شرح أبي داود
للعيني 18 - بَاب: الصَّلاة عندَ دُخُول المَسجد
أي: هذا باب في بيان حكم الصلاَة عند دخول المسَجد. وفي
بعض
النسخ: " باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد (1) ".
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2/376)
449- ص- نا القعنبي: نا مالك، عن عامر بن
عبد الله بن الزبير، عن
عَمرو بن سُلَيم، عن أبي قتادة أن رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا جَاءَ أحدُكُم
المسجدَ فليصَلِّ فيه (1) سَجدتينِ من قبلِ أن يَجلسَ "
(2) .
ش- القعنبي: عبد الله بن مسلمة، ومالك: ابن أنس.
وعامر بن عبد الله بن الزُبير: ابن العوام القرشي الأسديّ
المدني
أبو الحارث، أخو عبّاد وحمزة وثابت وخبيب، وموسى، وعُمر.
سمع: أباه، وأنس بن مالك، وعمرو بن سليم. روى عنه: سعيد
المقبري، ويحيى الأنصاري، ومالك بن أنس وغيرهم. قال ابن
معين،
وأبو حاتم: ثقة، مات قبل هشام أو بعده بقليل، ومات هشام
سنة أربع
وعشرين ومائة. روى له الجماعة إلا الترمذي (3) .
وعمرو بن سُليم: الزُّرقي الأنصاري الدني. وأبو قتادة:
الحارث بن
ربعي السّلَمي.
وهذا الحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه. ولفظ غيره: " إذا دخل أحدكم المسجد فليركع
ركعتن قبل
أن يجلس ". ورواه الدارقطني- أيضا- والطبراني. وفي "
المصنف "
لأبي بكر زيادة من طريق حسنة: " أعطوا الساجد حقها " قيل:
يا رسول
الله! وما حقها؟ قال: " ركعتين قبل أن يجلس ". وزاد أبو
أحمد
__________
(1) كلمة " فيه " غير موجودة في سنن أبي داود.
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: إذا دخل أحدكم المسجد
فليركع ركعتين
(444) ، مسلم: كتاب صلاة السافرين وقصرها، باب: استحباب
تحية
المسجد بركعتين وكرامة الجلوس قبل صلاتها 69- (714) ،
الترمذي: كتاب
الصلاة، باب: ما جاء إذا دخل أحدكم المسجد فليركع (316) ،
النسائي:
كتاب المساجد، باب: الأمر بالصلاة قبل الجلوس فيه (2/53) ،
ابن ماجه:
كتاب إقامة الصلاة، باب: من دخل المسجد فلا يجلس حتى يركع
(1013) .
(3) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (14/3049) .
(2/377)
الجرجاني: " وإذا دخل بَيته فلا يجلس حتى
يركع ركعتين؛ فإن الله
عز وجل جاعل له من ركعتيه في بَيته خيرا ". وإسناده منكر؛
قال
البخاريّ: هذه الزيادة لا أصل لها، وأنكر ذلك- أيضا- أبن
القطان.
ثم اعلم أن هذه سنة بإجماع المسلمين؛ إلا ما رُوِيَ عن
داود وأصحابه
وجوبها/بظاهر (1) الأمر؛ وليس كذلك؛ لأن الأمر محمول على
الاستحباب والندب لقوله- عليه السلام- للذي سأله عن
الصلوات:
هل علي غيرها؟ قال: " لا، إلا أن تطوع (2) " وغير ذلك من
الأحاديث، ولو قلنا بوجوبهما لحرُم على المحدث الحدث
الأصغر دخول
المسجد حتى يتوضأ؛ ولا قائل به، فإذا جاز دخول المسجد على
غير
وضوء لزم منه أنه لا يجب عليه سجودهما عند دخوله، ثم إنه
يصليهما
إلا في وقت النهي عند أبي حنيفة وأصحابه، وهو قول
الأوزاعي،
واللَّيث، وحكي ذلك- أيضا- عن الشافعي، ومذهبه الصحيح: أنه
يصليهما في كل وقت؛ وهو قول أحمد، وإسحاق، والحسن،
ومكحول. وكذا لا يصلي عند أبي حنيفة إذا كان الإمام على
المنبر؛ وهو
قول مالك، وابن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، والنخعي،
وقتادة،
والثوري. وقالت الشافعية: إن النهي إنما هو عما لا سبب
لها؛ لأنه
- عليه السلام- صلى بعد العصر ركعتين قضاءَ سنة الظهر، فخص
وقت
النهي، ولم يترك التحية في حال من الأحوالَ؛ بل أمر الذي
دخل
المسجد يوم الجمعة وهو يخطب فجلس أن يقوم فيركع ركعتين، مع
إن
الصلاة في حال الخطبة ممنوع منها إلا التحيّة. والجواب عن
ذلك: أن
حديث النهي؛ وهو حديث ابن عباس الذي أخرجه الأئمة الستة في
كتبهم
عنه قال: " شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر: أن
رسول الله
- عليه السلام- نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس،
وعن
الصلاة بَعد العصر حتى تغرب الشمس " خاص، وحديث: " إذا
__________
(1) في الأصل: " بتظاهر ".
(2) تقدم برقم (375) .
(2/378)
دخل " عام بالنسبة إلى الأوقات؛ فيُخصّ
بذاك الحديث؛ فإنه أخصّ من
عموم الأوقات، وهذه هي القاعدة فيما إذا تعارض نصان.
والجواب عن
قولهم: " صلى بعد العصر ركعتين قضاء سُنَّة الظهر ": أنه-
عليه
السلام- شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم
أثبتَهما، وكان
إذا صلى صلاةً أثبتها- يعني: داوم عليها- مع أنه نهى غيره
عنها، كما
أنه كان يُواصلُ وينهى عن الوصال، فافهم. والجواب عن أَمره
للذي
دخل المسجد يوم الجمعة من وجهين؛ الأول: أن النبي- عليه
السلام-
أَنصت له حتى فرغ من صلاته؛ بدليل: ما رواه الدارقطني في "
سننه " (1)
من حديث عبيد بن محمد العَبدي: ثنا معتمر، عن أبيه، عن
قتادة،
عن أنس قال: دخل رجل السجد ورسول الله يخطبُ فقال له النبي
- عليه السلام-: " قم فاركع ركعتين " وأَمسك عن الخطبة حتى
فرغ من
صلاته. انتهى ثم قال. أسنده عبيد بن محمد العبدي؛ ووهم
فيه. ثم
أخرجه عن أحمد بن حنبل: ثنا معتمر، عن أبيه قال: جاء رجل
والنبي
- عليه السلام- يخطب فقال: " يا فلان أصليت؟ " قال: لا،
قال:
" قم فصَلّ " ثم انتظره حتى صلى. قال: وهذا المرسل هو
الصواب. ثم
أخرجه عن أبي معشر، عن محمد بن قيس أن النبي- عليه السلام-
قال (2) لما أمره- يعني: سُلَيكًا- أن يصلي ركعتين وهو
يخطب-:
أمسك عن الخطبة حتى فرغ من ركعتيه، ثم عاد إلى خطبته.
انتهى قال:
وهذا مرسل، وبهذا السند: دواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ".
الثاني: أن ذلك كان قبل شروعه- عليه السلام- في الخطبة؛
وقد
بوّب النسائي في " سننه الكبرى " على حديث سُليك تال: "
باب الصلاة
قبل الخطبة " ثم أخرجه عن أبي الزُبَير، عن جابر قال: جاء
سُليك
الغطفاني ورسول الله قاعد على المنبر فقعد سُليك قبل أن
يصلى فقال له
- عليه السلام-: " أركعت ركعتين؟ " قال: لا، قال: " قم
فاركعهما ".
__________
(1) (2/15) .
(2) كذا.
(2/379)
فإن قيل: إذا تركهما الرجل هل يقضيهما؟
قلت: لا، حتى قال
الشافعي: ولم أعلم مخالفا أن من تركهما لم يقضهما. وقد ذكر
المروذي
أنه قال لأبي عبد الله: حديث حميد بن عبد الرحمن، عن هشام
بن
سَعد، عن نعيم المجمر، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه
السلام- أنه
دخل المسجد فاحتبى ولم يصل الركعتين أمحفوظ هو (1) ؟ قال:
نعم،
قال: ورأيت أبا عبد الله كثيرا يدخل المسجد فيقعد ولا
يصلي، ثم يخرج
ولا يصلي في أوقات الصلوات.
وفي " المصنف ": حدثنا الدراوردي، عن زيد بن أسلم قال: كان
أصحاب رسول الله يدخلون المسجد ثم يخرجون ولا يصلون، قال:
ورأيت ابن عُمر يفعله. وحدثنا وكيع، عن عبد الله بن سعيد
بن أبي هند،
عن نافع أن. ابن عمر كان يمر في المسجد ولا يصلى فيه/ومرّ
الشعبي فيه
فلم يُصلّ، وكذلك سُويد بن غَفَلة وسالم بن عبد الله بن
عمر.
فإن قيل: ما روى من قوله- عليه السلام-: " قُم فاركع
ركعتين "
لسُليك حين دخل وقعد ولم يُصل، هَل لا يَدُل على قضائهما؟
قلت:
لا؛ لأن ذلك كان على سبيل الاختيار لا الوجوب، فافهم.
450- ص- نا مسدد: نا عبد الواحد بن زياد: نا أبو عُمَيس
عتبة بن
عبد الله، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن رجل من بني
زُريق، عن
أبي قتادة، عن النبي- عليه السلام- نحوه؛ زادَ: " ثم ليقعد
بعدُ إن شاءَ،
أو لِيذهَب لحاجَتِهِ " (2) .
ش- مُسدد: ابن مسرهد، وعبد الواحد بن زياد: أبو بشر
البصري.
وأبو عُمَيس- بالسين المهملة- عتبة بن عبد الله بن عتبة بن
عبد الله بن
مسعود الهذلي المَسعودي الكوفي، أخو عبد الرحمن بن عبد
الله. روى
عن: الشعبي، وأبي إسحاق، وعمرو بن مرة وغيرهم. روى عنه:
__________
(1) في الأصل: " المحفوظ هو ".
(2) انظر: التخريج المتقدم.
(2/380)
محمد بن إسحاق، وشعبة، وابن عيينة، ووكيع
وغيرهم. قال ابن
معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له الجماعة
(1) .
قوله: " عن رجل من بني زُريق " مجهول.
قوله: " نحوه " أي: نحو الحديث المذكور؛ ولكنه زاد في هذه
الرواية: " ثم ليقعد بعد " أي: بعد أن صلى ركعتين إن شاء
القُعاد، أو
ليَمض إلى حاجته.
