شرح أبي داود للعيني

42- بابٌ: في الصَّلاة تقامُ ولمْ يأت الإمَامُ يَنْتظرُونه قُعُوداً
أي: هذا باب في بيان الصَلاة تقامُ والحال: أَنه لم يأتي الإمام.
قوله: " يَنْتظرونه " حال , أي: جال كون الجماعة ينتظرون الإمام. وقوله: " قعوداً " حال أخرى أي: حال كونهم قاعدين، والقعودُ: جمع قاعد، كالسجود جمع ساجد، والوفود جمع وافد , وهما حالاًن

(3/7)


متداخلتان أو مترادفتان. وفي بعض النسخ: " باب: ما جاء فيما تقام الصلاة ولم يأت الإمام كيف ينتظرونه؟ ".
521- ص- نا مسلم بن إبراهيم، وموسى بن إسماعيل قالا: نا أبَانُ، عن يحي، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه (1) ، عن النبي- عليه السلام- قال: " إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروْني " (2) .
ش- مسلم بن إبراهيم: أبو عمرو القصاب الفراهيدي، وموسى بن إسماعيل: المنقري البصري، وأبان: ابن يزيد العطار البصري، ويحيى: ابن أبي كثير أبو نصر اليمامي، وعبد الله بن أبي قتادة , وأبو قتاده: الحارث بن ربعي الأنْصاري السلمي.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
" (3) وفي رواية أبي هريرة: " أقيمت الصلاة فقُمنا، فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله ". وفي رواية: " إن الصلاة كانت تقام لرسول الله، فيأخذ الناسُ مَصافهم قبل أن يقوم النبي- عليه السلام- مقامه ". وفي رواية جابر بن سمرة:" كان بلال يؤذن إذا دحضت، فلا يقيم حتى يخرج النبي- عليه السلام-، فإذا خرج أقام الصلاة / حين يراه ". وقال القاضي رياض: يجمع بين مختلف هذه الأحاديث بأن بلالا كان يُراقب خروج النبي- عليه السلام- من حيث لا يراه غيره، أو إلا القليل، فعند أول خروجه يقيم ولا يقوم الناس حتى يرَوْه، ثم لا
__________
(1) في سنن أبي داود: "عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبي قتادة، عن أبيه " خطأ.
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة؟ (637) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: متى يقوم الناس للصلاة (604) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الكلام بعد نزول الإمام من المنبر (517) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: إقامة المؤذن
عند خروج الإمام (2 / 31) .
(3) انظر: " شرح صحيح مسلم " (5 / 101: 103) .

(3/8)


يقوم مقامه حتى يعدلوا الصفوف، وقوله في رواية أبي هريرة: " فيأخذ الناس مصافهم قبل خروجه " لعله كان مرة أو مرتين ونحوهما لبيان الجواز أو لعذر , ولعلّ قوله- عليه السلام-: " فلا تقوموا حتى تروني " كان بعد ذلك. قال العلماء: والنهي عن القيام قبل أن يرَوْه لئلا يطول عليهم القيام، ولأنه قد يعرض له عارض فيتأخر بسببه. واختلف العلماء من السلف فمن بَعْدهم متى يقوم الناس للصلاة؟ ومتى يكبر الإمام؟ فمذهب الشافعي وطائفة: أنه يستحب أن لا يقوم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة , وهو قول أبي يوسف. وقال مالك: السنة في الشروع في الصلاة: بعد الإقامة وبداية استواء الصف. ونقل القاضي عياض عن مالك: إنه يستحب أن يقوموا إذا أخذ المؤذن في الإقامة. وكان أنس يقوم إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، وبه قال أحمد. وقال زفر: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة مرة قاموا وإذا قال ثانيا افتتحوا. وقال أبو حنيفة ومحمد: يقومون في الصف إذا قال: حيّ على الصلاة، فإذا قال: قد قامت الصلاة كبر الإمام، لأنه أمين الشرع، وقد أخبر بقيامها، فيجب تصديقُه ". ص- قال أبو داود: هكذا رواه أيوب وحجاج الصواف، عن يحي وهشام الدستوائي قال: كتب إلي يحي، ورواه معاوية بن سلام وعلي بن المبارك، عن يحي وقالا فيه:" حتى تَرونِي، وعليكُم السكينة
ش- أي: هكذا روى الحديث المذكور: أيوب السختياني.
وحجاج بن أبي عثمان الصواف، أبو الصلت الكندي البصري، واسم أبي عثمان: مَيْسرة. روى عن: أبي الزبير، ويحيى بن أبي كثير، وأبي سنان، وغيرهم. روى عنه: الحمادان، ويحيى القطان، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: شيخ ثقة. وقال ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة: ثقة. روى له الجماعة (1) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5 / 1123) .

(3/9)


ويحيى: ابن أبي كثير، وهشام: ابن أبي عبد الله الاستوائي البصري، ومعاوية بن سلام: ابن أبي سلام الأسود الألهاني.
وعليّ بن المبارك: الهنائي البصري. روى عن: يحيى بن أبي كثير، والحسن بن مسلم العبدي. روى عنه: يحيى القطان، ووكيع، وسفيان ابن حبيب، وغيرهم. قال أحمد: ثقة. روى له الجماعة إلا النسائي (1) . قوله: " وقالا فيه " أي: قال معاوية وعلي في الحديث المذكور: " حتى تروني، وعليكم السكينةُ " , السكينة: التأني في الحركات واجتناب العبث ونحو ذلك. وقال الجوهري: السكينة: الودَاع والوقَارُ.
522- ص- نا إبراهيم بن موسى: أنا عيسى، عن معمر، عن يحي بإسناده مثله قال: " حتى تروني قد خرجتُ " (2) .
ش- إبراهيم بن موسى: الفراء الرازي، وعيسى: ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبِيعي الكوفي، ومعمر: ابن راشد البصري.
قوله: " مثله " أي: مثل الحديث المذكور، وفي روايته: " حتى تروني قد خرجتُ "، و" قد خرجت " في موضع الحال.
ص- قال أبو داود: ولم يذكر " قد خرجتُ " إلا معمر. ورواه ابن عُيينة، عن معمرِ, ولم يَقل فيه: "قد خرجتُ "
ش - أي: روى الحديث المذكور: سفيان بن عيينة، عن معمر المذكور, لم يقل في روايته: " قد خرجت ".
523- ص- نا محمود بن خالد: نا الوليد قال: قال أبو عَمرو ح، ونا داود بن رُشَيْد: نا الوليد- وهذا لفظه- عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: إن الصلاةَ كانتْ تُقامُ لرسول الله فيأخذ الناسُ مَقامهُم، قبل أن يَأخذَ النبي- عليه السلام- (3) .
__________
(1) المصدر السابق (21 / 4124) . (2) انظر الحديث السابق.
(3) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: متى يقوم الناس للصلاة (159 / 605) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: أقامة الصفوف قبل خروج الإمام (2 / 88) ، وقد سبق في كتاب الطهارة برقم (220) .

(3/10)


ش- محمود بن خالد: أبو عليّ السَّلَمي الدمشقي، والوليد: ابن مُسلم الدمشقي، وأبو عَمْرو: هو عبد الرحمن الأوزاعي.
وداود بن رُشَيْد: الهاشمي مولاهم، أبو الفضل الخوارزمي، ْ سكن بغداد. روى عن: أبي المليح الرقي، وابن عليّة، وشعيب بن إسحاق، والوليد بن مسلم، وغيرهم. روى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وأبو زرعة، وغيرهم. وكان يحي يوثقه. وقال أبو حاتم: صدوق. روى له: الجماعة إلا الترمذي (1) .
وأبو سلمة: عبد الله بن عبد الرحمن /. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي. وقد ذكرنا وجه اختلاف الروايات.
524- ص- نا حُسَيْن بن معاذ: نا عبد الأعلى، عن حُميد قال: سألتُ ثابتا البنانيَّ عن الرجلِ يتكلمُ بعد ما تُقامُ الصلاةُ، فحدَّثني عن أنسِ بنِ مالك: قال: أقيمَت الصلاةُ فَعرَضَ لرسول الله رجلٌ، فحبَسَهُ بَعد ما أقيمت الصلاة (2) .ًًَ
ش- حُسَيْن بن معاذ: ابن حليف- بالحاء المهملة-. روى عن: عبد الأعلى. روى عنه: أبو داود، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي. وحُميْد: الطويل. والحديث أخرجه البخاريّ. وفيه: جواز الكلام بعد الإقامة. وكرهه إبراهيم، والزهريّ، وهو قول أصحابنا , والجواب عن الحديث: أنه كان لعذر، ولم يكن باختياره- عليه السلام-. وقال مالك: إذا بَعُدت الإقامة رأيت أن تعاد الإقامة استحباباً.
225- ص- نا أحمد بن عليه السدوسي: نا عون بن كهمس، عن أبيه: كهْمس قال: قمنا بمنىَ إلى الصلاةِ (3) والإمامُ لم يَخرجْ، فَقَعَد بعضُنا
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8 / 1758) .
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: الكلام إذا أقيمت الصلاة (643) .
(3) في سنن أبي داود: " قمنا إلى الصلاة بمنى ".

(3/11)


فقال لي شيخ من أهْل الكُوفَةِ: ما يُقْعدُكَ؟ قلتُ: ابنُ بُرَيْدةَ. قال: هذا السمود. فقال الشيخ (1) : حدثنى عبدَ الرحمن بن عَوْسجة، عن البراء بنِ عازب قال: كنا نَقُومُ في الصفُوف على عهد رسول الله- عليه السلامَ- طويلا قبلَ أن يُكبرَ. قال: وقال: "إن اللهَ وملاَئكَتَه يُصَلُّوَن على الذين يَلُونَ الصُّفُوف الأوَلَ، وما من خَطوة أحب إلى الله تعَالى من خَطوة يَمْشِيها يَصِلُ بها صفا" (2) .
ش- كهمس: ابن الحسن، أبو الحسن التميمي البصري. روى عن: عبد الله بن بريدة، وعبد الله بن شقيق، وعباس الجُريري. روى عنه: معاذ بن معاذ، ووكيع، وخالد بن الحارث، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس بحديثه. مات سنة ثلاث وأربعين ومائة. روى له الجماعة (3) .
وابن بريدة: هو عبد الله بن بريدة بن الخصيب الأسلمي، قاضي مرو. وعبد الرحمن بن عَوْسجة التميمي الهمداني الكوفي. سمع: البراء ابن عازب. روى عنه: طلحة بن مصرف اليامي، وقتادة بن عبد الله التميمي، وإسحاق الهمداني، والضحاك. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
قوله: " بمنى" أي: في منى، وهي قرية تذبح بها الهَدايا والضحايا، سمّي ذلك الموضع منى لوقوع الأقدار فيه على الهدايا، من مَنى يمني مَنْيا أي: قدَر، ومنه: المنية، لأنها مقدرة على البرايا كلها. وقال الجوهري: ومِناً- مقصور- موضع بمكة، وهو مُذكر يُصْرف.
قوله: " فقال لي شيخ": مجهول.
قوله: " قلت: ابن بريدة " أي: أقعدني عبد الله بن بريدة.
__________
(1) في سنن أبي داود:"فقال لي الشيخ ". (2) تفرد به أبو داود
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24 / 5001) . (4) المصدر السابق (17 / 3922) .

(3/12)


قوله: " هذا السمود لما وقال الخطابي (1) : " السمود يُفسر على وجهن، أحدهما: أن يكون بمعنى الغفلة والذهاب عن الشيء، يقال: رجل سامدٌ هامد أي: لاهٍ غافلٍ، ومن هذا قوله تعالى: " وأنتُمْ سَامدُونَ) (2) أي: لاهون ساهون. وقد يكون السامد- أيضاً- الرافع رأسَه، قال أبو عبيد: ويقال منه: سَمد يسمِدُ ويَسْمُد- بالضم والكسْر- في المستقبل سُمُوداً. وروي عن علي- رضي الله عنه- أنه خرج والناس يَنْتظرونه قياما للصلاة، فقال: ما لي أراكم سامدين؟ وحكي عن إبراهيم النخعي أنه قال: كانوا يكرهون أن ينتظروا الإمام قياما، لكن قعوداً ويقولون: ذلك السُّمُودُ.
قوله: " طويلا" نصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: قياما طويلاً.
قوله: " يُصلُّون " قد عرفت أن الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار.
قوله: " يلُون) من الوَلْي، وهو القُرب والدنو، من وَلي يلي، من باب وَرث يرث، وأصله: يَلُون يَوْليُون، حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، وهذه قاعدة في باب المثال كما في يَعد ويهَبُ ونحوهما، فبقي يَليُون فحذفت الضمة لاستثقالها على الياء، فاجتمع ساكنان وهما الياء والواو، فحذفت الياء لأن الواو علامة بالجمع، ثم أبدلت كسرة اللام ضمةً لأجل الواو، فصَار يلُون على وزن يَعُون، لأن المحذوف منه فاء الكلمة ولامها.
قوله: " الأوَل "- بضم الهمزة- جمْعُ أولى، تأنيث الأول، والأول نقيض الآخر.
قوله: "وما من خَطوة " الخطوة- بالفتح-: المرة، وبالضم: بعد ما بين القدمين في المشي، وهاهنا بالفتح.
__________
(1) معالم الحق (1 / 136) .
(2) سورة النجم: (61) .

