شرح أبي داود للعيني

10- باب: مَن نامَ عَن صَلاَة أو نَسيَها
أي: هذا باب في بيان حكم مَن نام عن صًلاةٍ أوَ نسِيها. وفي بعض
النسخ: " باب ما جاء فيمن نام عن صلاة أو نسيها ".
417- ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب: أخبرني يونس، عن ابن
شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسولَ الله- عليه السلام-
حين قَفَلَ من غزوة خَيبرَ فسارَ ليلةً، حتى إذا أدركَنَا الَكَرَى عَرَس وقال
لبلال: " اكلأ لنا اللَيلَ ". قال: فغلبت بلالا عينَاه وهو مُستندٌ إلى راحلَته،
فلم يستيقظ النبيُّ- عليه السلام- ولا بلالٌ ولا أحدٌ من أصَحابه، حتىَ إَذا
ضرَبتهُم الشمسُ فكان رسولُ الله أولَّهُم استيقَاظاً، فَفَزِعَ رسولُ الله فقال:
" يا بلالُ " (1) قال: اخَذَ بنفسَي الذي أخذَ بنفسكَ بأبي أنتَ وَأمِّي يا
رسولَ الله، فاقتَادُوا رَوَاحِلَهم شيئاًَ، ثم تَوضأ لنبيُ- عليه السلام-، وأمرَ
بلالاً فأقامَ لهم الصلاة، وصلى لهم الصُّبحَ، فلما قَضى الصلاة قال: " من
نَسيَ صَلاةً فليُصلِّها إذا ذَكَرَها؛ فإن اللهَ عز وجل قال: (أقم الصَّلاَةَ
لِلذَكرَى) (2) .
ش- أحمد بن صالح: المعروف بابن الطبري، وعبد الله: ابن وهب،
ويونس: ابن يزيد، وابن شهاب: الزهري/، وسعيد: ابن المُسيب.
قوله: " حين قَفل " أي: حين رجع؛ والقفولُ: الرجوع، ولا يقال
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقال ".
(2) سورة طه: (14) ، وهي قراءة شاذة من غير القراءات السبع المتواترة، وانظر:
تعليق المصنف، والحديث أخرجه مسلم في: كتاب المساجد ومواضع الصلاة،
باب: قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها (680/ 309) ، وابن
ماجه في: كتاب الصلاة، باب: من نام عن الصلاة أو نسيها (697) .

(2/319)


ذلك في ابتداء السفر، وربما سمّيت الرفقة قافلة تفاؤلا لها بالسلامة،
ويقال: قد يقال للسفر قفول في الذهاب والمجيء، وأكثر ما يستعمل في
الرجوع، ويقال (1) من غزوة خيبر، ويُقال: غزوة حُنين- بالحاء المهملة
والنون- قاله الأصيلي، والصحيح: أنه غزوة خَيبر بالخاء المعجمة،
وهكذا هو في " صحيح مسلم ".
قوله: " إذا أدركَنا الكَرَى " بفتح الراء والكاف- والكرى فاعله وهو
بفتح الكاف: النُّعاس. وقيل: النوم. يُقال: من كرِي الرجلُ يكري
كَرا من باب علم يعلم فهو كرِ، وامرأة كرِيَة- بتخفيف الياء-.
قوله: " عَرّسَ " " (2) من التعريس، وهو نزول المسافرين آخر الليل
للنوم والاستراحة؛ هكذا قاله الخليل والجمهور. وقال أبو زيد: هو
النزول أيّ وقت كان من ليل أو نهار؛ وفي الحديث: " معرّسون في نحر
الظهيرة ".
قوله: " اكلأ " - بهمزة في آخره- أي: ارقُب لنا الليل واحفظه
واحرسه؛ وهو أمر من كلأ يكلأ كِلاءةَ- بكسر الكاف والمدّ- وقد مر
مثله مرةَ.
قوله: " عيناه " فاعل قوله: " غلبت " و " بلالا " منصوب مفعوله،
والواو في قوله: " وهو مستند " واو الحال.
قوله: " ففزعَ رسولُ الله " أي: انتبه وقام. يقال: أفزعتُ الرجلَ من
نَومه ففزع أي: أنبَهتُه فانتبه، وذكر أهل اللغة أنه يجيء بمعنى خاف،
وبمعنى بَادَر، وبمعنى: أغاث، وبمعنى: استغاث؛ وهو بكسر الزاي في
الكل، وقالوا في فزع بمعنى أغاث- بالفتح، فافهم.
قوله: " أخذ بنفسي " كناية عن النوم؛ بمعنى أنامني الذي أنامك.
قوله: " بأبي أنت وأمي " قد ذكرنا مرةَ أن " الباء " فيه متعلقة بمحذوف؛
__________
(1) غير واضحة في الإلحاق.
(2) انظر: شرح صحيح مسلم (5/182) .

(2/320)


قيل: هو اسم فيكون ما بعده مرفوعا تقديره: أنت مُفدَى بأبي وأمي.
وقيل: هو فعل، وما بعده منصوب. أي: فديتك بأبي وأمي، وحُذف
هذا المقدر تخفيفا لكثرة الاستعمال.
قوله: " فاقتادوا رواحلهم " أي: قادُوها، فقَادَ واقتادَ بمعنىَ واحد،
والرواحل: جمع راحلة؛ وهي الناقة التي تصلح لأن تُرحل؛ وإنما
اقتادوها لما ذكره في الرواية الثانية: " تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم
فيه الغفلة (1) "، وفي رواية مسلم: " فإن هذا منزل حصرَنا فيه
الشيطانُ ". وفيه دلالة على أن قضاء الفائتة بعذر ليس على الفور؛ وهو
الصحيح؛ ولكن يستحب قضاؤها على الفور. وحكى البغوي وجهاً عن
الشافعي أنه على الفور. وأما الفائتة بلا عُذر فالأصح قضاؤها على
الفور، وقيل: له التأخير- كما في الأول-.
وقال الخطابي (2) : " وقد اختلف الناس في معنى ذلك وتأويله- أي:
في قوله: " فاقتادوا رواحلهم شيئَا ثم توضأ النبي- عليه السلام- " -
فقال بعضهم: إنما فعل ذلك لترتفع الشمس فلا تكون صلاتهم في الوقت
المنهي عن الصلاة فيه- وذلك أول ما تَبزغ الشمسُ- قالوا: والفوائت لا
تُقضى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ".
قلت: هذا مذهب أبي حنيفة؛ ولكن قوله: " حتى إذا ضربتهم
الشمس، يدل على أن الشمس قد ارتفعت كثيرا، فكيف يكون انتقالهم
من ذلك المنزل لارتفاع الشمس؟ ثم الصلاة لا تجوز عند طلوع الشمس
مطلقا سواء كانت فرضَا أو نفلا، أو وتراَ (3) أو سجدة تلاوة أداء وقضاء.
وقيل: يجوز النفل مع الكراهة، وكذا عند غروبها واستوائها؛ للحديث
المشهور. وقال مالك، والشافعي، وأحمد، والأوزاعي: تقضى
الفوائت في كل وقتِ نهي عن الصلاة فيه أو لم يُنه عنها.
__________
(1) يأتي في الحديث الآتي.
(2) معالم السن (1/118) .
(3) في الأصل: " أو ترا "
21* شرح منن أبي داوود 2

(2/321)


ثم اختلف أصحابنا في قدر الوقت الذي تباح فيه الصلاة بعد الطلوع.
قال في الأصل: حتى ترتفع قدر رمح أو رمحن. وقال أبو بكر محمد
ابن الفضل: مادام الإنسان يقدر على النظر إلى قرص الشمس، فالشمس
في الطلوع لا تباح فيه الصلاة، فإذا عجز عن النظر تباح. وقال
الفقيه أبو حَفص السَّفكَردري: يؤتى بطست ويوضع في أرض مستوية فما
دامت الشمس تقع في حيطانه، فهي في الًطلوع فلا تحل الصلاة، وإذا
وقعت في وَسطه فقد طلعت وحكت الصلاة.
قوله: " فأقام لهم الصلاة " فيه دليل على أن الفائتة يقام لها، وليس لها
أذان. وفي حديث أبي قتادة بعده إثبات الأذان للفائتة.
فإن قيل: كيف ترك الأذان في هذا الحديث؟ قلنا: لا يلزم من ترك
ذكره أنه لم يؤذن، فلعله أدّن وأهمله الراوي/أو لم يعلم به. وجواب
آخر: يجوز أن يكون تركه في هذه المرة لبيان جواز تركه، وإشارةَ إلى أنه
ليس بواجب محتم، ولا سيما في السفر.
قوله: " وصلى لهم الصبح " فيه: استحباب الجماعة في الفائتة.
قوله: " فليصلها إذا ذكرها " فيه دليل على وجوب قضاء الفائتة سواء
تركها بعذر كنوم ونسيان أم بغير عذر.
فإن قيل: الحديث مقيد بالنسيان؟ قلت: لخروجه على سَبَب؛ ولأنه
إذا وجب القضاء على المعذور فغيره أولى بالوجوب: وهو من باب التنبيه
بالأدنى على الأعلى. وقال الشيخ محيي الدين (1) : " وأما قوله- عليه
السلام- " فليصلها إذا ذكرها " فمحمول على الاستحباب؛ فإنه يجوز
تأخير قضاء الفائتة بعذر على الصحيح وقد بيّناه. وقد قال بعض أهل
الظاهر: إن الفائتة بغير عذر لا يجب قضاؤها؛ وهذا باطل ". وقال
الشيخ محيى الدين- أيضا- " وفيه دليل لقضاء السنن الراتبة ".
قلت: لا دليل فيه على ذلك؛ لأن قوله: " من نسي صلاةً " صلاة
الفرض بدلالة القرينة.
__________
(1) شرح صحيح مسلم (5/183) .

(2/322)


قوله: " أقم الصلاة للذكرَى " - بكسر الذال وسكون الكاف وفتح الراء-
وهي فعلَى مَصدر من ذكر يذكُر، وهكذا قرأ ابن شهاب لما نُبينه إن شاء
الله تعَالى. وأما القراءة المشهورة: " لذكري " - بكسر الراء وياء
الإضافة، والمعنى: لأوقات ذكري؛ وهي مواقيت الصلاة أو لذكر صلاتي،
وقيل: لأن أذكرك بالثناء، أو لذكري خاصةَ لا تراءي بها، ولا تسويها
بذكر غيري. وقيل: لذكري لأني ذكرتها في الكتب وأمرتُ بها.
" (1) فإن قيل: قد رُوِيَ عن النبي- عليه السلام- أنه قال: " تنام
عيناي ولا ينام قلبي " فكيف ذهب عنه الوقت ولم يشعُر به؟ قلنا:
الجواب عنه: أن ذلك خاص في أمر الحدث؛ لأن النائم قد يكون منه
الحدث وهو لا يشعر به، وليس كذلك رسول الله؛ فإن قلبه لا ينام حتى
لا يشعر بالحدث إذا كان منه. وجواب آخرُ: أن ذلك من أجل أنه يوحى
إليه في منامه، فلا ينبغي لقلبه أن ينام، فأما معرفة الوقت وإثبات رؤية
الشمس طالعة، فإن ذلك إنما يكون دركه ببصر العين دون القلب؛ فليس
فيه مخالفة للحديث الآخر " فافهم. والحديث: أخرجه مسلم،
والترمذي، وابن ماجه.
ص- قال يونس: وكان ابن شهاب يقرؤها كذلك. قال أحمد: قال
عنبسةُ- يعني: عن يونس في هذا الحديث: للذكرى (2) .
قال أحمد: الكَرَى: النعاسُ.
ش- أي: قال يونس بن يزيد الأيلي: وكان ابن شهاب الزهري يقرؤها
أي: يقرأ " الذكرى " كذلك أي: كما في الرواية على وزن فعلى
مصدرًا، كما ذكرناه.
قوله: " قال أحمد " أي: أحمد بن صالح: قال عنبسة: ابن خالد بن
يزيد الأيلي، عن يونس الأيلي.
418- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا أبان: نا معمر، عن الزهري،
__________
(1) انظر معالم السنن (1/119) .
(2) في سنن أبي داود: " لذكري ".

(2/323)


عنِ سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة في هذا الخبر قال: فقال رسول الله:
" تَحولوا عن مكَانكُم الذي أصَابَتكم فيه الغَفلَةُ ". قال: فأمَر بلالا فأذنَ وأقامَ
َ (1)
وصلى.
ش- أبان: ابن يزيد العطار، ومَعمر: ابن راشد.
قو له: " تحولوا " أي: انتقلوا.
قوله: " الغفلة " أي: النسيان. وهذه الرواية فيها الأذان. وقد ذكرنا
وجه تركه في الرواية الأولى.
ص- قال أبو داود: رواه مالك، وسفيان بن عيينة، والأوزاعي،
وعبد الرزاق، عن معمر، وابن إسحاق، لم يذكر أحد منهم الأذان في
حديث الزهري هذا، ولم يُسنده منهم أحدٌ إلا الأوزاعيّ وأبان العَطار، عن
معمر.
ش- أي: روى هذا الحديث مالك بن أنس، وابن عُيينة، وعبد الرحمن
الأوزاعي، وعبد الرزاق بن همام، عن معمر بن راشد، ومحمد بن
إسحاق.
وقد اختلفوا في الفوائت هل يؤذن لها أم لا؟ فقال أبو حنيفة:
أذن للأولى وأقام وكان مخيرا في الباقي إن شاء أذن وأقام، وإن شاء اقتصر
على الإقامة. وبه قال أحمد. واختلف قول الشافعي في ذلك؛ فأظهر
أقاويله: أن يُقام للفوائت ولا يؤذن لها. والأصح ما قال أبو حنيفة لرواية
أبي هريرة. وروى هذا الحديث- أيضا- هشام، عن الحسن، عن
عمران بن حصين/فذكر فيه الأذان (3) . ورواه أبو قتادة الأنصاري، عن
النبي- عليه السلام-، فذكر الأذان والإقامة (4) ؛ والزيادات إذا صحت
مقبولة، والعمل بها واجبٌ ".
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر معالم السنن (1/119)
(3) يأتي بعد ستة أحاديث.
(4) يأتي بعد حديث، وله روايات، ويأتي بعد سبعة أحاديث ذكر الأذان والإقامة
من حديث عمرو بن أمية الضمري، وذي مخبر الحبشي.

(2/324)


419- ص- نا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد، عن ثابت البناني، عن
عبد الله بن رباح الأنصاريّ قال: نا أبو قتادة، أن النبيَّ- عليه السلام- كان
في سَفر له، فمالَ رسولُ الله وملتُ معه. فقالَ: " انظُر " فقلتُ: هذا
راكب هًذانِ راكبان، هؤلاء ثَلاثة، حتى صرنا سبعة فقال: " احفظُوا عَلينا
صلاتَنا " - يعني: صَلاةَ الفجرِ- فضُرٍبَ عَلى آذانهم، فما أيقَظَهُم إلا حر
الشمسِ، فقامُوا فساروا هَنيّةً، ثم نَزلُوا فتوضأوَا، وأذن بلال، فصلُّوا
ركعَتي الفجرِ، ثم صلُوا الفجرَ ورَكبوا وقال (1) بعضُهم لبَعض: قد فرَّطنَا
في صلاتنَا، فقال رسولُ اللهِ: " إَنه لا تفريطَ في النوم: إنما التفريطُ في
اليقظَة؛ َ فإذا سَهَى أحدُكُم عن صلاة فليُصَلِّهَا حين يَذكُرُها، ومن الغد
للوقتِ (2) .ً
ش- حماد: ابن سلمة.
وعبد الله بن رَباح- بفتح الراء والباء الموحدة- أبو خالد الأنصاريّ
المدني. روى عن: أبيّ بن كعب. وسمِع: أبا قتادة الأنصاري،
وأبا هريرة، وعمران بن الحُصَين، وابن عمرو، وعائشة. روى عنه:
ثابت البناني، وقتادة، وأبو عمران الجَوني، وغيرهم. قال أحمد بن
عبد الله: بصريّ ثقة، قتل في ولاية زياد. روى له الجماعة إلا البخاريّ (3) .
وأبو قتادة: الحارث بن ربعي السَّلمي المدني.
قوله: " فمال " أي: عَرج عن الطريق.
قوله: " فضُرب على آذانهم " " (4) كلمة فصيحة من كلام العرب
معناه: إنه حُجب الصَّوت والحسّ عن أن تلجأ آذانهم فينتبهوا؛ ومن هذا:
قوده تعالى: (فَضَرَب عَلَى آذانهم في الكَهف سنين عَددًا) (5) فكأنها قد
ضُرب عليها حجابٌ ".
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقال " 0
(2) مسلم: كتاب المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة ... (683 /313) ،
النسائي: كتاب المواقيت، باب: إعادة من نام عن الصلاة لوقتها من الغد (1/ 295) ،
ابن ماجه: كتاب الصلاة، باب: من نام عن الصلاة أو نسيها (698) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3257) .
(4) انظر: معالم السنن (1/120) .
(5) سورة الكهف: (11) .

