شرح أبي داود للعيني

34- باب: في الدُّعاءِ بَينَ الأذَانِ والإقامَةِ
أي: هذا باب في بيان الدعاء بين الأذان والإقامة، وفي بعض النسخ:
" باب ما جاء في الدعاء ".
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) (1/239) .

(2/476)


503- ص- نا محمد بن كثير: أنا سفيان، عن زَيد العَميّ، عنِ
أبي إياس، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يُردُ الَدّعاءُ بَين
الأذَانِ والإقَامةِ " (1) .
ش- محمد بن كثير: العَبدي البصري، وسفيان الثوري.
وزيد العمي: هو زيد بن الحواري البصري، أبو الحواري العمي
قاضي هَراة في ولاية قتيبة بن مسلم، وهو مولى زياد ابن أبيه. روى
عن: أنس بن مالك، والحسن البصري، ويزيد بن أبان، ومعاوية بن قرة
وغيرهم. روى عنه: الثوري، والأعمش، وهشام بن حسان وغيرهم.
قال أحمد بن حنبل: هو صالح، وعن ابن معين: زيد العمي لا شيء،
وفي موضع آخر: صالح، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، يكتب
حديثه ولا يحتج به. وقال أبو زرعة: ليس بقوي،/واهي الحديث
ضعيف، وقال النسائي: ضعيف. روى له: أبو داود، والترمذي،
وابن ماجه (2) . والعَمي- بفتح العين المهملة وتشديد الميم- نِسبة إلى
بني العم أو إلى العَم وهي الجماعة.
وأبُو إياس: مُعاوية بن قرة بن إياس بن هلال بن رئاب بن عُبيد بن
دُريد بن سوُاءة أبو إياس البصري المزني. سمع: أباه، وأنس بن مالك،
وعبد الله بن معقل وغيرهم. قال: لقيت ثلاثين من أصحاب النبي-
عليه السلام-، منهم خمسة وعشرون من مُزينة. روى عنه: ثابت
البناني، وأبو إسحاق الهمداني، وسِماك بن حَرب، وأبو عَوانة،
وقتادة، والأعمش وغيرهم. قال أبو حاتم وأحمد بن عبد الله: ثقة.
مات سنة ثلاث عشرة ومائة. روى له الجماعة (3) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة
(212) و (3594، 3595) ، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (68، 69) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2102) .
(3) المصدر السابق (28 /6065) .

(2/477)


قوله: " الدعاء " مُعرف بالألف واللام بتناول جنس الدعاء، أو
الاستغراق فيتناولُ الدعاء بأمُور الدنيا والآخرة. والحديث: أخرجه
الترمذي، والنسائي في اليوم والليلة، وقال الترمذي: حديث حسن.
وأخرجه النسائي من حديث بريد بن أبي مريم، عن أنس، وهو أجود من
حديث معاوية بن قُرة. وقد رُوِيَ عن قتادة، عن أنس موقوفًا.
***
35- باب: مَا يَقُولُ إذَا سَمِعَ المُؤذنَ
أي: هذا باب في بيان ما يقول الرجل إذا سمع المؤذن يؤذن.
504- ص- نا عبد الله بن مَسلمة القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب،
عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إذا سمعتمُ النداء فقولُوا مثلَ ما يقولُ المؤذنُ " (1) .
ش- النداء: الأذان؛ والفرق بينهما: أن لفظ الأذان أو التأذين أخص
من لفظ النداء لغة وشرعا. وهذا الحديث: خرجه الأئمة الستة. ثم
الذي يستفادُ من عموم هذا الحديث أن يقولَ من يَسمع الأذان مثل ما يقول
المؤذن حتى يفرغ من أذانه كله؛ وهو مذهب الشافعي. وعند أصحابنا:
يقول مثل ما يقول المؤذن في التكبير والشهادتين، ويقول في الحيعلتين: لا
حول ولا قوة إلا بالله؛ لحديث عمر لما يجئ الآن، وقالوا: إن حديث
أبي سعيد مخصوص بحديث عمر- رضي الله عنه-.
واختلفوا أن هذا الأمر على الوجوب أو على الندب؟ فقال الشيخ محيى
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: ما يقول إذا سمع المنادي (611) ، مسلم:
كتاب الصلاة، باب: استحباب القول مثل فول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي
على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم يسأل له الوسيلة (1-383) ، الترمذي: كتاب الصلاة،
باب: ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن (208) ، النسائي: كتاب الأذان، باب:
القول مثل ما يقول المؤذن (2/23) ، ابن ماجه: كتاب الأذان، بابا: ما
يقال إذا أذن المؤذن (720) .

(2/478)


الدين (1) : يستحب إجابة المؤذن بالقول مثل قوله لكل من سمعه من
متطهرِ ومُحدث وجُنُب وحائض وغيرهم ممن لا مانع له من الإجابة؛ فمن
أسباب المنع أن يكون في الخلاء أو جماع أهله أو نحوهما، ومنها: أن
يكون في صلاة، فمن كان في صلاة فريضة أو نافلة وسمع المؤذن لم
يوافقه في الصلاة، فإذا سلم أتى بمثلهَ، فلو فعله في الصلاة فهل يكره؟
فيه قولان للشافعي؛ أطهرهما: يكره؛ لكن لا تبطل صلاته، فلو قال:
حيّ على الصلاة أو الصلاة خير من النوم بطلت صلاته إن كان عالماً
بتحريمه؛ لأنه كلام آدمي. ولو سمع الأذان وهو في قراءة وتسبيح
ونحوهما قطع ما هو فيه، وأتى بمتابعة المؤذن، ويُتابعه في الإقامة
كالأذان؛ إلا أنه يقول في لفظ الإقامة: أقامها الله وأدامها، وإذا ثوب
المؤذن في صلاة الصبح فقال: الصلاة خير من النوم قال سامعه: صدقت
وبررت. هذا تفصيل مذهبنا. وقال أصحابنا: الإجابة واجبة على
السامعين؛ لأن الأمر يدل على الوجوب؛ والإجابة أن يقول مثل ما قاله
المؤذن إلا قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح، فإنه يقول مكان
قوله: حي على الصلاة: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومكان
قوله: حي على الفلاح: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ لأن
إعادة ذلك يشبه المحاكاة والاستهزاء؛ وكذا إذا قال المؤذن: الصلاة خير
من النوم لا يقول السامع مثله؛ ولكن يقول: صدقت وبررت، وينبغي
أن لا يتكلم السامع في حال الأذان والإقامة، ولا يقرأ القرآن، ولا يُسلم،
ولا يرد السلام، ولا يشتغل بشيء من الأعمال سوى الإجابة، ولو كان
في قراءة القرآن ينبغي أن يقطع القراءة ويسمع الأذان ويجيب ".
وفي/ " فوائد الرُستَغفَنِي ": لو سمع وهو في المسجد يَمضي في
قراءته، وإن كان في بَيته فكذلك إن لم يكن أذان مسجده. وعن
الحلواني: لو أجاب باللسان ولم يمش إلى المسجد لا يكون مُجيئا، ولو
__________
(1) شرح صحيح مسلم (4/88) .

(2/479)


كان في المسجد ولم يُجب لا يكون آثماً، ولا تجب الإجابة على من لا
تجب عليه الصلاة، ولا يُجيب- أيضا- وهو في الصلاة سواء كانت
فرضا أو نفلاً.
" (1) وقال القاضي عياض: اختلف أصحابنا: هل يحكي المصلي لفظ
المؤذن في صلاة الفريضة أو النافلة؟ أم لا يحكيه فيهما؟ أم يحكيه في
النافلة دون الفريضة؟ على ثلاثة أقوال، ثم اختلفوا: هل يقوله عند
سماع كل مؤذن أم لأول مؤذن فقط؟ ".
وسئل ظهير الدين عن هذه المسألة، فقال: يجب عليه إجابة أذان
مسجده؛ بالفعل.
505- ص- نا محمد بن سلمة: نا ابن وهب، عن ابن لَهِيعة (2)
وحَيوة وسَعيد بن أبي أيوب، عن كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن
جُبَير، عن عبد الله بن عَمرو بن العاص، أنه سمع النبي- عليه السلام-
يَقولُ: " إذا سمعتُمُ المؤذنَ فَقُولُوا مثلَ ما يَقولُ، ثم صَلُوا عَليَ؛ فإنه مَن
صَلَّى عَلَيَ صلاةً صَلَى اللهُ عليه بها عَشراً، ثم سَلُوا (3) لي الوَسيلةَ؛ فإنها
مَنزِلةٌ في الجَنَة، لا تَنبغِي إلا لَعَبد من عباد الله عز وجل، وأرجو أَن أكونَ أنا
هو، فَمن سألً (4) ليَ الوسيلةَ حلت عليهَ الشَفاعةُ " (5) .
ش- محمد بن سلمة: الباهلي الحراني، وعبد الله بن وهب، وعبد الله
ابن لهيعة، وحيوة: ابن شريح.
وسعيد بن أبي أيوب- مقلاص- الخزاعي المصري أبو يحيى. روى
__________
(1) المصدر السابق.
(2) في سنن أبي داود: " أبي لهيعة " خطأ.
(3) في سنن أبي داود: " سلوا الله عز وجل ".
(4) في سنن أبي داود: " سأل الله ".
(5) مسلم: كتاب الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم
يصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم يسأل الله له الوسيلة (11-384) ، الترمذي: كتاب
المناقب، باب (1) (3614) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: الصلاة على
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الأذان (2/25) .

