شرح أبي داود
للعيني 70- باب: الوضوء من
النوم
أي: هذا باب في بيان الوضوء من النوم.
186- ص- حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق
قال:
نا ابن جريج قال: أخبرني نافع قال: نا عبد الله بن عمر: "
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شُغل عنها ليلة فأخّرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا،
ثم رقدنا، ثم
استيقظنا، ثم رقدنا، ثم خرج علينا فقال: ليس أحد ينتظرُ
الصلاة
غيركُم " (1) .
ش- عبد الرزاق بن همام، ونافع مولى- ابن عمر.
قوله: " شُغل عنها " أي: عن العشاء الآخرة.
قوله: " الصلاة " أي: صلاة العشاء، والألف واللام فيه
للعهد.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: أن نوم الجالس
ممكناً مقعده (2)
لا ينقض الوضوء، ومحمل الحديث هذا وهو مذهب الأكثرين،
والصحيح من مذهب الشافعي.
" (3) وقد اختلف العلماء في النوم، فمذهب البعض: أن النوم
لا
ينقض الوضوء على أي حال كان، وهذا محكي عن أبي موسى
الأشعري،
وسعيد بن المسيب، وأبي مجلز، وحميد الأعرج، والشيعة. ومذهب
البعض أنه ينقض بكل حال، وهو مذهب الحسن البصري، والمزني،
وأبي عبيد القاسم بن سلام،- وإسحاق بن راهويه، وهو قول
غريب
للشافعي قال ابن المنذر: وبه أقول. قال: وقد روي معناه عن
ابن
عباس، وأبي هريرة. ومذهب البعض أن كثيره ينقض بكل حال
وقليله لا
ينقض بكل حال، وهو مذهب الزهري، وربيعة، والأوزاعي، ومالك،
وأحمد في رواية. ومذهب البعض: أنه إذا نام على هيئة من
هيئات
المصلين كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينتقض وضوؤه
سواء كان في
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: النوم قبل العشاء
لمن غُلب (570) ،
مسلم: كتاب المساجد، باب:- وقت العشاء وتأخيرها (221/639)
.
(2) كذا.
(3) انظره في: " شرح صحيح مسلم " (4/73- 74) .
(1/458)
الصلاة أو لم يكن، وإن نام مضطجعاً أو
مستلقياً على قفاه انتقض، وهو
مذهب أبي حنيفة، وداود، وقول غريب للشافعي. ومذهب البعض
أنه
لا ينقض إلا نوم الراكع والساجد، روي هذا عن أحمد. ومذهب
البعض:
أنه لا ينقض إلا نوم الساجد، روي هذا عن أحمد أيضاً. ومذهب
البعض أنه لا ينقض النوم في الصلاة بكل حال،- وينقض خارج
الصلاة،
وهو قول ضعيف للشافعي. ومذهب البعض: أنه إذا نام جالساً
ممكناً
مقعدته من الأرض لم يُنقضْ وإلا انتقض سواء قل أو كثر،
وسواء كان في
الصلاة أو خارجها، وهو مذهب الشافعي " (1) .
الثانية: أنه يستحب للإمام والعالم إذا تأخر عن أصحابه، أو
جرى منه
ما يظن أنه يشق عليهم أن يعتذر إليهم، ويقول لهم: لكم في
هذا
مصلحة من جهة كذا وكذا، أو كان لي عذر أو نحو هذا.
الثالث: فيه استحباب تأخير العشاء.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم.
187- ص- حدثنا شاذ بن فياض قال: ثنا هشام الدستوائي، عن
قتادة،
عن أنس قال: " كان أصحابُ رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة
حتى تخْفق
رُؤُوسُهم، ثم يصلُون ولا يتوضؤون " (؟) .
ش- شاذ بن فياض أبو عُبيدة اليشكري واسمه: هلال، وشاذ لقب
غلب عليه. سمع: شعبة، وأبا حفص عمر بن إبراهيم العبدي. روى
عنه: عمرو بن علي الصيرفي، وعلي بن عبد العزيز البغوي،
ومعاذ بن
المثنى، وغيرهم. روى له أبو داود (3) .
__________
(1) إلى ها انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".
(2) مسلم: كتاب الحيض، باب: الدليل على أن نوم الجالس لا
ينقض الوضوء
(376) ، الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء من
النوم
(78) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/2682) .
(1/459)
وهشام بن أبي عبد الله الربعي الدستوائي
البصري، وقد ذكر.
قوله: " حتى تخفق رؤوسهم " أي: تسقط أذقانهم على صدورهم،
وهذا لا يكون إلا عن نوم مثقل، وهذا يدل على أن عين النوم
ليس
بحدث، ولو كان حدثاً لاستوت فيه الأحوال كسائر الأحداث،
ويؤيد
ذلك قوله:/ " كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة
حتى
تخفق رؤوسهم " وذلك كثر عندهم حتى صار كالعادة لهم، ولم
يكن
نادراً في بعض الأحوال، وفي وصف العشاء بالآخرة دليل على
جواز
وصفها بها، وأنه لا كراهة فيه خلافاً لما يُحكى عن الأصمعي
من كراهة ذلك.
وأخرجه مسلم من وجه آخر قال: " كان أصحاب رسول الله ينامون
ثم
يصلون ولا يتوضؤون ".
ص- قال أبو داود: زاد قيه شعبة عن قتادة قال: " كُنا على
(1) عهد
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". ورواه ابن
أبي عروبة عن قتادة بلفظ آخر.
ش- أي: زاد في هذا الحديث شعبة بن الحجاج، عن قتادة بن
دعامة:
" كنا على عهد رسول الله "، والعهد بمعنى: الزمان والمدة.
وقال في
" المطالع ": قولهم: " على عهد رسول الله " أي: على زمانه
ومُدته.
قوله: " ورواه " أي: روى هذا الحديث أيضاً ابن أبي عروبة،
واسمه:
سعيد، واسم أبي عروبة: مهران، وقد ذكرناه.
188- ص- حدّثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب قالا: نا
حماد
ابن سلمة، عن ثابت البناني، أن أنس بن مالك قال: " أقيمت
صلاةُ العشاء
فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله، إن لي حاجة، فقام يناجيه
حتى نعس القومُ أو
بعضُ القوم، ثم صلى بهم ولم يذكروا (2) وضوءا " (3) .
ش- ثابت بن أسلم أبو محمد البناني العابد البصري، وبنانة
هم
__________
(1) في سنن أبي داود: " كنا نخفق على ".
(2) في سنن أبي داود: " يذكر ".
(3) البخاري: كتاب الأذان، باب: الإمام تعرض له الحاجة بعد
الإقامة (642) ،
مسلم: كتاب الحيض، باب: الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض
الوضوء (376) .
(1/460)
بنو سعد بن لؤي بن غالب. سمع: عبد الله بن
عمر، وعبد الله بن
الزبير، وأنس بن مالك، وأبا برزة الأسلمي، وعبد الله بن
مغفل، ومن
التابعين: أبا رافع الصائغ، وأبا عثمان النهدي، ومطرف بن
عبد الله بن
الشخير، وغيرهم. روى عنه: يونس بن عبيد، وحميد الطويل،
والثوري، والحمادان، وشعبة، وغيرهم. قال أحمد وابن معين
وأبو حاتم: إنه ثقة ولا خلاف فيه، وكان من زهده أنه رُؤي
يُصلي في
قبره. توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " فقام يناجيه " من المناجاة، وهي التحدث سرا.
قوله: " أو بعض القوم " شك من الراوي. ويستفاد من الحديث
فوائد،
الأولى: جواز مناجاة الرجل الرجل بحضرة الجماعة، وإنما
نُهي عن ذلك
بحضرة الواحد.
الثانية: جواز الكلام بعد إقامة الصلاة لا سيما في الأمور
المهمة،
ولكنه مكروه في غير المهمة.
الثالثة: فيه دليل على تقديم الأهم فالأهم من الأمور عند
ازدحامها،
فإنه- عليه السلام- إنما ناجاه بعد الإقامة في أمر مهم من
أمور الدين،
مصلحته راجحة على تقديم الصلاة.
الرابعة: فيه دليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء، وهذه
هي
المسألة المقصودة من الباب.
والحديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد العزيز بن صهيب،
عن أنس، وليس في رواية مسلم: " ولم يذكروا وضوءاً ".
189- ص- حدثنا يحيى بن معين وهناد بن السري وعثمان بن أبي
شيبة
عن عبد السلام بن حرب- وهذا لفظ حديث يحيى- عن أبي خالد
الدالاني، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس: " أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/811) .
(1/461)
كان يسجدُ وينامُ وينفخُ، ثم يقومُ فيصلّي
ولا يتوضأ. فقلت له: صليت ولم
تتوضأ وقد نمت؟ وقال (1) : " إنما الوضوءُ على من نام
مُضطجعاً " (2) .
ش- عبد السلام بن حرب المُلائي أبو بكر الكوفي. سمع أيوب
السختياني، ويونس بن عبيد، وأبا خالد الدالاني، وهشام بن
حسان.
روى عنه: عبد الرحمن بن محمد، وأبو نعيم، وأبو سعيد الأشج،
وغيرهم. قال ابن معين: صدوق. وقال أبو حاتم: ثقة. توفي سنة
ست أو سبع وثمانين ومائة. روى له الجماعة (3) .
وأبو خالد يزيد بن عبد الرحمن بن أبي سلامة أبو خالد
الأزدي
الدالاني، كان ينزل في بني دالان، ودالان بطن من همدان،
ولم يكن
منهم. سمع: قتادة، وأبا عبيدة بن حذيفة، وعون بن أبي
جحيفة،
وغيرهم. روى عنه: شعبة، والثوري، وزهير بن معاوية، وغيرهم.
قال ابن معين: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صدوق ثقة. روى
له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
وبه استدل أصحابنا أن من نام قائماً أو قاعداً/أو راكعاً
أو ساجداً لا
ينقض وضوؤه، وكذا لو نام خارج الصلاة قائماً أو قاعداً.
وقال الشافعي:
ينقض في هذه الهيئات، وله قولان في القاعد، وبه قال أحمد
في رواية،
وعن مالك: لو طال في الركوع والسجود ينقض. وعن أحمد مثله،
وعن أبي يوسف: إذا تعمد النوم في الصلاة ينقض.
والحديث بإطلاقه حجة عليهم؛ لأنه قصر انتقاض الوضوء على
نوم
الاضطجاع بقوله: " إنما الوضوء على من نام مضطجعاً "، وهذا
الحصر
في أجناس النوم؛ لأن الوضوء ينتقض بعين النوم أيضاً،
والنوم متكئاً أو
__________
(1) كذا، وفي سنن أبي داود: " فقال ".
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء من
النوم (77) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3418) .
(4) المصدر السابق (33/7336) .
(1/462)
مستنداً إلى شيء لو أزيل لسقط في معنى
النوم مضطجعاً؛ لأن العلة
استرخاء المفاصل، فيوجد ذلك في هذه الهيئات دون غيرها.
وأخرج هذا الحديث الترمذي، وأحمد في " مسنده "، والطبراني
في
" معجمه "، وابن أبي شيبة في " مصنفه "، والدارقطني في "
سننه ".
ص- زاد عثمان وهناد: " فإنه إذا اضطجع- وقد نام (1) -
استرختْ
مفاصلُهُ ".
قال أبو داود: قوله: " الوضوء على من نام مضطجعاً " هو
حديث منكر،
لا يرويه (2) إلا أبو خالد يزيد الدالاني، عن قتادة. وروى
أوله جماعة عن
ابن عباس لم (3) يذكروا شيئاً من هذا. قال: " كان النبيُ-
عليه السلام-
محفوظاً، وقالت عائشة- رضي الله عنها-: قال النبي- عليه
السلام-:
" تنامُ عيناي ولا ينامُ قلبي ". وقال شعبة: إنما سمع
قتادة من أبي العالية أربعة
أحاديث، حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث
" القضاةُ ثلاثة "، وحديث ابن عباس: " حدثني رجال مرضيون
منهم عمر،
وأرضاهم عندي عمر ".
قال أبو داود: " وذكرتُ حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل
فقال: ما
ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة (4) ؟.
ش- زاد عثمان بن أبي شيبة: وهناد بن السري في حديث ابن
عباس:
" فإنه إذا اضطجع وقد نام استرخت مفاصله ". ورواه البيهقي
في
" سننه " (5) ولفظه فيه: " لا يحب الوضوء على من نام
جالساً أو قائماً أو
ساجداً حتى يضع جنبه، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله ".
وقال
__________
(1) غير موجود في سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود: " لم يروه ".
(3) في سنن أبي داود: " ولم ".
(4) في سنن أبي داود: " وذكرت.... لأحمد بن حنبل فانتهرني
استعظاماً،
وقال: ... على أصحاب قتادة؟ ولم يعبأ بالحديث ".
(5) (1/ 121)
(1/463)
ابن عدي مسنداً عن مهدي بن هلال: ثنا يعقوب
بن عطاء بن أبي رباح،
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ليس على من نام قائماً أو قاعداً وضوء حتى يضطجع جنبه
إلى
الأرض " (1) . وأخرج ابن عدي أيضاً ثم البيهقي من جهته عن
بحر بن
كنيز السقاء، عن ميمون الخياط، عن أبي عياض، عن حذيفة بن
اليمان
قال: " كنتُ في مسجد المدينة جالساً أخفق، فاحتضنني رجل من
خلفي
فالتفت، فإذا أنا بالنبي- عليه السلام. فقلت: يا رسول
الله، هل
وجب عليّ وضوء؟ قال: لا حتى تضع جنبك ". قال البيهقي: تفرد
به
بحر بن كنيز السقاء، وهو ضعيف لا يحتج بروايته (2) .