(3/13)


قوله: " يمشيها " صفة للخطوة ومحلها الجر.
[1 / 186 - ب] قوله: " يصل بها " أي: بالخطوة / وهذه الجملة حال من الضمير المرفوع الذي في " يَمْشيها"، و" صفا " نصبٌ على المفعولية، لأن وَصلَ
عُدَّى بالباء.
526- ص- نا مسدد: نا عبد الوارث، عن عبد العزيز بن صهيب، عن
أنس قال: أقيمَت الصلاةُ ورسولُ الله نَجي في جَانب المسجد، فما قامَ إلى
الصلًاةِ حتى نامَ القومُ (1) .ًًَ
ش- عبد الوارث: ابن سعيد البصري.
وعبد العزيز بن صُهَيْب البناني مولاهم، وبَنانة من قريش. سمع:
أنس بن مالك. روى عنه: شعبة، والحمادان، وعبد الوارث بن سعيد، وغيرهم، وعن يحيى: هو ثقة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " ورسولُ الله نجي " جملة اسمية وقعت حالاً و" نجي " بمعنى:
مُناج، كنديم بمعنى: مُنادم، ووزير بمعنى: مُؤازر، وتناجى القوم إِذا
دخلوا في حديثِ سر، وهم نجوى أي: متناجون، وفيه دليل على أن
تأخير الصلاة من أول وقتها غير مكروه، وكذا الكلام بعد الإقامة إذا كان
لأمر مهم من أمور الدين. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم،
والنسائي
527- ص- نا عبد الله بن إسحاق الجوهري: أنا أبو عاصم، عن ابن
جريج، عن موسى بن عقبة، عن سالم أبي النضْر قال: كان رسولُ الله حين
تُقام الصلاةُ في المسجد إذا رآهُم قليلاً جَلسَ ثم صلى (3) ، وإذا رآهم
جَمَاعةً صَلى (4) .
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: الإمام تعرِض له الحاجة بعد الإقامة (642) ، مسلم: كتاب الحيض، باب: الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء (376) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة (2 / 81) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 / 3595) .
(3) في سنن أبي داود: " لم يصل ".
(4) تفرد به أبو داود.

(3/14)


ش- عبد الله بن إسحاق الجوهري: المصري المعروف ببدعة، مستملي أبي عاصم. روى عن: أبي عاصم، وبَدَل بن المحبر، وأبي زيد الهروي. روى عنه: أبو داود، وأبو حاتم- وقال: شيخ-، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. مات سنة سبع وخمسين ومائتين (1) . وأبو عاصم: النَّبِيل، وعبد الملك: ابن جرير.
ومُوسى بن عقبة: ابن أبي عياش المُطرفي المدني الأسدي، أبو محمد مولى يل الزبير بن العوام، أخو محمد، وإبراهيم، أدرك عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وسهل بن سَعْد، ونافعاً وغيرهم. روى عنه: يحيي بن سعيد الأنصاري، وابن جريج، ومالك ابن أنس، والثوري، وابن عيينة، وشعبة، وغيرهم. مات سنة إحدى وأربعين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وسالم بن أبي أميّة، أبو النضر المدني القرشي، تابعيّ. والحديث مُرْسل.
قوله: " إذا رآهم " أي: إذا رأى الجماعة.
قوله: " قليلا " نصب على الحال بمعنى قليلين، يقال: قوم قليلون وقليلات- أيضاً قال الله تعالى: " واذكروا إِذ كُنتُمْ قَلِيلا فكثركم) (3) . وليس بمفعول ثان ل " رأى "، لأن " رأى " هاهنا بمعنى: أبصر، فلا يحتاج إلى مفعول ثاني.
قوله: " جماعة " نصب على الحال- أيضاً بمعنى: مجتمعين. وفيه دليل على تأخير الصلاة - أيضاً - من أول وقتها، وأن الإمام يُستحب له أن ينتظر الجماعة إذا كان الحاضرون قليلاً وأن لا يؤخر الصلاة إذا اجتمعوا، ولا سيما أئمة مساجد ألا سواق والطرقات.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14 / 3162) .
(2) المصدر السابق (29 /6282) .
(3) سورة الأعراف: (86) .

(3/15)


528- ص- نا ابن إسحاق: أنا أبو عاصم، عن أبي جريج، عن موسى ابن عقبة، عن نافع بن جُبير، عن أبي مَسْعود الزرقي، عن علي بن أي طالب مثل ذلك (1) .
ش- ابن إسحاق: هو عبد الله الجوهري، ونافع بن جُبَيْر: ابن مطعم القرشي.
وأبو مَسْعود الزرقي، روى عن: علي بن أبي طالب، روى عنه: نافع بن جبير. روى له: أبو داود (2) .
قوله: " مثل ذلك " أي: مثل الحديث المذكور.
***
43- بَاب: التشْدِيد في ترك الجماعة
أي: هذا باب في بيان التشديد في ترك الصلاة مع الجماعة.
529- ص- نا أحمد بن يونس: نا زائدة: نا السائبُ بن حُبَيْش، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، عن أبي الدرداء قال: سمعتُ رسولَ الله عمليه السلام- يَقولُ: " ما منْ ثَلاثة في قَرية ولا بَدْوٍ لا تُقَامُ فيهم الصلاةُ، إلا قد استحوذَ عليهمُ الشيطانُ، ً فعليكَ بًالجماعة، فإنما يأكلُ الذئبُ القاصِيَة (3) .
قال زائدةُ: قال السائب: يعني بالجماعةِ: الصلاةَ في الجماعةِ.
ش- زائدة: ابن قدامه.
والسائب بن حُبَيْش- بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره: شين معجمة- وصحفه بعضهم بحنَش - بفتح الحاء والنون- الكلاعي الحمصي. روى عن: معدان بن طلحة،
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34 / 7624) .
(3) الكسائي: كتاب الإمامة، باب: التشديد في ترك الجماعة (2 / 106) .

(3/16)


وأبي الشماخ الأزدي. روى عنه: زائدة، وحَفْص بن رواحة /. وقال [1/ 187 - أ] أحمد العجلي: ثقة. وقال الدارقطني: صالح الحديث. روى له:
أبو داود، والنسائي (1) .
ومَعْدان بن أبي طلحة- ويقال: ابن طلحة- اليعمري. سمع: عمر
ابن الخطاب، وأبا الدرداء، وثوبان مولى رسول الله، وأبا نجيح: عمرو
ابن عَبَسة السلمي. روى عنه: سالم بن أبي الجَعْد، والوليد بن هشام،
والسائب بن حُبَيْش. قال ابن سَعد، وأحمد بن عبد الله: ثقة. روى
له: الجماعة إلا البخاري (2) .
قوله: " في قرية " القرية: المدينة, سمّيت قريةً لاجتماع الناس فيها،
من قريته الماء في الحوض إذا جمعته، ويقال: قِرْية- بالكسر- لغة
يمانية , ومكة أم القرى.
قوله: " ولا بَدْوٍ " البَدْو: البادية؟ والنسبة إليه: بَدوي.
قوله: " إلا استحوذت أي: غلب عليهم الشيطان، وهذا جاء بالواو
على أصله كما جاء في " استَرْوح " و" استصوبت. قال أبو زيد: هذا
الباب كله يجوز أن يتكلم به على الأصل، تقول العربُ: استصاب واستصوب، واستجاب واستجوب، وهو قياس مطرد عندهم، وقوله
تعالى: " الَمْ نَسْتَحْوذ عَلَيكُمْ) (3) أي: ألم نغلب على أموركم
ونستولي على مودتكم.
قوله: " فعليك بالجماعة " عليك من أسماء الأفعال بمعنى: الزم، كما
يقال: إليك بمعنى: تنح، والفاء فيه جواب شرط محذوف، تقديره:
إذا كان الأمر كذلك فعليك. وقوله: " بالجماعة " أعم من أن تكون
جماعة الصلاة، أو جماعة المسلمين.
قوله: " فإنما " الفاء للتعليل.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10 / 2166) .
(2) المصدر السابق (28 / 6082) .
(3) سورة النساء (141) .
2. شرح سنن أبي داوود 3

(3/17)


قوله: " القاصية " أي: الشاة المنفردة عن القطيع، البعيدة منه، من قَصَى الْمكانُ يَقْصُو قُصُوا: بَعُد، فهو قَصِيّ وهي قاصية وقصيّة، وقصوتُ عن القوم: تباعدتُ، والقَصَاء بالمد: البُعْدُ والناحية، وكذلك القَصَى مقصوراً، ويُقال: قصِيَ فلان عن جوارنا- بالكسر- يَقْصَى - بالفتح- قَصًى، وأقْصيتُه أنا فهو مُقْصًى، ولا تقُلْ: مَقْصِي. يريد بذلك: أن الشيطان يستحوذ ويتسلط على تارك الجماعة، كما يتسلط الذئب على الشاة المنفردة من القطيع وإنما عنى الثلاثة، لأن أقل الجمع ثلاثة حتى يُقام بهم الجمعة، ويفهم من هذا: أن الاثنان في موضع إذا صلى كل واحد بذاته لا يأثمان، وقد روي أن الاثنان وما فوقهما جماعة.
530- ص- نا عثمان بن أي شيبة: نا أبو معاوية: نا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
: " لقد هَمَمتُ أن آمُرَ بالصلاةِ فتُقامَ، ثم آمُرَ رجلاً يُصَلي بالناسِ، ثم أنطلقَ معي بِرِجال معهم حُزَمٌ من حَطب إلى قوم لا يَشْهدُونَ الصلاة، فاحَرَّقَ عليهم بيُوتَهم بالنارِ " (1) .
ش- هممتُ أيْ: قصَدْتُ، " أن آمر "، مفعوله.
وقوله: " فتقامَ " بالنَّصْب عطف على ما قبله، وكذلك " ثم آمرَ " و " ثم أنطلقَ " و " فأحرقَ " كلها مَنْصوبٌ.
وقوله: " برجال " مُتعلق بقوله: " ثم أنطلقَ " فعُدى " أنْطلق به " , والمعنى: ثم أذهب برجال.
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: وجوب صلاة الجماعة رقم (644) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة الجماعة (651) ، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب، التغليظ في التخلف عن الجماعة (791) .

(3/18)


وقوله: " معي " حال من الرجال، والمعنى: مُصاحِبين لي. والحُزم
- بضم الحاء- جمع حُزْمةٍ.
وقوله: " بالنار " متعلق بقوله: " فاحْرقَ ".
واستدل به من قال: الجماعة فرض عين , وهو مذهب عطاء،
والأوزاعي، وأحمد، وأبي ثور، وابن المنذر، وابن خزيمة، وداوود.
وقال في " شرح المُهذب ": وقيل: إنه قول الشافعي، وعن أحمد:
واجبة وليست بشرط. وقالت الجمهور: ليْست فرض عين. واختلفوا:
هل هي سُنة أم فرض كفاية؟ والمختار عند الشافعية: أنها فرض كفاية،
وعند عامة مشايخنا: واجبة، وقد سماها بعض أصحابنا سُنَن مؤكدة،
وهو قول القدوري- أيضاً- وفي " المُفيد ": الجماعة واجبة وتسميتها
سُنَن لوجوبها بالسُّنَة. وفي والبدائع ": إذا فاته الجماعة لا يجب علي
الطلب في مَسْجد آخر بلا خلاف بوش أصحابنا، لكن إن أتى مسجدا يَرْجو
إدراك الجماعة فيه فحسن، وإن صلى في مسْجد حقه فحسن. وعن القدوري: يجمع بأهْله. وفي " التحفة ": إنما تجب على من قدر عليها
من غير حرج، وتسقط بالعذر، فلا تجب على المريض، ولا على
الأعمى والزمِنِ ونحوهم، هذا إذا لم يجد الأعمى قائداً، والزَّمِنُ مَن يحمله، وكذا إذا وجدا (1) عند أبي حنيفة، وعندهما: تجب. وعن
شرف الأئمة: تركها من غير عذر يوجب التعزير، ويأثم الجيران بالسكوت عن تاركها. وعن بعضهم: لا تقبل شهادته، فإن اشتغل
بتكْرار / اللغة لا يعذر في ترك الجماعة، وبتكْرار الفقه أو مطالعته يعذر، [1\187-ب] ، فإن تركها أهل ناحية قوتلوا بالسلاح. وفي " التنبيه ": يشتغل بتكَرارِ
الفقه ليلاً ونهارا ولا يحضر الجماعة لا يعذر، ولا تقبل شهادته. وقال
أبو حنيفة: سهى أو نام أو شغله عن الجماعة شغل، جَمَع بأهْله في
منزله، وإن صلى وحده يجوز.
__________
(1) في الأصل: " وكذا هذا إن وجدا ".