(2/480)


عن: كعب بن علقمة، وعَقيل بن خالد، وجعفر بن ربيعة وغيرهم.
روى عنه: ابن جريح، وابن المبارك، وابن وهب وغيرهم. قال أحمد
ابن حنبل وأبو حاتم: لا بأس به. وقال ابن معين: ثقة.. تودي زمن
أبي جعفر. روى له: الجماعة (1) .
وكعب بن علقمة: ابن كعب بن عدي أبو عبد الحميد التنوخي
المصري، رأى عبد الله بن الحارث بن جَزء الزبيدي. وروى عن: سعيد
ابن المسيب، وعبد الرحمن بن جبير وغيرهم. روى عنه: سعيد بن
أبي أيوب، والليث بن سَعد، ويحيى بن أيوب وغيرهم. توفي سنة سبع
وعشرين ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .
وعبد الرحمن بن جُبير المصري القرشي مولى نافع بن عبد عمير بن
نضلة القرشي العامري، أدرك عمرو بن العاص. وسمع ابنه: عبد الله
ابن عمرو، وعقبة بن عامر، وخارجة بن حذافة 0 روى عنه: كعب بن
علقمة، ودراج أبو السمح، وعبد الله بن هُبَيرة وغيرهم. توفي سنة سبع
وتسعين. روى له. مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (3) .
قوله: " فقولوا مثل ما يقول " يقتضي أن يقول مثل ما يقول المؤذن إلى
آخر الأذان؛ ولكنه مخصوص- أيضا- بحديث عمر- رضي الله عنه-.
" ومثل " نصب على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: فقولوا قولا مثل
قول المؤذن، و " ما " مصدرية.
قوله: " ثم صلُّوا عليَ " أي: بعد الفراغ من الإجابة: صلوا علي.
قوله: " فإنه " أي: فإنّ الشأن؛ والفاء فيه للتعليل.
قوله: " صلاةً " أي: صلاةً واحدةً، ونصبها على الإطلاق.
قوله: " بها " أي: بمقابلة صلاته الواحدة؛ و " الباء " تجيء للمقابلة
كقولك: أخذت هذا بهذا.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2241) .
(2) المصدر السابق (24/4976) .
(3) المصدر السابق (17/3783) .
31* شرح سنن أبي داوود 2

(2/481)


قوله: " عشرا " أي: عشر صلوات؛ لقوله تعالى: (مَن جَاءَ
بالحَسَنَة فَلَهُ عَشرُ أمثَالِهَا) (1) وصلاة الله على عبده رحمته عليه؛ لأن الصلاة
من اللهَ: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن المؤمنين: الدعاء.
قوله: " ثم سلوا لي الوسيلة " أي: بعد الفراغ من الإجابة، والصلاة
على النبيّ- عليه السلام-: سلوا الله لأجلي الوسيلة؛ الوسيلة: فعيلة؛
وهو في اللغة: ما يتقرب به إلى الغير؛ وجمعها: وسُل (2) ووسائلُ؛
يقال: وَسَل فلان إلى ربّه وَسيلةً وتوسل إليه بوَسيلة إذا تقرب إليه بعملِ،
وفسّرها في الحديث بأنها منزلَة في الجنة بالفاء التفسَيرية بقوله: " فإنها "
أي: فإن الوسيلة منزلة في الجنة، والمنزلة مثل المنزل/وهي المنهلُ والدارُ.
قوله: " لا تَنبغي " واعلم أن قولهم: لا تَنبغي، ويَنبغى من أفعال
المُطاوعة يقولُ: بغَيته فانبغى من بغيتُ الشيء طلبتُه، ويقال: انبغى لك
أن تفعل كذا أي: طاوعك وانقادَ لك فعلُ كذا وقوله تعالى: (هَب لِي
مُلكَا لا يَنبَغي لأحَد) (3) أي: لا يحصل ولا يتأتى؛ ولا يُستعملُ فيه
غيرُ هذين الَلفظين. ويُقال: معنى لا ينبغي: لا يَسهلُ ولا يكون، قال:
في رأس حَلقاء عنقاء مُشرفة ... لا يَنبغي دونها سَهل ولا جبلُ
قوله: " أن أكون أنا هو " أن، مَصدرية، ومحلّه النصبُ على المفعولية،
والتقدير: أرجو كوني إياه أي: ذلك العَبدَ. و " أنا " إما اسمُ " أكونُ "
وليس في " أكون " شيءٌ، وإما تأكيدٌ لـ " أنا " المُستكن فيه 0 وقوله " هُوَ "
ضمير مرفوع وقع موضع الضمير المنصوب، وتقديره: أن أكون إياه.
قوله: " حلت عليه الشفاعة " الألف واللام فيه بدل من المضاف إليه أي:
حلت عليه شفاعتي. " وحلت " من حل يحل- بالكسر- أي: وَجَبَ،
ويحُل- بالضم- أيضًا أي: نزل؛ وقُرِئَ بهما في قوله تعالى: (فَيَحل
عَلَيكم غَضَبِي) (4) ويستفاد من الحديث فوائد؛ الأولى: وجوب إجاَبة
المؤذن.
__________
(1) سورة الأنعام: (160) .
(2) في الأصل: " وسيل " خطأ.
(3) سورة ص: (35) .
(4) سورة طه: (81) .

(2/482)


الثانية: وجوب الصلاة على النبي- عليه السلام- بعد الإجابة، ولا
سيما قد ذكر النبي- عليه السلام- في الأذان؛ فإن الطحاوي أجب
الصلاة- عليه السلام- كلما سمع ذكره؛ وهو المختار.
الثالثة: السؤال من الله الوسيلة للنبي- عليه السلام-.
الرابعة: إثبات الشفاعة؛ خلافا للمعتزلة.
والخامسة: اختصاصُ النبي- عليه السلام- بالوسيلة يوم القيامة.
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي.
506- ص- ثنا ابن السَّرح ومحمد بن سلمة قالا: نا ابن وهب، عن
حُييَّ، عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن عَمرو أن رجلاً قال: يا رسول
الله! إن المؤَذنينَ يَفضلُونَنا، فقال رسولُ الله: " قُل كما يَقُولونَ، فإذا انتهَيتَ
فسل تُعطَ (1) " (2) .
ش- ابن السَّرح: هو أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عَمرو بن السَّرح
أبو الطاهر القرشي المصري. وعبد الله: ابن وهب.
وحُيَيّ: ابن عبد الله المُعَافري أبو عبد الله المصري. روى عن:
أبي عبد الرحمن الحُبلي. روى عنه: الليث بن سَعد، وابن لهيعة،
وابن وهب وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: أحاديثه مناكير. وقال ابن
مَعين: ليس به بأس- وقال البخاري: فيه نظر. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) . وحُيي: بضم الحاء المهملة
ويجوز كسرها ويائين الآخرة منهما مشددة.
وأبو عَبد الرحمن، اسمُه: عبد الله بن يزيد الحُبلي العامري المصري.
سمع: عبد الله بن عَمرو، وابن عُمَر، وفضالة بن عُبيد، وأبا ذر
الغفاري وغيرهم. روى عنه: أبو هانئ الخولاني، وبكر بن سوادة،
__________
(1) في سنن أبي داود: " تعطه ".
(2) النسائي في " عمل اليوم والليلة " (44) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1585) .