(2/325)


قوله: " هُنَيةً " أي: قليلا من الزمان؛ وهي تصغير هنة، ويقال: هُنَيهة
- أيضا-؛ وانتصابها على أنها صفة لمصدر محذوف أي: ساروا سيرًا
هُنَيةً.
قوله: " فصلوا ركعتي الفجر " المراد بها: سُنَّة الفجر؛ وبهذا استدل
أصحابنا أن سُنَّة الفجر إذا فاتت مع الفرض تُقضى بعد طلوع الشمس مع
الفرض، وأما إذا فاتت السُّنَّة وحدها فلا تقضى؛ خلافا لمحمد؛ فإنه
يقيسها على ما إذا فاتت مع الفرض. ولهما: أن الأصل في السنن أن لا
تقضى؛ ولكن سُنة الفجر إذا فاتت مع الفرض خُصت بهذا الحديث.
قوله: " قد فرطنا " أي: قصرنا.
قوله: " لا تفريط في النوم " أي: لا تقصير فيه؛ لأن النائم ليس بمكلف.
فإن قيل: إذا أتلف النائم برجله أو بيده أو غير ذلك من أعضائه شيئا
يجب ضمانه، قلنا: غرامة المتلفات لا يشترط لها التكليف بالإجماع،
حتى لو أتلف الصبي أو المجنون شيئا يجب ضمانه من مالهما.
قوله: " إنما التفريط في اليقظة " لوجود التقصير منه من غير عذر.
قوله: " فليصلها حين يذكرها " أي: حين يذكر تلك الصلاة؛ وقد
ذكرنا أن هذا القيد ليس للوجوب، حتى لو صلاها بعد ذلك يجوز ولا
يأثم.
قوله: " ومن الغد للوقت " أي: وليصل- أيضا- من الغد في
الوقت، فطاهر هذا الكلام: أن الفائتة يُصليها مرة حين ذكرها، ومرةً من
الغد في وقتها؛ بدليل قوله في الرواية الأُخرى: " فليقض معها
مثلها (1) "؛ ولكن هذا ليس بمراد، ولا هو قول أحدٍ، ولذلك قال
الخطابي (2) : " فلا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بها وجوبًا، ويُشبهُ أن
يكون الأمر به استحبابًا، لتُحرز (3) فضيلة الوقت في القضاء عند مصادفة
__________
(1) يأتي في الحديث الأتي.
(2) معالم السنن (1/ 120)
(3) في معالم السنن " ليحرز ".

(2/326)


الوقت ". ويقال: يحتمل أن يكون- عليه السلام- لم يرد إعادة الصلاة
المنسية حتى يصليها مرتين، وإنما أراد أن هذه الصلاة وإن انتقل وقتها
بالنسيان إلى وقت الذكر، فإنها باقية على وقتها فيما بعد مع الذكر، لئلا
يطن ظانّ أن وقتها قد تغير.
قلت: قوله: " فليقض معها مثلها " يدفع هذا الاحتمال، ويَعضد ما
قلناه. والحديث: أخرجه مسلم بنحوه أتم منه، وأخرج النسائي، وابن
ماجه طرفا منه.
420- ص- نا علي بن نصر: نا وهب بن جرير: نا الأسود بن شيبان:
نا خالد بن سُمَيرِ قال: قَدِمَ عَلَينا عبدُ الله بن ربَاحِ الأنصاريُّ من المدينةِ
- وكانت الأنصارُ/تفقهه- فحدَثنا قال: حَدثَّني أبو قتادةَ الأنصاريّ-
فارسُ رسولِ الله- قال: بَعَثَ رسولُ الله جيشَ الأمراء بهذه القصة قال:
فلم يُوقظنَا إلا الَشمسُ طالعةَ، فقُمنَا وَهِلِين لصلاتنَا، َ فقال النبيُ- عليه
السلام-: " رُوَيدًا رُوَيدَا " حتى إذا تعالَت اَلَشمسُ قالَ رسولُ اللهِ: " مَن كان
منكُم يركعُ ركعتي الفجرِ فليركَعهُما " فَقامَ من كان يركعُهُما ومن لم يكن
يركعُهُما فركَعَهُما، ثم أمر رسولُ اللهِ أن ينادَى بالصلاةِ، فنُوديَ بها، فقام
رسولُ اللهِ فصلَى بنا، فلما انصرفَ قال: " ألاَ إِنَا نحمَدُ اللهَ أنا لم نكن في
شَيء من أمورِ الدنيا تشغَلُنَا عن صلاتنا؛ ولكن أروَاحُنا كانت بيد الله،
فأرسَلَها أنَّى شَاءَ، فمَن أدركَ منكُم صَلاةَ الغَدَاة من غَد صالحَا، فلَيَقضَ
معها مِثلَهَا " (1)
.ً
ش- علي بن نصر: ابن علي بن نصر بن علي بن صهبان بن أبي،
أبو الحسن الأزدي الجَهضمي البصري الصغير، روى عن: وهب بن
جرير، وأبي داود الطيالسي، وعبد الله بن داود. روى عنه: أبو زرعة،
وأبو حاتم، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. وقال: ثقة.
مات سنة خمسين ومائتين في شعبان (2) .
__________
(1) النسائي في الكبرى، كتاب: المناقب 34/ 1.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4144) .

(2/327)


والأسود بن شيبان: السَدُوسي، أبو شيبان البصري، مَولى أنس بن
مالك. روى عن: الحسن، ويزيد بن عبد الله، وموسى بن أنس،
وخالد بن سُمَير وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، ووكيع، ووهب بن
جرير وغيرهم. قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث.
روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وخالد بن سُمَير: السَّدُوسي البصري. روى عَن: عبد الله بن عُمر
ابن الخطاب. وسمع: أنس بن مالك، وبشير بن نهيك، وعبد الله بن
رباح الأنصاري. روى عنه: الأسود بن شيبان. روى له: أبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (2) .
قوله: " قَدِمَ علينا " أي: في البصرة.
قوله: " تُفَقِّهه " - بالتشديد- أي: كانت الأنصار يَنسبُونه إلى الفقه،
ويجعلونه فقيها بينهم.
قوله: " بهذه القصّة " أي: حدث بهذه القصة؛ والمعنى: أنه ذكر هذه
القصة، ثم قال. " فلم يوقظنا إلا الشمسُ " وارتفاع الشمس بقوله:
" لم يوقظنا " و " طالعة " نصب على الحال من " الشمس ".
قوله: " وَهِلين " أي: فزعين، جمع وَهِل- بفتح الواو وكسر الهاء-
صفة مشبهة من وَهِل يُوهَل إذَا فزع لشيء يُصيبُه؛ وهو نصب على الحال
من الضمير الَّذي في قوله: " فقمنا ".
توله: " رويدًا رويدًا " اعلم أن " رُوَيدَ " من أسماء الأفعال؛ ومعناه:
امهل وتأنّ وهو تصغير " رَود " يقال: أروَدَ به إروادًا أي: رَفقَ، ويقال:
رُويدَ زيد، ورويدك زيدا، وهي فيه مصدر مضاف، وقد يكون صفةً
نحو: سارُوا سيرا رويدًا، وحالاَ نحو: ساروا رويدا، أي: مُرودين؛
وهو في هذه المواضع مُعرب، ويُبنى إذا كان اسما للفعل. وأما هاهنا:
__________
(1) المصدر السابق (3/502) .
(2) المصدر السابق (8/1620) .

(2/328)


فإنه وقع صفة، والمعنى: امهلوا امهالا رُويدًا، فلِذلك أُعرِبَ. وأمّا
التكرير فللتقرير والتأكيد.
فوله: " حتى إذا تعالت الشمسُ " يُريد استعلالها في السماء وارتفاعَها.،
إن كانت الرواية هكذا، وهو في سائر الروايات: " تعالت " ووزنه:
تفاعلت من العُلُو بمعنى: ارتفعت وظهرت.
قوله: " من كان منكم يركع ركعتي الفجر " أي: من كان منكم يُصلّي
سُنَّة الفجر فليركعهما: فليصليها أطلق الركوع على الصلاة من إطلاق
الجزء على الكل؛ وفي هذا الأمر دليل على أن قوله عليه السلام:
" فليصلها إذا ذكرها " ليس على معنى تضييق الوقت وحَصره بزمان الذكر،
حتى لا يَعدُوه بعَينه؛ ولكنه على أن يأتي بها على حسب الإمكان، بشرط
أن لا يُغفِلها، ولا يتشاغل عنها بغيرها.
قوله: " أن يُنادَى " - بفتح الدال- والنداء بالصلاة: الأذان.
قوله: " ألا إنا نحمد الله " ألا- بفتح الهمزة والتخفيف- وهي للتنبيه
هاهنا، فيدل على تحقق ما بَعدها؛ ويدخل على الجملتين نحو (ألا إنَّهُم
هُمُ السُّفَهَاءُ) (1) ، (ألاَ يَومَ يأتيهِم لَيسَ مَصروفًا عَنهُم) (2) ويستفادُ
/منها معنى التحقيق من جهة كوَنها مركبةً من " الهمزة " و " لاَ "؛
وهمزةُ الاستفهام إذا دخلت على النفي أفادَت التحقيق نحو (أليس ذَلكَ
بقَادر عَلَى أن يُحييَ المَوتَى) (3) . وقال الزمخشري: ولهذا لا تكادُ تَقعُ
اَلجمعة بعدها إلاَ مُصَدّرة بنحو ما يُتلقّى به القسمُ نحو (ألا إِنَّ أوليَاءَ
اللهِ) (4) وهاهنا كذلك وقع بعدها قوله: " إنا نحمد الله " بكسر الهمزةَ.
قوله: " أنا لم نكن " - بفتح الهمزة؛ والمعنى: نحمدُ الله على أنا لم
نكن، وهو في الواقع بمَعنى المصدر، والتقدير: نحمدُ الله على عدم
كوننا في شيء من أمور الدنيا.
__________
(1) سورة البقرة: (13) .
(2) سورة هود: (8) .
(3) سورة القيامة: (40) .
(4) سورة يونس: (62) .

(2/329)


قوله: " تشغلنا " صفة للأمور.
قوله: " ولكن أرواحنا " بسكون النون، وضم الحاء؛ وهي كلمة
استدراك، وهو أن يُنسب لما بعدها حكم مُخالف لحكم ما قبلها،
والمُشدّدة تنصب الاسم وترفع الخبر، والمخففة لا تعمل شيئاًَ؛ بل هي
حرف ابتداء لمجرد إفادة الاستدراك. والأرواح: جمع رُوح؛ وهو يُذكر
ويؤنث؛ وهو جوهر لطيف نُوراني يكدرهُ الغذاء والأشياء الردية الدنية،
مُدرك للجزئيات والكليات، حاصل في البدن، متصرفٌ فيه، غني عن
الاغتذاء، بريء عن التحلل والنماء؛ ولهذا يبقى بعد فنَاء البدن؛ إذ
ليست له حاجة إلى البدن، ومثل هذا الجوهر لا يكون من عالم العُنصر؛
بل من عالم الملكوت؛ فمن شأنه أن لا يضره خللُ البدن، ويلتذ بما
يلائمُه، ويتألم بما يُنافيه؛ والدليل على ذلك: قوله تعالى: (وَلا
تَحسَبَنَ الَّذينَ قُتلُوا فِي سَبيلِ الله أموَاتًا بَل أحيَاء) الآية (1) ، وقوله- عليه
السلام-َ: " إَذا وُضع اَلميت عَلى نعشه رفرف روحه فوق نعشه ويقول:
يا أهلي ويا ولدي ".
فإن قيل: كيف تفسر الروح وقد قال تعالى: (قُلِ الرُوحُ مِن أمرِ
رَبي) (2) ؟ قلت: مَعناه في الإبداعات الكائنة بكُن من غير مادة:،
وتولد من أصلٍ، على أن السؤال كان من قدمه وحدوثه، وليس فيه ما
ينافي جواز تفسيره. وأيضاً: إن أمر الروح كان مُبهما في التوراة فقالت
اليهود: نسأله عن أصحاب الكهف (3) وعن ذي القرنين وعن الروح،
فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبيّ، وإن أجاب عن بعض وسكت عن
بعض فهو نبيّ؛ فبَيّن لهم القِصتين، وأبهم الرُوحَ حتى لا يطعنوا في
نُبوّته، وأشار تعالى بقوله: (وَمَا أوتِيتُم مّنَ العلم إلاَّ قَليلاً) (4) إلى أن
الروح لا يمكن معرفة ذاته إلا بعوارض تمَيّزُه عمَا يَلَتبسُ، فلذلك اقتصر
__________
(1) سورة آل عمران: (169) .
(2) سورة الإسراء: (85) .
(3) في الأصل: " الكفهف ".
(4) سورة الإسراء: (85) .

(2/330)


على هذا الجواب بقوله: (قُل الرُّوحُ مِن أمرِ ربِّي) كما اقتصر مُوسى في
جواب (وَمَا رَبُّ العَالَمينَ) (1) بذكر بعض صفاته؛ على أن المفسرين
قد اختلفوا في الروح فيَ الآية؛ فعن ابن عباس: إنه جبريل، وعنه:
جندٌ من جنود الله، لهم أيدي وأرجل يأكلون الطعام، وعن الحسن:
القراَن، وعن علي: ملك له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف
لسان، يُسبح الله بجميع ذلك، فيخلق الله تعالى بكل تسبيحة ملكًا،
وقيل: عيسى- عليه السلام-، وعن عطية: روح الحيوان، وهو
للآدميين والملائكة والشياطين.
قوله: " فأرسلها أنى شَاءَ " أي: متى شاء. واعلم أنَّ " أنى " تجيء
بمعنى " كيف "، وبمعنى " متى "، وبمعنى الاستفهام، وبمعنى الشرط
نحو: (فَأتُوا حَرثَكُم أنى شِئتُم) (2) وأنَى القتال؟ و (أنَّى لَك
هَذَا) (3) وأنى تخرج أخرج. ثم إن الله تعالى أخبر في قوله: (اللهُ
يَتَوَفَّى الأنفُسَ (4) حينَ مَوتهَا) الآية (5) ، أنه يتوفى نفس النائم عند
المنام، ثم يُرسلها عنَد اليقظَة، ويتوفى نفس الميّت فيُمسكها عنده.
والتوفي هو مثل الاستيفاء، يُقال: توفيت العدد واستوفيته بمعنى واحد.
والحاصل في معنى الحديث: أنه- عليه السلام- يُبدي عُذره وعذر
أصحابه حين ناموا عن صلاة الصبح بقوله: " لكن أرواحنا كانت بيد الله "
يعني: في قدرته وتصرفه (6) ، إن أراد أرسلها إلى الأجساد بعد النوم،
وإن أراد يُمسكها عنده، وإذا أرسلها يُرسلها- أيضا- على قدر ما يتعلق
به إرادته من الوقت إن أراد يُعجل بالإرسال به وإن أراد يُبطئ
__________
(1) سورة الشعراء: (23) .
(2) سورة البقرة: (223) .
(3) سورة آل عمران: (37) .
(4) في الأصل: " الأنس ".
(5) سورة الزمر: (42) .
(6) بل وصف الله نفسه بأن له يدَا على الحقيقة، قال تعالى: (بل يداه
مبسوطتان) اعتقاد أهل السُنَة والجماعة، (ليس كمثله شيء وهو السميع
البصير) وانظر: العقيدة الواسطية

(2/331)


بالإرسال به، وله القدرة/الكاملة والتصرف في جميع الأشياء، وليس
لمخلوق في ذلك اشتراك وقدرة.
قوله: " فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحا، فليقض معها
مثلها " أي: مع صلاة الغداة، وفي رواية: " فليصل معها مثلها " وهذا
تصريح- أيضا- أن الفائتة يُصليها مرتين؛ مرةً حين ذكرها، ومَرةً من
الغد في وقتها- كما قلنا في الحديث المتقدم، وجوابُه ما ذكرنا.
و" (1) قال البيهقي في كتاب " المعرفة ": وقد رواه خالد بن سُمَير،
عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، وفيه: فقال النبي- عليه
السلام-: " فمن أدركته هذه الصلاة من غد فليُصل معها مثلها " هكذا
أخرجه أبو داود في " سننه " ولم يتابع خالداً على هذه الرواية نفسُه (2) ،
وإنما اللفظ الصحيح فيه: " فإذا كان من الغد فليصلها عند وقتها " كما
رواه مسلم؛ ولكن حمله خالد على الوهم، وفي " الإمام ": الوهم فيه
للراوي، عن خالد، وهو: الأسود بن شيبان ".
421- ص- نا عَمرو بن عون: أنا خالد، عن حصين، عن ابن أبي قتادة
عن أبي قتادة في هذا الخبر قال: فقال: " إن اللهَ تبارك وتعالى قَبَضَ
أرواحَكُم حيثُ شَاءَ، ورها حيثُ شَاءَ، قُم فأذِّن بالصلاة " فقَامُوا فَتَطَهَرُوا،
حتى إذا ارتفعتِ الشمسُ، قامَ النبيُّ- عليه السلام- فصلًّى بالناسِ (3) .
ش- عمرو بن عون: الواسطي البزاز، وخالد: ابن عبد الله
الواسطي الطحان، وحُصَين بن عبد الرحمن (4) الكوفي. واسم ابن
أبي قتادة: عبدُ الله بن الحارث بن ربعي؛ وقد ذكرناه.
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/158) .
(2) في نصب الراية: ولم يتابع خالد على هذه الرواية معه "
(3) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: الأذان بعد ذهاب الوقت (595) ،
النسائي: كتاب الإمامة، باب: الجماعة للفالت من الصلاة (2/106) .
(4) في الأصل: " حصين بن خالد الرحمن ".

