شرح أبي داود للعيني

81- باب: الجنب يقرأ (1)
أي: هذا باب في بيان الجنب يقرأ.
214- ص- حدثنا حفص بن عمر قال: شعبة، عن عمرو بن مرة، عن
عبد الله بن سلمة قال: دخلتُ على علي أنا ورجلان: رجلٌ منا ورجل من
بني أسد أحسبُ، فبعثهُما علي وجهاً، وقال: إنكما علجان، فعالجا عن
دينكُما، ثم قام فدخل المخْرج، ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنةً، فتمسح
بها، ثم جعل يقرأ القرآن، فاً نكروا ذلك، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
يخرجُ من الخلاء فيُقرئنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجُزُه أو
يحْجره (2) عن القرآن شيءٌ ليس الجنابة (3) .
ش- عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق، أبو عبد الله الكوفي
سمع: عبد الله بن أبي أوفى، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن
أبي ليلى، وجماعة آخرين. روى عنه: الأعمش، والثوري، وشعبة،
وغيرهم. مات سنة عشر ومائة. روى له الجماعة (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب في الجنب يقرأ القرآن ".
(2) في سنن أبي داود: " يحجبه أو يحجزه "، وأشار المصنف إلى أنها رواية.
(3) الترمذي، كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال
ما لم يكن جنباً (146) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: حجب الجنب من
قراءة القرآن (265، 266) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في
قراءة القرآن على غير طهارة (594) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4448) .

(1/508)


وعبد الله بن سلمة- بكسر اللام- المرادي الكوفي. روى عن عمر
ابن الخطاب، وسمع: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود،
وعمار بن ياسر، وغيرهم. روى عنه: عمرو بن مرة، وأبو إسحاق
السبيعي. وقال أحمد بن حنبل: لا أعلم روى عنه غيرهما. وقال أحمد
ابن عبد الله: هو تابعي ثقة. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.
روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
قوله: " ورجلان " عطف على الضمير المرفوع المنفصل الذي أوتي به
ليصح/العطف على ما قبله.
قوله: " وجهاً " أي: جهة من الجهات، وهو النحو والمقصد الذي
يستقبله، وانتصابه بنزع الخافض، أي: في وجه أو أوجه.
قوله: " إنكما علجان " العلج- بفتح العين وكسر اللام- هو الضخم
القوي. وقال الخطابي (2) : " يريد الشدة والقوة على العمل، يقال:
رجل علج، وعُلج- بتشديد اللام- إذا كان قوي الخلقة، وثيق البنية ".
قوله: " فعالجا " أي: جاهدا وجالدا لأجل دينكما، وكلمة " عن "
للتعليل نحو قوله: (وما كان اسْتغْفارُ إبْراهيم لأبيه إلا عن موْعدة) (3) ،
ويجوز أن يكون حالاً، والمعنى: عالجا مقيمين دينكما، أي: مقيمين
أموره ومحصلين ما ينبغي له.
قوله: " فدخل المخرج " بفتح الميم وهو الخلاء، سمي به لأنه موضع
خروج البول والغائط.
قوله: " فتمسح بها " أي: توضأ بها بمعنى: غسل يديه. وقال ابن
الأثير: " يقال للرجل إذا توضأ: تمسح ".
قوله: " فأنكروا ذلك " أي: كونه قرأ القرآن بلا وضوء كامل، فلما
أنكروا على عليّ ذلك قال: " إن رسول الله مع كان يخرج من
__________
(1) المصدر السابق (15/3313) .
(3) سورة التوبة (114) .
(2) معالم السنن (1/66) .

(1/509)


الخلاء فيقرئنا القرآن " أي: يعملنا القرآن عقيب خروجه من غير اشتغال
بالوضوء.
قوله: " ويأكل معنا اللحم " أشار به إلى أن أكل ما مسته النار لا يوجب
الوضوء لقراءة القرآن، ولا للصلاة أيضاً، ولأجل هذا قال: ولم يكن
يحجره أي: يمنعه " عن القرآن " أي: عن قراءة القرآن " شيء ليس
الجنابة "، ويحجره من حجره إذا منعه، وحجر عليه إذا منعه من التصرف،
وفي بعض الرواية: " يحجزه " بالزاي، من حجزه يحجزه حجزا،
بمعنى منعه أيضاً، وكلاهما من باب نصر ينصر، وفي بعض الرواية:
" يحجبه " من حجب إذا منع أيضاً.
وقوله: " ليس الجنابة " بمعنى (1) غير الجنابة، وحرف " ليس " له ثلاثة
مواضع، أحدها: أن يكون بمعنى الفعل، وهو يرفع الاسم وينصب
الخبر، كقولك: ليس عبدُ الله جاهلاً. ويكون بمعنى " لا " كقولك:
رأيت عبد الله ليس زيداً، تنصب به زيدا كما تنصب بلا، ويكون بمعنى
" غير " كقولك: ما رأيت أكرم من عمرو ليس زيد، أي: غير زيد،
وهو يجر ما بعده. ويستفاد من الحديث فائدتان، الأولى: جواز قراءة
القرآن للمحدث.
والثانية: فيه دليل على حرمة قراءته على الجنب، وكذلك الحائض؛
لأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة. وكان أحمد يرخص للجنب أن يقرأ
الآية ونحوها. وكذلك قال مالك في الجنب: إنه يقرأ الآية ونحوها.
وقد حكي عنه أنه قال: تقرأ الحائض ولا يقرأ الجنب؛ لأن الحائض إذا لم
تقرأ نسيت القرآن؛ لأن أيام الحيض تتطاول، ومدة الجنابة لا تطول.
ورُوي عن ابن المسيب، وعكرمة أنهما كانا لا يريان بأساً بقراءة الجنب
القرآن، والجمهور على تحريمه " (2) .
وأخرج الترمذي هذا الحديث، والنسائي، وابن ماجه مختصراً، وقال
__________
(1) انظر: معالم السنن (1/66) .
(2) إلى هنا انتهى النقل من معالم السنن.

(1/510)


الترمذي: حديث حسن صحيح. وذكر أبو بكر البزار: انه لا يروى عن
عليّ إلا من حديث عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة. وحكى
البخاري عن عمرو بن مرة: " كان عبد الله- يعني: ابن سلمة- يحدثنا
فنعرف وننكر، وكان قد كبُر لا يتابع في حديثه. وذكر الشافعي هذا
الحديث، وقال: وإن لم يكن أهل الحديث يثبتونه. وقال البيهقي: وإنما
توقف الشافعي في ثبوت هذا الحديث؛ لأن مداره على عبد الله بن سلمة
الكوفي، وكان قد كبُر، وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة، وإنما روى
هذا الحديث بعد ما كبُر، قاله شعبة. وذكر الخطابي: أن الإمام أحمد بن
حنبل كان يوهن حديث عليّ هذا، ويضعف أمر عبد الله بن سلمة.
قلت: قد ذكره ابن الجوزي في " الضعفاء والمتروكين ". وقال: قال
النسائي: يعرف وينكر. أقول: قد قال الحاكم: إنه غير مطعون فيه.
وقال العجلي: تابعي ثقة. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، كما
ذكرنا في ترجمته.
***
82- باب: الجنب يصافح
أي: هذا باب في بيان الجنب يصافح الطاهر، ويصافح من صافح
مصافحةً، وهي مُفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف، وإقبال الوجه
بالوجه.
215- ص- حدّثنا مسدد قال: نا يحيى عن مسعر، عن واصل، عن
أبي وائل، عن حذيفة: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقيهُ، فأهْوى إليه فقال: إني جُنبٌ،
فقال: " إن المُسلم ليس بنجسٍ (1) " (2) .
__________
(1) كذا، وفي الشرح وسنن أبي داود: " لا ينجس ".
(2) مسلم: كتاب الحيض، باب: الدليل على أن المسلم لا ينجس (371) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: مماسة الجنب ومجالسته (1/145) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: مصافحة الجنب (535) .

(1/511)


/ش- يحيى القطان، ومسعر بن كدام.
وواصل بن حيان الأحدب الأسدي الكوفي. سمع: المعرور بن
سويد، وأبا وائل، ومجاهداً، وغيرهم. روى عنه: مسعر، والثوري،
وشعبة، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو خاتم: صدوق
صالح الحديث. توفي سنة عشرين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وأبو وائل شقيق بن سلمة، وحذيفة بن اليمان.
قوله: " فأهوى إليه " أي: أهوى إليه يده، أي: أمالها إليه، يقال:
أهوى يده إليه وأهوى بيده إليه، ويترك المفعول كثيراً.
قوله: " إن المسلم لا ينجس " (2) بضم الجيم وفتحها، وفي ماضيه
لغتان: نجس ونجُس بكسر الجيم وضمها، فمن كسرها في الماضي فتحها
في المضارع، ومن ضمها في الماضي ضمها في المضارع أيضاً. وأخرجه
مسلم والنسائي وابن ماجه بنحوه.
هذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حيا وميتاً، فأما الحي فطاهر
بإجماع المسلمين، وأما الميت ففيه خلاف، وعن بعض أصحابنا أنه غير
طاهر فلذلك يغسل، والصحيح أنه طاهر، وهو قول الشافعي في
الصحيح لإطلاق الحديث، وغسل الميت أمر تعبدي لا لكونه نجساً،
والكافر حكمه [حكم] المسلم عند الجمهور. وقال بعض الظاهرية: إن
المشرك نجس بظاهر قوله تعالى: (إنّما المُشْركُون نجس) (3) قلنا:
المراد به نجاسة الاعتقاد، والاستقذار، وليس المراد أن أعضاءهم نجس
كنجاسة البول والغائط ونحوهما، فإذا ثبت طهارة للآدمي مسلماً كان أو
كافراً استوى فيه أن يكون طاهراً أو محدثاً أو جنب أو حائضاً، ويكون
سؤرهم وعرقُهم ولعابُهم ودمعهم طاهرة بالإجماع.
216- ص- حدثنا مسدد قال: ثنا يحيى وبشر، عن حميد، عن بكر،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6662) .
(2) كذا، وفي المتن: " ليس بنجس ".
(3) سورة التوبة (28) .

(1/512)


عن أبي رافع، عن أبي هريرة قال: لقيني رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طريق من طُرق
المدينة وأنا جُنب، فاخْتنسْتُ، فذهبت فاغْتسلتُ، ثم جئتُ، فقال: أين
كنتً يا أبا هريرة؟ قال (1) : إني كنتُ جنباً، فكرهتُ أن أجالسك على غير
طهارةٍ، فقال: " سُبحان الله! إن المسلم لا ينجُسُ " (2) (3) .
ش- بشر بن المفضل، وحميد الطويل، وبكر بن عبد الله المزني،
وأبو رافع نفيع، وقد ذكروا.
قوله: " فاختنستُ " أي: تأخرت وانقبضت، ومنه خنس الشيطان،
وهو بالخاء المعجمة والنون. وفي رواية: " فانخنست " بهذا المعنى أيضاً،
ولكن الفرق بينهما أن الأول من باب الافتعال، والثاني من باب الانفعال.
وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ولفظ
البخاري والترمذي: " فانبجست "، وفي لفظ البخاري: " فانخنست "،
وفي لفظ له: " فانسللت "، ولفظ مسلم، والنسائي، وابن ماجه:
" فانسل ".
وقوله: " فانبجست " بالنون وبعدها باء موحدة، يعني: اندفعت منه،
ومنه قوله تعالى: (فانبجستْ منْهُ اثنتا عشْرة عيْناً) (4) أي: جرت
واندفعت. ورُوي: " فانتجست " بالنون والتاء ثالث الحروف والجيم،
أي: اعتقدت نفسي نجساً ومعنى منه: من أجله، أي: رأيت نفسي نجساً
__________
(1) في سنن أبي داود: " قال: فلت ".
(2) البخاري: كتاب الغسل، باب: عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس (283) ،
مسلم: كتاب الحيض، باب: الدليل على أن المسلم لا ينجس (371) ،
الترمذي: كتاب الطهارة، باب: في مصافحة الجنب (121) ، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: مماسة الجنب ومجالسته (1/145) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: مصافحة الجنب (534) .
(3) تنبيه: زيد في سنن أبي داود: " وقال في حديث بثر: حدثنا حميد،
حدثني بكر ".
(4) سورة الأعراف: (160) .
33. شرح سنن أبي داود 1

(1/513)