(2/483)


وعقبة بن مسلم وغيرهم. قال ابن معين: هو ثقة. توفي بإفريقية سنة
مائة. روى له الجماعة إلا البخاري (1) . والحُبلي: بضم الحاء المهملة
وسكون الباء الموحدة.
قوله: " يَفضلُوننا " من فَضلتُه إذا غلبتَه بالفضل، وجوابه بقوله: " قل
كما يقولون " يدلّ على أن الرجل إذا أجاب المؤذن يحصل له فضله مثل ما
حصل للمؤذن.
قوله: " تُعط " مجزوم؛ لأنه جوابُ الأمر؛ وإنما حذف مفعول " سَل "
ليدلّ على العموم. والحديث: أخرجه النسائي في " اليَوم والليلة ".
507- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الليث، عن الحُكَيم بن عبد الله بن
فيس، عن عامر بن سَعد بن أبي وِقّاص، عن سَعد بن أبِي وقّاص، عن
رسول الله- عليه السلام- قال: " من قالَ حين يَسمعُ المؤذن: وأنا أشهدُ أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن (2) محمدًا عبدُهُ ورسولُه، رضيتُ
باللهِ ربا، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام دِينًا غُفِرَ له " (3) .
ش-- الحكيم- بضم الحاء المهملة وفتح الكاف وسكون الياء آخر
الحروف- بن عبد الله بن قيس: ابن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف
القرشي المصري، أخو محمد بن عبد الله. سمع: ابن عمر، وعامر
ابن سَعد بن أبي وقاص، ونافع بن جبير بن مطعم. روى عنه: الليث
وغيره. توفي بمصر سنة ثمان عشرة ومائة. روى له: الجماعة إلا
البخاري (4) .
__________
(1) المصدر السابق (16/3663) .
(2) في سنن أبي داود: " وأشهد أن ".
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم
يصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم يسأل الله له الوسيلة (13-386) ، الترمذي: كتاب
الصلاة، باب: ما جاء ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن من الدعاء (210) ،
النسائي: كتاب الأذان، باب: الدعاء عند الأذان (2/26) ، ابن ماجه:
كتاب الأذان، باب: ما يقال إذا أذن المؤذن (721) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1468) .

(2/484)


وعامر بن/ سَعد بن أبي وقّاص القرشي الزهري المدني. سمع:
أباه، وعثمان بن عفان، وجابر بن سمرة وغيرهم. روى عنه: ابنه:
داود، وسعيد بن المسيّب، وسَعد بن إبراهيم، ومجاهد، والزهري
وغيرهم. توفي بالمدينة سنة أربع ومائة. روى له الجماعة (1)
وسعد بن أبي وقاص- واسم أبي وقاص: مالك- بن أُهَيب بن
عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي
الزهري، يلقى رسول الله عند الأب الخامس، أسلم قديما، وهاجر إلى
المدينة قبل رسول الله، وشهد بدرَا والمشاهد كلها مع رسول الله، وكان
مجاب الدعوة، وهو أول مَن رَمَي بسَهم في سَبيل الله تعالى، وكان يقال
له: فارس الإسلام. رُوِيَ له عن رسول الله مائتا حديث وسبعون
حديثًا، اتفقا منها على خمسة عشر، وانفرد البخاريّ بخمسة ومسلم
بثمانية عشر. روى عنه: ابن عُمر، وابن عباس، وجابر بن سمرة،
وأولاده: محمد، وإبراهيم، وعامر، ومُصعب بنو سَعد، وسعيد بن
المُسيّب وغيرهم. مات بقَصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة،
وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة ودفن بالبقيع وصلى عليه مَروان بن
الحكم سنة خمس وخمسين وهو الأصح. روى له الجماعة (2) .
قوله: " رضيتُ بالله ربّا " أي: قنعتُ به، واكتفيتُ به، ولم أطلب
معه غيره.
قوله: " وبمحمد رسولاً " أي: رضيتُ بمحمد رسولا إليّ وإلى سائر
المسلمين.
قوله: " وبالإسلام دينا " أي: رضيت بالإسلام دينا بمعنى: لم أبتَغ في
غير طريق الإسلام ولم أسلك إلا ما يُوافق شرع محمد- عليه السلام-،
أو لم أبتغ غير الإسلام دينا.
__________
(1) المصدر السابق (14/ 3038) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/18) ، أسد الغابة
(2/366) ، الإصابة (2/33) .

(2/485)


فإن قيل: بماذا انتصب " ربا " و " رسولاً " و " دينا ". قلت: يحوز
أن تكون منصوبات على التمييز، والتمييز وإن كان الأصل فيه أن يكون
فاعلا في المعنى يحًوز أن يكون مفعولا- أيضا- كقوله تعالى: (وَفَجرنَا
الأرضَ عُيُونًا) (1) ويجوز أن تكون مَنصوبَات على المفعولية؛ لأن
" رَضي " إذا عُدي بالباء يَتَعدى إلى مفعول آخر.
فإن قيل: ما المراد من قوله " دينا "؟ قلت: المراد من الدين هاهنا:
التوحيدُ؛ وبذلك فسر صاحب " الكشاف " ' في قوله تعالى: (ومَن
يَبتَغ غَيرَ الإِسلاَم دينا) (2) بمعنى التوحيد. وأما في الحديث الصحيح عن
عُمر قال: " بينمَا نحن عند رسول الله ذات يوم، إذ طلع علينا رجلٌ
شديدُ بياض الثياب (3) " إلى آخره فقد أطلق رسول الله الدين على
الإسلام والإيمان والإحسان بقوله: " إنه جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم "
وإنما علمهم هذه الثلاثة؛ والحاصل في هذا: أن الدين تارةً يُطلقُ على
الثلاثة التي سأل عنها جبريل- عليه السلام-، وتارةً يُطلق على الإسلامِ
كما في قوله تعالى: (اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأتمَمتُ عَلَيكم نعمَتي
وَرَضيتُ لَكُمُ الإسلاَمَ دينا) (4) وبهذا يُمنَعُ قولُ مَن يقولُ: بينَ الآية
والحدَيث معارضةٌ، حيثَ أطلق الدين في الحديث على ثلاثة أشياء، وفي
الآية على شيء واحد، واختلاف الإطلاق إما بالاشتراك أو بالحقيقة
والمجاز، أو بالتواطؤ، ففي الحديث أطلق على مجموع الثلاثة وهو أحد
مَدلُولَيه، وفي الآية أطلق على الإسلام وَحده وهو مُسماه الآخر.
فإن قيل: لم قال بالإسلام ولم يَقل بالإيمان؟ قلت: الإسلام والإيمان
واحد فلا يرد السؤال؛ والدليل على ذلك: قوله تعالى: (فأخرَجنَا مَن
كَانَ فِيهَا مِنَ المُؤمِنين فمَا وَجَدنَا فِيهَا غَيرَ بَيتِ مّنَ المُسلِمِينَ) (5) والمراد
__________
(1) سورة القمر: (12) .
(2) سورة آل عمران: (85) .
(3) مسلم: كتاب الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان ... (1 / 8)
(4) سورة المائدة: (3) .
(5) سورة الذاريات: (35، 36) .

(2/486)


بهما: آل لوط- عليه السلام-، فوصفهم تارة بأنهم مؤمنون وتارة
بأنهم مسلمون؛ فدلّ على [أن] الإيمان والإسلام شيء واحد
قوله: " غفر له " جوابُ قوله " من قال " أي: غفر له ذنوبه ما دون
الكبائر.
واستفيد من الحديث أن يقول بعد قوله: وأنا أشهد أن محمدا رسول
الله رضيتُ بالله ربّا، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام دينا 0 والحديث:
أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
508- ص- نا إبراهيم بن مَهدي: نا علي بن مسهر، عن هشام، عن
أبيه، عن عائشة أن رسول الله كان إذا سَمِعَ المؤذنَ يتشهّدُ. قال: " وأنَا،
وأنا " (1) .
ش- إبراهيم بن مهدي: المصيصي، بغدادي الأصل، سكن المصيصة
/وقال البخاري: من الأنبار. روى عن: إبراهيم بن سَعد، وحَمّاد بن
زَيد، وأبي المليح الرقي، وعلي بن مسهر وغيرهم. روى عنه: أحمد
ابن حنبل، وأبو داود، وأبو حاتم الرازي- وقال: كان ثقة-،
والحسن بن محمد الصبّاح. مات سنة أربع وعشرين ومائتين (2) .
وعلي بن مسهر: الكوفي قاضي الموصل. وهشام: ابن عروة بن
الزبير بن العوام.
قوله: " يتشهد " أي: يقول: أشهد أن لا إله إلا الله.
قوله: " قال: وأنا وأنا " أي: قال النبي- عليه السلام-: " وأنا أشهد
أن لا إله إلا الله، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله " " وأنا " مبتدأ، وخبره
محذوف وهو قوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وكذلك " أنا " الثاني كرّره
لَلتأكيد والمبالغة.
509- ص- نا محمد بن المثنى: نا محمد بن جَهضم: نا إسماعيل بن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/251) .