(2/332)


قوله: " قال: فقال " أي: قال أبو قتادة: قال النبي- عليه السلام-.
قوله: " تبارك وتعالى " معنى تبارك: تكاثر خيرُه؛ من البركة وهي كثرة
الخير، أو نزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله؛ فإن البركة
تتضمن معنى الزيادة، وقيل: دام؛ من بروك الطائر على الماء، ومنه:
البركة لدوام الماء فيها، وهو لا ينصرف فيه ولا يُستعمل إلا لله تعالى.
ومعنى " تعالى ": عَظُم شأنه؛ من العُلُو، وقيل: جَلّ عن إفك
المفترين، وعلا شأنه، وقيل: جلّ عن كل وصف وثناءٍ.
قوله: " حَيث شاء " اعلم أن " حيث " للمكان اتفاقا، قال الأخفش:
وقد ترد للزمان؛ وهاهنا بمعنى الزمان، والغالبُ كونها في محل نصب
على الظرفية، أو خفض بـ " من "، ولغة طيّء: " حَوثُ " بالواو
موضع الياء. ويجوز بالضم والفتح فيهما، وحكى الكسائي: " حيثِ "
- بالكسرِ، وقد يجيء للتقليل، وإذا اتصل به " ما " يصير للمحازاة.
قوله: " فتطهروا " التطهر أعم من الوضوء والاغتسال.
422- ص- نا هناد: نا عَبثر، عن حُصَين، عن عبد الله بن أبي قتادة،
عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- بمعناه قال: فتَوضئوا حين ارتَفَعت
الشمسُ، فَصلَى بِهِم (1) .
ش- هناد: ابن السري الكوفي.
وعَبثر: ابن القاسم، أبو زُبيد الزُّبَيدي الكوفي. روى عن:
أبي إسحاق الشيباني، والأعمش، وحُصَين بن عبد الرحمن، والثوري
وغيرهم. روى عنه: عمرو بن عون، ويحيى بن اَدم، وعبد الله
الأشجعي وغيرهم. قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق.
مات سنة ثمان وسبعين ومائة. روى له الجماعة (2) . وعَبثر: بفتح العين
المهملة، وسكون الباء، وفتح الثاء المثلثة.
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3150) .

(2/333)


قوله: " بمعناه " أي: بمعنى الحديث المذكور. وأخرج البخاري
والنسائي طرفًا منه.
423- ص- نا العباس العنبري: نا سليمان بن داود: نا سليمان- يعني:
ابن المغيرة-، عن ثابت، عن عبد الله بن رباع، عن أبي قتادة قال: قال
رسول الله- عليه السلام-: " لَيسَ في (1) النوم تفريط؛ إنما التفريطُ في
اليَقَظةِ: أن تُؤَخر صَلاةَ حتى يَدخُلَ وقتُ أخرى (2) .
ش- العباس: ابن عبد العظيم العنبري البصري، وسليمان بن داود
الطيالسي البصري.
وسليمان: ابن المغيرة، أبو سعيد القَيسي البصري. سمع: الحسن
البصري، وابن سيرين، وثابتًا البناني، وحميد بن هلال، وسعيد بن
إياس الجريري. روى عنه: الثوري، وشعبة، وأبو داود الطيالسي
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة ثقة. وقال أحمد بن حنبل: ثبت ثبت.
روى له الجماعة؛ روى له البخاري حديثا واحدًا (3) .
قو له: " تفريط " أي: تقصير.
قوله: " في اليقَظة " /بفتح القاف؛ وهو اسم من أيقظته من نومه أي:
نبهتُه فتيقظ واستيقظ فهو يَقظانُ، والاستيقاظ: الانتباه من النوم؛ وقد
غلط التهامي في قوله: " والمنية يقظة ".
قوله: " أن تؤخر " - بفتح الهمزة- بدل من قوله: " إنما التفريط "،
ويجوز أن يكون التقدير: إنما التفريط بأن تؤخر، و " أن " مصدرية أي:
__________
(1) سقطت كلمة " في " من سنن أبي داود.
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب
تعجيل قضائها 311- (681) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في
النوم عن الصلاة 177، النسائي: كتاب المواقيت، باب: فيمن نام عن
صلاة (1/294) .
(3) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (12/2567) .

(2/334)


تأخيرُه صلاةً " حتى يدخل وقت أخرى " أي: صلاة أخرى؛ وذلك بأن
تركها عامدا كسلا وتهاونا، حتى دخل وقت صلاة أخرى فإنه ح (1)
يكون مُفرَطا فيلام عليه. وأخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي بنحوه.
424- ص- نا محمد بن كثير: أنا همامِ، عن قتادة، عن أنس بن مالك،
أن النبي- عليه السلام- قال: " مَن نَسي صلاةً فليُصَفَها إذا ذَكَرَها، لا
كَفَّارةَ لها إلا ذلكَ " (2) .
ش- محمد بن كثير: العَبدي البصري، وهمام: ابن يحيى العَوذي
البصري، وقتادة: ابن دعامة.
قوله: " لا كفارة لها إلا ذلك " معناه: لا يجزئه إلا الصلاة مثلها، ولا
يلزمه مع ذلك شيء آخرُ مثل كفارة من صدقة ونحوها، وقيل: لا
يكفرها إلا قضاؤها، ولا يجوز تركها إلى بدل آخر.
وقوله: " ذلك " إشارة إلى القضاء الذي يدل عليه قوله: " فليصلها إذا
ذكرها "؛ لأن الصلاة عند الذكر هو القضاء. وفيه دليل على أن أحدا لا
يُصلِّي عن أحد؛ وهو حجة على الشافعي. وفيه دليل- أيضا- أن
الصلاة لا تجبر بالمال كما يُجبر الصومُ وغيره، اللهم إلا إذا كانت عليه
صلوات فائتة فحضره الموت، فأوصى بالفدية عنها، فإنه يجوز كما بُين
في الفروع.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه.
__________
(1) أي: " حينئذ ".
(2) البخاري: كتَاب مواقيت الصلاة، باب: من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها،
ولا يعيد إلا تلك الصلاة (597) ، مسلم: كتاب المواقيت، باب: قضاء
الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها 314- (684) ، الترمذي: كتاب
الصلاة، باب: ما جاء في الرجل ينسى الصلاة (178) ، النسائي: كتاب
المواقيت، باب: فيمن نسي صلاة (1/292) ، ابن ماجه: كتاب الصلاة،
باب: من نام عن الصلاة (696) .

(2/335)


425- ص- نا وهب بن بقية، عن خالد، عن يونس، عن الحسن، عن
عمران بن حُصَين: أن رسولَ الله كان في مَسيرِ له، فنَامُوا عن صَلاة الفَجرِ،
فاستيقَظُوا بحرِّ الشمسِ، فارتَفًعُوا قليلاً حَتى استَقَلَتِ الشمسُ، ثم أمر
مُؤَذنا فأذَّنَ، وصَلَّى (1) ركعتين قبلَ الفجرِ، ثم أقامَ، ثم صَلَّى الفَجرَ (2) .
ش- وهب بن بقية: الواسطي، وخالد: ابن عبد الله الواسطي،
ويونس: ابن عُبَيد البصري، والحسن: البصري، وعمران بن الحصين
ابن عُبيد بن خلف الخزاعي، أبو نجيد، أسلم أبو هريرة وعمران بن
الحصين عام خيبر، رُوِيَ له عن رسول الله مائة حديث وثمانون حديثا؛
اتفقا منها على ثمانية أحاديث، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بتسعة.
روى عنه: أبو رجاء العطاردي، ومطرف بن عبد الله، وزرارة بن أوفى،
والشعبي، وابن سيرين، والحسن البصري، وجماعة آخرون. روى له
الجماعة. توفي بالبصرة سنة اثنتين وخمسين (3) .
قوله: " في مَسير له " المسير: مصدر ميميّ؛ يقال: سار يَسيرُ سَيرا
ومَسِيرا وتَسيارًا.
قوله: " حتى استقلَّت الشمس " أي: ارتفعت وتعالت.
قوله: " وصلى ركعتين " أي: سنة الفجر؛ وفسّره بقوله: " قبل
الفجر " أي: الركعتين اللتين تُصليان قبل صلاة الفجر.
قوله: " ثم صلى الفجر " أي: صلاة الفجر. وقد أخرج البخاري،
ومسلم حديث عمران بن حُصَين مطولا من رواية أبي رجاء العطاردي،
عن عمران؛ وليس فيه ذكر الأذان والإقامة. وذكر علي بن المديني،
وأبو حاتم الرازي وغيرهما أن الحسن لم يسمع من عمران بن الحصين.
__________
(1) في سنن أبي داود: " فصلى ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/22) ، أسد الغابة (4/281) ،
الإصابة (3/26) .

(2/336)


قلتُ: رواه أحمد- أيضا- في " مسنده " (1) وابن حبان في
" صحيحه " بزيادة فيه، ورواه الحاكم في " المستدرك " (2) وقال: حديث
صحيح على ما قدمنا من صحة سماع الحسن من عمران.
426- ص- نا عباس العنبري ح ونا أحمد بن صالح- وهذا لفظ
عباس/- أن عبد الله بن يزيد حدثهم، عن حيوة بن شريح، عن عياش بن
عباس، أن كُلَيب بن صبح حدثه (3) أن الزبرِقانَ حدثه، عن عمّه: عمرو
ابن أمية الضَمري قال: كُنا مع رسول الله في بَعض أسفاره، فنامَ عن الصبحِ
حتى طلعتِ الشمسُ، فاستيقَظَ رسوَلُ الَله فقال: " تَنَحُّوا عن هذا المَكانِ ".
قال: ثم أمَرَ بلالا فأذَّنَ، ثم توضئوا، وصًلُّوا رَكعتي الفجرِ، ثم أمرَ بلالا
فأقامَ الصلاةَ، فصلّى بهم صَلاةَ الصُّبحِ (4) /.
ش- عبد الله بن يزيد: القرشي العَدوي، مولى آل عمر بن الخطاب،
أبو عبد الرحمن المقرئ، أصله من ناحية البصرة، وقيل: من ناحية
الأهواز، سكن الأهواز. سمع: كهمس بن الحسن، وحيوة بن
شريح، وعبد الله بن لهيعة وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل،
وعبد الرحمن- دُحَيم-، ونصر بن علي، والبخاري، وجماعة آخرون.
قال أبو حاتم: صدوق. وقال الخليل بن عبد الله: هو ثقة، مات بمكة
سنة ثلاث عشرة ومائتين. روى له الجماعة (5) .
وحيوة بن شُريح، أبو زرعة المصري. وعياش بن عباس- بالياء آخر
الحروف في الأول وبالباء الموحدة في الثاني- القِتباني المصري.
وكليب بن صُبح: الأصبحي المصري. روى عن: عقبة بن عامر
__________
(1) (4/441، 444) .
(2) (1/274) .
(3) في سنن أبي داود: " حدثهم ".
(4) تفرد به أبو داود.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3666) .
22* شرح سنن أبي داوود 2

(2/337)


الجهني، والزبرِقان. روى عنه: عياش بن عباس، وجعفر بن ربيعة.
قال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود (1) .
والزبرقان: ابن عَبد الله بن أمية الضَمري، وعمّه: عمرو بن أميّة:
ابن خويلد بن عبد الله الضَّمري. رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام-
عشرون حديثا؛ اتفقا على حديث واحد، وللبخاري حديث. روى عنه:
ابناه: عبد الله، وجَعفر، وابن أخيه: الزبرقان بن عبد الله، له دار
بالمدينة وبها مات في زمن معاوية. روى له الجماعة (2) .
قوله: " تنحوا عن هذا المكان " قد قلنا: إن انتقالهم عن المكان الذي
ناموا فيه إما لأن ترتفع الشمس جدا لتحل الصلاة، وإما لقوله: " فإن
هذا منزل حضرنا فيه الشيطان " وفيه الأذان والإقامة- أيضا- وهو حجة
على الشافعي.
427- ص- نا إبراهيم بن الحسن: نا حجاج- يعني: ابن محمد-:
ثنا حَرِيز ح ونا عُبَيد بن أبي الوزَر (3) : نا مُبَشّر: نا حَرِيز بن عثمان قال:
حدثني يَزيد بن صبح (4) ، عن ذي مخبر الحَبَشِيّ- وكان يخدمُ النبيَّ
- عليه السلام- في هذا الخبر قال: فتوضأ- يعني: النبيَّ- عليه السلام-
وُضوءًا لم يَلُثَّ منه الترابُ. قال: ثم أمَرَ بلالا فأذَّنَ، ثم قامَ النبيُّ- عليه
السلام- فركع ركعتين غيرَ عجل (5) ، ثم قال لبلال: " أقِم الصلاةَ " ثم
صلى (6) وهو غَيرُ عجِلٍ (7) .
__________
ً
(1) المصدر السابق (24/4992) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/497) ، أسد الغابة
(4/193) ، الإصابة (2/524) .
(3) في سنن أبي داود " الوزير " وكلاهما محكي فيه.
(4) كذا، وإنما حكي فيه في تهذيب الكمال " صالح، وصليح، وصبيح " فقط،
وسيحكي المصنف بعد قليل فيه " ابن صلح " ووقع في سنن أبي داود
" صالح ".
(5) في سنن أبي داود: " وهو غير عجل ".
(6) في سنن أبي داود: " ثم صلى الفرض ".
(7) تفرد به أبو داود.

(2/338)


ش- إبراهيم بن الحسن: العَبشمِي البَصري، وحجاج: ابن محمد
الأعور، وحَرِيز: ابن عثمان الحمصي الشامي. وعُبَيد بن أبي الوَزَر،
ويُقال: عُبيد الله الحلبي. روى عن: مبشر بن إسماعيل. روى عنه:
أبو داود (1) .
ومُبشر بن إسماعيل الحلبي الكَلبي.
ويزيد (2) بن صبح الأصبحي المصري. روى عن: عقبة بن عامر،
وجنادة بن أبي أميّة. وروى عنه: مَعروف بن سويد، والحسن بن ثوبان،
وعمرو بن الحارث وغيرهم. روى له: أبو داود.
وذ [و] مخبر. وقيل: ذو مخمر: ابن أخي النجاشي، خادم رسول
الله، وكان الأوزاعي يأبى في اسمه إلا ذ [و] مخمر- بالميم-، لا
يرى غير ذلك. روى عنه: جُبير بن نفير، وخالد بن مَعدان، ويحيى
ابن أبي عمرو الشيباني، وأبو حي المؤذن، والعبّاس بن عبد الرحمن،
وأبو الزاهريّة حدير بن كُرَيب (3) وعَمرو بن عبد الله الحضرمي. روى
له: أبو داود (4) .
قوله: " في هذا الخبر " متعلّق بقوله: " حدثني يزيد بن صبح ".
وقوله: " وكان يخدمُ النبي " معترض بَينهما.
قوله: " لم يَلُث منه الترابُ " - بفتح الياء، وضم اللام- ورفع التراب
بمعنى: لم يَتلوث من وضوئه الترابُ، وفي رواية- بضم الياء، وكسر
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3693) .
(2) كذا ترجم المصنف لراوٍ آخر، وأما راوي الحديث فهو يزيد بن صبيح الرحبي
الحمصي، وهو مترجم في تهذيب الكمال (32/7005) ، وأما الذي ترجمه
المصنف فهو يقع في الترجمة التي تليها.
(3) في الأصل: " وأبو الزاهرية وحدير " خطأ، وإنما هما واحد.
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/483) ، أسد الغابة
(2/178) ، الإصابة (1/481) .

(2/339)


اللام ونَصب التراب- بمعنى: لم يخلط منه الترابَ. وضبط ابن دُحيم
بخَطّه عن أحمد بن حَزم: " لم يَلُث " بفتح الياء، وضم اللام، وبالثاء
المثلثة؛ من لاث يلوث لوثا من الالتياث وهو الاختلاط؛ وفيه يُرفع
الترابُ- أيضا- على الفاعلية. وفي رواية: " لم يَلث " - بفتح الياء
وسكون اللام وبالثاء المثلثة- من لثِي يَلثى- بالكسر- يَلثى لَثى أي:
نَديَ، وهذا ثوبٌ لَث على فعل إذا ابتلَ من العرق. وفي رواية: " لم
يُلث " - بضم الياء- من ألثى يُلثي إلثاء، إفعال من الثلاثي المذكور.
وهذا يُشعرُ أن الماء كان قليلا؛ ولا سيَّما إذا كان الوقت حارا، والأرض
حارةً.
قوله: " غير عجل " نصب على الحال من الضمير الذي في " فركع ".
والعجل: بفتح العين وكسر الجيم؛ يُقال: رجل عجل- بكسر الجيم-
وعجل- بضم الجيم- وعجول، وعجلان؛ كلها صفات مشبهة معناها:
بَيّن العجلة، من عَجِلَ يَعجَلُ من باب علم يعلم. وفيه حجة- أيضا-
لأبي حنيفة على الشافعي، فافهم.
ص- قال/عن حجاجِ، عن يزيد بن صُلَيح قال: حدثني ذو مخبر-
رجل من الحبشة. وقال عُبيد: يَزيد بن صُلح.
ش- أي: قال إبراهيم بن الحسن، عن حجاج الأعور: عن يَزيد بن
صُلَيح الرَحَبي الحمصي- بضم الصاد وفتح اللام وسكون الياء. وقال
عُبيد بن أبي الوزر: يَزيد بن صُلح- بضم الصاد وسكون اللام. وفي
" الكمال ": يزيد بن صالح؛ وفي أصل المصنف: " صُليح " - مُصغرا.
428- ص- نا مؤمل بن الفضل: نا الوليد بن [مسلم] ، عن حَريز،
عن يزيد بن صُليح، عن ذي مخبر ابن أخي النجاشي- في هذا الخبر- قال:
فأذَنَ وهو غيرُ عَجِلٍ (1) .
ش- مؤمل بن الفضل (2) : الحراني، والوليد بن مسلم الدمشقي.
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) في الأصل " المفضل " خطأ.

