شرح أبي داود للعيني

97- باب: في الرجل يصيب من امرأته دون الجماع (1)
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يستمتع بامرأته الحائض بما
هو غير الجماع من المضاجعة والملامسة والتقبيل، وغير ذلك.
252- ص- ثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب قال: حدَثني الليث،
عن ابن شهاب، عن حبيب مولى عروة، عن نَدبَةَ مولاة ميمونة، عن
ميمونةَ، أن النبيَّ- عليه السلام- كان يُباشرُ المرأةَ من نسائه وهي حائض إذا
كان عليها إِزَازٌ إلى أنصاف الفَخِذِ والركبتين، تَحتَجِزُ بَه (2) .
ش- الليث بن سعد، وابن شهاب الزهري.
وحبيب الأعور القرشي الحجازي مولى عروة. روى عن: أسماء بنت
أبي بكر، وابنها عروة، وندبة مولاة ميمونة. روى عنه: الزهري،
وعبد الله بن عروة بن الزبير، وعبد الواحد بن ميمون، وغيرهم. قال
ابن سعد: مات قديماً في آخر سلطان بني أمية، وكان قليل الحديث.
روى له: أبو داود، والنسائي،/والترمذي (3) .
ونَدبَةُ- بالنون المفتوحة، وسكون الدال المهملة، وفتح الباء الموحدة-
وقال معمر: بضم النون. وقال يونس: بضم الباء الموحدة في أولها،
وسكون الدال وفتح الياء آخر الحروف، ووقع في كتاب عبد الله بن الربيع
التميمي: نَدَبَة- بفتح النون، وفتح الدال [وفتح] (4) الباء الموحدة،
مولاة ميمونة زوج النبي- عليه السلام-. روى عنها حبيب مولى عروة.
روى لها: أبو داود، والنسائي (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع ".
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: مباشرة الحائض (1/151- 152) ، وكتاب
الحيض، باب: ذكر ما كان النبي يصنعه إذا حاضت إحدى نسائه
(1/189) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/1105) .
(4) غير واضحة في الإلحاق، وهى أقرب إلى ما أثبتناه.
(5) المصدر السابق (35/7939) .

(2/32)


قوله: " كان يباشر المرأة " من المباشرة التي بمعنى الملامسة، وأصله: من
لمس بشرة الرجل بشرة المرأة، وقد ترد بمعنى الوطء في الفرج وخارجاً
منه. والمراد هاهنا: المعنى الأول بالإجماع.
قوله: " إلى أنصاف الفخذ " الأنصاف جمع " نصف "،وإنما جمعه
باعتبار وقوع الفخذ معرفاً بلام الجنس.
قوله: " تحتجز به " أي: تمتنع المرأة بالإزار عن الجماع. وهذه الجملة
في محل الرفع على أنها صفة للإزار، ويحوز أن تكون حالاً من المرأة،
ويؤيده ما ورد في بعض الرواية: " محتجزة به " أي: حال كون المرأة
ممتنعة بالإزار، وثلاثيه حجزه يحجزه حجزاً، أي: منعه من باب نصر
ينصُر، ومنه الحاجز وهو الحائل بين الشيئين، وحُجزة الإزار معقده،
وحجزة السراويل التي فيها التكة.
ثم حكم هذا الباب، فاعلم أن مباشرة الحائض أقسام، أحدها: حرام
بالإجماع، ولو اعتقد حله يكفر، وهو أن يباشرها في الفرج عامداً، فإن
فعله غير مستحل يستغفر الله تعالى، ولا يعود إليه، وهل تجب عليه
الكفارة أو لا؟ قد ذكرناه مفصلاً.
الثاني: المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر، أو بالقبلة، أو
المعانقة، أو اللمس، أو غير ذلك، فهذا حلال بالإجماع إلا ما حكي
عن عَبيدة السلماني وغيره من أنه لا يباشر شيئاً منها فهو شاذ منكر، مردود
بالأحاديث الصحيحة المذكورة في " الصحيحين " وغيرهما، في مباشرة
النبي- عليه السلام- فوق الإزار.
والثالث: المباشرة فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر، فعند
أبي حنيفة حرام، وهو رواية عن أبي يوسف، وهو الوجه الصحيح
للشافعية، وقول مالك، وقول أكثر العلماء منهم: سعيد بن المسيب،
وشريح، وطاوس، وعطاء، وسليمان بن يسار، وقتادة. وعند محمد
ابن الحسن وأبي يوسف في رواية " يجتنب شعار الدم فقط ". وممن ذهب
3* شرح سنن أبي داوود 2

(2/33)


إليه عكرمة، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، والحكم، والثوري،
والأوزاعي، وأحمد، وأصبغ، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، وابن
المنذر، وداود. وهذا أقوى دليلاً لحديث أنس- رضي الله عنه-:
" اصنعوا كل شيء إلا النكاح ". واقتصار النبي- عليه السلام- في
مباشرته على ما فوق الإزار محمول على الاستحباب، والله أعلم.
253- ص- حدثنا مسلم قال: أنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم،
عن الأسود، عن عائشةَ قالت: " كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأمُرُ إحدَانَا إذا كانت
حَائِضاً أن تَتَّزِرَ، ثم يُضَاجِعُهَا زوجُها، وقال مرة: َ يُباشِرُهَا " (1) .
ش- مسلم بن إبراهيم القصاب، وشعبة بن الحجاج، ومنصور بن
المعتمر، وإبراهيم النخعي، والأسود بن يزيد.
قوله: " أن تَتَّزر " أي: تشد إزاراً، وفي رواية مسلم: " تأتزر "،
والمعنى: تستر سرتها وما تحتها إلى الركبة.
قوله: " يضاجعها " أي: ينام معها.
وقوله: " يباشرها ": يستمتع بها من وجوه الملامسة والتقبيل، ونحو
ذلك. وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة
بمعناه مختصراً ومطولاً.
254- ص- حدَّثنا مسدد قال: نا يحيى، عن جابر بن صُبح قال:
سمعت خلاساً الهجري قال: سمعتُ عائشةَ تقولُ: " كُنتُ أنا ورسولُ الله
نَبِيتُ فِي اَلشِّعَارِ الوَاحدِ، وأنا حائض طَامِث، فإن أصابَهُ مِني شيء غَسَل
__________
(1) البخاري: كتاب الحيض، باب: مباشرة الحائض (300) ، مسلم: كتاب
الحيض، باب: مباشرة الحائض فوق الإزار (293) ، الترمذي: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في مباشرة الحائض (132) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: مباشرة الحائض (1/151) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً (363) .

(2/34)


مَكانَهُ لم يَعدُه صَلَى (1) فيه، وإن أصَابَ- يعني: ثوبَه- منه شيءٌ غَسَلَ
مَكَانَه لم يَعدُهُ، صَلَى (1) فيه " (2) .
ش- يحيى القطان.
وجابر بن صُبح الراسبي أبو بشر البصري. روى عن: خلاس بن
عمرو الهجري، والمثنى بن عبد الرحمن، وأمية بن عبد الرحمن،
وغيرهم. روى عنه: شعبة، ويحيى القطان، وعيسى بن يونس،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي (3) .
وخِلاس- بالخاء المعجمة- ابن عمرو الهَجَري- بفتح الهاء والجيم-
البصري. سمع: عمار بن ياسر، وابن عباس، وعائشة، وأبا رافع
الصائغ. وروى عن: علي بن أبي طالب، وأبي هريرة. روى عنه:
مالك بن دينار، وقتادة، وعوف الأعرابي، وداود بن أبي هند. قال
أحمد ويحيى: هو ثقة./وقال أبو حاتم: يقال: وقعت عنده صحف
عن عليِّ وليس بقوي. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، ولم أر
بعامة حديثه بأساً. روى له: البخاري ومسلم مقروناً، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
قوله: " في الشعار الواحد " الشعار بكسر الشين: هو الثوب الذي يلي
الجسد، لأنه يليَ شعره، والدثار: الثوب الذي فوق الشعار، ومنه
حديث الأنصار: " أنتم الشعار، والناس الدثار " أي: أنتم الخاصة
والبطانة.
__________
(1) في سنن أبي داود: " ولم يعدُه ثم صلى "، وقبل كلمة " صلى " في الأصل
في الموضعين بياض، فلعله كتب " ثم " ثم حكها، والله أعلم.
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: مضاجعة الحائض (1/150- 151) ،
وكتاب الحيض، باب: نوم الرجل مع حليلته في الشعار الواحد وهي حائض
(1/188) ، وكتاب القبلة، باب: الصلاة في الشعار (2/73) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/869) .
(4) المصدر السابق (8/1744) .

(2/35)


قوله: " وأنا حائض " جملة اسمية وقعت حالاً عن الضمير المرفوع
المنفصل، المعطوف عليه " رسول الله ".
قوله: " طامث " من طَمَثَت المرأة تطمث طمثاً إذا حاضت، من باب
نصر ينصر، وطَمِثَت- بالكسَر- فهي طامث، من باب علم يعلم،
ويجوز طامثة أيضاًَ كما يحوز حائض وحائضة، والوجه فيه أن الصفة التي
لا يوصف بها الذكور يحوز فيها ترك التاء عند توصيف المؤنث لعدم
الالتباس، ويحوز إتيان التاء على الأصل، وبعضهم تأول الحائض
والطامث بذات الحيض وذات الطمث كما يقال: لابن وتَامر بمعنى ذو لبن،
وذو تمر، وأما قولها: " أنا حائض طامث " من باب التأكيد اللفظي،
ولا اعتبار لاختلاف الحروف؛ لأن الاعتبار لاتحاد المعنى.
قوله: " فإن أصابه مني شيء " أي: فإن أصاب الشعار مني شيء غسل
موضع ما أصابه من ذلك.
قوله: " لم يَعدُه " أي: لم يعدُ الموضع المصاب، بمعنى لم يتجاوز
ذلك الموضع في الغسل، بل يقتصر على غسل موضع الإصابة.
قوله: " وإن أصاب يعني: ثوبه " أي: ثوب رسول الله " منه " أي:
من دم الحيض، كذلك يقتصر على غسل مكانه، ثم صلى فيه.
255- ص- حدَّثنا عبد الله بن مسلمة قال: نا عبد الله- يعني: ابن عمر
ابن غانم، عن عبد الرحمن- يعني: ابن زياد- عن عمارة بن غراب، أن
عمةً له حدثته، أنها سألت عائشةَ- رضي الله عنها- فقالت: إِحدَانَا تَحيضُ
وليس لها ولِزَوجهَا إلا فِراشٌ واحدٌ. قالت: أخبِرُكِ ما (1) صنعَ رسولَ الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ دخل فمضىَ إلى مسجده- قال أبو داودَ: تعني: مسجدَ بَيته- فلم
ينصرف- حتى غَلَبتنِي عَينيَّ فأوجَعَهُ (2) البردُ، فقال ادنِي مني. فقلَتَ: إني
حائضٌ. فقال: وإن، اكشِفِي عن فَخِذَيكِ، فكَشفتُ فَخِذِي، فوضَعَ خَلَّد
وصدرَه على فَخِذِيٌ وحَنَيتُ عليه حتى دَفِئَ ونَامَ (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: (بما) .
(2) في سنن أبي داود: " وأوجعه ".
(3) تفرد به أبو داود.

(2/36)


ش- عبد الله بن عمر بن غانم أبو عبد الرحمن النميري. ويُقال:
الرعيني، نزل إفريقية وقُضي بها. روى عن: يونس بن يزيد الأيلي،
ومالك بن أنس، وداود بن قيس، وإسرائيل بن يونس. روى عنه:
موسى بن إسماعيل، وعبد الله بن مسلمة، وحجاج بن المنهال. سئل
عنه أبو حاتم فقال: مجهول. وقال أبو سعيد بن يونس: أحد الثقات
الأثبات. روى له البخاري، وأبو داود، والترمذي (1) .
وعبد الرحمن بن زياد الأفريقي ذُكر.
وعمارة بن غراب اليحصبي روى عن عمة له عن عائشة. روى عنه
عبد الرحمن بن زياد. روى له أبو داود (2) .
قوله: " فقال: وإنِ " معناه: ادني مني وإن كنت حائضاً.
وقوله: " اكشفي عن فخذيك " كلام مبتدأ برأسه.
قوله: " وحنيتُ عليه " من حنى يحني ويحنو حنواً، وحنيت وحنوت.
وفسره الشيخ زكي الدين بمعنى: عطفته.
قلت: نعم، حنيت عليه بمعنى: عطفت عليه، ولكن المعنى هاهنا
ليس ذلك، بل المعنى: من يحني عليه يكب عليه، وإنما فعلت عائشة
هكذا ليدفأ رسول الله- عليه السلام-.
قوله: " حتى دفئ " من دفئ الرجل دفأة مثل كِره كراهة، وكذلك دفئ
دفأ مثل ظمئ ظمأ، والاسم: الدفء بالكسر وهو السخونة، والدفء
أيضاً الذي يدفئك، والجمع " الأدفاء ". ويستفاد من الحديث جواز
الاستمتاع بالحائض غير الجماع.
256- ص- ثنا سعيد بن عبد الجبار قال: نا عبد العزيز- يعني: ابن
محمد- عن أبي اليمانِ، عن أم ذرّة، عن عائشةَ أنها قالت: كُنتُ إذا
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/3443)
(2) المصدر السابق (21/4194) .