بالإضافة إلى طهارته وجلالته. ورُوي: " فانتجشت " بالنون والتاء ثالث
الحروف والشين المعجمة من النجش، وهو الإسراع. ورُوي:
" فانبخست " بالنون والباء الموحدة، والخاء المعجمة، والسن المهملة،
واستبعده بعضهم. وقال غيره: النجس: النقص، فكأنه ظهر له نقصانه
عن مماشاة رسول الله لما اعتقده في نفسه من النجاسة.
قوله: " فقال: سبحان الله " إنما قال ذلك تعجباً من حاله، و " سبحان "
علمٌ للتسبيح، كعثمان علم للرجل، فإذا قلت: سبحان من هذا الأمر،
كأنك قلت: أسبح الله تسبيحاً من هذا الأمر، وهذا يقال عند العجب
كأنك قلت: أتعجب من هذا الأمر، ومن غاية العجب أسبح الله،
و" سبحان " إذا كان مضافاً نحو: " سبحان الله " فليس بعل؛ لأن العلم
لا يضاف، وإذا لم يكن مضافاً فهو علم غير منصرف للعلمية، والألف
والنون، وانتصابه بفعل محذوف، والتقدير: أسبح الله تسبيحاً.
ويستفاد من هذا الحديث أربع فوائد، الأولى: تأخير الغسل؛ لأنه
- عليه السلام- ما أنكر عليه ذلك لما سأله: " أين كنت؟ " وأخبره
أبو هريرة بما أخبره.
/والثانية: أن الجنب طاهر.
والثالثة: استحباب احترام أهل الفضل وتوفيرهم ومصاحبتهم على
أكمل الهيئات، وأحسن الصفات.
الرابعة: أن العالم إذا رأى من تابعه في أمر يخاف عليه فيه خلاف
الصواب سأله عنه، وبيّن له الصواب وحكمه.
***
83- باب: الجنب يدخل المسجد
أي: هذا باب في بيان حكم الجنب إذا دخل المسجد.
217- ص- حدثنا مسدد، نا عبد الواحد بن زياد قال: نا فُليت بن خليفة
قال: حدثتني جسْرةُ بنتُ دجاجة قالت: سمعت عائشة- رضي الله عنها-

(1/514)


تقول: " جاء رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووجوهُ بيوت أصحابه شارعةٌ في المسجد، فقال:
" وجّهوا هذه البيوت عن المسجد "، ثم دخل النبيُ- عليه السلام- ولم
يصنع القومُ شيئاً، رجاء أن تنزل لهم رُخصةٌ، فخرج إليهم بعد فقال:
" وجّهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا احل المسجد لحائض ولا
جنب " (1) .
ش- عبد الواحد بن زياد أبو بشر البصري.
وفليت بن خليفة العامري، ويقال: أفلت. روى عن جسرة بنت
دجاجة. روى عنه الثوري وغيره. روى له: أبو داود، والترمذي (2) .
وجسرة- بفتح الجيم، وسكون السين المهملة- بنت دجاجة العامرية
الكوفية. روت عن عائشة زوج النبي- عليه السلام- روى عنها أفلت
ابن خليفة. قال أحمد بن عبد الله: تابعية ثقة. روى لها: أبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (3) .
وقال (4) الشيخ تقي الدين في " الإمام ": رأيت في كتاب " الوهم
والإيهام " لابن القطان المقروء عليه دجاجة بكسر الدال وعليها " صح "،
وكتب الناسخ في الحاشية بكسر الدال بخلاف واحدة الدجاج.
قوله: " ووجوه بيوت أصحابه " وجوه البيوت أبوابها، ولذلك قيل
لناحية البيت التي فيها الباب وجه الكعبة، وهو مبتدأ.
وقوله: " شارعة " خبره، والجملة محلها النصب على الحال، ومعنى
شارعة في المسجد: مفتوحة فيه، يقال: شرعت الباب إلى الطريق،
أي: أنفدته إليه، والشارع: الطريق الأعظم.
قوله: " وجهوا هذه البيوت " أي: اصرفوا وجوهها عن المسجد،
__________
(1) تفرد به أبو داود.
تنبيه: زيد في سنن أبي داود: " قال أبو داود: هو فليت العامري ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/547) .
(3) المصدر السابق (35/7804) .
(4) انظره في نصب الراية (1/194) .

(1/515)


يقال: وجهت الرجل إلى ناحية كذا إذا جعلت وجهه إليها، ووجهته عنها
إذا صرفته عن جهتها إلى جهة غيرها.
قوله: " رجاء أن ينزل لهم رخصة " أي: لترجى نزول الرخصة،
ونصبه على أنه مفعول له، و " أن " مصدرية محلها الجر بالإضافة،
و" رخصة " مرفوع بقوله: " تنزل " المجهول.
قوله: " فخرج إليهم بعد " أي: بعد ذلك، وقد عرف أن قبل وبعد إذا
قطع عن الإضافة يصير حدا ينتهى إليه، ويبنى على الضم.
قوله: " فإني لا احل " من الإحلال بمعنى الحل الذي هو ضد الحرام،
والألف واللام في المسجد للعهد، وهو مسجد النبي- عليه السلام-
وحكم غير. مثل حكمه، ويجوز أن يكون للجنس، ويدخل في هذا
الحكم جميع المساجد وهو أوْلى، وإنما قدم الحائض للاهتمام في المنع
والحرمة؛ لأن نجاستها أغلظ، والنفساء مثل الحائض.
وقوله: " لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " بإطلاقه يتناول الدخول
والمرور واللبث فيه، وعن الشافعي ومالك جواز المرور عابر سبيل. وعن
أحمد جواز لبث الجنب فيه بوضوء، والحديث بإطلاقه حجة عليهم.
وأخرج البخاري هذا الحديث في " التاريخ الكبير "، وفيه زيادة، وذكر
بعد حديث عائشة- رضي الله عنها- عن النبي- عليه السلام-:
" سدوا هذه الأبواب إلا باب أبي بكر "، ثم قال: وهذا أصح. وقال
ابن القطان في " كتابه " (1) : قال أبو محمد عبد الحق في حديث جسرة
هذا: إنه لا يثبت من قبل إسناده، ولم يبين ضعفه، ولست أقول: إنه
حديث صحيح، وإنما أقول: إنه حسن، فإنه يرويه عبد الواحد بن زياد،
وهو ثقة لم يذكر بقادح، وعبد الحق احتج به في غير موضع من كتابه.
وقال الخطابي: وضعفوا هذا الحديث وقالوا: أفلت راويه مجهول، لا
يصح الاحتجاج بحديثه. قلت: هذا غير مُسلم، فإن أفلت أو فُليت كما
__________
(1) انظره في نصب الراية (1/194) .

(1/516)


ذكرنا روى عنه الثوري، وعبد الواحد بن زياد. وقال أحمد بن حنبل:
ما أرى به بأساً. وسئل عنه أبو حاتم الرازي. فقال: شيخ. وحكى
البخاري: أنه سمع من جسرة بنت دجاجة قال: وعند جسرة عجائب.
وذكر ابن حبان: جسرة في كتاب " الثقات "، قال: وروى عنها أفلت
أبو حسان، وقدامة العامري. ويؤيد هذه الرواية ما رواه ابن ماجه في
" سننه " عن أبي بكر بن أبي شيبة والطبراني في " معجمه "، عن أم سلمة
قالت: دخل رسولُ الله- عليه السلام- صرحة هذا المسجد/فنادى
بأعلى صوته: " إن المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض " (1) .
***
84- باب: في الجنب يصلي بالقوم وهو ناسي
أي: هذا باب في بيان الجنب الذي يصلي بالجماعة، والحال أنه
ناسي، وفي بعض النسخ: " وهو ساه "، والفرق بين السهو والنسيان:
أن السهو ترك الشيء عن غير علم، يقال: سهى فيه وسهى عنه،
والثاني يستعمل في الترك مع العلم، والنسيان خلاف الذكر والحفظ.
218- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد، عن زياد الأعلم،
عن الحسن، عن أبي بكرة: " أن رسول الله- عليه السلام- دخل في صلاة
الفجر فأومأ بيده أن مكانكم، ثم جاء ورأسهُ يقطُرُ، فصلى بهم " (2) .
ش- زياد الأعلم هو زياد بن حسان بن قرة الأعلم البصري الباهلي،
نسيب عبد الله بن عون، وقيل: ابن خالة يونس بن عبيد. روى عن:
أنس بن مالك، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين. روى عنه:
عبد الله بن عون، وأشعث بن عبد الملك، وحماد بن زيد، وسعيد بن
أبي عروبة، وهمام بن يحيى، وغيرهم. قال أحمد: ثقة ثقة. روى
له: البخاري، وأبو داود، والنسائي (3) .
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/2035) .

(1/517)


وأبو بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج بن أبي سلمة،
وإنما كني أبا بكرة لأنه تدلى إلى النبي- عليه السلام- ببكرة فكني بذلك،
وأعتقه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رُوي له عن رسول الله - عليه لسلام- " مائة
حديث (1) واثنان وثلاثون حديثاً، اتفقا علي ثمانية، وانفرد البخاري
بخمسة، وانفرد مسلم بخمسة. روى عنه: ابناه عبد الرحمن ومسلم،
والحسن البصري، وريعي بن حراش، والأحنف بن قيس، وكان ممن
اعتزل يوم الجمل، ولم يقاتل مع أحد من الفريقين " مات بالبصرة سنه
إحدى وخمسين. روى له الجماعة (2) .
قوله: " دخل في صلاة الفجر " المراد منه: قام في مقامه للصلاة،
وتهيأ للإحرام بها، يدل عليه رواية مسلم: فأتي رسول الله حتى إذا قال
في مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف "، وهذا صريح في أنه لم يكن كبر
ودخل في الصلاة، وفي رواية البخاري: " وانتظرنا تكبيره ". قال
النووي: " يحتمل أنهما قضيتان وهو الأظهر ". قلت: هذا وهم يرده
رواية مسلم.
قوله: " فأومأ بيده " أي: أشار بها.
قوله: " أن مكانكم " " أن " مفسرة مثل قوله تعالى: (فأوحينا (3) إليه
أن اصْنع الفُلك) (4) ، و " مكانكم " منصوب بفعل محذوف تقديره:
لازموا مكانكم، أو اثبتوا في مكانكم، فعلى الأول: مفعول به، وعلى
الثاني: مفعول فيه.
قوله: " ثم جاء " فيه حذف، والتقدير: ذهب واغتسل ثم جاء،
وكذلك فيه حذف قبل قوله: " فأومأ "، والتقدير: " دخل في صلاة
الفجر، ثم تذكر أن عليه غسلاً، ثم أومأ بيده ".
__________
(1) في الأصل: " حديث حد " كذا.
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/567) ، وأسد الغابة
(6/38) ، والإصابة (3/571) .
(3) في الأصل: " وأوحينا ".
(4) سورة المؤمنون: (27) .

(1/518)


قوله: " ورأسه يقطر " جملة اسمية وقعت حالاً من الضمير الذي في
" جاء ".
وقوله: " فصلى بهم " أي: صلي بهم صلاة مبتدأة بتكبير جديد، وكذا
قال ابن حبان في " صحيحه ": أراد بتكبير محدث لا أنه صلى بالشروع
الذي قبله كما زعمه البعض، فإن هذا زعم فاسد لما ذكرنا أنه صرح في
رواية مسلم: " قبل أن يكبر "، ولأن خلو مكان الإمام لا يجوز، وتفسد
به صلاة الإمام والقوم كما عرف في الفقه.
فإن قيل: قد صرح أبو داود في رواية أخرى: " وكبر "، فهذا يدل
على أنه شرع في الصلاة وكبر، ثم ذهب واغتسل. قلت: هذا لا يدل
على أنه صلى بهم بهذه التكبيرة، والظاهر أنه صلى بهم بتحريمة مبتدأة لما
ذكرنا، على أن هذه الرواية مرسلة على ما نذكره. وقال الخطابي: " فيه
دلالة على أنه إذا صلى بالقوم وهو جنب وهم لا يعلمون بجنابته أن
صلاتهم ماضية، ولا إعادة عليهم، وعلى الإمام الإعادة، وذلك أن
الظاهر من حكم لفظ الخبر أنهم قد دخلوا في الصلاة معه، ثم استوقفهم
إلى أن اغتسل وجاء، فأتم الصلاة بهم، وإذا صح جزء من الصلاة حتى
يجوز البناء عليه، جاز سائر أجزائها، وهو قول عمر بن الخطاب، ولا
يعلم له مخالف من الصحابة في ذلك، وإليه ذهب الشافعي.
قلت: يُرد هذا بما أجبنا الآن عن السؤال المذكور. وقوله: " وإذا
صح جزء من الصلاة " إلى آخره، لا نسلم أن هذا الجزء وقع صحيحاً؛
لأن بمجرد ذهابه- عليه السلام- بطل حكم ذلك الشروع، على تقدير
صحة وجود الشروع؛ لأنه ذهب بلا استخلاف، وخلّى مكانه، وذا مما
يفسد الشروع، فإذا فسد ذلك الجزء يصير البناء عليه فاسداً/؛ لأن البناء
على الفاسد فاسد، والصلاة لا تتحرى صحة وفساداً، بل الحق أنه- عليه
السلام- صلى بهم بتحريمة مبتدأة كما ذكرنا، فإذن لم يبق لدعواه
حجة، وقوله: " وهو قول عمر، ولا يعلم له مخالف من الصحابة "
غير صحيح؛ لأن الدارقطني أخرج في " سننه " عن عمرو بن خالد،