قوله: " هو حديث منكر " إلى آخره، قد عرفت أن المنكر هو
الحديث
الذي ينفرد به الرجل ولا يعرف متنه من غير روايته، لا من
الوجه الذي
رواه منه ولا في وجه آخر.
قلت: كيف يكون هذا منكراً، وقد استدل به ابن جرير الطبري
أنه لا
وضوء إلا من نوم اضطجاع، وصحح هذا الحديث، وقال: الدالاني
لا
يرفعه إلا عن العدالة والأمانة، والأدلة تدل على صحة خبره.
وروى
مغيرة بن زياد، عن عطاء، عن ابن عباس قال: " من نام وهو
جالس
فلا وضوء عليه، ومن اضطجع فعليه الوضوء " (3) . وقال قتادة
عن ابن
عباس: " الذي يخفق رأسه لا يجب عليه الوضوء حتى يضع جنبه
".
وروى هشام بن عروة، عن نافع، عن ابن عمر: " أنه كان يستثقل
نوماً
وهو جالس ثم يقوم إلى الصلاة ولا يتوضأ، وإذا وضع جنبه
يتوضأ ".
وروى عبدة، عن عبد الملك، عن عطاء قال: " إذا نام الرجل في
الصلاة قائماً أو قاعداً أو ساجداً أو راكعاً فليس عليه
وضوء إلا أن يضع
جنبه ". وروى يزيد بن قسيط أنه سمع أبا هريرة يقول: " من
جلس
__________
(1) الكامل (8/229) .
(2) الكامل (2/235) ، البيهقي (1/120) .
(3) السنن الكبرى للبيهقي (1/120) .
(1/464)
فنام فليس عليه وضوء حتى يضطجع "./وقال
عكرمة وإبراهيم:
" الوضوء حتى يضع جنبه ". وروى أيوب، عن ابن سيرين: " أنه
كان
ينام وهو قاعد ثم يصلي ولا يتوضأ ".
قوله: " كان النبي- عليه السلام- محفوظاً " يريد بهذا أن
نومه- عليه
السلام- في سجوده ما كان يضره؛ لأنه كان محفوظاً من الله
تعالى،
وغيره ليس بمحفوظ، يخاف عليه من خروج ريح ونحوه.
قوله: " وقالت عائشة " إلى آخره دليل آخر على أن نومه-
عليه
السلام- ما كان كنوم غيره؛ لأنه- عليه السلام- كان ينام
عينه ولا ينام
قلبه، بمعنى: أن ذهنه ما كان يغيب عنه، بل كان حاضراً في
نومه ويقظته
بخلاف غيره، وأشار بهذين الكلامين أن هذا من خصائص النبي-
عليه
السلام-، فلا يبقى وجهٌ للاحتجاج به في عدم انتقاض النوم
في الهيئات
التي ذكرناها. قلنا: سلمنا أنه- عليه السلام- كان محفوظاً
وأنه عينه
تنام ولا ينام قلبه، ولكن لا نسلم ترك الاحتجاج به، وكيف
وقد وردت
أدلة أخرى مثلها يؤيد بعضها بعضاً تدل على صحة ما ذهبنا
إليه.
قوله: " وقال شعبة " إلى آخره، إشارة إلى أن حديث قتادة
منقطع.
وقال الترمذي: وقد رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن
ابن عباس
قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه، وقال أبو
القاسم البغوي:
يقال: إن قتادة لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية. وقال
الدارقطني:
تفرد به يزيد الدالاني، عن قتادة ولا يصح، وذكر ابن حبان
أن يزيد
الدالاني كان كثير الخطأ، فاحش الوهم يخالف الثقات في
الروايات،
حتى إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة علم أنها معمولة أو
مقلوبة، لا
يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات، فكيف إذا انفرد عنهم
بالمعضلات؟
وقال البيهقي: فأما هذا الحديث فإنه قد أنكره على يزيد
الدالاني جميع
الحفاظ، وأنكر سماعه من قتادة أحمد بن حنبل، والبخاري،
وغيرهما،
ولعل الشافعي وقف عليه حتى رجع عنه في الجديد. قلنا: ذكر
أبو داود
هاهنا ناقلاً عن شعبة: أن قتادة سمع من أبي العالية أربعة
أحاديث، وذكر
30. شرح سنن أبي داوود 1
(1/465)
في كتاب السنة في حديث: " لا ينبغي لعبد أن
يقول: أنا خير من يونس
ابن متى " أن قتادة لم يسمع من أبي العالية إلا ثلاثة
أحاديث (1) ، وهذا
اختلاف كما ترى.
فإن قيل: قول من يقول: إن قتادة سمع من أبي العالية حديث
ابن
عباس إثبات، وقول من يقول: لم يسمع نفي، والنفي مقدم على
الإثبات. قلنا: هذا لا يمشي في هذا المقام؛ لأن قول مدعي
الإثبات قد
تأيد بالأدلة التي ذكرناها. وقول الدارقطني: " تفرد به
يزيد الدالاني،
عن قتادة، ولا يصح " غير صحيح؛ لأن مذهب الفقهاء
والأصوليين قبول
رفع العدل وزيادته، ويزيد قد وثّقه أبو حاتم وغيره. وقال
ابن معين:
ليس به بأس. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وفي حديثه لين
إلا
أنه مع لينه يكتب حديثه. وروى له أبو داود، والترمذي،
والنسائي،
وابن ماجه. وبهذا يُردُّ قولُ ابن حبان أيضاً. وقول
البيهقي: " قد أنكره
على يزيد جميع الحفاظ " مجرد دعوى لا يلتفت إليه. وقوله: "
وأنكر
سماعه من قتادة: أحمد بن حنبل، والبخاري " غير صحيح لأن
صاحب
" الكمال " ذكر أنه سمع قتادة. وقول أبي داود: " وذكرت
حديث يزيد
الدالاني لأحمد بن حنبل فقال: ما ليزيد الدالاني يُدخل على
أصحاب
قتادة " لا يدل على رده حديث يزيد، ولا على تضعيفه.
190- ص- حدثنا حيوة بن شريح في آخرين قالوا: نا بقية، عن
الوضين بن عطاء، عن محفوظ بن علقمة، عن عبد الرحمن بن
عائذ، عن
علي بن أبي طالب قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وكاءُ السه العينان، فمن نام
فليتوضأ " (2) .ً
__________
(1) روى أبو داود الحديث في باب التخيير بين الأنبياء-
عليهم الصلاة والسلام-
(4669) ، ولم أجد في نسختنا ما نقله المصنف عنه، وقول أبي
داود هذا قد
ذكره الزيلعي في " نصب الراية " (1/44- 45) ، فلعل المصنف
قد نقله منه،
والله أعلم.
(2) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الوضوء من النوم (477) .
(1/466)
ش- بقية بن الوليد.
والوضين بن عطاء بن كنانة بن عبد الله بن مصدع الخزاعي،
أبو كنانة،
أو أبو عبد الله الدمشقي. روى عن: بلال بن سعد، ومحفوظ بن
علقمة، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعطاء بن أبي رباح،
وغيرهم.
روى عنه: بقية بن الوليد، وصدقة بن عبد الله السمين، ويحيى
بن
حمزة، ومحمد بن عمر الواقدي، والحمادان، وغيرهم. قال: أحمد
ابن حنبل: هو ثقة/. توفي سنة تسع وأربعين ومائة. روى له:
أبو داود، وابن ماجه (1) .
ومحفوظ بن علقمة أبو جنادة الحضرمي الحمصي. روى عن: أبيه،
وعبد الرحمن بن عائذ. روى عنه: الوضين بن عطاء، وثور بن
يزيد،
وأبو يحيى محمد بن راشد الخزاعي. قال ابن معين: ثقة. وقال
أبو زرعة: لا بأس به. روى له: أبو داود، وابن ماجه (2) .
وعبد الرحمن بن عائذ الثمالي الأزدي أبو عبد الله أو أبو
عُبيد الله
الشامي الحمصي، يقال: إن له صحبة. روى عن: عمر بن الخطاب،
وعلي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وغضيف بن الحارث، وعوف بن
مالك، وأبي ذر الغفاري، وعبد الله بن عمرو، وجماعة آخرين.
روى
عنه: محفوظ بن علقمة، وسليم بن عامر، ويحيى بن جابر
الطائي،
وسماك بن حرب، وشريح بن عبيد. روى له: أبو داود، والترمذي،
وابن ماجه (3) .
قوله: " في آخرين " قد مر الكلام فيه مرة.
قوله: " وكاء السه " مبتدأ، و " العينان " خبره. السه:
حلقة الدبر،
وهو من الاست، وأصلها سته بوزن فرس، وجمعها أستاه كأفراس
فحذفت الهاء وعوض منها الهمزة فقيل: است، فإذا رددت إليها
الهاء
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 6689) .
(2) المصدر السابق (27/5809) .
(3) المصدر السابق (17/3863) .
(1/467)
وهي لامها وحذفت العين التي هي التاء،
انحذفت الهمزة التي جيء بها
عوض الهاء، فتقول: سه بفتح السين، ويروى: وكاء الست بحذف
الهاء وإثبات العين، والمشهور الأول، و " الوكاء " بكسر
الواو: الحفظ
الذي تُشد به الصُّرة والكيس وغيرهما، ومعنى الحديث: أن
الإنسان مهما
كان مستيقظاً كانت إسته كالمشدودة الموكئ عليها، فإذا نام
انحل وكاؤها،
كنى بهذا اللفظ عن الحدث وخروج الريح، وهو من أحسن
الكنايات
وألطفها، حيث جعل اليقظة للإست كالوكاء للقربة، كما أن
الوكاء يمنع
ما في القربة أن يخرج، كذلك اليقظة تمنع الاست أن تحدث إلا
باجتهاد،
وكنى بالعين عن اليقظة؛ لأن النائم لا عين له تبصر.
" (1) وقد استدل بهذا الحديث من زعم أن قليل النوم وكثيره
ناقض،
وعلى أي هيئة كانت. والجواب: أن هذا النوع لا يُسمى نوماً
مطلقاً،
وإنما يُسمى نعاساً، وذلك لأنه إذا وُجد منه النوم عُدم
معه التماسك
أصلاً، على أن الحديث معلول بوجهين، أحدهما: بقية فيه
مقال،
والثاني: الانقطاع، فذكر ابن أبي حاتم عن أبي زرعة في كتاب
" العلل "
وفي كتاب " المراسيل ": أن ابن عائذ عن علي مرسل، وزاد في
" العلل ":
أنه سأل أباه وأبا زرعة عن هذا الحديث فقالا: ليس بقوي.
وأخرج هذا
الحديث ابن ماجه أيضاً، وأخرجه البيهقي عن بقية أيضاً: "
العين وكاء
السه، فإذا نامت العين استطلق الوكاء " (2) . ورواه
الطبراني في " معجمه "
وزاد: " فمن نام فليتوضأ "، وهو معلول بوجهين أيضاً،
أحدهما:
الكلام في أبي بكر بن أبي مريم، قال أبو حاتم وأبو زرعة:
ليس
بالقوي. والثاني: أن مروان بن جناح رواه عن عطية بن قيس،
عن
معاوية موقوفاً " (3) .
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/45- 46) .
(2) السنن الكبرى (1/118) .
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(1/468)
71- باب: الرجل يطأ
الأذى
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يطأ الأذى، أي:
النجاسة،
وفي بعض النسخ: " يطأ الأذى برجله ".
191- ص- حدثنا هناد بن السري وإبراهيم بن أبي معاوية، عن
أبي معاوية ج، قال: ونا عثمان بن أبي شيبة قال: حدّثني
شريك وجرير
وابن إدريس، عن الأعمش، عن شقيق قال: قال عبد الله: " كنا
لا نتوضأ
من موطئ، ولا نكفُ شعراً ولا ثوباً " (1) .
قال إبراهيم بن أبي معاوية فيه: عن الأعمش، عن شقيق، عن
مسروق،
أو حدثه عنه قال: قال عبد الله، وقال هناد، عن شقيق أو
حدثه عنه. قال:
قال عبد الله.
ش- إبراهيم هو: ابن محمد بن خازم، وهو أبو معاوية الضرير،
وقد ذكرنا ترجمته. روى عن: أبيه، وأبي بكر بن عياش، ويحيى
بن
عيسى الرملي. روى عنه: أبو داود، وعليّ بن الحسين، وأبو
حصين
الرملي. قال أبو زرعة: لا بأس به، صدوق صاحب سُنة. توفي
سنة
ست وثلاثين ومائتين.
وشريك بن عبد الله النخعي، وجرير بن عبد الحميد الرازي.
وابن إدريس هو عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن بن
الأسود
أبو محمد الأودي الكوفي. سمع: أباه، وربيعة بن عثمان،
ويحيى بن
سعيد الأنصاري، والأعمش، وغيرهم./روى عنه: مالك بن أنس،
وعبد الله بن المبارك، وأحمد بن عبد الله بن يونس، وأحمد
بن حنبل،
وابنا أبي شيبة، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة في كل شيء. روى
له
الجماعة (2)
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: كف الشعر والثوب في
الصلاة
(1041) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3159) .
(1/469)
وشقيق بن سلمة، وعبد الله بن مسعود- رضي
الله عنه-.
قوله: " من موطئ " الموطئ: ما يوطأ من الأذى في الطريق،
وأصله
الموطوء بالواو.