(2/37)


حضتُ، نزلتُ عن المثَال على الحَصير، فلم نقرب رسولَ الله، ولم نَدنُ منه
حتى نَطهُرَ (1) .ًَ
ش- سعيد بن عبد الجبار بن يزيد أبو عثمان القرشي الكرابيسي
البصري، نزل مكة. روى عن: مالك بن أنس، وعبد العزيز الدراوردي
وحرب بن أبي العالية، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة،/وأبو حاتم،
ومسلم، وأبو داود، وغيرهم. قال الخطيب: كان ثقة توفي بالبصرة
سنة ست وثلاثين ومائتين (2) .
وأبو اليمان ويقال: كثير بن جريج الرَّحَّال المديني، روى عن شداد بن
أبي عمرو، وحماس (3) ، وأم ذرّة. روى عنه: عبد العزيز الدراوردي،
وأبو هاشم الزعفراني. روى له أبو داود (4) .
وأم ذرة روت عن عائشة روى عنها الدراوردي. قال أحمد بن عبد الله:
تابعية ثقة. روى لها أبو داود (5) .
قوله: " نزلت عن المثال " المثال بكسر الميم الفِراش. وهذا الحديث لا
يدل على منع الاستمتاع بالحائض بما دون الجماع؛ لأنه- عليه السلام-
تارة كان يباشرهن وهن حُيض، وتارة لا يدنو منهن، بحسب وقته، وبه
تمسك عَبيدة السلماني ومن تبعه في أن الرجل لا يباشر شيئاً من الحائض
قط، وهو مردود كما قررناه آنفاً.
257- ص- ثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد، عن أيوب، عن
عكرمة، عن بعض أزول النبي- عليه السلام- أن النبيَّ- عليه السلام-
كان إذا أرادَ من الحَاَئِضِ شيئاً ألقَى على فَرجِهَا شيئاً (6) .
ش- أراد بالشيء الاستمتاع بها غير الجماع، وهذا أيضاً حجة لمحمد
ابن الحسن ومن تبعه أن الاجتناب مخصوص بالفرج ليس إلا.
__________
(1) تفرد به أبو داود. (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2304) .
(3) في تهذيب الكمال: " روى عن شداد بن أبي عمرو بن حماس، عن أبيه ".
(4) المصدر السابق (34/7711) . (5) المصدر السابق (35/7975) .
(6) تفرد به أبو داود.

(2/38)


258- ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا جرير، عن الشيباني،
عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشةَ قالت: كان رسولُ اللهِ
- عليه السلام- يأمُرُنَا في فَوح حَيضَتنَا أن نَتَّزرَ، ثم يُباشِرُنَا، وأيُّكُم كان
يَملِكُ إِربَه [كما] كان رسولُ اللهِ- علَيه السلامَ- يملكُ إِربهُ؟ (1) .
ش- جرير بن عبد الحميد الرازي.
والشيباني: سليمان بن فيروز، ويقال: ابن عمرو، ويقال: ابن
خاقان، وهو ابن أبي سليمان الكوفي، أبو إسحاق الشيباني مولى بني
شيبان. سمع: عبد الله بن أبي أوفى، وسعيد بن جبير، والشعبي،
وإبراهيم النخعي، وعبد الرحمن بن الأسود. روى عنه: أبو إسحاق
السبيعي، وعاصم الأحول، والثوري وشعبة، وابن عيينة، وجرير
ابن عبد الحميد، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة حجة. مات سنة ثمان
وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وعبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس، أبو حفص الكوفي أدرك
عمر بن الخطاب، وسمع: عائشة زوج النبي- عليه السلام-، وأباه،
وعلقمة بن قيس، وغيرهم. روى عنه: أبو إسحاق السبيعي،
والشيباني، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى
له الجماعة (3) .
قوله: " في فَوح حيضتنا " فوح الحيض- بالحاء المهملة- مُعظمه وأوله،
ومثله فوعة الدم يقال: فاع وفاح بمعنى واحد، ومنه: " فإن شدة الحر
__________
(1) البخاري: كتاب الحيض، باب: مباشرة الحائض (302) ، مسلم: كتاب
الحيض، باب: مباشرة الحائض فوق الإزار (293) ، الترمذي: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في مباشرة الحائض (132) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: مباشرة الحائض (286، 287) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً (635) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2525) .
(3) المصدر السابق (16/3758) .

(2/39)


من فوح جهنم "، وهو شدة غليانها وحرّها، وقوله: " احبسوا صبيانكم
حتى يذهب فوعة العشاء " أي: أوله، وفوعة الطيب أول ما تفوح منه،
ويُروى بالغين المعجمة لغة فيه، وفي رواية مسلم: " في فور حيضتنا "
بفتح الفاء وإسكان الواو، ومعناه أيضاً معظمها، ووقت كثرتها، والحيضة
هاهنا بفتح الحاء أي: الحيض.
قوله: " إربه " أكثر الروايات فيه بكسر الهمزة وسكون الراء، ومعناه:
عضوه الذي يستمتع به الفرج. ورواه جماعة بفتح الهمزة والراء، ومعناه:
حاجته، وهي شهوة الجماع، واختار الخطابي هذه الرواية وأنكر الأولى
وعابها على المحدثين. وفي رواية: " أيكم أملك لنفسه "، والمقصود أنه
- عليه السلام- أملككم لنفسه، فيأمن مع هذه المباشرة الوقوع في
المحرم، وهو مباشرة فرج الحائض. وأخرجه البخاري، ومسلم،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه من حديث إبراهيم بن يزيد النخعي عن
الأسود.
***
98- باب: المرأة تُستحاض ومن قال: تدع الصلاة في
عدة الأيام التي كانت تحيض
أي: هذا باب في بيان حكم المرأة التي تستحاض، من الاستحاضة
وهي جريان الدم في غير أوانه.
فوله: " ومن قال: تدع الصلاة " أي: تتركها.
259- ص- ثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن سليمان
ابن يسار، عن أم سلمة زوج النبي- عليه السلام- أن امرأة كانت تُهرَاق
الدمَ (1) على عهدِ رسول الله- عليه السلام-، فاستفتَت لها أمُّ سَلمةَ رسولَ اللهِ
فقال: " لِتَنظُر عِدَّةَ اللياَلِي والأيام التي كانت تَحِيضُهُنَ من الشهرِ قَبلَ أن
__________
(1) في سنن أبي داود: " الدماء "، وسيذكر المصنف أنه رواية.

(2/40)


يُصيبَها الذي أصَابَهَا، فلتترُكِ الصلاةَ قدرَ ذلك من الشهر، فإذا خَلَّفت
ذلكَ فلتغتسِل ثم لِتَستثفِر بثوب، ثم لِتُصَلِّي (1) " (2) .
ش- قوله: " تهراق " كَذا جاء على ما لم يسم فاعله، و " الدم "
منصوب، وفي رواية: " الدماء " أي: تهراق هي الدم، وانتصاب
" الدم " على التمييز وإن كان معرفة، وله نظائر، أو يكون اجري مجرى
نفست المرأة غلاماً، ونتج الفرس مُهراً، ويجوز/رفع الدم على تقدير:
تهراق دماؤها، ويكون الألف واللام بدلاً من الإضافة كقوله تعالى: (أو
يَعفَوَ الَذي بيَده عُقدَةُ النكَاح) (3) أي: عقدة نكاحه أو نكاحها،
و" الهاء " فَيه زَائدة:، وأصله تراق، من الإراقة.
قوله: " على عهد رسول الله " أي: في زمانه وأيامه.
قوله: " لتنظر عدة الليالي والأيام " أي: لتحسب عدد الليالي والأيام
التي كانت تحيض فيها " قبل أن يصيبها الذي أصابها "، وهو الاستحاضة
فلتترك الصلاة قدر ذلك، أي: قدر ما كانت تراه قبل ذلك، مثلاً إن
كانت عادتها من كل شهر عشرة أيام إما من أولها وإما من أوسطها وإما
من آخرها، تترك الصلاة عشرة أيام من هذا الشهر نظير ذلك، " فإذا
خلَّفت ذلك " بتشديد اللام، أي: تركت قدر الليالي والأيام التي كانت
تحيض فيهن فلتغتسل؛ لأن قدر ذلك من أيام حيضها فيما مضى، هو
حيضها أيضاً في هذا الوقت، فإذا خرج هذا خرجت هي من الحيض
ودخلت في حكم الاستحاضة. والاستحاضة لا تمنع الصلاة ولا الصوم
ولا الوطء، ونحو ذلك، ولكنها تغتسل ثم تصلي.
ثم اعلم أنه لا يحب على المستحاضة الغسل لشيء من الصلوات، ولا
__________
(1) في سنن أبي داود: " لتصل فيه ".
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر الاغتسال من الحيض (1/119) ،
وكتاب الحيض (1/182) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في
المستحاضة التي قد عدت أيام إقرائها قبل أن يستمر بها الدم (623) .
(3) سورة البقرة: (237) .

(2/41)


في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها، وبهذا قال
جمهور العلماء من السلف والخلف، وهو مروى عن عليّ، وابن مسعود،
وابن عباس، وعائشة، وهو قول عروة بن الزبير، وأبي سلمة بن
عبد الرحمن، ومالك، وأبي حنيفة، وأحمد. وروي عن ابن عمر،
وابن الزبير، وعطاء بن أبي رباح أنهم قالوا: يحب عليها أن تغتسل لكل
صلاة، ورُوي هذا أيضاً عن عثمان، وابن عباس، ورُوي عن عائشة:
أنها تغتسل كل يوم غسلاً واحداً، وعن ابن المسيب والحسن قالا: تغتسل
من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر دائماً. ودليل الجمهور: أن الأصل عدم
الوجوب، فلا يجب إلا ما ورد الشرع بإيجابه، ولم يصح عن النبي
- عليه السلام- أنه أمرها بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع حيضها، وهو
قوله- عليه السلام-: " إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت
فاغتسلي " (1) ، وليس في هذا ما يقتضي تكرار (2) الغسل. وأما
الأحاديث التي وردت هاهنا وفي " سنن البيهقي " أيضاً وغيرهما، أن
النبي- عليه السلام- أمرها بالغسل، فليس فيها شيء ثابت، قد بينوا
ضعفها.
فوله: " ثم لتستثفر " أي: لتشد فرجها بخرقة عريضة، توثق طرفها
في حقب تشده على وسطها بعد أن تحتشي كرسفاً فيمتنع بذلك الدم،
ويحتمل أن يكون ذلك مأخوذاً من ثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها،
ويقال معناه: فلتستعمل طيباً يُزيل به هذا الشيء عنها، لأن الاستثفار مثل
الاستذفار تقلب الثاء ذالاً، ويسمى الثوب طيباً؛ لأنه يقوم مقام الطيب
في إزالة الرائحة.
فإن قيل: من أين كانت تحفظ هذه المرأة عدد أيامها التي كانت تحيضها
أيام الصحة؟ قلت: لو لم تكن تحفظ ذلك لم يكن لقوله- عليه
السلام-: " لتنظر عدد (3) الأيام والليالي التي كانت تحيضهن من الشهر
__________
(1) يأتي بعد سبعة أحاديث.
(3) كذا، ولفظ الحديث: " عدة ".
(2) غير واضحة في الأصل.

(2/42)


قبل أن يصيبها الذي أصابها " معنى، إذ لا يحوز أن يردها إلى رأيها
ونظرها في أمر هي غير عارفة بكنهه.
فإن قيل: فمن لم تحفظ عدد أيامها؟ قلت: هذه مسألة مشهورة في
الفروع، وهي أنه تحسب في كل شهر عشرة أيام حيضها، ويكون الباقي
استحاضة، وقد عرفت حكم الاستحاضة أنها لا تمنع الصلاة، والصوم،
والطواف، والقربان، ونحو ذلك، إلا أنها تتوضأ لوقت كل صلاة عندنا
وعند الشافعي لكل صلاة، وهو خلاف مشهور.
260- ص- حدَثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب
قالا: ثنا الليث عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن رجل أخبره عن أمِ سلمةَ
أن امرَأةً كانت تُهرَاقُ الدَّمَ، فذكر معناه قال: فإذَا خَلَّفَت ذلك، وحضَرَت
الصلاةُ، فلتغتسل. وساق معناه (1) .
ش- في إسناد هذه الرواية رجل مجهول. وأخرجه النسائي، وابن
ماجه.
261- ص- حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم قال: نا ابن مهدي قال: نا صخر
ابن جويرية، عن نافع بإسناد الليث بمعناه قال: " فلتترُك الصلاةَ قَدرَ ذلك،
ثم إذا حَضَرَتِ الصلاةُ فلتغتسل، ولتَستَثفِر (2) بثوبٍ وتُصًلِّي " (3) .
ش- يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وابن مهدي هو عبد الرحمن بن
مهدي العنبري البصري.
وصخر بن جويرية البصري، أبو نافع التميمي، مولاهم. سمع:
أبا رجاء العطاردي، ونافعاً مولى ابن عمر، وعبد الرحمن بن القاسم،
وغيرهم. روى عنه: أيوب السختياني، وابن المبارك، وابن مهدي،
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) في سنن أبا داود: " ولتستذفر بثوب ثم تصلي ".
(3) انظر الحديث السابق.

(2/43)


وغيرهم. وقال أحمد بن حنبل: شيخ ثقة. روى له: البخاري،
ومسلم، وأبو داود، والترمذي (1) .
262- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أنا وهيب، قال: نا أيوب،
عن سليمان بن يسار، عن أم سلمةَ بهذه القصة، قال فيه: " ولتدع (2) فيه
الصلاةَ، وتَغتسِل فيما سوى ذلك، وتَستَثفِر (3) بثوبِ وتُصَلِّي " (4) .
ش- وهيب بن خالد البصري، وأيوب السختياني.
قوله: " وتغتسل فيما سوى ذلك " معناه: إذا استوفت عدد تلك الأيام
اغتسلت مرة واحدة، وصار حكمها حكم الطواهر كما ذكرناه.
ص- قال أبو داود: سَمَى المرأةَ التي كانت استُحيضَت حمادُ بنُ زيدِ،
عن أيوبَ في هذا الحديث قال: " فاطمة بنت أبي حبيشَ ".
ش- حماد بن زيد فاعل لقوله: " سمى ". وأيوب السختياني،
/وفاطمة بنت أبي حُبيش، واسم أبي حبيش: قيس بن المطلب بن أسد بن
عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية. روت عن النبي- عليه السلام-
حديث الاستحاضة، روى عنها عروة بن الزبير 0 روى لها: أبو داود،
والنسائي (5) .
263- ص- حدَّثنا قتيبة بن سعيد قال: نا الليث، عن يزيد بن
أبي حبيب، عن جعفر، عن عراك، عن عروةَ، عن عائشةَ أنها قالت: إن
أمَ حبيبةَ سألت رسولَ اللهِ- عليه السلام- عن الدَّم، فقالت عائشةُ: رأيت (9)
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/2854) .
(2) في سنن أبي داود: " وتدع ". (3) في سنن أبي داود: " وتستذفر ".
(4) انظر الحديث السابق.
(5) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/383) ، وأسد الغابة
(7/218) ، والإصابة (4/381) .
(6) في سنن أبي داود: " فرأيت ".