(2/487)


جَعفر، عن عمارة بن غَزِيًة، عن خُبَيب بن عبد الرحمن بن إساف، عن
حفص بن عاصم بن عمر، عن أبيه، عن جده: عمر بن الخطاب، أن
رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قالَ المؤذنُ: الله أكبر، الله أكبر، فقال أحدُكُم: الله
أكبر الله كبر، فإذا قال: أشهدُ أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله،
فإذا قال: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسوِل الله،
ثم قال: حَيَّ على الصلاة، قال: لا حَول ولا قوةَ إلا بالله، ثم قال: حيَّ على
الفلاح قال: لا حول ولاَ قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله
أكبر الله كبر، ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبِهِ دخلَ الجنة" (1) .
ش- محمد بن جَهضم: الثقفي أبو جَعفر البصري، يعرف
بالخراساني، أصله خراساني، وسكن أبوه اليمامة وسكن هو البصرة.
سمع: إسماعيل لجن جعفر، وأزهر بن سنان. روى عنه: إسحاق بن
منصور، ويحيى بن محمد، ويعقوب بن سفيان وغيرهم. روى له:
البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (2) .
وإسماعيل بن جعفر: ابن أبي كثير الأنصاري المدني.
وعمارة بن غزية: ابن الحارث بن عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة
الأنصاري المازني المدني. روى عن: عباد بن تميم، ويحيى بن عمارة،
وأبي الزبير، وخبيب بن عبد الرحمن وغيرهم. روى عنه: سليمان بن
بلال، والدراوردي، والثوري وغيرهم. قال أبو زرعة وأحمد بن حنبل:
ثقة. وقال ابن معين: صالح. وقال أبو حاتم: ما به بأس وكان
صدوقا. توفي سنة أربعين ومائة 0 روى له: الجماعة إلا البخاريّ (3) .
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم
يصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم يسال الله له الوسيلة (12-385) ، والنسائي في
" عمل اليوم والليلة ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5123) .
(3) المصدر السابق (21/4195) .

(2/488)


وخُبَيب بن عبد الرحمن: ابن خُبَيب بن إساف الأنصاري الخزرجي،
أبو الحارث المدني، خال عُبيد الله بن عمر. روى عن: أبيه، عن
جده، وعن: عمته: أُنَيسة، وحفص بن عاصم وغيرهم. روى عنه:
يحيى الأنصاري، وعمارة بن غزيّة، ومالك، وشعبة وغيرهم. قال ابن
معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. روى له الجماعة (1) . وخُبيب:
بضم الخاء المعجمة 0
وحفص بن عاصم بن عمر: ابن الخطاب القرشي المدني. سمع أباه،
وعمه: عبد الله بن عُمر، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري وغيرهم.
روى عنه: القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وخبَيب بن
عبد الرحمن: قال الطبري: ثقة مجمع عليه. روى له: الجماعة (2) .
قوله: " إذا قال المؤذن: الله أكبر الله كبر فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر "
إلى آخره؛ كل نوع من هذا مثنى- كما هو المشروع- فاختصر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من
كل نوع شطره تنبيهاًَ على باقيه.
قوله: " لا حول ولا قوة إلا بالله " يجوز فيه خمسة أوجه؛ الأول:
فتحهما بلا تنوين، والثاني: فتح الأول ونصب الثاني منونا، والثالث:
رفعهما منوّنين، والرابع: فتح الأول ورفع الثاني منونا، والخامس:
عكسه. الحول: الحركة؛ أي: لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله،
قاله ثعلب وغيره. وقيل: لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير
إلا بالله. وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة على
طاعته إلا بمعونته؛ وحُكِيَ هذا عن ابن مَسعود. وحكى الجوهري لغة
عربيةً ضعيفة أنه يقال: لا حَيل ولا قوة إلا بالله- بالياء- قال: والحول
والحيل بمعنًى. ويقال في التعبير عن قولهم " لا حول ولا قوة إلا بالله ":
" الحوقلة "؛ قاله الأزهري، وقال الجوهري: " الحولقة "، فعلى الأولى
- وهو الشهور- الحاء والواو من الحول، والقاف/من القوة، واللام
__________
(1) المصدر السابق (8/1678) .
(2) المصدر السابق (7/1392) .

(2/489)


من اسم الله، وعلى الثاني: الحاء واللام من الحول، والقاف من القوة،
ومثلها: الحيعلة والبسملة والحمدلة والهَيللة والسَّبحلة، في حيّ على الصلاة
وحي على الفلاح، وبسم الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، وسبحان الله.
قوله: " من قلبه " متعلق بقوله: " فقال أحدكم " أي: قال ذلك
خالصا مخلصَا من قلبه؛ لا ممن الأصل في القول والفعل: الإخلاص؛ قال
تعالى: (وَمَا أمِرُوا إِلا لِيَعبُدُوا اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدينَ) (1) .
قوله: " دخل الجنّة " جواب قوله: " فقال أحدكم " في المَعنى، وجزاء
ذلك القائل. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
510- ص نا (2) سليمان بن داود العتَكي: نا محمد بن ثابت: حدثني
رجل من أهل الشام، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامةَ أو عًن بعضِ
أصحاب النبي- عليه السلام-، أن بلالا أخذَ في الإقَامة، فلما أن قال: قد
قَامت الصَلاة، قال النبيُ- عليه السلَام-: " أقَامَها اَللهُ وَأدَامَها ". وقال في
سائرِ اَلإقامةِ كنحوِ حديثِ عُمر- رضي الله عنه- في الأذانِ (3) .
ش- سليمان بن داود: أبو الربيع الزهراني (4) العتكي، ومحمد بن
ثابت: العَبدي البصري، وشهر بن حوشب: أبو سعيد الشامي
الدمشقي، وأبو أمامة، صُدفي بن عجلان الباهلي.
قوله: " أخذ في الإقامة " أي: شرع فيها.
قوله: " أقامها الله وأدَامها " دعاء في صورة الإخبار؛ أي: اللهم أقمها
وأدِمها.
قوله: " وقال في سائر الإقامة " أي: في سائر ألفاظ الإقامة " كنحو
حديث عمر " المذكور آنفا في الأذان.
__________
(1) سورة البينة: (5) .
(2) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود تحت " باب ما يقول إذا سمع الإقامة "،
وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(3) تفرد به أبو داود.
(4) في الأصل: " الزاهراني ".

(2/490)


ويستفاد من الحديث فائدتان: الأولى: يستحب أن يقال عند الإقامة
مثل ما يقول المؤذن: إلا في الحيعلتين يقول فيهما: لا حول ولا قوة إلا
بالله- كما في الأذان-، والثانية: يستحب أن يقال عند قوله: " قد
قامت الصلاة ". أقامها اللهُ وأَدامها. وفي إسناد هذا الحديث: رجل
مجهول، وشهر بن حوشب تكلم فيه غير واحد ووثقه الإمام أحمد وابن
معين. وفي بَعض النسخ: " باب ما يقول إذا سمع الإقامة " وليس بموجود
في النسخ الصحيحة.
36- بَابُ: الدُّعَاءِ عندَ الأذانِ
أي: هذا باب في بيان الدعاء عند الأذان، وفي بعض النسخ: " باب
ما جاء في الدعاء عند الأذان " (1) أي: عند فراغ المؤذن من الأذان.
511- ص- نا أحمد بن محمد بن حنبل: نا عليّ بن عياش: نا شعيب
ابن أبي حمزة، عن محمد بنِ المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قالَ حين يَسمعُ النداءَ: اللهمّ ربَّ هذه الدعوة التامّة
والصلاة القائمة، آت محمَداً الوسيلةَ والفضيلةَ، وابعثهَُ مَقاماً محَموداً
الذي وعَدتَه، إلاَ حَفَت له الشفاعةُ يومَ القيامةِ " (2) .
ش- علي بن عياش- بالياء آخر الحروف والشين العجمة- ابن مسلم
الحمصي الألهاني، وشُعيب بن أبي حمزة- دينار- القرشي الحمصي.
قوله: " حين يسمع النداء " أي: الأذان؛ والكلام في " اللهم " قد مر
مستوفى.
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: الدعاء عند النداء (614) ، الترمذي: كتاب
الصلاة، باب منه آخر (211) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: الدعاء عند
الأذان (2/26) ، ابن ماجه: كتاب الأذان، باب: ما يقال إذا أذن المؤذن
(722) .