19- بَابُ: فَضلِ القُعُودِ في المَسجدِ
أي: هذا باب في بيان فضل القعود في المسجد، وفي بعض النسخ:
" باب في فضل " (2) .
451- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عنِ
أبي هريرة أن رسول الله قال: " المَلائكةُ تُصلِّي على
أحدِكُم مادَامَ في مُصلاّهُ
الذي صَلَى فيه ما لم يُحدِث أو يَقُومُ (3) : اللهم اغفِر
له، اللهم ارحَمهُا " (4) .
ش- أبو الزَناد: عبد الله بن ذكوان القرشي، والأعرج: عبد
الرحمن
ابن هُرمز.
قوله: " الملائكة تصلي على أحدكم " أي: تَدعو لأحدكم؛ لأن
الصلاة
في اللغة: الدعاء. وكلمة " ما " في " مادام " وفي " ما لم
يُحدِث "
للمدّة؛ والمعنى: مُدة دوامه في مُصلاه الذي صلّى فيه مدة
عدم الحدث أو
التحديث؛ على اختلاف تفسير " لم يحدث ".
قوله: " مُصلاه "- بضم الميم- اسم الموضع الذي صلى فيه.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3776) .
(2) كما في سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: " أو يقم ".
(4) البخاري: كتاب الصلاة، باب: الحدث في السجد (445) ،
النسائي: كتاب
الساجد، باب: الترغيب في الجلوس في السجد وانتظار الصلاة
(2/55) .
(2/381)
قوله: " ما لم يُحدِث " بدل من قوله: "
مادامَ " وهو إما من الإحداث
بمَعنى: الحدث الناقض للطهارة؛ كما فسّره في الحديث الذي
يأتي بقوله:
" ما يُحدث؟ قال: يَفسو أو يَضرط "، وإما من التحديث؛
بمعنى:
الاشتغال بالحديث من غير ذكر الله عز وجل.
قوله: " أو يقومُ " بالرفع عطف على ما لم يُحدث من حيث
المعنى؛
فلذلك لم يُحزم، ويجوز أن يكون مرفوعا على لغة من لا يجزم
الفعل
ب " لَم "؛ كما في قول الشاعر:
لولا فَوارسُ من نُعم وأسرتهِم ... يَومَ الصُلَيفاء لم
يُوفُون بالجَارِ
قوله: " اللهم اغفر له، اللهم ارحمه " بيان وتفسير لقوله "
تُصَلّي على
أحدكم " والمعنى: تدعو بقولهم " اللهم اغفر له، اللهم
ارحمه " وبهذا
يندفع سؤال من يقول: ما موقع الجمع بين صلاة الملائكة إذا
كانت معناها
الاستغفار وبَين قولنا (1) " اللهم اغفر له "؟ وجواب آخرُ:
أن الصلاة
والاستغفار وإن كانا يَرجعان لشيء واحد، فقد يكون أحدهما
أخص وأقعد
بالمعنى وأبلغ، فتدعو الملائكة وتسأل الله ذلك المعنى
باللفظين مَعا.
وجواب آخرُ: أن سؤالها بلفظ الصلاة إنما هو ليقع الثواب من
جنس
العمل، فتكون صلاة منه بصلاة من الملائكة عليه، ثم لما حصل
التجانس
بين العمل وجزائه، دعوا له بعد ذلك بلفظ الاستغفار
والرحمة.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم من حديث أبي صالح، عن (2)
أبي هريرة أتم منه. وأخرجه النسائي- أيضا- وعند الحاكم على
شرط
مسلم من حديث عقبة بن عامر مرفوعا: " والقاعد يرعى الصلاة
كالقانت، ويكتب من المصلين من حين يخرج من بَيته حتى يرجع
". وفي
" صحيح ابن حبان ": " ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة
والذكر إلا
تبشبش الله إليه كما يَتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم
عليهم ".
قال السَفاقسي: الحدث في المسجد خطيئة يُحرمُ به المحدثُ
استغفار
__________
(1) كذا، والجاد: " قولهم ".
(2) في الأصل: " من ".
(2/382)
الملائكة. وقد قيل: من أراد أن يحط الله
عنه ذنوبه فليلازم بصلاة بعد
الصلاة، ليستكثر من استغفار الملائكة له. وقد شبه صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك بالرباط.
وقال الداودي: قوله: " ما لم يحدث " - بالتخفيف- يدل على
جواز
الحدث في المسجد، وفي رواية بالتشديد أراد الحديث بغير ذكر
الله تعالى
/قال السفاقسي: لم يذكر التشديد أحدٌ.
452- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن
أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: " لا يَزالُ أحدُكُم في صَلاة ما كانت
الصلاةُ تَحبِسُهُ، لا يَمنَعُهُ أن يَنقَلِبَ إلى أهله
إلاَ الصلاةُ " (1) .َ
ش- أي: في حكم صلاةِ؛ والمعنىً: لا يزالُ أحدكم كأنه يُصلي
ما
كانت الصلاة تحبسُه، أي: تمنعه من القيام والخروج، بمعنى:
مادام
انتظار الصلاة يمنعه عن ذِلك كأنه في الصلاة.
قوله: " لا يَمنعه أن ينقلب إلى أهله " أي: أن يَرجع إلى
أهله و " أن
ينقلب " محله النصب على المفعولية، وارتفاع الصلاة على
الفاعلية؛
والمعنى: لا يَمنعه الانقلابَ إلى أهله إلا الصلاة.
والحديث أخرجه مسلم.
453- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد، عن ثابت، عن أبي
رافع،
عن أبي هريرة أن رسول الله- عليه السلام- قال: " لا يزالُ
العبدُ في صَلاة
ما كان في مُصَلاهُ يَنتظرُ الصلاةَ، تقولُ الملائكةُ:
اللهم اغفر له، اللهمَ
ارحَمهُ، حتى يَنصرفَ، أو يُحدثَ " فقيل: ما يُحدثُ؟ قال:
" يَفسُو أو
يَضرطُ " (1) .َ
ش- حماد: ابن سلمة، وثابت: البناني، وأبو رافع: نُفيع
الصائغ
المدني.
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: الصلاة في مسجد السوق
(477) ، مسلم:
كتاب المساجد، باب: فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة (649)
.
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة
الجماعة وانتظار
الصلاة 274- (649) .
(2/383)
قوله: " قال: يفسو " أي: قال أبو هريرة؛
ففسر أبو هريرة قوله " أو
يُحدث " بالحدث الناقض للطهارة. وأخرجه مسلم.
454- ص- نا هشام بن عمار: نا صدقة بن خالد: نا عثمان بن
أبي العاتكة الأزدي، عن عُمَير بن هانِئ العَنسِي، عن أبي
هريرة قال: قال
رسول الله- عليه السلام-: " مَن أتى المَسجد لِشيءٍ فهو
حَظهُ " (1) .
ش- هشام بن عمار: ابن نضير بن مَيسرة بن أبان أبو الوليد
السُّلمي
الظّفريّ الدمشقي. سمع: يحيى بن حمزة، وابن عيينة، ومالك
بن
أنس، وصدقة بن خالد وغيرهم. روى عنه: ابن مَعين، وابن
سَعد،
والبخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي، عن
البخاري، عنه. قال ابن معين: هو كيس كيّس، وفي رواية: ثقة،
وقال النسائي: لا بأس به، وقال الدارقطني: صدوق، كبير
المحل.
توفي بدمشق آخر المحرم سنة ست وأربعين ومائتين، وقيل: سنه
خمسين (2) .
وصدقة بن خالد: الدمشقي أبو العباس الأموي، مولى أم البنين
أخت معاوية بن أبي سفيان؛ قاله البخاري، وقال هشام بن
عمار:
مولى أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان. روى عن: زيد بن
واقد،
وعثمان بن أبي العاتكة، والأوزاعي، وغيرهم. روى عنه:
الوليد بن
مسلم، وأبو مسهر، وهشام بن عمار وغيرهم. قال أحمد بن حنبل:
ثقة، ليس به بأس 0 وقال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. توفي سنة
ثمانين
ومائة. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة
(3) .
وعثمان بن أبي العاتكة- واسمه: سليمان- أبو حفص الأزدي
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6586) .
(3) المصدر السابق (13/2861) .
(2/384)
الدمشقي القاصّ. سمع: عمير بن هانئ، وعمر
[و] بن مهاجر،
وسليمان بن حبيب وغيرهم. روى عنه: صدقة بن خالد، والوليد
بن
مسلم، ومحمد بن شعيب بن شابور وغيرهم. قال ابن معين: ليس
بشيء، وقال دحيم: لا بأس به، وقال أبو حاتم: لا بأس به؛
بليته من
كثرة روايته عن علي بن يزيد، فأما ما روى عن غيره [فهو]
مقارب،
يكتب حديثه، وقال النسائي: هو ضعيف. توفي سنة نيف وأربعين
ومائة. روى له: أبو داود، وابن ماجه (1) .
وعُمَير بن هانئ: أبو الوليد العنسي- بالنون- الدمشقي
الداراني.
سمع: عبد الله بن عُمر، ومعاوية بن أبي سفيان وأبا هريرة
وغيرهم.
روى عنه: قتادة، والزهري، والأوزاعي وغيرهم. قال أحمد بن
عبد الله: هو ثقة، قتله الصفر بن حبيب بدارَيا سنة سبع
وعشرين ومائة.
روى له: الجماعة إلا النسائي (2) .
قوله: " فهو حظه " أي: ذلك الشيء نصيبُه بمعنى: إن كان
إتيانه لأجل
الصلاة أو الذكر، أو تلاوة القراَن، يكون ذلك نصيبهُ من
الأجر
والثواب، وإن كان لأجل عمل من أعمال الدنيا، أو للنوم، أو
للكلام أو
نحو ذلك، يكون ذلك- أيضا- نصيبَه من الوزر والخطيئة على
حسب
ذلك الشيء وتفاوته والله أعلم/.
***
20- بَابٌ: فِي كرَاهِية إنشَادِ الضَّالَّة في المَسجِد
أي: هذا باب في بيان كراهية إنشاد الضالة في المسجد؛
والكراهية
مصدر كالطواعية بمعنى الكراهة بتخفيف الياء. والإنشادُ من
نشدت الضالة
أنشُدُها أي: طلبتها، وأنشدتُها أي: عرفتُها؛ وقد ذكرناه
في باب حصى
المسجد. والضالة- بتشديد اللام- الضائعة من كل ما يُقتنى
من الحيوان
وغيره، يقال: ضل الشيء إذا ضاع، وضل عن الطريق إذا جَار،
وهي
__________
(1) المصدر السابق (19/3827) .
(2) المصدر السابق (22/4521) .