(2/44)


مركَنَها مَلآنَ دَماً، فقال لها رسولُ الله: امكُثي قَدرَ ما كانت تَحبسُك
حَيضَتُكِ، ثم اغتسِلي " (1)
.ً
ش- يزيد بن أي حبيب، واسم أبي حبيب: سويد المصري أبو رجاء.
سمع: عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، وأبا الطفيل، وراشد بن
جندل، وعراك بن مالك، وغيرهم. روى عنه: سليمان التيمي،
والليث بن سعد، ويحيى بن أيوب، وجماعة آخرون. قال ابن سعد:
هو مولى لبني عامر بن لؤي من قريش، وكان ثقة، كثير الحديث، مات
سنة ثمان وعشرين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وجعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة المصري أبو شرحبيل، رأى
عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي. وسمع: عراكا ويعقوب بن
عبد الله بن الأشج، وغيرهم. روى عنه: الليث بن سعد، ويزيد بن
أبي حبيب، ويحيى بن أيوب، وغيرهم. مات سنة ست وثلاثين ومائة.
روى له الجماعة (3) .
وعراك بن مالك الغفاري المدني. سمع: عبد الله بن عمر، وأبا هريرة،
ونوفل بن معاوية، وعائشة، وزينب بنت أبي سلمة، وعروة بن الزبير،
وغيرهم. روى عنه: سليمان بن يسار، وجعفر بن ربيعة، وابنه خثيم
ابن عراك، وغيرهم. توفي بالمدينة في خلافة يزيد بن عبد الملك. روى
له الجماعة (4) .
قوله: " إن أم حبيبة " هي بنت جحش، كانت تحت عبد الرحمن بن
عوف، وكذا صرح مسلم في روايته. وقال ابن عبد البر: بنات جحش
ثلاث: زينب وأم حبيبة وحمنة زوج طلحة بن عبيد الله، كن يستحضن
__________
(1) مسلم: كتاب الحيض، باب: المستحاضة وغسلها وصلاتها (65/334) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر الاغتسال من الحيض (1/119) ،
وكتاب الغسل، باب: المرأة يكون لها أيام معلومة تحيضها كل شهر (1/182) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/6975) .
(3) المصدر السابق (5/939) . (4) المصدر السابق (19/3893) .

(2/45)


كلهن. وقيل: إنه لم يستحض منهن إلا أم حبيبة. وقال الدارقطني:
قال إبراهيم الحربي: الصحيح أنها أم حبيب بلا هاء، واسمها: حبيبة.
وقال ابن الأثير: يقال لها أم حبيبة، وقيل: أم حبيب، والأول أكثر.
قوله: " رأيت مِركنها " بكسر الميم وفتح الكاف، وهو الإجانة التي
تُغسل فيها الثياب.
قوله: " ملآن " وروى " مَلأَى " أيضاً، وكلاهما صحيح، فالأول على
لفظ المركن، وهو مذكر، والثاني على معناه وهو الإجانة، والمعنى:
أنها كانت تغتسل في المركن، فتجلس فيه، وتصب عليها الماء، فيختلط
الماء المتساقط عنها بالدم، فيحمر الماء، ثم إنها لا بد كانت تنظف بعد
ذلك عن تلك الغُسالة.
قوله: " امكثي قدرَ مأ كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي " فيه دليل على
وجوب الغسل على المستحاضة إذا انقضى زمن الحيض، وإن كان الدم
جارفاً، وهذا مجمع عليه وقد بيناه فوق.
ص- قال أبو داود: رواه قتيبة بين أضعاف حديث جعفر بن ربيعة في
آخرها. ورواه عليّ بن عياش، ويونس بن محمد، عن الليث فقالا: جعفر
ابن ربيعة.
ش- أي: روى قتيبة بن سعيد هذا الحديث بين أثناء حديث جعفر بن
ربيعة المذكور. ورواه علي بن عياش- بالياء آخر الحروف، والشن
المعجمة- الألهاني البصري 0
ويونس بن محمد بن مسلم المؤدب أبو محمد البغدادي. سمع: عبيد الله
ابن عمر، والليث بن سعد، وصالح بن رومان، وغيرهم 0 روى عنه:
أحمد بن حنبل، وعليّ بن المديني، وأبو بكر بن أبي شيبة، وغيرهم.
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثقة. روى له مسلم، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7184) .

(2/46)


264- ص- حدثنا عيسى بن حماد قال: نا الليث، عن يزيد بن
أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله، عن المنذر بن المغيرة، عن عروة بن الزبير،
أن فاطمةَ بنت أبي حُبيش حدثته، أنها سألت رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَا فَشَكت إليه
الدَّمَ، فقال لها رسولُ الله: " إنما ذلك عِرقٌ فانظُرِي إذا أتَاك (1) قُرؤُكِ فلا
تُصلي، فإذا مَرَّ قُرؤُكِ فتَطًفَرِي ثم صَلَي ما بين القُرء إلى القُرءِ " (2) .
ش- عيسى بن حماد بن مسلم بن عبد الله (3) أبو مُوسى التجيبي
مولاهم، مولى بني سعد، من تُجِيب المصري، يلقب زُغبة وهو أخو
أحمد بن حماد 0 سمع: الليث بن سعد، وهو آخر من حدث عنه من
الثقات، وعبد الله بن وهب، وعبد الرحمن بن القاسم، وغيرهم.
روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، وقال: ثقة رضي، ومسلم،
وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. مات سنة ثمان وأربعين
ومائتين (4) .
وبكير بن عبد الله بن الأشج أبو عبد الله المخزومي مولاهم. روى عن:
السائب بن يزيد، وربيعة بن عباد، وكُريب، وغيرهم. روى عنه:
يزيد بن أبي حبيب، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد، وغيرهم.
قال أحمد بن حنبل: ثقة صالح. وقال ابن معين وأبو حاتم: ثقة.
روى له الجماعة (5) .
والمنذر بن المغيرة. روى عن عروة بن الزبير/، روى عنه بكير بن
__________
(1) في سنن أبي داود: " أتى ".
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر الاغتسال من الحيض (1/116) ،
وباب: ذكر الأقراء (1/121) ، وباب: الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة
(1/123) ، وكتاب الحيض (1/183، 185) ، وكتاب الطلاق (6/211) .
(3) في الأصل: " عبيد الله " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4622) .
(5) المصدر السابق (4/765) .

(2/47)


عبد الله الأشج. قال أبو حاتم: مجهول ليس بمشهور. روى له:
أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " فشكت إليه الدم " أي: سيلان الدم الخارج عن العادة.
فوله: " إنما ذلك عرق " أي: دم عرق؛ لأن الدم ليس بعرق، وإنما
حذف المضاف توسعاً يريد أن ذلك علة حدثت بها من تصدع العرق
فاتصل الدم، وليس بدم الحيض الذي يدفعه الرحم لميقات معلوم. وقد
قلنا: إن الاستحاضة: جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه، ولكنه
يخرج من عرق يقال له: العَاذِل- بالعين المهملة، وكسر الذال المعجمة-
بخلاف دم الحيض، فإنه يخرج من قعر الرحم.
فوله: " فانظري إذا أتاك قرؤك " أي: حيضك الذي هو أيام معدودة فلا
تصلي فيها.
قوله: " فإذا مرّ قرؤك " أي: حيضك المعروف فتطهري، أي:
فاغتسلي، ثم صلي ما بين القرء إلى القرء، أي: ما بين الحيض الماضي
إلى الحيض الآتي؛ لأن ما بينهما استحاضة، فلا تمنع الصلاة والصوم
ونحوهما. وفيه حجة لأبي حنيفة على الشافعي، حيث حمل القرء على
الحيض في باب العدة، والشافعي على الطهر، وهو من الأضداد،
يُحمل على الحيض والطهر كالجون يحمل على الأسود والأبيض، وفيه
لغتان: ضم القاف وفتحها، ويجمع على أقراء وقروء. والأصل في
القرء: الوقت المعلوم، فلذلك وقع على الضدين؛ لأن لكل منهما وقتاَ،
وأقرأتِ المرأةُ إذا طهرت وإذا حاضت. والحديث أخرجه النسائي أيضاً.
265- ص- حدَثنا يوسف بن موسى قال: نا جرير، عن سُهيل- يعني:
ابن أبي صالح- عن الزهري، عن عروةَ بن الزبير قال: حدثتني فاطمة بنت
أبي حبيشٍ أنها أمرت أسماءَ، أو أسماءُ حدثتني أنها أمرتهَا فاطمةُ بنتُ
__________
(1) المصدر السابق (28 /6184) .

(2/48)


أبي حُبيش أن تَسألَ لها رسولَ الله، فَا " مرَهَا أن تَقعُدَ الأيامَ التي كانت تَقعُدُ،
ثم تَغتسِلُ (1) .
ش- يوسف بن موسى بن راشد: أبو يعقوب القطان الكوفي، نزل
الريَّ ثم انتقل إلى بغداد، ومات بها سنة خمس ومائتين. سمع: جريراً،
وابن عيينة، ووكيعاً، وغيم هم. روى عنه: البخاري، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. وكتب عنه ابن معين
وقال: صدوق (2) .
وجرير بن عبد الحميد، وسهيل بن أبي صالح: ذكوان السمان.
وأسماء بنت أبي بكر الصَدَيق زوجة الزبير بن العوام، هاجرت إلى
المدينة وهي حامل بعبد الله بن الزبير. رُوي لها عن رسول الله ستة
وخمسون حديثاً، اتفقا على أربعة عشر حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة
ومسلم بمثلها. روى عنها: عبد الله بن عباس، وابناها: عبد الله
وعروة، وأبو واقد الليثي، وجماعة آخرون. توفيت بمكة في جمادى
الأولى سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابنها عبد الله بيسير، وكانت قد بلغت
مائة سنة لم يسقط لها سنن، ولم يُنكر من عقلها شيء. روى لها
الجماعة (3) .
قوله: " فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد " يعني: قبل ذلك، فلا
تصلي فيها ولا تصوم، ثم إذا خرجت تلك الأيام تغتسل ويكون حكمها
بعد ذلك حكم الطاهرات.
ص- قال أبو داود: روى (4) قتادة عن عروة بن الزبير، عن زينب، أن
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7159) .
(3) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/232) ، وأسد الغابة
(7/9) ، والإصابة (4/229) .
(4) في سنن أبي داود: " ورواه ".
4. شرح سنن أبي داوود 2

(2/49)


أم حبيبة بنت جحش استحيضت فأمَرَها النبيُ- عليه السلام- أن تَدع
أقرَاءَهَا (1) ، ثم تَغتسِلَ وتُصلِّيَ.
ش- زينب هي أم المؤمنين بنت جحش، وقد ذكرناها.
قوله: " أن تدع أقراءها " أي: حِيضها التي كانت لها عادة، فإذا
انقطعت تغتسل وتصلي.
ص- وزاد (2) ابن عيينة في حديث الزهري، عن عمرةَ، عن عائشة أن
أم حبيبةَ كانت تُستَحاضُ، فساً لت النبيَّ- عليه السلام- فأمَرَهَا أن تَدع
الصلاةَ أيامَ أقرائها.
وهذا وهم من ابنِ عيينة، ليس هذا في حديث الحفاظ عن الزهري، إلا ما
ذكر سُهيل بن أبي صالح.
ش- زاد سفيان بن عيينة في حديث محمد بن مسلم الزهري، عن
عمرة، عن عائشة، والذي زاده ابن عيينة هو قوله: " عن عمرة ".
وقال أبو داود: وهذا وهم من ابن عيينة ليس هذا: يعني: ذكر عمرة-
في حديث الحفاظ، عن الزهري، وليس فيه إلا ما ذكره سهيل بن
أبي صالح، عن الزهري، عن عروة بن الزبير.
قلت: قد وقع/في رواية مسلم كلاهما- أعني عروة وعمرة- حيث
قال: ونا محمد بن سلمة المرادي قال: نا عبد الله بن وهب، عن عمرو
ابن الحارث، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، وعمرة بنت
عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي- عليه السلام- الحديث. وفي
رواية عن ابن شهاب، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة. وقال
الشيخ محيي الدين (3) : " وقع في هذه الرواية- أي الرواية الأولى-
__________
(1) في سنن أبي داود: " أن تدع الصلاة أيام أقرائها ".
(2) في سنن أبي داود: " قال أبو داود: لم يسمع قتادة من عروة شيئاً،
وزاد.. " 0
(3) شرح مسلم (4/24) .

(2/50)


عن عروة وعمرة وهو الصواب، وكذلك رواه ابن أبي ذئب، عن
الزهري، عن عروة وعمرة، وكذلك رواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن
عروة وعمرة، كما رواه الزهري وخالفهما الأوزاعي، فرواه عن الزهري،
عن عروة، عن عمرة- يعني: جعل عروة راوياً عن عمرة ".
وعمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة الأنصارية المدنية. سمعت:
عائشة، وأم هاشم بنت حارثة بن النعمان. روى عنها: عروة بن
الزبير، وأخوها محمد بن عبد الرحمن، وابنها أبو الرجال محمد بن
عبد الرحمن، ويحيى، وعبد ربه، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة
حجة. توفيت سنة ثمان وتسعين. روى لها الجماعة (1) .
ص- وروت قَمير، عن عائشة: " المُستَحَاضَةُ تَتركُ الصلاةَ أيامَ أقرَائِهَا،
ثم تَغتسلُ.
ش- قمير- بفتح القاف، وكسر الميم- امرأة مسروق بن الأجدع.
روت عن عائشة - رضي الله عنها-، روى عنها عامر الشعبي. قال
أحمد بن عبد الله: تابعية ثقة. روى لها أبو داود (2) .
ص- قال عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: إن النبي- عليه السلام-
أمَرَهَا أن تَترُكَ الصلاةَ قَدرَ أقرائِهَا.
ش- أي: أمر المستحاضة أن تترك الصلاة قدر حيضها التي كانت عادة
لها (3) قبل ذلك، ثم تغتسل وتصلي.
ص- وروى أبو بشر جعفر بن أبي وحشية، عن عكرمة، عن النبيِّ- عليه
السلام-، أن أم حبيبة بنت جحش استُحِيضَت فذكر مثله.
ش- جعفر هذا هو ابن إياس، وهو ابن أبي وحشية الواسطي،
__________
(1) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35/7895) .
(2) المصدر السابق (35/7912) . (3) في الأصل: " له ".

