن غطيف، وهو أبو داود، ومنهم من
قال: عن
ابن غطيف، ويقال: غضيف بضاد معجمة. ذكره التغلبي، ولم
يختلفوا أنه
من هذيل، ولم أر له واديا غير الإفريقي إلا ما ذكره ابن
يونس في تاريخه أبو
غطيف الهذلي (1) : يروى عن/حاطب ابن أبي بلتعة عن عمر في
الفتن وعن
عبيد بن رفيع عن عمر، وروى عنه بكر بن سوادة، فلا أدرى
أهما اثنان أم
واحد؟ وسبب ذلك أنّ أبا حاتم وغيره لم يذكروا من يكنى هذه
الكنية غيره،
__________
(1) قوله: " الهذلي " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(1/528)
فإن كانا واحدا- وهو اللائق بحالهما
لكونهما مصرين- فالحديث جيّد
الإسناد لصيرورته في عداد من روى عنه اثنان، فخرج بذلك من
جدال جهالة
الغيبة إلى الجهالة الحالية، وهي لا تضر مع جودة الإسناد
وحسنه، لما تقدّم من
شواهده، وليس فيه من الكلام شيء يرد به حديثه، وعدم معرفة
أبي زرعة
باسمه لا بغيره فعلى هذا يسارع إلى تضعيف هذا الحديث ولا
تصحيحه إلا
بعد المعرفة بحال أبي غطيف، والله تعالى أعلم.
(1/529)
باب لا وضوء إلا من
حدث
حدثنا محمد بن الصباح أنبأ سفيان بن عيينة عن الزهري عن
سعيد وعباد
ابن تميم عن عمّه قالا: شكى إلى النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجل يجد الشيء في الصلاة
فقال: " لا، حتى يجد ريحا أو يسمع صوتا " (1) . هذا حديث
خرجاه في
الصحيح (2) . حدثنا أبو كريب ثنا المحاربي عن معمر بن راشد
عن الزهري أنبأ
سعيد بن المسيّب عن أبي سعيد الخدري قال: سئل رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن
التشبيه في الصلاة فقال: " لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد
ريحا". هذا
حديث خرجه الحافظ البستي في صحيحه (3) عن الحسن بن سفيان.
حدثنا
محمد بن المنهال الضرير، ثنا يزيد بن زريع، ثنا هشيم عن
يحيى بن أبي كثير
عن عياض، عن أبي سعيد قال- عليه الصلاة والسلام-: " إذا
صلى أحدكم
فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا، فليسجد سجدتين وهو جالس، وإذا
أتى أحدكم
الشيطان فقال: إنّك قد أحدثت، فليقل: كذبت إلا ما يسمع
صوته بأذنه أو
وجد ريحه بأنفه ". أنبأ إسحاق بن إبراهيم ثنا الحلواني/ثنا
عبد الرزاق أنبأ
معمر عن يحيى عن عياض عن أبي سعيد عن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا جاء أحدكم
الشيطان فقال: إنّك قد أحدثت، فليقل في نفسه. كذبت " (4)
الحديث،
وخرجه الحافظ بن خزيمة (5) من حديث يحيى بلفظ: " إن
الشيطان يأتي
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/513) والخطيب (3/414) . وصححه
الشّيخ الألباني.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/46، 55) ومسلم في
(الحيض، ح/98) وابن ماجة
(513، 514) . في الزوائد: رجاله ثقات. إلا أنه معلل بأنّ
الحفاظ من أصحاب الزهريّ رووا عنه، عن سعيد بن عبد الله بن
زيد، وكان الإمام أحمد منكر حديث المجازي عن معمر، لأنه لم
يسمع من معمر. لا سيما كان يدلس. والنسائي في (الطهارة،
باب " 114 ") والبيهقي (2/54، 254، 7/364) وعبد الرزاق
(534) والتمهيد (5/28) وابن خزيمة (25، 1018) وأبو عوانة
(1/238) .
(3) صحيح. رواه ابن حبان: (4/152- 153) من حديث أبي سعيد
الخدري، (4/
154) من حديث ابن عباس.
(4) صحيح. رواه الحاكم (1/134) وتلخيص (1/128) وأحمد
(3/12، 50، 51، 54) .