25* شرح سنن أبي داوود 2
(2/385)
في الأصل فاعلة، ثم اتسع فيها فصارت من
الصفات الغالبة، وتقع على
الذكر والأنثى والاثنين والجميع، وتجمع على ضوَالّ.
455- ص- نا عُبَيد الله (1) بن عُمر الجُشَمي: نا عبد الله
بن يزيد: نا
حَيوةُ قال: سمعتُ أبا الأسود يقول: أخبرني أبو عبد الله
مولى شداد أنه
سمع أبا هريرة يَقولُ: سمعتُ رسول الله- عليه السلام-: "
مَن سَمعَ
رجلاً ينشدُ ضَالَّةً في المسجد فليقل: لا أداها اللهُ
إليكَ؛ فإن المساجدَ لم تبَنَ
لهذا " (2) .
ش- عُبَيد الله بن عُمر: القواريري البَصري، وعبد الله بن
يزيد:
القرشي العدوي، وحيوة: ابن شريح.
وأبو الأسود: محمد بن عبد الرحمن بن الأسود بن نوفل بن
خُويلد
ابن أسَد بن عبد العُزى، أبو الأسود الأسدي المدني، قدم
مصر، وكان
جده: الأسود من مهاجرة الحبشة ومات بها. سمع: عروة،
والقاسم
ابن محمد، والأعرج، ونافعا وغيرهم. روى عنه: الزهري، ومالك
ابن أنس، وحيوة بن شريح وغيرهم. روى له الجماعة (3) .
وأبو عبد الله مولى شداد بن الهاد. روى عن: أبي هريرة. روى
عنه: أبو الأسود. روى له: مسلم، وأبو داود، وابن ماجه (4)
.
قوله: " يُنشد ضالة " أي: يُعرّفها؛ من الإنشاد.
فوله: " لم تبن لهذا " أي: لإنشاد الضالة؛ وإنما بُنيت
لأداء الفرائض.
وقد يدخل في هذا كل أمرٍ لم يُبن له المسجد من البيع
والشراء، ونحو
ذلك من أمور معاملات الناس واقتضاء حقوقهم. وقد كره بعض
السلف
__________
(1) في سنن أبي داود: " عبد الله " خطأ.
(2) مسلم: كتاب المساجد، باب: النهي عن نشد الضالة
(79/568) ، ابن
ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: النهي عن إنشاد الضوال
في المسجد
(767) .
(3) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (25/5411) .
(4) المصدر السابق (10/2150) .
(2/386)
المسألة في المسجد. وبعض أصحابنا لا يرى أن
يتصدق على السائل
المتعرض في المسجد. والحديث: أخرجه مسلم، وابن ماجه.
21- بَاب: في كرَاهِية البُزَاقِ في المَسجِد
أي: هذا باب في بيان كراهية البزاق في المَسجد، وفي بعض
النسخ:
" باب في كراهة البزاق ". وقد ذكرنا أن الكراهية والكراهة
كلاهما
مصدران من كره يكره من باب علم يعلم.
456- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا هشام وشعبة وأبان، عن
قتادة، عن
أنس بن مالك أن النبي- عليه السلام- قال: " التَّفلُ في
المسجد خَطيئةٌ؛
وكفَّارَتُه: أن تُوارِيَهُ " (1) .
ش- مسلم بن إبراهيم: القصاب الفَراهيدي، وهشام: ابن أبي
عبد الله
- سنبر- الدَّستوائي البصري، وشعبة: ابن الحجاج، وأبان:
ابن
يزيد، وقتادة: ابن دعامة.
قوله: " التفل " - بفتح التاء المثناة من فوق، وإسكان
الفاء- وهو:
البُصاق كما جاء في الحديث الآخر: " البصاق في المسجد
خطيئة ".
واعلم أن البزاق في المسجد خطيئة مطلقا، سواء احتاج إلى
البزاق أو
لم يحتج؛ بل يبزق في ثوبه، فإن بزق في المسجد فقد ارتكب
خطيئة
وعليه أن يكفر هذه الخطيئة بدفن البزاق. وقال القاضي عياض:
البزاق
ليس بخطيئة إلا في حق من لم يدفنه، فأما من أراد دفنه فليس
بخطيئة.
وهذا باطل، والحق ما ذكرناه.
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: كفارة البزاق في المسجد
(415) ، مسلم:
كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: النهي عن البصاق في
المسجد في
الصلاة وغيره (56- 552) .
(2/387)
قوله: " وكفارته أن تواريه " أي: أن
تُغيّبه يعني: تدفنه، و " أن "
مصدرية في محل الرفع على أنه خبر للمبتدأ، والتقدير:
وكفارته
مُواراته؛ والمعنى: انه إن ارتكب هذه الخطيئة فعليه
تكفيرها. واختلفوا في
المراد بدفنها؛ فالجمهور على أنه الدفن في تراب المسجد
ورمله وحَصبائه إن
كانت فيه هذه الأشياء وإلا يُخرجها. وعن أصحاب الشافعي
قولان؛
أحدهما: إخراجها مُطلقًا. والحديث: أخرجه مسلم.
457- ص- نا مسدد: نا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس قال: قال
رسولُ الله: " إن البُزَاقَ في المسجد خَطيئةٌ، وكَفارتُها
دَفنُها " (1) .
ش- أبو عوانة: الوضاح الوَاسطَي. والحديث: أخرجه البخاري،
والترمذي، والنسائي.
458- ص- نا أبو كامل: نا يزيد، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس
بن
مالك. قال: قال رسول الله- عليه السلام-/: " النُخَاعةُ في
المسجدِ "
فذكر مثله (2) .
ش- أبو كامل: فُضَيل بن الحُسين الجَحدري، ويزيد: ابن
زُرَيع
البصري، وسعيد: ابن أبي عروبة.
قوله: " النخاعة " هي النخامة؛ يقال: تنخم وتنخع، وقيل:
البزاق
من الفم، والمخاط من الأنف، والنخامة من الصَدر؛ وفرق
بعضهم بين
النخاعة والنخامة؛ فالنخاعة- بالعين- من المصدر، والنخامة-
بالميم-
من الرأس.
قوله: " فذكر مثله " أي: مثل الحديث المذكور.
459- ص- نا القَعنبي: نا أبو مودود، عن عبد الرحمن بنِ أبي
حَدرد
الأسلمي قال: سمعت أبا هريرة يَقولُ: قال رسولُ الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من دَخَلَ هذا
المسجدَ فبَزقَ فيه، أو تَنخمَ فليَحفر فليَدفنهُ، فإن لم
يفعَل فليَبزُق في ثوبه،
ثم ليخرُج بهِ " (3) .
__________
(1) انظر: الحديث السابق.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) تفرد به أبو داود.
(2/388)
ش- القعنبي: عبد الله بن مسلمة.
وأبو مَودود: عَبد العزيز بن أبي سليمان المدني الهُذَلي
مولاهم؟ كان
قاضيا لأهل المدينة، رأى جابر بن عبد الله الأنصاري، وسهل
بن سعد
الساعدي، وأنس بن مالك. وسمع: السائب بن يزيد، ونافعاً،
وعبد الرحمن
ابن أبي حَدرد، ومحمد بن كعب القرظي. روى عنه: عبد الرحمن
بن
مَهدي، وابن أبي فديك، ووكيع، والقعنبي وغيرهم. قال أحمد
بن
حنبل: ثقة، وكذا قال ابن معين. روى له: أبو داود (1) .
وعبد الرحمن بن أبي الحَدرد- واسمُ أبي حَدرد: عَبد
الأسلمي.
روى عن: أبي هريرة. وروى عنه: أبو مَودود. قال الدارقطني:
لا
بأس به. روى له: أبو داود (2) .
قوله: " أو تنخم " من النخامة، وقال ابن الأثير: النخامة:
البَزقة التي
تخرج من أقصى الحلق، ومن مخرج الخاء المعجمة.
قوله: " فليحفر " أي: فليحفر موضعا في المسجد إن كان يمكن
الحَفرُ
فليدفنه.
قوله: " فإن لم يفعل " أي: فإن لم يحفر، أو لم يمكن الحفرُ
فليبزق
في ثوبه " ثم ليخرج به " من المسجد؛ وهذا يدل على أن
البزاق طاهرٌ،
وكذا النخامة طاهرة، وليس فيه خلاف إلا ما حكِيَ عن
إبراهيم النخعي أنه
يقول: البزاق نجسٌ.
460- ص- نا هنّاد بن السرِي، عن أبي الأحوص، عن منصور، عن
ربعي، عن طارق بن عبد الله المُحاربي قال: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذا قامَ
الرجلُ إلى الصلاة، أو إذا صلَّى أحدُكُم فلا يَبزُقَنَّ
أمامَه ولا عن يمينه،
ولكن عن تِلقاءِ يَساَرِهِ إن كان فَارغَا، أو تحتَ قدمِهِ
اليُسرى، ثم ليقل به " (3) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 /3450) .
(2) المصدر السابق (17/3795) .
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية البزاق
في المسجد (571) ،-
(2/389)
ش- هَنّاد: الدارمي الكوفي، وأبو الأحوص:
سلام بن سُلَيم
الكوفي. ومنصور: ابن المعتمر.
ورِبعي: ابن حراش بن جحش بن عمرو بن عبد الله الغطفاني
العَبسي
أبو مريم الكوفي. روى عن: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي
طالب،
وحذيفة بن اليمان، وابن مسعود، وطارق بن عبد الله وغيره.
روى
عنه: الشعبي، ومنصور، وعبد الملك بن عمير، وغيرهم، قدم
ربعي
الشام. وسمع خطبة عمر بالجابية. قال أحمد بن عبد الله
العجلي:
تابعيّ ثقة، ولم يكذب كذبة قط، واَلى أن لا يضحك حتى يعلم
أفي
الجنة هو أم في النار؟ فأخبر غاسلُه أنه لم يزل مبتسمًا
على سريره وهم
يغسلونه حتى فرغوا. توفي سنة إحدى ومائة 0 روى له الجماعة
(1) .
وطارق بن عبد الله المحاربي: الكوفي، حديثه في أهل الكوفة.
روى
عنه: ربعي، وجامع بن شداد. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه (2) .
قوله: " فلا يبزقن " بتشديد النون " أَمامه " أي: قدامه.
اعلم أن لفظ " أمام " يطلق على مَعنيين؛ بمعنى القدام،
وبمعنى الخَلف؛
وهو من الجهات الست من القسم المبهم من المكان، وهو ماله
اسم باعتبار
أمر غير داخل في مسمّاه، فإن نحو فوقك وتحتك يطلق على
المكان باعتبار
جهة العُلو أو جهة السفل، وهذه الجهة لا تدخل في مسمى
المكان؛ فإن
المكان الذي يصدق عليه الفوق قد يتبدل ويصير تحتاً إذا
علاه الشخص،
وكذلك ما يكون يمينا يتبدل باليَسار، وكذلك القدام والإمام
والخلف،
فهذه الأمور اعتبارية لا تدخل في مسمى المكان بخلاف الدار
ونحوها.