(2/51)


وقيل: البصري أبو بشر اليشكري. سمع: طاوساً، وعكرمة مولى ابن
عباس، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم 0 روى عنه: أيوب السختياني،
والأعمش، وداود بن أبي هند، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل
وابن معين وأبو حاتم: ثقة. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.
توفي سنة أربع وعشرين ومائة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " فذكر مثله " أي: مثل ما مضى من الرواية، وهي أن تترك
الصلاة قدر أقرائها.
ص- وروى شريك عن أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن
جده، عن النبيِّ- عليه السلام-: " المُستَحَاضَةُ تَدعُ الصلاةَ أيامَ أقرائهَا، ثم
تَغتسلُ وتُصَلِّي ".
ش- شريك بن عبد الله النخعي.
وأبو اليقظان عثمان بن عمير الكوفي. روى عن: أنس بن مالك،
وزيد بن وهب، وأبي وائل، وزاذان الكندي، وعدي بن ثابت،
وغيرهم. روى عنه: الأعمش، وشريك، والثوري، وغيرهم. قال
ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر
الحديث. كان شعبة لا يرضاه. روى له: أبو داود، والترمذي،
وابن ماجه (2) .
وعدي بن ثابت الأنصاري الكوفي، وجده لأمه عبد الله بن يزيد
الأنصاري الخطمي. سمع: جده، والبراء بن عازب، وعبد الله بن
أبي أوفى، وسعيد بن جبير، وغيرهم. روى عنه: الأعمش، ومسعر،
وشعبة، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: هو ثقة. وقال أبو حاتم:
صدوق، وكان إمام مسجد الشيعة وقاضيهم. روى له الجماعة (3) .
__________
(1) المصدر السابق (5/932)
(3) المصدر السابق (19 / 3883) .
(2) المصدر السابق (19/3851) .

(2/52)


وثابت هو: ابن عُبيد بن عازب، ابن أخي البراء بن عازب، يروي
عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- في المستحاضة. ولأبيه صحبة.
روى عنه ابنه عدي بن ثابت، ذكره ابن حبان في " الثقات " (1) .
ص- وروىٍ العلاء بن المسيب عن الحكم، عن أبي جعفر: أن سودةَ
استُحيضَت فا " مرهَا رسولُ الله- عليه السلام- إذَا مَضَت أيامُها اغتسَلَت
وصَفَت.
ش- العلاء بن المسيب بن رافع التغلبي الكوفي، ويقال: الكاهلي.
روى عن: أبيه، وخيثمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن أبي رباح،
وإبراهيم النخعي، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وأبو عوانة، وعطاء
ابن مسلم. قال ابن معين: هو ثقة مأمون. روى له: البخاري،
ومسلم، والترمذي (2) .
والحكم: هو ابن عتيبة، وقد ذُكر.
/وأبو جعفر محمد بن عليّ بن حسين بن علي بن أبي طالب المعروف
بالباقر، وقد ذكرناه.
وسودة بنت زمعة بن أبي قيس بن عبد شمس القرشية العامرية
أم المؤمنين، يقال: كنيتها: أم الأسود، زوج رسول الله- عليه السلام-.
روى عنها عبد الله بن عباس. توفيت في آخر خلافة عمر- رضي الله
عنه- روى لها البخاري حديثين، وروى لها أبو داود، والنسائي (3) .
قوله: " إذا مضت أيامها " أي: أيامها التي كانت لها عادة.
ص- وروى سعيدُ بنُ جُبيرٍ، عن عَليّ وابنِ عباس- رضي الله عنهم-:
المُستحاضةُ تَجلِسُ أيامَ قُرئِهَا.
ش- أي: أيام حيضها، فإذا انقطعت تغتسل وتصلي.
__________
(1) المصدر السابق (4/822) .
(2) المصدر السابق (22/4588) .
(3) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/323) ، وأسد الغابة
(7/159) ، والإصابة (4/338) .

(2/53)


ص- وكذلك رواه عَمار مولى بني هاشمٍ، وطلقُ بنُ حَبيبٍ، عن ابن
عباسٍ، وكذلك رواه مَعقِل الخثعميُ، عن علي- رضي الله عنه-، وكذلك
رَوَى الشعبيُ عن قَميرٍ امرأةِ مَسروقٍ، عن عائشةَ- رضي الله عنها-.
ش- عمار بن أبي عمار الهاشمي مولاهم أبو عمرو، ويقال: أبو عمر،
ويقال: أبو عبد الله. سمع: أبا قتادة الأنصاري، وأبا هريرة،
وأبا حبة البدري، وعبد الله بن عباس، وغيرهم.روى عنه: عطاء بن
أبي رباح، ويونس بن عبيد، وخالد الحذاء، وغيرهم. قال ابن حنبل،
وأبو زرعة، وأبو حاتم: ثقة. روى له الجماعة إلا أبا داود (1) .
ومعقل الخثعمي، وقال ابن أبي حاتم: زهير بن معقل. والأول
أصح. روى عن: علي بن أبي طالب. روى عنه: محمد بن أبي إسماعيل
الكوفي. روى لهَ أبو داود (2) .
ص- قال أبو داود: وهو قولُ الحسنِ، وسعيد بن المسيب، وعطاء،
ومكحولٍ، وإبراهيمَ، وسالمٍ، والقاسم: إن المُستحَاضًةَ تَدع الصلاة (3) .
ش- أي: في أيام عادتها وفي غيرها كالطاهرات، وكل هذا ذكره
أبو داود تأكيداً على أن هذا الحكم إجماع وليس فيه خلاف بين السلف
والخلف، ولم يخالف فيه إلا الخوارج، نعم استحب فيه بعض السلف إذا
دخل وقت الصلاة أن تتوضأ، وتستقبل القِبلة، وتذكر الله تعالى،
وأنكره بعضهم.
الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح.
ومكحول بن زبر، ويقال: ابن أبي مسلم بن شاذك بن سند بن شروان
ابن بردك بن بعوث بن كسرى الكابلي، من سَبي كابل. وقال ابن ماكولا:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4167) .
(2) المصدر السابق (28/6096)
(3) في سنن أبي داود: " تدع الصلاة أيام أقرائها. قال أبو داود: لم يسمع قتادة
من عروة شيناً ".

(2/54)


اسم أبي مسلم: شهراب أبو عبد الله الدمشقي الهذلي مولى امرأة من
هذيل. سمع: أنس بن مالك، وأبا هند الداري، وواثلة بن الأسقع،
وأبا أمامة، وغيرهم. روى عنه: الزهري، والأوزاعي، ومحمد بن
إسحاق بن يسار، ومحمد بن عجلان، وجماعة آخرون. روى له:
مسلم، وابن ماجه. واستشهد به البخاري. وتوفي سنة ثمان عشرة
ومائة بدمشق (1) .
وإبراهيم النخعي.
وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عمر القرشي العدوي
المدني. سمع: أباه، وأبا هريرة، وأبا أيوب الأنصاري، ورافع بن
خديج، وعائشة أم المؤمنين. ومن التابعين: القاسم بن محمد،
وعبد الله بن محمد بن عتيق. روى عنه: عمرو بن دينار، والزهري،
ونافع مولى أبيه، وجماعة آخرون كثيرة. وقال أحمد بن عبد الله، وابن
سعد: ثقة كثير الحديث، ورع. توفي سنة ست ومائة (2) .
والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصِّديق- رضي الله عنه-.
***
99- باب: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة (3)
أي: هذا باب في بيان أن حيضة المستحاضة إذا أقبلت تترك الصلاة
ونحوها، وليس في بعض النسخ " باب ".
266- ص- حدَّثنا أحمد بن يونس، وعبد الله بن محمد النفيلي، قالا:
ثنا زهير قال: نا هشام بن عروة، عن عروةَ، عن عائشةَ: أن فاطمةَ بنتَ
أبي حُبيشِ جَاءَت رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: إِنِّي امرأةٌ أستَحَاضُ فَلا أطهُرُ،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28 / 6168) .
(2) المصدر السابق (10/2149) .
(3) في سنن أبي داود: " باب من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة ".

(2/55)


أفَأدعُ الصلاة؟ قال: " إنما ذلك عرقٌ ولَيست بالحيضة، فإذا أقبَلَت الحَيضَةُ
فَدَعِي الصلاةَ، وإذا أدبرت فَاغسِلِيَ عَنكِ الدَمَ، ثم صلى " (1) .
ش- زهير بن معاوية بن حديج
قوله: " أستحاض " على بناء المفعول، كما يقال: استُحِيضت، ولم
يين هذا الفعل للفاعل كما في قولهم: نفست المرأة، ونتجت الناقة.
وأصل الكلمة من الحيض، والزوائد للمبالغة، كما يقال: قرَّ في المكان،
ثم يراد للمبالغة فيه فيقال: استقر.
قوله: " أفأدع " سؤال عن استمرار حكم الحائض في حالة دوام الدم
وإزالته، وهو كلام من تقرر عنده أن الحائض ممنوعة من الصلاة.
قوله: " إنما ذلك عرق " أي: دم عرق، وقد مر الكلام فيه.
قوله: " وليست بالحيضة " يجوز فيه فتح الحاء بمعنى الحيض، ويجوز
كسرها بمعنى الحالة، والأول أظهر، وأما في قوله: " فإذا أقبلت الحيضة "
يحوز الوجهان جوازاَ حسناً.
قوله: " وإذا أدبرت " /المراد بالإدبار: انقطاع الحيض.
قوله: " فاغسلي عنك الدم ثم صلي " مشكل في ظاهره؛ لأنه لم يذكر
الغسل، ولا بد بعد انقضاء الحيض من الغسل. والجواب عنه: أنه وإن
لم يذكر في هذه الرواية، فقد ذكر في رواية أخرى صحيحة قال فيها:
" فاغتسلي ". وحمل بعضهم هذا الإشكال على أن جعل الإدبار انقضاء أيام
الحيض والاغتسال، وجعل قوله: " واغسلي عنك الدم " محمولاً على
دم يأتي بعد الغسل. والجواب الأول أصح.
فإن قيل: ما علامة إدبار الحيض وانقطاعه، والحصول في الطهر؟
__________
(1) البخاري: كتاب الحيض، باب: الاستحاضة (306) ، مسلم: كتاب
الحيض، باب: المستحاضة وغسلها وصلاتها (62/333) ، الترمذي: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة (125) ، النسائي: كناب الطهارة،
باب: ذكر الاغتسال من الحيض (1/116) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: ما جاء في المستحاضة ... (620) .

(2/56)


قلت: أما عند أبي حنيفة وأصحابه الزمان والعادة هو الفَيصل بينهما، فإذا
أضلت عادتها تحرت، وإن لم يكن لها ظن أخذت بالأقل، وأما عند
الشافعي وأصحابه اختلاف الألوان هو الفَيصل، فالأسود أقوى من
الأحمر، والأحمر أقوى من الأشقر، والأشقر أقوى من الأصفر،
والأصفر أقوى من الأكدر، إذا جعلناهما حيضاً، فتكون حائضاً في أيام
القوي، مستحاضة في أيام الضعيف، والتمييز عنده بثلاثة شروط:
أحدها: أن لا يزيد القوي على خمسة عشر يوماً. والثاني: أن لا ينقص
عن يوم وليلة ليمكن جعله حيضاً. والثالث: أن لا ينقص الضعيف عن
خمسة عشر يوماً ليمكن جعله طُهراً بين الحيضتين، وبه قال مالك،
وأحمد.
وقال الشيخ محيي الدين: علامة انقطاع الحيض والحصول في الطهر،
أن ينقطع خروج الدم والصفرة والكدرة، وسواء خرجت رطوبة بيضاء،
أم لم يخرج شيء أصلاَ 0
قال البيهقي وابن الصباغ: التَرِيّةُ رطوبة خفية، لا صفر فيها ولا كدرة،
تكون على القطنة أثر لا لون، وهذا يكون بعد انقطاع الحيض. والترية
بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الراء وبعدها ياء آخر الحروف مشددة.
ثم اعلم: أنها إذا مضى زمن حيضها وجب عليها أن تغتسل في الحال
لأول صلاة تدركها، ولا يجوز لها بعد ذلك أن تترك صلاة أو صوماً،
ويكون حكمها حكم الطاهرات، ولا تستطهر بشيء أصلا، وبه قال
الشافعي، وعن مالك ثلاث روايات: الأولى: تستطهر ثلاثة أيام، وما
بعد ذلك استحاضة. والثانية: تترك الصلاة إلى انتهاء خمسة عشر يوماً،
وهي أكثر مدة الحيض عنده. والثالثة: كمذهبنا.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد: الأولى: فيه جواز استفتاء المرأة بنفسها
ومشافهتها الرجال فيما يتعلق بالطهارة وأحداث النساء، وجواز استماع
صوتها عند الحاجة.

(2/57)


الثانية: فيه نهي للمستحاضة عن الصلاة في زمن الحيض، وهو نهي
تحريم، ويقتضي فساد الصلاة هنا بإجماع المسلمين، ويستوي فيها الفرض
والنفل لظاهر الحديث، ويتبعها الطواف، وصلاة الجنازة، وسجدة
التلاوة، وسجدة الشكر.
الثالثة: فيه دليل على نجاسة الدم.
الرابعة: أن الصلاة تجب بمجرد انقطاع دم الحيض.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه.
267- ص- حدثَّنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن هشام بإسناد
زُهَير ومعناه قال: فَإذَا أقبلَت الحَيضَةُ فاتركي الصلاةَ، فَإذَا ذهب قَدرُهَا
فاغسِلِي عَنكِ الدَّمَ وصًلِّي (1)
ش- " قدرها " - بالدال المهملة الساكنة- أي: قدر وقتها، وصحف
بعض الطلبة هذه اللفظة فقال: إذا ذهب قذرها- بالذال المعجمة- وهذا
غلط، والصحيح: أن المراد منه قدر الأيام التي كانت تحيض فيها ردا إلى
أيام العادة، والحديث بلفظه يدل على أن هذه المرأة كانت مُعتادة كما جاء
في رواية أخرى: " ولكن دع (2) الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين
فيها، ثم اغتسلي وصلي ". واستدل به أبو حنيفة في أن الرد إلى أيام
العادة سواء كانت مميزة أو غير مميزة، وبه قال الشافعي في أحد قوليه،
وأما إذا لم يكن لها عادة تعتمد عليها تجعل لها من كل شهر عشرة أيام
حيضاً، والباقي استحاضة، كما عرف في الفروع.
268- ص- حدَّثنا (3) موسى بن إسماعيل قال: نا أبو عقيل، عن بهية
قالت: سمعتُ امرأة تسألُ عائشةَ عن امرأة فَسَدَ حَيضُهَا وأهرِيقَت دماً،
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) كذا.
(3) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود تحت " باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع
الصلاة ".