(3/19)


واختلف العلماء في إقامتها في البيْت؛ والأصح: أنها كإقامتها في المسْجد. وفي " شرح خواهر زاده ": هي سُنَة مؤكدة غاية التأكيد، وقيل: فرض كفاية، وهو اختيار الطحاوي والكرخي وغيرهما، وهو قول الشافعي المختار، وقيل: سُنَة. وفي "الجواهر": عن مالك: سُنَّة مؤكدة، وقيل: فرض كفاية. والجواب عن الحديث من وجوه، الأول: أن هذا في المنافقين، ويَشْهد له ما جاء في " الصحيح": "لو يَعْلم أحدكم أنه يجدُ عظما سميناً أو مَرْمَاتَين حسَنَتَيْن لشهد العشاء " وهذه ليست صفة المؤمن، لا سيما أكابر المؤمنين وهم الصحابة، وإذا كان في المنافقين كان التحريق للنفاق لا لترك الجماعة فلا يتم الدليل، والثاني: أنه- عليه السلام- هَمّ ولم يَفْعل، والثالث: أنه- علية السلامِ- لم يخبرهم أن من تخلّف عن الجماعة، فصلاته غير مجزئة، وهو موْضع البيان.
وفي هذا الحديث: دليل على أن العقوبة كانت في أول الأمر بالمال، لأن تحريق البيوت عقوبة مالية. وأجمع العلماء على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الصلاة والغال من الغنيمة، واختلف السلف فيهما والجمهور على منع تحريق متاعهما. ثم إنه جاء في رواية: أن هذه الصلاة التي هم بتحريقهم للتخلف عنها هي العشاء. وفي رواية: إنها الجمعة، وفي رواية: إنهم يتخلفون عن الصلاة مطلقاً وكله صحيح، ولا منافاة بَين ذلك. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، وابن ماجه.
531- ص- نا النفيلي: نا أبو المليح: حدَّثني يزيد بن يزيد: حدَّثني يزيد بن الأصم قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله: " لقد هَممت أن آمُرَ فِتْيَتِي فيَجْمعُوا حُزما من حَطب، ثم آتِي قوماً يُصفُون في بُيُوتِهم ليْست بهم علَّةٌ، فأحرِّقَها عَليهم ". قلًتُ ليزيدَ بنِ الأصم: يا أبا عوفٍ: الجمعةَ عَنى أَو غيرَها؟ فقال: صامتا أذُنَايَ إن لم كنْ سمعتُ أبا هُريرةَ وأثره عن رسولِ اللهِ، ما ذَكَر جُمُعَةً ولا غيرها (1) .
ـــــــــــــ
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة الجماعة وبيان-

(3/20)


ش- عبد الله بن محمد النُّفيلي. وأبو المليح: اسمه: الحسن بن عَمرو، ويقال: عُمر، الفِزاري مولاهم الرقي، وقيل: كنيته: أبو عبد الله، وغلب علي أبو المليح. سمع: ميمون بن مهران، والزهري، والوليد ابن زَرْوان، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، وأبو توبة (1) الربيع بن نافع، وبقية بن الوليد، وغيرهم. توفي سنة إحدى وثماني ومائة، وهو ابن خمس وتسعين. قال أحمد: ثقة ضابط لحديثه صدوق. روى له: أبو داود، والترمذي (2) .
ويزيد بن يزيد: ابن جابر الشامي الدمشقي، أصله من البصرة. سمع: الزهري، ومكحولا ويزيد بن الأصم، وغيرهم. روى عنه: الأوزاعي، والثوري، وابن عيينة، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. مات سنة ثلاث وثلاثة ومائة. روى له: الجماعة إلا البخاري (3) . ويزيد بن الأصم: أبو عوف الكوفي.
قوله: " فِتْيتي" الفِتْية: جمعُ فَتىَ.
قوله: " فيَجْمعوا " عطف على قوله:"آمُرَ" فلذلك نُصِب.
قوله: " الجمعةَ عَنى" أي: قَصَد، و" الجمعة" منصوب به، و "أو غيرها " عطف عليه.
قوله: " صمتا أذناي" من قبيل كلوني البراغيث، حيْث جمع الفعل المسند إلى الفاعل الظاهر، وكذلك هاهنا ثنى الفعل المسند إلى الفعل الظاهر، والأصل: صمت أذناي بمعنى: طَرشت، وهو إنشاء في صورة الإخبار، والمعنى: لتصمم أذناي إذا صم الله أذناي، إنْ لم أكن سمعتُ أبا هريرة.
ـــــــــــــ
= ... (252 / 651) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء فيمن يسمع النداء فلا يجيب (217) .
(1) في الأصل: " ثوبة" خطأ.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6 / 1255) .
(3) المصدر السابق (32 / 63 0 7) .

(3/21)


قوله: "تأثره " أي: يَرْويه ويحكيه عن رسول الله من أثر يأثر، من
باب نصر ينصر من الأثر وهو الخبر، وخبر مأثور، أي: منقول ينقله
خلف عن سلفٍ. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي مختصراً
532- ص- نا هارون بن عباد الأزدي: نا وكيع /، عن المَسْعودي، عن عليّ بن الأقمر، عن أبي الأحْوص، عن عبد الله بن مَسْعود قال: حَافظُوا
على هؤلاء الصلواتِ الخمسِ حيثُ يُنادَى بِهن، فمنهن من سُنَنِ الهُدًى،
وأن الله عَزًّ وجل شَرعً لنبيِّه- عليه السلام- سُنَنَ الهُدَى، ولقد رأيتُنَا وما
يتخلفُ عنها إلا مُنافق بين النفاقِ، ولقد رأيتُنَا وإن الرجلَ يُهادَى بين
الرجلين حتى يُقامَ في الصف، وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بَيْته،
ولو صلًّيتُم في بيوتِكُم وتركتم مساجدَكم، تركتُمَ سُنَّةَ نبيكُم، ولو تركَتم
سُنَّةَ نبيكُم لكفرتُم (1) .
ش- هارون بن عباد الأزدي. روى عن: وكيع، ومروان بن معاوية.
روى عنه: أبو داود (2) .
وعليّ بن الأحمر: ابن عمرو بن الحارث بن معاوية الهمداني الوداعي
الكوفي، أخو كلثوم بن الأحمر. سمع: أبا صحيفة الروائي، وعكرمة
مولى ابن عباس، وأبا الأحَوص، وغيرهم. روى عنه: منصور بن المعتمر، ومسْعر، والثوري، والأعمش، وغيرهم. قال ابن معين:
ثقة حجة. قَال أبو حاتم: صدوق، ثقة. روى له الجماعة (3) .
وأبو الأحوص: عوف بن مالك الجُشمي.
قوله: " على هؤلاء " أصلُه: أولاء- بالمد والقصر- وهو للجمع سواء
ــــــــــــ
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: صلاة الجماعة من سنن الهدى
(257 / 654) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: المحافظة على الصلوات حيث
ينادى بهن (2 / 108) ، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: المشي
إلى الصلاة (777) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30 / 6519) .
(3) المصدر السابق (0 2 / 26 0 4) .

(3/22)


كان مذكرا أو مؤنثا، ويستوي فيه أولوا العقل وغيرهم، ومفرده في المذكر: ذا، وفي المؤنث: ذي، ثم دخلت الهاء علي للتنبيه.
قوله: "من سنن الهدى "- بضم السين وفتح النون- جمع سُنَّة، وهي الطريقة والمنهج، والهُدَى: مَصْدر على فُعَل كالسُّرَى، وهو خلاف الضلال.
قوله: " ولقد رأيتُنا"- بضم التاء- أي: رأيت أنفسنا.
قوله: " عنها لا أي: عن الصلوات.
قوله: "بين النفاق" أي: ظاهرُ النفاق، وهو اسم إسلامي لم تعرفه العربُ بالمعنى المخصوص به؛ وهو الذي يَسْتر كُفْره ويُظهر إيمانه، وإن كان أصله في اللغة معروفاً، يقال: نافق يُنافق منافقة ونفاقا، وهو مأخوذ من النافقاء أحد جحرة اليَرْبوع، إذا طُلب من واحد هرب إلى الآخر وخرج منه، وقيَل: هو من النَّفق، وهو السربُ الذي يُسْتتر فيه؛ لسَتره كُفْره. ويمكن أن يحمل النفاق في الحديث على معناه الأصليّ في حقّ من كان يتخلف عن الصلوات في زمن الرسول، لأجل بغضهم وعداوتهم، وهم الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، وهذا هو المنافق الحقيقي. وأما في هذا الزمان: فلا يمكن حمله على معناه الأصلي في حق من يتخلف عن الجماعة؟ لأنه لا يُبْطِن الكفر، بل إنما تخلفه يكون عن كسَل وتهاون، فيطلق علي اسم النفاق باعتبار أنه فَعل فِعْلَ من كان يُنافق، أو باعتبار أنه أظهر خلاف ما في باطنه، لأن في باطنه كان يَعْتقد أن الجماعة من سنن الهدى , ولكنه خالف في الظاهر بتخلفه عنهم كما جاء في الحديث:" أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها "، أراد بالنفاق هاهنا الرياء، لأن كليهما إظهار ما في الباطن.
قوله: " وإن الرجل يُهادَى بين الرجلين " أي: يَمْشي بينهما، معتمداً عليهما من ضعفه وتمايله، وكل من فعل ذلك بأحد فهو يهاديه، وكذا المرأة إذا تمايلت في مشيتها من غير أن يُماشيها أحد قيل: تهادى. ويهادى

(3/23)


هاهنا على صيغة المجهول. وفي هذا كله تأكيد أمر الجماعة، وتحمل المشقة في حضورها، وأنه إذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها، استحب له حضورها.
قوله: " ولو تركتم سيئة نبيكم لكفرتم " بمعْنى: أنه يؤول بكم إلى الكفر، بأن تتركوا شيئا شيئا منها حتى تخرجوا من الملة.
قلت: يجور أن يكون المراد بالكفر: كفران النعمة، يعني: لو تركتم سُنَن نبيكم كسلاً وتهاونا لكفرتم نعمة الإسلام، وأما إذا تركها جاحداً معاندا فهو كفر بلا خلاف، واحتج به من يقول: إن الصلاة مع الجماعة فرض على الأعيان، وهو محمول على أنهم منافقون، أو هو خرج مخرج الوعيد الشديد لأجل الزجر والتهديد. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
[1/ 188- ب] 533- ص- نا قتيبةُ: نا جرير، عن أبي جَنَابِ، عن مغراء العبْدي / عن عديّ بن ثابت، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: قال رسولَ الله صلي الله عليه وسلم: "مَنْ سَمِعَ المُنَادي فلم يَمْنعْهُ من اتباعه عُذرٌ" قَالوا: وما العُذرُ؟ قال: "خَوفٌ أو مَرض، لم تُقبلْ منه الصلاةُ اَلتَي صلى (1) " (2) .
ش- قتيبة: ابن سعيد، وجرير: ابن عبد الحميد.
وأبو جناب: يَحْيى بن أبي حية- بالياء آخر الحروف- الكلبي الكوفي، واسم أبي حية: حَي. روى عن: أبيه، ومعاوية بن قرة، وعكرمة، وجماعة آخرين. روى عنه: الثوري، ووكيع، وشريك القاضي، وغيرهم. قال الحاكم: ليس بالقوي. وقال أبو نعيم: لم يكن به بأس إلا أنه كان يدلس. وقال ابن معين: ضعيف الحديث. وقال
ــــــــــــــــ
(1) جاء في سنن أبي داود بعد هذا الحديث: "قالي أبو داود: روى عن مدراء أبو إسحاق".
(2) ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: التغليظ في التخلف عن الجماعة (793) .

(3/24)


ابن خراش: كان صدوقا مُدلساً في حديثه نكر [ة] مات سنة خمسين ومائة بالكناسة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) . ومَغْراء- بالغين المعجمة- أبو المخارج العبدي النساج، من بني عائد الكوفي. روى عن: عبد الله بن عمر، وعدي بن ثابت. روى عنه: أبو إسحاق الهمداني، والأعمش، والحسن النخعي، وغيرهم. روى له: أبو داود (2) .
وعدي بن ثابت: الأنصاري الكوفي.
قوله: "من سمع المُنادي" أي: المؤذن. وهذا الحديث حكمه الزجر
والتهديد.
وقوله: "لم تقبل لما من قبيل قوله- عليه السلام-: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، والمراد منه: نفي الفضيلة والكمال. والحديث: أخرجه ابن ماجه بنحوه، وإسناده أمثل، وفيه نظر.
534- ص- نا سليمان بن حرب: نا حماد بن زيد، عن عاصم بن بهْدلة، عن أي رزين، عن ابن أم مكتوم، أنه سألَ النبي- عليه السلام- فقال: نا رسولَ الله، إني رجل ضريرُ البصرِ، شَاسِعُ الدارِ، ولي قائد لا يلاومني (3) فهلْ لي رُخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: "هل تسْمَعُ النداءَ؟ " قال: نعم، قال: "لا أجِدُ لك رُخصةَ " (4) .
ش- أبو رزين: مَسْعود بن مالك.
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31 / 6817) .
(2) المصدر السابق (28 / 6120) . (3) في سنن أبي داود: "لا يلائمني". (4) ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: التغليظ في التخلف عن الجماعة (792) . مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: يجب إتيان المسجد لمن سمع النداء (255 / 653) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: المحافظة على الصلوات حيت ينادى (2 / 109) من حديث أبي هريرة.