(2/491)


قوله: " رَبّ هذه الدَعوة " " ربَّ " منصوب على النداء، ويحوز رفعه
على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: أنت رَبُّ هذه الدعوة؛ والرب:
المُربّي المصلح للشأن؛ واشتقاقه من الرِّبَّة؛ وهي نبت يصلح عليه المال،
يُقال: رَبّ يَرُبّ ربا، وربى يُربي تربيةً، وأصله: رَبَبٌ؛ وهو قول زيد
ابن عليّ، وسعيد بن أوس. وقال الحسين بن الفضل: هو الثابت، أو
نزل، من رَب بالمكان، ولبَّ: إذا أقام، وأرضٌ مُرِب ومربابٌ: دام بها
المطرُ، وفي اللغة: الرب: المالكُ والسيّدُ والصاحبُ. وقال الواسطي:
هو الخالق ابتداء، والمُربي غداء، والغافر انتهاء. وقال الزمخشري:
يقول: رَبّه يربّه فهو ربّ كما يقول: نمّ عليه ينمّ فهو نم، ويجوز أن
يكون وصفاًَ بالمَصدر للمبالغة كما وصف بالعدل، ولم يطلقوا الربّ إلا
في الله وحده، وفي غيره على التقييد بالإضافة، كقولهم: ربّ الدار،
وربّ الناقة. ومعنى " ربّ هذه الدعوة " أي: صاحب هذه الدعوة
التامة؛ والدعوة- بفتح الدال- وكذلك كل شيء دعوته، ويريد بالدعوة
التامة التوحيد، وقيل لها " تامة " لأنها لا نقص فيها ولا عيب، وقيل:
وصفها بالتمام لأنها ذكر الله تعالى، ويدعى بها إلى عبادته وذلك/هو
الذي يستحق التمام، وقيل: التامة: الكاملة؛ وكمالها أن لا يدخلها
نقص ولا عيب كما يدخل في كلام الناس. وقد ذكرت في " شرحي
للكلم الطيّب " (1) أن معنى التمام. كونها محميةً عن النَّسخ والإبدال
باقية إلى يوم القيامة.
قوله: " والصلاة القائمة " أي: الدائمة التي لا تُغيرها: ولا تنسخها
شريعة، وأنها قائمة ما دامت السموات والأرض.
قوله: " آت " - بفتح الهمزة- أمرٌ من آتى يؤتي إيتاء، كأعطى يعطي
إعطاء؛ وأصله: " أأت " لأنه من تُوأتي بهمزتين، فحذفت حرف الخطاب
علامة للأمر، وحذفَت الياء علامة للجزم، فبقي " َأأتِ " بهمزتين
__________
(1) انظره (ص/245) بتحقيقي.

(2/492)


ثانيتهما ساكنة، فقلبت ألفاَ لانفتاح ما قبلها، فصار " آت " على وزن
أَفع.
قوله: " الوسيلة " نَصبٌ على المفعولية؛ وقد مر تفسيرها عن قريبٍ أنها
منزلة في الجنة، وقيل: هي الشفاعة يوم القيامة، وقيل: هو القرب من
الله تعالى. " والفضيلة " والفضل خلاف النقيصة والنقص؛ والمعنى:
أعطه الكاملَ من كل شيء.
قوله: " مقاماً محموداً الذي وعدته " يعني: المقام المحمود الذي يحمدُه
القائم فيه وكل من رآه وعرفه؛ وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من
أنواع الكرامات، وقيل: المرادُ: الشفاعة؛ وهي نوعٌ مما يتناوله. وعن
ابن عباس: مقاماًَ يحمدك فيه الأولون والآخرون، وتشرف فيه على جميع
الخلائق تسأل (1) فتُعطَى، وتشفَعُ فتُشَفّعُ، ليس أحد إلا تحت لوائك.
وعن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام-: " هو المقام الذي أشفع
فيه لأمتي " (2) .
فإن قيل: المقام المحمود قد وعده ربه إياه والله لا يخلف الميعاد، فما
الفائدة في دعاء الأمة بذلك؟ قلت: الدعاء إما للثبات والدوام، وإما
للإشارة إلى جواز دعاء الشخص لغيره، والاستعانة بدعائه في حوائجه،
ولا سيما من الصالحين.
قوله: " الذي وعدته " بدل من قوله: " مقاماً محموداً " أو منصوب
باعِني، أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وأراد حكاية لفظ القرآن
في قوله: (عَسَى أن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحمُوداً) (3) .
__________
(1) في الأصل: " يسأل " بالياء والتاء.
(2) أخرجه أحمد (2/441، 444، 528) ، والترمذي (3137) ، وانظر
السلسلة الصحيحة (2369) .
(3) سورة الإسراء: (79) .

(2/493)


قوله: " إلا حلت له الشفاعة " وليس في رواية البخاري " إلا " ووجهه
هاهنا: أن تكون زائدة للتأكيد؛ كما في قول الشاعر:
حَراجيج ما تنفكّ إلا مناخةَ ... على الخَسف أو ترمي بها بلداً قفَرا
ذكره الأصمعي، وابن جنّي. ومَعنى " حلت له " وجبت له أو
غشَيته، واللام بمعنى " على " أي: حَلت عليه، وقد مر مثله.
512- ص- نا (1) مؤمل بن إِهاب: نا عبد الله بن الوليد العَدني: نا
القاسمُ بن مَعن: نا المسعودي، عن أبي كثير مولى أم سلمةَ، عن أم سلمةَ
قالت: عَلَمني النبيُ- عليه السلام- أن أقولَ عندَ أذَان المغرب: " اللهم هذا
إِقبالُ ليلِكَ، وإِدبار نَهَارِكَ، وأصواتُ دُعاتِكَ، فاغفِر لَي " (2) .
ش- مؤمل بن إهاب- ويُقال: يهاب- بن عبد العزيز بن قُفل بن
سدل، أبو عبد الرحمن الربعي الكوفي نزيل الرملة، ويقال: نزل
مصر. روى عن: أبي داود الطيالسي، وعبد الله بن الوليد العدني،
ومحمد بن يوسف الفِريابي، وغيرهم. روى عنه: أبو بكر بن
أبي الدنيا، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم. قال أبو داود: كتبتُ عنه
بالرملة وبحمص وبحلب. وعن ابن معين: ضعيف. قال أبو حاتم:
صدوق. وقال النسائي: لا بأس به. توفي بالرملة في رجب سنة أربع
وخمسين ومائتين (3) .
وعبد الله بن الوليد بن ميمون بن عبد الله القرشي الأموي مولى عثمان
ابن عفان، وهو العَدني المكي، وكان يقال: أنا مكي، ويقال لي:
عدني. سمع: الثوري، والقاسم بن مَعن، ومصعب بن ثابت. روى
عنه: مؤمل بن إهاب، وزهير بن سالم، ويَعقوب بن حميد وغيرهم.
__________
(1) في سنن أبي داود قبل هذا الحديث: " باب ما يقول عند أذان المغرب "،
وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(2) الترمذي: كتاب الدعوات، باب: دعاء أم سلمة (3589) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6320) .