(5) صحيح. رواه ابن خزيمة (1020) وأحمد (3/96) والكنز
(1269) والطبراني (11/
222) والمجمع (1/242) وعزاه إلى " أبي يعلى " ورواه ابن
ماجة باختصار، وفيه-
(1/530)
أحدكم في صلاته " وقال قوله فليقل: كذبت
أراد فليقل كذبت بضميره لا
ينطق لسانه، إذ المصلى غير جائز له أن يقول: كذبت نطقا
باللسان. انتهى ما
قاله معها. وقد أوردنا نصا والله تعالى أعلم. وقال أبو عبد
الله الحاكم (1)
وخرجه من حديث حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير جدي عياض
قال: سألت أبا سعيد الخدري فقلت. أحدنا يصلي فلا يدري كم
صلى قال:
قال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
إذا صلى أحدكم فلم يدر كم صلى، فليسجد
سجدتين وهو جالس، وإذا جاء أحدكم الشيطان فقال: انك أحدثت
فليقل:
كذبت إلا ما وجد ريحا بأنفه أو سمع صوتا بأذنه ". هذا حديث
صحيح على
شرط الشيخين، فإنّ عياضا هذا هو ابن عبد الله بن سعد بن
أبي سرح، وقد
احتجا جميعا به، ولم يخرجا هذا الحديث بخلاف من أبان بن
يزيد العطار
فيه وعليّ بن يحيى بن أبي كثير فإنه لم يحفظه فقال: عن
يحيى عن هلال
بن عياض أو عياض بن هلال، وهذا لا يعلله لإجماع أصحاب يحيى
على
إقامة هذا الإسناد عنه ومتابعة حرب بن شداد فيه؛ لذلك رواه
هشام
الدستوائي وعلي بن المبارك ومعمر بن راشد وغيرهم فقالوا:
عن يحيى عن
عياض، والله تعالى أعلم.
حدثنا علي بن محمد ثنا وكيع وثنا محمد بن التمار، ثنا محمد
بن جعفر
وعبد الرحمن قالا: ثنا شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبي
هريرة قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا وضوء
إلا من صوت أو ريح " (2) . هذا حديث خرجه/
__________
= علي بن زيد، واختلف في الاحتجاج به.
(1) صحيح. رواه الحاكم (1/134) وأبو داود (1029)
والدارقطني (1/374، 375)
ونصب الراية (1772، 174) وابن حبان (533) والكنز (19828،
19829، 8441،
19845، 19846) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (515، 516) في الزوائد، قال عقب
الحديث الثاني: في
إسناده عبد العزيز، وهو ضعيف. والترمذي (75) وقال: هذا
حديث حسن صحيح. وأحمد
(2/471) والبيهقي (1/117، 220) وتلخيص (1/117) والمشكاة
(310) وابن خزيمة
(27) وتغليق (111) وشرح السنة (1/328، 354) وأصفهان
(2/283) . وصححه
الشيخ الألباني: (الإِرواء: 1/153، 154) .
(1/531)
أبو عيسى بن قتيبة وهنا ثنا وكيع ثم قال:
هو حسن صحيح، وخرجه
مسلم (1) عن زهير بن حرب ثنا جرير عن سهيل، ولفظه: " إذا
وجد أحدكم
في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من
المسجد
حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا "، وفي لفظ لأبي عيسى (2) : "
إذ كان أحدكم
في المسجد فوجد ريحا بين إليتيه فلا يخرج " الحديث. قال
ابن أبي حاتم في
كتاب العلل: سمعت أبي وذكر حديث شعبة- يعنى: المخرج في
منتقى ابن
الجارود- عن سهيل- يعنى: هذا- فقال: وهم، واختصر شعبة متن
هذا
الحديث، ورواه أصحاب سهيل: " إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد
ريحا من
نفسه فلا يخرج حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا "، ورواه أبو
القاسم في
الأوسط من حديث يحيى بن سكن عن شعبة، ثنا إدريس الكوفي عن
سهيل
وقال: لم يدخل ممن روى هذا الحديث عن شعبة إدريس الكوفي
إلا ابن
السبكي، وقال في موضع آخر: ورواه من جهة أبي بلال الأشعري
ثنا أبو
لذمة يحيى بن المهلب عن سهيل لم يروه عن أبي لذمة إلا أبو
بلال، ورواه أبو
عبيد في الطهور من حديث ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب عن
سعيد
عنه ولفْظه: في الرجل يجد في معصميه الشيء قال: فلا يتوضأ
إلا أن يجد
ريحا يعرفها أو صوتا يسمعه "، والله أعلم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسماعيل بن عياش عن عبد
العزيز بن
عبيد الله عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: رأيت السائب بن
يزيد يشم
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/99) والبيهقي (1/117)
وابن خزيمة (2824)
وتلخيص (1/127) والفتح (1/238) .