(2/340)


قوله: وهو غير عجل " جملة وقعت حالا عن الضمير الذي في " أذّن ".
429- ص- نا ابن المثنى: نا محمد بن جعفر: نا شعبة، عن جامع بن
شداد قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي علقمة قال: سمعت. عبد الله بن
مَسعود قال: أقبلنَا معَ رسول اللهَ- عليه السلام- من (1) الحديبية، فقال
النبيُّ- عليه السلام-: " مَن يَكلَؤُنَا؟ " فقال بلالٌ: أنا، فَنَامُوا حتى طلعت
الشمسُ، فاستيقَظَ النبيُ- عليه السلام- فقال: " افعَلُوا كما كُنتم تَفعلونَ ".
قال: ففعَلنَا، قال: " فكذلكَ فافعَلُوا لِمن نَامَ أو نَسِيَ " (2) .
ش- محمد: ابن المثنى، ومحمد بن جعفر المعروف بغندر، َ وجامع
ابن شداد: المحاربي الكوفي، وعبد الرحمن بن أبي علقمة، ويقال:
ابن علقمة الثقفي، قيل: له صُحبة، ذعر في الصحابة، وقال
أبو حاتم: ليست له صحبة.
قوله: " من الحُدَيبية " وفي بعض النسخ الصحيحة: " زمن الحُديبية "
والحُديبيَة: قرية قريبةٌ من مكة؛ سُمّيت ببئر هناك؛ وهي مخففة، وكثير
من الحدثين يشدِّدونها.
قوله: " مَن يكلؤنا " أي: من يَحرسنا، من كلأ يكلأ كِلاءةً؛ وقد مر
مرةً.
قوله: " أنا " أي: أنَا كلؤكم.
قوله: " كما كنتم تفعلون " من الطهارة والأذان والإقامة والصلاة.
قوله: " فكذلك " أي: مثل ما فعلتم افعلوا " لمن نام عن صلاة أو نسيها "
من غيركم؛ بمعنى: مُرُوهُم بذلك أو عَلِّموهُم. وروى البَيهقي بنحوه (3) .
***
11- بَاب: في بناء المَسجد
أي: هذا باب في بيان بناء المسجد. وَفي بعض النُّسخ: " باب ما
__________
(1) في سنن أبي داود: " زمن "، وهي نسخة كما سيذكر المصنف.
(2) النسائي في الكبرى: كتاب السير.
(3) أخرجه البيهقي في كتاب " الأسماء والصفات " (ص/109) .

(2/341)


جاء في بناء المَسجد "؛ المَسجد في اللغة: موضع السجود؛ وفي
العُرف: البقعة المشهورة.
430- ص-[حدثنا] محمد بن الصباح بن سفيان: أنا سفيان بن عُيينة،
عن سفيان الثوري، عن أبي فِزارة، عن يزيد بن الأصم، عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أمرت بتَشييد المَسَاجد ". قال ابن عباس: لَتُزخرفُنَّها
كما زَخرَفَتِ اليهودُ والنصارى (1) .
ش- أبو فزارة: راشد بن كيسان الكوفي.
ويزيد بن الأصم؛ واسم الأصم: عَمرو، ويقال: عبد عمرو- بن
عُدَس بن مُعاوية بن عبادة، أبو عوف الكوفي، سكن الرقة، وهو ابن
أخت ميمونة زوج النبي- عليه السلام-، وابن خالة ابن عباس، وقيل:
إن له رواية عن (2) النبي- عليه السلام-. روى عن: سعد بن
أبي وقاص. وسمع: ابن عباس، وأبا هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان،
وعوف بن مالك، وخالته: ميمونة، وعائشة، وأم الدرداء، روى عنه:
ابنا أخيه: عبد الله وعبيد الله ابنا عبد الله، وميمون بن مهران، وجعفر
ابن برقان، وأبو فزارة، وغيرهم. قال أبو زرعة، وأحمد بن عبد الله:
هو ثقة. مات سنة ثلاث ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري (3) .
قوله: " بتشييد المساجد " التشييد من شيد يُشيد، رفع البناء وتطويله،
ومنه (بُرُوجٍ مشَيََّدة) (4) وهي التي طوّل بناؤها.
قوله: " لتزخرفنها " - بضم الفاء وتشديد النون- أي: لَتُزيننّها؛
وأصل الزخرف: الذهب، يُريد تمويه المساجد بالذهب ونحوه، ومنه
قولهم: زخرف الرجل كلامَه إذا موّهه وزيّنه بالباطل؛ والمعنى: أن
اليهود والنصارى إنما زخرفوا المساجد عندما حرّفوا وبذلوا، وتركوا العمل
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " من ".
(3) انظر ترجمته في: أسد الغابة (5/477) ، الإصابة (3/672) .
(4) سورة النساء: (78) .

(2/342)


بما في كتبهم، يقول: فأنتم تصيرون إلى مثل حالهم إذا طلبتم الدنيا
بالدين، وتركتم الإخلاص في العمل، وصار أمركم إلى المراءاة
بالمساجد، والمباهاة بتشييدها وتزيينها. وبهذا استدل/أصحابنا على أن
نقش المسجد وتزيينه مكروه. وقول بعض أصحابنا: ولا بأس بنقش
المسجد معناه: تركه أولى، ولا يحوز من مال الوقف، ويغرم الذي
يُخرجه سواء [كان] ناظرا أو غيره.
فإن قيل: ما وجه الكراهة إذا كان من نفس ماله؟ قلت: إما إشغال
المصلي به، أو إخراج المال في غير وجهه.
431- ص- نا محمد بن عبد الله الخزاعي: نا حماد بن سلمة، عن
أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، وقتادة، عن أنس، أن النبي- عليه
السلام- قال: " لا تَقُومُ الساعةُ حتى يَتبَاهَى الناسُ في المَسَاجدِ " (1) .
ش- أيوب: السختياني. وأبو قلابة: عبد الله بن زيد الجرمي
البصري.
قوله: " حتى يتباهى " أي: حتى يتفاخر الناس؛ من المباهاة، وهي
المفاخرة؛ والمعنى: أنهم يزخرفون المساجد ويزينونها ثم يقعدون فيها
ويتمارون ويتباهون، ولا يشتغلون بالذكر، وقراءة القرآن والصلاة.
والحديث: أخرجه النسائي وابن ماجه.
432- ص- نا رجاء بن المرجَّى: نا أبو همام: نا سعيد بن السائب، عن
محمد بن عبد الله بن عياض، عن عثمان بن أبي العاص، أن النبيَّ- عليه
السلام- أمَرَهُ أن يَجعلَ مَسجدَ الطَائِفِ حيثُ كان طواغيتهم (2) (3) .
__________
(1) النسائي: كتاب المساجد، باب: المباهاة في المساجد (2/31) ، ابن ماجه:
كتاب المساجد والجماعات، باب: تشييد المساجد (739) .
(2) في سنن أبي داود: " طواغيتهم ".
(3) ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: أين يجوز بناء المساجد (743) .

(2/343)


ش- رجاء بن المرجى- بضم الميم وسكون الراء (1) - بن رافع،
أبو محمد أو أبو أحمد الحافظ المروزي. ويقال: السمرقندي، وهو ابن
أبي رجاء، سكن بغداد. سمع: شاذان بن عثمان، والنضر بن شميل،
والفضل بن دكين وغيرهم. روى عنه: أبو حاتم الرازي، وأبو بكر بن
أبي الدنيا، وأبو داود، وابن ماجه. قال أبو حاتم: صدوق، وقال
الخطيب: كان ثقةً ثبتًا إماما في علم الحديث وحفظه والمعرفة به. مات
ببغداد غرة جمادى الأولى سنة تسع وأربعين ومائتين (2) .
وأبو همام: محمد بن محبب- بالحاء المهملة- الدلال البصري،
صاحب الرقيق. سمع: الثوري، وإبراهيم بن طهمان، وهشام بن
سَعد، وسعيد بن السائب وغيرهم. روى عنه: ابن بشائر، وابن المثنى،
والبخاريّ، وأبو داود، وابن ماجه. قال أبو حاتم: صالح صدوق
ثقة (3) .
وسعيد بن السائب الطائفي. روى عن: أبيه، ونوح بن صعصعة.
روى عنه: مَعن بن عيسى، ووكيع، وشعيب بن حَرب وغيرهم. قال
ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) .
ومحمد بن عبد الله بن عياض. روى عن: عثمان بن أبي العاص.
روى عنه: سعيد بن السائب الطائفي. روى له: أبو داود (5) .
وعثمان بن أبي العاص: ابن بشر بن عبد دهمان بن عبد همام بن
أبان، أبو عَبد الله، قدم على النبي- عليه السلام- في وفد ثقيف،
واستعمله الني- عليه السلام- على الطائف، ثم أقره أبو بكر وعمر
- رضي الله عنهما-. رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام- تسعة
__________
(1) كذا، والمعروف: بفتح الراء وتشديد الجيم.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/1897) .
(3) المصدر السابق (26/5580)
(4) المصدر السابق (10/2280) .
(5) المصدر السابق (25/5367) .

(2/344)


أحاديث. روى له: مسلم ثلاثة أحاديث. روى عنه: سعيد بن
المسيّب، ونافع بن جبير، وأبو العلاء: يزيد بن عبد الله، والحسن بن
أبي الحسن- وقيل: لم يسمع منه. روى له: الترمذي، وأبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " طواغيهم " الطواغي: جمع طاغية، وهي الأصنام، وقيل:
بيوت الأصنام، وعليه يحملُ هذا الحديث. والطاغوت: الكاهن،
والشيطان، وكل رأس في الضلال، ويكون جمعا وواحداً ومذكرا
ومؤنثاً. ومن هذا الحديث أخذت الأمة أنهم أي بلدٍ يفتحونها يحولون
كنائسهم مَساجد ومَدارس. والحديث: أخرجه ابن ماجه.
433- ص- نا محمد بن يحيى بن فارس، ومجاهد بن موسى- وهو
أتم- قالا: نا يعقوب بن إبراهيم. نا أبي، عن صالح: نا نافع أن عبد الله بن
عمر أخبره، أن المسجدَ كان على عهد رسول الله مَبنيا باللَّبِنِ والجَرِيدِ،
وعمدة (2) - قال مجاهد:- عُمُدُهُ- خَشَب (3) النخَل، فلم يزد فيه
أبو بكرٍ شيئًا، وزاد فيه عُمَرُ، وبِناه على بُنيانه (4) في عهد رسولِ اللهِ باللَّبِنِ
والجرِيد، وأعاد عُمُمَه- قال مجاهد: عُمُمَهُ خشبا-، وغيًّرَه عثمانُ فزادَ فيه
زيادةً كَثَيرةً، وبَنى جدَارَه بالحجارةِ / المنقُوشَةِ والقصَّة، وجَعل عُمُدَهُ. قال
مجاهد: عُمُدُهُ (5) من حجارة منقوشَة، وسقفُهُ بالَسَّاجِ- قال مجاهد:
وَسَقفُه: السَاجُ (6) .
ش- مجاهد بن موسى: أبو علي الخوارزمي. ويَعقوب بن إبراهيم:
ابن سَعد الزهري المدني. وأبوه: إبراهيم بن سَعد بن إبراهيم بن
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/91) ، أسد الغابة
(3/579) ، الإصابة (2/460) .
(2) كلمة " وعمده " غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: " عمده من خشب ".
(4) في سنن أبي داود: " بنائه ".
(5) غير موجود في سنن أبي داود
(6) البخاري: كتاب الصلاة، باب: بنيان المسجد (446) .

(2/345)


عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني، وقد ذكرناهما. وصالح:
ابن كيسان المدني. ونافع: مولى عبد الله بن عمر.
قوله: " على عهد رسول الله " أي: في زمانه وأيامه.
قوله: " باللبن " اللبن- بفتح اللام وكسر الباء- جمع لبنة؛ وهي التي
يُبتنى بها الجدارُ، ويقال: اللبنة بكسر اللام وسكون الباء.
قلتُ: اللبنة: الآجر النَّيء؛ والجريد: الذي يُجردُ عنه الخُوص.
قوله: " وعُمُده " العُمُد- بضم العن والميم، وبفتحهما- جمع الكثرة
لعَمُود البيت؛ وجمع القلة: أعمدة.
قوله: " قال مجاهد " أي: قال مجاهد بن موسى المذكور في روايته:
" وعمُده خشبُ النخل "؛ وهي جملة من المُبتدإ والخبر.
قوله: " فلم يزد فيه " أي: في مسجد النبي- عليه السلام- يعني:
أبو بكر- رضي الله عنه- لم يُغيّر شيئا بالزيادة والنقصان من مسجد
رسول الله.
قوله: " وأعاد عمده " أي: عُمده التي كان عليها المسجد في عهد النبي
- عليه السلام-.
قوله: " قال مجاهد: عمدَه خشبًا " أي: قال مجاهد في روايته: أعادَ
عمده خشبًا، وانتصابُ كل واحد منهما بـ " أعادَ " المقدّر.
قوله: " وقال مجاهد: عُمدَه " أي: قال مجاهد في روايته: أعاد
عثمان- رضى الله عنه- عمده من حجارة منقوشة؛ وهي جملة من
المبتدإ والخبر، وأزال العُمدَ التي كانت من خشبٍ.
قوله: " وسَقفَهُ " جملة من الفعل والفاعل والضمير فيه الذي يرجع إلى
عثمان والمفعول وهو الضمير المنصوب الذي يرجع إلى المسجد، ومعناه:
جَعل سقفه بالساج؛ وهو معطوف على قوله: " وجعَل عمده "،
ويجوز أن يكون معطوفا على قوله " وبنى جدَاره " - هكذا هو في رواية

(2/346)


محمد بن يحيى بن فارس أي: بَنى عثمان سقف المَسجد بالسَّاج، السَاجُ
- بالسين المُهملة وبالجيم- ضَربٌ من الشجر.
قوله: " قال مجاهد: وسقفه الساج " أي: قال مجاهد بن موسى في
روايته: وسقف المسجد: الساج؛ وهي جملة من المبتدأ والخبر.
ص- قال أبو داود: والقَصَّةُ: الجصُّ.
ش- القَصّة- بفتح القاف وتشديد الصاد- الجَص والجصّ فارسي
مُعرّب؛ وفيه لغتان: فتح الجيم وكسرها- وقيل: القصة شيء يشبه
الجص وليس به، وقيل: القصة: الجير، فإذا خلط بالنورة، فهو
الجيار، وقيل: الجيار: النورة وَحدها.
434- ص- نا محمد بن حاتم: نا عُبيدُ الله بن موسى، عن شيبان، عن
فِراس، عن عَطية، عن ابن عمر، أن مَسجد النبيِّ- عليه السلام- كانت
سَوَارِيه على عهدِ النبيِّ- عليه السلام- من جُذُوع النخلِ، أعلاهُ مُظلَّلٌ
بجريدَ النخلِ، ثم إنها نَخِرت في خلافة أَبي بكرٍ فبناها بجُذُوع النخلٍ،
وبجريَد النخل، ثم إنها نَخرَت في خلافَة عثمانَ، فبناها بالآجر فلم تَزل
ثابتةً حتىَ الآن (1) .
ش- محمد بن حاتم: ابن بزيع البصري. وعُبيد الله بن موسى: ابن
باذام الكوفي.
وشيبان: ابن عبد الرحمن النحوي أبو معاوية التميمي المؤدب البصري.
روى عن: الحسن البصري، وقتادة، والأعمش، ومنصور وغيرهم.
روى عنه: عبد الرحمن بن مَهدي، ومعاذ بن معاذ، وعبيد الله بن
موسى وغيرهم. قال أبو حاتم: حسن الحديث، صالح الحديث، يكتب
حديثه، وعن ابن معين: ثقة. مات ببغداد سنة أربع وستين ومائة. روى
له الجماعة (2) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2784) .