__________
= النسائي: كتاب المساجد، باب: الرخصَة للمصلي أن يبصق
خلفه أو تلقاء
شماله (1/52) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: المصلي
يتنخم
(1021)
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9 /1850) .
(2) المصدر السابق (13 /2950) ./
(2/390)
قوله: " ولكن عن تلقاء يساره " أي: عن جهة
يساره؛ وقال في
" الصحاح ": التَّلقاء مَصدر مثل اللِّقاء، وذكر في كتاب "
الهادي " أن
إزاء، وحذاء، وحذوة، وحذة، وحيالاً، ومَنًا، وأمما،
وقبالةً
/ومُقابلاً، ومُستقبلا، ووُجَاهًا، وتُجاهًا، وَذَممًا،
وتلقاءً كلها بمعنى
واحد، ويُقال: حذانا، وتلقانا، وإزانا، وداري حذاءَ دارك،
وحذوة
داركَ، وحذ [ة] دارك، وأمَم دارك، وذَمَم دارك، ومنا دارك،
وقَعدَ فَلانِّ
حِذاءَك وبحذائك، وحيالك، وبحيالك، وإزائك، وبإزائك،
وتِلقاءك،
ولا يقال: بتلقائك، فافهم.
قوله: " إن كان فارغًا " أي: إن كان يَسارُه فارغًا-
يَعني: إن تمكّن من
البَزق عن (1) يساره، وإن لم يتمكن فليبزق تحت قدمه
اليُسرى، وهو
معنى قوله: " أو تحت قدمه اليُسرى ".
قوله: " ثم ليقل به " قد مرّ غير مرّة أن لفظ القول
يُستعمل عند العرب
في مَعانِي كثيرة؛ والمعنى هاهنا: ثم ليدفنه. وهذا الحديث
في حق من
كان خارج المسجد، أما الذي في المسجد فلا يبزقُ إلا في
ثوبه لقوله
- عليه السلام- " البزاق في المسجد خطيئةٌ " فكيف يأذن
فيه- عليه
السلام-، وإنما نهَى [عن] البُصاق أمامه تشريفا للقبلة،
وعن يمينه تَشريفا
لليمين. وجاء في رواية للبخاري: " إن عن يمينه ملكا ".
ويُستفاد من الحديث: أن البُصاق لا يبطل الصلاة، وكذا
التنخع إذا لم
يبن منه حروفٌ اللهم إذا غلب عليه. والحديث: أخرجه
الترمذي،
والنسائي، وابن ماجه. وقال الترمذي: حديث طارق حديث حسن
صحيح.
461- ص- نا سليمان بن داود: نا حماد: نا أيوب، عن نافع، عن
ابن
عمر قال: بَينما رسولُ الله- عليه السلام- يَخطُبُ يومًا
إذ رأى نُخامةً في
قِبلَةِ المسجدِ، فَتغيَّظَ علىَ الناسِ ثم حَكَّها. قال:
وأَحسَبُه قال: وَدَعَا
__________
(1) في الأصل " من ".
(2/391)
بزعفران فلطَّخَهُ به قال (1) : وقال: " إن
اللهَ عز وجل قبَلَ وجه أَحدكُم إذا
صَلَّى، فًلا يَبزُق بَين يديهِ " (2) (3) .
ش- سليمان بن داود: الزَّهراني، وحماد: ابن زَيد، وأيوب:
السختياني.
قوله: " بَينما " قد ذكرنا مرة أن " بينما " أصله: " بَين
" فأشبعت
الفتحة فصار: " بَينا " ثم ألحقت الميم فصار: " بَينما "
فكلاهما
يستعملان بمَعنى المفاجأة، ويُضافان إلى جملة من فعل وفاعل
أو مبتدأ
وخبرٍ؛ وهاهنا أُضيفت " بينما " إلى المبتدأ والخبر؛ لأن
قوله: " رسول
الله لما مبتدأ، وقوله: " يخطب " خبرُه، وهما يحتاجان إلى
جواب يتم
به المعنى؛ وجواب " بينما " هاهنا: قوله: " إذ رأى نخامةً
".
قوله: " فتغيظ " من الغيظ؛ وهو صفة تعترض للرجل عند
احتداده
لمُحركٍ لها.
قوله: " قال: وأحسبه قال " أي: قال نافع: وأظن ابن عمر
قال:
" ودعا بزعفران " أي: وطلب رسول الله بزعفران " فلطخه "
أي: لطخ
موضع النخامة بالزعفران.
__________
(1) كلمة " قال " غير موجودة في سنن أبي داود.
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: حك البزاق باليد في المسجد
(406) ،
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: النهي عن البصاق
في المسجد
في الصلاة وغيرها (50- 547) .
(3) جاء في سنن أبي داود بعد هذا الحديث: قال أبو داود:
رواه إسماعيل
وعبد الوارث، عن أيوب، عن نافع. ومالك وعبيد الله وموسى بن
عقبة،
عن نافع نحو حماد، إلا أنهم لم يذكروا " الزعفران ". ورواه
معمر، عن
أيوب، وأثبت " الزعفران " فيه، وذكر يحيى بن سليم، عن عبيد
الله، عن
نافع " الخلوق ".
(2/392)
قوله: " قال: وقال " أي: قال ابن عمر: وقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله: " قبل وجه أحدكم إذا صلى " تأويله: أن القبلة التي
أمره الله عز
وجل بالتوجه إليها للصلاة قبلَ وجهه، فليصنها عن النخامة؛
وفيه إضمار
وحذف واختصار؛ كقولهَ تعالى: (وَاشربُوا في قُلُوبهمُ
العجلَ) (1)
أي: حُبّ العجل، وكقَوله تعالى: (واسأل القَرية) (2) أي:
أهل
القرية؛ وإنما أضيفت تلك الجهة إلى الله تعالىَ على سبيل
التكرمة؛ كما
يقال: بَيت الله، وكعبة الله، وناقة الله. والحديث: أخرجه
البخاري،
ومسلم.
462- ص- ثنا يحمى بن الفضل السِّجستاني، وهشام بن عمار،
وسليمان بن عبد الرحمن (3) قالوا: نا حاتم- يعني: ابن
إسماعيل-: نا
يعقوب بن مجاهد أبو حَزرة، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن
الصامت
قال (4) : أتينا جابرًا- يعني: ابنَ عبدِ اللهِ- وهو في
مسجده، فقال: أتَانا
رسولُ الله في مسجدِنَا هذا وفي يده عُرجونُ ابنِ طاب،
فنظًرً فَرَأى في قبلَة
المسجد (5) نُخَامةً، فأقبلَ عليها فحَتَّهَا بالعُرجُونِ،
ثمً قال: " أيكُم يُحبّ أنَ
يُعرِضً اللهُ- تعالى (6) عنه؟ إن أحدَكُم إذا قامَ
يُصلِّي فإن اللهَ عز وجل
قِبَلَ وجهِهِ، فلا يَبصُقَنَّ قبَلَ وجهِهِ، ولا عن
يمينِه، وليَبصُق عن يَساره تحتَ
رجلهِ اليُسرى، فإن عَجِلًت به بَادرَةٌ فليَقُل بثوبهَ
هكذا " - وضَعَهُ (7) على
فيهِ ثَم دَلَكَهُ - " أرُونِي عَبيرا " فقامً فتًى من
الحيًّ يَشتدُّ إلى أهلهِ فجَاءَ بخلُوق
في راحته، فأخذَهُ رسولُ اللهِ فجعَلَه على رأسِ
العُرجُونِ، ثَم لَطَخَ به على
أثَرِ النُّخاَمَةِ. فقال جابرٌ: فَمِن هناك جَعلتُمُ
الخَلُوقَ في مَساجِدِكُم (8) .
__________
(1) سورة البقرة: (93) .
(2) سورة يوسف: (82) .
(3) في سنن أبي داود: ".. وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان
بهذا الحديث،
وهذا لفظ يحيى بن الفضل السجستاني ".
(4) كلمة " قال " غير موجودة في سنن أبي داود.
(5) غير موجود في سنن أبي داود.
(6) في سنن أبي داود: " أن يعرض الله عنه بوجهه، ثم قال:
إن.. ".
(7) في سنن أبي داود: " ووضعه ".
(8) تفرد به أبو داود.
(2/393)
ش- يحيى بن الفضل السَجِستاني: أحد شيوخ
أبي داود، وكذلك
هشام بن عمار الدمشقي.
وسليمان بن عبد الرحمن: ابن عيسى بن ميمون، أبو أيوب
التميمي
الدمشقي، ابن بنت شرحبيل. سمع: يحيى بن ضمرة، وابن عيينة،
وعيسى بن يونس وغيرهم. روى عنه: أبو حاتم، والبخاريّ. ثم
روى
عن رجل، عنه، وأبو داود. وروى الترمذي، والنسائي، وابن
ماجه،
عن رجل، عنه، وغيرهم. قال ابن معين: ليس به بأس. وقال
أبو حاتم: صدوق، مستقيم الحديث؛ ولكنه أروى الناس/عن
الضعفاء
والمجهولين. توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين (1) .
وحاتم: ابن إسماعيل الكوفي أبو إسماعيل المدني نزل
المدينة، مولى
بني عبد المدَان من بني الحارث بن كعب. سمع: هشام بن عروة،
وجعفر بن محمد، وأبا حَزرة يعقوب بن مجاهد وغيرهم. روى
عنه:
قتيبة بن سعيد، وإسحاق بن راهَويه، والقعنبي وغيرهم. سئل
يحيى بن
معين عنه فقال: لا أعرفه، وأما أحاديثه فصحيحة. وقال
الخطيب: كان
ثقة، مات ببغداد سنة ثمان وعشرين ومائتين في شهر رمضان (2)
.
ويَعقوب بن مجاهد أبو حَزرة: القاصّ المدني.
وعبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت: أبو الصامت الأنصاري
المدني. سمع: كعب بن عَمرو، وجابر بن عبد الله، وأبا سعيد
الخدري، وأباه. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، ويعقوب بن
مجاهد، ومحمد بن عجلان وغيرهم. روى له: مسلم، وأبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (3) .
قوله: " وفي يده " الواو قيه للحال.
قوله: " عرجون ابن طاب " العُرجون- بضم العين- هو العُود
الأصفر
__________
(1) انظر- ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2544) .