(2/494)


وقال عبد الرحمن: سألتُ أبي عنه فقال: هو شيخ، يكتب حديثه ولا
يحتج به. وقال أبو زرعة: صدوق. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي (1) .
والقاسم بن مَعن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي
أبو عبد الله الكوفي قاضيها. روى عن: عاصم الأحول، وإسماعيل بن
أبي خالد، والأعمش، وابن جريج. روى عنه: مالك بن إسماعيل،
وأبو نعيم، وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم. قال ابن معين: كان
رجلاً نبيلاً. وقال أحمد بن حنبل: ثقة، وكان لا يأخذ على القضاء
أجراً. مات في خلافة هارون. روى له: أبو داود، والنسائي (2) .
والمَسعودي: هو عبد الرحمن بن عبد الله.
وأبو كثير مولى أم سلمة زوج النبي- عليه السلام-. روى عن:
أم سلمة. روى عنه: المَسعودي، وابنته: حَفصة.
قال الترمذي:/لا تُعرف حفصة ولا أبوها. روى له: أبو داود،
والترمذي (3) .
وأمّ سلمة: اسمها: هند بنت أبي أميّة، وقد ذكرناها.
فوله: " هذا إقبال ليلك " أي: وقت إقبال ليلك، ووقت إدبار نهارك،
ووقت أصوات دُعاتك 0 والدُّعاة جمعُ داعي، كالقضاة جمع " قاضي "،
وإنما أضاف هذه الأشياء إلى الله تعالى وإن كانت جميع الأشياء لله تعالى
لإظهار فضيلة هذه الأشياء، لأن المضاف يكتسي الفضيلة والشرف من
المضاف إليه كما في " ناقة الله "، وإنما حثّ بالدعاء في هذا الوقت،
لأن هذا الوقت وقت شريف باعتبار أنه آخر النهار، وهو وقت ارتفاع
الأعمال، وأول الليل اللذان آيتان من آيات الله الدالة على وحدانيته وبقائه
وقدمه، وأنه وقت حضور العبادة فيكون أقرب إلى الإجابة. والحديث
__________
(1) المصدر السابق (16/3643) .
(2) المصدر السابق (23/4827) .
(3) المصدر السابق (34/7587) .

(2/495)


أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب؛ إنما نعرفه من هذا الوجه.
وفي بعض النسخ في أول هذا الحديث: " باب ما يقول عند أذان
المغرب ".
***
37- بَابُ: أخذِ الأجرِ عَلَى التَأذِين
أي: هذا باب في بيان أخذ الأجرة على التأذين، وفي بعض النسخ:
" بابُ أخذ أجرِ على الأذان ".
فإن قلت: ما الفرق بين الأذان والتأذين؟ قلت: التأذين يتناول جميع
ما يصدر من المؤذن من قول وفعلِ وهيئة ونية، وأما الأذان: هو حقيقة
تعقل بدون ذلك.
513- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد: أنا سعيا الجُريري، عن
أبي العلاء، عن مُطرّف بن عبد الله، عن عثمان بن أبي العاص قال: قلتُ
- وقال مُوسى في موضعِ آخرَ: أن عثمانَ بن أبي العاص- قال: يا رسولَ الله،
اجعلنِي إمامَ قَومي، قال: " أنتَ إِمامُهم، واقتدي بأضعَفهِم، واتخذ مُؤذنَاً
لا يأخذُ عَلى أذَانِهِ أجراً " (1) .
ش- حماد بن سلمة، وسعيد بن إياس: النضري الجُريري.
وأبو العلاء: حيان بن عُمير القيسي الجُرَيري. روى عن: عبد الله بن
العباس، وعبد الله بن السائب، وعبد الرحمن بن سمرة، وسمرة بن
جندب، ومُطرف. روى عنه: سليمان التيمي، وقتادة، والجُريري.
روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (2) .
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام (468)
الجزء الأول منه، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية أن
يأخذ المؤذن على الأذان أجراً (209) الجزء الأخير منه، النسائي: كتاب الأذان،
باب: اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجراً (2/23) ، ابن ماجه:
كتاب إقامة الصلاة، باب: من أم قوماً فليخفف (987) ، (714) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1576) .

(2/496)


ومُطرف بن عبد الله: ابن الشخير، وعثمان بن أبي العاص قد ذكر
مرةً.
قوله: " وقال موسى " أي: موسى بن إسماعيل.
قوله: " واقتدي بأضعفهم " معناه: مُراعاة ضُعفاء الجماعة في الصلاة
بأن لا يطولها عليهم؛ والاقتداء بالأضعف الاتباع به في مراعاة حاله.
والحديث: أخرجه أحمد في " مسنده ".
وفي رواية: " جواز في صلاتك، وأقدِرِ الناسَ بأضعفهم؛ فإن فيهم
الصغيرَ والكبيرَ والضعيفَ وذَا الحاجة ".
قوله: " واتخذ مؤذناً " يعني: اجعل مؤذناً لا يأخذ على الأذان أجراً،
وكلمة " على لما هاهنا للتعليل كاللام؛ والمعنى: لا يأخذ لأجل أذانه
أجراً؛ نحو قوله تعالى: (وَلتُكبرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم) (1) أي: لهدايته
إياكم؛ وبهذا أخذ علماؤنا؛ لأنه يكون أخذ الأجرة على الطاعة؛ وهو
قول أكثر العلماء، وكان مالك يقول: لا بأس به، ويرخص فيه. وقال
الأوزاعي: الإجارة مكروهة ولا بأس بالجعل، ومنع منه إسحاق بن
راهويه. وقال الحسن: أخشى أن لا تكون صلاته خالصةَ لله. وكرهه
الشافعي وقال: لا يَرزق الإمامُ المؤذنَ إلا من خُمس الخُمس سهم النبي
- عليه السلام-؛ فإنه مُرصد لمصالح الدين ولا يرزقه من غيره. وكذلك
أخذ الأجر على الحج والإمامة وتعليم القرآن والفقه؛ ولكن المتأخرين
جوزوا على التعليم والإمامة في زماننا لحاجة الناس إليه، وظهور التواني
في الأمور الدينية، وكسل الناس في الاحتساب، وعليه الفتوى.
والحديث: أخرجه ابن ماجه، والنسائي. وأخرج مسلم الفصل الأول،
وأخرج الترمذي الفصل الأخير، قال: وفي الباب عن أبي رافع،
وأبي هريرة، وأم حبيبة، وعبد الله بن عَمرو، وعَبد الله بن ربيعة،
__________
(1) سورة البقرة: (185) .
32 * شرح سنن أبي داوود 2

(2/497)


وعائشة، ومعاذ بن أنس، ومعاوية. قال أبو عيسى: حديث عثمان (1)
حديث حسن صحيح 0
***
38- بَابٌ: فِي الأذَانِ قَبل دُخُول الوَقتِ
أي: هذا باب في بيان الأذان قبل دخول الوقت، وفي بعض النسخ:
" باب ما جاء في الأذان ".
514- ص- نا موسى بن إسماعيل، وداود بن شبيب- المعنى- قالا:
نا حماد، صت أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أن بلالا أذنَ قبلَ طُلوع
[الفجرِ، فأمَرَهُ النبيُ- عليه السلام- أن يَرجعَ/فيُنادي: ألا إن العبدَ نامَ (2) .
زادَ موسى: فرجعَ فنادَى: الا إن العبدَ نامَ (2) ، (3)
ش- داود بن شبيب: البصري الباهلي، وحماد: ابن سلمة،
وأيوب: السختياني، ونافع: مَولى ابن عمر.
قوله: " زاد موسى " أي: زاد موسى بن إسماعيل في حديثه: " فرجع "
أي: بلال، " فنادى ألا إن العبد نام "، قيل: أراد به أنه غفل عن
الوقت، كما يقال: نام فلان عن حاجتي إذا غفل عنها ولم يقم بها.
وقيل: معناه: إنه قد عاد لنومه إذ كان عليه بقية من الليل، فعلم الناس
ذلك لئلا ينزعجوا عن نومهم وسكونهم. وقيل: يُشبه أن يكون هذا فيما
تقدم من أول زمان الهجرة؛ فإن الثابت عن بلال أنه كان في آخر أيام
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤذن بليل، ثم يؤذن بعده ابن أم مكتوم مع الفجر،
وثبت عنه- عليه السلام- أنه قال: إن بلالاً ليؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا
حتى يؤذن ابن أم مكتوم. وممن ذهب إلى أن تقديم أذان الفجر قبل دخول
وقته جائز: مالك، والشافعي، والأوزاعي، وأبو يوسف؛ اتباعاً للآثار
الواردة به. وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يجوز؛ قياساً على سائر
الصلوات؛ وهو مذهب الثوري، وذهب بعض أصحاب الحديث إلى أن
__________
(1) في الأصل: " أبي سعيد " خطأ.
(2) في سنن أبي داود: " قد نام ".
(3) تفرد به أبو داود.