(2/58)


فَأمَرَني رسولُ الله أن آمُرَهَا فَلتنظُر قَدرَ مَا كَانَت تَحيضُ في كُلِّ شَهر
وَحَيضَهَا مُستقيمٌ،/فَلتَعتَدَّ بقَدر ذلك من الأيَّامِ، ثم لتًدعَ الصَلاةَ فيهنَّ أوَ
بِقَدرِهِنَّ، ثم لتغتَسِل، ثم لتَستثفِر بِثوبِ، ثم لِتُصلِّي (1) .
ش- أبو عقيل- بفتح العين- هو يحيى بن المتوكل الضرير- الحذاء
المدني مولى بُهية، قدم بغداد ومات بها سنة تسع وستين ومائة. روى عن:
مولاته، والقاسم بن عبيد الله بن [عبد الله بن] عمر بن الخطاب،
وعمر بن عبيد الله. روى عنه: ابن المبارك، وأبو نعيم، وأبو الوليد
الطيالسي، وغيرهم. قال ابن معين: ليس بشيء في رواية عباس، وفي
رواية عثمان ليس به بأس. وقال النسائي: ضعيف. روى له: مسلم،
وأبو داود (2) .
بُهيَةُ- بالباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف- روت عن أبيها، عن
النبي- عليه السلام-.
قوله: " فسد حيضها " بمعنى: خرج عن العادة واستمرت عليه.
وقوله: " فلتنظر قدر ما كانت تحيض " يدل على أنها كانت معتادة.
قوله: " وحيضها مستقيم " جملة اسمية وقعت حالاً، عن الضمير
الذي في " تحيض ".
قوله: " بقدر ذلك " أي: بقدر ما كانت تحيض في كل شهر وحيضها
مستقيم، " ثم لتدع الصلاة " أي: لتتركها فيهن، أي: في الأيام التي
مثل قدر الأيام التي كانت تحيض فيها.
وقوله: " أو بقدرهن " شك من الراوي، والمعنى: ثم لتدع الصلاة
بقدرهن، أي: بقدر الأيام التي كانت تحيض فيها، التي هي كانت عادة
لها. ومعنى الاستثفار قد ذكرناه.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6908) .

(2/59)


269- ص- حدثنا ابن أبي عقيل، ومحمد بن سلمة المصريان قالا: نا
ابن وهب، عن محمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير
وعمرة، عن عائشة: أن أمَّ حَبيبةَ بنتَ جَحشِ خَتنَةَ رسولِ الله، وتحتَ
عبد الرحمنِ بنِ عَوف استُحيضَت سَبع سنين (1) ، فقال رسولُ اَلله: " إن
هذه لَيست بالحَيضَةِ، وً لكن هَذا عِرق فاغتسَلِي وصَلِّي " (2) .
ش- ابن أبي عقيل اسمه: عبد الغني بن أبي عقيل أبو جعفر المصري،
واسم أبي عقيل: رفاعة بن عبد الملك، رأى الليث بن سعد وحكى عنه،
وسمع: ابن عيينة، وبكر بن مُضر، والمفضل بن فضالة، وغيرهم.
روى عنه: أبو داود، والطحاوي 0 توفي في ربيع الأول في سنة خمس
وخمسين ومائتين (3) .
ومحمد بن سلمة بن عبد الله بن أبي فاطمة أبو الحارث المرادي الجملي
مولاهم. روى عن: عبد الله بن وهب، وعبد الله بن كليب، وحجاج
ابن سليمان، وغيرهم. روى عنه: أبو حاتم الرازي، وأبو داود،
وابنه عبد الله، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. توفي سنة ثمان
وأربعين ومائتين (4) .
وعمرة بنت عبد الرحمن، وقد ذكرناها.
قوله: " خَتنة " بفتح الخاء والتاء المثناة من فوق، ومعناه: قريبة زوج
النبي- عليه السلام- قال أهل اللغة: الأختان جمع " ختن "، وهم
__________
(1) في سنن أبي داود بعد قوله: " سبع سنين ": " فاستفتت رسول الله ".
(2) البخاري: كتاب الحيض، باب: عرق الاستحاضة (327) ، مسلم: كتاب
الحيض، باب: المستحاضة غسلها وصلاتها (63/334) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: ذكر الاغتسال من الحيض (1/116) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة إذا اختلط عليها الدم فلم تقف على أيام
حيضها (626) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3488) .
(4) المصدر السابق (25/5254) .

(2/60)


أقارب زوجة الرجل، والأحماء: أقارب زوج المرأة، والأصهار: يعم
الجميع.
قوله: " وتحت عبد الرحمن بن عوف " معناه: أنها زوجته فعرفها بشيئين:
أحدهما: كونها أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش، زوج النبي- عليه
السلام-. والثاني: كونها زوجة عبد الرحمن.
قوله: " ليست بالحيضة " يحوز فيها كسر الحاء وفتحها كما ذكرناه مرة.
قوله: " ولكن هذا عرق " أي: دم عرق.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
ص- قال أبو داود: زَادَ الأوزاعي في هذا الحديث: عن الزهري، عن
عروةَ، وعمرةَ: أن (1) عائشةَ قالت: استُحيضَت أم حَبيبةَ بنتُ جحش وهي
تحتَ عبد الرحمنِ بنِ عوف سَبع سنين، فأمًرَهَا النبيُّ- عليه السلام- قال:
" إذا أقبَلَت الحَيضَةُ فَدَعِي الصلاةَ، َ وَإِذَا أدبَرَت فَاغتَسِلِي وَصَلِّي " (2) .
ش- قال الخطابي (3) : هذا خلاف الأول، وهو حكم المرأة التي تميز
دمها، فتراه زماناً أسود ثخيناً فذلك إقبال حيضها، ثم تراه رقيقاً مشرقاً
فذلك حين إدبار الحيضة، ولا يقول لها رسول الله هذا القول إلا وهي
تعرف إقبالها وإدبارها بعلامة تفصل بها بين الأمرين.
قلت: ظاهر اللفظ لا يدل على هذا، وإنما هي تعرف إقبالها وإدبارها
بالزمان والعادة كما قررناه مرة.
ص- قال أبو داود: ولم يذكر هذا الكلامَ أحد من أصحاب الزهري غيرُ
الأوزاعي.
ش- المراد من " هذا الكلام " هي الزيادة التي زادها عبد الرحمن
__________
(1) في سنن أبي داود: " عن "
(3) معالم السنن (1/75) .
(2) انظر الحديث السابق.

(2/61)


الأوزاعي في حديث الزهري عن عروة بن الزبير، وعمرة بنت
عبد الرحمن.
ص- ورواه عن الزهري عمرو بن الحارث، والليث،/ويونس، وابن
أبي ذئب، ومعمر، وإبراهيم بن سعد، وسليمان بن كثير، وابن إسحاق،
وابن عيينة، لم يذكروا هذا الكلام، وإنما هذا اللفظ حديث هشام بن عروة،
عن أبيه، عن عائشة، وزاد ابن عيينة فيه أيضاً: أمَرهَا أن تَدع الصلاةَ أيامَ
أقرَائِهَا.
ش- أي: روى هذا الحديث الذي تلا زيادة الأوزاعي عن الزهري:
عمرو بن الحارث المصري، والليث بن سعد، ويونس بن يزيد، ومحمد
ابن عبد الرحمن بن أبي ذئب، ومعمر بن راشد، وإبراهيم بن سعد
الزهري، وسليمان بن كثير أبو داود العبدي البصري أخو محمد، كان
أكبر من أخيه بخمسين سنة. سمع: الزهري، ويحيى الأنصاري، وداود
ابن أبي هند. روى عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الصمد بن
عبد الوارث، وأبو الوليد، وغيرهم. قال ابن معين: ضعيف. وقال
أبو حاتم: يكتب حديثه. روى له الجماعة، وابنُ عيينةَ.
وابن إسحاق هو محمد بن إسحاق بن يسار، وسفيان بن عيينة.
قوله: " لم يذكروا هذا الكلام " أي: زيادة الأوزاعي.
قوله: " وزاد ابن عيينة فيه " أي: زاد سفيان بن عيينة في هذا الحديث
أيضاً: " أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها " أي: أمرها رسول الله أن
تترك الصلاة أيام حيضها.
ص- قال أبو داود: وهو وهم من ابنِ عُيينةَ، وحديث محمد بن عمرو،
عن الزهري فيه شيء يقرب من الذي زاد الأوزاعي في حديثه.
ش- أي: الذي زاد ابن عيينة هو وهم منه، وحديث محمد بن عمرو
الذي يأتي الآن فيه شيء يقرب من الذي زاد عبد الرحمن الأوزاعي في
حديثه من قوله: " إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي

(2/62)


وصلي " وجه القُرب: أن في زيادة الأوزاعي الإقبال والإدبار، وفي
حديث محمد بن عمرو الذي يأتي ذكر الأسود وغيره، ولا شك أن
الأسود يكون في أيام الإقبال، وغير الأسود يكون في أيام الإدبار،
فافهم.
270- ص- حدَثنا محمد بن المثنى قال: نا ابن أبي عدي، عن محمد-
يعني: ابن عمرو- قال: حدثني ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن
فاطمة بنت أبي حُبَيش: أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي- عليه
السلام-: " إذا كان دَمُ الحَيضةِ فإنه دَمٌ أسودُ يُعرفُ، فإذا كان ذلك فأمسكي
عن الصلاةِ، وإذا (1) كان الآخرُ فتوضئِي وصَلِّي، فإنما ذلك عِرقٌ " (2) .
ش- ابن أبي عدي هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي.
ومحمد بن عمرو بن حلحلة الديلي المدني. روى عن: الزهري،
وعطاء بن يسار، ووهب بن كيسان، وغيرهم. روى عنه: مالك بن
أنس، والوليد بن كثير، وابن إسحاق، وغيرهم. وعن ابن معين أنه
ثقة. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
قوله: " إذا كان دم الحيضة " بمعنى: إذا وجد، ف " كان " هاهنا تامة،
فلذا لا تحتاج إلى الخبر.
قوله: " فإنه دم أسود " تفسير لدم الحيضة، أي: أن دم الحيضة دم
أسود.
وقوله: " يعرف " في محل الرفع؛ لأنه صفة للدم.
قوله: " فإذا كان ذلك " أي: إذا كان الموجود دماً أسودَ، فأمسكي عن
الصلاة؛ لأنها تكون أيام الحيض.
قوله: " وإذا كان الآخر " أي: غير الأسود، بأن كان أصفر، أو أشقر،
__________
(1) في سنن أبي داود: " فإذا ".
(2) أخرجه النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر الاغتسال من الحيض (1/116) .

(2/63)


أو أكدر؛ لأن غير الأسود أعم " فتوضئي وصلي " لأنها أيام الاستحاضة،
وعلل ذلك بقوله: " فإنما ذلك عرق " أي: دم عرق انفجر، لا دم
حيض، فلا يمنع أحكام الطاهرات. وبهذا تمسك الشافعي في الرد إلى
التمييز وهو أقوى دليله، ونحن نقول: لا اعتبار للتمييز، وإنما الاعتبار
للزمان كما قررناه. والحديث أخرجه النسائي أيضاً.
ص- قال ابن المثنى: نا ابن أبي عدي من كتابه هذا (1) ، ثم حدثنا به بعد
حفظاً قال: نا محمد بن عمرو، عن الزهري، عن عُروةَ، عن عائشةَ: أن
فاطمةَ كانت تسُتحَاض، فذكر معناه.
ش- أي: قال محمد بن المثنى، والمقصود أن محمد بن إبراهيم بن
أبي عدي قد حدث بهذا محمد بن المثنى، عن كتابه أولاً، ثم حدثه بعد
ذلك من جهة حفظه، و " حفظاً " نصب على التمييز.
ص- قال أبو داود: وقد روى أنس بن سيرين، عن ابن عباس في
المُستحاضَة قال: إذا رأت الدمَ البَحرَاني فلا تصلِّى، وإن (2) رأت الطُّهرَ
ولو ساعة/فلتغتسل وتُصلَي.
ش- أنس بن سيرين البصري أبو موسى، أو أبو عبد الله، أو
أبو حمزة الأنصاري مولى أنس بن مالك، أخو محمد، ومعبد،
ويحيى، وحفصة، وكريمة، وكنية سيرين: أبو عمرة، يقال: إنه لما ولد
ذهب به إلى أنس بن مالك فسماه أنساً، وكناه بأبي حمزة، ولد لسنة
بقيت من خلافة عثمان، ودخل على زيد بن ثابت. وسمع: ابن عباس،
وابن عمر، وأنس بن مالك، وغيرهم. روى عنه: أيوب السختياني،
وعبد الله بن عون، ويونس بن عبيد، وجماعة آخرون. قال ابن معين:
ثقة. مات سنة عشر ومائة. روى له الجماعة إلا الترمذي (3) .
قوله: " إذا رأت الدم البحراني " أراد به الدم الغليظ الواسع الذي
__________
(1) في سنن أبي داود: " هكذا ".
(2) في سنن أبي داود: " إذا "
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/566) .