(1/519)


عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة، عن علي: " أنه صلى
بالقوم وهو جنب فأعاد، ثم أمرهم فأعادوا ". وروى عبد الرزاق في
" مصنفه ": أخبرنا إبراهيم بن يزيد المكي، عن عمرو بن دينار، عن
أبي جعفر: " أن عليا صلى بالناس وهو جنب أو على غير وضوء فأعاد،
وأمرهم أن يعيدوا ". وروى عبد الرزاق أيضاً: أخبرنا حسين بن مهران،
عن مطرح، عن أبي المهلب، عن عبيد الله بن زحر، عن عليّ بن
يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: " صلى عمر بالناس وهو جنب
فأعاد ولم يعد الناس، فقال له علي: قد كان ينبغي لمن صلى معك أن
يعيدوا، قال: فرجعوا إلى قول علي- رضي الله عنه ". قال القاسم:
وقال ابن مسعود مثل قول عليّ- رضي الله عنهما- ويستفاد من حديث
أبي بكرة فوائد، الأولى: جواز النسيان في العبادات على الأنبياء- عليهم
السلام-، ألا ترى أنه- عليه السلام- صرح في رواية أخرى بقوله:
" إنما أنا بشر مثلكم " (1) ؟
والثانية: أن الإمام إذا أقام الصلاة، ثم ظهر أنه محدث ومضى ليزيل
حدثه، أي حدث كان، وأتى لا يحتاج إلى تجديد إقامة ثانية، لأن ظاهر
الحديث لم يدل على هذا.
والثالثة: فيه دليل على طهارة الماء المستعمل، وهو الصحيح من
المذهب أنه طاهر غير طهور.
وقال الخطابي: " فيه دليل على أن افتتاح المأموم صلاته قبل الإمام لا
يبطل صلاته ". قلت: لا دليل فيه على ذلك؛ لأنه لايح (2) إما أن
يكون ذهابه- عليه السلام- للاغتسال قبل التحريمة كما هو الصحيح، أو
بعدها على زعمهم، فإن كان قبلها فليس فيه افتتاح، لا من الإمام ولا
من القوم، وإن كان بعدها فهم افتتحوا بافتتاحه- عليه السلام- الجديد.
وقال الشافعي: من أحرم قبل الإمام فصلاته باطلة.
__________
(1) انظر الحديث الأتي.
(2) كذا، ولعلها بمعنى " لا يخرج ".

(1/520)


219- ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا يزيد بن هارون قال: أنا
حماد بن سلمة بإسناده ومعناه. قال في أوله: " فكبر "، وقال في آخره:
" فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشر، وإني كنتُ جنباً " (1) .
ش- أي: بإسناد الحديث الأول ومعناه.
قوله: " فكبّر " أجبنا عنه آنفاً. وقال البيهقي في باب: " من أدى
الزكاة فليس عليه أكثر من حق ": حماد بن سلمة ساء حفظه في آخر
عمره، فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه. وقال في باب: " من مر
بحائط إنسان ": ليس بالقوي. وقال في باب: " من صلى وفي ثوبه
أذى ": مختلف في عدالته. والعجب ثم العجب من البيهقي كيف أطلق
هذا القول في حماد مع جلالته، ثم ناقض نفسه فحكم بصحة هذا
الحديث مع أن في سنده حماداً هذا.
قوله: " وقال في آخره " أي: في آخر الحديث. ومعنى قوله: " إنما
أنا بشر مثلكم " (2) إعلام منه أنه مثلهم في النسيان، وأنه يعرض عليه كما
يعرض عليهم.
وقوله: " وإني كنت جنباً " خارج مخرج الاعتذار والتعليل، لذهابه
وتركه إياهم وهم ينتظرونه.
ص- قال أبو داود: رواه أيوب، وابن عون، وهشام عن محمد (3) قال:
" فكبر، ثم أوما (4) إلى القوم أن اجْلسُوا، فذهب فاغتسل ".
ش- أي: روى هذا الحديث أيضاً بالإرسال: أيوب السختياني،
وعبد الله بن عون، وهشام بن حسان البصري، عن محمد بن سيرين.
وعبد الله بن عون بن أرطبان البصري، أبو عون المزني، وأرطبان
مولى عبد الله بن مغفل صاحب النبي- عليه السلام-. رأى أنس بن
__________
(1) تفرد به أبو داود
(2) كلمة " مثلكم " غير موجودة في نص الحديث.
(3) في سنن أبي داود: " عن محمد مرسلاً، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ".
(4) في سنن أبي داود: " أومأ بيده ".

(1/521)


مالك ولم يثبت له منه سماع. وسمع: القاسم بن محمد بن أبي بكر
الصّدّيق، وموسى بن أنس بن مالك، وهشام بن زيد، والحسن البصري،
وغيرهم. روى عنه: الأعمش، وشعبة، والثوري، وابن المبارك،
ويحيى القطان، وغيرهم. وكان من الزهد على جانب عظيم. رُوي عن
خارجة: صحبت ابن عون أربعاً وعشرين سنة، فما أعلم أن الملائكة
كتبت عليه خطيئة. توفي سنة إحدى وخمسين ومائة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " ثم أومأ إلى القوم أن اجلسوا " /دليل قاطع على أنهم لم
يكونوا في الصلاة، وبهذا سقط قول من قال: إن قوله- عليه السلام-:
" مكانكم " دليل على أنهم كانوا في الصلاة، بل معناه: لا تتفرقوا حتى
أرجع إليكم، فإن قيل: وقد جاء في رواية أيضاً: " ولم نزل قياماً
شطره " قلنا: فعل القوم لا يعارض قوله- عليه السلام-، ويحتمل أن
الذين فهموا منه أن اجلسوا جلسوا، ومن لم يفهم بقي قائماً، فافهم.
ص- وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن عطاء بن
يسار: " أن رسول الله- عليه السلام- كبر في صلاته (2) ".
ش- أي: كما روى ابن سيرين مرسلاً، كذلك رواه بالإرسال مالك
ابن أنس، عن إسماعيل بن أبي حكيم القرشي الأموي المدني، مولى
عثمان بن عفان، وهو أخو إسحاق. روى عن: القاسم بن محمد بن
أبي بكر، وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن المسيب، وآخرين. روى
عنه: مالك بن أنس، ويحيى القطان، ومحمد بن إسحاق بن يسار،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. توفي
سنة ثمانين ومائة. روى له: مسلم، وابن ماجه، والنسائي (3) .
ص- قال أبو داود: وكذلك نا مسلم بن إبراهيم قال: نا أبان، عن يحيى،
عن الربيع بن محمد، عن النبي- عليه السلام-: " انه كبر ".
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/3469) .
(2) في سنن أبي داود: " صلاة ".
(3) المصدر السابق (3/437) .

(1/522)


ش- هذا أيضاً مرسل، ومسلم بن إبراهيم القصاب، وأبان بن يزيد
العطار، ويحيى بن أبي كثير صالح الطائي، والربيع بن محمد، قال
الذهبي: الربيع بن محمد أرسل، وعنه يحيى بن أبي كثير. روى له
أبو داود (1) . لم أقف عليه في كتاب " الكمال ".
220- ص- حثثنا عمرو بن عثمان الحمصي قال: نا محمد بن حرب
قال: ثنا الزبيدي ح قال: ونا عياش بن الأزرق قال: نا ابن وهب، عن
يونس ج، قال: ونا مخلد بن خالد (2) قال: نا إبراهيم بن خالد إمام مسجد
صنعاء، قال: نا رباح، عن معمر ح، ونا مؤمل بن الفضل قال: نا الوليد،
عن الأوزاعي كلهم عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال:
أقيمت الصلاةُ فصفّ (3) الناسُ صفُوفهم، فخرج رسولُ الله- عليه
السلام- حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسلْ، فقال للناس: " مكانكُم!
ثم رجع إلى بيته، فخرج علينا ينْطفُ رأسُه قد (4) اغتسل ونحنُ صفوف "
وهذا لفظ ابن حرب. وقال عياش في حديثه: " فلم نزلْ قياماً ننتظرُهُ حتى
خرج علينا، وقد اغتسل " (5) .
ش- محمد بن حرب الأبرش الخولاني الحمصي، أبو عبد الله.
سمع: الأوزاعي، والزبيدي، ومحمد بن زياد الألهاني، وغيرهم.
روى عنه: عبد الأعلى بن مُسهر، وعمرو بن عثمان، والربيع بن روح
الحمصي، وجماعة آخرون. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال
أحمد: ليس به بأس. وقال أحمد بن عبد الله: هو شامي ثقة (6) .
__________
(1) المصدر السابق (9/1870) .
(2) في الأصل: " محمد بن خالد " خطأ.
(3) في سنن أبي داود: " وصف ".
(4) في سنن أبي داود: " وقد ".
(5) البخاري: كتاب الغسل، باب: إذا ذكر في المسجد أنه جُنب خرج كما هو
ولا يتيمم (275) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: متى يقوم
الناس للصلاة (605) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: إقامة الصفوف قبل
خروج الإمام (2/88) ، ويأتي برقم (523) .
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5138) .

(1/523)


والزُّبيدي- بضم الزاي، وفتح الباء الموحدة- هو محمد بن الوليد بن
عامر الزُبيدي، أبو الهُذيل الشامي الحمصي. سمع: نافعاً، والزهري،
وسعيداً (1) المقبري، وغيرهم. روى عنه: الأوزاعي، ومحمد بن
حرب، وبقية بن الوليد، وجماعة آخرون. قال النسائي: ثقة، وكذا
قال أبو زرعة. مات سنة ثمان وأربعين ومائة. روى له الجماعة (2) .
روى (3) عن: أبي بكر، وعمر، وسمع: معاذاً، وعبد الله بن
مسعود، ومعاوية بن أبي سفيان. روى عنه: أبو إدريس الخولاني،
وشهر بن حوشب، وأبو قلابة، وغيرهم. وقال أحمد بن عبد الله:
تابعي ثقة من كبار التابعين. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
وعياش بن الأزرق، أبو النجم نزيل أذنة. روى عن عبد الله بن
وهب. روى عنه أبو داود. قال أحمد بن عبد الله: بصري ثقة، وقد
كتبت عنه (4) .
ويونس بن يزيد.
ومحمد (5) بن خالد بن خلي الحمصي. روى عن: أبيه، وابن عيينة،
وبشر بن شعيب، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي وقال:
ثقة. وقال ابن أبي حاتم: كتبنا عنه بحمص وهو صدوق (6) .
__________
(1) في الأصل: " سعيد ".
(2) المصدر السابق (26/5673) .
(3) كذا، وجاء هذا النص في الأصل كالتالي: " ... أبو الهذيل الشامي
الحمصي، روى عن أبي بكر ... " ثم ألحق في الهامش قوله: " سمع
نافعاً، ... " إلى قوله: " روى له الجماعة "، ووضع علامة الإلحاق قبل
قوله: " روى عن أبي بكر ... "، فلعله نسي أن يضرب على هذا النص،
والله أعلم.
(4) المصدر السابق (22/4598) .
(5) كذا ترجم المصنف لمحمد بن مخلد تبعاً للخطأ الموجود في السند، والذي في
سند الحديث هو مخلد بن خالد بن يزيد الشعيري أبو محمد نزيل طرسوس،
قال أبو حاتم: لا أعرفه، وقال أبو داود: ثقة، وكذا قال ابن حجر في
" التقريب "، وانظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5834) .
(6) المصدر السابق (25/5176) .