(2) المصدر السابق (5/992) .
(3) المصدر السابق (14/3111) .
(2/394)
الذي فيه. الشماريخ إذا يبس واعوج؛ وهو من
الانعراج، وهو الانعطاف،
وجمعه: عراجين، وذكره الجوهري في حرف النون، وقال غيره:
الواو
والنون زائدتان، وقوله: " عرجون ابن طاب " وهو نوع من تمر
المدينة
منسوب إلى ابن طاب، رجل من أهلها، كما قيل: لون ابن حبيق،
ولون كذا ولون كذا، فمن عادتهم ينسبون ألوان التمر كل لون
إلى أحدٍ.
قوله: " فحتَّها بالعرجون " أي: حكها وقشرها؛ الحتُّ
والحكّ والقشر
بمعنى واحد.
قوله: " فلا يبصقن قبل وجهه " تعظيما للقبلة، " ولا عن
يمينه " لأجل
الملك أو لشرفها، " وليَبصُق عن يَساره تحت رجله اليسرى "
هذا- أيضا-
في حق المصلي خارج المسجد؛ لأنا قد ذكرنا أنه - عليه
السلام - نهى
[عن] البُصَاق في المسجد مطلقا، وكيف يأمرُ به ولا يَبزق
في المسجد إلا
في ثوبه؟ !
قوله: " فإن عجلت به بادرة " أي: حدّةٌ؛ وبادرة الأمر:
حدّته؛
والمعنى: إذا غلبه البصاق أو النخامة " فليَقُل بثوبه هكذا
".
قوله: " وضعه على فيه " تفسير لقوله " فليَقُل بثوبه "
ولأجل ذلك ترك
العاطف أي: وضع ثوبه على فمه " ثم دلكه " أي: دلك الثوب
حتى
يتلاشى البزاق منه. وهذا- أيضا- يدل على طهارة البزاق
والنخامة.
قوله: " أروني عبيرا " العَبير- بفتح العين، وكسر الباء
الموحدة،
وسكون الياء آخر الحروف- أخلاط تجمع بالزعفران؛ قاله
الأصمعي.
وقال أبو عُبَيدة: العبِير عند العرب: الزعفران وحده.
والصحيح: أنه
غير الزعفران.
قوله: " يشتَدّ إلى أهله " من قولهم: اشتد إذا عدى؛ والشد:
العَدوُ.
قوله: " فجاء بَخَلُوق " - الخلوق- بفتح الخاء العجمة، وضم
اللام،
وفي أخره قاف- طيب معروف مُركبٌ يتخذ من الزعفران وغيره من
أنواع
الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصّفرة، وهو من طيب النساء.
(2/395)
ويُستفاد من الحديث فوائد؛ الأولى: إذا رأى
أحد نخامة في المسجد
يَحُتّها.
والثانية: أن المصلي لا يَبصق قبل القبلة ولا عن يمينه؛ بل
يبصق تحت
رجله اليسرى، كما فسر في الحديث.
والثالثة: أن البصاق لا يفسد الصلاة.
والرابعة: جواز استعمال الخلوق في المساجد.
والخامسة: جواز حمل العصا. والحديث: أخرجه مسلم مُطولا.
وهذا الحديث متأخر عن الحديث الذي يأتي في بَعض النسخ،
وكذا في
" مختصر السنن " لزكي الدين.
463- ص- نا يحيى بن حبيب بن عربي: نا خالد- يعني: ابن
الحارث-، عن محمد بن عجلان، عن عياض بن عبد الله، عن أبي
سعيد
الخدري أن النبيَ- عليه السلام- كان يُحب العَرَاجينَ، ولا
يَزالُ في يده
منها، فدخل المسجدَ فرأى نُخَامة في قبلَةِ المسجدِ
لحكَّها، ثم اقبلَ علىً
الناسِ مُغضبًا فقال: " أيَسُر أحدُكُم أنَ يُبصقَ في
وجهِهِ؟ إن أحدَكُم إذا
استقبلَ القِبلةَ فإنما يَستقبلُ ربَّه عز وجل، والمَلَكُ
عن يمينه، فلا يَتفُل عن
يمينه ولا في قبلَتِهِ، ولَيَبسُق (1) عن يَسارِه أو تحتَ
قَدَمِهِ، َ فإن عَجِلَ به أمر
فليقل هكذا ". ووصفَ لنا ابنُ عَجلانَ ذلكَ: أن يَتفُلَ في
ثَوبه ثم يَرُدَ بَعضَه
/على بعضٍ (2) .
ش- يحيى بن حبيب بن عربي: الحارثي، وقيل: الشيباني، أبو
زكرياء
البَصري. روى عن: حماد بن زيد، ويزيد بن زريع، وخالد بن
الحارث وغيرهم. روى عنه: مُسلم، وأبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه، وأبو حاتم. وقال: صدوق. مات بالبصرة
سنة
ثمان وأربعين ومائتين (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " وليبصق " بالصاد، وهي لغة.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/ 6806) .
(2/396)
وخالد: ابن الحارث بن عُبيد بن سليمان، أبو
عثمان البصري. روى
عن: هشام بن عروة، وأيوب السختياني، وابن عجلان وغيرهم.
روى
عنه: محمد بن الثنى، وعمرو بن علي، ومحمد بن الفضل.
وغيرهم.
قال أحمد بن حنبل: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة. قال
أبو زرعة: كان
يقال له: خالد الصدق. توفى بالبصرة سنة ست وثمانين ومائهَ.
روى له
الجماعة (1)
ومحمد بن عجلان، قد ذكر.
وعياض بن عبد الله: ابن سَعد بن أبي سَرح بن الحارث القرشي
العامري. روى عن: أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن
عبد الله. روى عنه: زيد بن أسلم، وسعيد المقبري، ومحمد بن
عجلان
وغيرهم. قال ابن معين: هو ثقة. مات بمكة. روى له الجماعة
(2)
قوله: " يحب العراجين " جمع عرجون؛ وقد ذكرناه.
قوله: " مغضبًا " حال من الضمير الذي في " أقبل ".
قوله: " فلا يتفل عن يمينه " هذا تنزيه لجهة اليمين عن
الأقذار كما نزهت
تصريف الميامين، أو تنزيه الملائكة كما جاء " والملك عن
يمينه " وقال
بعضهم: فيه دليل على أن المصلي لا يكون عن يساره ملك؛ لأنه
لا يجد
ما يكتب لكونه في طاعة؛ لأنه علّل منع البصاق لكون الملك
هناك وأباحه
على اليسار. وعند ابن أبي شيبة بسند صحيح: " لا يبزق عن
يمينه: فعن
يمينه كاتب الحسنات؛ ولكن يبزق عن شماله أو خلف ظهره ".
فإن قيل: قد رُوِيَ عنه- عليه السلام-: أن الكرام الكاتبين
لا
يُفارقان العَبد إلا عند الخلاء والجماع. قلت: هذا حديث
ضعيف لا
يحتج به.
قوله: " وليَبسق " بالسين لغة في " ليَبصُق ".
(1) المصدر السابق (8/1598) .
(2) أصدر السابق (22/4607) .
(2/397)
قوله: " فإن عجل به أمر " بمعنى: غلبه
البُصاق.
464- ص- نا أحمد بن صالح: نا عبد الله بن وهب قال: أخبرني
عَمرو، عن بكر بن سَوادة الجُذامي، عن صالح بن خَيوان، عن
أبي سَهلة
السائب بن خلاد- قال أحمد: من أصحاب النبي- عليه السلام-
أن رجلاَ
أمَ قومًا فبَصقَ في القبلة ورسولُ الله ينظُرُ، فقال
رسولُ الله حين فَرغَ: لا
يُصلِّي لكُم " فأراد بَعدً ذلكَ أن يصَلِّي لهم
فمَنعُوهُ، وَأخبَرُوه بقول
رسول اللهِ، فذكَر ذلك لرسول الله فقال: " نعم " وحسبتُ
أنه قال: " إنكً
آذَيتَ اَللهَ ورسولَه " (1) .ً
ش- أحمد بن صالح: المعروف بابن الطبري. وعمرو: ابن الحارث
المصري. وبكر بن سوادة الجذامي المصري.
وصالح بن خيوان- بالخاء المعجمة- كذا قال في " الكمال "
وعن
أبي داود: ليس أحد يقول: خيوان- يعني: بالخاء منقوطة- إلا
قد
أخطأ. وقال ابن ماكولا: قال ابن يونس: بالحاء المهملة.
وكذا قاله
البخاري؛ ولكنه وهم. وقال الدارقطني: بالخاء المعجمة- كما
قال في
" الكمال " السَبي (2) المصري. روى عن: عقبة بن عامر
الجهني،
وعبد الله بن عمر، وأبي سهلة السائب بن خلاد. روى عنه: بكر
بن
سوادة الجذامي. روى له: أبو داود (3) .
والسائب بن خلاد الجهني أبو سَهلة. روى عن: النبي- عليه
السلام-:
" مَن أخاف أهل المدينة " وحديث صالح بن خيوان عنه هذا
الحديث.
روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
قوله: " قال أحمد: من أصحاب النبي " أي: قال أحمد بن صالح
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " الشيباني " خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/2804) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/103) ،
أسد الغابة
(2/313) ، الإصابة (2/10) .
(2/398)
المذكور: السائب بن خلاد من أصحاب النبي-
عليه السلام-؛ وإنما قال
ذلك لنفي قول بعضهم: إنه ليس بصحابي، أو إنه لم يَرو عن
(1) النبي
- عليه السلام-.
قوله: " بصق " يعني: وهو في الصلاة.
قوله: " فذكر ذلك " أي: ذكر ذلك الرجل كون رسول الله منعه
من
الإمامة، فقال رسول الله: " نعم " منعتك عن أن تؤم بهم.
قوله: " وحسبتُ أنه قال " من كلام الٍسائب أي: ظننت أنه-
عليه
السلام- قال للرجل: " إنك آذيت الله ورسوله "؛ والمعنى:
إنه فعل
فعلا لا يُرضي الله ولا رسوله. وذكر ابن خالويه أن النبي-
عليه السلام-
لما رأى النخامة في المحراب قال: " مَن إمام هذا المسجد؟ "
قالوا:
فلان، قال: قد عزلته، فقالت امرأته: لم عزل النبي- عليه
السلام-
زَوجي عن الإمامة؟ فقيل: رأى نخامة في للحراب، فعمدت إلى
خلوق
طيب فخلقت به المحراب، فاجتاز- عليه السلام- بالمسجد فقال:
" من
فعل هذا؟ " قيل: امرأة الإمام، قال: " قد وهبتُ ذنبه
لامرأته،
ورددته إلى الإمامة "، فكان هذا/أول خلوق كان في الإسلام.
465- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد: أنا سعيد الجُريري،
عنِ
أبي العلاء، عن مُطرِّف، عن أبيه قال: أتيتُ رسولَ اللهِ
وهو يُصَلَي فبَزق
تحتَ قَدمِهِ اليُسرى (2) .
ش- حماد: ابن سلمة، وسَعيد: ابن إياس، أبو مسعود الجُرَيري
النَّضريّ.
وأبو العلاء: يزيد بن عبد الله بن الشخير العامري الكوفي،
أخو
مُطَرَف. روى عن أبيه عبد الله، وأخيه مُطَرف، وأبي هريرة،
وابن
__________
(1) في الأصل: " من ".
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: النهي عن
البصاق في السجد
في الصلاة وغيرها (58- 554) .
(2/399)
عَمرو، وعثمان بن أبي العاص وغيرهم. روى
عنه: قتادة، والجُريري،
وكهمس وغيرهم. مات سنة إحدى عشرة ومائة. روى له الجماعة
(1) .
ومُطرف: ابن عبد الله بن الشخير، أخو أبي العلاء المذكور؛
وقد
ذكرناه مرةً.
وأبوه: عبد الله بن الشخِّير بن عوف بن كعب العامري. روى
عنه:
ابناه: مُطرف ويزيد. روى له: مسلم حديثا واحدًا. وروى له:
أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي (2) . والشخير:
بكسر
الشين المعجمة، وتشديد الخاء المعجمة وكسرها، وسكون الياء
آخر
الحروف، وبعدها راء مهملة.
قوله: " وهو يُصلي " جملة وقعت حالا؛ وهذا كان في غير
المسجد؛
لأنه- عليه السلام- نهى عن البزاق في المسجد مُطلقا.
466- ص- نا مُسدد: نا يزيد بن زُريع، عن سعيد الجُريري، عن
أبي العلاء، عن أبيه بمعناه زاد: ثم دلكه بنعله (3) .
ش- أي بمعنى الحديث المذكور، وزاد في هذه الرواية بعد
قوله:
" فبزق تحت قدمه اليُسرى ": " ثم دلكه بنعله ". وفيه
استحباب دلك
البزاق بعد رَميه على الأرض. وأخرجه مسلم بنحوه.
467- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الفرج بن فضالة، عن أبي سَعد
قال:
رأيتُ وَاثلةَ بنَ الأسقع في مَسجد دمشق بَصَقَ على
البُوري ثم مَسحه
برجلِه فقيل له: لم فعلتَ هذا؟ قالَ: لأني رأيتُ رسولَ
اللهِ يَفعلُه (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7014) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/88 3) ،
أسد الغابة
(3/274) ، الإصابة (2/324) .
(3) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: النهي عن
البصاق في المسجد،
في الصلاة وغيرها (58 - 554) .
(4) تفرد به أبو داود.
(2/400)
ش- الفرجُ- بالجيم- بن فضالة: ابن النعمان
بن نعيم الشامي
الحمصي، وقيل: الدمشقي، أبو فضالة القضاعي. روى عن: يحيى
ابن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة، وعبد الله بن عامر
وغيرهم.
روى عنه: شعبة، وبقية بن الوليد، وقتيبة بن سعيد وغيرهم.
قال ابن
سعد: كان يسكن مدينة أبي جعفر، ومات بها سنة ست وتسعين
ومائة
وكان ضعيفا. وقال البخاري عن يحيى بن سعيد: منكر الحديث.
وقال
البرقاني: سألت الدارقطني عنه فقال: ضعيف. وقال ابن عديّ:
وهو
مع ضعفه يكتب حديثه. وقال معاوية بن صالح: قال أحمد: ثقة.
روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
وأبو سَعد: الدمشقي. روى عن: واثلة بن الأسقع. روى عنه:
الفرج بن فضالة. روى له: أبو داود (2) . وواثلة بن الأسقع:
ابن
كعب بن عامر، أبو الأسقع، أو أبو قرفاصة، أو أبو محمد، أو
أبو الخطاب، أو أبو شداد، أسلم قبل تبوك والنبي- عليه
السلام-
يتجهز لها، وشهدها مع النبي- عليه السلام-، وكان من أهل
الصفة.
رُوِيَ له عن رسول الله ستة وخمسون حديثا. روى عن: أبي
مرثد
الغنوي، وأم سلمة زوج النبي- عليه السلام-. روى له البخاري
حديثًا
واحدا ومسلم آخر، سكن الشام، ونزل بيت جبرين من أرض الشام؛
وهي بلدة بالقرب من بيت المقدس، وقد دخل البَصرة وله بها
دارٌ. روى
عنه: عبد الواحد بن عبد الله النصري، وشداد بن عبد الله،
وأبو إدريس
الخولاني، ومكحول، وخلق سواهم، توفي بدمشق سنة ست وثمانين
في ولاية عبد الملك بن مروان، وهو ابن ثمان وتسعين. روى له
الجماعة (3)
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/4714) .
(2) المصدر السابق (33/7385) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/643) ،
أسد الغابة
(5/428) ، الإصابة (3/626) .
26 * شرح سنن أبي داوود 2
(2/401)
قوله: " على البوري " - بضم الباء الموحدة،
وكسر الراء، وتشديد
الياء- وهو الحصير المعمول من القصب؛ يُقال: بُوريّة
وبارِيّة- مشددتان
- وبُرِياء، وبَارياء- مخففتان ممدودتان. وقال الأصمعي:
البُورياء
بالفارسية، وهو بالعربية: بَاري- وبوري وكذلك البارئةُ
كلها بتشديد
الياء.
قوله: " لأني رأيتُ رسول الله يَفعله " أي: كان يفعل كما
فعله.
فإن قلت: قد صح عنه- عليه السلام- أنه قال: " التفل في
المسجد
خطيئة " كما ذكرنا، وكيف التوفيق بينه وبَين هذا الحديث؟
قلت: هذا
ليس بتَفل في المسجد؛ وإنما هو مثل التفل في ثوبه، على أن
ذلك
الحديث/صحيح، وهذا حديث ضعيف؛ لأن فيه فرج بن فضالة.
***
22- بَاب: في المُشرك يَدخُل المَسجدَ
أي: هذا باب في بيان حكم المشرك إذا دخل المسجد، وفي بعض
النسخ: " باب ما جاء في المشرك يَدخل المسجد " (1) .
468- ص- نا عيسى بن حماد: أنا الليث، عن سعيد المقبري، عن
شريك بن عبد الله بن أبي نمر، أنه سمع أنس بن مالك يقولُ:
دخلَ رجل
على جمَلٍ فأناخَهُ في المسجد ثم عَقَلَهُ، ثم قال: أيكُم
محمدا؟ - ورسولُ
الله متكئ بينَ ظَهرَانَيهِم-، فقَلنا له: هذا الأبيضُ
المتكئ، فقال له الرجل: يا
ابن عبد المطلبِ! فقال له النبي- عليه السلام-: " قد
أجبتُكَ " فقال
الرجل: إنى يا محمدُ سائِلُكَ (2) وَسَاقَ الحديثَ (3) .
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود: " يا محمد! إني سائلك ".
(3) البخاري: كتاب العلم، باب: ما جاء في العلم (63) ،
النسائي: كتاب
الصيام، باب: وجوب الصيام (4/121) ، ابن ماجه: كتاب إقامة
الصلاة،
باب: ما جاء في فرض الصلوات الخمِس وللحافظة عليها (1402)
.
(2/402)
ش- عيسى بن حماد: التُجِيبي المصري،
والليث: ابن سَعد.
وشريك بن عبد الله بن أبي نمر: القرشي، أبو عبد الله
المدني.
سمع: أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وأبا سلمة بن عبد
الرحمن
وغيرهم. روى عنه: سعيد المقبري، ومالك بن أنس، والثوري
وغيرهم. وقال ابن سَعد: كان ثقة كثير الحديث، توفي بعد سنة
أربعين
ومائة. روى له: الجماعة إلا الترمذي (1) .
فوله: " على جمل " الجمل زوج الناقة، والجمع: جمال وأجمال
وجمالات وجمائل.
قو له: " فأناخه " أي: برَكه.
قوله: " ثم عَقَله " أي: ربطه بالعِقال؛ وهو الحبل الذي
يعقل به
البعير، أي: يُشَذُ.
قوله: " متكئ بين ظَهرانيهم " يُقال: قعد بين ظَهرانيهم
وبَين أظهُرهم؛
ومعناه: قعد عَلى سبيل الاستظهار والاستناد إليهم؛ وزيدت
فيه ألف ونون
مفتوحة تأكيداً؛ ومعناه: أن ظَهراً منهم قدامه وظهراً
وراءه، فهو مكتوف
من جانبَيه ومن جوانبه إذا قيل: بَين أظهرهم. وقال
الأصمعي: يقال:
بين ظَهريهم وظهرانَيهم ومعناه: بَينهم وبين أظهرهم. وقال
غيره: العربُ
تضع الاثنين موضع الجمع. وقد قيل: أصل قولهم: " بين
ظهرانيهم
وأظهرهم ": بينهم: وإنما زيد الظهر أو الأظهر للتأكيد.
ومَعنى قوله:
" متكئ " قاعد على وَطاء. قال الخطابي (2) : " كل من استوى
قاعدا
على وطاء فهو متكئ، والعامّة لا تعرف المتكئ إلا مَن مالَ
في قعوده
مُعتمدا علىً أحَد جَنبَيه (3) ".
قلت: متكئ: اسمُ فاعل من اتكأ، أصله: وَكأ، فنُقِل إلى باب
الافتعال، فصار اوتكا، فأبدلت الواو تاءَ، ثم أدغمت في
الأخرى
فصار اتكأ.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/ 2737) .
(2) معالم السنن (1/125) .
(3) في معالم السنن " شقيه ".
(2/403)
قوله: " قد أجَبتك " إنما قال له هذا القول
ولم يتلفظ بالإجابة " (1) لأنه
كره أن يدعوه باسم جلّد، وأن يَنسبه إليه إذ كان جده عبد
المطلب كافرا
غير مُسلم، وأحمت أن يدعوه باسم النبوة أو الرسالة.
فإن قيل: قد ثبت عنه أنه قال يوم حنين حين حمل على الكفار
فانهزموا:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
قلت: لم يذكره افتخاراً؛ لأنه كان يكره الانتساب إلى
الكفّار؛ كما
في هذا الحديث؛ ولكنه ذكّرهم بهذا رويا كان عبد المطلب
رآها له أيام
حياته وكانت إحدى دلائل نبوته، وكانت القصة فيها مشهورة
عندهم،
فعرفهم شأنها، وأذكرَهم بها، وخروج الأمر على الصدق فيها
".