قوله: " ولا يكف شعراً ولا ثوباً " أي: لا نقيهما من
التراب إذا صلينا
صيانة لهما عن التتريب، ولكن نرسلهما حتى يقعا بالأرض
فيسجدا مع
الأعضاء. والمراد من الحديث: أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء
للأذى إذا
أصاب أرجلهم لا أنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم ولا ينظفونها
من الأذى إذا
أصابها.
قوله: " قال إبراهيم بن أبي معاوية فيه " أي: في هذا
الحديث عن
سليمان الأعمش، عن شقيق، عن مسروق، عن عبد الله.
قوله: " أو حدثه عنه " يقرأ بوجهين، الأول: على صيغة
المعلوم،
والمعنى: أو حدث شقيق الحديث عن مسروق قال: قال عبد الله.
والثاني: على صيغة المجهول ويكون الضمير المنصوب في حدثه
راجعاً
إلى شقيق، والمعنى: حدثه محدث عن مسروق، عن عبد الله.
قوله: " وقال هناد: عن شقيق أو حدثه عنه " يجوز في " أو
حدثه عنه "
الوجهان المذكوران فافهم.
ومسروق بن الأجدع بن مالك بن أمية بن عبد الله بن مُر بن
سلمان بن
الحارث بن سعد بن عبد الله بن وداعة أبو عائشة الهمداني
الكوفي. روى
عن: أبي بكر الصدّيق، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب.
وسمع: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وخباب بن الأرت،
وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو بن العاص، والمغيرة بن
شعبة،
وعائشة الصديقة. وروى عن معاذ بن جبل. روى عنه: أبو وائل
شقيق
ابن سلمة (1) وهو أكبر منه، وإبراهيم النخعي، وغيرهم. وقال
__________
(1) في الأصل: " وأبو وائل وشقيق بن سلمة " كذا.
(1/470)
أحمد بن عبد الله: تابعي ثقة، توفي سنة
ثلاث وستين. روى له
الجماعة (1)
وحديث عبد الله هذا أخرجه ابن ماجه أيضاً.
***
72- باب: فيمن يحدث في صلاته
(2)
أي: هذا باب في بيان حكم من يصيبه الحدث في الصلاة.
192- ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا جرير بن عبد
الحميد،
عن عاصم الأحول، عن عيسى بن حطان، عن مسلم بن سلام، عن علي
بن
طلق قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " إذا فسى أحدُكُم في الصلاة فلينصرفْ،
وليتوضأ (3) ، وليُعد الصلاة " (4) .
ش- عيسى بن حطان- بكسر الحاء المهملة وتشديد الطاء-
الرقاشي.
روى عن: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو، ومصعب بن
سعد، ومسلم بن سلام. روى عنه: عاصم الأحول، ويزيد بن عياض،
وعليّ بن زيد، وغيرهم. روى له أبو داود، والترمذي (5) .
ومسلم بن سلام الحنفي أبو عبد الملك. روى عن طلق بن علي.
روى
عنه عيسى بن حطان. روى له: أبو داود، والترمذي (6) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5902) .
(2) في سنن أبي داود: " الصلاة ".
(3) في سنن أبي داود: " فليتوضأ ".
(4) النسائي: الكبرى، كتاب عشرة النساء (9024، 9025، 9026)
، فكر
حديث علي بن طلق في إتيان النساء في أدبارهن، الترمذي:
كتاب الرضاع،
باب: في كراهية إتيان النساء في أدبارهن (1164، 1166) ،
ويأتي برقم
(976) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4620) .
(6) المصدر السابق (27/5930) .
(1/471)
وعلي بن طلق الحنفي اليمامي الصحابي، روى
عنه مسلم بن سلام.
روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
قوله: " إذا فسى " من فسى يفسو فسواً، والاسم الفساء
بالمد، وبهذا
الحديث استدل الشافعي، ومالك، وأحمد: أن المصلي إذا أصابه
الحدث
يتوضأ ويعيد الصلاة. وقال أصحابنا: يتوضأ ثم يبني على
صلاته،
و" (2) استدلوا بما أخرجه ابن ماجه في " سننه " (3) في
الصلاة عن
إسماعيل بن عياش، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة
قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي
فلينصرف فليتوضأ، ثم لبين على صلاته، وهو في ذلك لا يتكلم
".
ورواه الدارقطني في " سننه " (4) ولفظه قال: " إذا قاء
أحدكم في
صلاته، أو قلس فلينصرف، فليتوضأ، ثم لبين على ما مضى من
صلاته
ما لم يتكلم "، قال الدارقطني: الحفاظ من أصحاب ابن جريج
يروونه
عن ابن جريج، عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- مرسلاً.
ورواه ابن عدي أيضاً في " الكامل " (5) . ورواه عبد الرزاق
عن ابن
جريج مرسلاً. وقال: هذا هو الصحيح.
وبما رواه الدارقطني (6) أيضاً عن عمر بن رياح: ثنا عبد
الله بن
طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رعف
في صلاته توضأ، ثم بنى على ما بقي من صلاته ".
وأخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " نحو هذا الحديث موقوفاً
على عمر
ابن الخطاب، علي بن أبي طالب، وأبي بكر الصّدّيق، وسلمان،
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/69) ،
وأسد الغابة
(4/125) ، والإصابة (2/510) .
(2) انظر: نصب الراية (2/61- 62) .
(3) كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في البناء على الصلاة
(1221) .
(4) (1/153- 154) .
(5) (1/480- ترجمة إسماعيل بن عياش) .
(6) (1/156- 157) .
(1/472)
وابن عمر، وابن مسعود. ومن التابعين عن
علقمة، وطاوس، وسالم
ابن عبد الله، وسعيد بن جبير، والشعبي، وإبراهيم النخعي،
وعطاء،
ومكحول، وسعيد بن المسيب.
والجواب عن هذا الحديث: أن هذا محمول على من تعمد ذلك،
وعند ذلك نحن نقول/أيضاً بعدم جواز البناء، على أن ابن
القطان قال
في كتابه: وهذا حديث لا يصح، فإن مسلم بن سلام الحنفي
مجهول
الحال. وقال الترمذي: سمعت محمداً يقول: لا أعرف لعلي بن
طلق
غير هذا الحديث " (1) . وقال صاحب " الكمال " في ترجمة علي
بن
طلق: روى عن النبي- عليه السلام- حديث: " لا تأتوا النساء
في
أعجازهن "، وهذا يقوي كلام ابن القطان: إن هذا الحديث لا
يصح.
***
73- باب: في المذي
أي: هذا باب فيْ بيان حكم المذي، المذي: بفتح الميم، وسكون
الذال المعجمة، وبكسر الذال، وتشديد الياء، وبكسر الذال
وتخفيف
الياء، حكي ذلك عن ابن الأعرابي، وهو الماء الرقيق الذي
يخرج عند
المداعبة والتقبيل. وقال ابن الأثير (2) : " هو البلل
اللزج الذي يخرج من
الذكر عند ملاعبة النساء، ولا يحب فيه الغسل، وهو نجس يجب
غسله
وينقض الوضوء ".
وقال غيره: يقال فيه: مذى الرجل وأمذى ومذَّى بالتشديد.
والودي
بفتح الواو، وسكون الدال المهملة: ماء رقيق يخرج من الذكر
بعد البول.
وقال ابن الأثير (3) : " الودي بسكون الدال وبكسرها،
وتشديد الياء:
البلل اللزج الذي يخرج من الذكر بعد البول، ويقال: ودى،
ولا يقال:
أودى. وقيل: التشديد أصح وأفصح من السكون ".
والمني بتشديد الياء: ماء خاثر أبيض، يتولد منه الولد،
وينكسر به الذكر.
193- ص- حدثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا عبيدة بن حميد
الحذاء، عن
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية
(2) النهاية (4/312) .
(3) النهاية (5/168) .
(1/473)
الركين بن الربيع، عن حصين بن قبيصة، عن
عليّ- رضي الله عنه- قال:
" كنتُ رجلاً مذاءً، فجعلتُ أغتسلُ حتى تشقق ظهري. قال:
فذكرتُ
ذلك للنبيّ- عليه السلام- أو ذُكر له، فقال رسولُ الله
عليه السلام: لا
تفعلْ، إذا رأيت المذي فاغسلْ ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة،
فإذا
فضخْت الماء فاغْتسلْ " (1) .
ش- عبيدةُ- بفتح العين، وكسر الباء الموحدة- ابن حميد بن
صهيب
أبو عبد الرحمن الكوفي الحذاء التيمي، وقيل: الليثي، وقيل:
الضبي.
سمع: عبد العزيز بن رفيع، والأعمش، ومنصور بن المعتمر،
وغيرهم. روى عنه: الثوري، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن محمد
الناقد، وجماعة آخرون. قال ابن سعد: كان ثقة. وقال الساجي:
ليس بالقوي في الحديث، وهو من أهل الصدق. توفي سنة تسعين
ومائة، ومولده سنة تسع ومائة. روى له الجماعة (2) .
والركن بن الربيع بن عُميلة الفزاري أبو الربيع الكوفي.
روى عن: أبيه،
وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير، وعكرمة،
وحصين
ابن قبيصة. روى عنه: الثوري، وشعبة، وشريك، وزائدة،
وغيرهم.
قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. روى له الجماعة
(3)
وحصن بن قبيصة الفزاري الكوفي. سمع: علي بن أبي طالب،
وعبد الله بن مسعود. روى عنه: الركين بن الربيع، والقاسم
بن
عبد الرحمن. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) .
__________
(1) البخاري: كتاب العلم، باب: من استحيا فأمر غيره
بالسؤال (132) ،
مسلم: كتاب الحيض، باب: المذي (303) ، النسائي: كتاب
الطهارة،
باب: ثواب من توضأ كما أمر (1/97) ، وكتاب الغسل والتيمم،
باب:
الوضوء من المذي (1/214) من طريق محمد ابن الحنفية عن أبيه
به.
وأخرجه الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المني
والمذي (114) ،
وابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الوضوء من المذي (504) من
طريق عبد
الرحمن بن أبي ليلى، عن علي به. وأخرجه النسائي: كتاب
الطهارة،
باب: الغسل من المني (1/111) من طريق حصين بن قبيصة، عن
علي به.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3752) .
(3) المصدر السابق (9/1925) .
(4) المصدر السابق (6/1365) .
(1/474)
قوله: " مذاء " المذاء فعال للمبالغة في
كثرة المذي، وقد مذى الرجل
يمذي من باب ضرب يضرب، وأمذى والمذاء المماذاة فعال منه.
قوله: " حتى تشقق طهري " من تشقق الجلد يتشقق تشققاً.
قوله: " أو ذُكر له " شك من الراوي.
قوله: " فإذا فضخت الماء " بالفاء والضاد والخاء المعجمتين
بمعنى دفقت.
وأخرج هذا الحديث البخاري ومسلم من حديث محمد بن عليّ- وهو
ابن الحنفية- عن أبيه بنحوه مختصراً، وأخرجه النسائي،
والترمذي،
وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي، وقال
الترمذي:
هذا حديث حسن صحيح.
واعلم أن خروج المذي لا يوجب الغسل بالإجماع. وقال أبو
حنيفة
والشافعي وأحمد وجماهير العلماء: إنه يوجب الوضوء، وإنه
نجس لهذا
الحديث.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: أنه لا يوجب الغسل
ويوجب
الوضوء.
الثانية: أن الماء إذا خرج على وجه الدفق يجب عليه الغسل.
الثالثة: أن الرجل ينبغي بل يجب عليه أن يسأل عن أمور
دينه، وإن
كان فيه بشاعة بترك الحياء.
194- ص- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي النضر،
عن
سليمان بن يسار، عن المقداد بن الأسود: أن علي بن أبي
طالب- كرم الله
وجهه (1) - أمره أن يسأل (2) رسول الله عن الرجل إذا دنى
من أهْله فخرج
منه المذيُ/ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته، وأنا (3) أستحي أن
أسأله. قال
__________
(1) كذا، وفي سنن أبي داود: " رضي الله عنه "، وتقدم
التنبيه على هذه الكلمة
(ص/182) .
(2) في سنن أبي داود: " يسأل له ".
(3) كلمة " أنا " غير موجودة في سنن أبي داود.
(1/475)
المقدادُ: فسألتُ رسول الله يكنً عن ذلك،
فقال: " إذا وجد أحدُكُم ذلك
فلينضحْ فرجهُ، وليتوضأ وضوءهُ للصلاة " (1) .
ش- مالك بن أنس.
وأبو النضر سالم بن أبي أمية: أبو النضر المدني القرشي
التيمي، مولى
عمر بن عبيد الله التيمي، وكاتبه. روى عن: أنس بن مالك،
وعبد الله
ابن أبي أوفى، وعوف بن مالك، والسائب بن يزيد، وسعيد بن
المسيب، وجماعة آخرين. روى عنه: مالك، والثوري، والليث،
وغيرهم. وقال أحمد بن عبد الله: مدني ثقة، رجل صالح. توفي
سنة
تسع وعشرين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وسليمان بن يسار: أبو أيوب الهلالي أخو عطاء، وعبد الملك،
وعبد الله موالي ميمونة زوج النبي- عليه السلام-. سمع: عبد
الله بن
عباس، وأبا هريرة، وجابر بن عبد الله، والمقداد بن الأسود،
وغيرهم.
روى عنه: عمرو بن دينار، والزهري، ويحيى الأنصاري، وصالح
بن
كيسان، ونافع مولى [ابن] عمر، وجماعة آخرون. قال ابن سعد:
كان ثقة، عالماً رفيعاً فقيهاً، كثير الحديث. مات سنة سبع
ومائة، وهو
ابن ثلاث وسبعين سنة. روى له الجماعة (3) .