(2/347)


وفراس: ابن يحيى الهمداني المكتب الكوفي.
وعَطيّة: ابن سَعد بن جنادة العَوفي، أبو الحسن الكوفي. روى عن:
أبي سعيد الخدري، وابن عباس، وأبي هريرة، وابن عمر، وزيد بن
أرقم. روى عنه: فِراس بن يحيى، والأعمش، وفُضيل بن مرزوق
وغيرهم. وقال أحمد: ضعيف الحديث. وقال أبو زرعة: لين. وقال
أبو حاتم: ضعيف، يكتب حديثه. توفي سنة إحدى عشرة ومائة.
روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
قوله: " سواريه " جمع سَارية؛ وهي الأسطوانة؛ والجذوع: جمع
جِذع- بكسر الجيم.
قوله/: " نخرت " من نخر الشيء- بالكسر- إذا بَلي وتفتّت؛ يُقال:
عظام نَخرةٌ أي: بَالية.
قوله: " بالآجر " بضم الجيم وتشديد الراء؛ وهو فارسي معرّب،
وُيقال: أَجُور.
قوله. " حتى الآن " معناه: إلى الآن؛ وهو اسم للوقت الذي أنت
فيه؛ وهو ظرف غيرُ متمكن، وقع معرفة، ولم يدخل عليه الألف واللام
للتعريف؛ لأنه ليس له ما يشركه؛ وربما فتحوا اللام وحذفوا الهمزة.
435- ص- نا مسدد: نا عبد الوارث، عن أبي التياح، عن أنس بن
مالك قال: قَدِمَ رسولُ الله المدينةَ، فنزَلَ في عُلُوِّ المدينة في حي يقال لهم بنو
عمرو بن عوفٍ، فأقامَ فيهَم أربعةَ (2) عَشَرَ لَيلةً، ثمَ أرسلَ إلى بني النجارِ
فَجَاءُوا متقلدين سُيوفهم، فقال أنسٌ: فكأني أنظُرُ إلى رسولِ الله على
راحلَتِهِ وأبو بكَرِ رِدفَهُ، ومَلأُ بني النجارِ حَولَهُ حتى ألقى بفناء أبي أيَوبَ،
وكاَن رسولُ الله يُصَلِّي حيثُ أدركتهُ الصلاةُ، ويُصلِّي في مَرَاَبضِ الغَنَم،
وأنه أمَرَ ببناءِ المَسجدِ، فأرسلَ إلى بني النجارِ وقال (3) : " يا بَني النجارِ!
__________
(1) المصدر السابق (20/3956) .
(3) في سنن أبي داود: " فقال ".
(2) في سنن أبي داود: " أربع ".

(2/348)


ثَامنُوني بحائِطِكُم هذا " فقالوا: واللهِ لا نَطلُبُ ثمنَه إلا إلى اللهِ تعالى. قال
أنسٌ: وكَان فيه ما أقُولُ لكم، كانت فيه قُبورُ المُشرِكينِ، وكانت فيه خَرِبٌ،
وكان فيه نَخلٌ، فأمرَ رسولُ الله بقُبُورِ المشركين فنُبِشَت، وبالخَرب فسُوَيت،
وبالنخلِ فقُطِع، فصفوا النخلِ قِبلةً للمسجد، وجَعَلُوا عَضادَتَيهِ حِجارةً،
وَجَعلُوا يَنقُلُونَ الصخرَ وهم يرتَجِزُون والنبيّ- عليه السلام- معهم وهو
يقولُ:
اللهم إن الخيرَ خيرُ الآخرة ... فانصرِ الأنصارَ والمُهاجرَه (1)
ش- عبد الوارث: ابن سعيد العنبري البصري، وأبو التياح: يزيد بن
حُمَيد الضُّبَعي.
قوله: " قدم رسول الله المدينة " قال الحاكم: تواترت الأخبار بورود
النبي- عليه السلام- قباء يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الأول. وقال
محمد بن موسى الخوارزمي: وكان ذلك اليوم: الخميس، الرابع من
تيرماه، ومن شهور الروم: العاشر من أيلول سنة سبع مائة وثلاثة
وَثلاثين لذي القرنين. قال الخوارزمي: من حين مولده إلى أن أُسري به:
أحد وخمسون سنة، وسبعة أشهر، وثمانية وعشرون يومًا، ومنه إلى
اليوم الذي هاجر: سنة وشهران ويوم؛ فذلك ثلاثة وخمسون سنة،
وكان ذلك يوم الخميس. وفي " طبقات ابنا سَعد ": أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خرج من الغار ليلة الاثنين لأربع ليال خلون من شهر ربيع الأول، فقالَ:
يوم الثلاثاء بقُديد، وقدم على ابن عَمرو بن عَوف للَيلتين (2) خلتا من
ربيع الأول، ويُقال: لاثَنتي عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول، فنزل
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ
مكانها مساجد (428) ، مسلم: كتاب الساجد ومواضع الصلاة، باب:
ابتناء باب مسجد النبي (9/524) ، النسائي: كتاب المساجد، باب: نبش
القبور واتخاذ أرضها مسجداً (701) ، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات،
باب: أين يجوز بناء المسجد (742) .
(2) في الأصل: " لليتين ".

(2/349)


على كلثوم بن الهِدَم- وهو الثبت عندنا-، ولكنه كان يتحدث مع
أصحابه في منزل سَعد بن خيثمة؛ وكان يسمى مَنزل الغُراب؛ فلذلك
قيل: نزل على سَعد بن خيثمة. وذكر البرقي أن النبي- عليه السلام-
قدم المدينة ليلاً. وفي " شرف المصطفى " للنيسابوري: رُوي عن أبي بكر
أنه قال: أتينا المدينة ليلا، النبي- عليه السلام- وأنا معه. وعن جابر:
لما قدم النبي- عليه السلام- المدينة نحر جزورًا.
قوله: " فنؤل في عُلو المدينة " بضم العين وكسرها لغتان مشهورتان،
وقيل: لا يقال إلا بالكسر؛ وعلو المدينة هي العالية، وكل ما كانت من
جهة نجد من المدينة من قُراها وعمائرها [من جهة نجد] (1) فهي العالية،
وما كان دون ذلك من جهة تهامة فهي السافلة..
قوله: " في حب " الحيّ- بتشديد الياء- القبيلة؛ وجمعها: أحياء.
قوله: " فأقام فيهم " أي: في بني عمرو بن عوف " أربعة عشر ليلةً ".
وعن الزهري: أقام فيهم بضع عشرة ليلةَ، وعن عويمر بن ساعدة: لبث
فيهم ثمان عشرة ليلة ثم خرج.
قوله: " ثم أرسل إلى بني النجار " وبنو النجار هم تيم اللات بن ثعلبة
ابن عمر بن الخزرج، والنجار: قبيل كبير من الأنصار، منه بطون
وعَمائر (2) وأفخاذ وفصائلُ، واسمه: تيم اللات المذكور سمي بذلك
لأنه اختتن بقدوم (3) ، وقيل: بل ضرب رجلا بقدوم فجرحه. ذكره
الكلبي، وأبو عُبيدة.
قوله: " متقلدين " /نصب على الحال من الضمير الذي في " فجاءوا ".
قوله: " وأبو بكر ردفه " جملة اسمية وقعت حالاً؛ والردف- بكسر
الراء، وسكون الدالَ- المُرتدف؛ وهو الذي يركبُ خلف الراكب،
وأردفته أنا إذا أركبته معك، وذلك الوضع الذي يَركبُه: رداف، وكل
شيء تبعَ شيئًا فهو رِدفُه.
__________
(1) زيادة من معجم البلدان (4/71) .
(2) شعبة من القبيلة.
(3) كتب فوقها " خف " أي: بالدال المخففة.

(2/350)


قوله: " وملأُ بني النجار حوله " جملة اسمية وقعت حالا- أيضا-؛
المَلأُ: أشراف القوم ورؤساؤهم؛ سموا بذلك لأنهم مَلأ بالرأي والغنى؛
والمَلأ: الجماعة، والجمع: أملاء. قال ابن سيده: وليس الملأ من باب
رَهط وإن كانا اسمَين؛ لأن رهطا لا واحد له من لفظه، والملأ: رجل
مالئ جليلٌ يملأ العَين بجَهَرته، فهو كالعَزب والزوج، وحكى مَلأته على
الأمر أملؤه ومالأته، وكذلك الملأ إنما هم الشارَة، والتجمع: الإمارة،
ففارق باب رهط لذلك فالملا على هذا صفة غالبة وما كان هذا الأمر عن
ملإ منا أي: عن تشاورِ واجتماع؛ وفي الجامع: الملأ: الجماعة الكثيرة،
وقيل: هم الأشراف- كما ذكرنا.
قوله: " حتى ألقى بفناء أبي أيوب " يقال: ألقيت الشيء إذا طرحتَه،
ومفعول " ألقى " هاهنا محذوف تقديره: ألقى راحلته في فناء أبي أيوب.
والفناء- بكسر الفاء- سَعَة أمام الدار، والجمع: أفنية، وفي " المجمل ":
فناء الدار: ما امتد من جوانبها.
وأبو أيوب: اسمُه: خالد بن زيد الأنصاري، وقد ذكرناه مرة. وذكر
محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب " المبتدأ وقصص الأنبياء- عليهم
السلام- " أن تبعا- وهو ابن حَسّان- لما قدم مكة- شرفها الله تعالى-
قبل مولد النبي- عليه السلام- بألف عامِ، وخرج منها إلى يثرب،
وكان معه أربع مائة رجل من الحكماء، فاجتمعوا وتعاقدوا على أن لا
يخرجوا منها، فسألهم تُبَّعٌ عن سر ذلك، فقالوا: إنا نجد في كتبنا أن
نبيا اسمه محمدٌ هذه دار مُهاجره، فنحن نُقيم لعلّ أن نلقاه، فأراد تُبَعٌ
الإقامة معهم، ثم بنى لكل واحد من أولئك دارا، واشترى له جاريةَ
وزوجها منه، وأعطاهم مالا جزيلا، وكتب كتابا فيه إسلامه وقوله:
شهدت على أحمد أنه ... رسول من الله بارئ النسم
في أبيات وختمه بالذهب، ودفعه إلى كبيرهم، وسأله أن يدفع إلى
محمد- عليه السلام- إن أدركه، وإلا من أدركه من ولده، وبنى للنبي
- عليه السلام- دارَا يَنزلها إذا قدم المدينة، فتداول الدارَ الملاكُ إلى أن

(2/351)


صارت لأبي أيوب؛ وهو من ولد ذلك العالم الذي دُفع إليه الكتابُ.
قال: وأهل المدينة الذين نصروه- عليه السلاَم- من ولد أولئك العلماء
الأربعمائة؛ ويزعم بعضهم أنهم كانوا الأوس والخزرجَ، ولما خرج النبي
- عليه السلام- أرسلوا إليه كتاب " تُبَع " مع رجل يسمى أبا ليلى، فلما
راَه النبي- عليه السلام- قال: " أنت أبو ليلى، ومعك كتاب تُبَّع
الأول " فبقي أبو ليلى متفكراً، ولم يَعرف النبيَ- عليه السلام-، فقال:
مَن أنت؟ فإنى لم أر في وجهك أثر السحر- وتوهم أنه ساحر- فقال:
" أنا محمد، هات الكتاب " فلما قرأه قال: " مرحبا بتبَّع الأخ الصالح "
- ثلاث مرات. وفي " سير " ابن إسحاق: اسمه: تبان أسعد أبو كرب؛
وهو الذي كسى البيت الحرام. وفي " مُغايص الجوهر في أنساب حمير ":
كان يَدين بالزَبور. وفي " معجم الطبراني ": قال- عليه السلام-:
" لا تَسبّوا تُبعًا ". وزعم السهيلي أن دار أبي أيوب هذه تصيرت بعده إلى
أفلح مولى أبي أيوب، فاشتراه منه بعد ما خرب المغيرة بن عبد الرحمن
ابن الحارث بن هشام بألف دينار بعد حيلة احتالها عليه المغيرة، فأصلحه
المغيرة وتصدق به على أهل بيت فقراء من المدينة.
قلت: لعل الحكمة في بروك ناقة النبي- عليه السلام- بفناء أبي أيوب
ما ذكر من المعنى.
قوله: " ويصلي في مرابض الغنم " المرابض: جمع مَربضٍ؛ وهي
مأوى الغنم؛ وقد ذكرناه في كتاب الطهارة.
قوله: " وإنه أمَر " بكسر الهمزة؛ لأنه كلام مستقل بذاته.
قوله: " ببناء المسجد " المسجد- بكسر الجيم وفتحها- الموضع الذي
يُسجد فيه، وفي " الصحاح ": المسجد- بفتح الجيم-/موضع
السجود، وبكسرها: البيت الذي يُصلَى فيه. ومن العرب مَن يفتح في
كلا الوَجهين. وعن الفراء: سمعنا المسجِد والمسجَد، والفتح جائز،
وإن لم تسمعه. وفي " المعاني " للزجاج: كل موضع يتعبد فيه:
مَسجد.

(2/352)


قوله: " ثامنوني بحائطكم " أي: قدروا ثمنه لأشتريه منكم وبايعوني
فيه؛ يُقال: ثامنتُ الرجل في البَيع أثامنه إذا قاولته في ثمنه، وساومتَه على
بَيعه وشرائه. والحائط: البُستان؛ يؤيده: ما ذكر فيه من قوله: وكان فيه
نخل.
قوله: " إلا إلى الله " أي: لا نطلب ثمنه إلا من الله. وفي " صحيح
الإسماعيلي " هكذا: " إلا من الله ".
قلت: يحوز أن تكون " إلى " هاهنا على معناها لانتهاء الغاية؛ ويكون
التقدير: نُنهِي طلب الثمن إلى الله تعالى، كما في قولهم: أحمد إليك
الله؛ والمعنى: أُنهِي حمدَه إليك؛ والمعنى: لا نَطلبُ منك الثمن؛ بل
نتبرعُ به، ونطلب الثمن- أي: الأجر- من الله تعالى؛ وهذا هو
المشهور في " الصحيحين " - أيضا- وذكر محمد بن سَعد في " الطبقات "
عن الواقدي أن النبي- عليه السلام- اشتراه منهم بعشرة دنانير؛ دفعها
عنه: أبو بكر الصديق- رضي الله عنه-.
قوله: " وكانت فيه خَرِبٌ " قال أبو الفرجِ: الرواية المعروفة: " خَرِبٌ "
- بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء- جمع خرِبَة؛ كما يقال: كلمة وكلم.
وقال أبو سليمان: وحدثناه الخيام بكسر الخًاء وفتح الراء؛ وهو جمع
الخراب؛ وهو ما يخرب من البناء في لغة بني تميم؛ وهما لغتان
صحيحتان رُوينا. وقال الخطابي: لعل صوابه: " خُرَب " - بضم الخاء-
جمع خُربة؛ وهي الخروق في الأرض؛ إلا أنهم يقولونها في كل ثُقبة
مستديرة في أرض أو جدار، قال: ولعل الرواية " جِرَف " جمع الجِرَفة؛
وهي جمع الجُرُف؛ كما يقال: خُرج وخُرَجة، وتُرس وتِرَسَة. وأبين
من ذلك- إن ساعدته الروايةُ- أن يكون: " حُدبا " جمع " حَدَبَةِ "؛
وهو الذي يَليقُ بقوله فسُويت؛ وإنما يُسوى المكان المُحدودب أو موضع من
الأرض فيه خروق وهدُوم؛ فأما الخِرَبُ فإنها تُعَمَر ولا تُسوى. قال
عياض: هذا التكلف لا حاجة إليه؛ فإن الذي ثبت في الرواية صحيح
المعنى؛ كما أمر بقطع النخل لتسوية الأرض أمر بالخِرب فرفعت رسومها،
23 * شرح سنن أبي داوود 2

(2/353)


وسُوِّيت مواضعها، لتصير جميع الأرض مَبسوط مُستويةً للمصلين،
وكذلك فعل بالقبور. وفي " مصنف " ابن أبي شيبة بسند صحيح: " فأمر
بالحرث فحُرث "؛ وهو الذي زعم ابن الأثير أنه رُوِيَ بالحاء المهملة والثاء
المثلثة، يريدُ الموضع المحروث للزراعة.
قوله: " فأمَر رسول الله بقبور المشركين فنُبشَت " إنما أمر بنبشها لأنهم لا
حرمة لهم.
فإن قيل: كيف يجوز إخراجهم من قبورهم، والقبر مختصّ بمن دفن
فيه، قد حازه فلا يجوز بيعه ولا نقله عنه؟ قلت: تلك القبور لم تكن
أملاكا لمن دفن فيها؛ بل لعلها غصب، ولذلك باعها مُلاكها، وعلى
تقدير التسليم أنها حُبست فهو ليس بلازم، إنما اللازم: تحبيس المسلمين،
لا الكفار. وجواب آخرُ: أنه دعت الضرورة والحاجة إلى نبشهم فجاز.
فإن قيل: هل يَجوز في هذا الزمان نبش قبور الكفار ليتخذ مكانها
مساجد؟ قلت: أجاز ذلك قوم؛ محتجين بهذا الحديث، وبما رواه
أبو داود (1) أن النبي- عليه السلام- قال: " هذا قبر أبي رِغال: وهو
أبو ثقيف، وكان من ثمود، وكان بالحرم يدفع عنه، فلما خرج أصابته
النقمة فدفن بهذا المكان، وآية ذلك: أنه دفن ومعه غُصنٌ من ذهب "
فابتدر الناس فنبشوه واستخرجوا الغُصن ". قالوا: فإذا جاز نبشُها لطلب
المال فنبشها للانتفاع بمواضعها أولى، وليس حرمتهم موتى بأعظم منها
أحياء؛ بل هو مأجورٌ في مثل ذلك. وإلى جواز نبش قبورهم للمال
ذهب الكوفيون، والشافعي، وأشهبُ بهذا الحديث. وقال الأوزاعي
لا يفعل؛ لأن رسول الله لما مر بالحجر قال: " لا تدخلوا بيوت الذين
ظلموا إلا أن تكونوا باكين " فنهى أن يدخل عليهم بيوتهم، فكيف
قبورهم؟. وقال الطحاوي: قد أباح دخولها/على وجه البكاء.
فإن قيل: هل يجوز أن تُبنى المساجد على قبور المسلمين؟ قلت:
__________
(1) كتاب الخراج، باب: نبش القبور العادية يكون فيها المال (3088)