(1/524)


وإبراهيم بن خالد بن عبيد أبو محمد القرشي، المؤذن بمسجد صنعاء.
سمع: عمر (1) بن عبد الرحمن، ورباح بن زيد، والثوري، وغيرهم.
روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم. وقال ابن
معين: ثقة (2) .
ورباح بن زيد القرشي مولاهم الصنعاني. سمع: معمر بن راشد،
وعمر بن حبيب، وعبد العزيز بن حوران. روى عنه: ابن المبارك،
وعبد الرزاق بن همام، وأبو ثور، وغيرهم. قال أبو حاتم: جليل
ثقة. توفي سنة سبع وثمانين ومائة، وهو ابن إحدى وثمانين. روى له
أبو داود (3) .
ومعمر بن راشد، ومؤمل بن/الفضل بن مجاهد، والوليد بن مسلم
الدمشقي، والأوزاعي عبد الرحمن، والزهري محمد بن مسلم،
وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن، هذه أربع أسانيد كلهم عن الزهري.
قوله: " ينطف رأسه " جملة وقعت حالاً، وكذلك قوله: " قد
اغتسل "، ولذلك ذكر بلفظة " قد "، وكذلك قوله: " ونحن صفوف "
فهذه أحوال متداخلة أو مترادفة، و " ينطف " بكسر الطاء وضمها لغتان
مشهورتان، أي: يقطر.
قوله: " فلم نزل قياماً " أي: قائمين، كصيام جمع " صائم ".
قوله: " ننتظره " وقع حالاً من الضمير الذي في " لم نزل " أي: لم
نزل قائمين منتظرين إياه.
قوله: " حتى خرج علينا وقد اغتسل " هنا وقع الماضي حالاً " بالواو "،
وكلمة " قد "، وقد تقع " بالواو " بدون " قد " لا صريحاً ولا مضمراً،
بل بعضهم ما أوجبوا " قدْ " في الماضي المثبت إلا عند عدم الواو، فإذا
وجد الواو لا يحتاج إلى " قد ". وأخرجه البخاري، ومسلم،
__________
(1) في الأصل: " عمرو " خطأ.
(3) المصدر السابق (9/1844) .
(2) المصدر السابق (2/1844) .

(1/525)


والنسائي، وفي لفظ البخاري: " ثم خرج إلينا ورأسه تقطر، فكبر
فصلينا معه "، وفي لفظ لمسلم: " حتى خرج إلينا وقد اغتسل فنطف
رأسُه ماء، فكبر فصلى بنا "، وهذا رواية البخاري ومسلم تنطق بأنه كبر
بعد أن جاء، فدل على أنه ما كبر أولاً، ولا يلزم أن يكون الشروع مرتين،
وهذا غير مفيد؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون أفسد الشروع الأول أو لا،
فإن أفسده فهو يساعدنا على الخصم، وإن لم يفسده فلا فائدة في الشروع
الثاني، والنبي- عليه السلام- ما يصدر منه شيء غير مفيد شرعاً؛ لأن
أقواله وأفعاله وأحواله جميعها شرعٌ فافهم، فإنه كلام دقيق، وبيان حقيق.
***
85- باب: الرجل يجد البلة في منامه
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يجد البلل في منامه.
" البلة " بكسر الباء: النداوة، ص وبالضم: ابتلال الرّطب، وبالفتح: الريح
الذي فيها بلل.
221- ص- حدثنا قتيبة بن سعيد قال: نا حماد بن خالد الخياط، قال:
[حدثنا] عبد الله العُمري، عن عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة قالت:
سُئل النبيُ- عليه السلام- عن الرجل يجدُ البلل ولا يذكُرُ احتلاماً؟ قال:
يغتسلُ. وعن الرجل يرى أنْ قد احتلم، ولا يجدُ البلل؟ قال: لا غُسْل
عليه. فقالت أمُ سُليم: المرأةُ ترى ذلك، أعليها الغُسلُ؟ قال: " نعم، إنما
النساءُ شقائقُ الرجال " (1) .
ش- حماد بن خالد الخياط، أبو عبد الله القرشي البصري، سكن
بغداد، وأصله مدني. سمع: مالك بن أنس، وابن أبي ذئب، وعبد الله
ابن عمر العمري، ومعاوية بن صالح. روى عنه: أحمد بن حنبل،
ويحيى بن معين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وغيرهم. قال ابن معين:
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء فيمن تستيقظ فترى بللاً (113) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: من احتلم ولم ير بللاً (612) .

(1/526)


صالح الحديث، ثقة. وقال أبو زرعة: شيخ ثقة روى له الجماعة إلا
البخاري (1) .
وعبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، أبو عبد
الرحمن القرشي العدوي، أخو عبيد الله وإخوته، سمع: نافعاً مولى ابن
عمر، وخبيب بن عبد الرحمن، وأبا الزبير، والقاسم بن غنام البياضي،
والزهري، وغيرهم. روى عنه: منصور بن سلمة الخزاعي، وقراد أبو نوح،
وأبو نعيم، ووكيع، وغيرهم. وقال ابن المديني: ضعيف. وعن ابن
معين: ليس به بأس، يكتب حديثه. وعن أحمد بن حنبل: صالح، وعن
صالح بن محمد: لين، مختلط الحديث. توفي بالمدينة سنة إحدى وسبعين
ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري، ورواية مسلم عنه مقروناً (2)
وعبيد الله هو أخو عبد الله المذكور، وقد ذكرناه، والقاسم بن محمد
ابن أبي بكر الصديق ذكر.
وأم سُليم بنت ملحان بن خالد بن زيد، أم أنس بن مالك الأنصارية،
يقال: اسمها: سهْلة، ويقال: رُميلة، ويقال: أنيفة، ويقال: رُميثة،
ويقال: الرميصاء. رُوي لها عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة عشر حديثاً،
اتفقا على حديث واحد، وللبخاري آخر، ولمسلم حديثان. روى عنها:
ابنها أنس، وعبد الله بن عباس. روى لها: أبو داود، والترمذي،
والنسائي (3) .
قوله: " ولا يذكر احتلاماً " الاحتلام من الحلم، وهو عبارة عما يراه
النائم في نومه من الأشياء، يقال: حلم- بالفتح- إذا رأى، وتحلّم إذا
ادعى الرؤيا كاذباً.
قوله: " أعليها " الهمزة للاستفهام.
قوله: " شقائق الرجال " /أي: نظائرهم وأمثالهم في الأخلاق
والطباع، كأنهن شققن منهم، ولأن حواء خلقت من آدم عليهما السلام،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7 / 1479) . (2) المصدر السابق (15/ 3440) .
(3) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/455) ، وأسد الغابة
(7/345) ، والإصابة (4/461) .

(1/527)


والشقائق جمع " شقيقة "، ومنه شقيق الرجل أخوه لأبيه وأمه، ويجمع
على أشقاء بتشديد القاف. وقوله- عليه السلام- هذا خارج مخرج
التعليل في وجوب الغسل على المرأة إذا وجدت بللاً ولم تتذكر احتلاماً.
وأخرجه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: وإنما روى هذا الحديث
عبد الله بن عمر، عن عبيد الله بن عمر، وعبد الله بن عمر ضعفه يحيى
ابن سعيد من قبل حفظه، وهو قول غير واحد من أهل العلم من
أصحاب النبي- عليه السلام- والتابعين، أنه إذا استيقظ الرجل فرأى بلة
أنه يغتسل، وهو قول سفيان وأحمد.
قلت: وهو قول أبي حنيفة وأصحابه أيضاً. وقال بعض أهل العلم من
التابعين: إنما يجب عليه الغسل إذا كانت البلة بلة نطفة، وهو قول
الشافعي، وإسحاق. وإذا رأى احتلاماً ولم ير بلة فلا غسل عليه عند
عامة أهل العلم.
***
86- باب: المرأة ترى ما يرى الرجل
أي: هذا باب في بيان حكم المرأة التي ترى في منامها ما يرى الرجل
من الاحتلام.
222- ص- ثنا أحمد بن صالح قال: ثنا عنبسة، عن يونس، عن ابن
شهاب قال: قال عروة، عن عائشة، أن أم سليم الأنصارية- وهي أم أنس
ابن مالك- قالت: " يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، أرأيت المرأة
إذا رأتْ في النوم ما يرى الرجل أتغتسلُ أو لا (1) ؟ قالت عائشةُ: فقال
النبيُ- عليه السلام -: " نعم، فلتغتسلْ إذا وجدت الماء "، قالت عائشةُ:
فأقبلتُ عليها فقلت: أف لك، وهل ترى ذلك المرأةُ؟ فأقبل علي رسولُ الله
فقال: " تربتْ يمينُك يا عائشة، ومن أين يكونُ الشبهُ؟ " (2) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " أم لا ".
(2) البخاري: كتاب العلم، باب: الحياء في العلم (130) ، مسلم: كتاب-

(1/528)


ش- أحمد بن صالح المعروف بابن الطبري.
وعنبسة بن خالد بن يزيد ابن أبي النجاد، الأيلي الأموي مولاهم،
أبو عثمان ابن أخي يونس بن يزيد. روى عن يونس هذا، ورجاء بن
جميل. روى عنه: ابن وهب، وأحمد بن صالح. توفي بأيلة سنة ثمان
وتسعين ومائة. روى له: البخاري، وأبو داود (1) .
ويونس بن يزيد بن أبي النجاد بالنون، وقد مر، وعروة بن الزبير.
قوله: " إن الله لا يستحي " من الحياء، وهو تغير وانكسار يعتري الإنسان
من تخوف ما يعاب به ويُذم، واشتقاقه من الحيوة، يُقال: حيى الرجل
كما يقال نسي.
فإن قلت: كيف جاز وصف القديم سبحانه به، ولا يجوز عليه العير
والخوف والذم؟ وورد من حديث سلمان قال: قال رسول الله- عليه
السلام-: " إن الله حيى كريم، يستحي إذا رفع إليه العبد يديه أن يردهما
صفراً حتى يضع فيهما خيرا ".
قلت: هذا جار على سبيل الاستعارة التبعية التمثيلية شبه ترك الله
تخييب العبد، ورد يديه إليه صفراً بترك الكريم، ورده المحتاج حياء،
فقيل: ترك الله الرد حياء كما قيل: ترك الكريم رد المحتاج حياءً، فأطلق
الحياء ثمة كما أطلق الحياء هاهنا، فلذلك استعير ترك المستحي لترك
الحق، ثم نفي عنه (2) ، وفي " يستحي " لغتان، أفصحهما باليائين.
__________
الحيض، باب: وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها (314) ، الترمذي:
كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل
(122) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: غسل المرأة ترى في منامها ما يرى
الرجل (1/113) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: في المرأة ترى في
منامها ما يراه الرجل (600) من حديث أم سلمة.
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4529) .
(2) بل وصف الله نفسه بالحياء على سبيل الحقيقة، اعتقاد أهل السنة والجماعة:
(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ، وانظر: " العقيدة الواسطية "
لشيخ الإسلام ابن تيمية.
34. شرح سنن أبي داوود 1

(1/529)


قوله: " أرأيت " بمعنى: أخبرني، والألف في قوله: " أتغتسل "
للاستفهام.
قوله: " فأقبلت عليها " أي: على أم سليم.
قوله: " فقلت: أفّ لك " معناه: الاستقذار والاحتقار لما قالت، وهي
صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر متكره. وقيل: أصل الأف
من وسخ الإصبع إذا فُتل، وقد أففت بعده تأفيفاً وأففت به، إذا قلت له:
أف لك، وفيها لغات هذه أفصحها وأكثرها استعمالاً، ويقال: أصل
الأف وسخ الأظفار. وقال بعضهم: فيها عشر لغات: أف، وأف،
وأُف (1) بضم الهمزة مع كسر الفاء وفتحها وضمها بغير تنوين،
وبالتنوين، فهذه ست، والسابعة: " إف " بكسر الهمزة وفتح الفاء،
والثامنة: " أفْ " بضم الهمزة وإسكان الفاء، والتاسعة: " أفي " بضم
الهمزة وبالياء، و " أفه " بالهاء، هذه لغات مشهورة/ذكرهن كلهن ابن
الأنباري، فمن كسره بناه على الأصل، ومن فتحه طلب الخفة، ومن
ضم أتبع، ومن نون أراد التنكير، ومن لم ينون أراد التعريف، ومن
خفف الفاء حذف أحد المثلين تخفيفاً، ومن زاد التاء كأنه أضافه إلى
نفسه، ومن زاد الهاء كأنه وقف عليها كما في " قِ " يقال: " قه ".
قوله: " تربت يمينك " من ترب الرجل إذا افتقر، أي: لصق بالتراب،
وأترب إذا استغنى، " (2) وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون
بها الدعاء على المخاطب، ولا وقوع الأمر بها كما يقولون: قاتله الله،
وقيل: معناه لله درك. وقيل: أراد بها المثل ليرى المأمور بذلك الجد،
وأنه إن خالفه فقد أساء، وقال بعضهم: هو دعاء على الحقيقة، فإنه قد
قال لعائشة: " تربت يمينك "؛ لأنه رأى الحاجة خيراً لها، والأول
الوجه، ويعضده قوله في حديث خزيمة: " أنعم صباحاً، تربت يداك "،
فإن هذا دعاء له، وترغيب في استعماله ما تقدمت الوصية به،
__________
(1) في الأصل: " وأوف ".
(2) انظر: النهاية (1/184- 185) .