(2/64)


يخرج من قعر الرحم، ونسب إلى البَحر لكثرته وسَعته، والتبحر:
التوسع في الشيء والانبساط فيه.
قوله: " ولو ساعة " أي: ولو كان الطهر ساعة، والمراد منه: أنها
خرجت عن الدم الذي كان حيضها ولو ساعة فلتغتسل وتصلي؛ لأنها
تلحق الطاهرات حينئذ، وبه تمسك الشافعي أيضاً، وعندنا الاعتبار للزمان
كما في حديث أم سلمة وهو أقوى.
ص- وقال مكحول: إن النِّساءَ لا تَخفَى عليهن الحَيضةُ، إن دَمَها أسودُ
غليظٌ، فإذا ذهبَ ذلك وصارت صفرة رقيقة فإنها مُستحاضة، فلتغتسل
ولتصلِّي.
ش- أي: لا يخفى عليهن دم الحيض؛ لأن دم الحيض أسود ثخين،
فإذا ذهب ذلك وصارت الحيضة صفرة رقيقة، أو شقرة، أو كدرة، فإنها
ح (2) تكون مستحاضة، فيصير حكمها حكم الطاهرات بعد الغسل،
ومكحول أيضاً اعتبر التمييز كابن عباس.
ص- قال أبو داود: ورَوى حمادُ بنُ زيد، عن يحيى بن سعيد، عن
القَعقاع بنِ حكيم، عن سعيد بن المسيب في المستحاضة: إذا أقبلت الحيضةُ
تَركتِ الصلاةَ، وإذا أدبرت اغتسَلَت وصَلَت.
ش- يحيى القطان.
والقعقاع بن حكيم الكناني المدني. روى عن: عبد الله بن عمر،
وجابر بن عبد الله، وأبي صالح السمان، وغيرهم. روى عنه: سعيد
المقبري، ومحمد بن عجلان، وسهيل بن أبي صالح، وغيرهم. قال
ابن حنبل: ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري.
قوله: " إذا أقبلت الحيضة " قد ذكرنا أن المراد من إقبالها أيام حيضها التي
كانت لها عادة، ومن إدبارها زمان انقطاعها، وهذا سعيد قد أخذ
الاعتبار بالأيام لا بالتمييز كما هو مذهبنا.
__________
(1) أي: " حينئذ ".
5* شرح سنن أبي داوود 2

(2/65)


ص- قال أبو داود: وروى سُمي وغيرُه، عن سعيد بن المسيب: تَجلسُ
أيامَ أقرائِهَا.
ش- سُمي القرشي المخزومي المدني، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن
ابن الحارث بن هشام. سمع: مولاه أبا بكر، وسعيد بن المسيب،
وأبا صالح ذكوان. روى عنه: يحيى الأنصاري، ومالك، والثوري،
وابن عيينة، وغيرهم. قال ابن حنبل وأبو حاتم: ثقة 0 قتلته الخوارج
بقديد سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له الجماعة.
قوله: " تجلس أيام ألرائها " أي: أيام حيضها، وهذا أيضاً اعتبار
بالزمان.
ص- وكذلك رواه حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن
المسيب.
ش- أي: كما روى سُمي رواه حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد
القطان، عن ابن المسيب، أنها تجلس أيام أقرائها.
ص- قال أبو داود: روى يونس، عن الحسن: الحائض إذا مَدَ بها الدمُ
تَمسِك بعدَ حيضِهَا يوماً أو يومين فهي مستحاضة.
ش- أي: روى يونس بن عبيد البصري، عن الحسن البصري:
الحائض إذا مد بها الدم تمسك. والمعنى: أنها إذا انقطع منها الدم الذي
كان عادتها، تمسك بعده يوماً أو يومين، بمعنى: أنها تستنظر يوماً أو
يومين، ثم تغتسل وتصلي، وبه أخذ مالك في رواية.
ص- وقال التيميُّ، عن قتادة: إذا زادت (1) على أيام حيضِها خمسة أيام
فلنصل.
ش- أي: قال سليمان التيمي، عن قتادة بن دعامة: إذا زادت على
أيام حيضها خمسة أيام فلتصل، والمعنى: أنها تستنظر بعد
__________
(1) في سنن أبي داود: " زاد ".

(2/66)


انقطاع دم حيضها خمسة أيام، ثم تغتسل وتصلي، وهذا كله لأجل
الاحتياط.
/ص- قال التيميُ: فجعلتُ أنقصُ حتى بلغتُ يومين، قال: إذا كان
يومين فهو من حَيضِها.
ش- أي: قال سليمان التيمي: فجعلت أنقص من خمسة أيام حتى
بلغت يومين. قال قتادة: إذا كان يومين فهو من حيضها، بمعنى: أن
اليومين لا يحسبان من الاستنظار، لأنهما من أيام الحيض، بل عليها أن
تمسك وتستنظر بما فوق اليومين إلى خمسة أيام.
ص- وسُئِلَ ابنُ سيرينَ عنه فقال: النساء أعلمُ بذلك.
ش- أي: سئل محمد بن سيرين عن الحكم المذكور فقال: النساء
أعلم بذلك، لأنهن أخبرُ بأحوالهن، ويفوض إليهن حكم الاستنظار
وغيره.
271- ص- نا زهير بن حرب وغيره قالا: نا عبد الملك بن عمرو قال:
نا زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد
ابن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش قالت:
كنتُ أستحاضُ حَيضةً كثيرةً شديدةً، فأتيتُ رسولَ اللهِ- عليه السلام-
أستفتيه واخبرهُ، فوجدتُه في بيتِ أختي زينبَ بنت جحش، فقلت: يا
رسوَل الله، إني امرأة أستحاضُ حيضةً كثيرةً شديدةً فما ترى فيها؟ قد
مَنعتني الصَلاةَ والصومَ. قال: " انعتُ لك الكُرسُفَ، فإنه يُذهبُ الدم ".
قالت: هو كثرُ من ذلك. قال: " فاتخِذي ثوباً ". قلت (1) : هو أكثر من
ذلك، قالت: إنما أثُجُ ثَجا. قال رسول الله- عليه السلام-: " سآمرك
بأمرين، أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، دان قَويتِ عليهما فأنت أعلمُ "
فقال (2) لها: " إنما هذه رَكضة من رَكَضَات الشيطان، فتحيضِي ستةَ أيام أو
سبعةَ أيامٍ في علم اللهِ، ثم اغتسلِي حتى إذا رَأيتِ أنكَ قد طَهُرتِ واستنقيتِ
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقالت ".
(2) في سنن أبي داود: " قال ".

(2/67)


فصلِّي ثلاثاً وعشرين ليلةً، أو أربعاً وعشرين ليلةً وأيامها وصومي، فإن
ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كل (1) شهرٍ كما تَحيَّضُ النساءُ وكما
يَطهُرنَ ميقاتَ حَيضهن وطُهرهن، فإن (2) قَويت على أن تُؤَخِّري الظهر
وتُعجلي العصرَ فتغَتسلين فتجمعين (3) بين الصلاتين الظهرِ والعصرِ،
وتؤخرين المغربَ وتُعجِّلين العشاءَ، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين
فافعلي، وتغتسلين مع الفجرِ فافعلي، وصومي إن قدرت على ذلك " 0 قال
رسول الله: " وهذا أعجبُ الأمرينِ إليَّ " (4) .
ش- عبد الملك بن عمرو بن قيس أبو عامر العقدي البصري. سمع:
مالك بن أنس، والثوري، وشعبة، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن
حنبل، وابن معين، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم. وقال ابن معين:
ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق 0 مات سنة خمس ومائتين 0 روى له
الجماعة.
وزهير بن محمد أبو المنذر العنبري المروزي. سمع: ابن المنكدر،
وهشام بن عمار، وزيد بن أسلم، وجماعة آخرين. روى عنه:
عبد الرحمن بن مهدي، والوليد بن مسلم، وأبو عامر العقدي،
وجماعة آخرون. قال ابن حنبل: مستقيم الحديث. وقال ابن معين:
صالح. وقال أبو حاتم: محله الصدق، في حفظه سوء، وكان حديثه
بالشام أكثر من حديثه بالعراق لسوء حفظه. روى له الجماعة إلا النسائي.
وعبد الله بن محمد بن عَقيل- بفتح العين- ابن أبي طالب، وإبراهيم
ابن محمد بن طلحة بن عبيد الله القرشي.
__________
(1) في سنن أبي داود: " فافعلي في كل ".
(2) في سنن أبي داود: " وإن " 0
(3) في سنن أبي داود: " وتجمعين ".
(4) أخرجه الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين
الصلاتين بغسل واحد (128) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء
في البكر إذا ابتدأت مستحاضة أو كان لها أيام حيض فنسيتها (627) .

(2/68)


وعمران بن طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن كعب الليثي المدني
سمع: أباه، وأمه حشة بنت جحش، وعليّ بن أبي طالب. روى عنه:
ابنا أخويه معاوية بن إسحاق، وإبراهيم بن محمد. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي.
وحمنة- بالحاء المهملة- بنت جحش الأسدية أخت زينب زوج النبي-
عليه السلام- كانت تحت مصعب بن عمير، فقتل عنها يوم أُحُد،
فتزوجها طلحة بن عبيد الله، وهي التي كانت تستحاض. روى عنها:
ابنها عمران بن طلحة. روى لها: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
قوله: " أستحاض " على صيغة المجهول، وقد ذكرنا وجهه مرة.
قوله: " أنعت " أي: أصف لك " الكرسف " - بضم الكاف- وهو
القطن.
قوله: " فإنه يذهب الدم " وهذا من إخباره/- عليه السلام- بالحكمة؛
لان من طبيعة القطن أن ينشف الرطوبات، ولا سيما العتيق منه.
قوله: " هو أكثر من ذلك " أي: دمي أكثر من أن يذهب بالقطن.
قوله: " أثج ثجاً " الثج: شدة سيلان الدم، ومفعول " أثج " محذوف
تقديره: أثجه ثجاً. وذكر المصدر أيضاً ينبئ عن كثرة الدم.
قوله: " إنما هي ركضة من ركضات الشيطان " أصل الركض: الضرب
بالرجل والإصابة بها، يريد به الإضرار والإفساد، كما تركض الدابة
وتصيب برجلها، والمعنى: أن الشيطان قد وجد بذلك طريقاً إلى التلبيس
عليها في أمر دينها، ووقت طهرها وصلاتها، حتى أنساها ذلك، فصار
في التقدير كأنه ركضة نالتها من ركضاته، وأضيف النسيان إلى الشيطان
كما في قوله تعالى: (فَأنسَاهُ الشَّيطَانُ ذكرَ ربه) (1) ، وقيل: هو
حقيقة، وأن الشيطان ضربها حتى فتق عرقهاَ.
__________
(1) سورة يوسف: (42) .

(2/69)


قوله: " فتحيضي " بتشديد الياء، أي: اقعدي أيام حيضك عن الصلاة،
والتزمي ما يجب على الحائض. وقال الجوهري: تحيّضت أي: قعدت
أيام حيضتها عن الصلاة. وإنما قال: " ستة أيام أو سبعة أيام " إما على
احتمال أن تكون هذه المرأة قد ثبت لها فيما تقدم أيام ستة أو سبعة، إلا
أنها قد نسيتها فلا تدري أيهما كانتا، فأمرها أن تتحرى وتجتهد أمرها على
ما تيقنته من أحد العددين، ويؤيد هذا الوجه قوله: " في علم الله " أي:
فيما علم الله من أمرك من ستة أو سبعة، وإما أن يكون لا على وجه
التخيير بين الستة والسبعة، لكن على اعتبار حالها بحال مَن هي مثلها من
نساء أهل بيتها، فإن كانت عادة مثلها منهن أن تقعد ستا قعدت ستا، وإن
كان سبعاً فسبعاً.
قوله: " كما تحيّضَ النساء " بتشديد الياء أيضاً، أي: كما تقعد النساء
أيام حيضهن عن الصلاة، ويحوز أن تكون " ما " في " كما " في
الموضعين مصدرية، والمعنى: كتحيّضهن وطهرهن.
قوله: " ميقات حيضهن " نصب على الظرفية، أي: كما تحيّض النساء
ميقات حيضهن، وكما يطهرن ميقات طهرهن، والميقات مِفعال بمعنى
الوقت هاهنا، أصله: موقات، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
واعلم: أن حكم هذا الحديث هو خلاف الحكم الذي في حديث
أم سلمة، وخلاف الحكم الذي في حديث عائشة، وإنما هي امرأة مبتدأة
لم يتقدم لها أيام، ولا هي مميزة لدمها، وقد استمر بها الدم حتى غلبها،
فرد رسول الله أمرها إلى العرف الظاهر، والأمر الغالب من أحوال
النساء، يدل على ذلك قوله- عليه السلام-: " كما تحيّض النساء،
وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن ".
وقال الخطابي: وقد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث؛ لاس
ابن عقيل راويه ليس بذاك 0 وقال البيهقي: تفرد به عبد الله بن محمد بن
عقيل، وهو مختلف في الاحتجاج به. وقال ابن منده: حديث حمنة لا

(2/70)


يصح عندهم بوجه من الوجوه؛ لأنه من رواية ابن عقيل، وقد أجمعوا
على ترك حديثه.
قلت: أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث
حسن صحيح. وقال أيضاً: سالت محمداً- يعني: البخاري- عن
هذا الحديث فقال: هو حديث حسن. وكذا قال أحمد بن حنبل: هو
حديث حسن صحيح. والعجب من ابن منده هذه الدعوى، فإن أحمد،
وإسحاق، والحميدي، كانوا يحتجون بحديث ابن عقيل، وحَسَّن
البخاري حديثه، وصحَّحه ابن حنبل، والترمذي كما ذكرنا.
ص- قال أبو داود: روى هذا الحديثَ عمرو (1) بن ثابت، عن ابن
عقيل قال: فقالت (2) حمنة: فقلت: هذا أعجبُ الأمرين إليَّ. لم يجعله
كلام النبي- عليه السلام- جعله كلام حمنة (3)
ش- عمرو بن ثابت هو أبو ثابت، ويعرف بابن أبي المقدام، كوفي
لا يحتج بحديثه. قال أبو داود: كان عمرو بن ثابت رافضيا خبيثاً،
وذكره عن يحيى بن معين وعنه ليس بشيء، وعنه ليس بثقة ولا مأمون.
وقال النسائي: متروك. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات/. وقال
ابن المبارك: لا تحدثوا عنه، فإنه كان يسب السلف.
قوله: " لم يجعله كلام النبي " أي: لم يجعل قوله: " هذا أعجب
الأمرين إليّ " كلام النبي- عليه السلام-، وإنما جعله كلام حمنة بنت
جحش.
** *
__________
(1) في سنن أبي داود: " ورواه عمرو ... ". (2) في الأصل: " فقال ".
(3) زاد في سنن أبي داود: " قال أبو داود: وعمرو بن ثابت رافضي، رجل سوء
ولكنه كان صدوقاً في الحديث، وثابت بن المقدام رجل ثقة، وذكره عن يحيى
ابن معين. قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل في نفسي
منه شيء ".