والمقداد بن الأسود هو: المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك
بن ربيعة
ابن ثمامة البهراني الكندي، يكنى أبا الأسود، أو أبو (4)
عمرو، أو
أبو (4) سعيد وإنما قيل ابن الأسود لأنه كان في حجر الأسود
بن عبد يغوث
ابن وهب بن عبد مناف بن زهرة، شهد بدراً والمشاهد كلها.
روي له عن
رسول الله اثنان وأربعون حديثاً، اتفقا على حديث واحد،
ولمسلم ثلاثة.
__________
(1) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ما ينقض الوضوء وما لا
ينقض الوضوء من
المذي (1/97) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الوضوء من
المذي (505) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2141) .
(3) المصدر السابق (12/2574) .
(4) كذا.
(1/476)
روى عنه: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن
مسعود، وابن عباس،
والسائب بن يزيد، وطارق بن شهاب، وغيرهم. مات بالجُرف وهو
على عشرة أميال من المدينة، ثم حمل على رقاب الرجال إليها
سنة ثلاث
وثلاثين في خلافة عثمان، وهو ابن سبعين سنة، وصلى عليه
عثمان.
روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " فلينضح " المراد بالنضح هاهنا: الغسل، يدل عليه
الحديث
الذي قبله: " فاغسل ذكرك ". قال الشيخ محيي الدين (2) : "
النضح
يكون غسلاً ويكون رشا، وقد جاء في الرواية الأخرى: " يغسل
ذكره "
فتعين حمل النضح عليه ".
وأخرجه النسائي وابن ماجه. وقال الإمام الشافعي: حديث
سليمان
ابن يسار، عن المقداد مرسل، لا نعلم سمع منه شيئاً. وقال
البيهقي:
هو كما قال. وقد رواه بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار،
عن ابن
عباس من قصة علي، والمقداد موصولاً.
قلت: قد ذكر صاحب " الكمال " أن سليمان بن يسار سمع
المقداد بن،
الأسود كما ذكرناه الآن. ويستفاد من هذا الحديث فوائد،
الأولى: أن
المذي يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل.
والثانية: جواز الاستنابة في الاستفتاء.
والثالثة: يجوز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على
المقطوع به،
فإن عليا- رضي الله عنه- اقتصر على قول المقداد مع تمكنه
من سؤال
النبي- عليه السلام-.
والرابعة: فيه استحباب حُسن العشرة مع الأصهار، وأن الزوج
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/472) ،
وأسد الغابة
(5/251) ، والإصابة (3/454) .
(2) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/213) .
(1/477)
يستحب له أن لا يذكر شيئاً يتعلق بجماع
النساء والاستمتاع بهن بحضرة
أبيها وأخيها وابنها وغيرهم من أقاربها، ولهذا قال علي-
رضي الله
عنه-: " فإن عندي ابنته وأنا أستحي ".
195- ص- وثنا أحمد بن يونس قال: نا زهير قال: نا هشام بن
عروة،
عن عروة: أن علي بن أبي طالب قال للمقداد، وذكر نحو هذا،
قال:
" فسأله المقدادُ، فقال رسولُ الله: ليغْسلْ ذكره وأنثييْه
" (1) .
ش- زهير بن معاوية الكوفي.
قوله: " نحو هذا " أي: نحو الطريق المذكور.
قوله: " أنثييه " الأنثيان الخصيتان. وأخرجه النسائي ولم
يذكر " أنثييه ".
وقال أبو حاتم الرازي: عروة بن الزبير عن علي مرسل. وقيل
في غسل
الأنثيين: إنه استطهار بزيادة التطهر؛ لأن المذي ربما
انتشر فأصابها،
ويُقال: إن الماء البارد إذا أصاب الأنثيين رد المذي، وكسر
من غربه،
فلذلك أمره بغسلهما.
ص- قال أبو داود: رواه الثوري رحمه الله/وجماعة عن هشام بن
عروة، عن أبيه، عن المقداد، عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله
عنه-، عن
النبي- عليه السلام- قال فيه: " والأنثيين " (2) .
ش- أي: روى هذا الحديث سفيان الثوري وغيره من الرواة عن
هشام
ابن عروة، عن أبيه الزبير بن العوام (3) ، عن المقداد، عن
عليّ بن
أبي طالب- رضي الله عنه- عن النبي- عليه السلام-
__________
(1) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ما ينقض الوضوء وما لا
ينقض الوضوء من
المذي (1/96) .
(2) غير موجود في سنن أبي داود، وفيه بدل منه: " حدثنا عبد
الله بن مسلمة
القعنبي، قال: حدثنا أبي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن
حديث
حدثه عن علي بن أبي طالب قال: قلت للمقداد، فذكر معناه.
قال أبو داود: رواه المفضل بن فضالة وجماعة والثوري وابن
عيينة، عن
هشام، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب. ورواه ابن إسحاق، عن
هشام بن
عروة، عن أبيه، عن المقداد، عن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يذكر " أنثييه ".
(3) كذا، ولعل الجادة: " عن أبيه عروة بن الزبير ".
(1/478)
قوله: " قال فيه " أي: قال أبو داود فيما
روى الثوري وغيره:
" والأنثيين "، والمعنى: ليغسل ذكره والأنثيين.
196- ص- حثثنا مسدد قال: ثنا إسماعيل قال: ثنا محمد بن
إسحاق
قال: حدثني سعيد بن عبيد بن السباق، عن أبيه، عن سهل بن
حنيف قال:
" كنتُ ألقى من المذي شدةً، وكنتُ أكثرُ من (1) الاغتسال،
فسألتُ رسول الله
عن ذلك فقال: " إنما يُجزئك من ذلك الوُضوءُ ". قلتُ: يا
رسول الله،
فكيف بما يصيبُ ثوبي منه؟ فقال: " يكفيك أن تأخذ كفا من
ماء، فتنضح
بها من تحت (2) ثوبك حيثُ ترى أنه أصابهُ " (3) .
ش- إسماعيل هذا هو ابن علية، وعلية أمه، واسم أبيه:
إبراهيم بن
سهم بن مقسم البصري، أبو البشر الأسدي، أسد خزيمة مولاهم
أصله
من الكوفة. سمع: عبد العزيز بن صهيب، وأيوب السختياني،
وحميدا (4) الطويل، وغيرهم. روى عنه: ابن جريج، وابن حنبل،
وابن معين، وابن أبي شيبة، وغيرهم. توفي ببغداد سنة أربع
وتسعين
ومائة. روى له الجماعة (5) .
وسعيد بن عُبيد بن السباق أبو السباق الثقفي. روى عن:
أبيه،
وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وغيرهم. روى عنه: الزهري،
وإسماعيل بن محمد، وابن إسحاق، وغيرهم. روى له: أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (6) .
وأبوه عبيد بن السباق الحجازي. روى عن: سهل بن حنيف،
وأسامة
ابن زيد، وزيد بن ثابت، وغيرهم. روى عنه: ابنه سعيد،
__________
(1) في الأصل: " منه "، وما أثبتناه من سنن أبي داود.
(2) كلمة " تحت " غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المذي يصيب
الثوب (115) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الوضوء من المذي (506) .
(4) في الأصل: " حميد ".
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/417) .
(6) المصدر السابق (10/2322) .
(1/479)
وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، والزهري،
وغيرهم. روى له الجماعة (1)
وسهل بن حنيف بن وهب الأنصاري المدني أبو ثابت، أو أبو
سعيد،
أو أبو الوليد، شهد بدراً والمشاهد كلها. رُوي له عن رسول
الله أربعون
حديثاً، اتفقا على أربعة أحاديث، ولمسلم حديثان. روى عنه:
ابنه
أبو أمامة بن سهل، وأبو وائل الأسدي، وعبد الرحمن بن أبي
ليلى،
وغيرهم. توفي بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه علي بن
أبي طالب،
وكبر عليه ستا وقال: هو من أهل بدر. روى له الجماعة (2) .
قوله: " إنما يجزئك " أي: يكفيك.
قوله: " فتنضح " أي: تغسل، وقيل: معناه: ترش بها، وأخرجه
الترمذي وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ولا
نعرف (3) مثل هذا إلا من حديث محمد بن إسحاق.
197- ص- حدثنا إبراهيم بن موسى قال: ثنا عبد الله بن وهب
قال: نا
معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن حرام بن حكيم، عن
عمه
عبد الله بن سعد قال: " سألت رسول الله عما يوجبُ الغسل؟
وعن الماء
يكونُ بعد الماء؟ فقال: " ذاك المذيُ، وكل فحْل يمْذي،
فتغسلُ من ذلك
فرجك وأنثييك، وتوضأ وضُوءك للصلاة " (4) .
ش- معاوية بن صالح بن معاوية بن عبيد الله بن يسار، أبو
عبيد الله
الأشعري الدمشقي. روى عن: محمد بن سهل الدمشقي، ويحيى بن
معين، ومحمد بن بشار بندار، وغيرهم. روى عنه: أبو حاتم،
__________
(1) المصدر السابق (19/3717) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/92) ،
وأسد الغابة
(2/470) ، والإصابة (2/87) .
(3) في الأصل: " ولا نعرفه ".
(4) تفرد به أبو داود.
(1/480)
وأبو زرعة، وأبو عوانة، والنسائي، وقال: لا
بأس به. توفي بدمشق
سنة ثلاث وستين ومائتين (1) .
والعلاء بن الحارث بن عبد الوارث، أبو وهب الدمشقي. روى
عن:
مكحول، والقاسم بن عبد الرحمن، وحكيم بن حرام (2) ،
وغيرهم.
روى عنه: الأوزاعي، ومعاوية بن صالح، ومعاوية بن يحيى،
وغيرهم.
قال أحمد بن حنبل: هو صحيح الحديث. وقال ابن المديني: ثقة.
توفي سنة ست وثلاثين ومائة، وهو ابن سبعين سنة. روى له
الجماعة
إلا البخاري (3) .
وحرام- بالحاء والراء المهملتين- ابن حكيم بن خالد بن سعد
بن
حكم الأنصاري. روى عن: أبي هريرة، وعمه عبد الله بن سعد،
وأبي ذر الغفاري، وأنس بن مالك، وغيرهم. روى عنه: العلاء
بن
الحارث، وزيد بن واقد، وعبد الله بن العلاء بن
زيد،/وغيرهم.
قال العجلي: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن
ماجه (4) .
وعبد الله بن سعد الأنصاري عم حرام بن حكيم الدمشقي عداده
في
أهل الشام، يقال: إنه شهد القادسية، وكان يومئذ على مقدمة
الجيش.
روى عنه: حرام بن حكيم، وخالد بن معدان. روى له: أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (5) .
قوله: " وعن الماء يكون بعد الماء " أي: وسألته أيضاً عن
المذي يكون
بعد البول.
قوله: " وذاك " إشارة إلى الماء يكون بعد الماء.
قوله: " وكل فحل " مبتدأ، وخبره: قوله: " يمذي " يجوز أن
يكون
من أمذى ومن مذى بالتخفيف، ومذى بالتشديد.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/6059) .
(2) كذا، والجادة: " حرام بن حكيم ".
(3) المصدر السابق (22/4560) .
(4) المصدر السابق (5/1153) .
(5) المصدر السابق (15/3299) .
31. شرح سنن أبي داوود 1
(1/481)
قوله: " فتغسل من ذلك " مضارع مرفوع، ولكن
بمعنى الأمر، وكذلك
قوله: " وتوضأ " وأصله تتوضأ حذفت منه إحدى التاءين
للتخفيف كما
في (ناراً تلظى) (1) أصله " تتلظى ". وروى هذا الحديث أحمد
في
" مسنده ". قال عبد الحق في " أحكامه ": " إسناده لا يحتج
به ".
198- ص- حدّثنا هارون بن محمد بن بكار قال: نا مروان بن
محمد
قال: أنا الهيثم بن حميد قال: نا العلاء بن الحارث، عن
حرام بن حكيم،
عن عمه: " أنه سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال:
لك ما فوق الإزار ". وذكر مؤاكلة الحائض أيضاً، وساق
الحديث (2) .
ش- هارون بن محمد بن بكار بن بلال (3) العامري الدمشقي.
روى
عن: مروان بن محمد، وأبيه محمد بن بكار، ومحمد بن عيسى،
وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وأبو حاتم الرازي،
وقال:
صدوق. وقال النسائي: لا بأس به (4) .
ومروان بن محمد بن حسان، أبو بكر الدمشقي. سمع: سعيد بن
عبد العزيز، ومالك بن أنس، والهيثم بن حميد، وغيرهم. روى
عنه:
صفوان بن صالح، وهشام بن خالد الأزرق، وعبد الله بن أحمد
بن
__________
(1) سورة الليل: (14) .
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في مؤاكلة الحائض
وسؤرها (133) .
تنبيه: في سنن أبي داود ذُكر حديث بعد هذا، وقد سقط من
نسختنا، وهو:
حدثنا هشام بن عبد الملك اليزني، حدثنا بقية بن الوليد، عن
سعد الأغطش
- وهو: ابن عبد الله- عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي، قال
هشام: وهو
ابن قرط أمير حمص، عن معاذ بن جبل قال: " سألت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما
يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال: فقال: ما فوق الإزار،
والتعفف
عن ذلك أفضل ".
قال أبو داود: ولي هو- يعني الحديث- بالقوي.
(3) في الأصل: " بكار ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6523) .