(3/25)


قوله: " ضرير البَصر" أي: ذاهبُ البصر.
قوله: " شاسع الدار" أي: بعيدها؟ الشاسع، والشيسُوع: البعيدُ. قوله: " لا يلاومني " قال الخطابي (1) : " هكذا يروى في الحديث، والصواب: لا يلائمني، أي: لا يُوافقني ولا يُساعدُني. فأما المقاومة: فإنها مفاعلة من اللوْم، وليْس هذا مَوْضعه. وظاهر الحديث يدل على أن الأعمى يجب علي حضور الجماعة إذا سمع النداء، سواء وافقه قائده أو لا. ويدل- أيضاً أن حضور الجماعة واجب، إذ لو كان ندبا لكان أوْلى من يسعه التخلف عنها أهل الضرر والضعْف. وكان عطاء بن أبي رباح يقول: ليس لأحد من خلق الله في الحضر والقرية رخصة إذا سمع النداء في أن يدفع الصلاة. وقال الأوزاعي: لا طاعة للوالد في ترك الجمعة والجماعات، سمع النداء أو لم يسمَعْ ".
والجواب عن هذا الحديث: أنه مؤول بمعنى: لا رخصة لك إن طلبت فضل الجماعة، وأنك لا تحرز أجْرها مع التخلف عنها بحال، واحتجوا بقوله عليه السلام: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسَبع وعشرين درجة " (2) ، وليس معناه: إيجاب الحضور على الأعمى، فقد رخص - عليه السلام- لعِتبان بن مالك. والحديث أخرجه ابن ماجه. وأخرج مسلم، والنسائي من حديث أبي هريرة قال: " أتى النبي- عليه السلام- رجل أعمى "، فذكر نحوه.
535- ص- نا هارون بن زَيْد بن أبي الزرقاء: لا أميي: نا سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابنِ أم مكتومٍ قال: نا رسولَ الله، إن المدينةَ كَثيرةُ الهوام والسباع، فقال النبي- عليه السلام-: لا أتسمع: حَي على الصَلاةِ، حَي على الفلاح؟ فحيًّ هَلا، (3) .
(1) معالم السنن (1 / 138) . (2) يأتي بعد أربعة أحاديث.
(3) النسائي: كتابا الإمامة، باب: المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن
(2/ 109، 110)

(3/26)


ش- هارون بن زيد: ابن يزيد بن أبي الزرقاء الموصلي، سكن الرملة. روى عن: أبيه، ويحيى بن عيسى الرملي. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وأبو حاتم، وقال: صدوق (1) .
وأبوه: زيد بن أبي الزرقاء الموصلي. روى عن: هشام بن سعد، وجعفر بن بُرْقان. روى عنه: محمد بن عبد الله العُمري. قال ابن معين: ليس به بأس /. روى له: أبو داود، والنسائي (2) . [1/189 -أ]
وعبد الرحمن بن عابس: ابن ربيعة الكوفي النخعي. سمع: أباه، وابن عباس. روى عنه: الثوري، وشعبة، وقيس بن الربيع. قال ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة: هو كوفي ثقة. روى له: الجماعة إلا الترمذي (3) .
قوله: "كثيرة الهوام لما الهوام": جمع هامة، وهي الحية وكل ذي سم يقتل، وقيل: دابة الأرض التي تهم بالناس.
قوله: "أتسمع؟ " لما الألف فيه للاستفهام.
قوله: "فحي هَلا " كلمة حيث واستعجال و" هلا " بالتنوين تجعل نكرة، وأما حي هلال بلا تنوين، فإنما يجور في الوقف، وأما في الإدراج فلغة جدية، يُقال: حي هَلَ- بفتح اللام- مثل خمسة عشر.
قلت: فيه ست لغات: حي هلا بالتنوين، الثاني: فتح اللام بلا تنوين، الثالث: تسكين الهاء وفتح اللام بلا تنوين، الرابع: فتح الهاء وسكون اللام، الخامس: حي هلنْ بفتح اللام وسكون النون، السادس: حي هلِنْ بكسر اللام. قال الزجاج: الوجه الخامس: بالنون هو الأول بعينه لأن التنوين والنون سواء.
قلت: سواء في اللفظ دون الكتابة. وقد قيل: إن حديث ابن
أم مكتوم هذا يحتمل أن يكون في الجمعة لا في الجماعة، وقيل: كان في
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30 / 6511) .
(2) المصدر السابق (0 1 /2109) . (3) المصدر السابق (7 1 / 0 386) .

(3/27)


أول الإسلام، وحين الترغيب في الجماعة، وسط الباب على المنافقين في ترك حضورها. وأعل ابنُ القطان حديثَ ابن أم مكتوم فقال: لأن الراوي عنه: أبو رزين، وابن أبي ليلى، فأما أبو رزين: فإنا لا نعلم سِنَهُ، ولكن أكبر ما عنده من الصحابة: علي، وابنُ أم مكتوم قتل بالقادسية زمن عمر. وابن أبي ليلى مولده ست بقين من خلافة عمر. قلت: يمكنُ مناقشته، لأن ابن حبان ذكر أنه كان أكبر سنا من أبي وائل، وأبو وائل قد علم إدراكه لسيدنا رسول الله، فعلى هذا لا تنكر روايته عن ابن أم مكتوم. وقوله " أعلى ما له الرواية عن علي " مردود بروايته الصحيحة عن ابن مسعود، وكذا قوله: "مات بالقادسية " مردود، ذكر ابن حبان في كتاب "الصحابة ": شهد القادسية ثم رجع إلى المدينة فمات بها في خلافة عُمر، وقوله:" ما إن سن ابن أبي ليلى لا يقتضي له السماع من عمره" مردود بقول أبي حاتم الرازي وسأله ابنُه: هل سمع عبد الرحمن من بلال؟ فقال: بلال خرج إلى الشام قديمة في خلافة عمر، فإن كان رآه صغيراً فهذا أبو حاتم لم ينكر سماعه من بلال المتوفى سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة، بل جوزه، فكيف ينكر من عمر رضي الله عنه؟!
ص- قال أبو داود: وكذا رواه القاسم الجَرْمي، عن سفيان (1) .
ش- أي: كذا روى هذا الحديث القاسم بن يزيد الجرمي الموصلي عن سفيان الثوري، وروى القاسم عن مالك بن أنسى، وابن أبي ذئب، والمسعودي، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حَرب الموصلي، وإبراهيم ابن موسى الرازي، وإسحاق بن إبراهيم الهروي، وغيرهم. قال أبو حاتم: صالح. روى له: النسائي (2) .
__________
(1) جاء في سنن أبي داود قوله: " ليس في حديثه: حَي هلا ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23 / 4835) .

(3/28)


والحديث: رواه النسائي. وقال: وقد اختلف على ابن أبي ليلى في
هذا الحديث، فرواه بعضهم عنه مُرْسلاً.
قلت: ورواه الحاكم في " المستدرك " وصححه.
***
44- بَاب: في فضل صلاة الجماعة
أي: هذا باب في بيان فضيلة الصلاة بالجماعة، وفي بعض النسخ:
" باب ما جاء في نضل صلاة الجماعة "، وفي بعضها: " صلاة الجميع"
موضع " الجماعة ".
536- ص- نا حرص بن عمر: نا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الله
ابن أبي بَصير، أُبي بن أبي كعب قال: صلى بنا رسول الله- عليه السلام-
يوما الصبح فقال: " أشاهد فُلانٌ؟ " قالوا: لا. قال: " أشاهد فلان؟ "
قالوا: لا، قال: " إن هاتَينِ الصلاتَيْنِ أثقلُ الصلوات على المنافقينَ، ولو
تعلمونَ ما فيهما لأتيتُمُوهُما ولو حبواً على الركَبِ، وان الصفَّ الأوَّلَ على
مثلِ صف الملائكةِ، ولو علمتم ما فضيلَتُهُ / لابْتَدَرْتُموه، وأن صلاةَ الرجلِ [1/189- ب] مع الرجلِ أزكَى من صَلاِته وحده، وَصلاته مع الرجلينِ أزْكَى من صلاته
مع الرجلِ، وما كثُرَ فهو أحب إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ " (1) .
ش- حفص بن عُمر: ابن الحارث البَصْري، وأبو إسحاق: السبِيعي.
وعبد الله بن أبي بَصِير. روى عن: أبي بن كعب، وعن: أبيه.
روى عنه: أبو إسحاق، ولا نعلم روى عنه غيره. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
__________
(1) النسائي: كتاب الإمامة، باب: الجماعة إذا كانوا اثنين (2 / 104) ، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: صلاة العشاء والفجر في جماعة (796) عن عائشة مختصراً
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14 / 3184) .

(3/29)


قوله: "أشاهد فلان؟ " أي: أحاضر مع القوم؟ وارتفاع " شاهد " على أنه مبتدأ.
وقوله: " فلان " فاعله سد مسَد الخبر، وقد علم أن الصفة الواقعة بعد حرف الاستفهام أو حَرْف النفي يكون مبتدأ، ولكن لا تتعين الصفة في هذه الصورة للابتداء، وإنما تتعين إذا أسندت إلى التثنية أو الجمْع، نحو: أقائم الزيدان؟ وأقائم الزيدون؟ وأما في هذه الصورة: يجوز أن يكون " فلان " مبتدأ، ويكون " شاهد " خبره مقدماً كما في: أقائم زيد؟ قوله: " إن هاتين الصلاتين " أراد بهما صلاة الصبح والعشاء، وإنما كانتا أثقل الصلوات، لأن كلا منهما مكتنف بوقت النوم والثقالة والكسَل. قوله: " ولو حَبْو "، الحَبْو: حَبْو الصغير على يدَيْه ورجليه. وقال ابن الأثير (1) :" الحَبْو: أن يمشي على يدَيه وركبتَيْه أو إسته، وحَبَا البعير إذا برك ثم زحف من الإِعْياء، وحبا الصبي إذا زحف على إسته " انتهى. والمعنى: لو تعلمون ما في صلاة الصبح والعشاء من الفضل والخير،
ثم لم تستطيعوا الإتيان إليهما إلا حَبوا، لحبَوتم إليهما، ولم تُفَوتوا جماعتيهما في المسجد، ففيه الحث البليغ على حضورهما.
فإن قلت: بم انتصب حَبْواً؟ قلت: انتصب على أنه صفة لمصدر محذوف أي: ولو كان إتياناً حَبْوا، ويجور أن يكون خبر كان المقدر، والتقدير: ولو كان إتيانكُم حَبْواً.
وقوله: "على الركب، متعلق به، وهي جمع رُكبةِ ".
قوله: "وإن الصف الأولى على مثل صف الملائكة " كلمة "على " هاهنا للاستعلاء المعنوي، نحو: {وفَضلنا بَعْضَهُم عَلَى بَعض} ، وقد جاء عن سيبويه أنه " على " لا يكون إلا اسما، فيكون المعنَى على هذا: الصف الأول من الجماعة أعلى وأفضل من صف الملائكة.
__________
(1) النهاية (1 / 336) .

(3/30)


قوله: " ما فضيلته؟ " أي: فضيلة الصف الأول.
قوله: " لابتدرتموه " جواب " لوْ " أي: لسارَعْتم إليه، من الابتدار وهو الإسراع، وهو فعل متعدي، كما يقال: ابتَدَرُوا السلاح، أي: تَسَارعوا إلى أخذه.
قوله: " أزكى " يعني: اْبْركُ وأنْمى بمعنى: أكثر ثوابا وفضِيلةً.
قوله: " ومَا كثُر " " ما " هاهنا شرطية، فلذلك دخلت الفاء في جوابه، والمعنى: كلما كثر الناسُ فهو أحبّ إلى الله عز وجَل، لأن الجماعة رَحْمة. والحديث: أخرجه النسائي مطولاً وابن ماجه بنحوه مختصراً وقال النووي في " الخلاصة ": إسناده صحيح، إلا أن ابن [أبي] بَصِير سكتوا عنه ولم يضعفه أبو داود. وروى البيهقي معناه من حديث قَبَاث بن أشيم الصحابي، عن النبي- عليه السلام- وهو بضم القاف وفتحها بَعْدها باء موحدة وآخره ثاء مثلثة.
537- ص- نا أحمد بن حنبل: نا إسحاق بن يوسف: نا سفيان، عن أبي سهل- يعني: عثمان بن حكيم-: نا عبد الرحمن بن أبي عَمْرةَ، عن عثمانَ بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن صَلى العشاءَ في جَمَاعة كان كَقِيَام نِصفِ لَيلةٍ، ومَن صَلى العِشاءَ والفَجْرَ في جَمَاعةٍ كَان كقيام لَيلةٍ " (1)
ش- إسحاق بن يوسف: ابن مرْداس الأزرَق، أبو محمد الواسطي القرشي المخزومي. سمع: الأعمش، والثوري، وشريكا (2) النخعي، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وقتيبة بن سعيد، ويحي بن معين، وغيرهم. قال ابن معين وأحمد العجلي: هو ثقة. وقال
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة (260 / 656) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل العشاء والفجر في جماعة (221) .
(2) في الأصل:" شريك ".

(3/31)


أبو حاتم: هو صحيح الحديث، صدوق، لا بأس به. توفي سنة ست وتسعن ومائة. روى له الجماعة (1) .
وأبو سَهْل: عثمان بن حكيم بن عبادة بن عثمان بن حنيف الأنصاري الأوسي المدني ثم الكوفي، أخو حكيم. روى عن: عبد الله بن سَرْجس، وعامر بن سَعْد بن أبي وقاص، ومحمد بن كعب القرظي، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشريك النخعي، وعيسى بن يونس، وغيرهم. قال ابن معين: / ثقة. وقال أبو زرعة: صالح. روى له الجماعة (2) .
وعبد الرحمن بن أبي عَمْرةَ، واسم أبي عروة: عمرو بن محصن. وقال ابن سَعْد: اسمه: بشير بن عمرو بن محصن بن عتيق بن عمرو بن مبذول، وهو عامر بن مالك بن النجار النجاري الأنصاري المدني. سمع: أباه- وله صحبة-، وعثمان بن عفان، وعبادة بن الصامت، وأبا هريرة، وغيرهم. روى عنه: مجاهد، وعثمان بن حكيم، وعبد الرحمن الأعرج، وغيرهم. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. روى له: الجماعة إلا النسائي (3) .
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، ولفظ مسلم: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله"، فحمل بعضهم حديث مسلم على ظاهره، وأن جماعة العتمة توازي في فضيلتها قيام نصف ليلة، وجماعة الصبح توازي في فضيلتها قيام ليلة. واللفظ الذي خرجه به أبو داود يُفسره، ويُبين أن المراد بقوله: " ومن صلى الملمح في جماعة فكأنما صلى الليل كله " يعني: ومن صلى الصبح والعشاء، وطرق هذا الحديث كلها مُصرحة بذلك، وأن كلا منهما يقوم مقام نصف ليلة، وأن اجتماعهما يقوم مقام
ـــــــــــــــــ
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2 / 395) .
(2) المصدر السابق (9 1 / 4 0 38) . (3) المصدر السابق (17 / 0 392) .