(2) صحيح. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 56- باب في
الوضوء من الرّيح (ح/75) .
قال: وفي الباب عن عبد الله بن زيد، وعلي بن طلق، وعائشة،
وابن عباس، وابن مسعود،
وأبو سعيد.
وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وهو قول العلماء: أن لا يجب عليه الوضوء إلا من حدث: يسمع
صوتا أو يجد ريحا.
(1/532)
ثوبه قلت: م ذاك؟ قال: إنى سمعت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا وضوء إلا
من ريح أو سماع ". هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف رواته.
الأول: إسماعيل من عياش هو سليم الشامي الحمصي أبو عتبة
العتب، وإن
كان ابن معين قال: هو ثقة، وكان أحبّ إلي من أهل الشّام/من
بقية، وفى
رواية ابن أبي خيثمة عنه: هو ثقة، والعراقيون يكرهون
حديثه، وبنحوه ذكره
البرقي، وقال البخاري ما روى عن الشاميين أصحّ، وحكى
الفلاس: إذا حدّث
عن أهل بلاده فصحيح، وإذا حدّث عن أهل المدينة مثل هشام بن
عروة
ويحيى بن سعيد وسهيل فليس بشيء، وقال عبد الله بن أحمد:
سئل أبي
عن إسماعيل وبقية فقال: بقية أحبّ إلى نظري، في كتاب
إسماعيل عن
يحيى بن سعيد أحاديث صحاح، وفى المصنف أحاديث مضطربة وكان
حافظا، وفى رواية الترمذي عنه هو أصلح من بقية، وقال يعقوب
بن سفيان:
كنت أسمع أصحابنا يقولون: علم الشام عند إسماعيل، والوليد
بن مسلم، قال
يعقوب: وتكلّم قوم فيه، وهو ثقة عدل أعلم الناس بحديث
الشّام، ولا يرفعه
رافع وأكثر ما تكلّموا يعرف عن ثقات المكيين والمدنين،
وقال يزيد بن
هارون: ما رأيت أحدا أحفظ منه ولا أدرى ما الثوري، وقال
الهيثم بن
خارجة لم يكن بالشّام أحد أحفظ من إسماعيل ولا الأوزاعي
بعلم الشّاميين،
وسئل عنه أبو زرعة فقال: صدوق، إلا أنّه خلط في حديث
الحجازيين
والعراقيين، وقال أحمد بن أبي الحواري قال: أبي وكيع:
يروون عندكم عن
إسماعيل فقلت: أمّا الوليد ومروان فيرويان فيه، وأمّا
الهيثم ابن خارجة
ومحمد بن إياس إنّما أصحاب البلد الوليد ومروان، وقال أبو
أحمد الجرجاني:
إذا روى عن يحيى بن سعيد ومحمد بن عمرو بن علقمة وهشام ابن
عروة
وابن جريج وعمر بن محمد وعبد الله الوصافي، وإن حدّث عن
غيرهم فلا
يخلو من غلط يغلط فيه، وحديثه عن الشامين إذا روى عنهم ثقة
فهو
مستقيم، وفى الجملة: هو ممن يكتب حديثه ويحتج/به في حديث
الشّامين
خاصة، وقال فيه النسائي: هو ضعيف، وفى حديث الشّاميين
صالح، فقد قال
أحمد: روى عن كلّ حرب، وقال ابن حبان: لماّ كبر تغيّر
حفظه، فكثر
الخطأ في حديثه فخرج عن حد الاحتجاج به، وكان عبد الله بن
المبارك ينكر
(1/533)
عليه حديثه، وفى موضع آخر: إذا اجتمع هو
وبقية في حديث فبقية أحب
إلي، وقال أبو حاتم الرازي: هو يكتب حديثه، ولا أعلم أحدا
ألف عنه إلا أبا
إسحاق الفزاري، وقال أبو إسحاق: لا نكتب عنه ما روى عن