(1/482)
ذكوان، وجماعة آخرون. قال أبو حاتم: ثقة.
روى له: مسلم،
وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
والهيثم بن حميد أبو أحمد الغساني مولاهم الدمشقي. سمع:
العلاء
ابن الحارث، ويحيى بن الحارث، والنعمان بن المنذر،
والأوزاعي،
وغيرهم. روى عنه: مروان بن محمد، وعبد الله بن يوسف،
وأبو توبة الربيع بن نافع، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة.
وقال
النسائي: ليس به بأس. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي،
وابن ماجه (2) .
قوله: " وهي حائض " جملة اسمية وقعت حالاً من قوله: "
امرأتي "
يقال: حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً فهي حائض وحائضة،
والجمع
" حيض " و " حوائض "، والحيض في اللغة: السيلان، يقال:
حاضت
السمُرة إذا خرج منها الصمغ، وحاضت الأرنب إذا خرج منها
الدم،
وفي الشرع: دم ينفضه رحم امرأة سليمة عن الداء والصغر.
قوله: " لك ما فوق الإزار " أي: لك أن تستمتع بما فوق
الإزار، وما
تحت الإزار ليس له أن يستمتع به، وهو من السرة إلى الركبة؛
لأن
عادتهن أن يشددن الأزر في وسطهن أيام حيضهن، وبهذا احتج
أبو حنيفة
أن قربان ما تحت الإزار حرام، وبه قال مالك، والشافعي،
وأبو يوسف
في رواية، وقال محمد: لا يجتنب إلا موضع الدم، وبه قال
أحمد،
وداود، وأصبغ، وأبو إسحاق، وعليّ بن أبي هريرة، وأبو يوسف
في
رواية، والحديث حجة عليهم.
قوله: " وذكر مؤاكلة الحائض " أي: ذكر عبد الله بن سعد في
حديثه
مؤاكلة الحائض، أي: أكل الطعام معها، وساق الحديث، وهو ما
رواه
الترمذي: حدثنا عباس العنبري ومحمد بن عبد الأعلى قالا: نا
عبد الرحمن بن مهدي، نا معاوية بن صالح، عن العلاء بن
الحارث،
__________
(1) المصدر السابق (27/5876) .
(2) المصدر السابق (30/6643) .
(1/483)
عن حرام بن معاوية، عن عمه عبد الله بن سعد
قال: سألت النبي
- عليه السلام- عن مؤاكلة الحائض فقال: " واكلها " قال:
وفي الباب
عن عائشة وأنس. قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن سعد حديث
حسن
غريب، وهو قول عامة أهل العلم، لم يروا بمؤاكلة الحائض
بأساً.
وسيجيء له باب عقد [هـ] له أبو داود.
***
/74- باب: في الإكسال
أي: هذا باب في بيان حكم الإكسال، من أكسل الرجل إذا جامع
ثم
أدركه فتور فلم ينزل، ومعناه: صار ذا كسل، وفي كتاب العين:
كسل
الفحل إذا فتر عن الضراب.
199- ص- حدثنا أحمد بن صالح قال: ثنا ابن وهب قال: أخبرني
عمرو- يعني ابن الحارث- عن ابن شهاب قال: حدثني بعض من
أرضى،
أن سهل بن سعد الساعدي أخبره، أن أبي بن كعب أخبره: " أن
رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما جعل ذلك رخصة
للناس في أوّل الإسلام لقلة الثياب، ثم أمرنا
بالغُسل، ونهى عن ذلك " (1) .
قال أبو داود: يعني: " الماء من الماء ".
ش- أحمد بن صالح المصري المعروف بابن الطبري قد ذكر. وابن
وهب هو عبد الله بن وهب، وعمرو بن الحارث المصري، وابن
شهاب
هو محمد بن مسلم الزهري.
وأُبي بن كعب بن قيس (2) الأنصاري، أبو المنذر، أو أبو
الطفيل.
رُوي له عن رسول الله مائة حديث وأربعة وستون حديثاً،
اتفقا منها على
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء أن الماء من الماء
(110) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى
الختانان
(609) .
(2) في الأصل: " بن المنذر " كذا.
(1/484)
ثلاثة أحاديث، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم
بسبعة. روى عنه:
أبو أيوب الأنصاري، وعبد الله بن عباس، وأبو موسى الأشعري،
وغيرهم من الصحابة، ومن التابعين: سُويد بن غفلة، وزر بن
حبيش،
وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وغيرهم. مات سنة تسع عشرة، وقيل:
سنة عشرين أو اثنتين وعشرين أو ثلاثين بالمدينة، شهد بدراً
والعقبة الثانية.
روى له الجماعة (1) .
قوله: " إنما جعل ذلك " أي: " الماء من الماء " كما فسره
أبو داود
بقوله: " يعني: الماء من الماء ".
والحاصل: أن وجوب الغسل كان في إنزال الماء لا غير، وذلك
كان
في أول الإسلام رخصة لقلة ثياب الناس، ثم نسخ ذلك، وأمر
بالغسل
بالإكسال، وإن لم ينزل، وقد بقي على المذهب الأول جماعة من
الصحابة لم يبلغهم خبر التقاء الختانين، منهم: سعد بن أبي
وقاص،
وأبو أيوب الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، ورافع بن خديج،
وزيد بن
خالد، وممن ذهب إلى قولهم: سليمان الأعمش، ومن المتأخرين:
داود
ابن علي. ومن الناس من ادعى أن التنصيص على الشيء باسمه
العلم
يوجب نفي الحكم عما عداه؛ لأن الأنصار فهموا عدم وجوب
الاغتسال
بالإكسال من قوله- عليه السلام-: " الماء من الماء " أي:
الاغتسال
واجب بالمني، فالماء الأول هو المطهر، والثاني هو المني، و
" من "
للسببية، والأنصار كانوا من أهل اللسان وفصحاء العرب، وقد
فهموا
التخصيص منه حتى استدلوا به على نفي وجوب الاغتسال
بالإكسال لعدم
الماء، ولو لم يكن التنصيص باسم الماء موجباً للنفي عما
عداه لما صح
استدلالهم على ذلك. ومذهب الجمهور أن التنصيص باسم الشيء
لا يدل
على نفي الحكم عما عداه؛ لأن قوله تعالى: (ولا تقُولن لشيء
إني
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/47) ،
وأسد الغابة (1/61) ،
والإصابة (1/19) .
(1/485)
فاعلٌ ذلك غداً* إلا أن يشاء اللهُ) (1)
أي: إلا أن تقول: إن شاء الله،
لم يدل على تخصيص الاستثناء بالغد دون غيره من الأوقات في
المستقبل
كبعد الغد، وبعد شهر، أو سنة ونحوها. وكذا قوله- عليه
السلام-:
" لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسلن فيه من
الجنابة " (2) لم
يدل على التخصيص بالجنابة دون غيرها من أسباب الاغتسال
كالحيض
والنعاس، وأما استدلال الأنصار على انحصار الغسل على
الماء، فليس
من دلالة التنصيص على التخصيص، بل باللام المعرفة الموجبة
للاستغراق
عند عدم المعهود، فيصير المعنى: جميع الاغتسالات المتعلقة
بالمني منحصر
فيه لا يثبت لغيره، فلا يحب الغسل بالإكسال لعدم الماء،
لكن نحن
نقول: إن الماء تارة يثبت عياناً كما في حقيقة الإنزال،
ومرة دلالة كما في
التقاء الختانين، فإنه سبب لنزول الماء، فأقيم مقامه لكونه
أمراً خفيا كالنوم
أقيم مقام الحدث، لتعذر الوقوف عليه.
200- ص- حدّثنا محمد بن مهران الرازي قال: ثنا مُبشر
الحلبي، عن
محمد أبي غسان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: حدثني أبي
بن
كعب أن الفتيا التي كانوا يفتُون أن الماء من الماء كأنتْ
رُخصةً رخّصها
رسولُ الله/في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعدُ (3) .
ش- محمد بن مهران الجمال أبو جعفر الرازي. سمع: معتمر بن
سليمان، وجرير بن عبد الحميد، وعيسى بن يونس، وفضيل بن
عياض،
وبهز بن أسد، ومبشرا (4) الحلبي، وغيرهم. روى عنه: أبو
زرعة،
وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وغيرهم. توفي أول
سنة
تسع وثلاثين ومائتين (5) .
__________
(1) سورة الكهف: (23، 24) .
(2) تقدم برقم (58) .
(3) انظر الحديث السابق.
(4) في الأصل: " مبشر ".
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5637) .
(1/486)
ومبشر بن إسماعيل أبو إسماعيل الحلبي
الكلبي مولاهم. سمع:
الأوزاعي، وشعيب بن أبي حمزة، وتمام بن نجيح، وغيرهم. روى
عنه: عثمان بن أبي شيبة، وزياد بن أيوب، ودُحيم، ومحمد بن
مهران،
وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة مأموناً. مات بحلب سنة
مائتين.
روى له الجماعة إلا النسائي (1) .
ومحمد بن مطرف بن داود بن مطرف بن عبد الله بن سارية، أبو
غسان ح
الليثي المدني، من مدينة الرسول، نزل عسقلان الشام. وسمع:
أبا حازم سلمة بن دينار، وصفوان بن سُليم، ومحمد بن
المنكدر، وابن
عجلان، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وان المبارك، ومبشر
الحلبي،
وغيرهم. قال أحمد: ثقة. وقال ابن حبان: ثبت ثقة. وقال
النسائي:
لا بأس به، وكذا قال أبو داود. روى له الجماعة (2) .
وأبو حازم سلمة بن دينار الأعرج.
قوله: " إن الفُتيا " قال في " الصحاح ": استفتيت الفقيه
في مسألة
فأفتاني، والاسم: الفتيا والفتوى، ويسمى به لأنه يقوي
السائل، ومنه
الفتى وهو الشاب القوي، والفتيُّ من الإبل القويّ.
قوله: " كانت رخصة في بدء الإسلام " أي: في ابتداء
الإسلام، ثم
نسخ وأمر بالاغتسال، وكل شيء يكون ثابتاً على أعذار العباد
تيسيراً يسمى
رخصة من الرخْص وهو الناعم، والرخصة في الأمر خلاف
التشديد.
وأخرجه الترمذي وابن ماجه بنحوه. وقال الترمذي: هذا حديث
حسن
صحيح.
201- ص- حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي قال: ثنا هشام
وشعبة،
عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة- رضي الله
عنه- عن
__________
(1) المصدر السابق (27/5767) .
(2) المصدر السابق (26/5614) .
(1/487)
النبي- عليه السلام- قال: " إذا قعد بين
شُعبها الأربع، وألزق الختان
بالختان، فقدْ وجب الغُسلُ " (1) .
ش- هشام بن أبي عبد الله سنبر أبو بكر الدستوائي، وشعبة بن
الحجاج، وقتادة بن دعامة، والحسن البصري.
وأبو رافع اسمه: نفيع الصائغ المدني، أدرك الجاهلية ولم ير
النبي
- عليه السلام- انتقل إلى البصرة. روى عن أبي بكر الصديق،
وسمع:
عمر بن الخطاب، وعثمان، وعليا، وابن مسعود، وزيد بن ثابت،
وأبا موسى الأشعري، وأبا هريرة، وحفصة زوج النبي- عليه
السلام-.
روى عنه: الحسن البصري، وثابت البناني، ومروان الأصفر،
وغيرهم.
قال ابن سعد: كان ثقة. وقال أبو حاتم: ليس به بأس. روى له
الجماعة (2) .
قوله: " بين شعبها الأربع " وفي رواية: " أشعُبها "
الشُعب: النواحي،
جمع " شُعبة "، والأشعُب جمع " شعب ". قال ابن الأثير (3)
:
" الشُعْبة: الطائفة من كل شيء، والقطعة منه " 0 وفي "
الصحاح ":
الشُعْبة: الفرقة. واختلفوا في المراد بالشُّعب الأربع،
فقيل: هي اليدان
والرجلان، وقيل: الرجلان والفخذان. وقيل: الرجلان
والشفران.
واختار القاضي عياض أن المراد: شعب الفرج الأربع، أي:
نواحيه
الأربع، وكأنه يحوم على طلب الحقيقة الموجبة للغسل،
والأقرب أن
يكون المراد اليدين والرجلين، أو الرجلين والفخذين، ويكون
الجماع
__________
(1) البخاري: كتاب الغسل، باب: إذا التقى الختانان (291) ،
مسلم:
كتاب الحيض، باب: نسخ الماء من الماء (87، 348) ، النسائي:
كتاب
الطهارة، باب: وجوب الغسل إذا التقى الختانان (1/110- 111)
، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى
الختانان
(610) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6467) .
(3) النهاية (2/477) .
(1/488)
مكنى عنه بذلك، [و] يكتفي بما ذكر عن
التصريح، وإنما رجح هذا
لأنه أقرب إلى الحقيقة في الجلوس بينهما، وأما إذا حُمل
على نواحي
الفرج فلا جلوس بينهما، وقد يكتفي بالكناية عن التصريح لا
سيما في
أمثال هذا المكان، الذي يستحي من التصريح بذكرها، وأيضاً
فقد نقل
عن بعضهم أنه قال: الجهد من أسماء النكاح، فلا يحتاج أن
يجعل
قوله: " قعد بين شعبها الأربع " كناية عن الجماع، فإنه صرح
به بعد
ذلك، وهو قوله: " ثم جهدها "، وهذا في رواية البخاري
ومسلم،
وفي رواية أبي داود أيضاً يصرح بذلك بقوله: " وألزق الختان
بالختان "
وليس في رواية الصحيحين ذلك، وفي لفظ لمسلم: " وإن لم ينزل
"،
والضمير في " شعبها " يرجع إلى المرأة، وإن لم يمض ذكرها،
لدلالة
السياق عليه كما في قوله تعالى/: (حتى توارتْ بالحجاب) (1)
.