(3/32)


ليلة، ومعناه: فكأنما قام نصف ليلة أو ليلةٍ لم يُصل فيها العتمة والصبح في جماعة، إذ لو صلى ذلك في جماعة لحصل له فضلها وفضل القيام زائد عليه، وهذا نحو قوله تعالى: (لَيْلَةُ القَدْر خَيْر مِّنْ ألف شَهْرٍ) (1) يعني: من ألف شهر لا تكون فيه ليلة القدرَ. وفيه اختصَاص بعض الصلوات من الفضل بما لا تختمر غيْرها.
* * *
45- بَاب: فَضل المشي إلى الصّلاة
أي: هذا باب في بيان فضل المشي إلى الصلاة، وفي بعض النسخ: "باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة " (2) .
538- ص- نا مسدّد: نا يحيى، عن ابن أبي ذئب، عن عبد الرحمن ابن مهران، عن عبد الرحمن بن سَعْد، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال: "الأبعدُ فالأبعدُ من المسجدِ أعظمُ أجراً" (3) .
ش- يحيي: القطان، وابن أبي ذئب: محمد بن عبد الرحمن المدني. وعبد الرحمن بن مهران: مولى بني هاشم. روى عن: عبد الرحمن ابن سَعْد، عن أبي هريرة. روى عنه: ابن أبى ذئب. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
وعبد الرحمن بن سَعْد: مولى آل {أبى} سفيان. روى عن: ابن عُمر، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة. روى عنه: عمرو بن حمزة ابن عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن مهران، وابن أبي ذئب، وكلثوم ابن عمار. روى له: مسلم، وأبو داود (ْ) .
ــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة القدر: (3) . (2) كما في سنن أبي داود.
(3) ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرا (782) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17 / 1 397) .
(5) المصدر السابق (17 / 3830) .
3. شرح سنن أبي داود 3

(3/33)


قوله: " الأبعد " مبتدأ، و" فالأبعد " عطف عليه، وخبره: قوله: "أعظم أجراً"، و"أجرا" نصب على التمييز. وإنما كان الأبعد من المسجد أعظم أجرأ، لأنه عند توجهه إليه يحتاج إلى خطوات كثيرة، وقد رُوِيَ: " في كل خطوة: رفع درجة، وحط خطيئة " (1) . والحديث: أخرجه ابن ماجه.
539- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زُهير: نا سليمان التيمي أن أبا عثمان حدثه، عن أيِّ بنِ كعب قال: كان رجل لا أعلمُ أحداً من الناسِ ممن يُصلي القبلةَ من أهلِ المَدينة أبًعدَ مَنزلاً من ذلك الرجلِ (2) ، وكان لا تُخطئُهُ صَلاة في المسجد فقلَت: ولو (3) اشتريتَ حمارا تركبُهُ في الرَّمْضَاء والظلمة؟ فقالَ: ما أحب أن منزلي إلى جنبَ المسجدِ، فنمَى الحديثَُ إلى رسوَل الله فسألَهُ عن قولِه (4) ، فقال: أردت" يا رسولَ الله أن يكْتَبَ لي إقبالي إلي المسجد ورُجُوعِي إلى أَهْلِي إذا رَجعتُ فقال: " أعطًاكَ اللهُ ذَلك كُله، أنطاك اللهُ ما احتسبتَ كُله أَجْمعَ" (5) .
ش- زهير: ابن معاوية بن حُديج، وسليمان: ابن طرفان، أبو المعتمر التيمي.
وأبو عثمان هذا: هو عبد الرحمن بن مَل- بفتح الميم وكسرها- بن عمرو بن عدي، أبو عثمان النهْدي الكوفي، سكن البصرة، وأسلم على عهد النبي- عليه السلام- ولم يلقه، وصدق إليه. وسمع: عمر ابن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وغيرهم. روى
ــــــــــــــــــــ
(1) يأتي بعد حديثين.
(2) في سنن أبي داود: " أبعدَ منزلا من المسجد من ذلك الرجل".
(3) كذا، وفي سنن أبي داود: " لو".
(4) في سنن أبي داود: " قوله ذلك".
(5) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل كثرة الخطى إلى المساجد (663) ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرا (783) .

(3/34)


عنه: أيوب السختياني، وسليمان التيمي، وحميد الطويل، وقتادة، وغيرهم. وقال أبو زرعة: بصري ثقة. وقال أبو حاتم: كان ثقة وكان عريف قومه. مات سنة / خمس وتسعين، وله نحو من مائة وثلاثين [11 / 190 - ب] سنةً. روى له الجماعة (1) .
قوله: "كان رجل" "كان" تامة بمعنى: وُجد.
قوله:"أبعد منزلا" "أبعد " منصوب على أنه صفة لقوله: "لا أعلم أحداً " و "منزلاً " منصوب على التمييز.
قوله: في "الرمضاء" " الرمضاء": الرمْل الحارة، من الرمض، وهو شده وقع الشمس على الرمْل وغيره، والأرض رمضاء، وقد رمض يومُنا - بالكسْر- يرمَض رمضاً: اشتد حرة، ورمضَتْ قدمُه من الرمضَاء أي: احترقت، ومنه اشتقاق الرمضان.
قوله: "ما أحب أن منزلي إلى جنب المسجد " المعنى: ما الحب أن يكون منزلي قريبا من المسجد، بل أحب أن يكون بعيدا منه، ليكثر ثوابي بكثرة خُطاي إليه.
فإن قلت: "إلى " هاهنا ما معناه؟ قلت: الظاهرُ: انه بمعنى:
"عنْد" أيْ: عند جَنْب المسجد كما في قول الشاعر:
أم لا سبيل إلى الشبَاب وذكرهُ ... أشْهى إليكَ من الرحيق السلْسلِ
ويجوز أن يكون بمعنى انتهاء الغاية المكانية، والمعنى: ما أُحب انتهاء منزلي إلى المسْجد.
قوله: " فنمى الحديثُ إلى رسول الله لما أي: بلغ الخبر إلى رسول الله، يقال: نَميْتُ الحديث أنْميه: إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير، فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة، قلت: نميته- بالتشديد.
قلتُ: نمى مخففا لازم ومتعد كما رأيته لازماً في الحديث، ومتعديا في
ــــــــــــــــــ
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17 / 3968) .

(3/35)


قولك: نميْتُ الحديثَ، ويجوز أن يكون لا نمى " في الحديث- أيضاً متعدياً ويكون "أبي " فاعله، ويكون "الحديث " منصوبا على المفعولية. قوله: " فسأله عن ذلك " أي: سأل رسول الله- عليه السلام- ذلك الرجل عن مقالته.
قوله: "أَنْطاك " أي: أعطاك، وهي لغة أهل اليمن في "أعطى " وقرئ: "إِنَّا أنطينَاكَ الكَوثَرَ ".
قوله: "ما احتسبتَ" من الاحْتساب، والاحتساب من الحسَب كالاعتداد من العد، وهو الطلب لوجه الله تعالى وثوابه، وإنما قيل لمن يَنْوي بعمله وجه الله احتسَبه، لأن له حينئذ أن يعتد عمله، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه مُعْتدّ به، والاحتساب في الأعمال الصالحات، وعند المكروهات هو البدارُ إلى طلب الأجْر، وتحصيله بالتسليم والصَبْر، أو باستعمال أنواع البر، والقيام بها على الوجه المرسوم فيها، طلبا للثواب المرجو منها.
قوله: " كله أجمع" كلاهما من ألفاظ التأكيد، وقد عرفت أن التأكيد على نوعين: لفظي ومعنوي، فاللفظي تأكيد اللفظ الأول، كما تقول: جاءني زيد زيد، والمعنوي بألفاظ محفوظة، وهي: النفس، والعين، وكلا، وكل، وأجمع، وأكتع، وأبتع، وأبضع، ولا يؤكد بكل وأجمع إلا ذو أجزاء حسا أو حكما، نحو: جاءني القوم كلهم أجمعون، واشتريتُ العبد كله أجمع. والحديث: أخرجه مسلم، وابن ماجه بمعناه. 540- ص- نا أبو توبة: نا الهيثم بن حُميد، عن يحي بن الحارث، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي ثمامة أن رسول الله قال: "مَنْ خرجَ من بَيْته مُتطهراً إلى صلاة مكتُوبة فأجْرُه كأجْرِ الحاج المُحْرِم، ومَنْ خرج إلى تسَبَيح الضُّحَى لا يُنصِبُه ألا أيام، فأجرُهُ كأجر المعتمر، وصلاة على اثر صلاةٍ لا لَغْوَ بينهما كتاب في عِليين" (1)
.ً
ـــــــــــــــــ
(1) تفرد به أبو داود.

(3/36)


ش- أبو توبة: الربيع بن نافع الحلبي، والهيثم بن حميد: الدمشقي. ويحيي بن الحارث: الذماري، أبو عمرو الغساني المقرئ، قارئ أهل الشام، إمام جامع دمشق، أدرك واثلة بن الأسقع وقرأ عليه وعلى عبد الله بن عامر المقرئ. وروى عن: أبي الأزهر المغيرة بن فروة، والقاسم أبي عبد الرحمن، وأبي الأشعث الصنعاني. روى عنه: يحيى ابن حمزة وإسماعيل بن عياش، والهيثم بن حميد، وغيرهم. قال ابن معين: كان ثقة. وقال أبو حاتم: كان ثقة عالما بالقراءة في دهره بدمشق. مات وهو ابن تسعين سنةً سنة خمس وأربعين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
والقاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الشامي الدمشقي الأموي
مولى خالد بن يزيد بن معاوية. وقال الطبراني: مولى معاوية بن
أبي سفيان. روى عن: علي بن أبي طالب، وعقبة بن عامر، وأبي هريرة،
وسلمان الفارسي، وابن مسعود. / وسمع: أبا أسامة الباهلي. روى [1/91- أ] عنه: العلاء بن الحارث، وثابت بن عجلان، ويحيى بن الحارث، وغيرهم. وقال الترمذي: هو ثقة. وقال أبو حاتم: حديث الثقات عنه: مستقيم، وإنما ينكر عنه الضعفاء. توفي سنة ثنتي عشرة ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وأبو ثمامة: الباهلي.
قوله: " متطهراً " حال من الضمير الذي في " خرج ".
وقوله: " إلى صلاة " متعلق بقوله: " خرج ".
قوله: " فأجرُه " خبر لقوله: " مَنْ " ودخل الفاء فيه لِيُضَمنَ المبتدأ معنى
الشرط.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31 /6803) .
(2) المصدر السابق (23 / 4800) .

(3/37)


قوله: " إلى تَسْبيح الضحى، أي: صلاة الضحى، ويطلق التسبيح على الصلاة النافلة لوجود معنى النفل في كل منهما.
قوله: " لا ينصِبه إلا إياه " يعني: لا يُزعجه ولا يُتْعبُه إلا ذلك , وأصله من النَصَب، وهو مُعاناة المشقة، يُقال: أنْصبني هذا الأمرُ، وهو أمر مُنْصِب، ويُقال: أمر ناصب أي: ذو نَصَبٍ، وقوله: لا إياها وقع موقع الضمير المرفوع، والمعنَى: إلا هُو.
قوله: " وصلاة على إثر صلاة " أي: صلاة عقيب صلاة، والأثر- بفتح الهمزة والثاء، وبكسر الَهمزة وسكون الثاء- كلاهما بمعنى. وارتفاع " صلاة " على أنه مبتدأ، ولا يقال: إنه نكرة، لأنها تخصصت بقوله: " على إثر صلاةٍ " وخبره: قوله: " كتاب في عليين ".
قوله: " لا لغو بينهما " أي: بين الصلاتين، واللَّغْوُ: الباطلُ، من لغة الإنسانُ يَلغو، ولغا يلغي ولغي يلغا إذا تكلّم بالمُطرح من القول وما لا يَعْني، ويجوز أن تكون " لا " لنفي الجنس، ويكون " لغوَ " مبنيا على الفتح، نحو: لا رجلَ في الدار، ويجوز أن تكون بمعنى " ليس "، ويكون " لغو " مرفوعا على أنه اسم " ليس " وخبره: قوله: " بينهما". فإن قلت: ما موقع هذه الجملة؟ قلت: وقعت في المعنى صفة كاشفة للصلاة، لأن الصلاة التي تكتب في عليين موصوفة بشيئين، الأول: أن تكون مكتنفة بصلاة أخرى، والثاني: أن لا يكون بينهما لغو وأباطيل من الكذب والغيبة والنميمة ونحو ذلك.
قوله: " كتاب في عليين " أي: مكتوب فيها كالحساب بمعنى المحسوب، قال الله تعالى: " كلا إن كتَابَ الأبْرَارِ (1) لَفِي علَيينَ * وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم " (2) وعليّون جمع، واحدة: علي، مشتق من الَعُلو، وهو للمبالغة، ويُقال: جُمعَت كجمع الرجالَ إذ لا واحد لها ولا تثنية. وقال الفراء: اسم موضع عَلى صيغته كعشرين وثلاثة. وقال
__________
-
(1) في الأصل: "الأبرار"
(2) سورة المطففين (18- 20) .