المعروفين ولا
غيرهم، وفى كتاب العقيلي قال أبو صالح الفراء: قلت لأبي
إسحاق: إني
أريد حمص وثم رجل يقال له إسماعيل فأسمع منه؟ قال: ذاك رجل
لا يدري
ما يخرج من رأسه، قال أبو صالح: وكان أبو إسحاق روى عنه ثم
تركه،
وقال الفلاس: كان عبد الرحمن لا يحدّث عنه يقال له الرجل
مرة ثنا أبو
داود عن أبي عتبة فقيل له: عبد الرحمن هذا ابن عياش يقال
له الرجل لو
كان ابن عباس ما اكتبه، وذكر عبد الله لأبيه حديث من حديث
إسماعيل
فقال: هذا باطل، قال العقيلي: يعنى أنه وهم من إسماعيل،
وفى كتاب
الساجي، قال ابن معين: كان إسماعيل من أجل الشّامين إلا
أنّه كان يضع،
قال الساجي: يعني أظنّه حيث انتهت، وقال الآجري سمعت أبا
داود يقول:
ابن عياش ثقة متقدّم، وذكره في الضعف أبو العرب وأبو
القاسم البلخي
وضعف به الإشبيلي والبيهقي وابن القطان وابن طاهر غير ما
حدّث.
الثانى: عبد العزيز بن عبيد الله بن ضمرة بن مهيب وإن كان
الإمام أحمد قال
فيه: كنت أظن أنه مجهول حتى سألت عنه بحمص فإذا هو عندهم
معروف،
قال: قالوا: هو من ولد حرب ولم يرد عنه غير إسماعيل، قال
ابن أبي حاتم عن/
ابن معين: ضعيف، وفى كتاب الآجري عن أبي داود عنه: ليس
بشيء. زاد ابن
أبي حاتم: لم يحدث عنه إلا إسماعيل بن عياش، قال: وسألت
أبي عنه فقال:
يروي عن أهل الكوفة وأهل المدينة، ولم يرو عنه أحد غير
إسماعيل، وهو
عندي عجيب ضعيف الحديث، منكر الحديث لا يكتب حديثه يروي
أحاديث
مناكير ويروي أحاديث حسانا، قال: وسألت أبا زرعة عنه فقال:
مضطرب
الحديث واهي الحديث، وقال السعدي: كان غير محمود في
الحديث، ورواه
أبو عبيد من حديث ابن أبي مريم وأبي الأسود عن ابن لهيعة
عن محمد بن
عبد الله عن محمد بن عمرو، واختلف في راوي هذا الحديث،
فقال الحافظ
عبد الغني بن سرور: هو السائب بن خباب لا السائب بن يزيد،
وزعم أنّ
ذلك وهم فيه ابن عساكر، وتبعه على ذلك الحافظ المزي بقوله:
هو في الأصل
(1/534)
غير منسوب- يعني: أن أصحاب الأطراف الستة
من عنده-، وليس كذلك؛ بل
الوهم منتفي عن ابن عساكر لازم لهما؛ لكونه في عدة من
الأصول بخط الحافظ
منسوبا كما قاله ابن عساكر، والله أعلم، اللهم إلا لو قال:
إن ابن ماجة هو الواهم
في نسبته لكان قولا صحيحا، وعدم نسبته إلى أبي يزيد هو
الصواب؛ لكونه ليس
موجودا من حديثه إنما هو من حديث ابن خباب. نص على ذلك
الإمام أبو عبد الله
ابن أحمد بن حنبل- رحمه الله- في مسندها والحافظان الفسوي
وابن البرقي في
تاريخيهما، وأبو القاسم الطبراني في المعجم الكبير، وأبو
الحسين بن نافع-
رحمه الله- وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنده، وأبو عبيد في
أحد قوليه، والثاني:
السائب بن ضر، وفى الباب ما تقدّم، تقدّم غير ما حديث؛ من
ذلك على ابن
طلق ذكره أبو داود وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ثنا