(2/354)


قال ابن القاسم: لو أن مقبرة من مقابر المسلمين عفَت، فبنى قوم عليها
مسجداً لم أَر بذلك بأسًا؛ وذلك لأن المقابر وقف من أوقاف المسلمين
لدفن موتاهم، لا يجوز لأحد أن يملكها، فإذا درست واستُغنِيَ عن
الدفن (1) فيها جاز صرفها إلى المسجد؛ لأن المسجد- أيضا- وقف من
أوقاف المسلمين لا يجوز تمليكه لأحد؛ فمعناهما على هذا واحدٌ. وذكر
أصحابنا أن المسجد إذا خرب ودثر، ولم يبق حوله جماعة، والمقبرة إذا
عفت ودثرت يَعودُ ملكًا لأربابها، فإذا عادت ملكا يجوز أن يُبنى موضع
المسجد دار، وموضع المقبرة مسجد، وغير ذلك؛ فإن لم يكن لها أرباب
يكون لبيت المال.
فإن قيل: هل يدخل من يبني المسجد على مقبرة المسلمين بعد أن عفت
ودثرت في معنى لعنة اليهود، لاتخاذ قبور أنبيائهم مساجد؟ قلت: لا؛
لافتراق المعنى؛ وذلك أنه- عليه السلام- أخبر أن اليهود كانوا يتخذون
قبور أنبيائهم مساجد ويقصدونها بالعبادة، وقد نسخ الله جميع ذلك
بالإسلام والتوحيد، ثم في هذا الحديث دليل على أن القبور إذا لم يبق
فيها بقية من الميت أو من ترابه جازت الصلاة فيها، وأنها إذا درست يجوز
بيعها؛ لأنها باقية على ملك صاحبها وورثته من بعده.
قوله: " وبالنخل فقطع " أي: أمر بالنخل فقطع؛ وفيه دليل على
[جواز] قطع الأشجار المثمرة لأجل الحاجة؛ وأما اليابسة فقطعها جائز مطلقا.
قوله: " فصفوا النخل قبلةً للمَسجد " من صففتُ الشيء صفا، وفي
" شرح البخاري ": وجعل قبلته إلى القدس وجعل له ثلاثة أبواب: باباَ
في مؤخره، وباباً يقال له: باب الرحمة- وهو الباب الذي يُدعى: باب
عاتكة -، والثالث: الذي يدخل منه النبي- عليه السلام- وهو الباب
الذي يلي آل عثمان- وجعل طول الجدار قامة، وبُسطه وعمده: الجذوع،
وسقفه جريدًا، فقيل له: ألا تسقفه؟ فقال: " عريش كعريش مُوسى؛
__________
(1) في الأصل: " الدين ".

(2/355)


خُشَيبَاتٌ وثمامٌ، الأمرُ أعجل من ذلك " وجعلوا طوله مما يلي القبلة إلى
مؤخره مائة ذراع، وفي هذين الجانبين مثل ذلك؛ فهو مربع- ويقال:
كان أقل من المائة-، وجعلوا الأساس قريبًا من ثلاثة أذرع على الأرض
بالحجارة، ثم بنوه باللَّبِن. وفي " المغازي " لابن بكير، عن ابن
إسحاق: جعلت قبلة المسجد من اللبن- ويقال: بل من حجارة- منضودة
بعضها على بعضٍ.
قوله: " وجَعلوا عضادتيه حجارة " العضادة- بكسر العين- هي جانب
الباب. وقال صاحب " العين ": أعضاَد كل شيء: ما يشده من حواليه
من البناء وغيره؛ مثل عضاد الحوض؛ وهي صفائح من حجارة تُنصَبن
على شفيره، وعضادتا الباب: ما كان عليهما يُطبق البابُ إذا اصفِق.
وفي " الَتهذيب " للأزهِري: عضادتا الباب: الخشبتان المنصوبتان عن يمين
الداخل منه وشماله، فوقهما العارضة.
فوله: " وهم يرتجزون " جملة اسمية وقعت حالا من الضمير الذي في
" ينقلون " يقال: ارتجزوا وتراجزوا إذا تعاطوا بَينهم الرَجزَ. واختلف
العروضيون في الرجز: هل هو شعر أم لا؟ مع اتفاقهم أن الشعر لا
يكون شعرا إلا بالقَصد، فإن جرى كلام موزون بغير قصد لا يكون شعرا؛
وعليه يحمل ما جاء عن النبي- عليه السلام- من ذلك؛ لأن الشعر
حرام عليه بنص القراَن. قال القرطبي: الصحيح في الرجز: أنه من
الشعر؛ وإنما أخرجه من الشعر من أشكل عليه إنشاد النبي- عليه السلام-
إياه فقال: لو كان شعرا لما عُلِّمه، قال: وهذا ليس بشيء؛ لأن من
أنشد القليل من الشعر أو قاله أو تمثل به على وجه الندور لم يستحق
اسم شاعرٍ، ولا يقال فيه: إنه يعلم الشعر، ولا يُنسب إليه، ولو كان
ذلك كذلك للزم أن يقال للناس كلهم شعراء. وقال السفاقسي: لا
يطلق (1) على الرجز شعرا؛ إنما هو كلام مسجع؛ بدليل أنه يقال
__________
(1) في الأصل: " ينطلق "

(2/356)


لصانعه: راجز، ولا يقال: شاعر، ويُقال: أنشد/رجزا، ولا يقال:
أنشد شعراً.
ثم اعلم أن في الحديث: جواز الارتجاز وقول الأشعار في حال الأعمال
والأسفار ونحوها، لتَنشيط النفوس، وتَسهيل الأعمال والمضي عليها.
قوله: " والنبي معهم " حال، وكذلك قوله: " وهو يقول " حال
أُخرى.
قوله: " اللهم إن الخير خير الآخرة " وفي رواية: " لا خير إلا خير
الأخرة " ومعنى " اللهم ": يا ألله؛ وقد ذكرنا طرفا منه، وقال
البصريون: " اللهم ": دعاء دله بجميع أسمائه؛ إذ الميم يُشعر بالجمع؛
كما في " عليهم "، وقال الكوفيون: أصله: " الله أمّنا " بخيرٍ أي:
اقصدنا؛ فخفف فصار " اللهم ". وهو ضعيف؛ إذ لو كان كذلك لجاز
" يا اللهم " فلما لم يجز دلّ على أن أصله: " يا الله " فحذف " يا "
وعوض عنها الميم؛ ولا يجوز اجتماع العِوض والمعوض. وهو يُستعمل
على ثلاثة أنحاء؛ أحدها: للنداء المحض؛ وهو ظاهرٌ، والثاني:
للإيذان بندرة المستثنى؛ كقولهم في أثناء الكلام: اللهم إلا أن يكون كذا
وكذا، والثالث: يستعمل فيه ليدل على تيقّن المجيب من الجواب المقترن
هو به؛ كقولك لمن قال: أزيد قائم: اللهم نعم، أو: اللهم لا؛ كأنه
يناديه: تعالى؛ مستشهداً على ما قال في الجواب.
قوله: " فانصر الأنصار والمهاجره " الأنصار: جمع نَصيرٍ؛ كأشراف
جمع شريفٍ؛ والنَّصِير الباهرُ: من نصَره الله على عَدُوّه ينصرُه نصرًا،
والاسم: النُّصرة؛ وسُمُّوا بذلك لأنهم أعانوه- عليه السلام- على
أعدائه وشدّوا منه. والمهاجره: الجماعة المهاجرة؛ وهم الذين هاجروا من
مكة إلى المدينة النبوية- على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- محبةً فيه،
وطلبا للآخرة. والهجرة في الأصل: الاسم من الهَجر- ضد الوَصل-،
وقد هجَره هجرًا، وهجرانًا، ثم غلب على الخروج من أرض إلى

(2/357)


أرضٍ، وترك الأولى للثانية يُقال منه: هاجر مُهاجرةً. والحديث: أخرجه
البخاريّ، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
436- ص- ثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد، عن أبي التياح، عن
أنس بن مالك قال: كان مَوضعُ المسجدِ حَائطا لبني النجار، فيه حَرثٌ
ونَخل وقبورُ المشرِكينَ، فقال رسولُ الله: " ثَامِنُوني به " فقالوا: لا نَبغي (1) ،
فقُطِع النخلُ، وسُوِّي الحرثُ، ونُبشَ قبورُ المشركينَ. وساقَ الحديثَ،
وقال: " فاغفر " مكان " فانصُر " (2) .
ش- موسى بن إسماعيل: المنقري البصري، وحماد: ابن سلمة.
قوله: " موضع المسجد " الألف واللام فيه للعهد أي: مسجد النبي
- عليه السلام-.
فوله: " لا نبغي " أي: لا نطلب الثمن؛ من بغى يَبغي بغيةً وبُغًا من
باب ضرب يضرب، وبغى عليه: إذا تعدى وظلم، وبغت المرأة بِغاء
- بالكسر والمدّ- إذا فجرت؛ فهي بَغي، والجمع: بَغايَا، قال تعالى:
(وَمَا كَانت أُمُك بغيا) (3) وهذا مثل قولهم: ملحفة جديدٌ.
فوله: " وقال: فاغفر " أي: قال: فاغفر الأنصار مكان: فانصر
الأنصار
ص- قال موسى: نا عبد الوارث بنحوه. وكان عبد الوارث يقول:
خَرِب، فزعم عبد الوارث (4) أنه أفادَ حمادا هذا الحديثَ.
ش- أي: قال موسى بن إسماعيل- شيخ أبي داود- حدثنا
عبد الوارث بن سعيد البصري، بنحو المذكور من الرواية.
قوله: " وكان عبد الوارث يقول: خَرِب " - بفتح الخاء، وكسر
الراء-؛ وقد مر الكلام فيه مستوفى.
__________
(1) في سنن أبي داود: " لا نبغي به ثمنا ".
(2) انظر التخريج المتقدم.
(3) سورة مريم: (28) .
(4) في الأصل: " الحارث " خطأ.

(2/358)


12- باب: فِي المسَاجدِ تبنى في الدُّور
أي: هذا باب في حكم المساجد التي تُبنى في الدور. وفي بعض
النسخ: " باب اتخاذ المساجد في الدور " (1) وفي بعضها: " باب ما
جاء في المساجد تُبنى في الدور "
437- ص- نا محمد بن العلاء: نا حُسين بن علي، عن زائدة، عن
هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشةَ قالت: أَمرَ رَسولُ اللهِ ببناءِ المساجدِ في
الدُّورِ، وأن تُنَظَّفَ وتطيب (2) .
ش- محمد بن العلاء: أبو كريب الكوفي، وحُسَين بن علي: ابن
الوليد الجُعفي، وزائدة: ابن قدامة الثقفي الكوفي.
قوله: " في الدُور " قال سفيان بن عيينة: الدورُ: القبائلُ. وذكر
الخطابيّ أنها البيوت، وحكى- أيضا- أنه يراد بها المحالّ التي فيها الدورُ.
قلتُ: الظاهر أن المراد بها ما قاله الخطابي؛ لورُود النهي عن اتخاذ
البيوت مثل المقابر؛ وفيه حجة لأصحابنا " (3) أن المكان لا يكون مسجدا
حتى يسبله (4) صاحبه، وحتى يُصلى الناس فيه جماعةً، ولو كان الأمر
حمى يسبله 0
يتم فيه بأن يجعله مسجدا بالتسمية فقط لكانت مواضع تلك المساجد/في
بيوتهم خارجةً عن أملاكهم، فدل أنه لا يصح أن تكون مسجدًا بنفس
التسمية ".
ولذلك قال صاحب " الهداية ": إن اتخذ وسط داره مَسجدا، وأذن
للناس بالدخول فيه، له أن يبيعه ويُورث عنه؛ لأن المسجد: ما لا يكون
لأحد فيه حق المنع، وإذا كان ملكه محيطا بجوانبه كان له حق المنع، فلم
يَصر مَسجدا.
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما ذكر في تطييب المساجد (594) ، ابن
ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: تظهير المساجد وتطييبها (758) .
(3) انظر معالم السنن (1/123)
(4) أي: يجعله في سبيل الله

(2/359)


قوله: " وأن تُنظف " أي: أمَر- أيضا- بأن تُنظف أي: بتنظيفها
وتطييبها عن الأقذار؛ لأن لها حرمة لأجل إقامة الصلاة فيها، ولتشبهها
بالمساجد المُطلقة. وأخرجه الترمذي، وابن ماجه، وأخرجه الترمذي
مُرسلا وقال: هذا أصح من الحديث الأول.
438- ص- نا محمد بن داود بن سفيان: نا يحيى- يعني: ابن حسّان:
نا سليمان بن موسى: نا جعفرِ بن سَعد بن سَمُرة قال: حدثني خُبَيب بن
سليمان، عن أبيه سليمان بن سمُرة، عن أبيه سَمُرة أنه كتب إلى بَنيه (1) :
أمَّا بعدُ، فإنَ رسولَ الله- عليه السلام- كان يأمرنا بالمساجد أن نَصنَعَها في
ديَارِنا، ونُصلِحَ صَنعَتَهاَ ونُطهِّرَها (2) .
ش- محمد بن داود: الإسكندراني.
ويحيى: ابن حسّان بن حيان التنِّيسي، أبو زكرياء البَصري، سكن
تنيس. روى عن: الليث بن سَعد، ومُعاوية بن سلام، وحماد بن
سلمة وغيرهم. روى عنه: الشافعي، وأحمد بن صالح المصري،
ومحمد بن مسكين وغيرهم. قال أبو سعيد بن يونس: كان ثقة حسن
الحديث، وتوفي بمصر في رجب سنة ثمان ومائتين. روى له:
البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (3) .
وسُليمان بن موسى: أبو داود الزهري، خراساني الأصل، سكن
الكوفة ثم تحول إلى دمشق. روى عن: موسى بن عبيدة، ومسعر بن
كدام، وجعفر بن سَعد بن سمرة وغيرهم. روى عنه: الوليد بن مسلم،
ومَروان الطاطري، ويحيى بن حسان (4) .
وجَعفر بن سَعد بن سَمُرة الفزاري أبو محمد. روى عنه: سليمان بن
موسى، ومحمد بن إبراهيم، وعبد الجبار بن العباس الشبامي، وصالح
ابن أبي عتيقة الكاهلي. روى له: أبو داود (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " ابنه "
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/31. ملأ) .
(4) المصدر السابق (12/2572) .
(5) المصدر السابق (5/942) .

(2/360)


وخُبَيب بن سليمان بن سَمُرة بن جندب الفزاري، أبو سليمان الكوفي.
روى عن: أبيه. روى عنه: جَعفر بن سَعد. روى له: أبو داود (1) .
وخُبيب: بضم الخاء المعجمة، وفتح الباء الموحدة.
وأبوه: سليمان بن سمرة بن جندب الفزاري. روى عن: أبيه. روى
عنه: ابنه: خُبَيب، وعلي بن ربيعة الوالبي. روى له: أبو داود (2)
وسَمُرة بن جُندب الصحابي الفزاري، قد ذكرناه.
قوله: " أما بعد " قد ذكرنا أنَ " أمّا " حرف شرط وتفصيل وتوكيد؛
و" أما " هاهنا فصل خطاب. وقد قيل في قوله تعالى: (واَتَينَاهُ الحكمَةَ
وَفَصلَ الخطَاب) (3) هو قوله " أما بعد " فأول من قالها: داود-َ عديه
السلام-.
قوله: " أن نَصنعها " بدل من قوله " بالمساجد " والمعنى: يأمرنا بصنع
المساجد في بيُوتنا، أو في المحالّ التي فيها دورنا.
قوله: " ونُصلح صنعتها " بأن يُجعلَ لها ما يُميزها عن غيرها من
البُيُوت.
قوله: " ونطهرها " بالنصب عطف على " نصلح " المنصوب المعطوف
على " أن نَصنع "؛ وتطهيرها: تنظيفها عن الأقذار لما قلنا، والله أعلم.
***
13- بَاب: في السُرُج في المسَاجد
أي: هذا باب في بيان السُرُج في المساجد. وفي بعَض النسخ: " باب
ما جاء في السُّرج في المساجد ". والسُّرُج- بضمتين- جمع سِرَاج؛
ككُتُبٍ جمع كتابٍ.
439- ص- نا النُفيلي: نا مِسكين، عن سعيد بن عبد العزيز، عن ابن
__________
(1) المصدر السابق (8 /1676) .
(2) المصدر السابق (11/2526) .
(3) سورة ص: (20) .