(3/38)


ابن مالك: عليون اسبق لأعلى الجنة، كأنه في الأصل " فعال " من العلو، فجُمع جمعَ ما يُعقلُ، وسُمي به أعلى الجنة، وله نظائرُ من (1) أسماء الأمكنة، نحو: صريفون، وصفون، ونصيبون، وسَلحون، وقنسرون، ويَبْرون، ودارون، وفلسطون. وقال ابن زيد: هي السماء السابعة. وقال قتاده: إليها ينتهي أرواح المؤمنة. وقال كعب: هي قائمة العرش اليمنى. وقال للضحاك: هي سدرة المنتهى. وقيل: لوح من زبرجدة خضراء، مُعلق تحت العرش فيها أعمالهم.
541- ص- نا مسدد: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاةُ الرجلِ في جَماعة تَزيدُ على صَلاته في بَيْته وصلاتهِ في سُوقه خمساً وعشرينَ درجةَ، وذلك بَأنَ أحَدَكُم إذا تَوَضَأ فأحًسنَ الوضوءَ، وَأتَى المسجد لا يُريدُ إلا الصلاةَ لا ينهِزُه (2) - يَعني: إلا الصلاةُ (3) - لم يَخطُ خَطوةً إلا رُفِعَ لَهُ بها درجة (4) وحط بها عنه خطِيئة حتى يدخُلَ المسجدَ، فإذا دَخَلَ المسجدَ كان في صلاة ما كانتا الصلاةُ هي تحبسُهُ، والملائكةُ يُصلُّون على أحدكُم ما دامَ في مجلَسه الذي صَلى فيه يقُولَون (5) : اللهم اغفِرْ له، اللهم ارَحَمْه، اللهم تُبْ عليه ما لم يُؤذِ فيه، أو يُحْدِثْ فيه " (6) .
ش- " صلاة الرجل": مبتدأ، وخبره: قوله: " تزيدُ ".
(1) مكررة في الأصل.
(2) كتب في الأصل فوق ياءا ينهزم " ضمة وفتحة، وكتب فوقهما " معاً إشارة إلى جوار الأمرين.
(3) في سنن أبي داود: " ولا ينهزه إلا الصلاة".
(4) في الأصل: " أو". وفي سنن أبي داود: "وحط عنه بها".
(5) في سنن أبي داود: "ويقولون".
(6) البخاري: كتاب الصلاة، باب: الصلاة في مسجد السوق (477) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة الجماعة (272 / 649) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل الجماعة (216) ، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: فضل الصلاة في جماعة (786) .

(3/39)


قوله: " وصلاته في سوقه لما عطف على قوله: وصلاته في بيتها والمراد
من قوله: أصلاة الرجل في جماعة ": صلاته في جماعة في مسجدِ،
بقرينة قوله: ستزيد على صلاته في بَيْته ".
11 / 91 أصب، وأما قوله: / " وصلاته في سوقه " في الظاهر أعم من أن يكون منفرداً أو بجماعة، ولكن لا يمكن أن يجري على عمومه؟ لأنا قد قلنا: إن
المراد من قوله: وصلاة الرجل في جماعة " في مسجد، فيكون مقابلات
للصلاة في بَيْته والصلاة في سوقه، ولا تصح المقابلة إلا إذا كان المراد من
صلاته في سوقه أن يكون منفرداًت، وإلا يلزم أن يكون نسيم الشيء قسما
منه، وهو باطل، ويكون هذا خارجا مخرج الغالب، لأن من لم يحضر
الجماعة في المسجد يصلي منفرداً سواء كان في بيْته أو سوقه. وقد قيل:
إن قوله: ووصلاته في سوقها على عمومه، ولكن تفضل صلاة الرجل
في جماعة المسجد على صلاته في سوقه، وإن كان بجماعة باعتبار أن الأسواق مواضع الشياطين كالحمام، فتكون الصلاة فيها ناقصةَ الرتبة كالصلاة في المواضع المكروهة.
قلنا: هذا لا يطرد في البيوت، لأنا قلنا: إن قوله: وصلاة الرجل
في جماعة " مقابل للصلاة في بيته والصلاة في سوقه، فيَنْبغي أن يتساويا
في التقابل. وفيما قاله هذا القائل لا يتساوى التقابل، فلا يصح الإجراء
على العموم، على أنهم لم يذكروا السوق في الأماكن المكروهة للصلاة،
فافهم.
قوله: " خمساً وعشرين درجةَ " نصب على أنه مفعول لقوله: "تزيدُ "
نحوُ قولك: زدتُ علي عشرة ونحوها. وقد جاء في رواية:"بخمسة وعشرين جزءاً "، وفي رواية:، بسبع وعشرين درجةَ،، والجمع بين
ذلك من ثلاثة أوجه، الأحول: أن ذكر القليل لا ينفي الكثير، فلا منافاة بينهما، والثاني: أن يكون أخبر أولا بالقليل، ثم أعلمه بزيادة الفضل
فأخبر بها، الثالث: أنه يختلف باختلاف أحوال المصلّين والصلاة،
فيكون لبعضهم: خمْسٌ وعشرون، ولبعضهم: سبع وعشرون، بحسب

(3/40)


كمال الصلاة ومحافظته على هيئاتها وخشوعها، وكثرة جماعتها، وشرف البقعة، ونحو ذلك. وقد قيل: إن الدرجة غير الجزء، وهذا ليس بصحيح، لأن في " الصحيحين ": (سبعاً وعشرين درجة " و "خمساً وعشرين درجة "، فاختلف القدرُ مع اتحاد لفظ الدرجة. والجواب عن تنصيص هذا العدد قد ذكرتُه في الكتاب مستوفًى.
قوله: " وذلك بأن أحدكم " تعليل للحكم السابق بأنه لا يَحْصل إلا بأمُور هي علة لحصول تلك الفضيلة وهي: الوضوء، والإحسان فيه، والمشي إلى المسجد لأجل الصلاة، كما بينه بقوله: " إذا توضأ فأحسن الوضوء " أي: أسبغه، وأتى بشرائطه وآدابه، وأتى المسجد، أي: مسْجد الجماعة، لا يُريد إلا الصلاة؟ لأن الأعمال بالنيات، حتى إذا أتى المسجد لا لأجل الصلاة، بل لأجل حاجة لا تحصل له تلك الفضيلة، لأن الحكم يترتب على وجود العلة، فمتى انتفت العلة انتفى المعلول. قوله: لا لا ينهزُه، أي: لا يَبْعثه ولا يُشْخصه إلا ذلك، ومنه: انتظار الفرصة، وهو الانبعاث لها والمبادرة. وينهزه- بفتح الياء- من نهز الرجل نهض، وضبطه بعضهم بضم الياء، وقيل: إنها لغة.
قوله: " إلا الصلاة" مرفوع لأنه فاعل لقوله:"لا ينهزم ".
قوله: " خطوةً"- بفتح الخاء- لأن المراد بها: فعل الماشي.
قوله: " بها " أي: بمقابلة تلك الخطوة.
قوله: "حتى يدخل المسجد" أي: إلى أن يدخل المسجد.
قوله: " ما كانت الصلاة هي تحبسُه " أي: تَمْنعه عن الخروج، وفي بعض الرواية:" هي " ليْست بموجودةِ، وهذا يسمى ضمير الفصل والعماد، لأنه يفصل بين كون ما بعده خبرا وصفةً، وسمي عمادا لكونه عمدة بيان الغرض، فالأول للبصريين، والثاني للكوفيين. وكلمة "ما " بمعنى المدة، والتقدير: كان في حكم الصلاة مدة حَبس الصلاة إياه. قوله: " يصلون" أي: يَسْتغفرون لكم.

(3/41)


11 / 192-
قوله: " يقولون لما بدل عن قوله: " يصلون "، وتفسير لمعنى قوله: "يصلون "، ولذلك ترك العاطف.
قوله: " ما لم يُؤذ فيه لما أي: ما لم يؤذ في مجلسه الذي صلى فيه أحداً بقوله أو فعله من الإيذاء.
وقوله: " أو يحدثك عطف علي، فلذلك جزم، من الأحداًث بمعنى الحدث، لا من / التحديث، وقد مرّ مثله مرةً. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه بنحوه.
542- ص- نا محمد بن عيسى: نا أبو معاوية، عن هلال بن ميمون، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاةُ في الجَماعةِ (1) تعدلُ خمساً وعِشرينَ صلاةً، فإذا صَلاهَا في فَلاةٍ، فأتَم رُكُوعَهَا، وَسُجودها، بلغَتْ خمسينَ صلاةَ " (2) .
ش- محمد بن عيسى: الطباع، وأبو معاوية: الضرير، وهلال بن ميمون: الجُهني الرملي.
قوله: (تَعْدلُ " بمعنى تعادل أي: تُماثل، من العِفل- بكسر العين- وهو ما عادل الشَيء من جنسه، وبالفتح: ما عادل من غير جنْسه. قوله: وفي فلاةِ " الفلاة: السفارة، والجمع: فعلاً.
قوله: " فأتم" إتمام الركوع والسجود، وهو الطمأنينة فيهما والإتيان بتَسْبيحاتهما.
قوله: أبلغت خمسة صلاةَ " أي: بلغت صلاته تلك خمسين صلاة، والمعني: يحصلُ له أجر خمسين صلاة، وذلك ضعف ما يحصل له في الصلاة في الجماعة. وأخرجه ابن ماجه مختصراً
(1) في سنن أبي داود: وجماعة،.
(2) ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: فضل الصلح في جماعة ألمه 7) مختصراً

(3/42)


ص- قال أبو داود: قال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديثِ: " صَلاةُ الرجلِ في الفَلاةِ تُضَاعَفُ على صلاِتهِ في الجَمَاعةِ لما وسَاقَ الحديثَ.
ش- عبد الواحد بن زياد: أبو بشر البصري العبدي. وأخرج أبو بكر ابن أبي شيبة من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " صلاة الرجل في جماعة تزيدُ على صلاته وحده خمساً وعشرين درجةً، وإن صلاها بأرض فلاة فأتم وضوءها وركوعها وسجودها، بلغت صلاته خمسين درجةً ".
543- ص- نا (1) يحي بن معين: نا أبو عُبيدة الحداد: نا إسماعيل أبو سليمان الكمال، عن عبد الله بن أوْس، عن بريدة، عن النبي- عليه السلام- قال: "بشر المَشَّائينَ في الظلم إلى المَساجدِ بالنورِ التام يومَ القيامةِ " (2) .
ش- أبو عُبيدة: عبد الواحد بن واصل السَّدُوسي مولاهم البصري أبو عبيدة الحداد. سمع: شعبة، وسعيد بن أبي عروبة، وإسرائيل بن يونس وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وابن معين، وزهير بن حرب، وغيرهم. قال أبو داود: ثقة. توفي سنة تسعين ومائة. روى له: البخاري، وأبو ما ود، والنسائي (3) .
وإسماعيلُ بن سليمان الكحال: أبو سليمان البصري الضبي، ويُقال: اليَشكري. سمع: ثابتا البناني، وعبد الله بن أوْس الخزاعي. روى عنه: أبو عُبيدة الحداد، والنضر بن جميل، ويحيي بن كثير، وغيرهم. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له: أبو داود، والترمذي (4) .
(1) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود تحت "باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلام".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل العشاء والفجر في الجماعة (223) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/ 3593) .
(4) المصدر السابق (3 / 451) .

(3/43)


وعبد الله بن أوْس: الخزاعي. روى عن: بريدة، روى عنه:
إسماعيل بن سليمان. روى له: أبو داود، والترمذي (1) .
وبريدة: ابن الحُصَيْب.
قوله: " بَشر المَشائين " البشارة: الإخبار بما يُظهر سرور المخبَر به،
ومن ثم قالت الفقهاء: إذا قال الرجل لعَبيده: أيكم بشّرني بقدوم فلان
فهو حر، فبَشّروه فرادى عتق أولهم، لأنه هو الذي أظهر سُروره بخبره
دون الباقي، ولو قال مكان " بشرني ": " أخبرني " عتقوا جميعاً،
لأنهم جميعاً اْخبروه. ومنه " البشرة " لظاهر الجلد، وتباشير الصباح:
ما ظهر من أوائل ضوئه. المشائين: جمع مشاء، مبالغة ماشي، وصيغة
التفعيل إما لتكثير الفعل نحو طَوّفتُ، أو لتكثير الفاعل نحو: مَوّت
الحيوان إذا كثر فيها الموتُ، ومَوّت المال أي: مات أعداد كثيرة من المال،
والمال: هو الحيوان، أو لتكثير المفعول، وهو إنما يكون إذا كان الفاعل
وأحداً ومفعولاته كثيرةً ولفظ الفعل وأحداً، كقولك: قطعت الثياب،
أي: قطعت ثيابا كثيرةً، وغلقت الأبواب، أي: أغلقت أبوابا كثيرةً.
والمراد هاهنا من هذه الصيغة: تكثير الفعل، وهو الذي يكثر مَشْيَه إلى
المساجد في الظلم، والظلم - بضم الظاء وفتح اللام- جمع ظُلْمة.
وفيه حث وتحضيض- في كثرة السَّعْي إلى المساجد في ظلمات الليالي،
وبشارة أن جزاءه يوم القيامة: نور دائم حيث يموج الناس في الظلمات. والحديث: أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب. وقال الدارقطني: تفرد به إسماعيل بن سليمان، عن عبد الله بن أوس.
* * *
[1/192 -ب] / 46- بَابُ: الهَدْئ في المَشْي إلَى الصَّلاةِ
أي: هذا باب في بيان الهدي في المشي إلى الصلاة، وفي بعض
النسخ: " باب ما جاء في الهدي " (2) ، وفي بعضها: " باب الهُدوء ".
__________
(1) المصدر السابق (14 / 3170) .
(2) كما في سنن أبي داود.