قوله: " وألزق الختان " أي: موضع الختان؛ لأن الختان اسم
للفعل،
أي: ألزق موضع الختان بموضع الختان منها، ومعنى الحديث: أن
إيجاب
الغسل لا يتوقف على نزول المني، بل متى غابت الحشفة في
الفرج وجب
الغسل عليهما وإن لم ينزل، وهذا لا خلاف فيه اليوم، وقد
كان فيه
خلاف لبعض الصحابة ومن بعدهم كما ذكرناه، ثم انعقد الإجماع
على
ما ذكرناه، والدبر مثل القبل مُطلقاً، ويجب على المفعول به
أيضاً،
وشرط الإنزال في البهيمة والميتة عندنا خلافاً للشافعي
ومالك وأحمد، ولو
أولج الحشفة بخرقة إن وجد لذة يجب وإلا فلا، وعندهم يجب
مطلقاً،
ولو غيب بعض الحشفة لا يترتب عليه شيء بالإجماع إلا في وجه
شاذ
للشافعية أن حكمه حكم الكل، وقال الشيخ محيي الدين (2) : "
إذا كان
الذكر مقطوعاً، فإن بقي منه دون الحشفة لم يتعلق به شيء من
الأحكام،
وإن كان الباقي قدر الحشفة فحسب تعلقت الأحكام بتغييبه
بكماله، وإن
كان زائداً على قدر الحشفة ففيه وجهان مشهوران، أصحهما: أن
الأحكام
__________
(1) سورة ص: (32) .
(2) انظر: " شرح صحيح مسلم " (4/41) .
(1/489)
تتعلق بقدر الحشفة منه. والثاني: لا يتعلق
بشيء من الأحكام إلا بتغييب
جميع الباقي ".
202- ص- حد ثنا أحمد بن صالح قال: نا ابن وهب قال: أخبرني
عمرو، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي
سعيد
الخدري، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: " الماءُ من الماء " (1) ، وكان أبو سلمة يفعل
ذلك.
ش- عمرو بن الحارث. قد ذكرنا أنه منسوخ عند جمهور الصحابة
ومن
بعدهم، ويعنون بالنسخ أن الغسل من الجماع بغير إنزال كان
ساقطاً، ثم
صار واجباً. وذهب ابن عباس وغيره إلى أنه ليس بمنسوخ، بل
المراد به
نفي وجوب الغسل بالرؤية في النوم إذا لم ينزل، وهذا الحكم
باق بلا
شك. وهذا نسخ السُّنة بالسُّنة، وهذا على أربعة أوجه،
أحدها: نسخ
السُّنة المتواترة بالمتواترة.
والثاني: نسخ خبر الواحد بمثله.
والثالث: نسخ الآحاد بالمتواتر.
والرابع: نسخ المتواتر بالآحاد.
فالثلاثة الأولى جائزة بلا خلاف، وأما الرابع فلا يجوز عند
الجمهور.
وقال بعض أهل الظاهر: يجوز. وأخرجه مسلم ولفظه: " إنما
الماء من
الماء ".
قوله: " وكان أبو سلمة " عبد الله بن عبد الرحمن " يفعل
ذلك " أي:
يرى وجوب الغسل من إنزال المني.
__________
(1) مسلم: كتاب الطهارة، باب: إنما الماء من الماء (343) .
(1/490)
75- باب: الجنب يعود
أي: هذا باب في بيان حكم الجنب الذي يعود إلى الجماع قبل
الغسل.
203- ص- حدثنا مسدد بن مسرهد قال: ثنا إسماعيل قال: [ثنا]
حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: " كان (1) رسولُ الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف على
نسائه في غُسلٍ واحد " (2) .
ش- إسماعيل هو ابن علية، وقد ذُكر، وكذلك حميد بن أبي حميد
الطويل.
قوله: " طاف " من طا حول الشيء إذا دار.
قوله: " في غسل واحد " بضم الغين، فإن قيل: كيف يكون الغسل
ظرفاً للطواف، وعين الطواف لا يوجد في عين الغسل؟
قلت: هذا ظرف مجازي نحو قوله تعالى: (ولكُمْ في القصاص
حياةٌ) (3) ، ويجوز أن تكون " في " للتعليل، نحو قوله
تعالى:
(فذالكُن الذي لُمْتُنني فيه) (4) ، ثم طوافه- عليه
السلام- على نسائه
بغسل واحد، محمول على أنه كان برضاهن، أو رضا صاحبة النوبة
إن
كانت نوبة واحدة، وهذا التأويل يحتاج إليه من يقول: كان
القسم واجباً
على النبي- عليه السلام- في الدوام كما يجب علينا، وأما من
لا يوجبه
فلا يحتاج إلى تأويل، فإن له أن يفعل ما شاء.
__________
(1) كذا، وفي سنن أبي داود: " - أن "، وهو الجادة.
(2) البخاري: كتاب الغسل، باب: إذا جامع ثم عاد (268) ،
مسلم: كتاب
الحيض، باب: جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل الفرج
إذا أراد
أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع (309) ، الترمذي: كتاب
الطهارة،
باب: ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد (140) ،
النسائي:
كتاب الطهارة، باب: إتيان النساء قبل إحداث الغسل (1/143،
144) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء فيمن يغتسل من جميع
نسائه غسلاً
واحداً (588) .
(3) سورة البقرة: (179) .
(4) سورة يوسف: (32) .
(1/491)
ويستفاد من هذا الحديث ثلاث فوائد، الأولى:
أن غسل الجنابة ليس
على الفور، وإنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى
الصلاة، وهذا
بالإجماع، فإن قيل: ما سبب وجوب الغسل؟ قلت: الجنابة مع
إرادة
القيام إلى الصلاة، كما أن سبب الوضوء الحدث مع إرادة
القيام إلى
الصلاة، وليس الجنابة وحدها كما هو مذهب بعض الشافعية،
وإلا يلزم
أن يجب الغسل عقيب الجماع، والحديث ينافي هذا، ولا مجرد
إرادة
الصلاة، وإلا يلزم أن يجب الغسل بدون الجنابة.
الثانية: عدم كراهة كثرة الجماع عند الطاقة.
والثالثة: عدم كراهة التزوج بأكثر من واحدة إلى أربع.
وأخرجه البخاري من حديث قتادة عن أنس قال: " كان النبي-
عليه
السلام- يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل
والنهار، وهن
إحدى عشرة. قال: قلت لأنس بن مالك: أو كان يطيقه؟ قال: كنا
نتحدث أنه أُعطي قوة/ثلاثين، وفي لفظ: " تسع نسوة ". وأخرج
مسلم من حديث هشام بن يزيد، عن أنس: " أن النبي- عليه
السلام-
كان يطوف على نسائه بغسل واحد ". وأخرجه الترمذي،
والنسائي،
وابن ماجه من حديث قتادة عن أنس. وقال: حديث حسن صحيح.
ص- قال أبو داود: هكذا رواه هشام بن زيد، عن أنس، ومعمر،
عن
قتادة، عن أنس، وصالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، كلهم عن
أنس،
عن النبي- عليه السلام-.
ش- هشام بن زيد بن أنس بن مالك الأنصاري البصري. سمع جده.
روى عنه: عبد الله بن عون، وشعبة، وحماد بن سلمة. قال ابن
معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له الجماعة
(1) .
ومعمر هو ابن راشد أبو عروة، وقد ذكر.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6576) .
(1/492)
وصالح بن أبي الأخضر اليماني (1) ، مولى
هشام بن عبد الملك، قدم
البصرة فنزلها. روى عن: الزهري، ومحمد بن المنكدر، والوليد
بن
هشام، وغيرهم. روى عنه: النضر بن شميل، وعكرمة بن عمار،
وأبو داود الطيالسي، وغيرهم. قال ابن معين: ليس حديثه عن
الزهري
بشيء. وقال الترمذي: يضعف في الحديث، ضعفه يحيى القطان
وغيره.
وقال ابن عدي: في حديثه بعض مناكير، وهو من الضعفاء الذين
يكتب
حديثهم. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
***
76- باب: الوضوء لمن أراد أن
يعود
أي: هذا باب في بيان الوضوء لمن أراد أن يعود إلى الجماع
مرة أخرى
قبل الغسل.
204- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا حماد، عن
عبد الرحمن بن أبي رافع، عن عمته سلمى، عن أبي رافع: " أن
النبي
- عليه السلام- طاف ذات ليلة (3) على نسائه، يغتسلُ " عند
هذه وعند هذه،
فقلت (4) : يا رسول الله! ألا تجعلُهُ غسلاً واحداً؟ قال.
هذا أزكى،
وأطيبُ، وأطهرُ " (5) .
ش- حماد بن سلمة، وعبد الرحمن بن أبي رافع قد ذُكر.
وأبو رافع مولى النبي- عليه السلام- يقال: اسمه إبراهيم،
ويقال:
__________
(1) كذا، وفي تهذيب الكمال: " اليمامي "، وقال محققه: "
جاء في حاشية
نسخة المؤلف تعليق له يتعقب فيه صاحب الكمال بقوله: " كان
فيه اليماني
وهو وهم ".
(2) المصدر السابق (13/2795) .
(3) في سنن أبي داود: " يوم ".
(4) في سنن أبي داود: " قال: فقلت له ".
(5) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: فيمن يغتسل عند كل واحدة
غسلاً (590) .
(1/493)
أسلم، ويقال: هرمز، ويقال: ثابت القبطي.
روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وسلمى هي أخت أبي رافع. روى عنها ابن أخيها عبد الرحمن
المذكور. روى لها: أبو داود، وابن ماجه (2) .
قوله: " هذا أزكى " أي: أمدح إلى الله، و " أطيب " للقلب،
و" أطهر " للبدن، فالأول اسم تفضيل للمفعول، والآخران
للفاعل فافهم.
ويستفاد من الحديث فائدتان، الأولى: عدم كراهة كثرة الجماع
عند
الطاقة.
والثانية: استحباب الغسل عند كل جماع.
ص- قال أبو داود: وحديث أنس أصح من هذا.
ش- أراد بحديث الأنس (3) الذي في الباب الذي قبله، وعبارته
تشعر
أن هذا صحيح، وذاك أصح منه. وأخرجه النسائي وابن ماجه.
205- ص- حدثنا عمرو بن عون قال: ثنا حفص بن غياث، عن عاصم
الأحول، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي-
عليه
السلام- قال: " إذا أتى أحدُكُم أهله، ثم بدا له أن يُعاود
فليتوضأ بينهما
وُضوءا " (4) .
ش- عمرو بن عون الواسطي البزار، وعاصم بن سليمان الأحول.
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/68) ،
وأسد الغابة
(6/106) ، والإصابة (4/67) .
(2) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35/7861) .
(3) كذا.
(4) مسلم: كتاب الحيض، باب: جواز نوم الجنب واستحباب
الوضوء له وغسل
الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع (27/308)
، الترمذي:
كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ
(141) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: في الجنب إذا أراد أن يعود
(1/142) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: في الجنب إذا أراد العود توضأ
(587) .
(1/494)
وأبو المتوكل اسمه: عليّ بن دُؤاد- بضم
الدال- الناجي من بني سامة
ابن لؤي. روى عن: عبد الله بن عباس، وأبي سعيد الخدري،
وجابر
ابن عبد الله. روى عنه: بكر بن عبد الله المزني، وقتادة،
وعاصم
الأحول، وغيرهم. قال ابن معين وأبو زرعة: ثقة. وقال
البخاري:
له نحو خمسة عشر حديثاً (1) .
قوله: " إذا أتى أحدكم أهله " كناية عن الجماع.
قوله: " ثم بدا له " أي: ثم ظهر له أن يعاود في الجماع "
فليتوضأ
بينهما " أي: بين الجماعين " وضوءاً "، " (2) وهذا الوضوء
ليس بواجب
عند الجمهور. وقال ابن حبيب المالكي وداود الظاهري: إنه
واجب لظاهر
الأمر. قلنا: يدل على عدم الوجوب ما رواه أبو داود،
والترمذي،
وغيرهما: " أنه- عليه السلام- كان ينام وهو جنب ولا يمس
ماء " (3) ،
وحديث الطواف أيضاً. والمراد من الوضوء: الوضوء الكامل،
مثل
وضوء الصلاة؛ لأن المطلق ينصرف إلى الكامل، وأما الحديث
الذي رواه
ابن عباس: " أن النبي- عليه السلام- قام من الليل فقضى
حاجته، ثم
غسل وجهه ويديه، ثم نام ". فالمراد من قضاء الحاجة الحدث،
وكذا
قاله القاضي عياض، واختلف العلماء في حكمة هذا الوضوء،
فقيل:
لأنه يخفف الحدث، فإنه يرفع الحدث عن أعضاء الوضوء. وقيل:
ليبيت على إحدى الطهارتين، خشية أن يموت في منامه.
وقيل:/لعله
أن ينشط إلى الغسل إذا نال الماء أعضاءه ". وأخرجه مسلم،
والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه.
***
77- باب: الجنب ينام
أي: هذا باب في حكم الجنب الذي ينام على الجنابة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/4066) .
(2) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/218) .
(3) يأتي برقم (213) .