عبد/ الرزاق ثنا معمر
عن عاصم بن سليمان عن مسلم مرسلا عن عدي بن حطان عن علي بن
طلق
قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول: " إذا فسا أحدكم فليتوضأ " (1) . قال مهنأ:
قال أبو عبد الله: عاصم الأحول يخطىء في هذا الحديث يقول:
علي بن طلق،
وإنما هو طلق بن علي، وذكره في مسنده من حديث عبد الرزاق
وابن جعفر عن
شعبة وأبي مطوية عن عاصم بزيادة: " ولا تأتوا النساء في
أدبارهن " (2) ، سألت
محمدا عن هذا الحديث، فقال: لا أعرف لعلي بن طلق عن النبي
غير هذا
الحديث، وهو عندي غير طلق بن علي، ولا يعرف هذا من حديث
طلق بن
علي. ثنا هناد وأحمد بن منيع ثنا أبو معاوية عن عاصم
الأحول عن عيسى بن
حطان عن مسلم مرسلا عن علي بن طلق به قال: وسألت محمدا عن
هذا
الحديث فقال: علي بن طلق هذا أراه غير طلق بن علي، ولا
أعرف لعلي بن
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/205) والترمذي 3/1164) قال أبو
عيسى: حديث علي بن
طلق حديث حسن. وسمعت محمدا يقول: لا أعرف لعلي بن طلق عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير هذا
الحديث الواحد، ولا أعرف هذا الحديث من حديث طلق بن علي
السحيمي. وعبد الرزاق
(2095) والمشكاة (314) والخطيب (10/398) وابن حبان (203) .
(2) قلت: هذا طرف من حديث ضعيف رواه أحمد وابن حبان عن علي
بن طلق. وقد
أورده الشيخ الألباني في " ضعيف الجامع، ح/607- 201، ص 86-
87) .
انظر: ضعيف أبي داود (26) .
(1/535)
طلق إلا هذا الحديث، وعيسى بن حطان الذي
روى عنه هذا الحديث رجل
مجهول فقلت له: أتعرف هذا الحديث الذي روى علي بن طلق من
حديث
طلق بن علي فقال: لا، وقال في الجامع، وذكره في مسند علي
بن طلق: هو
حديث حسن، وسمعت محمدا يقول: لا أعرف لعلي بن طلق هذا غير
هذا
الحديث، ولا أعرف هذا من حديث طلق بن علي، فكأنه رأى أنّ
هذا رجل
آخر من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وفى كتاب أبي عبيد قال على: هذا لا أراه علىّ
ابن أبي طالب إنما هو عندنا/علي بن طلق؛ لأنه حديثه
المعروف، وكان رجلا
من بني حنيفة اليمامة، وأحسبه والد طلق بن علي الذي سأل عن
مسّ الذكر.
انتهى كلامه. وفيه ردّ لما قاله أبو عبد الله أحمد بن
حنبل- رحمه الله
تعالى- وتبعه على ذلك الحافظ البستي بذكره له في مسند علي
بن طلق
بلفظ: " إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف، ثم ليتوضأ وليعد
صلاته، ولا
تأتوا النساء في أدبارهن ". قال أبو حاتم: لم يقل: وليعد
من صحيحه صلاته
إلا جرير بن عبد الحميد، ولفظ أبي مسعود عن عاصم أنه يخرج
من أحدنا
الرويحة وفى الماء قلة، وخالف البخاري في عيسى؛ فزعم أنه
ثقة، وقال غيره:
روى عنه أيضا محمد بن مجادة ويزيد بن عياض وعلي بن زيد
وعبد الملك
بن مسلم الحنفي فقد انتفت عنه الجهالتان العينية والحالية،
والله أعلم.