(2/71)


100- باب: ما (1) روي أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة
أي: هذا باب في بيان ما رُوي عن النبي- عليه السلام- أن المرأة
المستحاضة تغتسل لكل صلاة، وقد ذكرنا أن النبي- عليه السلام- ما
أمرها إلا بالغسل مرة واحدة عند انقطاع حيضها، والذي رُوي هاهنا وفي
غيره من أنه- عليه السلام- أمرها أن تغتسل لكل صلاة فليس بثابت،
على ما يجيء إن شاء الله تعالى.
272- ص- ثنا ابن أبي عقيل، ومحمد بن سلمة المرادي قالا: نا ابن
وهب، عن عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير،
وعمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي- عليه السلام-: أن
أم حبيبةَ بنتَ جحشٍ خَتنةَ رسول الله، وتحتَ عبد الرحمنِ بنِ عوف
استُحيضت سبعَ سنين، فاستفتت اَلنبيَ- عليه السلاَم- في ذلك، فقالً
رسولُ الله- عليه السلام-: " إنَ هذه ليست بالحَيضَة، ولكن هذا عِرقٌ،
فاغتسِلي وَصَلِّي "، فكانت (2) تغتسلُ في مركن في حُجَرة أختها زينب بنت
جحشٍ حتى تَعلوَ حُمرةُ الدم الماءَ (3) .ًًَ
ش - قد مر الكلام في هذا الحديث مستوفى، وإنما كرره لأجل زيادة
في آخره.
273- ص- حدثنا أحمد بن صالح قال: نا عنبسة قال: ثنا يونس، عن
ابن شهاب قال: أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن، عن أم حبيبة بهذا
الحديث قالت عائشةُ: فكانت تغتسلُ لكل صلاة (4) .
ش- أحمد بن صالح المعروف بابن الطبًري، وعنبسة بن خالد،
ويونس بن يزيد الأيلي.
قوله: " فكانت تغتسل لكل صلاة " كان تطوعاً منها غير ما أمرت به،
__________
(1) في سنن أبي داود: " من ".
(2) في سنن أبي داود " قالت عائشة: فكانت ... ".
(3) تقدم برقم (269) .
(4) انظر الحديث السابق.

(2/72)


وذلك واسع لها، كذا قاله ابن عيينة، والليث بن سعد وغيرهما، وما
أمرها رسول الله إلا أن تغتسل وتصلي، وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل
لكل صلاة، كذا قاله الشافعي- رضي الله عنه-.
274- ص- حدَّثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني قال:
حدثني الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة بهذا
الحديث قال فيه: فكانت تغتسل لكل صلاة (1) .
ش- قد مر الكلام في بيان رواته ومعناه.
ص- قال أبو داود: رواه القاسم بن مَبرُور، عن يونس، عن ابن شهاب،
عن عمرة، عن عائشة، عن أمِّ حبيبةَ بنت جحشٍ، وكذلك رواه معمرٌ، عن
الزهري، عن عمرةَ، عن عائشةَ، وربما قَال معمر: عن عمرةَ، عن أم حبيبة
بمعناه، وكذلك رواه إبراهيم بن سعد، وابنُ عيينة، عن الزهري، عن
عمرةَ، عن عائشة، وقال ابن عيينةَ في حديثه: ولم يقل أن النبي- عليه
السلام- أمَرَهَا أن تغتسلَ. وكذلك رواه الأوزاعي أيضاً عن الزهري فيه
أيضاً: وكانت (2) تغتسلُ لكل صلاةٍ.
ش- أي: روى هذا الحديث القاسم بن مبرور الأيلي ابن أخي طلحة
ابن عبد الملك، أحد الفقهاء، يروي عن يونس بن يزيد، وهشام بن
عروة. وروى عنه: خالد بن نِزار، وخالد بن حميد المَهري. توفي
بمكة سنة ثمان أو تسع وخمسين ومائة، وصلى عليه الثوري. روى له
أبو داود، والنسائي (3) .
275- ص- حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال: نا أبي، عن ابن
أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير [و] عن عمرةَ بنت
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) في سنن أبي داود: " ورواه الأوزاعي أيضا قال فيه: قالت عائشة: فكانت ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/4818) .

(2/73)


عبد الرحمن، عن عائشةَ: أن أم حبيبةَ استُحيضت سبعَ سنين، فأمرَهَا
رسولُ اللهِ- عليه السلام- أن تَغتسلَ، وكانت (1) تغتسلُ لكل صلاة (2) .
ش- محمد بن إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن بن عبدًا لله بن
المسيب بن أبي السائب بن عابد- بالباء الموحدة- ابن عبد الله بن عمر بن
مخزوم، أبو عبد الله المسيبي المخزومي المدني، سكن بغداد، وكان أبوه
أحد القراء بمدينة رسول الله. سمع: أباه، ومحمد بن فليح الخزاعي،
وعبد الله بن نافع، وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود، ومحمد
ابن عبدوس، وجماعة آخرون. وقال إبراهيم بن إسحاق: كان ثقة.
توفي سنة ست وثلاثين ومائتين.
وأبوه إسحاق بن محمد المذكور، روى عن: ابن أبي ذئب، ونافع
ابن عبد الرحمن. روى عنه: ابنه محمد، وإسماعيل / بن عبد الكريم
الصنعاني، وخلف بن هشام المقرئ. روى له أبو داود.
وابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن القرشي، وقد مر.
276- ص- حدثنا هناد بن السري، عن عبدة، عن ابن إسحاق، عن
الزهري، عن عروةَ، عن عائشةَ: أن أمَّ حبيبةَ بنتَ جحش استُحيضَت فيِ
عهد رسول اللهِ- عليه السلام-، فأمرهَا بالغسلِ لكلً صلاةَ، وساق
الحَدَيثَ (3)
ش- عبدة بن سليمان بن حاجب بن زرارة الكلابي أبو محمد
الكوفي، قيل: اسمه عبد الرحمن، وعبدة لقب. سمع: هشام بن
عروة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأعمش، وابن إسحاق،
__________
(1) في سنن أبي داود: " فكانت ".
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر الأقراء (1/183) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة إذا اختلط عليها الدم فلم تقف على أيام
حيضتها (626) .
(3) انظر الحديث السابق.

(2/74)


وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وابنا أبي شيبة، وهناد بن السري،
وغيرهم. وقال أحمد: ثقة ثقة وزيادة مع صلاح، وكان شديد الفقر
مات بالكوفة في رجب سنة ثمان وثمانين ومائة (1) .
وابن إسحاق هو محمد بن إسحاق بن يسار، وقد تقدم الاحتجاج
بحديثه، وقال البيهقي: رواية ابن إسحاق عن الزهري غلط، لمخالفتها
سائر الروايات عن الزهري، ولكن يمكن أن يقال: إن كان هذا مخالفة
الترك فلا تناقض في ذلك، دان كان مخالفة التعارض فليس كذلك، إذ
الأكثر فيه السكوت عن أمر النبي- عليه السلام- لها بالغسل عند كل
صلاة، وفي بعضها أنها فعلته هي، وقد تابع ابن إسحاق سليمان بن كثير
لما يجيء الآن.
ص- قال أبو داود: ورواه أبو الوليد الطيالسي، ولم أسمعه منه عن
سليمان بن كثير، عن الزهري، عن عروةَ، عن عائشةَ: استُحيضت زينبُ
بنتُ جحشِ فقال النبي- عليه السلام -: " اغتسِلي لكل صلاة " وساقَ
الحديثَ.
ش- أي: روى هذا الحديثَ أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي،
وهذه الرواية شاهدة لرواية ابن إسحاق عن الزهري، ويرد بهذا ما قاله
البيهقي رواية ابن إسحاق عن الزهري غلط كما قلنا.
ص- قال أبو داود: ورواه عبدُ الصمد، عن سليمان بن كثير قال:
توضَّئي لكل صَلاةِ.
ش- أي: روى هذا الحديث عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد بن
ذكوان التنوري، أبو سهل البصري التميمي. سمع: أباه، وسليم بن
حبان، وحماد بن سلمة، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل،
وإسحاق بن راهويه، وابن المثنى، وغيرهم. قال أبو حاتم: صدوق
صالح الحديث. مات سنة سبع ومائتين. روى له الجماعة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 /3613) .

(2/75)


ص- وهذا وهم من عبد الصمد، والقولُ فيه قولُ أبي الوليد.
ش- أي: قوله: " توضئي لكل صلاة " وهمٌ من عبد الصمد،
والقول في الحديث قول أبي الوليد الطيالسي.
قلت: ذكر هذا في حديث حماد أخرجه النسائي، وابن ماجه، وقال
مسلم في " صحيحه ": وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره
وهي: " توضئي لكل صلاة ". وقال الشيخ محيي الدين: وأسقطها
مسلم لأنها مما انفرد به حماد.
قلنا: لم ينفرد حماد بذلك عن هشام، بل رواه عنه أبو عوانة أخرجه
الطحاوي في كتاب " الرد على الكرابيسي " من طريقه بسند جيد، ورواه
عنه أيضاً حماد بن سلمة أخرجه الدارمي من طريقه، ورواه عنه أيضاً
أبو حنيفة، وأخرجه الطحاوي من طريق أبي نعيم، وعبد الله بن يزيد
المقرئ، عن أبي حنيفة، عن هشام. وأخرجه الترمذي وصحَّحه من
طريق وكيع، وعَبدة، وأبي معاوية، عن هشام، وقال في آخره: وقال
أبو معاوية في حديثه: وقال: " توضئي لكل صلاة ". وقد جاء الأمر
بالوضوء أيضاً فيما أخرجه البيهقي في " باب المستحاضة إذا كانت مميزة "
من حديث محمد بن عمرو، عن ابن شهاب، عن عروة، عن فاطمة
بنت أبي حبيش (1) إلى آخره. على أن حماد بن زيد لو انفرد بذلك لكان
كافياً لثقته وحفظه، لا سيما من هشام، وليس هذا مخالفة، بل زيادة
ثقة، وهي مقبولة، لا سيما من مثله.
277- ص- حدَّثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر قال: نا
عبد الوارث، عن الحسين، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة قال:
أخبرتني زينب بنت أبي سلمةَ، أن امرأةً كانت تُهراقُ الدَّمَ، وكانت تحتَ
عبد الرحمن بن عوف، أن رسولَ الله أمرها أن تَغتسلَ عندَ كلِّ صلاة
وتُصًلِّيَ (2) .ًًَ
__________
(1) في الأصل: " جحش " خطأ، وانظر: السنن الكبرى (1/323) .
(2) تفرد به أبو داود.

(2/76)


ش- عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، واسمه: ميسرة المِنقَرِيُّ
التميمي مولاهم البصري، أبو معمر المقعد. سمع: عبد الوارث بن
سعيد، وملازم بن عمرو، والدراوردي، وغيرهم. روى عنه:
عبد الصمد بن عبد الوارث، وأبو حاتم الرازي، والبخاري، ومسلم،
وأبو داود، وجماعة آخرون. قال أبو زرعة: كان ثقة حافظاً. وقال
أبو حاتم: صدوق متقن قوي الحديث،/غير أنه لم يكن يحفظ، وكان
له قدر عند أهل العلم. توفي سنة أربع وعشرين ومائتين (1) .
وعبد الوارث بن سعيد التميمي.
وحسين بن ذكوان المكتب المعلم البصري العوذي. سمع: عبد الله بن
بريدة، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير، وغيرهم. روى عنه: شعبة،
وابن المبارك، ويحيى القطان، وعبد الوارث بن سعيد، وغيرهم. قال
ابن معين وأبو حاتم: ثقة. وقال أبو زرعة: ليس به بأس. روى له
الجماعة (2) .
وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن.
قوله: " تهراق " على بناء المجهول، وأصله تراق. و " الدم " نصب
على التمييز، وقد مر نظيره. قال الخطابي (3) : هذا الحديث ليس فيه
ذكر حال هذه المرأة، ولا بيان أمرها وكيفية شانها في استحاضتها، وليس
كل امرأة مستحاضة يحب عليها الاغتسال لكل صلاة، وإنما هي فيمن
تبتلى، وهي لا تميز دمها، أو كانت لها أيام فنسيتها فهي لا تعرف
موضعها، ولا عددها، ولا وقت انقطاع الدم عنها في أيامها المتقدمة،
فإذا كانت كذلك، فإنها لا تدع شيئاً من الصلاة، وكان عليها أن تغتسل
عند كل صلاة؛ لأنه قد (4) يمكن أن يكون ذلك الوقت قد صادف زمان
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/3449) .
(2) المصدر السابق (6/1309) . (3) معالم السنن (1/77- 78) .
(4) في الأصل: " ور "، وما أثبتناه من معالم السنن.