(1/530)


ألا تراه قال: " أنعم صباحاً "، ثم عقبه بقوله: " تربت يداك "؟
وكثيراً يرد للعرب ألفاظ ظاهرها الذم، وإنما يريدون بها المدح، كقولهم:
لا أب لك، ولا أم لك، وهوتْ أمُّه، ولا أرض لك، ونحو ذلك " (1) .
قوله: " ومن أين يكون الشبه؟ " بفتح الشين والباء يقال: بينهما شبه
أي: مشابهة. والمعنى: أن ماء الرجل إذا غلب ماء المرأة يكون شبه الولد
للأب وبالعكس للأم، ولو لم يكن للأم ماء ما كان يشبه الولد الأم
أصلاً كما في " صحيح مسلم " من حديث طويل: " ماء الرجل أبيض،
وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا منيُّ الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله
تعالى، وإذا علا منيّ المرأة منيّ الرجل أنثا بإذن الله "، وهذا الحديث
أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه من
حديث أم سلمة- رضي الله عنها-.
وهاهنا مسائل فقهية، استيقظ رجل فوجد على فراشه أو فخذه بللاً،
هذا على وجهين، تذكر الاحتلام أم لا، فإن تذكر فعلى أربعة أوجه:
تيقن أنه مني، أو تيقن أنه مذي، أو شك أنه منى أو مذي، ففي الكل
الغسل، وليس في هذا إيجاب الغسل بالمذي، بل بالمني؛ لأن الظاهر أنه
مني ثم رق بطول المدة، وإن تيقن أنه ودي لا غسل عليه، وإن لم يتذكر
الاحتلام فعلى الأوجه الأربعة أيضاً، فإن تيقن أنه ودي، أو تيقن أنه
مذي، لا يجب الغسل، وإن تيقن أنه مني يحب الغسل، وإن شك أنه
مني أو مذي، قال أبو يوسف: لا يجب قياساً حتى يتيقن بالاحتلام،
وقالا: يجب استحساناً.
ص- قال أبو داود: وكذلك رواه عُقيل، والزبيدي، ويونس، وابن أخي
الزهري، وابن أبي الوزير، عن مالك، عن الزهري، ووافق الزهر في مسافع
الحجبي، قال: عن عروة، عن عائشة، وأما هشام بن عروة فقال: عن
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من النهاية.

(1/531)


عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة، أن أم سليم جاءت (1)
رسول الله- عليه السلام-.
ش- عُقيل- بضم العين- مولى عثمان بن عفان، وقد ذكر.
والزُّبيدي- بضم الزاي- هو محمد بن الوليد، ويونس بن يزيد
وابن أخي الزهري اسمه: محمد بن عبد الله بن مسلم. روى عن
عمه الزهري. وروى عنه: معقل، والقعنبي، وطائفة. وقال الذهبي:
كذّبه ابن معين، ووثّقه أبو داود وغيره. مات سنة سبع وخمسين ومائة.
روى الجماعة (2)
وابن أبي الوزير: إبراهيم بن عمر بن مطرف الهاشمي مولاهم المكي،
أبو عمرو بن أبي الوزير، نزل البصرة. سمع: مالك بن أنس،
وشريكاً، وابن عيينة، وغيرهم. روى عنه: علي بن المديني، وابن
المثنى، وابن بشار، وغيرهم. قال أبو حاتم: لا بأس به. مات سنة
ثلاث وثلاثين ومائتين. روى له الجماعة إلا مسلماً (3) .
ومُسافع- بضم الميم، وبالسين المهملة، وبكسر الفاء- ابن عبد الله
الأكبر بن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزيز بن عثمان
ابن عبد الدار بن قُصي، أبو سليمان القرشي الحجبي المكي. سمع:
عبد الله بن عمرو، وعروة بن الزبير، وعمته صفية بنت شيبة،
والزهري. روى عنه: مصعب بن شيبة، ورجاء أبو يحيى، ومنصور بن
صفية، والزهري. قال ابن سعد: كان قليل الحديث. وقال أحمد بن
عبد الله: تابعي ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي (4)
وزينب بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد، وأمها: أم سلمة زوج
النبي- عليه السلام-، ولدت بأرض الحبشة، كان/اسمُها برّة،
__________
(1) في سنن أبي داود: " جاءت إلى ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5375)
(3) المصدر السابق (2/218) .
(4) المصدر السابق (27/5887) .

(1/532)


فسماها رسولُ الله زينب (1) ، روى لها البخاري حديثاً ومسلم آخر،
وقد رويا لها عن أمها وغيرها. روى عنها القاسم بن محمد، وعروة بن
الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله، والشعبي.
روى لها: أبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .
وأم سلمة اسمها: هند بنت أبي أمية، واسمه حذيفة، ويقال: سهيل
ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أم سلمة المخزومية، أم المؤمنين،
كانت قبل النبي عند أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد. رُوي لها عن
رسول الله ثلاثمائة وثمانية وسبعون حديثاً، اتفقا على ثلاثة عشر حديثاً،
ولمسلم مثلها، هاجرت الهجرتين: هجرة الحبشة، وهجرة المدينة. روى
عنها: ابنها عمر، وابنتها زينب، وسعيد بن المسيب، وأبو بكر بن
عبد الرحمن، وكُريب مولى ابن عباس، وجماعة آخرون، توفيت سنة
تسع وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة. روى لها الجماعة (3) .
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: ترك الاستحياء لمن تعرض له
مسألة، والامتناع، وقد قالت عائشة: " نعم النساءُ نساءُ الأنصار، لم
يمنعهن الحياءُ أن يتفقهن في الدين ".
والثانية: وجوب الغسل على الرجل والمرأة جميعاً إذا احتلم ووجد الماء.
والثالثة: إثبات أن المرأة لها ماء.
والرابعة: إثبات القياس، وإلحاق حكم النظير بالنظير.
والخامسة: أن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطاباً للنساء، إلا
مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها.
__________
(1) البخاري: كتاب الأدب، باب: تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه (6192) ،
مسلم: كتاب الآداب، باب: استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن....
(17/2141) .
(2) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/319) ، أسد الغابة
(7/131) ، الإصابة (4/317) .
(3) المصادر السابقة (4/421) ، (7/289) ، (4/423) .

(1/533)


87- باب: مقدار الماء الذي يجزئ به الغسل
أي: هذا باب في بيان مقدار الماء الذي يكتفى به في الغسل.
223- ص- حدّثنا عبد الله بن مسلمه، عن مالك، عن ابن شهاب، عن
عروة، عن عائشة: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغتسلُ من إناء (1) هو الفرقُ من
الجنابة " (2) .
ش- الفرق: بفتح الفاء والراء وبإسكانها " لغتان، والفتح أفصح
وأشهر، وزعم الباجي أنه الصواب، وليس كما زعم، بل هما لغتان.
قال سفيان: الفرق ثلاثة آصع. وقال ابن الأثير (3) : " الفرقُ بالتحريك
مكيال يسع ستة عشر رطلاً، وهي اثنى عشر مُدا، وثلاثة آصع عند أهل
الحجاز، وقيل: الفرق خمسة أقساط، والقسْط: نصف صاع، فأما
الفرق بالسكون فمائة وعشرون رطلاً ".
وقال أصحابنا في كتب الفقه: الفرق: ستة وثلاثون رطلاً، ذكره
صاحب " الهداية "، ثم علله بقوله: لأنه أقصى ما يُقدر به.
واعلم أن المراد لمن كلمة " من " في قوله: " من إناء " بيان الجنس،
والإناء الذي هو القرف الذي يستعمل منه الماء، وليس المراد أنه يغتسل
بملاء الفرق، بدليل الحديث الآخر: " كنت أغتسلُ أنا ورسولُ الله من
قدح يقال له الفرق "، وبدليل الحديث الآخر: " يغتسل بالصاع ".
واعلم أيضاً أن العلماء أجمعوا على أن الماء الذي يجزئ من الغسل
والوضوء غير مقدر، بل يكفي فيه القليل والكثير إذا وجد شرط الغسل،
__________
(1) في سنن أبي داود: " إناء واحد ".
(2) البخاري: كتاب الغسل، باب: غسل الرجل مع امرأته، مسلم: كتاب
الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة، وغسل الرجل
والمرأة في إناء واحد في حالة واحدة وغسل أحدهما بفضل الأخر (319) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر القدر يكتفي به الرجل من الماء للغسل
(1/127) .
(3) النهاية (3/437) .

(1/534)


وهو جريان الماء على الأعضاء؛ لأن الغسل هو الإسالة، فإذا لم يسل
يصير مسحاً وذا لا يجوز. وقال الشافعي: وقد يرفق بالقليل فيكفي،
ويحرق بالكثير فلا يكفي، وقالت العلماء: المستحب أن لا ينقص في
الغسل عن صاع، ولا في الوضوء عن مد، وقد ذكرنا الخلاف في
الصاع، وأجمعوا أيضاً على النهي عن الإسراف في الماء، ولو كان على
شاطئ البحر، ثم الأظهر أنه كراهة تنزيه لا تحريم، خلافاً لبعض
الشافعية.
ص- قال معمر عن الزهري في الحديث، قالت: " كنتُ أغتسل أنا
ورسولُ الله من إناء واحد، فيه قدْرُ الفرق ".
ش- أي: قالت عائشة في هذه الرواية.
قوله: " فيه قدر الفرق " أي: يسع فيه ماء قدر الفرق، وإذا فرضنا أنه
- عليه السلام- اغتسل هو وعائشة بقدر الفرق، يكون قدر الماء الذي
استعمل كل منهما بالتقريب ثمانية أرطال، لأن الفرق ستة عشر رطلاً كما
فسره احمد بن حنبل، وهي صاع عند أبي حنيفة ومحمد.
ويستفاد من الحديث جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، وقد مر
الكلام فيه، ويستفاد أيضاً الاكتفاء بالصاع كما قررنا. وأخرجه البخاري،
ومسلم/والنسائي.
ص- قال أبو داود: روى ابن عيينة نحو حديث مالك.
قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: " الفرق ستة عشر
رطلاً " (1) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " وسمعته يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث،
قال: فمن قال ثمانية أرطال قال: ليس ذلك بمحفوظ، قال: وسمعت أحمد
يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثا فقد أوفى،
قيل: الصيحاني ثقيل. قال: الصيحاني أطيب، قال: لا أدري ".

(1/535)


ش- أي: روى سفيان بن عيينة نحو حديث مالك بن أنس، عن
الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة- رضي الله عنها-.
***
88- باب: الغسل من الجنابة
أي: هذا باب في بيان الاغتسال من الجنابة، الغُسل- بضم الغين-
اسم الاغتسال، وبالفتح المصدر، وبالكسر الشيء الذي يُغسلُ به كالسدر
والأشباه.
224- ص- حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: نا زهير قال: ثنا
أبو إسحاق قال: حدّثني سليمان بن صُرد، عن جبير بن مطعم، أنهم ذكروا
عند رسول الله- عليه السلام- الغُسْل منً الجنابة، فقال رسول الله: " أما أنا
فأفيضُ على رأسي ثلاثاً، وأشار بيديه كلتيْهما " (1) .
ش- زهير بن معاوية بن حُديجْ، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله
السبيعي، وقد ذُكرا.
وسليمان بن صُرد- بضم الصاد، وفتح الراء- ابن الجون بن أبي الجون
ابن منقذ بن ربيعة الخزاعي. رُوي له عن رسول الله- عليه السلام-
خمسة عشر حديثاً، اتفقا على حديث واحد، وانفرد البخاري بحديث.
روى عنه: عدي بن ثابت، وأبو إسحاق السبيعي المذكور، نزل الكوفة
وقُتل بعين الوردة من الجزيرة سنة خمس وستين أميراً للتوابين. روى له
الجماعة (2)
__________
(1) البخاري: كتاب الغسل، باب: من أفاض على رأسه ثلاثاً (254) ، مسلم:
كتاب الحيض، باب: استحباب إفاضة الماء على الرأس وغيره ثلاثاً (327) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر ما يكفي الجنب من إفاضة الماء على
رأسه (1/135) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: في الغسل من الجنابة
(575) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/63) ، وأسد الغابة
(2/449) ، والإصابة (2/75) .