(1/495)
206- ص- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك،
عن عبد الله بن دينار،
عن عبد الله بن عمر، أنه قال: ذكر عمرُ بن الخطاب لرسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه
تُصيبُهُ جنابة من الليل، فقال (1) رسولُ الله: " توضأ،
واغسل ذكرك، ثم
نم " (2)
ش- عبد الله بن دينار القرشي العدوي المدني، مولى عبد الله
بن عمر
ابن الخطاب. سمع منه، ومن أنس بن مالك، وأبا صالح ذكوان،
ونافعاً، وغيرهم. روى عنه: ابنه عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد
الأنصاري، وابن عجلان، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة،
وشعبة، وغيرهم. قال ابن حنبل: ثقة مستقيم الحديث. توفي سنة
سبع
وعشرين ومائة. روى له الجماعة (3) .
قوله: " توضأ " قد ذكرنا أن المراد منه الوضوء الكامل،
وإنما أمر أيضاً
بغسل الذكر ليتطهر عن النجاسة، وليخف الحدث.
قوله: " ثم نم " أصله نام؛ لأنه من ينام، فحذفت الألف
لالتقاء (4)
الساكنين؛ لأن آخر الأمر مجزوم كما عرف. وأخرجه مسلم
والبخاري
والنسائي.
***
78- باب: الجنب يأكل
أي: هذا باب في بيان الجنب إذا أكل شيئاً.
207- ص- حدثنا مسدد وقتيبة قالا: ثنا سفيان، عن الزهري، عن
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقال له ".
(2) البخاري: كتاب الغسل، باب: الجنب يتوضأ ثم ينام (290)
، مسلم:
كتاب الحيض، باب: جواز نوم الجنب (306) ، النسائي: كتاب
الطهارة،
باب: وضوء الجنب (1/139)
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3251) .
(4) في الأصل: " للالتقاء ".
(1/496)
أبي سلمة، عن عائشة: " أن النبي- عليه
السلام- كان إذا أراد أن ينام وهو
جنب، توضأ وُضوء الصلاة (1) " (2) .
ش- قوله: " وهو جنب " جملة وقعت حالاً عن الضمير الذي في
" ينام ". وأخرجه مسلم، وابن أبي شيبة في " مصنفه "، وروى
بإسناده
إلى عائشة قالت: " إذا أراد أحدُكم أن يرقد وهو جنب
فليتوضأ، فإنه لا
يدري لعله يُصاب في منامه ". وبإسناده إلى شداد بن أوس
قال: " إذا
أجنب أحدكم من الليل، ثم أراد أن ينام فليتوضأ، فإنه نصف
الجنابة ".
208- ص- حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: نا ابن المبارك،
عن
يونس، عن الزهري بإسناده ومعناه. زاد: " فإذا أراد أن يأكل
وهو جنب
غسل يداه (3) " (4) .
ش- يونس هو ابن يزيد الأيلي، وقد ذكر.
قوله: " بإسناده ومعناه " أي: بإسناد الحديث المذكور
ومعناه، ولكنه
زاد في هذه الرواية: " فإذا أراد " أي: الجنب " أن يأكل
شيئاً غسل يديه "
وأخرجه النسائي ولفظه: " وإذا أراد أن يأكل أو يشرب قالت:
غسل يديه
ثم يأكل ويشرب "، وأخرجه ابن ماجه ولفظه: " أن النبي- عليه
السلام- كان إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه ".
وفي " المصنف " قال علي: " إذا أجنب الرجل، فأراد أن يطعم
أو
ينام، توضأ وضوءه للصلاة ". وعن ابن عمر: " أنه كان إذا
أراد أن
__________
(1) في سنن أبي داود: " وضوءه للصلاة ".
(2) مسلم: كتاب الحيض، باب: جواز نوم الجنب واستحباب
الوضوء له وغسل
الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع (21/305)
، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن
يأكل
(1/138) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: من قال: لا ينام
الجنب
حتى يتوضأ وضوءه للصلاة (584) .
(3) كذا، وفي سنن أبي داود: " يديه ".
(4) انظر الحديث السابق.
32. شرح سنن أبي داوود 1
(1/497)
يأكل أو ينام وهو جنب، غسل وجهه ويديه ومسح
برأسه ". وعن
أبي الضحى: " سئل أيأكل الجنب؟ قال: نعم، ويمشي في الأسواق
".
وعن سعيد بن المسيب قال: " إذا أراد الجنب أن يأكل غسل
يديه ومضمض
فاه ". وعن إبراهيم قال: " يشرب الجنب قبل أن يتوضأ ".
ص- قال أبو داود: رواه ابن وهب عن يونس فجعل قصة الأكل قول
عائشة مقصوراً. ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كما
قال ابن
المبارك، إلا أنه قال: عن عروة أو عن أبي سلمة. ورواه
الأوزاعي، عن
يونس، عن الزهري، عن النبي- عليه السلام- كما قال ابن
المبارك.
ش- أي: روى هذا الحديث عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد
فجعل قصة الأكل وهي قوله: " إذا أراد أن يأكل " مقصوراً
عليها. ورواه
أيضاً صالح بن أبي الأخضر اليماني (1) عن الزهري كما قال
عبد الله بن
المبارك، إلا أنه قال: عن عروة أو عن أبي سلمة، شك الراوي
فيه.
قوله: " ورواه الأوزاعي " أي: روى هذا الحديث الأوزاعي، عن
يونس، عن الزهري، عن النبي- عليه السلام- كما قال ابن
المبارك.
والأوزاعي هو: عبد الرحمن بن عمرو بن يُحمد أبو عمرو،
الشامي
الأوزاعي، كان يسكن دمشق خارج باب الفراديس، ثم تحول إلى
بيروت
فسكنها مُرابطاً إلى أن مات بها. سمع: عطاء بن أبي رباح،
ونافعاً
مولى ابن عمر، والزهري، وقتادة، ومحمد بن بشار، وإسحاق بن
عبد الله، وغيرهم. روى عنه: الزهري، وقتادة، ويحيى بن أبي
كثير،
ومالك بن أنس، والثوري، وابن المبارك، ويحيى القطان/،
ووكيع بن
الجراح، وشعبة، وجماعة آخرون كثيرة. ولد سنة ثمان وثمانين
ومات
في سنة سبع وخمسين ومائة. روى له الجماعة (2) .
والأوزاعي قرية بدمشق نسب إليها، وقيل: لأنه من أوزاع
القبائل.
__________
(1) كذا، وهو وهم، وتقدم التنبيه عليه قريباً.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/3918) .
(1/498)
79- باب: من قال
الجنب يتوضأ
أي: هذا باب في بيان من قال: إن الجنب إذا أراد أن يأكل أو
ينام
يتوضأ.
209- ص- حثثنا مسدد قال: نا يحيى قال: نا شعبة، عن الحكم،
عن
إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة: " أن النبي- عليه السلام-
كان إذا أراد
أن يأكل، أو ينام توضأ " - تعني وهو جنب (1) -.
ش- يحيى القطان، والحكم بن عُتيبة، وإبراهيم النخعي،
والأسود
ابن يزيد. وأخرجه النسائي، وابن ماجه، ومسلم، ولفظه: "
توضأ
وضوءه [للصلاة] (2) "، وفي لفظ للنسائي: " وضوءه للصلاة ".
210- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد قال: أنا عطاء
الخراساني، عن يحيى بن يعمر، عن عمار بن ياسر: " أن النبي-
عليه
السلام- رخص للجنب إذا أكل، أو شرب، أو نام أن يتوضأ " (3)
.
ش- حماد بن سلمة.
وعطاء بن أبي مسلم الخراساني، واسم أبي مسلم: عبد الله،
ويقال:
ميسرة الأزدي أبو أيوب، ويقال: أبو عثمان، ويقال: أبو
محمد،
ويقال: أبو صالح البلخي، سكن الشام. روى عن: معاذ بن جبل،
وكعب بن عجرة، وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك. وسمع:
سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ونافعاً، والزهري،
وغيرهم. روى عنه: عطاء بن أبي رباح، وابن جريج، ومالك،
وشُعبة، وجماعة آخرون. قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. توفي
بأريحا
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) زيادة من " صحيح مسلم "، والظاهر أنها ساقطة من نسخة
المصنف ليتفق
وإيراده للفظ النسائي.
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما ذكر في الرخصة للجنب في
الأكل والنوم
إذا توضأ (613) .
(1/499)
فحمل ودفن ببيت المقدس سنة خمس وثلاثين
ومائة. وولد سنة خمسين.
روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه
(1)
ص- قال أبو داود: بين يحيى بن يعمر وعمار بن ياسر في هذا
] الحديث] (2) رجل. وقال عليّ بن أبي طالب، وابن عمر، وعبد
الله بن
عمرو: " الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ ".
ش- أشار بهذا أبو داود إلى أن هذا الحديث منقطع، والمنقطع:
كل ما
لا يتصل إسناده سواء كان يُعزى إلى النبي- عليه السلام- أو
إلى غيره،
قاله ابن عبد البر.
قوله: " وقال عليّ " ... إلى آخره، ذكرناه آنفاً ناقلاً عن
" المصنّف "
لابن أبي شيبة. وأخرج الترمذي حديث يحيى بن يعمر عن عمار،
وفيه:
" وضوءه للصلاة "، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
***
80- باب: الجنب يؤخر الغسل
أي: هذا باب في بيان الجنب الذي يؤخر الاغتسال.
211- ص- حدثنا مسدد قال: نا المعتمر ح، ونا أحمد بن حنبل
قال:
ثنا إسماعيل بن إبراهيم قالا (3) : نا بُردُ بن سنان، عن
عُبادة بن نُسي، عن
غضيف بن الحارث قال: قلتُ لعائشة: أرأيت رسول الله- عليه
السلام-
كان يغتسلُ من الجنابة في أول الليل أمْ (4) في آخره؟
قالت: ربما اغتسل في
أول الليل، وربما اغتسل في آخره. قلتُ (5) : الحمدُ لله
الذي جعل في الأمر
سعةً، قلتُ: أرأيت رسول الله كان يوترُ في (6) أول الليل
أم في آخره؟
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/3941)
(2) زيادة من سنن أبي داود
(3) في الأصل: " قال "، وما أثبتناه من سنن أبي داود.
(4) في سنن أبي داود: " أو ".
(5) في سنن أبي داود: " قلت: الله أكبر، الحمد لله ... ".
(6) غير موجودة في سنن أبي داود.
(1/500)
قالت: ربما أوتر في أول الليل وربما أوتر
في آخره. قلتُ: اللهُ كبرُ، الحمدُ
لله الذي جعل في الأمر سعة. قلتُ: أرأيت رسول الله كان
يجهرُ بالقرآن أم
يخْفتُ به؟ قالت: ربما جهر به، وربما خفت. قلتُ: اللهُ
كبرُ، الحمد لله
الذي جعل في الأمر سعة (1) .
ش- المعتمر بن سليمان، وإسماعيل بن إبراهيم المشهور بابن
علية.
وبُرد بن سنان الشامي أبو العلاء الدمشقي، سكن البصرة.
سمع:
عبادة بن نسي، ومكحولاً، ونافعاً، وغيرهم. روى عنه:
الثوري،
والأوزاعي، والحمادان، وشريك النخعي، وابن عيينة، وغيرهم.
وقال
ابن معين: ثقة. وقال أبو زرعة: لا بأس به. مات سنة خمس
وثلاثين
ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه
(2) .
وغُضيف- بضم الغين وفتح الضاد المعجمتين- ويقال: بالظاء
المعجمة (3) ، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره فاء، ابن
الحارث
أبو أسماء السكوني الحمصي، ويقال: الثمالي، ويقال:
اليماني،
ويقال: الكندي، أدرك زمان النبي- عليه السلام-، مختلف في
صحبته
سمع: عمر بن الخطاب، وبلالاً، وأبا ذر، وأبا الدرداء،
وعائشة
الصديقة. روى عنه: ابنه عبد الرحمن، وعبادة بن نسي،
ومكحول،
وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة، مات أيام مروان بن
الحكم/روى
له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) .
قوله: " أرأيت " بكسر التاء بمعنى: أخبريني.
__________
(1) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر الاغتسال أول الليل
(1/125) ، وكتاب
الغسل والتيمم، باب: الاغتسال أول الليل (1/199) ، ابن
ماجه: كتاب
إقامة الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في صلاة الليل
(1354) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/655) .
(3) كذا، والذي في مصادر الترجمة " بالطاء المهملة ".
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/185) ،
وأسد الغابة
(4/340) ، والإصابة (3/186) ، وتهذيب الكمال (23/4693) .
(1/501)
قوله: " ربما اغتسل " " رب " حرف خلافاً
للكوفيين في دعوى أسميته،
وليس معناه التعليل دائماً خلافاً للأكثرين، ولا التكثير
دائماً خلافا
لدرستويه، بل يرد للتكثير كثيراً، وللتعليل قليلاً، فمن
الأول نحو:
(رُبما يود الذين كفرُوا لوْ كانُوا مُسْلمين) (1) ، ومن
الثاني قوله:
ألا رب مولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان
ولها صدر الكلام، وتنكير مجرورها، وإذا دخلها " ما " تكفها
عن
العمل، وتهيئها للدخول على الجمل الفعلية، وفعلها ماض
لفظاً ومعنى،
وقد تدخل الاسمية، وقيل: لا تدخل أصلاً.
قوله: " سعة " بكسر السين أصلها، وفتحت لأجل حرف الحلق،
وأصلها وسعة كوعدة حذفت الواو تبعاً لفعلها، وحركت السين
للابتداء
من وسعه الشيء يسعُه سعة فهو واسع، ووسُع بالضم وساعة فهو
وسيع،
والوُسعْ والسعة: الجدة والطاقة.