(3/44)


الْهُدُوء والهدف: كلاهما بالهمز في آخره: السكون والوقار، من هدأ يهدأ هَدْأةً وهدوءا وهَدْياً.
544- ص- نا محمد بن سليمان الأنباري أن عبد الملك بن عَمرو حدثهم، عن داود بن قَيْس قال: حدثني سَعْد بن إسحاق قال: حدَّثني أبو ثمامةَ الحَناطُ، أن كعبَ بنَ عُجرةَ أدركَهُ وهو يُريدُ المسجدَ، أدْركَ أحدُهما صاحبَه، قال: فوجَدني وأنا مُشبِّك بيديَّ فنهانِي عن ذلك وقال: إن رسولَ الله قال: " إذَا تَوضأ أحدُكُم، فأحْسنَ وُضوءَه، ثم خَرَجَ عامدا إلى المسجدِ، فَلا يُشبكَنَّ يديه فإنه في صَلاةٍ " (1) .
ش- عبد الملك بن عَمرو: أبو عامر العقدي.
وداود بن قيس: الفراء أبو اليمن الدباغ المدني القرشي مولاهم. سمع: السائب بن يزيد، ونافعا مولى ابن عمر، وزيد بن أسلم، وغيرهم. روى عنه: ابنه: سليمان، والثوري، ويحيى القطان، وأبو عامر العقدي، وغيرهم. قال الشافعي: هو ثقة حافظ، وقال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. مات بالمدينة. روى له: الجماعة إلا البخاري (2) . وسَعْد بن إسحاق: ابن كعب بن عجرة الأنصاري السالمي. روى عن: أبيه، وعمته: زينب بنت كعب. روى عنه: الزهري، ومالك، والثوري، ويحيى القطان، وغيرهم. قال ابن معين والدارقطني: هو ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وأبو ثمامة: القماح الحناط، روى عن: كعب بن عجرة، روى عنه: سعيد بن أبي سعيد المقبري، حديثه في أهل الحجاز. قال عباس:
__________
(1) الترمذي: كتاب المواقيت، باب: ما جاء في كراهية التشبيك بين الأصابع في الصلاة (386) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما يكره في الصلاة (967) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8 / 1781) .
(3) المصدر السابق (10 / 2201) .

(3/45)


قلت ليحيى: ما القماح؟ قال: يَبيعُ القمح، وقال الدارقطني: أبو ثمامة الحنان ويقال: القماح، لا يُعرف، يُترك. روى له: أبو داود، والترمذي (1) .
وكعب بن عجرة: ابن أمية بن عدي بن عُبيد بن الحارث بن عمرو بن عوف بن غنم أبو محمد، أو أبو عبد الله، أو أبو إسحاق، شهد بيعة الرضوان. رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام- سبعة وأربعون حديثاً اتفقا على حديثين وانفرد مسلم بأحْرف. روى عنه: بنوه: إسحاق، وعبد الملك، ومحمد، والربيع- بنو كعب-، وابن عُمر، وابن عباس، وابن عَمرو، وجابر بن عبد الله، وطارق بن شهاب، والشعبي، وابن أبي ليلى، وغيرهم. مات بالمدينة سنة اثنتين وخمسين، وله خمس وسبعون سنه. روى له الجماعة (2) .
قوله: " وهو يريد " الواو فيه للحال.
قوله: " مشبك بيدي " من تشبيك اليد , وهو إدخال الأصابع بعضها في بعض والاشتباك بها، وقد يفعله بعض الناس عَبثا، وبعضهم ليُفرقع أصابعه عندما يجد من التمدد فيها، وربما قعدَ الإِنسَان فشتكَ بين أصابعه، احتبى بيدَيْه، يريدُ به الاستراحة، وربما استجلب به النوم فيكون ذلك سببا لانتقاض طهره، فقيل لمن تطهر وخرج متوجها إلى الصلاة: لا تشبك بين أصابعك، لأن جميع ما ذكرناه من هذه الوجوه على اختلافها، لا يلائم شي، منها الصلاة، ولا يشاكل حال المُصلي.
قوله: " فإنه في صلاة " أي: في حكم صلاة، لأن ما قرب إلى الشيء يأخذ حكمه.
والحديث: أخرجه الترمذي من حديث سعيد المقبري، عن رجل غير
__________
(1) المصدر السابق (33 / 7272)
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3 / 291) ، وأسد الغابة (4 / 481) ، والإصابة (3 / 2197) .

(3/46)


مسمى، عن كعب بن عجرة. وأخرجه ابن ماجه من حديث المقبري،
عن كعب بن عجرة , ولم يذكر الرجل.
545- ص- نا محمد بن معاذ بن عبّاد العَنْبري: نا أبو عوانة، عن يعلى
ابن عطاء، عن معبد بن هُرمزِ، عن سعيد بن المسيّب قال: حَضَرَ رجلاً من
الأنصارِ الموتُ فقال: إني محدثكُم حديثاً ما أحَدثكُمُوه إلا احتِسَاباً:
سمعتُ رسولَ اللهِ يقولُ: " إذا تَوضأ أحدُكُم، فأحسنَ الوُضوءَ، ثم خرجِ
إلى الصلاة، لم يَرفعْ قَدَمَهُ اليُمْنَى إلا كَتَبَ اللهُ له حَسَنةً، ولم يَضَعْ قَدمه
اليُسْرى إلام حَطَّ اللهُ عنه سيئةَ، فليُقَرِّبْ (1) أو ليُبعِّدْ، فإن أتى المسجدَ،
فصلَّى في جماعة كُفرَ له، فإن أتى المسجدَ وقد صفَوا بعضا وبَقِيَ بعضٌ
صَلَّى ما أدركَ، فًأتمَّ (2) ما بَقِيَ كان كذلك، / فإن أتى المسجدَ وقد صلَّوا [ا /93- أ] فأتمَّ الصلاةَ كان كذلك " (3) .
ش- أبو عوانة: الوضاح، ويَعْلى بن عطاء: القرشي الطائفي.
ومَعْبد بن هرمز: روى عن: ابن المسيّب، روى له: أبو داود.
قوله: " حضر رجلاً " انتصاب " رجلاً " على المفعولية و" الموتُ "
مرفوع لأنه فاعل حضر.
قوله: " إلا احْتساباً لما أي: طلبا لوجه الله وثوابه.
قوله:" فليُقرب أو ليبعد " كلاهما من باب التفعيل، يعني: فليُقرب
قدمه اليمنى من قدمه اليُسْرى إن أراد كثرة الحسنات، وكثرة حط السيئات،
لأن ذلك بحسب عدد الخُطَى، أو ليُبعد بَيْنهما إن لم يُردْ ذلك. وهذا
الأمرُ للإباحة، وكلمة " أوْ " وإن كانت للتخيير، ولكن ليس هو مرادا
في هذا الموضع، بل المراد: تقريب الخُطى ليس إلا، لأن هذا حث
وتحريض على تحصيل مثل هذه الفضيلة، وذلك لا يحصل بالتخيير.
وقوله: " أو ليُبعّد " وإن كان أمراً في الظاهر، ولكن المعنى على النَهْي,
__________
(1) في سنن أبي داود " فليقرب أحدكم ". (2) في سنن أبي داود: " وأتم ".
(3) تفرد به أبو داود

(3/47)


ومثل هذا من باب المبالغة، كما يقول الرجل لابنه وهو يتمرد عليه: لا تسمع كلامي، وليس مراده أن لا يسمع كلامه، وإنما هو نهي شفقة حتى يرتدع مما هو فيه ويمتثل كلامه.
قوله: " صلى ما أدرك " أي: ما أدرك من الصلاة مع الجماعة ركعةً أو ركعتين أو ثلاثاً، ثم أتم ما بقي عليه، وهذا حكم المَسْبوق.
قوله: " كان كذلك " يعني: كان الأمر كما كان عند انتهائه إلى تمام الصلاة مع الجماعة, لأنه يشاركهم في صلاتهم، فدخل في حكمهم من الغفران.
قوله: " فإن أتى المسجد وقد صلّوا " أي: والحال أن الجماعة قد صلّوا الصلاة ولم يدركهم معهم في جزء من الصلاة، فأتم هو الصلاة، كان الأمر كما كان في الصورتين- يعني: غفر له- أيضاً-، لأن الأعمال بالنيات، وقد كانت نيته أن يصلي معهم، فغفر له بذلك، لئلا يخيب في سَعْيه ذلك. ومناسبة هذا الحديث بالباب في قوله: " فليقرب " لأن تقريب الخطى هو المشي بالهُدو.
* **
47- بَاب: فيمَنْ خَرج يُريدُ الصّلاة فسُبِق بها
أي: هذا باب في بيان من خرج من بيْته وهو يريد الصلاة مع الجماعة فسُبق بها، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء فيمنْ خرج ".
546- ص- نا القعنبيّ- نا عبد العزيز- يعني: ابن محمد-، عن محمد- يعني: ابن طَحلاء-، عن محصن بن علي، عن عوف بنِ الحارث، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تَوضأ فأحسن وُضوءَهُ، ثم راح فوجَدَ الناسَ قد صَفوا، أعطَاهُ اللهُ عز وجَلَّ مثلَ أجْر من " صلاهَا وحَضَرَهَا، لا ينقصُ ذلك من أجُورِهِم شيئا " (1) .
__________
(1) النسائي: كتاب الإمامة، باب: حد إدراك الجماعة (2 / 111) .

(3/48)


ش- عبد الله بن مسلمة: القعنبي، وعبد العزيز: ابن محمد
االدراوردي.
ومحمد: ابن طحلاء المَديني، وكنية طحلاء: أبو صالح. روى عن: محصن بن عليّ، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن، والأعرج. روى عنه: الدراوردي، ومحمد بن جعفر، وموسى بن عبيدة، وابنه: يَعْقوب. قال أبو حاتم: ليس به بأس. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
ومُحْصِن بن علي: الفهري المديني. روى عن: عوف بن الحارث. روى عنه: عمرو بن أبي عمرو، ومحمد بن طحلاء. روى له: أبو داود، والنسائي (2) .
وعوف بن الحارث: ابن الطفيل بن سخبرةَ بن جُرثُومة، من أهل اليمن. روى عن: ابن الزُّبير، وأبي هريرة، وعائشة، وأم سلمة. روى عنه: عامر بن عبد الله بن الزبير، والزهري، وبكير بن عبد الله بن الأشج، ومحمد بن عبد الرحمن. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي، والبخاري وابن ماجه (3) .
قوله: " قد صلوا " جملة وقعت حالاً، من الناس.
قوله: " مثل أجر " انتصاب "مثل " على أنه صفة لأجر مقدر، تقديره: أعطاه الله أجرأ مثل أجر من صلاها.
قوله: " لا ينقص ذلك " أي: أجره الذي أعطاه الله، لا ينقص من أجور الجماعة الذين قد صلوا شيئاً. وفيه: حث- أيضاً على الاجتهاد في الصلاة بالجماعة. وأخرجه النسائي- أيضاً
* * *
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25 / 5308) .
(2) المصدر السابق (27 / 5808) 0 (3) المصدر السابق (22 / 4546) .
4. شرح سنن أبي داود 3

(3/49)


48- بَاب: في خروج النساء إلى المَسجد
أي: هذا باب في بيان خروج النساء إلى المساجد لأجل الصلاة فيها، وفي بعض النسخ:" باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد "، (1) . 547- ص- نا موسى بن إسماعيل / [1/ 193 - ب] : نا حماد، عن محمد بن عَمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هرِيرِة أن رسول الله " صلى الله عليه وسلم " قال: " لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ الله، ولكن لِيَخْرجْن وهُن تَفِلات " (2) .
ش- حماد: ابن سلمة، ومحمد بن عمرو: ابن علقمة بن وقاص المدني، وأبو سلمة: عبد الله بن عبد الرحمن.
قوله: " لا تمنعوا إماء الله " الإماء- بكسر الهمزة وبالمد- جمع أمةٍ، وأصل أمةٍ: أموة- بالتحريك- قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت فصار " أمة ". و " مساجد الله، منصوب لأن " منع " يتعدى إلى مفعولين، تقول: منعتُه مالَه.
قوله: " وهن تفلات " جملة اسمية وقعت حالاً، والتفلات: جمع تَفلة- بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الفاء- من التفْل، وهو سوء الرَائحة، يقال: أمرأة تفلة إذا لم تَطيب، ونساء تفِلاتْ، وفي الحديث: مَن الحاج؟ قال: " الشعِث التفلُ،، التفلُ: الذي قد ترك استعمال الطيب، يقال: رجل تفِلْ وامرأةَ تفلة ومِتْفال.
ف قيل: لم قال: " لا تمنعوا إماء الله " ولم يقل: " لا تمنعوا نساءكم" 3 قلت: لأنه لما قال مساجد الله راعى المناسبة فقال: إماء الله، وهو أوقع في النفس من لفظ النساء.
ثم حكم هذا الباب مختلف فيه بين العلماء، فعند أبي حنيفة: تخرج العجائز لغير الظهر والعصر، لأن وقتهما وقت انتشار الفُساق، وربما تكاد ترغب فتقع في الفتنة بخلاف المغرب، لأنه وقت الطعام، والعشاء
--------------------------
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.