(2/361)


أبي سودة (1) ، عن ميمونة مولاة النبي- عليه السلام- أنها قالت:
يا رسولَ الله اأَفتنَا في بَيتِ المَقدسِ، فقال: " ائتُوهُ فَصَلُّوا فيه " - وكانتِ
البلادُ إذ ذاكً حَربا- " فإن لم تأتُوهُ وتُصلُّوا فيه، فَابعَثُوا بزَيت يُسرَجُ في
قَنَاديلِهِ " (2)
.ًَ
ش- النُّفيلي: عبد الله بن محمد.
ومِسكين: ابن بكير، أبو عبد الرحمن الحراني الحذاء. سمع: جعفر
ابن برقان، وثابت بن عجلان، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز
وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، والنفيلي، ونصر بن عاصم
الأنطاكي وغيرهم. وقال أحمد: لا بأس به. وقال أبو حاتم: لا بأس
به، كان صالح الحديث يحفظ الحديث. روى له: الجماعة إلا ابن
ماجة (3) /وسعيد بن عبد العزيز: أبو يحيى التنوخي.
واسم ابن أبي سودة: عثمان المقدسي أخو زياد (4) . روى عن:
أبي هريرة، وأبي الدرداء، وأم الدرداء، وميمونة مولاة النبي- عليه السلام-
وأبي شعيب الحضرمي. روى عنه: أخوه: زياد، وشبيب بن أبي شيبة،
والأوزاعي وغيرهم. وقال مروان بن محمد: عثمان وزياد ابنا أبي سودة من
أهل بيت المقدس ثقتان ثَبتان. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
وميمونة بنت سَعد، وكانت خادما للنبي- عليه السلام-، روت
عن: النبي- عليه السلام- قالت: " مَثَلُ الرَّافلةِ في الزينة " (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " زياد بن أبي سودة ".
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة في مسجد بيت
المقدس (1407) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5915) .
(4) كذا ترجم المصنف لعثمان، والذي في سند الحديث هو أخوه زياد، كما ثبت
في سنن أبي داود المطبوع، وكذلك لما ترجم الحافظ المزي لزياد في تهذيب
الكمال (9/2050) ذكر له هذا الحديث، وأخوه عثمان مترجم كذلك في
تهذيب الكمال (19/3821) .
(5) أخرجه الترمذي في كتاب الرضاع، باب: ما جاء في كراهية خروج النساء في=

(2/362)


وروت عن النبي- عليه السلام- في فضل بيت القدس. وقيل: إن
الذي روت في فصل بيت القدس مَيمونة أخرى غير بنت سَعد؛ والأول
أصح. روى عنها: عثمان بن أبي سودة، وأبو زيد الضبيّ، وأيّوب بن
خالد الأنصاري. روى لها: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه (1) .
قوله: " إذ ذاك " يعني: حينئذ " حربًا " يعني: دار حَرب؛ لأنها لم
تفتح إلا في زمن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- سنة خمس عشرة
من الهجرة.
ويستفاد من الحديث فوائد؛ الأولى: فيه فضيلة بيت القدس.
والثانية: جواز بعث الزيت إلى المساجد للإصباح وإن كانت في غير
بلده.
والثالثة: إذا كان مسجد في دار حرب يجوز لن في دار الإسلام أن
يَبعث له زَيتًا يُسرج فيه، ويُقاسُ على هذا البُسط والحُصر والقناديل،
ونحو ذلك مما يحتاج إليه السجد.
14- بَاب: في حَصَى المَسجد
أي: هذا باب في بيان حَصَى المسجد. وفي بعض النسخ: " باب ما
جاء في حَصَاة المسجد ".
440- ص- نا سَهل بن تمام بن بَزيع: نا عُمر بن سُليم الباهلي، عن
__________
- الزينة (1167) وتمامه: " مثل الرافلة في الزينة في غير أهلها، كمثل ظلمة يوم
القيامة، لا نور لها ". وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث
موسى بن عبيدة، وموسى بن عبيدة يُضعّفُ في الحديث مِن قِبَلِ حفظه، وهو
صدوق. وقد رواه بعضهم عن موسى بن عبيدة ولم يرفعه ".
(1) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/408) ، أسد الغابة
(7/274- 275) ، الإصابة (4/413) .

(2/363)


أبي الوليد قال: سألتُ ابنَ عُمرَ عن الحَصَى الذي في المَسجد، فقال: مُطِرنَا
ذاتَ لَيلة، فأصبحت الأرضُ مُبتلَّةً، فَجعلَ الرجلُ يَجيءُ (1) بالحصى في
ثوبه، فيَبسُطُهُ تحتَه، فَلما قضَى رسولُ اللهِ الصلاةَ قال: " مَا أحسنَ هذا " (2) .
ش- سهل بن تمام بن بَزيع: الطُّفاوي، أبو عَمرو. روى عن:
المبارك بن فَضالة، وقرة بن خالد، وأبيه: تمام، وعطية بن بهرام.
روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم. وسئل أبو زرعة عنه فقال: لم يكن
بكذاب، كان ربما وهم في الشيء، وسئل عنه أبو حاتم فقال: شيخ.
وروى عنه: أبو داود (3) .
وعُمَر بن سُليم الباهلي: البصري. روى عن. أبي غالب، وعن
أبي الوليد، عن ابن عمر. روى عنه: سهل بن تمام، وعبد الوارث،
وابنه: عبد الصمد بنُ عبد الوارث وغيرهم. وقال أبو زرعة: صدوق.
روى له: أبو داود، وابن ماجة (4) . وأبو الوليد: اسمه: عبد الله بن
الحارث البصري، نسيب محمد بن سيرين وختنه على أخته: وهو والد
يوسف بن عبد الله بن الحارث. روى عن: ابن عباس، وابن عُمر،
وزيد بن أرقم، وأبي هريرة، وعائشة. روى عنه: أيوب السختياني،
وعاصم الأحول، وخالد الحذاء وغيرهم: قال أبو زرعة: ثقة، وقال
أبو حاتم: يكتب حديثه. روى له الجماعة (5) .
قوله: " عن الحَصَى " الحَصى جمع حَصَاةٍ.
قوله: " في المسجد " أي: في مسجد النبي- عليه السلام-.
قوله: " فأصبحت الأرض " أي: صارت " مُبتلةً " مثل قولك: أصبح
زيد غنيا.
قوله: " فجعل الرجل يجيءُ " اعلم أن " جعل " من أفعال المقاربة؛
__________
(1) في سنن أبي داود: " يأتي ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2606) .
(4) المصدر السابق (21/4248) .
(5) المصدر السابق (14/3217) .

(2/364)


ومعناها: دنو الخبر على سبيل الأخذ والشروع فيه، فمعنى " جعل الرجل
يجيء ": شرع أو أخذَ.
قوله: " ما أحسن هذا " أي: صنيعكم هذا، وهو فعل التعجب، وهو
ما وضع لإنشاء التعجب؛ والتعجب: انفعال النفس بما خفي سببه؛ ولذا
لا يصح التعجب من الله تعالى (1) ؛ وله صيغتان: ما أفعله، وأفعِل به؛
مثل: ما أحسن زيدا، وأحسِن به، و " ما ": مبتدأ نكرة بمعنى: شيء
حَسَن زيدًا، فإنه وإن كان نكرةً فهو يَصلح للابتداء؛ لأنه في المعنى فاعل
وما بعده في موضع رفع بأنه خبر. وقال الأخفش: " ما " في الأصل
موصولة، والجملة بعده صلة له، والخبر محذوف، فأصله: الذي حَسَّنَ
زيدا شيءٌ. وقال الكوفيون: " ما " استفهامية في الأصل، وما بعده
الخبر، فأصله: أي شِيء حَسَّن زيدَا؟ وفهم من الحديث/أن سقف
المَسجد كان رقيقًا، فلذلك كان يكفُّ عند المطر، وأنه لم يكن فيه حُصرٌ،
وأن السجود على الأرض مستحب.
441- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا أبو معاوية ووكيع قالا: نا
الأعمش، عن أبي صالح قال: كان يُقال: إن الرجلَ إذا أخرجَ الحَصى من
المَسجد يُناشدُه (2) .
ش- أبوَ معاوية: الضرير، وأبو صالح: ذكوان السمان.
قوله: " يناشده " أي: يَسأله بالله ويقسم عليه بالله أن لا يُخرجها؛ من
المسجد وأصله: رفع الصوت؛ ومنه: إنشاد الشعر؛ وهو رفع الصوت
به، ويقال: نشدتك الله، وأنشدك الله وبالله، وناشدتك الله وبالله أي:
سألتك وأقسمت عليك، ونشدتُه نشدةً ونشدانا ومُناشدةً. وقال في
" الصحاح ": نشدتُ الضالة أنشدها أيَ: طلبتَها، وأنشدتها أي: عرفتها.
فإن قلت: ما الحكمة من مناشدة الحصى؟ قلت: لعلها مادامت في
المَسجد تُسجدُ عليها وتبعدُ عن القاذورات، فإذا خرجت منه تَبعدُ عن
__________
(1) بل يصح التعجب منه سبحانه وتعالى، وانظر التعليقة (5/65) .
(2) تفرد به أبو داود.

(2/365)


هذا المعنى، وأما مناشدتها: فيجوز أن يكون بطريق الحقيقة؛ ولكن نحن
لا نكيفها، ويجوز أن. يكون مجازًا، تشبيهاً لها بمن يناشدُ صاحبه في أمر
عرض له.
442- ص- نا محمد بن إسحاق أبو بكر: نا أبو بدر شجاع بن الوليد:
نا شريك: نا أبو حَصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة- قال أبو بدر:
أُرَاهُ قد رفعه إلى النبيَّ عليه السلام- قال: " إن الحصَى (1) لَتُنَاشدُ الذي
يُخرِجُهَا من المسجدِ " (2) .
ش- محمد بن إسحاق: ابن جعفر، ويقال: ابن محمد الصاغاني،
خراساني سكن بغداد. روى عن: أبي عامر العقدي، وقراد أبي نوح،
والفضل بن دكين، وأبي بَدر شجاع بن الوليد وغيرهم. روى عنه
الجماعة إلا البخاريّ وغيرهم. قال الدارقطني: كان ثقةً. توفي سنة
سبعين ومائتين (3) .
وأبو بدر شجاع بن الوليد: ابن قَيس السكوني الكوفي، سكن بغداد.
سمع: عطاء بن السائب، وموسى بن عقبة، وهشام بن عروة وغيرهم.
روى عنه: ابنه أبو همام الوليد بن شجاع، وأحمد بن حنبل، وابن
معين، وإسحاق بن راهويه وغيرهم، وعن ابن معين: إنه ثقة. وقال
أحمد بن عبد الله: لا بأس به. وقال أبو حاتم: شيخ ليس بالمتين، لا
يحتج بحديثه. مات ببغداد سنة أربع ومائتين (4) .
وشريك: النخعي. وأبو حَصين- بفتح الحاء- اسمه: عثمان بن
عاصم بن حَصِين، ويقال: ابن عَاصم بن زيد بن كثير بن زيد بن مُرة
الأسدي الكوفي. سمع: ابن عباس، وابن الزبير، وجابر بن سمرة،
وأبا ريحانة شمعون. وروى عن: أبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك،
__________
(1) في سنن أبي داود: " الحصاة ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/5053) .
(4) المصدر السابق (12/2702) .

(2/366)


وعمران بن الحصن، ومن التابعين: شريحا القاضي، والشعبي،
وأبا صالح السمان، وغيرهم. روى عنه: سَعد بن طارق، وشعبة،
والثوري، وابن عيينة وغيرهم. قال ابن معين وأبو حاتم: هو ثقة.
توفي سنة ثمان وعشرين ومائة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " قال أبو بدر " أي: شجاع بن الوليد " أراه قد رفعه " أي:
أظنّ أن أبا هريرة قد رفع الحديث إلى النبي- عليه السلام- قال: " إن
الحصَى 0.. " الحديث. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أسباط بن
محمد، عن ليث، عن حبيب، عن سعيد بن جبير قال: " الحصاة
تَسُب وتلعنُ من يُخرجها من المَسجد ".
حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن مثنى بن سعيد، عن قتادة،
عن سليمان بن يَسار قال: " الحصاة إذا أخرجت من المسجد تصيح حتى
تُرَد إلى موضعها ". وعن ابن سيرين يقول لغلام له أو لخادمه: " إن
وجدت في خفي حصاة فَرُدها إلى المَسجد ".
***
15- بَاب: في كنسِ المسجدِ
أي: هذا باب في بيان كنس المسجد.
443- ص- ثنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الخزاز: أنا عبد المجيد بن
عبد العزيز بن أبي رَواد، عن ابن جريج، عن المُطلِب بن عبد الله بن حَنطب،
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عُرِضت عَلَيَ أجورُ أُمَتِي حتى
القَذَاةُ يُخرِجُهَا الرجلُ من المسجد، وعُرِضَت عَلَيَ ذنوبُ أمتي، فلم أرَ ذَنبًا
أعظمَ من سُورة من القرآنِ أو آيةَ أوَتِيهَا رجلٌ ثم نَسِيَها " (2) .
ش- عبدًا لوهاب بن عبدَ الحكم/ويُقال: ابن الحكم البغدادي،
__________
(1) المصدر السابق (19/3828) .
(2) الترمذي: كتاب فضائل القرآن، باب: (19) ، رقم (2916) .

(2/367)


صاحب أحمد بن حنبل وخاصّته. سمع: معاذ بن معاذ، ويزيد بن
هارون، وعبد المجيد بن عبد العزيز وغيرهم. روى عنه: ابنه: الحسن،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأبو بكر بن أبي الدنيا
وغيرهم. قال النسائي: ثقة. وكذا قال الدارقطني. مات سنة إحدى
وخمسين ومائتين، ودفن بباب البَرَدان (1) .
وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد المكي، أصله مروزي، أبو عبد الحَميد
الأزدي مولاهم، واسم أبي رواد: مَيمون. روى عن: أبيه وعن:
مَعمر بن راشد، وابن جريج، واللَّيث بن سَعد. روى عنه: سريِج (2)
ابن يونس، والشافعي، وموسى بن طارق وغيرهم. قال ابن معين:
هو ثقة، كان يروي عن قوم ضعفاء، وكان أعلم الناس بحديث ابن
جريح، وكان يُعلن بالإرجاء0 قال عبد الرحمن: سألت أبي عنه فقال:
ليس بالقويّ، يكتب حديثه. وقال الدارقطني: لا يحتج به. روى له
مسلم مقرونا بهشام بن سليمان المكي، غير محتج به. وروى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي (3) .
وابن جريج: عبد الملك بن عبد العزيز القرشي.
والمطلب بن عبد الله بن حنطب: ابن الحارث بن عُبيد بن عمر بن
مخزوم أبو الحكم القرشي المخزومي المديني. روى عن: أبيه، وعُمر بن
الخطاب، وابنه عبد الله بن عمر بن الخطاب، وابن عباس، وأنس بن
مالك، وأبي هريرة، وأبي موسى، وأبي رافع، وعائشة، وأم سلمة.
روى عنه: ابنه عبد العزيز، ومحمد بن عَبّاد، وابن جريج، والأوزاعي
وغيرهم. قال ابن سَعد: وكان كثير الحديث، ولا يحتج بحديثه؛ لأنه
يُرسل عن النبي- عليه السلام- كثيرا، وليس له لقي، وعامة أصحابه
يُدلِّسُون. وقال الدارقطني، وأبو زرعة: ثقة. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 / 3602) .
(2) في الأصل: " شريح " خطأ.
(3) المصدر السابق (18 /3510) .
(4) المصدر السابق (28/6006) .