(2/498)


ذلك جائز إذا كان للمسجد مؤذنان، كما كان لرسول الله- عليه السلام-
فأما إذا لم يكن فيه إلا واحد، فإنه لا يجوز أن يفعله إلا بعد دخول
الوقت، فيحتمل على هذا أنه لم يكن لمسجد رسول الله في الوقت الذي
نهى بلالاً إلا مؤذن واحد، وهو بلال، ثم أجازه حين أقام ابن أم مكتوم
مؤذناً؛ لأن الحديث في تأذين بلال قبل الفجر ثابت من رواية ابن عمر.
ص- قال أبو داود: وهذا الحديث لم يَروه عن أيوب إلا حماد بن سلمة.
ش- أي: الحديث المذكور لم يروه عن أيوب السختياني إلا حماد،
وذكر الترمذي لفظ الحديث وقال: هذا حديث غير محفوظ، ولعل حماد
ابن سلمة أراد حديث عمر؛ والصحيح: حديث ابن عمر أن النبي- عليه
السلام- قال: " إن بلالاً يؤذن بليل " الحديث، ثم نقل عن علي بن
المديني أنه قال: هو حديث غير محفوظ. وقال البيهقي: وقد تابعه
سعيد بن زربي، عن أيوب، ثم أخرجه كذلك، قال: وسعيد بن زربي
ضعيف. وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": وقد تابع حماد بن سلمة
عليه سعيد بن زربي، عن أيوب؛ وكان ضعيفاً. قال يحيى: ليس
بشيء. وقال البخاري: عنده عجائب. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال
ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات. وقال الحاكم: أخبرنا
أبو بكر بن إسحاق الفقيه: سمعت أبا بكر المطرز يقول: سمعت محمد
ابن يحيى يقول: حديث حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن
ابن عمر أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر: شاذ، غير واقع على القلب؛
وهو خلاف ما رواه الناس عن ابن عمر.
515- ص- نا أيوب بن منصور: نا شعيب بن حرب، عن عبد العزيز
ابنِ أبي رواد: نا نافع، عن مؤذن لعُمر يقال له: مَسروح أذن قبل الصبح
فأمره عُمر. ذكر نحوه (1) .
__________
(1) انظر الحديث السابق.

(2/499)


ش- أيوب بن منصور: أحد شيوخ أبي داود.
وشعيب بن حرب: المدائني، أبو صالح، من أبناء خراسان، سكن
المدائن ثم نزل مكة. روى عن: الثوري، وشعبة، ويحيى نجن أيوب،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة مأمون، وكذا قال أبو حاتم. مات سنة
تسع وتسعين ومائة. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي (1) .
وعبد العزيز بن أبي رَوّاد- واسم أبي رواد: ميمون- المكي الأزدي
مولى المغيرة بن المهلب بن أبي صُفرة، وهو أخو جبلة وعثمان، وهو ابن
عم عمارة بن أبي حفصة. سمع: نافعاً، والضحاك، وسالم بن
عبد الله بن عمر، وغيرهم. روى عنه: ابنه: عبد الله، والثوري،
وأبو عاصم النبيل، وغيرهم. قال ابن عدي: وفي بعض أحاديثه ما لا
يُتابع عليه (2) .
قوله: " مسروح " بالسين والحاء المهملتين.
قوله: " ذكر نحوه " أي: نحو حديث بلال؛ وقال الترمذي: وهذا لا
يصح؛ لأنه عن نافع، عن عمر منقطع.
ص- قال أبو داود: وقد رواه حماد بن زيد، عن/عُبيد الله بن عُمر،
عن نافع أو غيره، أن مؤذناً (3) يُقال له: مَسروح أو غَيرُه.
ش- أي: قد روى هذا الحديث حمّاد بن زيد، عن عُبَيد الله بن عُمر.
قوله: " أو غيره " أي: أو عن غير نافع.
قوله: " أو غيره " أي: أو غير مسروح.
ص- ورواه الدراورديِّ، عن عُبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال:
كان لِعُمرَ مؤذن يُقالُ له: مسعود، ذكر نحوه.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2746) .
(2) المصدر السابق (18 /3447) .
(3) في سنن أبي داود: " مؤذناً لعمر ".

(2/500)


ش- أي: وروى هذا الحديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن
عبيد الله بن عمر.
قوله: " ذكر نحوه " أي: نحو الحديث المذكور؛ ولكن في روايته:
" مَسعود " موضع " مسروح ".
ص- قال أبو داود: وهذا أصحّ من ذاك.
ش- أي: ما رواه الدراوردي أصح من الذي رواه حماد بن سلمة.
516- نا زهير بن حَرب: نا وكيع: نا جَعفر بن بُرقان، عن شداد مولىِ
عياض بن عامر، عن بلال، أن رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " لا تُؤذن حتى يَستَبين
لك الفجرُ هكذا " ومَدَ يدَيه عَرضاً (1) .
ش- جَعفر بن بُرقان- بضم الباء الموحدة- الجَزري، أبو عبد الله
الكلابي مولاهم الرقي، كان يسكن الرقة وقدم الكوفة. سمع: عكرمة
مولى ابن عباس، وميمون بن مهران، ونافعاًَ (2) مولى ابن عمر،
وغيرهم. روى عنه: الثوري، ووكيع، وعيسى بن يونس، وغيرهم.
وقال يعقوب بن شيبة، عن يحيى: كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، وكان
ثقة صدوقاً. وقال ابن سَعد: كان ثقة صدوقاًَ، له رواية وفقه وفتوى في
دهره، وكان كثير الخط! في حديثه، مات بالرقة سنة أربع وخمسين ومائة.
روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وشداد مولى عياض بن عامر: المُزني. روى عن: أبي هريرة،
ووابصة بن معبد، وبلال 0 روى عنه: جعفر بن برقان. روى له:
أبو داود (4) .
فوله: " حتى يستبين " أي: حتى يظهر لك الفجر. وأعلّه البيهقي في
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " نافع ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/934) .
(4) المصدر السابق (12/2711) .

(2/501)


" المعرفة " بالانقطاع. وقال ابن القطان: وشداد- أيضاً- مجهول لا
يعرف بغير رواية جعفر بن برقان.
[ص]- وقال أبو داود: شداد لم يُدرك بلالا.
قلت: هو مَعنى تعليل البيهقي بالانقطاع. واستدل صاحبُ " الهداية "
بهذا الحديث لأبي حنيفة ومحمد على عدم جواز الأذان قبل الفجر؛ فقال:
وقال أبو يوسف: وهو قول الشافعي: يحوز للفجر في النصف الأخير
من الليل، ثم قال: والحُجةُ على الكل: قوله- عليه السلام-؛
وروى هذا الحديث، ولهما ما رواه الأوزاعي- أيضاً-، عن عائشة أنها
قالت: ما كان المؤذن يؤذن حتى يطلع الفجر. أخرجه أبو الشيخ
الأصبهاني، عن وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأسود،
عنها، ومَا رواه الطبراني بإسناده إلى بلال قال: كنا لا نؤذن بصلاة الفجر
حتى نرى الفجر، وكان يضع إصبعَيه في أذنيه. والجواب عما روي في
" الصحيحين ": " إن بلال كان يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن
أم مكتوم ": أن أذانه لم يكن للصلاة؛ وإنما كان ليرجع القائم، ويتسحر
الصائم، ويقوم النائم.
517- ص- نا (1) محمد بن سلمة: نا ابن وهب، عن يحيى بن
عبد الله وسعيد بن عبد الرحمن، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة،
أن ابنَ أمِّ مَكتُوم كان مُؤذناً لرسولِ اللهِ وهو أعمى (2) .
ش- يحيى بن عبد الله: ابن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب
القرشي العدوي. روى عن: عبيد الله بن عمر العمري، ويزيد بن
عبد الله بن الهاد، وعبد الرحمن بن الحارث، وهشام بن عروة،
وغيرهم. روى عنه: الليث بن سعد، وابن وهب، وعبد الله بن صالح
كاتب الليث، وغيرهم. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب الأذان للأعمى "، وذكر في الشرح أنها نسخة.
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: جواز أذان الأعمى إذا كان معه بصير (18 /381) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6861) .