(3/50)


والصبح لأنه وقت نومهم. وقال أبو يوسف ومحمد: يخرجن في جميع الأوقات، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. والحديث المذكور عام في حق الشواب والعجائز، ولكن الفقهاء خصصوه في حق العجائز، لأن الشواب لا يؤمن عليهن من الفتنة، ولهذا منع أبو حنيفة العجائز- أيضاً- عن الخروج إلى الظهرين لذلك المعنى. على أنه قد روي عن عائشة رضي الله عنها - قالت: " لو أدرك رسول الله ما أحدث النساء لمنعهن المسجد " الحديث (1) لما يجئ الآن، والفتوى في هذا الزمان على عدم الخروج في حق الكل مطلقا، لشيوع الفساد، وعموم المصيبة، وشرطوا - أيضاً- أمورا كثيرة وهي: أن لا تكون متطيبة، ولا متزينة، ولا ذات خلاخل يُسْمع صوتها، ولا ثياب فاخرة، ولا مختلطة بالرجال، وأن لا يكون في الطريق مَنْ يُفْتتن بها، وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها.
548- ص- نا سليمان بن حَرْب: نا حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله: " لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ " (2) .
ش- حماد: ابن سلمي، وأيوب: السختياني، ونافع: مولى ابن عمر. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم.
549- ص-[نا] 0، عثمان بن أبي شيبة: نا يزيد بن هارون: أنا العَوام بن حَوْشب: حدثني حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر قال: قال رسول الله: ألا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ المسجدَ، وبُيُوتُهن خير لَهن " (3) .
ش- يزيد بن هارون: أبو خالد الواسطي.
----------------------------
(1) يأتي بعد ثلاثة أحاديث.
(2) البخاري: كتاب الجمعة، باب: حدثنا عبد الله بن محمد (900) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب علي فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة (136/ 442) .
(3) تفرد به أبو داود.

(3/51)


والعوام بن حوشب: ابن يزيد بن رويم، أخو يوسف وخراش ومالك وبريدة وثمامة، وطلاب الشيباني الربَعي، أبو عيسى الواسطي، اْسلم جده يزيد على يد علي بن أبي طالب، فوهب له جارية، فولدت له حوشبا، وكان على شرطة علي- رضي الله عنه-. روى عن: حبيب ابن أبي ثابت، وإبراهيم التيمي، وسلمة بن كهيل، وغيرهم. روى عنه: شعبة، وهُشيم، ويزيد بن هارون، وغيرهم. روى له. الجماعة (1) .
وحبيب بن أبي ثابت: هو حبيب بن قيس بن دينار الكوفي.
قوله: " وبيوتهن خير لهن " أي من الحضور في المساجد وهذا يدل على أن النهي في الحديث محمول على كراهة التَنْزيه.
550- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير وأبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد قال: قال عبد الله بن عمر: قال النبي- عليه السلام-: " ائْذَنُوا للنساء إلى المساجد بالليلِ " فقال ابن له: والله لا نأذنُ لهن فيتخذنه دَغَلاً، واللْه لاَ نأذنُ لَهن. قَال: فسبهُ وغضبَ وقال (2) : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا ائْذنوا لهند وتقولُ: " لا نَأذنُ لَهن " (3) ؟ !!
ش- جرير: ابن عبد الحميد، وأبو معاوية: الضرير، وسليمان: الأعمش، ومجاهد: ابن جبر.
[1/ 194 - أ] قوله: " ائذنوا "، أمر من أذن يأذن، وأصله: أخْنوا- بهمزتين- قلبت الهمزة الثانية ياء فصارت ائذنوا ".
قوله: " بالليل " أي: في الليل، والمراد منه: حضورهن في المغرب والعشاء والصبح- كما هو مذهب أبي حنيفة.
--------------------
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 4541) .
(2) في حق أبي داود:" قال: أقول ".
(3) البخاري: كتاب الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد، مسلم: كتاب الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد له (138 / 442) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في خروج النساء إلى المساجد (570) .

(3/52)


قوله: " فقال ابن له "، أي: لعبد الله، واسمُه: بلال بن عبد الله بن عمر، جاء مثبتا في " صحيح مسلم" وغيْره، وقيل: هو ابنه واقد بن عبد الله، ذكره مسلم في " صحيحه " - أيضاً.
أما بلال: فإنه روى عن: أبيه. وروى عنه: ابن هُبيرة، وكعب بن علقمة، وعبد الملك بن فارغ. قال أبو زرعة: مدني ثقة. روى له: مسلم (1) .
وأما واقد: ف " نه روى عن: أبيه، وروى عنه: ابنه: محمد بن واقد (2) .
قوله: " فيتخذنه دغلاً " أي: يتخذن الحُضور إلى المساجد دغَلا أي: خداعاً وسبباً للفساد، وأصل الدغل: الشجر الملتف الذي يكمنُ فيه أهل الفساد، وهو بفتح الدال المهملة وفتح الغين المعجمة.
قوله: " فسَبه وغضب عليه " وفي رواية: " فزَبره " أي: نهره، وفي رواية: " فضرب في صدره "، وفيه تعزير المعترض على السنة، والمعارض لها برأيه، وفيه: تعزير الوالد لولده وإن كان كبيراً. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي.
551- ص (3) - نا القعنبي، من مالك، عن يحي بن سعيد، عن عمرة بنْت عبد الرحمن أنها أخبرته من عائشة زوج النبي- عليه السلام- قالت: لو أدرك رسولُ الله ما أحدثَ النساءُ بَغدَهُ (4) لمَنَعَهُن المسجدَ كما مُنعَه نساءُ بني إسْرائيلَ. قالَ يحي: فقلتُ لعَمرةَ: أمُنِعَه نِساءُ بني إسرائيلَ؟ قالَتْ: نعم (5) .
------------------------------
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4 / 784) . (2) المصدر السابق (0 3 / 6667) . (3) في سنن أبي داود قبل هذا الحديث:" باب في التشديد في ذلك،.
(4) كلمة " بعده "، غير موجودة في سنن أبي داود.
(5) البخاري: كتاب الأذان، باب: انتظار الناس قيام الإمام العالم (869) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب علي
فتنة (144 / 445) .

(3/53)


ش- مالك: ابن أنس، ويحيى بن سعيد: الأنصاري.
قوله: " ما أحْدث النساء" يعني: من الزينة والطيب، وحُسن الثياب ونحْو ها.
قلت: لو شاهدت عائشة- رضي الله عنها- ما أحدث نساء هذا الزمان من أنوع البدع والمنكرات، لكانت أشد إنكاراً، ولا سيما نساء مصْر، فإنهن أحدثن من البدع ما لا يُوصفُ، منها الشاشاتُ على رءوسهن كأسنمة البُخت، ومنها: القمصان بأكمام واسعة مفرطة، وربما طرق سمْعي من أهل مصر أن واحدة منهن، كانت تفصل قميصا من قريب مائة ذراع من الحرير الملون، ومنها: مشيُهن في الأسواق في ثياب فاخرة، وأنواع طيب فاتحة، مكشوفات الوجوه، مائلات متبخترات، ومنها: ركوبهن على الحمير الفُره، وجريُهن بين الرجال وأكمامهن سابلة من الجانبين، ومنها: ركوبهن على مراكب في نيل مصر وخلجانها مختلطات بالرجال، وبعضهن يغنينَ بأصوات عالية مُطرِبة، ومنها: غلبتهن على الرجال، وقهرهن إياهم، وحكمهن عليهم، ومنها: نساء يَبعن المنكرات بالأجهار، ويُخالطن بالرجال فيها، ومنها: صنف قوادات يفسدن الرجال والنساء، ومنها: صنف بَغايَا قاعدات مترصدات للفساد، ومنه صنف سوارقُ من الدور والحمامات، ومنها: صنف سَواحرُ يَسحرنَ ويَنفثن في العُقَدِ، ومنها: بياعات في الأسواق يتعايطن بالرجال، ومنها: صنف نوائحُ يَنحن على المؤتى بالأجْرة، ومنها: صنف دقاقات ولطامات، يدققن صدورهن، و َيلطمن خُدودهن وراء الموتى بالأجرة، ومنها: صنفٌ مغنيات يغنين بأنواع الملاهي بالأجرة للرجال والنساء، ومنها: صنف خطابات، يَخطُبن للرجال نِساءَ لها أزواج، توقع بينهن وبين أزواجهن فتنة حتى يُطلقن منهم، وغير ذلك من الأصناف الكثيرة الخارجة عن قواعد الشريعة. فانظر إلى ما قالت عائشة من قولها: " لو أدرك رسولُ الله ما أحدث النساء "، وليس بين هذا القول وبن وفاة النبي - عليه السلام- إلا مدة يَسيرة لطيفة؛ على أنهن ما أحدثن عُشَر معشار

(3/54)


ما أحدثت نساء هذا الزمان، ولو كانت هذه النساء في ذلك الزمان لمُنعِن الحياةَ فضلاَ عن أن يمنعن المسجد ونحوه.
قوله: " بعده " أي: بعد الرسول، وهو ليس بثابت في الرواية الصحيحة / [1/ 194 - ب]
قوله: " كما مُنعَه نساء بني إسرائيل، أي: كما مُنِعَ الحضورَ إلى المساجد نساءُ بني إسَرائيل- وهو بضم الميم وكسر النون-، و" نساء " مرفوع لإسناد الفعل إليه.
قوله: " أمُنعه "؟ الألف فيه للاستفهام، والكلام فيه كالكلام في
الأول. والحديث: أخرجه البخاري، ومُسلم
552- ص- نا ابن المثنى أن عَمْرو بن عاصم حدثهم قال: نا همام، عن قتادة، عن مرزوق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، عن النبي- عليه السلام- قال: " صَلاةُ المرأةِ في بيْتِهَا أفضلُ من صلاتِهَا في حُجْرَتِهَا "، و " صلاتها في مُخْدَعِهَا أفضلُ من " صلاِتهَا في بيتِهَا " (1) .
ش- محمد: ابن المثنى.
وعمرو بن عاصم: ابن عبيد الله بن الوازع، أبو عثمان الكلابي القَيْسي البصري. سمع: جده، وهمام بن يحيى، وحماد بن سلمة، وغيرهم. روى عنه: ابن بشار، ويعقوب بن سفيان، والبخاري، وروى عن رجل عنه. قال ابن معين: صالح. وقال ابن سعد: ثقة. مات سنة ثلاث عشرة ومائتين. روى له الجماعة (2) .
وهمام: ابن يحيى العَوْذي.
ومُورق: ابن مُشَمْرِج، ويقال: ابن عبد الله العجلي، أبو المعتمر الكوفي. روى عن: أبي ذر، وابن عباس. وسمع: ابن عمر، وابن جَعفر، وأنس بن مالك، وأبا الأحول، وغيرهم. روى أعنه،
-----------------------
(1) تفرد به أبو داود. (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 0 439) .

(3/55)


مجاهد، وقتادة، وعاصم الأحول، وغيرهم. قال ابن سَعْد: كان ثقا. توفي في ولاية عمر بن هبيرة على العراق. روى له الجماعة (1) . وأبو الأحْوص: عوف بن مالك البجلي.
قوله: " في مُخدعها " المخدع: الخرابة، وفيه ثلاث لغات: ضم الميم وفتحها وكسْرها. وقال ابن الأثير (2) : " المُخدع ": هو البيْت الصغير الذي يكون داخل البيْت الكبير ".
وإنما كانت صلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ومن صلاتها في حجرتها، لأنها أستر لها، وأمنع لها من نظر الناس، ومَبْني حالهن على الستر ما أمكن.
553- ص- نا أبو معمر: نا عبد الوارث: نا أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: قال رسولُ الله: " لو تَرَكْنَا هذا البابَ للنساءِ؟ " قال نافع: فلم يدخلْ منه ابنُ عُمرَ حتى مَات (3) .
ش- قد تقدم هذا الحديث بعينه في " باب اعتزال النساء في المسَاجد عن الرجال ". وأبو معمر: عبد الله بن عَمرو، وعبد الوارث: ابن سعيد، وأيوب: السختياني.
ص- قال أبو داود: رواه إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن نافع: قال عُمر (4) ، وَهَذا أصح.
ش- أي: روى هذا الحديث: إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية، عن أيوب السختياني، عن نافع قال: قال عُمر بن الخطاب: مَوضع " ابن عُمر "
قوله: " وهذا أصح "، أي: ما رواه إسماعيل من حَديث عُمر، أصح
-------------------
(1) المصدر السابق (29 / 6232) . (2) النهاية (2 / 4 1) .
(3) تقوم برقم (444) . (4) في سنن أبي داود: وقال: قال عمر،.

(3/56)


من الذي يروى عن (1) ابنه: عبد الله بن عمر، وقد ذكرناه في " باب اعتزال النساء ".
* * *