(2/368)


قوله: " عُرِضت عليّ أجورُ أمتي " يجوزُ أن يكون ذلك العرض ليلة
المعراج، ويجوز أن يكون في وقت آخر؛ وعَرض الأجور كناية عن
إحاطة علمه بها، ويَجوز أن يكون على وَجه الحقيقة بأن عُرضت. في صُوَرِ
حِسَان، وعُرِضَت الذُّنوبُ في صُوَرٍ قباح، كما تُوزن الأَعمال يَوم القيامة
في صوَر حسان وقباح.
قوله: " حتى القذاةُ " بالرَّفع عَطفًا على " الأجور " مثل قولك: جاء
الحُجاجُ حتى المُشاةُ؛ القذاةُ واحدة القَذى؛ وهي ما يقعُ في العَين والماء
والشراب من تُراب أو تبن أو وَسَخ أو غير ذلك؛ وهذا خارج مخرج
المبالغة، لأنه إذا حصل الأجر لمن يُخرج القذاة من المسجد، فالذي يكنُسُه
ويُزيلُ ترابَه وغُباره، ويُنظفه عن الأقذار والأوساخ بالطريق الأولى أن
يحصل له أجُور كثيرة؛ ولهذا بَوب الشيخ بقوله: " بابٌ في كنس
المسجد " ثم. بَيّن فيه إزالة القذى، وبين أن فيها أجرًا، ففي الكنس الذي
هو أعلى من إزالة القذى أولى وأجدر أن يكون فيها أجرٌ بل أجور كثيرة.
قوله: " من سورة من القرآن أو آية " السورة: الطائفة من القرآن المعبّر
عنها بسورة كذا التي أقلها ثلاث آيات، وواوها لا (1) إما أن تكون
أصلا أو منقلبة عن همزة؛ فإن كان الأول فيكون منقولا من سُورة المدينة
- وهي حائطها- لأنها طائفة من القرآن محدودة محوزةٌ على انفرادها
كالبلد المُسوّر، أو لأنها محتوية على فنون من العلم وأجناس من الفوائد
كاحتواء سور المدينة على ما فيها، وإن كان الثاني فلأنها قطعة وطائفة من
القرآن كالسُّؤر التي هي البقية من الشيء والفَضلة. والآية في اللغة:
العلامة؛ والأصل: أوَيَة- بالتحريك- قلبت الواو ألفا لتحركها،
وانفتاح ما قبلها فصار: آية؛ والنسبة إليه: أوَوَي، وجَمعها: آيٌ وأيَايٌ
وآياتٌ. والآية: طائفة من القرآن؛ أقلها ستة أحرف.
قوله: " أوتيها " أي: أعطيها رجل أي: أعطاه اللهَّ إَياها.
__________
(1) كذا، ولعلها بمعنى " لا تخرج ".
24* شرح سنن أبي داوود 2

(2/369)


قوله: " ثم نَسِيها " أي: تركها ولم يَعمل بما فيها.
فإن قيل: كيف يكون هذا أعظم الذنوب وقد ورد في " الصحيح ":
أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " ثم ذكر
قتل الولد مخافة الفقر، ثم الزنا بحليلة الجار؟ قلت: هذا من الأمور
النسبية؛ فكل ذنب/فوقه ذنب وتحته ذنب؛ فهو بالنسبة إلى ما تحته
أعظم الذنوب؛ فالكفرُ أعظم الذنوب على الإطلاق؛ لأنه لا ذنب أعظم
منه، وما بعده أعظم بالنسبة إلى ما تحته؛ وهذا مثل ما يُقال: هذا صغيرة
وهذا كبيرة، وهذا أكبر الكبائر، كل ذلك أمُور نسبيّة، وكذلك يُقال في
فضائل الأعمال نحو هذا- وأيضًا- تختلف هذه الأشياء باختلاف
الأحوال والأشخاص والأزمان فافهم. والحديث: أخرجه الترمذي،
وقال: " هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال: وذاكرتُ
به محمدًا- يعني: البخاري- فلم يعرفه واستغربه؛ قال محمد: ولا
أعرف للمطلب سماعًا من أحد من أصحاب رسول الله- عليه السلام-
إلا قوله: حدثني من شهد خطبة النبي- عليه السلام-، قال:
وسمعتُ عبد الله بن عبد الرحمن يقول: لا نَعرف للمطلب سماعًا من
أحد من أصحاب رسول الله، قال عبد الله: وأنكر علي بن المديني أن
يكونَ المطلب سمع من أنسِ ".
قلت: قد ذكر صاحب " الكمال " أنه روى عن أنس وغيره- كما
ذكرنا في ترجمته عن قريب-.
***
16- بَاب: اعتزالُ النَسَاءِ في المَسَاجد عَن الرجالِ
أي: هذا باب في بيان حكم اعتزال النساء في الدخول في المساجد
والخروج عنها، والصلاة فيها عن الرجال. وفي بعض النسخ: " باب ما
جاء في اعتزال النساء "؛ والأول أصحّ.
444- ص- نا عبد الله بن عَمرو أبو مَعمر: نا عبد الوارث: نا أيوب،

(2/370)


عن نافع، عن ابنِ عمرَ قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو تَرَكنَا هذا البابَ
للنساء (1) "!
شَ- عبد الله بن عَمرو: ابن أبي الحجاج المنقري البَصري،
وعبد الوارث: ابن سَعيد بن ذكوان البصري، وأيوب: السختياني.
قوله: " لو تركنا هذا الباب " جواب " لو " محذوف تقديره: لو تركنا
هذا الباب للنساء لكان أولى أو حسنًا، ونحو ذلك. ويُفهم من هذا: أن
النساء إذا حضرن للجماعة مع الرجال ينبغي أن لا يختلطن بهم؛ فإن كان
ثمة باب مخصوص لهن يدخلن منه، ويخرجن منه، وإلا يحترزن عن
الاختلاط بهم ما أمكن.
ص- قال نافع: فلم يدخل منه ابنُ عُمرَ حتى ماتَ.
ش- أي: قال نافع مولى ابن عمر: فلم يدخل من هذا الباب الذي
أشار إليه النبي- عليه السلام- عبد الله بن عمر إلى أن مات رضي الله
عنه.
ص- قال غيرُ عبد الوارث: قال عُمر؛ وهو أصح.
ش- أي قال غيرُ عبد الوارث بن سعيد من الرواة: قال عُمر بن
الخطاب موضع ابن عمر، قال أبو داود: هو أصحّ من الأوّل، وبيّن
ذلك في بعض النسخ بقوله: نا أبو علي: نا أبو داود.
445- ص- نا محمد بن قدامة بن أعين قال: نا إسماعيل، عن أيوب،
عن نافع قال: قال عمر بمعناه؛ وهو أصح (2) .
قلت: ليس هذا بموجود في النسخ الصحيحة.
446- ص- نا قتيبة: نا بكر- يعني: ابن مضر-، عن عمرو بن
الحارث، عن بُكير، عن نافع أن عمر بن الخطاب كان يَنهى أن يُدخَل من
بالنساءِ (2) .
__________
(1) تفرد به أبو داود، ويأتي برقم (553) .
(2) تفرد به أبو داود.

(2/371)


ش- قتيبة: ابن سعيد، وبكر: ابن مُضر، أبو محمد المصري،
وعمرو بن الحارث: أبو أميّة الأنصاري المصري، وبكير: ابن عبد الله بن
الأشج.
قوله: " أن يُدخلَ " على صيغة المجهول.
قوله: " من باب النساء " أي: من الباب. المخصوص من أبواب المسجد
للنساء. ونافع عن عمر منقطعِ فافهم.:!
17- بَابٌ: فيمَا. يَقُولُ الرَّجُلُ عَندَ دُخُولِه المسجدَ
أي: هذا باب في بيان ما يقوله الرجل عند دخوله المسجد. وفي بعض
النسخ: " باب ما جاء فيما يقول الرجل "، وفي بعضها: " باب ما
يقول ".
447- ص- نا محمد بن عثمان الدمشقي: نا عبد العزيز- يعني:
الدراوردي-، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن عبد الملك بن سعيد بن
سُوَيد قال: سمعتُ أبا حُمَيد أو أبا أسيد الأنصاريَ يقول: قال رسولُ الله:
" إِذا دَخَلَ أحدُكُمُ المسجدَ فليُسَلِّم على النبيَ- عليه السلام- ثم ليقل: اللهَم
افتح لي أبواب رحمَتِكَ، فإذا خرجَ فليقل: اللهم إني أسألُكَ من فَضلِك " (1) .
ش- محمد بن عثمان التنوخي الدمشقي، أبو عبد الرحمن، ويقال:
أبو الجماهر، من أهل كفر سوسية. سمع: عبد العزيز الدراوردي،
ومروان بن معاوية، وسليمان بن بلال وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة،
وأبو حاتم، وأبو داود، وابن ماجه وغيرهم. وقال / أبو مسهر وعثمان
الدارمي: هو ثقة. مات سنة أربع وعشرين ومائتين (2) .
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب.: ما يقول إذا دخل المسجد رقم (713) ،
النسائي: كتاب المساجد، باب: القول عند دخول المسجد وعند الخروج منه
(2/53) ، ابن ماجه: كتاب المساجد، باب: الدعاء عند دخول المسجد رقم
(772) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5461) .

(2/372)


وعبد العزيز: ابن محمد الدراوردي المدني الجهني. وربيعة بن
أبي عبد الرحمن: الرأي المدني.
وعبد الملك بن سعيد بن سُوَيد: الأنصاري المدني. روى. عن: جابر
ابن عبد الله، وأبي حميد أو (1) أبي أسيد - وقال عبد الرحمن:
سمع من أبي حميد وأبي أُسَيد-. روى عنه: بكير بن عبد الله بن
الأشج، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وعبد العزيز الدراوردي. روى
له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2)
وأبو حميد: اسمُه: المنذر- وقيل: عبد الرحمن- بن سَعد بن
المنذر. وفي " الكمال ": أبو حميد بن عمرو بن سَعد بن مالك بن خالد
ابن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج، ويقال:
ابن عمرو بن سَعد بن المنذر بن مالك الساعدي اسمه: عبد الرحمن،
وقيل: المنذر الساعدي. رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام- ستة
وعشرون حديثًا؛ اتفقا منها على ثلاثة أحاديث، وللبخاري حديث،
ولمسلم آخر. روى عنه: جابر بن عبد الله، وعروة بن الزبير، وعباس
ابن سهل، وعمرو بن سُليم، وعبد الملك بن سعيد وغيرهم. توفي في
آخر خلافة معاوية، معدود في أهل المدينة. روى له الجماعة (3) .
وأبو أُسَيد- بضم الهمزة وفتح السين المهملة- اسمه: مالك بن ربيعة بن
البدن- بالباء الموحدة وفتح الدال المهملة وكسرها، ويقال: اليَدي- بفتح
الياء آخر الحروف وكسر الدال المهملة وبعدها ياء آخر الحروفَ- ابن
عمرو، ويقال: عامر بن عوف بن حارثة بن عمر [و] بن الخزرج
الأنصاري الساعدي، وقيل: اسمه: هلال؛ والأول أشهر وأكثر. شهد
بدرا. رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام- ثمانية وعشرون حديثا؛
اتفقا على حديث واحد، وللبخاري حديثان ولمسلم آخرُ. روى عنه:
__________
(1) في الأصل: " ابن " خطأ.
(2) المصدر السابق (18/3530) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/42) ، أسد الغابة (6/78) ،
الإصابة (4/46) .

(2/373)


أنس بن مالك، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابنه: المنذر بن أبي أسيد،
وعباس بن سهل، وعبد الملك بن سعيد. مات بعد ما ذهب بصره سنة
أربعين عام الجماعة، وهو ابن ثمان وسبعين. روى له الجماعة. وهو
آخر البَدريين وفاةً (1) .
قوله: " اللهم افتح لي أبواب رحمتك " أي: أنواع رحمتك. وقد
جاءت في هذا الباب أذكار كثيرة ومختصر مجموعها: أن تقول: " أعوذ
بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم،
باسم الله، والحمد الله، اللهم صل على محمد، وعلى اَل محمدٍ
وسلَم، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك "، وفي الخروج
يقوله؛ لكن يقول: " اللهم إني أسألك من فضلك ". والحديث:
أخرجه مسلم، والنسائي؛ وأخرجه ابن ماجه عن أبي حُميد وَحده.
448- ص- نا إسماعيل بن بشر بن منصور: نا عبد الرحمن بن مَهدي،
عن عبد الله بن المبارك، عن حَيوةَ بنِ شريح قال: لقيتُ عُقبةَ بن مُسلم فقلت
له: بَلغني أنك حُدِّثتَ عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبيَ- عليه
السلام-، أنه كان إذا دَخلَ المسجدَ قال: " أعُوذُ بالله العَظيم، وبوجهِهِ
الكَرِيم، وسُلطانه القَديم من الشيطان الرجيم " قال: أَقطُ؟ قلتُ: نعَم،
قال: " فإذا قال فلَكَ، قال الشيطانُ: حفِظَ مِنّي سَائرَ اليوم " (2) .
ش- إسماعيل بن بشر بن منصور: أبو بشر السليمي. روى عن:
عبد الرحمن بن مهدي، وعمر بن علي (3) . روى عنه: أبو داود،
والنسائي، عن رجل، عنه، وابن ماجه (4) .
وعبد الرحمن بن مَهدي: البصري اللؤلؤي.
وعُقبة بن مسلم: أبو محمد التُجِيبي المصري القاضي، إمام مسجد
__________
(1) المصادر السابقة (4/8) ، (5/23- 24 و 6/13) ، (3/344) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في الأصل " عمرو بن علي " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/427) .

(2/374)


الجامع العتيق بمصر. سمع: عبد الله بن عمرو بن العاص، وابن عُمر،
وعقبة بن عامر وغيرهم، ومن التابعين: أبا عبد الرحمن الحبلي، وسعد
ابن مَسعود التجيبي. روى عنه: حيوة بن شريح، وجعفر بن ربيعة،
وعبد الله بن لهيعة وغيرهم. قال أحمد بن عبد الله: مصري ثقة. توفي
قريبا من سنة عشرين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه (1) .
قوله: " أعُوذ بالله العظيم " أي: العظيم الشأن أو العظيم الصفات.
قوله: " وبوَجهه الكريم " أي: وبذاته الكريم (2) ؛ لأن الوجه يذكر
ويراد به الذات؛ كما في قوله تعالى: (وَيَبقَى وَجهُ ربكَ) (3) و (كُل
شَيء هَالكٌ إلا وَجهَهُ) (4) ومعنى الكريم: الجواد المُعطي الذي لا ينفذ
عطاؤه؛ وهو الكريم المُطلق، والكريم الجامع لأنواع الخير والشرف
والفضائل؛ ومنه: " إن الكريم/ابن الكريم " الحديث لأنه اجتمع له
شرف النبوة والعلم والجمال والعفة، وكرم الأخلاق والعَدل، ورئاسة
الدنيا والدين، والكرم نقيض اللؤم، وقد كرُم الرجل- بالضم- فهو
كريم، وقوم كرام وكرماء، ونسوة كرماء، ويقال- أيضا- رجل كُرَ ثم
وامرأة ونسوة كَرَمٌ، والكُرام- بالضم- مثل الكريم، فإذا أفرط في
الكرم قيل: كُرام بالتَشديد.
قوله: " وسُلطانه القديم " أي: حجته القديمة، وبرهانه القديم، أو
قهره القديم؛ لأن السُلطان من السلاطَة؛ وهي القهر، والقديم من القِدمَ
- بكسر القاف وفتح الدال- وهو خلاف الحدوث.
قوله: " من الشيطان الرجيم " الشيطان فيعال من شطن أي بَعُد؛ قاله
البصريون. وقال الكوفيون: فعلان من شَاط يشيط أي: هلك، يدل
__________
(1) المصدر السابق (20 / 3987)
(2) بل المراد وجه الله تعالى، وجه يليق به سبحانه على الحقيقة، لا تأويل فيه،
ولا تشبيه ولا تعطيل، ولا تمثيل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ،
إجماع أهل السنة والجماعة، وانظر مجموع الفتاوى (3/129: 133) .
(3) سورة الرحمن: (27) .
(4) سورة القصص: (88) .

(2/375)


عليه أنه لا ينصرف، وهو المُبعّد من رحمة الله، المُهلك بعذابه. وقال ابن
عباس: الشيطان: كل متمرّد من الجن والإنس والدوابّ. والرجيم:
فعيل بمعنى مفعول أي: المرجوم بشُهب السماء واللَعن؛ والرَجم: القتل
بالحجارة، فسمّي كل طريد شتيم رجيما. وتضيف إلى هذا الدعاء ما
ذكرنا من قوله " بسم الله، والحَمد لله، واللهم صل على محمد " إلى
آخره، ومعنى قوله " باسم الله " أي: أدخل باسم الله؛ وكذا يقدر كل
فاعل يبتدئ بشيء بما يُناسب تلك الحالة. ومَعنى " اللهم صلّ على
محمدِ ": اللهُمّ عظّمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء
شريعته، وفي الآخرة: بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته.
قوله: " قال: أقَطُ؟ " أي: قال حيوة بن شريح لعُقبة بن مُسلم: " أقَط "
أي: أحَسبُ، والهمزةُ فيه للاستفهام- وهو بفتح القاف وضم الطاء
المخففة، ويجوز التشديد فيه- أيضا- والمعنى: الذي ترويه هذا المقدار
أو أكثر من ذلك؟ والظاهر: أن المعنى: أهذا يكفيه " عن غيره من
الأذكار؟ أو هذا يكفيه من شر الشيطان؟ فلهذا قال: " قلت: نعَم "
وفاعل قلتُ هو: عقبة بن مسلم إن كان السائل هو حيوة بن شريح، أو
عبد الله بن عَمرو إن كان السائل هو عقبة بن مسلم؛ فعلى الوجه الثاني
يكون فاعل " قال: أقط " - أيضا- هو عقبة بن مسلم.
قوله: " قال: فإذا قال " فاعل " قال " الأوّل يجوز أن يكون " عقبة "،
ويجوز أن يكون " عبد الله بن عمرو " وفاعل " قال " الثاني هو الذي
يدخل المسجد؛ وذلك إشارة إلى الدعاء المذكور.
قوله: " سائر اليوم " أي: جميع اليوم؛ وهو نَصب على الظرفية.