ولما ذكر أبو جعفر بن منيع هذا في مسند علي بن طلق وصل
بينهما
فجعلها حديثين، وممن ذكره أيضا في مسند علي بن طلق
اليمامي؛ أبو
عبد الرحمن النسائي وأبو مسلم الكجي في سننه وأبو الحسين
بن قانع-
رحمهم الله تعالى- وحديث عمر بن الخطاب، ذكر منها أنه سأل
أبا عبد الله
عن قوم كانوا جلوسا فوجدوا ريحا فقال: كان عمر جالسا في
أصحابه ومعه
الناس ففسي بعض القوم- يعني: أحدث- فأمرهم عمر أن يعيدوا
الوضوء،
فقلت له: إنهم يروونه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مرسلا قال: يقم صاحب هذه الريح،
فتلكأ القوم، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " قوموا كلكم فتوضؤوا " (1) . فقال أحمد: ليس
هذا صحيحا، إنما يرويه الأوزاعي عن واصل بن أبي جميل عن
مجاهد،
__________
(1) قل: " فتوضؤوا " غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.
(1/536)
وواصل هذا ليس معروفا، إنما روى عنه
الأوزاعي، وحديث علي ابن أبي
طالب قال: أتى أعرابي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله/إنا نكون بالبادية
فيخرج من أحدنا الرويحة، فقال- عليه الصلاة والسلام-: " إن
الله لا
يستحيي من الحق، إذا فعل أحدكم فليتوضأ، ولا تأتوا النساء
في أعجازهن ".
رواه أحمد في مسده (1) عن وكيع؛ حدثنا عبد الله بن مسلم
الحنفي عن أيه
عنده، وحديث عائشة قالت: جاءت سلمى امرأة أبي رافع إلى
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تستعديه على أبي رافع، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا رافع مالك ولها قال:
يا رسول الله، إنها تؤذيني فقال- عليه الصلاة والسلام- بما
آذيته؟ قلت: يا
رسول الله، إنما قلت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أمر المسلمين أن يتوضئوا للصلاة فقام
يضربني، فجعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول: " إنها لم تأمرك إلا بخير ". رواه
الترمذي (2) في العلل عن عبد الله بن أبي زياد ثنا يعقوب
بن إبراهيم بن سعد
ثنا أبي عن ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عنها، وقال:
سألت
محمدا عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث محمد بن إسحاق عن
هشام،
وسألت أبا زرعة فقال مثله، وذكره الإمام أحمد في مسنده،
فجعله من مسند
سلمى، والله أعلم. وحديث صفوان بن عسال قال: رخص لنا رسول
الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسح على الخفين: "
للمسافر ثلاثة، إلا من جنابة، ولكن من غائط أو
بول أو ريح ". رواه البيهقي في السنن (3) : لم يقل في هذا
الحديث أو ريح غير
وكيع عن مسعر، وقال الحاكم في تاريخ نيسابور: سمعت أبا عبد
الله محمد
بن يعقوب الحافظ، وسأله محمد بن عبيد: لِم ترك الشيخان
حديث صفوان
بن عسال؛ فقال: لفساد الطريق إليه، والله أعلم. وحديث عبده
بن حسان
وحمزة بن حسان مرفوعا/عند أبو عبيد: "يعاد الوضوء "، وزعم
بعضهم أنّ
__________
(1) صحيح. رواه أحمد في " المسند ": (1/86، 5/213، 215)
(2) ضعيف. علل الترمذي، وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد
" (1/243) وعزاه إلى
" أحمد " و" البزار " والطبراني في " الكبير "، ورجال أحمد
رجال الصحيح، إلا أن فيه
محمد بن إسحاق، وقد قال: حدثني عروة، والله أعلم.
(3) ضعيف. رواه البيهقي في " الكبرى " (1/276، 282)
والدارقطني في " سننه " (1/133) .
قلت: متنه مضطرب، تبدو عليه النكارة.
(1/537)
هذه الأحاديث معارضة لما رواه أنس: قال
عليه الصلاة والسلام: " لا ينقض
الوضوء أن يصيبك قدر، ولكن ينقضه الفواحش " ذكره أبو زكريا
في طبقات
الموصلي من حديث إبراهيم بن سعيد ثنا سعيد ثنا غسان، ثنا
أبو عمران أنّه
سمع أن أنسا يذكره وليس كذلك؛ لأنّ الساجي لم يقل أحد أنه
ينقض
الوضوء، وكذا لم يقل بأنّ الفواحش تنقضه (1) .
***
(1) كذا وردت هذه " الفقرة " " بالأصل "، وكذا أثبتناه.
(1/538)
|