قوله: " وساق الحديث " أي: سَاق أنس الحديث، وتمامه: يا
محمدُ!
إني سَائلك فمُشتد عليك في المسألة؛ فلا تجد عليَ في نفسك،
فقال:
" سَل ما بَدا لك " فقال الرجل: نشدتك بربك ورب من كان
قبلك، اللهُ
أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال رسول الله: " اللهم نعم " قال:
فأنشدُك
الله، آللهُ أمرَكَ أن نُصلي الصلوات الخَمس في اليوم
والليلة؟ قال:
" اللهم نعم "، قال: أنشدُك الله، آللهُ أمَرك أن تصومَ
هذا الشهرَ من
السنةِ؟ قال رسول الله: " نعم " قال: أنشدك الله، اللهُ
أمرك أن تأخذَ
هذه الصدَقةَ من أغنيائنا فتَقسمُها على فقرائنا؟ قال رسول
الله: " اللهم
نعم " قال الرجل: آمنت بما جئتَ به؛ فأنا رسولُ مَن ورائي
من قومي،
وأنا ضمامُ بن ثعلبة أخو بَني سَعد بن بكر ". أخرجه
البخاري، والنسائي،
وابن مَاجه، وأحمد في " مسنده ". وقوله: " فلا تجد عليَ "
من وَجَدَ
عليه إذا غضب. قوله: " ما بدا لك " أي: ما ظهر لك مما في
خاطرك.
قوله: " نشدتُك بربك " أي: سألتك وأقسمت عليك بربك/وكذا
ناشدتك الله وبالله، وأنشدك الله وبالله، وقد ذكرناه مرة.
قوله:
__________
(1) انظر: معالم السنن (1/125- 126) .
(2/404)
" آللهُ أرسلك " بهمزة الاستفهام في أوّله،
وأصله أأدلهُ بهمزتين مفتوحتين،
فقلبت الثانية ألفًا للتخفيف فصار: " آلله " - بالمد.
قوله: " اللهم نَعَم "
ذكر " اللهم " هاهنا ليدل على تيقن المُجيب في الجواب،
كأنه يناديه
تعالى مُستشهدا على ما قال من الجواب، كما في قولك لمن
قال: أزيد
قائم: اللهم نعم. وقد ذكرنا مثل هذا مرةً.
فإن قيل: كيف قنع هذا الرجل باليمن ولم يطلب الدليل؟ قلت:
إنه
استقرأ الأدلة قبل ذلك وأكَّد باليمن. قوله: " ضمام " بكسر
الضاد
المعجمة؛ وكانت بنو سَعد بن بكر بعثوه وافدا إلى رسول
الله، قال ابن
عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة.
وقال
الواقدي عن ابن عباس قال: بعثت بنو سَعد بن بكر في رجب سنة
خمس
من الهجرة. ويُستفاد من الحديث فوائد؛ الأولى: جواز دخول
الكافر
المسجد؛ وهو حجة على مالك حيث منعه عن ذلك مستدلا بقوله:
(إنَّما
المُشرِكُونَ نَجَسٌ) (1) قلنا: المراد به: نجاسة
الاعتقاد؛ لا نجاسة الذاتَ.
الثانية: جواز إدخال الحيوان الذي يؤكل لحمه في السجد لأجل
الحاجة.
الثالثة: فيه حجة لمن يقول بطهارة بول ما يؤكل لحمه من
الحيوان،
فافهم وغير ذلك من الفوائد التي يستخرجها مَن له ذهن ذكي،
وفهم
قوي.
469- ص- نا محمد بن عَمرو: نا سلمة: حدثني محمد بن إسحاق:
حدثني سلمة بن كُهيل ومحمد بن الوليد بن نُوَيفع، عن
كُريب، عن ابن
عباس قال: بَعَثَت بنُو سَعدِ بنِ بَكرٍ ضمَامَ بنَ ثعلبةَ
إلى رسول الله، فَقدمَ
عليه، فأناخَ بَعيرَه على باب المسجد، َ ثم عَقَلَهُ، ثم
دَخَل المسجَدَ. فذكَرَ
نحوه، قال: فقال: أيُّكُم ابن عبد المطَلب؟ فقال رسول
الله: " أنا ابن
عبدِ المطلبِ " قال: يا ابنَ عبدِ المطلَبِ، وسَاق الحديثَ
(2) .
ش- محمد بن عَمرو: الطلاّس المَعروف بزُنَيج؛ وقد مر،
وسلمة:
ابن الفضل، أبو عبد الله الأبرش، وسلمة بن كُهيل: الكوفي.
__________
(1) سورة التوبة: (28) .
(2) تفرد به أبو داود.
(2/405)
ومحمد بن الوليد بن نُويفع: المديني
الأسدي، مولى الزبير بن
العوام. روى عن: كريب مولى ابن عباس، وأمّه مولاة لرافع بن
خَديج. روى عنه: ابن إسحاق. قال الدارقطني: هو من أهل
المدينة
يُعتبر به. روى له: أبو داود (1) .
وهذه الرواية تدل على أنه لم يُدخل بَعيرَه في المَسجد؛
البعير: الجملُ
البازلُ، وقيل: الجذعُ، وقد يكون للأنثى، وحكى عن بعض
العرب:
شربتُ من لين بعيري، وصَرعتني بعيرٌ لي، وفي " الجامع ":
البعيرُ
بمنزلة الإنسان، يجمع المذكر والمؤنث من الناس، إذا رأيتَ
جملا على
البُعد قلت: هذا بعيرٌ، فإذا استثبتَّه قلت: جمل أو ناقة؛
ويجمع على
أبعرة وأباعِرَ وأباعِير وبُعران وبَعران.
470- ص- نا محمد بن يحيى بن فارس: نا عَبد الرزاق: أنا
مَعمر،
عن الزهري: نا رجلٌ من مُزَينَة ونحنُ عندَ سعيد بنِ
المسيّب، عن أبي هريرة:
قال: اليهودُ أَتَوا النبيَ- عليه السلام- وهو جَاَلسٌ في
المسجد في أصحابه
فقالوا: يا أبا القَاسم، في رجلِ وامرأةِ منهم زَنَيا (2)
.
ش- رجل من مزينة مجهول. وقد أخرجه في الحدود والقضايا أتم
منه، وإنما ذكر هذا المقدار هاهنا لأجل تَبويبه؛ وهو دخول
المشرك المسجد؛
وسنذكر ما فيه من المعاني عند انتهائنا إلى كتاب الحدود إن
شاء الله تعالى.
***
23- بَابُ: المَواضِع الّتي لا تَجُوز فيها الصلاة
أي: هذا باب في بيان حكم المواضع التي لا تجوز فيها
الصلاة. وفي
بعض النسخ: " باب ما جاء في المواضع ".
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5675) .
(2) تفرد به أبو داود، وأخرجه أبو داود كذلك برقم (3624،
4450
4451)
(2/406)
471- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير، عن
الأعمش، عن
مجاهد، عن عُبيد بن عُمير، عن أبي ذر قال: قال رسول الله-
عليه السلام-
" جُعِلَت ليَ الأرضُ طَهورًا ومَسجِدًا " (1) .
ش- جرير: ابن عبد الحميد الرازي.
وعُبيد بن عُمَير: ابن قتادة بن سَعد بن عامر بن جُندع
الليثي،
أبو عاصم المكيّ، قيل: إنه رأى النبي- عليه السلام-، وقال
مسلم بن
الحجاج: ولد في زمن النبي- عليه السلام-، وهو قاص أهل مكة.
سمع: عمر بن الخطاب، وابنه: عبد الله بن عمر، وابن عباس،
وابن
عَمرو، وأبا هريرة، وعائشة، وأم سلمة وغيرهم. روى عنه:
عطاء بن
أبي رباح، ومجاهد بن جبر، وعمرو بن دينار وغيرهم. قال ابن
معين
وأبو زرعة: هو ثقة. روى له الجماعة (2) .
فوله: " طهورًا " - بفتح الطاء- وهو ما يتطهر به؛ وفيه
إجمال يُفصّله
حديث حذيفة بن اليمان: " جعلت لنا الأرض مسجدا، وجعلت
تربتها
لنا طَهُورا " /ولم يذكره أبو داود في هذا الباب؛ وإسناده
جيد، عن
مسدّد، عن أبي عوانة، عن أبي مالك، عن ربعي بن حراش، عن
حذيفة. وهذا على مذهب الامتنان على هذه الأمّة بأن رخص لهم
في
الطهور بالأرض، والصلاة عليها في بقاعِها، وكانت الأمم
المتقدّمة لا
يصلون إلا في كنائسهم وبِيَعِهم؛ وإنما سيق هذا الحديث
لهذا المعنى،
وبيان ما يجوز أن يتطهر به منها مما لا يجوز إنما هو في
حديث حذيفة الذي
ذكرناه.
واحتج بهذا الحديث أبو حنيفة أن التيمم جائز بجميع أجزاء
الأرض من
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في الاستيعاب بهامش الإصابة (2/441) ، أسد
الغابة (3/545) ،
الإصابة (3/78) .
(2/407)
رَمل وجَص ونورة وزرنيخ ونحوها، وبه قال
مالك وغيره. واحتج
الشافعي، وأحمد برواية حذيفة يناء على أصله أنه يحمل
المطلق على المقيد.
وأخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي من حديث جابر بن عبد الله
بمعناه
أتم منه.
472- ص- نا سليمان بن داود: أنا ابن وَهب: حدثني ابن لهيعة
ويحيى
ابن أزهر، عن عمّار بن سَعد المرادي، عن أبي صالح الغفاري
أن عليا
- رضيِ الله عنه- مَرّ ببابلَ وهو يَسيرُ، فجاءَهُ
المُؤَذنُ يؤذِنُه بصلاة العَصرِ،
فلمّا بَرزَ منها أمر المؤذنَ فأقامَ الصَّلاةَ، فلما فرغَ
قال: إن حِبِّي (1) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَهانِي
أن أصلي في المَقبرَةِ، ونَهاني أن اصفي في أرضِ بابلَ؛
فإنها مَلعونةٌ (2) .
ش- سليمانِ بن داود: الزَّهراني، وعبد الله بن وهب، وعبد
الله بن
لهيعة قاضي مصر.
ويحيى بن أزهر: المصري. روى عن: حجاج بن شداد، وأفلح بن
حميد، وعمار بن يسد. وروى عنه: ابن القاسم وغيره. قال
الذهبي:
ثقة. توفي سنة إحدى وستين ومائة. روى له: أبو داود (3) .