قوله: " يوتر " من أوتر يوتر إذا صلى الوتر، والوتر بكسر
الواو
وفتحها: الفرد.
قوله: " الله أكبر " إنما قال ذلك استعظاماً لقدر هذا
الأمر والشأن وفرحاً
بسعته، وابتهاجاً بمشروعيته.
قوله: " يجهر بالقرآن " من يجهر بالقول إذا رفع به صوته
فهو جهير،
وأجهر فهو مجهر إذا عرف بشدة الصوت، وكذلك المجهر بكسر
الميم.
قوله: " أم يخفت به " من الخفت، وهو ضد الجهر من باب ضرب
يضرب. ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: جواز تأخير
الغسل
إلى وقت الصلاة.
الثانية: جواز تأخير الوتر إلى آخر الليل، وبه احتج
أصحابنا أن
المستحب تأخير الوتر إلى آخر الليل لمن يثق بالانتباه، وإن
لم يثق فأول
الليل أفضل كما في صحيح مسلم: " من خاف أن لا يقوم آخر
الليل
__________
(1) سورة الحجر: (2) .
(1/502)
فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر
آخر الليل، فإن صلاة آخر
الليل مشهودة " (1) ، وفيه دليل صريح على التفصيل الذي
ذكره أصحابنا
وهو الصواب، وتحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفصيل.
الثالثة: ثبوت الخيار للقارئ بين أن يجهر به وبين أن
يخافت، فقيل:
الجهر أفضل، وقيل: الإخفاء أفضل، والصحيح: أنه مقيد
باعتبار زمان
القارئ ومكانه وحاله، فيراعى الجهر والإخفاء بحسب هذا
الاعتبار.
وأخرجه النسائي مقتصراً على الفصل الأول، وابن ماجه
مقتصراً على
الفصل الأخير، ورواية الوتر أخرجه البخاري مختصراً ومسلم
كما ذكرنا.
212- ص- حدثنا حفص بن عمر النمري قال: نا شعبة عن علي بن
مُدرك، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن عبد الله بن نُجي،
عن أبيه،
عن علي بن أبي طالب، عن النبي- عليه السلام- قال: " لا
تدخلُ الملائكةُ
بيتاً فيه صُورة ولا كلب ولا جُنُبٌ " (2) .
ش- علي بن مدرك أبو مدرك النخعي الكوفي. روى عن: عبد
الرحمن
ابن يزيد النخعي، وأبي زرعة، وإبراهيم النخعي، وغيرهم. روى
عنه:
الأعمش، وشعبة، والمسعودي. قال مطين: مات سنة عشرين ومائة.
روى له الجماعة (3) .
وأبو زرعة اسمه: هرم بن عمرو بن جرير، وقد مضى ذكره.
وعبد الله بن نُجي بن سلمة بن حشْم- بالحاء المهملة والشين
المعجمة-
ابن أسد بن خُليْبة- بضم الخاء المعجمة، وبعد اللام ياء
آخر الحروف،
ثم باء موحدة- الحضرمي الكوفي. قال الدارقطني: لا بأس به.
وقال
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: من خاف أن لا
يقوم من آخر
الليل فليوتر أوله (755/162) من حديث جابر بن عبد الله.
(2) أخرجه أبو داود في كتاب اللباس، باب: في الصور (4152)
، والنسائي:
كتاب الطهارة، باب: في الجنب إذا لم يتوضأ (1/141) ، وكتاب
الصيد
والذبائح، باب: امتناع الملائكة من دخول بيت فيه كلب
(7/185) ، ابن
ماجه: كتاب اللباس، باب: الصور في البيت (3650) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4133) .
(1/503)
البخاري: فيه نظر. روى عن: علي بن أبي
طالب، وعن أبيه عن
علي، وعن عمار بن ياسر، والحسين (1) بن علي. روى عنه: أبو
زرعة،
وجابر الجعفي، والحارث العكلي. روى له: أبو داود،
والنسائي،
وابن ماجه (2) .
ونُجي المذكور روى عن علي بن أبي طالب. روى عنه ابنه عبد
الله،
روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
قوله: " الملائكة " جمع " ملاءَك " على الأصل كالشمائل جمع
" شماءَل "، وليس جمع " ملك "؛ لأن فعلاً لا تجمع على
فعائل، ولكن
ملك أصله ملاءك، ترك الهمزة لكثرة الاستعمال، فلما أريد
جمعه رد
إلى الأصل كما أن الشمائل- وهي الرياح- جمع " شماءل "
بالهمز في
الأصل لا جمع شمال لأن فعالاً لا تجمع على فعائل، واشتقاقه
من
الألوكة وهي الرسالة، يقال: ألكني إليه/أي: أرسلني إليه،
سمي
الملك ملكاً لأنه رسول من الله تعالى، وإلحاق التاء فيه
دلالة على أن كل
جمع مؤنث.
واعلم أنه لا خلاف بين العقلاء أن أشرف الرتبة للعالم
العلوي هو
وجود الملائكة فيه، كما أن أشرف الرتبة للعالم السفلي هو
وجود الإنسان
فيه، واختلفوا في ماهية الملائكة، فقيل: إنهم أجسام لطيفة
هوائية،
تقدر على التشكل بأشكال مختلفة، مسكنها السموات، وهو قول
أكثر
المسلمين. وقالت الفلاسفة: إنهم جواهر قائمة بأنفسها ليست
بمتحيزة
البتة، فمنهم من هي مستغرقة في معرفة الله، فهم الملائكة
المقربون،
ومنهم مدبرات هذا العالم إن كانت خيرات فهم الملائكة
الأرضية، وإن
كانت شريرة فهم الشياطين.
قوله: " فيه صورة " قال الزهري: النهي الذي ورد فيها على
العموم
سواء كانت رقماً في ثوب أو غير رقم، وسواء كانت في حائط أو
ثوب
__________
(1) في الأصل: " الحسن " خطأ.
(2) المصدر السابق (16/3614) .
(3) المصدر السابق (29/6388) .
(1/504)
أو بساط ممتهن أو غير ممتهن، وكذلك استعمال
ما هي فيه عملاً بظاهر
الأحاديث. وقال آخرون: يجوز منها ما كان رقماً في ثوب سواء
امتهن
أو لا، وسواء عُلق في حائط أو لا، وكرهوا ما له ظل، أو كان
مصوراً
في الحيطان وشبهها، سواء كان رقماً أو غيره. وأجمعوا على
منع ما كان
له ظل، ووجوب تغييره، وأما تصوير صورة الشجر ونبات الأرض
وغير
ذلك مما ليس فيه صورة حيوان، فليس بحرام. وقال أصحابنا: إن
كانت
معلقة على حائط، أو ثوب ملبوس أو عمامة أو نحو ذلك مما لا
يُعد
ممتهناً، فهو حرام، وإن كانت في بساط يُداس، ومخدة ووسادة
ونحوها
مما يمتهن، فليس بحرام، ولكن هل يمنع دخول ملائكة الرحمة
ذلك
البيت؟ فيه كلام نذكره، وبه قال الشافعي، ومالك، والثوري،
وجمهور العلماء. وقال القاضي عياض: إلا ما ورد من لُعب
البنات،
لصغار البنات، والرخصة في ذلك، لكن كره مالك شراء الرجل
لابنته
ذلك، وادعى بعضهم أن إباحة اللُّعب لهن منسوخ بهذه
الأحاديث.
وأما سبب امتناع الملائكة من بيت فيه صورة، فهو كونها
معصية
فاحشة، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما
يعبد من
دون الله تعالى، وأما سبب امتناعهم من بيت فيه كلب، لكثرة
أكله
النجاسات، ولأن بعضها سُمي شيطاناً كما جاء به الحديث،
والملائكة
ضد الشياطين، ولقبح رائحة الكلب، والملائكة تكره الرائحة
القبيحة،
ولأنها منهي عن اتخاذها، فعوقب متخذها بحرمانه دخول
الملائكة بيته،
وصلاتها فيه، واستغفارها له، وتبريكها عليه وفي بيته،
ودفعها أذى
الشيطان، ولقد طرق سمعي عن بعض أساتذتي الكبار أن السبب في
امتناع الملائكة من بيت فيه كلب، أن الكلب قد خلق من بزاق
الشيطان،
وذلك حين كان آدم- عليه السلام- جسداً ملقى، أتى إليه
الشيطان
وراءه، ثم جمع الخيول، وكانت الخيول سكان الأرض حينئذ فقال
لها:
إن الله تعالى خلق خلقاً عجيباً يريد أن يملكه الأرض وما
فيها فمتى حكم
فيها سخركُن وذلّلكُن، فهلم نهُدُه ونستريح منه، فجاءت
والشيطان
__________
(1/505)
يقدمها إلى أن قربت من جسد آدم، فبزق نحو
آدم بزقة، فانتثر بزاقه،
فخلق الله تعالى الكلاب من بزاقه المنثور ذلك، فحملت على
الخيول
وصاحت إلى أن ولّت هاربة، فمن ذلك الوقت تألف الكلاب بني
آدم،
والملائكة تبغضها، لكونها مخلوقة منه، فلأجل ذلك لا يدخلون
بيتاً فيه
كلب.
وقال الخطابي (1) : " إنما لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب
أو صورة مما
يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور، فأما ما ليس بحرام من كلب
الصيد
والزرع والماشية والصور التي تمتهن من البساط والوسادة
وغيرهما، فلا
يمتنع الملائكة بسببه ".
وقال الشيخ محيي الدين (2) : " الأظهر أنه عام في كل كلب
وكل
صورة، وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث، ولأن
الجرو الذي
كان في بيت النبي- عليه السلام- تحت السرير كان له فيه
عذر/ظاهر،
فإنه لم يعلم به، ومع هذا امتنع جبريل- عليه السلام- من
دخول
البيت، وعلل بالجرو، ولو كان العذر في وجود الصورة والكلب
لا
يمنعهم لم يمتنع جبريل- عليه السلام-. وأما هؤلاء الملائكة
الذين لا
يدخلون بيتاً فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة
والتبريك
والاستغفار، وأما الحفظة فيدخلون في كل بيت ولا يفارقون
بني آدم في
حال؛ لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها ".
قوله: " ولا جنب " إنما يمتنع الملائكة عن البيت الذي فيه
جنب لكونه
بعيداً عن التلاوة والعبادة، متصف بالنجاسة الحكمية،
والملائكة يكرهون
ذلك، والمراد منه أيضاً: الملائكة غير الحفظة؛ لأن الحفظة
لا يفارقون بني
آدم جنباً وغيره.
فإن قيل: قد مضى في الرواية: " أنه- عليه السلام- كان
يغتسل تارة
آخر الليل "، ورخص للجنب أيضاً أن ينام قبل الاغتسال، فما
__________
(1) معالم السنن (1/65) .
(2) شرح صحيح مسلم (14/84) .
(1/506)
التوفيق بينهما؟ قلت: المراد بالجنب الذي
لا يدخل الملائكة بيتاً هو فيه،
هو الذي يجنب فلا يغتسل، ويتهاون به، ويتخذه عادة، وأما
الجنب
الذي لا يتخذ هذا عادة، ولا يترك الاغتسال إلى أن تفوته
الصلاة لا يضر
دخول الملائكة البيت، فإنه- عليه السلام- " كان ينام وهو
جنب من
غير أن يمس ماء " (1) ، كما جاءت في رواية عائشة- رضي الله
عنها-.
وأخرج البخاري ومسلم هذا الحديث وليس فيه: " ولا جنب "،
وكذلك
رواية ابن ماجه. ورواية النسائي مثل رواية أبي داود.
213- ص- حدثنا ابن كثير قال: أنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن
الأسود، عن عائشة قالت: " كان رسولُ الله ينامُ وهو جنب من
غير أن يمس
ماءً " (2) ، (3) .
ش- ابن كثير هو: محمد بن كثير البصري، وسفيان الثوري،
وأبو إسحاق السبيعي، والأسود بن يزيد.
قوله: " وهو جنب " جملة وقعت حالاً من الضمير الذي في "
ينام ".
فإن قيل: هذا يعارض الأحاديث المتقدمة التي فيها الوضوء،
قلت:
الجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه، الأول: أن الحديث فيه مقال،
فقال
يزيد بن هارون: وهم أبو إسحاق في هذا- يعني في قوله: " من
غير أن
يمس ماء " - وقال الترمذي: " يرون أن هذا غلط من أبي إسحاق
".
وقال البيهقي: طعن الحُفاظ في هذه اللفظة. وقال الثوري:
فذكرت
الحديث يوماً- يعني حديث أبى إسحاق- فقال لي إسماعيل: يا
فتى،
__________
(1) انظر الحديث الآتي.
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الجنب ينام قبل
أن يغتسل
(118، 119) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: في الجنب ينام
كهيئته لا
يمس الماء (581، 582، 583) .
(3) تنبيه: ذُكر في سنن أبي داود بعد هذا الحديث ما يلي: "
قال أبو داود:
حدثنا الحسن بن علي الواسطي قال: سمعت يزيد بن هارون يقول:
هذا
الحديث وهم، يعني: حديث أبي إسحاق ".
(1/507)
يشذ هذا الحديث شيء. فثبت بما ذكرنا أن هذا حديث ضعيف،
فإذا ثبت
ضعفه لم يبق فيه ما يتعرض به على غيره.
والثاني: على تقدير الصحة: أن المراد من غير أن يمس ماء
للغسل.
والثالث: أن المراد أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء
أصلاً لبيان
الجواز، إذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه.
*** |