(1/536)


وجبير بن مطعم بن عدي أبي نوفل القرشي المدني، قدم على النبي
- عليه السلام- في فداء أسارى بدر وهو مشرك، ثم أسلم بعد ذلك قبل
عام خيبر، وقيل: أسلم يوم الفتح. رُوي له عن رسول الله ستون
حديثاً، اتفقا على ستة، وانفرد البخاري بحديث ومسلم بحديث. روى
عنه: ابناه محمد ونافع، وسليمان بن صُرد، وسعيد بن المسيب،
وغيرهم. مات بالمدينة سنة أربع وخمسين. روى له الجماعة (1) .
قوله: " أما أنا " كلمة " أما " بالفتح والتشديد حرف شرط وتفصيل
وتوكيد، والدليل على الشرط لزوم الفاء بعدها نحو: (فأما الذين آمنُوا
فيعْلمُون) (2) ، والتفصيل مثل قوله تعالى: (أما السفينة فكانتْ
لمساكين) (3) ، (وأما الغُلامُ) (4) ، (وأما الجدارُ) (5) . وأما
التوكيد فقد ذكره الزمخشري، فإنه قال: فائدة: " أما " في الكلام أن
تعطيه فضل توكيل تقول: زيد ذاهب، فإذا قصدت توكيد ذلك، وأنه لا
محالة ذاهب، وأنه بصدد الذهاب، وأنه منه عزيمة. قلت: أما زيد
فذاهب. وهاهنا أيضاً للتأكيد فافهم.
وأما " أما " بالفتح والتخفيف على وجهين، الأول: أن يكون حرف
استفتاح بمنزلة " ألا " ويكثر ذلك قبل القسم. والثاني: أن يكون بمعنى
حقا.
قوله: " فأفيضُ " من أفاض الماء إذا سكبه، وثُلاثيه فاض، من فاض
الماء والدمع وغيرهما، يفيض فيضاً إذا كثر.
قوله: " ثلاثاً " أي: ثلاث أكف، وهكذا في رواية مسلم، والمعنى:
ثلاث حفنات، كل واحدة منهن ملء الكفين جميعاً.
قوله: " وأشار بيديه " من كلام جُبير بن مطعم، أي: أشار رسول الله
__________
(1) المصادر السابقة (1/230) ، (1/323) ، (1/225) .
(2) سورة البقرة: (26) .
(3) سورة الكهف: (79) .
(4) سورة الكهف: (80) .
(5) سورة الكهف: (81) .

(1/537)


بيديه الثنتين، كما قلنا: إن كل حفنة ملء الكفيّن، وهذا هو المسنون في
الغسل، وعليه إجماع العلماء، وأما الفرض فيه غسل سائر البدن
بالإجماع، وفي المضمضة والاستنشاق خلاف مشهور. وأخرجه البخاري
ومسلم والنسائي وابن ماجه.
225- ص- ونا محمد بن المثنى قال: ثنا أبو عاصم، عن حنظلة، عن
القاسم، عن عائشة قالت: كان رسولُ الله- عليه السلام- إذا اغْتسل من
الجنابة دعا بشيء (1) نحو الحلاب، فاخذ بكفه (2) فبدا بشقّ رأسه الأيمن ثم
الأيسر، ثم أخذ بكفيْه فقال بها على رأسه (3) .
ش- أبو عاصم هذا هو الضحاك بن مخلد أبو [عاصم] النبيل البصري.
وحنظلة بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية القرشي
الجُمحي المكي. سمع: القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن
عمر، وعطاء بن أبي رباح، وطاوساً، ومجاهداً، وغيرهم. روى عنه:
الثوري، وابن المبارك، ووكيع، وأبو عاصم النبيل، وغيرهم. قال
أحمد بن حنبل: ثقة ثقة./وقال ابن معين: ثقة حجة. مات سنة
إحدى وخمسين ومائة. روى له الجماعة إلا ابن ماجه (4) .
قوله: " نحو الحلاب " " الحلاب " بكسر الحاء المهملة: إناء يملاؤه قدر
حلبة ناقة. ويقال لها أيضاً المحلب بكسر الميم، وترجم البخاري عليه
" من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل "، فدل على أنه عنده ضرب من
الطيب، وهذا لا يُعرف في الطيب، والمعروف حب المحلب بفتح الميم
واللام، وألفاظ الحديث ظاهرة في أنه الإناء. وقال بعضهم: يحتمل أن
__________
(1) في سنن أبي داود: " بشيء من "
(2) في سنن أبي داود: " فأخذ بكفيه ".
(3) البخاري: كتاب الغسل، باب: من بدأ بالحلاب أو الطيب قبل الغسل (258) ،
مسلم: كتاب الحيض، باب: صفة غسل الجنابة (318) ، النسائي: كتاب
الغسل والتيمم، باب: استبراء البشرة في الغسل من الجنابة (1/206) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1561) .

(1/538)


يكون البخاري ما أراد إلا الجُلاب- بالجيم المضمومة، وتخفيف اللام-
وهو ماء الورد، فارسي مُعرب؛ لأن " كل " عندهم الورد، و " آب "
المل، فلما عُرب أبدل من الكاف جيم، والمحفوظ في البخاري بالحاء
المهملة، وهو بها أشبه؛ لأن الطيب لمن يغتسل بعد الغسل أليق منه قبله
وأولى؛ لأنه إذا بدأ به ثم اغتسل أذهبه الماء، وقال ابن الأثير في باب
الجيم مع اللام (1) . " وفي حديث عائشة: كان إذا اغتسل من الجنابة دعا
بشيء نحو الجلاب. قال الأزهري: أراد بالجُلاب ماء الورد، والله
أعلم ". قلت: الذي تشهد به العبارة " من السياق والسباق أن المراد به
الإناء، يتأمله من له ذوق في طرق التركيب.
قوله: " فبدأ بشق رأسه الأيمن " الشق- بكسر الشين، وتشديد القاف
بمعني: الجانب، وبمعنى: نصف الشيء، ومنه: " تصدقوا ولو بشق
تمرة " أي: نصفها.
وقوله: " الأيمن " صفة للشق، وكذلك الأيسر.
قوله: " فقال ما " أي: بالكفين، واعلم أن العرب تجعل القول عبارة
عن جميع الأفعال، وتطلق على غير الكلام فتقول: قال بيده، أي:
أخذ. وقال برجله، أي: مشى. وقالت له العينان: سمعاً وطاعة،
أي: أومأت- والمعنى هاهنا قال بكفيه على رأسه، أي: وقلب. وفي
حديث آخر: " فقال بثوبه " أي: رفعة، وكل ذلك على المجاز،
والاتساع، ويُقال: إن " قال " تجيء لمعان كثيرة بمعنى: أقبل، ومال،
واستراح، وذهب، وغلب، وأحبّ " وحكم، وغير ذلك. وسمعت
أهل مصر يستعملون هذا في كثير من ألفاظهم، ويقولون: أخذ العصا
وقال به كذا، أي: ضرب به. وجمع كفه وقال بها في رقبته، أي:
لكمها، وأخذ الجندة وقال بها على جسمه، أي: لبسها، وغير ذلك،
__________
(1) النهاية (1/282) .

(1/539)


يقف على ذلك من يتأمل في كلامهم، ولذلك رأيتهم أفصح من أهل
الشام وحلب وديار بكر، ولا سيما المولدون فيها.
226- ص- وثنا يعقوب بن إبراهيم قال: نا عبد الرحمن- يعني: ابن
مهدي- عن زائدة بن قدامة، عن صدقة قال: نا جُميع بن عُمير أحدُ بني
تيم بن ثعلبة قال: دخلت مع أمي وخالتي على عائشة فسألتْها إحداهما:
كيف كنتُم تصنعُون عند الغُسل؟ فقالت عائشةُ: كان رسولُ الله يتوضأُ
وضُوءه للصلاة، ثم يُفيضُ على رأسه ثلاث مرات ونحنُ نُفيضُ على
رُؤُوسنا خمساً من أجْل الضفْر (1)
ش- يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح الدورقي أبو يوسف
العبدي، أخو أحمد بن إبراهيم، وكان الأكبر، سكن بغداد، رأى
الليث بن سعد. وسمع: ابن عيينة، ويحيى القطان، وأبا (2) عاصم
النبيل، وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة،
وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجة، وجماعة آخرون. وكان حافظاً ثقة متقناً، صنف المسند.
مات سنة ثنتين وخمسين ومائتين (3) .
وصدقة بن سعيد الحنفي، سمع جُميع بن عُمير. روى عنه:
عبد الواحد بن زياد، وأبو بكر بن عياش، وزائدة. قال البخاري: يعد
في الكوفيين. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
وجميع بن عُمير التيمي أحدُ بني تيم الله الكوفي، روى عن: عبد الله
ابن عمر، وعائشة الصّدّيقة. روى عنه: صدقة بن سعيد، والعلاء بن
صالح، وحكيم بن جبير، وغيرهم. قال البخاري: فيه نظر. قال
__________
(1) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر غسل الجنب يديه قبل أن يدخلهما الإناء
(1/133) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الغسل من الجنابة
(574) .
(2) في الأصل: " أبى " خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7083) .
(4) المصدر السابق (13/2862) .

(1/540)


عبد الرحمن: سألت أبى عنه فقال: من عتق الشيعة، محله الصدق،
صالح الحديث، كوفي تابعي. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " يتوضأ وضوءه للصلاة " /أي: الوضوء الكامل، وبذا قالت
العلماء؛ اللهم إلا إذا كان في مستجمع الماء فيؤخر رجليه، ثم إذا خرج
منه يغسلهما.
قوله: " من أجل الضفر " الضفر- بفتح الضاد المعجمة، وسكون
الفاء- وهي الذوائب المضفورة، وضفر الشعر: إدخال بعضه في بعض،
وبهذا يستفاد أن المرأة إذا استعملت الماء أكثر من الرجل لأصل شعرها لا
بأس عليها، ويدخل في هذه الطائفة الذين يضفرون شعورهم مثل النساء.
وأخرجه النسائي وابن ماجه.
227- ص- حدثنا سليمان بن حرب الواشحي ح، وثنا مسدد قال: ثنا
حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: " كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إذا اغتسل من الجنابة " قال سليمانُ: يبدأ فيُفرغُ بيمينه (2) ". وقال مسدد:
" غسل يد، فصبّ الإناء على يده اليُمْنى "، ثم اتفقا: " فيغسلُ فرجه ".
قال مسدد: " يُفرغُ على شماله، وربما كنتْ عن الفرج، ثم يتوضأ
كوضُوئه (3) للصلاة، ثم يُدخلُ يده (4) في الإناء، فيُخللُ شعْره، حتى إذا
رأى أنه قد أصاب البشْرة، أو أنْقى البشْرة، أفرغً على رأسه ثلاثاً، وإذا
فضل فضْلة صبّها عليه " (5) .
__________
(1) المصدر السابق (5/966) .
(2) في سنن أبي داود: " بيمينه على شماله ".
(3) في سنن أبي داود: " وضوءه ".
(4) في سنن أبي داود: " يديه ".
(5) البخاري: كتاب الغسل، باب: هل يُدخل الجنب يده في الإناء قبل أن
يغسلها إذا لم يكن على يده قذر غير الجنابة؟ ... (262) ، وباب: تخليل
الشعر (272) ، مسلم: كتاب الحيض، باب: صفة غسل الجنابة (316) ،
الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الغسل من الجنابة (104) ،
النسائي: كتاب الغسل والتيمم، باب: الابتداء بالوضوء في غسل الجنابة
(1/ 205) .