وعمار بن سَعد: السَّلهَمي، وسَلهم من مُراد، المصري، حدّث
عن: أبي صالح الغِفاري، ويزيد بن رباح. روى عنه: ابن
لهيعة،
وحيوة بن شريح، ويحيى بن أزهر وغيرهم. توفي سنة ثمان
وأربعين
ومائة. روى له: أبو داود (4) .
وأبو صالح: سعيد بن عبد الرحمن الغِفاري مولاهم البصري.
قال
في " الكمال ": روى عن: علي بن أبي طالب، وعقبة بن عامر،
وصلة بن الحارث الغِفاري صاحب النبي- عليه السلام-، وقال
ابن
__________
(1) في سنن أبي داود: " حبيبي ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6779) .
(4) المصدر السابق (21/4162) .
(2/408)
يونس: يروي عن: علي بن أبي طالب وما أظنه
سمع من عليّ. ويروي
عن: أبي هريرة. روى عنه: الحجاج بن شداد الصنعاني، وعمار
بن
سعد (1) المرادي. روى له: أبو داود (2) .
قوله: " مر ببابلَ " بابل: أقدم أبنية العراق، ونُسب ذلك
الإقليم إليها
لقدمه؛ وكانت ملوك الكنعانيين وغيرهم يقيمون بها، وبها
آثار أبنية من
قديم الزمان، ويقال: إن الضحاك أول مَن بنى بابل، ويقال:
القي
إبراهيم في النار ببابل، واليوم هي خراب، وفي موضعها قرية
صغيرة:
وهي غير منصرف للعلمية والعجمة.
قوله: " يؤذنه " أي: يعلمه؛ من آذن- بالمد- يؤذن.
قوله: " إن حبّي " الحِب- بكسر الحاء- بمعنى: الحبيب، مثل
خِدن
وخَدينٍ.
قوله: " أن أصلي في المقبرة " المقبرة- بفتح الباء وضمها-
واحدة المقابر.
و" (3) اختلف العلماء في تأويل هذا الكلام؛ فكان الشافعي
يقول:
إذا كانت المقبرة مختلطة التراب بلحوم الموتى وصديدهم، وما
يخرج
منهم، لم تجز الصلاة فيها للنجاسة، فإن صلى رجل في مكان
طاهر منها
أجزأته صلاته، قال: وكذلك الحمام إذا صلى في موضع نظيف منه
فلا
إعادة عليه. وهذا- أيضا- قول أصحابنا. ورخّص عبد الله بن
عمر في
الصلاة في المقبرة وحكِيَ عن الحسن البصري أنه صلى في
المقابر. وعن
مالك: لا بأس بالصلاة في المقابر. وقال أبو ثور: لا يصلي
في حمام
ولا مقبرة على ظاهر الحديث. وكان أحمد وإسحاق يكرهان ذلك.
ورُويت الكراهة فيه عن جماعة من السلف. واحتج بعض من لم
يجز
الصلاة في المقبرة وإن كانت طاهرة التربة بقوله- عليه
السلام-: " صَلُوا
في بيوتكم، ولا تتخذوها مقابر " قال: فدل ذلك على أن
المقبرة ليست
بمحل للصلاة ".
__________
(1) في الأصل: " سعيد " خطأ.
(2) المصدر السابق (10/2318) .
(3) انظر معالم السنن (1/127) .
(2/409)
قلت: هذا استدلال ضعيف؛ لأن المعنى: لا
تتخذوها خالية عن
العبادات كالمقابر؛ لا أن المعنى أن المقابر لا تجوز فيها
الصلاة.
قوله: " فإنها ملعونة " أي: فإن أرض بابل ملعونة بمعنى: أن
أهلها
كانت ملعونة، ولهذا خسف بهم، والأرض لا توصف باللعنة؛
ويؤيد
ذلك ما روى ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان، عن عبد الله
بن
شريك، عن عبد الله بن أبي المُحِلّ العامري قال: كنا مع
على فمررنا
على الخسف الذي ببابلَ فلم يعدل حتى أجازه. وعن حجر بن
عنبس
الحَضرمي، عن عليّ قال ما كانت لأصلي في أرض خسف الله بها
ثلاث
مرار. قال البيهقي: وهذا النهي إن ثبتَ مرفوعا وليس بمعنى
يرجع إلى
الصلاة، إذ لو صلى فيها لم يُعد، وإنما هو كما جاء في
قضيّه الحجر.
وقال ابن يونس: أبو صالح الغفاري روى عن علي وما أظنه سمع
منه.
وقال ابن القطان: في سَنده رجال لا يعرفون. وقال عبد الحق:
هو
حديث واهي. وقال البَيهقي في " المعرفة ": إسناده غير قوي،
وقال:
/في إسناد هذا الحديث مقال، ولا أعلم أحدا من العلماء حرّم
الصلاةَ في
أرض بابل، وقد عارضه ما هو أصحّ منه وهو قوله- عليه
السلام-:
" جُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا "، ويُشبه أن يكون معناه-
إن
ثبت-: أنه نهاه أن يتخذ أرض بابل وطنا ودارا للإقامة،
فتكون صلاته فيها
إذا كانت إقامته بها. ويخرج النهي فيه على الخصوص؛ ألا
تراه يقول:
" نهاني "؟ ولعل ذلك منه إنذار له بما أَصَابه مِن المحنة
بالكوفة- وهي
أرض بابل- ولم ينتقل أحد من الخلفاء الراشدين قبله من
المدينة.
473- ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب: أخبرني يحيى بن
أزهر،
وابنُ لهيعة، عن الحجاج بن شداد، عن أبي صالح الغِفاريّ،
عن عليّ
- رضى الله عنه- بمعنى سليمان بن داود قال: " فلمَا خرَجَ
" مكان " لما
برز " (1)
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2/410)
ش- الحجاج بن شداد: الصنعاني، يُعذ في
المصريين. روى عن:
أبي صالح. روى عنه: ابن لهيعة، ويحيى بن أزهر، وحيوة بن
شريح. روى له: أبو داود.
قوله: " بمعنى سليمان بن داود " أي: بمعنى، حديث سليمان بن
داود
الزهراني المذكور.
قوله: " قال " أي: قال أحمد بن صالح في روايته: " فلما خرج
منها "
مكان قوله: " فلما برز منها " وكلاهما سواء في المعنى.
474- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد ح ونا مُسدد: نا
عبد الواحد، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد قال:
قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال موسى
في/حديثه فيما يحسب عَمرو: إن النبيَّ- عليه
السلام- قال: " الأرضُ كلها مَسجدا إلا الحمَامَ
والمَقبُرةَ " (1) .
ش- حماد: ابن سلمة، وعبد الواحد: ابن زياد البصري، وعَمرو
ابن يحيى: ابن عمارة المدني، وأبوه: يحيى بن عمارة بن أبي
حسن
الأنصاري المدني، وأبو سعيد: الخدري.
قوله: " وقال موسى " أي: موسى بن إسماعيل أحد شيوخ أبي
داود.
قوله: " إلا الحمام والمقبرة " استثناء متصل مَنصوب؛ لأن
المستثنى واجب
النصب في صور؛ منها: أن يكون بعد " إلا " غير صفة في كلام
مُوجب ذكر المستثنى منه؛ وهاهنا كذلك؛ إذ لو رفع لكان
بدلاً من
المسجد لانتفاء بقية التوابع، ويكون بدل بعض لا غير،
والبدل يحل محل
البدل منه؛ لأنه المقصود، فيكون التقدير: " الأرض كلها إلا
الحمام "
فلم يستقم المعنى، أو نقول: إن البدل في حكم تكرير العامل،
فيكون
الحمام مسجدا- أيضا- إذ تقدير الكلام: في الأرض كلها مسجد
إلا
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن الأرض كلها مسجد
إلا المقبرة
والحمام (317) ، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب:
المواضع التي
تكره فيها الصلاة (745) .
(2/411)
الحمام مسجد؛ كما في قولك: جاءني القوم إلا
زيدا، لو رفع " زيدا "
يكون التقدير جاءني القوم إلا جاءني زيد؛ وهو خلاف المقصود
من
الكلام، فافهم. ثم الحمام إنما يخرج عن كونه مسجدا إذا
كانت النجاسة
فيه ظاهرة، أو صلى في مَوضع فيه غُسالات، حتى لو صلى فيه
في مكان
طاهر، أو غسل موضعا منه وصلى فيه، يحوز بلا كراهة. وكذلك
المقبرة إنما تخرج عن كونها مسجدا إذا ظهرت فيه صدائد
الموتى ونحوها،
حتى إذا صلى في موضع طاهر منها يجوز- كما ذكرناه مفصلا مع
الخلاف- ورُوِيَ هذا الحديث مسندا ومرسلا، وأخرجه الترمذي،
وابن
ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث فيه اضطراب، وذكر أن سفيان
أرسله
وقال: وكأن راويه الثوري عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن
النبي
- عليه السلام- أثبت وأصحّ.
***
24- باب: في الصَّلاة في مَبارِك الإبل
أي: هذا باب في بيان حكم الصلاَة في مبارك الَإبل، وفي بعض
النسخ: " باب ما جاء في الصلاة ". والمبارك: جمع مَبرك-
بالميم
المفتوحة- وهو مَوضع البروك.
475- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا أبو معاوية: نا الأعمش،
عن
عبد الله بن عبد الله الرازي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى،
عن البراء بن
عازب قال: سُئِلَ رسولُ الله عن الصلاة في مبَارك الإبِلِ
فقال: " لا تُصَلُوا
في مَبَارِك الإبلِ؛ فإنها منَ الشياطين " وسُئِلَ عنَ
الصَلاةِ في مَرَابِضِ الغَنَم
فقال: " صًلُوَا فيها؛ فإنها بَرَكَة " (1) .
ش- الحديث بعينه مع رواته بأعيانهم مع زيادة فيه قد مر في
" باب
الوضوء من لحوم الإبل "؛ فليراجع فيه/وقال البخاري: باب
الصلاة
في مواضع الإبل (2) : حدثنا صدقة بن الفضل: حدثنا سليمان
بن حيان:
__________
(1) تقدم برقم (171) .
(2) كتاب الصلاة: (430) .
(2/412)
حدثنا عبيد الله، عن نافع قال: رأيت ابن عُمر يصلي إلى
بَعِيره وقال:
رأيتُ رسول الله يفعله.
قلت: ليس في هذا الحديث بيان أنه صلى في موضع الإبل.؛
وإنما صلى
إلى البعير؛ لا في موضعه؛ وليس إذا أنيخ بعير في موضع صار
ذلك
عطنًا، ولا يعارضه النهي عن الصلاة في معاطن الإبل؛ لأن
المعاطن
مواضع إقامتها عند الماء واستِيطانها.
*** |