(2/77)


انقطاع دمها، فالغسل عليها عند ذلك واجب، ومن كان هذا حالها من
النساء لم يأتها زوجها في شيء من الأوقات، لإمكان أن تكون حائضاً،
وعليها أن تصوم شهر رمضان كله مع الناس وتقضيه بعد ذلك، لتحيط
علماً بأن قد استوفت عدد ثلاثين يوماً في وقت كان لها أن تصوم فيه،
وإن كانت حاجَّةً طافت طوافين بينهما خمسة عشر يوماً، لتكون على يقين
من وقوع الطواف في وقت حكمها فيه حكم الطهارة.
قلت: هذا على مذهب من رأى أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما،
وعلى مذهب من رأى أن أكثره عشرة أيام طافت طوافين بينهما عشرة أيام.
وقال البيهقي في هذا الحديث: وروينا عن أبي سلمة أنها تغتسل غسلاً
واحداً، وهو لا يخالف النبي- عليه السلام- فيما يرويه عنه.
قلت: كأنه أشَار بهذا الكلام إلى تضعيف هذا الحديث، وإلى أن ما
نقل عنه من أنه أفتى بالغسل عند كل صلاة غير صحيح عند [هـ] ،
ولقائل أن يقول: العبرة لما روى الراوي لا لرأيه. وقد عرف هذا من
مذهب المحدثين.
ص- وأخبرني أن أم بكر أخبرته، أن عائشةَ- رضي الله عنها- قالت:
إن رسولَ الله قال في المرأة ترى ما يَريبها بعدَ الطهرِ: " إنما هو عِرق " (1) أو
قال: " عُروقٌ ".
ش- أي: قال يحيى بن أبي كثير: أخبرني أبو سلمة، أن أم بكر
- ويقال أم أبي بكر- أخبرته الحديث.
قوله: " ما يريبها " من رابني الشيء، وأرابني، بمعنى: شككني.
وقيل: أرابني في كذا، أي: شككني وأوهمني الريبة فيه، فإذا استيقنته
قلت: رابني بغير ألف. ومنه الحديث: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك "
يروى بفتح الياء وصمها، أي: دع ما يشك فيه إلى ما لا يشك.
__________
(1) في سنن أبي داود: " إنما هي أو قال: إنما هو عرق ".

(2/78)


قوله: " بعد الطهر " يعني: بعد انقطاع دم الحيض وبعد خروجها عن
أيام الحيض، ويقال: معنى " بعد الطهر " بعد الغسل، وهو الأظهر.
قوله: " عرق " أي: دم عرق، أو دماء عروق.
ص- قال أبو داود: في حديث ابن عقيل الأمران جميعاً قال: " إن
قَويتِ فاغتسِلي لكل صلاة، وإلا فاجمعِي "، كما قال القاسم في حديثه
ش- حديث ابن عقيل هو الذي رواه زهير بن محمد، عن عبد الله بن
محمد بن عقيل المذكور فوق.
قوله: " وإلا فاجمعي " يعني: بين الصلاتين الطهر والعصر، والمغرب
والعشاء، كما قال القاسم بن محمد بن أبي بكر- رضي الله عنهم-.
ص- وقد رُوي هذا القول عن سعيد بن جبير، عن عليّ وابن عباس
- رضي الله عنهم.
ش- أي: القول بالاغتسال عند كل صلاة، وفي " المصنف " (1) :
حدَّثنا وكيع قال: نا الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير قال:
كنت عند ابن عباس، فجاءت امرأة بكتاب فقرأته فإذا فيه: إني امرأة
مستحاضة، وأن عليا قال: تغتسل لكل صلاة. فقال ابن عباس: ما
أجد لها إلا ما قال علي.
وحدَّثنا محمد بن يزيد، عن أبي/العلاء، عن قتادة: أن عليا وابن
عباس قالا في المستحاضة: تغتسل لكل صلاة (2) .
حدَّثنا (3) حفص بن غياث، عن ليث، عن الحكم، عن علي في
المستحاضة: تؤخر من الظهر وتعجل من العصر، وتؤخر المغرب وتعجل
العشاء. قال: وأظنه قال: وتغتسل. قال: فذكرت ذلك لابن الزبير
وابن عباس فقالا: ما نجد لها إلا ما قال عليّ.
***
__________
(1) (1/127) .
(2) نفسه.
(3) نفسه.

(2/79)


101- باب: من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسلُ لهما غسلاً
أي: هذا باب في بيان قول من قال: إن المستحاضة تجمع بين
الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وتغتسل لهما غسلاً
واحداً.
278- ص- حدَثنا عبيد الله بن معاذ قال: نا أبي قال: ثنا شعبة،
عن عبد الرحمن بن القاسمِ، عن أبيه، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
استُحيضت امرأةٌ على عهد رسول الله فأمرَت أن تُعَجِّلَ العصرَ وتُؤخر
الظُهَرَ، وتغَتسلَ لهما غُسلاَ، وأن تؤخر المغَربَ وتُعجل العِشاءَ، وتَغتسَلَ
لهما غُسلاً، وتغتسلَ لصلاة الصبحِ (1) ، فقلت لعبد الرحمن: أعن النبيَ
- عليه السلام؟ فقال: لا (2) أحدثك عن النبي- عليه السلام- بشيءَ (3) .
ش- عبيد الله بن معاذ العنبري البصري، وأبوه: معاذ بن معاذ بن
حسان، وقد ذكرناهما.
وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي،
أبو محمد الفقيه الرضا ابن الرضا، وأمه: أسماء بنت عبد الرحمن بن
أبي بكر الصِّدِّيق. ولد في حياة عائشة زوج النبي- عليه السلام- وهي
عمة أبيه. روى عن: أبيه، وأسلم مولى عمر، ونافع مولى ابن عمر،
وغيرهم. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وسماك بن حرب،
والثوري، وابن عيينة، وشعبة، والأوزاعي، وجماعة آخرون. قال
أحمد: ثقة، ثقة، ثقة. مات بالشام سنة ست وعشرين ومائة. روى
له الجماعة.
قوله: لا على عهدِ رسولِ الله " أي: في زمانه وأيامه، وإنما أمرها
__________
(1) في سنن أبي داود: " لصلاة الصبح غسلاً ".
(2) في سنن أبي داود: " لا أحدثك إلا عن ... ".
(3) النسائي: كتاب الحيض، باب: جمع المستحاضة بين الصلاتين وغسلها إذا
جمعت (1/184) .

(2/80)


- عليه السلام- بتعجيل العصر وتأخير الظهر والاغتسال لهما غسلاَ
واحداَ، لما رأي أن الأمر قد طال عليها، وقد جهدها الاغتسال لكل
صلاة، ورخص لها في الجمع بين الصلاتين بغسل واحد كالمسافر الذي
رخص له في الجمع بين الصلاتين على مذهب من يرى ذلك. وفيه حجة
لمن رأى للمتيمم أن يجمع بين صلاتي فرض بتيمم واحد؛ لأن علتهما
واحدة، وهي الضرورة، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، وهو قول
سفيان الثوري، ورُوي ذلك عن ابن المسيب والحسن والزهري.
قوله: " فقلت لعبد الرحمن " القائل شعبة بن الحجاج. والحديث
أخرجه النسائي أيضاً.
279- ص- حدثنا عبد العزيز بن يحيى قال: حدَّثني محمد بن سلمة،
عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة:
أن سهلة بنت سهيل استُحيضت فأتت النبيَ- عليه السلام- فأمَرهَا أن
تَغتسلَ عندَ كلِّ صلاة، فَلما جَهَدَهَاَ ذلك أمَرهَا أن تَجمعَ بين الظهرِ
والعصرِ بغُسلِ، والمغربَ والعشاءِ بغسلِ، وتغتسلَ للصبح (1) .
ش- عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني، ومحمد بن سلمة
الباهلي الحراني.
قوله: " فلما جهدها " أي: فلما شق عليها الاغتسال. من جهِده
الشيء- بكسر الهاء-: جهَدا بالفتح، والجُهد- بالضم-: الطاقة،
وقيل: هما لغتان في الوسع والطاقة. وحال هذه المرأة مثل حال المرأة
التي في الحديث السابق، ويحتمل أن تكون هي إياها، ويحتمل أن تكون
غيرها، ولكن علتاهما واحدة.
ص- قال أبو داود: ورواه ابنُ عيينةَ، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن
أبيه: أن امرأةَ استُحِيضت، فسألتِ النبيَّ- عليه السلام- فأمرَها بمعناه.
__________
(1) النسائي: كتاب الحيض، باب: جمع المستحاضة بين الصلاتين وغسلها إذا
جمعت (1/185) .
6. شرح سنن أبي داوود 2

(2/81)


ش- أي: روى هذا الحديث سفيان بن عيينة.
قوله: " بمعناه " أي: بمعنى هذا الحديث.
280- ص- حدَّثنا وهب بن بقية قال: نا خالد، عن سهيل بن
أبي صالح، عن الزهري، عن عروةَ بن الزبير، عن أسماء بنت عميس
قالت: قلتُ: يا رسولَ الله، إن فاطمةَ بنتَ أبي حُبيش استُحيضت منذُ كذا
وكذا، فلم تصَلِّ، فقال النَبيُّ- عليه السلام-: " سُبحًانَ اللهَ!! هذا (1) من
الشيطان، لتجلس في مركن، فإذا رأت صَفارة (2) فوقَ الماء فلتغتسل
للظهرِ وَالعصرِ غسلاً واحَداً، وتغتسلُ للمغرب والعشاء غُسلاً واحداً،
وتغتسلُ للفجرِ غسلا (3) ، وتَوضأ فيما بين ذلك " (4) .
ش-/خالد هو: ابن عبد الله الواسطي الطحان.
قوله: " منذ كذا وكذا " اعلم أن مذ ومنذ لهما ثلاث حالات: إحداها:
أن تليهما اسم مجرور، فقيل: هما اسمان مضافان، والصحيح أنهما
حرفا جر بمعنى " من " إن كان الزمان ماضياً، وبمعنى " في " إن كان
حاضراَ، وبمعنى " من " و " إلى " جميعاً معدوداَ، نحو: ما رأيته منذ
يوم الخميس، أو مذ يومنا، أو عامنا، أو مذ ثلاثة أيام. والثانية: أن
يليهما اسم مرفوع، نحو: مذ يوم الخميس، ومنذ يومان. قال المبرد
وابن السراج والفارسي: مبتدآن وما بعدهما خبر، ومعناهما: الأمد إن
كان الزمان حاضراَ أو معدوداَ، وأول المدة إن كان ماضياً. وقال الأخفش
والزجاج: ظرفان مخبر بهما عما بعدهما، ومعناهما: بين وبن
مضافين، فمعنى: ما لقيته مذ يومان، بيني وبن لقائه يومان. وقال أكثر
الكوفيين: ظرفان مضافان لجملة حذف فعلها وبقي فاعلها، والأصل مذ
كان يومان. الثالثة: أن تليها الجمل الفعلية أو الاسمية، كقوله: ما زال
__________
(1) في سنن أبي داود: " إن هذا ". (2) في سنن أبي داود: " صفرة ".
(3) في سنن أبي داود: " غسلا واحداً وتتوضأ ".
(4) تفرد به أبو داود.

(2/82)


مذ عقدت يداه إزاره. وقوله: وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع.
والمشهور أنهما حينئذ ظرفان مضافان، فقيل: إلى الجملة، وقيل: إلى
زمن مضاف إلى الجملة، وقيل: مبتدآن.
قوله: " سبحان الله " قد مر الكلام فيه، وأنه إنما ذكره تعجباً.
قوله: " هذا من الشيطان " له معنيان: الأول: مجازي، وهو أنه
أنساها أيام حيضها حتى حصل لها تلبس في أمر دينها ووقت طهرها
وصلاتها. والثاني: حقيقي، بمعنى: أنه ضربها حتى فتق منها عرق
الاستحاضة، كما قلنا في الحديث المتقدم.
قوله: " في مركن " بكسر الميم، وهي الإجانة.
قوله: " صفارة " وفي بعض الرواية: " صفرة "، وفيه حجة لمن اعتبر
التمييز؛ لأن رؤيتها الصفرة دليل على انقطاع دم الحيض.
قوله: " وتوضأ فيما بين ذلك " برفع الهمزة، أي: تتوضأ، فحذفت
إحدى التائين للتخفيف، كما في (نَاراً تَلَظَّى) (1) ، والمعنى: أنها إذا
أرادت أن تصلي فيما بين الصلوات صلاة أخرى تتوضأ، ولا تكتفي
باغتسالها؛ لأنه للفرائض المختصة بالأوقات الخمس.
ص- قال أبو داود: رواه مجاهد، عن ابن عباس: لما اشتد عليها الغُسلُ
أمرها (2) أن تجمعَ بينَ الصلاتينِ.
ش- أي: روى هذا الحديث مجاهد بن جبر، عن ابن عباس وقال:
لما اشتد عليها، أي: على فاطمة بنت أبي حبيش، وهذا الكلام من ابن
عباس خرج مخرج التعليل لأمره- عليه السلام- إياها بالجمع بين الظهر
والعصر، وبن المغرب والعشاء، تيسيراَ لها ورخصة كما في المسافر.
ص- ورواه إبراهيم، عن ابن عباس، وهو قول إبراهيم النخعي، وعبد
الله ابن شداد.
__________
(1) سورة الليل: (14) . (2) كلمة " أمرها " غير موجودة في سنن أبي داود.

(2/83)


ش- أي: روى هذا الحديث إبراهيم النخعي، عن ابن عباس، وهو
قول إبراهيم، وعبد الله بن شداد بن الهاد، واسم الهاد: أسامة بن
عمرو بن عبد الله بن جابر بن بشر، وإنما سمي الهاد لأنه كان يوقد ناره
للأضياف ولمن سلك الطريق، أبو الوليد الليثي المدني، وقيل: الكوفي،
وأمه: سلمى بنت عميس الخثعمية أخت أسماء، كانت تحت حمزة بن
عبد المطلب، فولدت له ابنته عُمارة، وقيل: فاطمة، وقتل عنها حمزة
يوم أُحُد فتزوجها شداد، فولدت له عبد الله، وهو ابن خالة عبد الله بن
عباس، وخالد بن الوليد. سمع: عمر، وابنه عبد الله بن عمر،
وعليا، وابن عباس، ومعاذاَ، وأباه، وعائشة، وأم سلمة. وروى عن
النبي- عليه السلام- مرسلاً. روى عنه: طاوس، والشعبي، ومحمد
ابن سعد، وعكرمة، وجماعة آخرون كثيرة. قال أبو زرعة: مدني ثقة.
توفي في ولاية الحجاج على العراق، ويقال: قتل يوم دُجَيل سنة اثنين
وثمانين. روى له الجماعة (1) .
واعلم أن المستحاضات على عهد رسول الله خمس: حمنة بنت جحش
أخت زينب بنت جحش زوج رسول الله، وأختها أم حبيبة وقيل: أم حبيب
بغير هاء، وقد ذكرناه، وفاطمة بنت أبي حُبَيش القرشية الأسدية، وسهلة
بنت سهيل القرشية العامرية، وسودة بنت زمعة زوج رسول الله. وقد
ذكر بعضهم أن زينب بنت جحش استحيضت والمشهور خلافه، وإنما
المستحاضات أختاها.
***