(1/541)


ش- قوله: " يُفرغُ " من أفرغ الإناء إذا أقلب ما فيه.
قوله: " ثم اتفقا " أي: سليمان ومُسدد.
قوله: " وربما كنتْ " بفتح النون المخففة من كنيتُ عن الأمر وكنوت
عنه، إذا ورّيتُ عنه بغيره.
قوله: " فيخلل شعره " إنما فعل ذلك ليلين الشعر ويرطبه، فيسهل عليه
مرور الماء.
قوله: " أصاب البشرة " البشرة ظاهر الجلد، وتجمع على أبشار.
قوله: " أو أنقى " من الإنقاء.
" (1) وهذه الصفة المفعولة في الغسل هي المسنونة عند عامة العلماء،
ولم يشترط أحد الدلك فيه ولا في الوضوء إلا مالك والمزني، وأما
الوضوء فإنه سُنّة أيضاً، حتى لو أفاض الماء على جميع بدنه من غير
وضوء صح غسله خلافاً لداود الظاهري، ولكن الأفضل أن يتوضأ
ويُحصل الفضيلة بالوضوء قبل الغسل وبعده، وإذا توضأ به أولاً لا يأتي به
ثانياً، واتفق العلماء على أنه لا يستحب الوضوءان، ثم الوضوء ينبغي أن
يكون مثل وضوء الصلاة كما جاء في روايات عائشة في الصحيحين
وغيرهما. وقد جاء في أكثر روايات ميمونة: " توضأ ثم أفاض الماء
عليه، ثم تنحى فغسل رجليه "، وفي رواية من حديثها رواها البخاري:
" توضأ وضوءه للصلاة غير قدميه، ثم أفاض الماء عليه، ثم نحى قدميه
فغسلهما، "، وهذا تصريح بتأخير غسل القدمين.
وقال الشيخ محيي الدين: " وللشافعي قولان، أصحهما: أنه يكمل
وضوءه (2) بغسل القدمين. والثاني: أنه يؤخر غسل القدمين، فعلى
القول الضعيف تتأول روايات عائشة، وأكثر روايات ميمونة على أن المراد
بوضوء الصلاة أكثره وهو ما سوى الرجلين كما بينته ميمونة في رواية
البخاري " (3) .
(1) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/229) .
(2) في الأصل: " وضوء "، وما أثبتناه من " شرح صحيح مسلم ".
(3) إلى هنا انتهى النقل من شرح صحيح مسلم.

(1/542)


قلت: مذهب أبي حنيفة أنه لا يؤخرهما إلا إذا كانا في مستجمع الماء،
وتتأول روايات تأخير الرجلين على أنهما كانا في مستجمع الماء، فلذلك
غسلهما بعد الفراغ، أو يكون ذلك لإزالة طين أو نحو ذلك، لا لأجل
الجنابة. والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
228- ص- حدثنا عمرو بن علي الباهلي قال: نا محمد بن أبي عدي
قال: ثنا سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي، عن الأسود، عن عائشة
قالت: " كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيْه فغسلهُما،
ثم غسل مرافقهُ، وأفاض عليهما (1) الماء، فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى
حائطٍ، ثم يستقبلُ الوُضوء، ويفيضُ الماء على رأسه " (2) .
ش- عمرو بن علي بن بحر بن كنيز- بالنون والزاي- أبو حفص
الصيرفي الفلاس الباهلي البصري. روى عن: يزيد بن زريع، ومعتمر
ابن سليمان، ويحيى القطان، ووكيع، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة،
وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه، وعبد الله بن أحمد، وغيرهم. توفي سنة تسع وأربعين
ومائتين (3) .
/ومحمد بن أبي عدي، واسم أبي عدي: إبراهيم السلمي، يكنى:
أبا عمرو مولاهم البصري. سمع: سليمان التيمي، ويونس بن عُبيد،
ومحمد بن إسحاق بن يسار، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل،
ومحمد بن المثنى، وابن بشار، وعمرو بن علي الباهلي، وغيرهم. قال
ابن سعد: وكان ثقة. مات بالبصرة سنة أربع وتسعين ومائة (4) .
وسعيد بن أبي عروبة، وأبو معشر زياد بن كليب، والنخعي إبراهيم،
والأسود بن يزيد.
قوله: " أهوى بهما إلى حائط " أي: مدهما نحوه، يُقال: أهوى بيده
إليه، أي: مدها نحوه.
__________
(1) في سنن أبي داود: " عليه ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4416) .
(4) المصدر السابق (24/5029) .

(1/543)


229- ص- حدثنا الحسن بن شوكر قال: ثنا هشيم، عن عروة
الهمداني قال: نا الشعبي قال: قالت عائشةُ- رضي الله عنها-: " لئنْ
شئتُم لأريتُكُم أثريد رسول الله في الحائط حيث كان يغتسلُ من الجنابة " (1)
ش- الحسن بن شوكر البغدادي أبو علي. روى عن: إسماعيل بن
جعفر، وإسماعيل ابن علية، ويوسف بن عطية، وخلف بن خليفة،
وغيرهم. روى عنه: أبو داود، ومحمد بن المنادي، وأبو أحمد
العبدوس، وغيرهم (2) .
وهشيم بن بشير.
وعروة بن الحارث أبو فروة الهمداني الكوفي، يعرف بأبي فروة الأكبر.
روى عن: أبي عمرو الشيباني، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبي زرعة
وغمرهم. روى عنه: الأعمش، والثوري، وابن عيينة، وشعبة،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له: البخاري، ومسلم،
وأبو داود، والنسائي (3) .
قوله: " لأريتكم " اللام فيه للتأكيد، و " الأثر " بفتح الهمزة، والثاء:
ما بقي من رسم الشيء، والأثر بضم الهمزة وسكون الثاء: أثر الجراح
تبقى بعد البرء، وهذا مرسل؛ لأن الشعبي لم يسمع من عائشة.
230- ص- وثنا مسدد بن مسرهد قال: ثنا عبد الله بن داود، عن
الأعمش، عن سالم، عن كريب قال: نا ابن عباس، عن خالته ميمونة
قالت: وضعتُ للنبي- عليه السلام- غُسلاً يغتسلُ به (4) من الجنابة، فأكفأ
الإناء على يده اليمني فغسلهما (5) مرتين أو ثلاثاً، ثم صب على فرجه،
__________
(1) تفرد به أو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/1237) .
(3) المصدر السابق (20/3903) .
(4) كلمة " به " غير موجودة في سنن أبي داود.
(5) في سنن أبي داود: " فغسلها ".

(1/544)


فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده الأرض فغسلهما (1) ، ثم
مضْمض (2) واسْتنشقً وغسل وجهه ويديْه، ثم صب على رأسه وجسده،
ثم تنحى ناحيةً فغسل رجليْه، فناولتُه المنديل فلم يأخذه، وجعل ينقضُ الماء
عن جسده "، فذكرتُ ذلك لإبراهيم فقال: كانُوا لا يرون بالمنديل بأساً،
ولكن كانوا يكرهُون العادة.
قال مسددٌ: قلتُ لعبد الله بن داود: كانوا يكرهُونه للعادة؟ فقال: هكذا
هو، ولكن وجدته في كتابي هكذا (3) .
ش- عبد الله بن داود الخُريبي، وسالم بن أبي الجعد.
وكريب بن أبي مسلم القرشي الهاشمي، مولى عبد الله بن عباس،
أدرك عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت. وسمع: ابن عباس، وأسامة بن
زيد، ومعاوية بن أبي سفيان، وعائشة، وأم سلمة، وميمونة زوجات
النبي- عليه السلام-، وأم الفضل بنت الحارث. روى عنه: ابناه
محمد ورشدين (4) ، وعمرو بن دينار، والزهري، وسالم بن أبي الجعد،
وجماعة آخرون. قال ابن معين: ثقة. مات بالمدينة سنة ثمان وتسعين.
روى له الجماعة (5) .
وميمونة بنت الحارث بن حزن بن بحير بن الهرم بن رُويبة بن عبد الله
__________
(1) في سنن أبي داود: " فغسلها ".
(2) في سنن أبي داود: " تمضمض ".
البخاري: كتاب الغسل، باب: الوضوء قبل الغسل (249) ، مسلم: كتاب
الحيض، باب: صفة غسل الجنابة (317) و (337) ، الترمذي: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في الغسل من الجنابة (103) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: غسل الرجلين في غير المكان الذي يغتسل فيه (1/137) ،
وكتاب الغسل والتيمم، باب: الاستتار عند الاغتسال (1/200) ، وباب:
إزالة الجنب الأذى عنه قبل إفاضة الماء عليه (1/204) ، وباب: مسح اليد
بالأرض بعد غسل الفرج (1/204) ، وباب: الغسل مرة واحدة (1/208) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: المنديل بعد الوضوء وبعد الغسل (467) ،
وباب: ما جاء في الغسل من الجنابة (573) .
(4) في الأصل: " رشيد " خطأ.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/4970) .
35. شرح سنن أبي داوود 1

(1/545)


ابن هلال الهلالية أم المؤمنين، تزوجها رسول الله سنة ست من الهجرة.
رُوي لها عن رسول الله- عليه السلام- ستة وأربعون حديثاً، اتفقا على
سبعة، وللبخاري حديث، ولمسلم خمسة. روى عنها: عبد الله بن
عباس، ومولاه كُريب، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وجماعة آخرون.
توفيت سنة إحدى وخمسين، وصلى عليها ابن عباس وماتت بسرف،
وهو ماء بينه وبين مكة تسعة أميال، وقيل: اثنا عشر ميلاً. روى لها
الجماعة (1) .
قوله: " وضعت للنبي- عليه السلام- غسلاً " الغُسل- بضم العين-:
الماء الذي يُغتسل به، كالأكل- بضم الهمزة- لما يؤكل، وهو الاسم
أيضاً من غسلته. وقد ذكرنا مثل ذلك مرة، وأن الغسل- بالفتح-
المصدر، وبالكسر: ما يغسل به من خطْمي وغيره.
قوله: " فأكفأ الإناء " من قولهم: كفأت الإناء وأكفأته إذا قلبته وكببته.
قوله: " ثم تنحى ناحية " أي: تعمد ناحية وتوجه إليها، وقد مر
الكلام في سبب تأخير غسل رجليه.
قوله: " فناولته المنديل " بكسر الميم. قال ابن فارس: لعله مأخوذ من
الندل وهو النقل. وقال غيره: مأخوذ من الندل وهو الوسخ؛ لأنه يُنْدل
به. ويقال: تندلت بالمنديل. قال الجوهري: ويقال أيضاً: تمندلت به،
وأنكرها الكسائي.
قوله: " فلم يأخذه " أي: المنديل، هذا يدل على أن ترك تنشيف
الأعضاء مستحب. وقالت الشافعية: فيه خمسة أوجه، أشهرها: أن
المستحب تركه ولا يقال فعله مكروه. والثاني: أنه مكروه. والثالث: أنه
مباح يستوي فعله ونزكه. والرابع: أنه مستحب لما فيه من الاحتراز عن
الأوساخ، وهو قول علمائنا أيضاً. والخامس: يكره في الصيف دون
الشتاء./
__________
(1) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/404) ، وأسد الغابة
(7/272) ، والإصابة (4/411) .

(1/546)


وقال الشيخ محيي الدين (1) : " وقد اختلفت الصحابة وغيرهم في
التنشيف على ثلاثة مذاهب، أحدها: أنه لا بأس به في الوضوء
والغسل، وهو قول أنس بن مالك، ومالك، والثوري.
والثاني: أنه مكروه فيهما، وهو قول ابن عباس، وابن أبي ليلى.
والثالث: يكره في الوضوء دون الغسل، وهو قول ابن عباس. وقد
جاء في ترك التنشيف هذا الحديث، والحديث الآخر في الصحيح أنه
- عليه السلام- اغتسل وخرج ورأسه يقطر ماء. وأما فعل التنشيف فقد
رواه جماعة من الصحابة من أوجه لكن أسانيدها ضعيفة.
قال الترمذي: لا يصح في هذا الباب عن النبي- عليه السلام-
شيء، وقد احتج بعض العلماء على إباحة التنشيف بقول ميمونة في هذا
الحديث: " وجعل ينفض الماء عن جسده "، فإذا كان النفض مباحاً كان
التنشيف مثله أو أولى، لاشتراكهما في إزالة الماء ".
قوله: " فذكرت ذلك القائل لهذا الكلام هو الأعمش، وإبراهيم هو
النخعي.
قوله: " كانوا يكرهون العادة " أي: كانوا يكرهون أن يجعلوا المنديل
عادة، وفي " المصنف ": حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم
قال: " إنما يكرهون المنديل بعد الوضوء مخافة العادة ".
وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه،
وليس في حديثهم قصة إبراهيم.
231- ص- حدثنا حسين بن عيسى الخراساني قال: ثنا ابن أبي فديك،
عن ابن أبي ذئب، عن شعبة: أن ابن عباس، كان إذا اغتسل من الجنابة
يُفرغُ بيده اليُمنى على يده اليُسرى سبع مرار، ثم يغسلُ فرجه، فنسي مرةً
كم أفرغ، فسألني فقلتُ: لا أدري، فقال: لا أم لك، وما يمنعُك أن تدري؟
__________
(1) شرح صحيح مسلم (1/333-332) .

(1/547)


ثم يتوضأ وُضوءه للصلاة، ثم يُفيض على جلده الماء ثم يقولُ: هكذا كان
رسولُ الله يتطهرُ (1) .
ش- ابن أبي فديك محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك الديلي
مولاهم المدني، أبو إسماعيل، واسم أبي فديك: دينار. سمع: أباه،
وسلمة بن وردان، وهشام بن سعد، وابن أبي ذئب، وغيرهم. روى
عنه: الشافعي، وأحمد بن صالح المصري، وأحمد بن حنبل، وجماعة
آخرون. مات سنة مائتين. روى له الجماعة (2) .
وابن أبي ذئب: محمد بن عبد الرحمن القرشي.
وشعبهْ القرشي الهاشمي: مولاهم أبو عبد المدني، ويقال: أبو يحيى
مولى عبد الله بن عباس بن عبد المطلب. سمع ابن عباس. روى عنه:
بكير بن الأشج، وابن أبي ذئب، وحفص بن عمر، وغيرهم. قال ابن
معين: ليس به بأس (3) . وقال مالك: ليس بثقة. وقال النسائي: ليس
بالقوي. توفي في وسط خلافة هشام بن عبد الملك (4) .
قوله: " كم أفرغ " أي: كم أفرغ الماء.
قوله: " لا أمّ لك " ذم وسب، أي: أنت لقيط لا يعرف (5) لك أم،
وقد قيل: قد تقع مدحاً بمعنى التعجب منه، وفيه بعد.
قوله: " يتطهر " أي: من الجنابة. وقال الشيخ زكي الدين: شعبة هذا
ضعيف لا يحتج بحديثه.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/5068) .
(3) في الأصل: " صالح "، وما أثبتناه من تهذيب الكمال، وبقية كلامه: " وهو
أحب إلي من صالح مولى التوأمة ... "، فلعله سبق قلمه إلى هذا، والله
أعلم.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2741) .
(5) في الأصل: " تعرف ".

(1/548)


232- ص- حثثنا قتيبة بن سعيد قال: نا أيوب بن جابر، عن عبد الله
ابن عُصم، عن ابن عمر قال: كانت الصلاةُ خمسين والغُسلُ من الجنابة
سبع مرات (1) ، وغُسلُ البول من الثوب سبع مرار، فلم يزلْ رسولُ الله
يسألُ حتى " جُعلت الصلاةُ خمساً، والغُسل من الجنابة مرة، وغُسلُ للبول من
الثوب مرة (2) .
ش- أيوب بن جابر اليمامي أخو محمد السُحيمي أبو سليمان الحنفي
المدني. روى عن: عبد الله بن عاصم (3) ، وأبي إسحاق السبيعي،
وحماد بن أبي سليمان، وغيرهم. روى عنه: قتيبة، وأبو داود
الطيالسي، وخالد بن مرداس، وغيرهم. قال ابن معين والنسائي:
ضعيف. وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه وقال زكي الدين في
" كتابه ": لا يحتج بحديثه (4) .
وعبد الله بن عصم ويُقال: ابن عصمة أبو علوان الحنفي. سمع: عبد الله
ابن عمر، وابن عباس، وأبا سعيد الخدري. روى عنه: شريك بن
عبد الله، وإسرائيل، وأيوب بن جابر. قال ابن معين: هو ثقة. وقال
أبو زرعة: كوفي ليس به بأس. روى له: أبو داود، والترمذي (5) .
قوله: " كانت الصلاة خمسين " أي: خمسين صلاة في اليوم والليلة،
وقد خفف الله تعالى عن هذه الأمة بسؤال النبي- عليه السلام-/ليلة
المعراج، وذلك كما رُوي في قصة المعراج: أن الله تعالى عرض على
عبده محمد وعلى أمته الصلوات ليلتئذ خمسين صلاة في كل يوم وليلة،
ثم لم يزل يختلف بين موسى وربه حتى وضعها الرب جل ذكره إلى
خمسٍ وقال: " هي خمسون، الحسنة بعشرة أمثالها "، وأما تخفيف
الغسل من الجنابة إلى مرة، وتخفيف غسل البول من الثوب إلى مرة،
__________
(1) في سنن أبي داود: " مرار ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) كذا، وقد اختلف في اسمه كما سيأتي، ولم يذكر فيه: " عاصماً ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/609) .
(5) المصدر السابق (15/3426) .

(1/549)


فلم يذكر في قصة المعراج، فلعل هذا قد كان في وقت آخر. وروى هذا
الحديث أحمد في " مسنده " قال: حدّثنا حسين بن محمد، نا أيوب بن
جابر، عن عبد الله بن عصمة، عن ابن عمر قال: " كانت الصلاة "
الحديث. وقال ابن الجوزي في " جامع المسانيد ": عبد الله بن عصمة
ضعيف. قال ابن حبان: منكر الحديث، يحدث عن الأثبات بما لا يشبه
أحاديثهم، حتى سبق إلى القلب أنها موهونة أو موضوعة، وأما أيوب بن
جابر فقال يحيى بن معين: ليس بشيء.
233- ص- حدثنا نصر بن عليّ قال الحارث بن وجيه قال: ثنا مالك بن
دينار، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله: " إن تحت
كُل شعرةٍ جنابةً، فاغسلُوا الشعْر، وأنقُوا البشرة (1) " (2) .
ش- الحارث بن وجيه الراسبي، روى عن مالك بن دينار،
وروى عنه نصر بن علي، والمقدمي. وقال الذهبي: ضعفوه. روى له:
أبو داود، والترمذي (3) .
ومالك بن دينار أبو يحيى البصري الزاهد الناجي، مولى امرأة من بني
ناجية بن سامة (4) بن لؤي، كان أبوه من سبْي سجستان. سمع: أنساً،
والحسن البصري، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسعيد بن جبير،
وغيرهم. روى عنه: أبان بن يزيد العطار، وهمام بن يحيى، والحارث
ابن وجيه، ووهب بن راشد، وغيرهم. قال النسائي: ثقة. مات سنة
تسعة وعشرين ومائة. روى له: الترمذي، وأبو داود، والنسائي (5) .
قوله: " البشرة " وهي ظاهر الجلد.
__________
(1) في سنن أبي داود: " البشر ".
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة (106) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: تحت كل شعرة جنابة (597) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/1051) .
(4) في الأصل: " أسامة " خطأ.
(5) المصدر السابق (27/5737) .

(1/550)


" (1) وظاهر الحديث يوجب نقض القرون والضفائر إذا أراد الاغتسال،
من الجنابة؛ لأنه لا يكون شعره كله شعرة شعرة مغسولاً إلا بنقضها،
وإليه ذهب إبراهيم النخعي. وقال عامة أهل العلم: إيصال الماء إلى
أصول الشعر وإن لم ينقض شعره يجزئه، وبهذا احتج أبو حنيفة على أن
المضمضة والاستنشاق فرضان في الجنابة "
وقال الخطابي (1) : " زعم من يحتج بفرضية المضمضة من الجنابة أن
داخل الفم من البشرة، وهذا خلاف قول أهل اللغة؛ لكن البشرة عندهم
هي ما ظهر من البدن، وأما داخل الأنف والفم فهو الأدمة، والعرب
تقول: فلان مؤدم مبشر، إذا كان حسن الظاهر مخبوء الباطن ".
قلت: الذي احتج بفرضية الاستنشاق من الجنابة استدل بقوله- عليه
السلام-: " إن تحت كل شعرة جنابة "، وفي الأنف شعور، وأما
المضمضة فلأن الفم من ظاهر البدن، بدليل أنه لا يقدح في الصوم،
فيطلق عليه ما يطلق على البدن، فبهذا الاعتبار فرضت المضمضة لا باعتبار
ما قاله الخطابي. وأخرجه الترمذي وابن ماجه.
ص- قال أبو داود: الحارث بن وجيه حديثه منكر، وهو ضعيف.
ش- كذا قال الترمذي: حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا
نعرفه إلا من حديثه، وهو شيخ ليس بذاك القوي. وذكر الدارقطني أنه
غريب من حديث محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، تفرد به مالك بن
دينار، وعنه الحارث بن وجيه. وذكر الترمذي أيضاً أن الحارث تفرد به
عن مالك بن دينار.
234- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا حماد قال: أنا عطاء بن
السائب، عن زاذان، عن علي، أن رسول الله- عليه السلام- قال: " من
ترك موضع شعرة من جنابة لم يغْسلها فُعل بها (2) كذا وكذا من النار ". قال
__________
(1) معالم السنن (1/69) .
(2) في سنن أبي داود: " به ".

(1/551)


عليّ: فمن ثمّ عاديتُ رأسي، فمن ثم عاديتُ رأسي ثلاثاً، وكان يجُزُّ
شعْره (1) .
ش- حماد بن سلمة.
وعطاء بن السائب بن مالك، ويقال: ابن السائب بن يزيد أبو السائب،
ويقال: أبو يزيد، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو زيد الثقفي الكوفي.
رأى عبد الله بن أبي أوفى، وأنس بن مالك. سمع: أباه، وأبا عبد الرحمن
السلمي، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وزاذان أبا عمر. روى عنه:
الأعمش، والثوري، والحمادان، وأبو عوانة، وغيرهم. قال ابن
حنبل: ثقة رجل صالح. قال ابن عدي: اختلط في آخر عمره. روى
له الجماعة. روى له: البخاري، ومسلم في المتابعات (2) .
وزاذان الكندي أبو عبد الله، ويُقال: أبو عمر مولاهم الكوفي، سمع
خطبة عمر بن الخطاب بالجابية، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن
مسعود، وعبد الله بن عمرو، والبراء بن عازب، وسلمان الفارسي،
وعائشة، وجرير بن عبد الله. روى عنه: أبو صالح ذكوان، وعمرو بن
مرة، وعطاء بن السائب، وجماعة آخرون. قال ابن معين: ثقة.
توفي سنة اثنتين وثمانين. روى له الجماعة إلا البخاري (3) .
قوله: " ثلاثاً " أي: قال علي: فمن ثم عاديت رأسي ثلاث مرات.
قوله: " وكان يجز " /أي: يقص، من جز يجز جزا، والجزُ: قص
الشعر والصوف، وبهذا الحديث احتج أبو حنيفة أيضاً على فرضية
المضمضة والاستنشاق من الجنابة. وأخرجه ابن ماجه أيضاً.
__________
(1) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: تحت كل شعرة جنابة (599) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/3934) .
(3) المصدر السابق (9/1945) .

(1/552)


شرح
سنن أبي داوود
تأليف
الإمام أبي محمد محمود بن أحمد بن موسى
بدر الدين العيني
المتوفى سنة 855 هـ
تحقيق
أبي المنذر خالد بن إبراهيم المصري
المجلد الثاني
مكتبة الرشد
الرياض

(2/1)


بسم الله الرحمن الرحيم
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولى
1420 هـ - 1999 م
مكتبة الرشد للنشر والتوزيع
المملكة العربية السعودية الرياض طريق الحجاز
ص ب 17522 الرياض 11494 هاتف 4583712
تلكس 405798 فاكس 4579981
فرع القصيم بريدة حي الصفراء - طريق المدينة
ص ب 2376 هاتف 2242214 فاكس 3241258
فرع المدينة المنورة - شارع أبي ذر الغفاري - هاتف 8340600
فرع مكة المكرمة هاتف 585401 / 05 - 583506 / 05
فرع ابها شارع الملك فيصل هاتف 5322043 / 05
فرع الدمام شارع بن خالدون مقابل الإستاد الرياضي هاتف 8282175

(2/2)


شرح
سنن أبي داود
2

(2/3)


89- باب: الوضوء بعد الغسل
أي: هذا باب في بيان الوضوء بعد الغسل من الجنابة.
235- ص- حدَثنا عبد الله بن محمد النُّفَيلي قال: نا زهير، قال: نا
أبو إسحاق، عن الأسود، عن عائشة قالت: كان رسولُ اللهِ - عليه السلام-
يَغتسلُ ويُصلَي الركعتين وصَلاةَ الغَدَاة، ولا أرَاهُ يُحدِثُ وُضوءاً بعدَ
الغُسلِ " (1) .
ش- زهير بن معاوية، وأبو إسحاق السبيعي، والأسود بن يزيد.
قوله: " ويصلي الركعتين " المراد بهما: سُنَة الفجر، وصلاة الغداة
صلاة الصبح، وقد تكلمنا بما يناسبه بما فيه الكفاية. وأخرج الترمذي،
والنسائي، وابن ماجه عن عائشة قالت: " كان رسول الله لا يتوضأ بعد
الغسل "، وفي حديث ابن ماجه: " بعد الغسل من الجنابة ".
***