(2/502)


وسعيد بن عبد الرحمن: ابن عبد الله بن جميل القرشي الجُمحي،
أبو عبد الله المدني قاضي بغداد في عسكر المهدي زمن الرشيد. روى عن:
هشام بن عروة، وعبيد الله بن عمر العمري، وسهيل بن أبي صالح.
روى عنه: الليث بن سَعد، وعبد الله بن وهب، ومحمد بن الصباح
الدولابي، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال النسائي: لا بأس به.
مات سنة تسع وستين ومائة/. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي،
وابن ماجه (1) .
وابن أم مكتوم: اسمه: عبد الله- ويُقال: عَمرو؛ وهو الأكثر- بن
قيس بن زائدة، ويقال: زياد- بن الأصم؛ والأصم: جندب بن هرم
ابن رواحة بن حجر بن عبد بن مغيض (2) بن عامر بن لؤي، ويقال:
عمرو بن زائدة القرشيِ العامري المعروف بابن أم مكتوم، مؤذن النبي-
عليه السلام- وأم مكتوم اسمها: عاتكة بنت عبد الله بن عَنكثة بن عامر
ابن مخزوم، وهو ابن خال خديجة بنت خويلد، هاجر إلى المدينة قبل
مقدم النبي- عليه السلام- واستخلفه النبي- عليه السلام- على المدينة
ثلاث عشرة مرة، وشهد فتح القادسية وقتل شهيداً بها، وكان معه اللواء
يومئذ. روى عنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى. روى له: أبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (3) .
واستُفيد من الحديث: جواز أذان الأعمى بلا كراهة. وقالت الشافعية:
يكره أن يكون الأعمى مؤذناً وحده. وفي بعض النسخ على رأس هذا
الحديث: " باب أذان الأعمى ". والحديث أخرجه مسلم، وأبو بكر بن
أبي شيبة في " مصنفه "، وأحمد في " مسنده ".
***
__________
(1) المصدر السابق (10/2312) .
(2) كذا، وفي مصادر الترجمة: " معيص " بالعين والصاد المهملتين.
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/501) ، وأسد الغابة
(4/263) ، والإصابة (2/523) .

(2/503)


39- بَابُ: الخُرُوج منَ المَسجد بَعد الأذان
أي: هذا باب في بيان الخروج من المسجد بَعد أذان المؤَذن للصلاة.
وفي بعض النسخ: " بعد النداء " موضع " بعد الأذان "، وفي بعضها:
" باب: ما جاء في الخروج ".
518- ص- نا محمد بن كثير: أنا سفيان، عن إبراهيم بن المُهاجر، عن
أبي الشَعثاء قال: كُنَّا مع أبي هُريرةَ في المسجد قال: فخرجَ رجلٌ حينَ أذنَ
المؤذنُ بالعَصرِ (1) ، فقال أبو هُريرةَ: أمّا هَذا فقدَ عَصَى أبا القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) .
ش- سفيان: الثوري، وإبراهيم بن المُهاجر: الكوفي.
وأبو الشعثاء: سُليم بن أسود بن حنظلة المحاربي الكوفي، والد
أشعث. روى عن: عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وسلمان الفارسي،
وابن عباس، وابن عمر، وحذيفة بن اليمان، وأبي هريرة، وأبي أيوب
الأنصاريّ، وطارق بن عبد الله المحاربي، ومن التابعين: مسروق،
والأسود بن يزيد. روى عنه: ابنه: أشعث، وإبراهيم النخعي،
والحكم بن عُتَيبة، وغيرهم. قال ابن معين: كوفي ثقة. مات سنة اثنتين
وثمانين بعد الجماجم. روى له: الجماعة إلا الترمذي (3) .
قوله: " أبا القاسم " أبو القاسم هو كُنية النبي- عليه السلام-.
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. ذكر
بعضهم أن هذا موقوف، وذكر أبو عمر النمري أنه مسند عندهم، وقال:
لا يختلفون في هذا؛ وذاك أنهما مسندان مرفوعان- يعني-: هذا وقول
أبي هريرة: " ومن لم يُحب - يعني: الدعوة- فقد عصَى الله ورسوله- "
وفيه: كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة إلا لعذر
من انتفاض طهرة، أو فوات رفقة، أو كان مؤذناً في مسجد آخر ونحو ذلك.
__________
(1) في سنن أبي داود: " للعصر ".
(2) مسلم: كتاب المساجد، باب: النهي عن الخروج من المسجد (258) ، (259)
(655) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية الخروج من
المسجد بعد الأذان (204) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: التشديد في
الخروج من المسجد بعد الأذان (2/29) ، ابن ماجه: كتاب الأذان، باب:
إذا أذن وأنت في المسجد فلا تخرج (733) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2484) .

(2/504)


40- بَاب: فِي المؤذن يَنْتظرُ الإِمَامَ
أي: هذا باب في بيان المؤذن يَنْتظر الإمام بَعْد الأذان.
519- ص- نا عثمان بن أي شَيبة: نا شبابه، عن إسرائيل، عن سماك، عن جابر بن سَمُرة قال: كَان بلال يُؤَذنُ ثم يُمْهِلُ، فإذا رَأى النبي- عليه السلام- قد خَرجَ أقامَ الصلاة (1) .
ش- شَبابةُ: ابن سوار الفزاري مولاهم المدائني، أبو عَمرو، أصله من خراسان، قيل: اسمُه: مروان , وإنما غلب عليه شبابة. سمع: جرير بن عثمان، وشعْبة، والليْثَ بن سَعْد، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، لإسحاق بن راهويه، وابن مَعين، وغيرهم. وقال ابن مَعين: هو صَدُوق. وقال محمد بن سَعْد: كان ثقةَ صالح الأمر في الحديث، وكان مرجئاً وقال أبو حاتم: صدوق، يكتب حديثه ولا يحتج به. مات سنة أربع ومائتين. روى له الجماعة (2) .
وإسرائيل: ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبِيعي، وسماك: ابن حَرْب الكوفي.
قوله: " ثم يُمهل " أي: يَسْتنظرُ خروج النبي- عليه السلام-، فإذا خرج يقيم الصلاة. والحديث: أخرجه مسلم بنحوه أتم منه، وأخرجه الترمذي.
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: متى يقوم الناس للصلاة (160 / 606) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن الإمام أحق
بالإقامة (202) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12 / 2684) .

(3/5)


ويُستفاد منه مسألتان , الأولى: استحباب الفصل بين الأذان والإقامة، والثانية: استحباب أداء الحق في البَيْت، فافهم.
* * *
41- بَاب: في التَّثوِيْب
أي: هذا باب في بيان التثويب وفي بعض النسخ: " باب / ما جاء في التثويب ". وهو العَوْد إلى الإعلام بعد الإعلام، وقد ذكرناه مستوفى , ومنه " الثيب " لأن مُصِيبها عائد إليها.
520- ص- نا محمد بن كثير: أنا سفيان: نا أبو يحي القتات، عن مجاهد قال: كُنتُ مع ابنِ عُمرَ فَثَوَّبَ رجل في الظهرِ أو العَصْرِ، قال: اخرجْ بنا , فإن هذه بدْعة (1) .
ش- أبو يحي: اسمه: زاذان القتات الكوفي الكُنَاسِي صاحب القت. وقال أبو حاتم: اسمه: دينار، ويقال: يزيد، ويقال: عبد الرحمن بن دينار، وقيل: مسلم، وقيل: زَبَّان. روى عن: مجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح، وحبيب بن أبي ثابت. روى عنه: الأعمش، والثوري، وفِطْر بن خليفة، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: روى عنه: إسرائيل أحاديث كثيرة مناكير. وقال ابن معين: في حديثه ضعف، وفي رواية عثمان بن سعيد: ثقة. روى له: مسلم حديثين، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
قوله: " فثوب رجل في الظهر " معناه: أنه خرج إلى باب المسجد ونادى: الصلاة رحمكم الله.
قوله: " بدْعة " البدْعة شيء لم يكن في زمن النبي- عليه السلام-،
__________
(1) تفرد به أبو داود. (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34 / 7699) .

(3/6)


ويُقال: البدعة: كل ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السُنَّة. وقال في " الصحاح ": البدْعة: الحدثُ في الدين بعد الإكمال. انتهى من أبدعتُ الشيء اخترعته لا عن مثال " والله بديع السموات والأرض " أي: مُبْدعها لا عن أصل ومادّة. ثم التثويب في الفجر بقوله: " حي على الصلاة حي على الفلاح " مرتين بين الأذان والإقامة حسن عنْد أصْحابنا. ويقال: هو قوله: " الصلاة خير من النوم " مرتين بعد الصلاة والفلاح. وقال الشافعي، ومالك، وأحمد: لا تثويب في الفجر كما في سائر الصلوات. واستدل أصحابنا بما رواه الترمذي وابن ماجه، عن أبي إسرائيل، عن الحكم بن عُتَيْبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال قال: أمرني رسول الله- عليه السلام- أن لا أثوب في شيء من الصلوات إلا في صلاة الفجر، وبحديث آخر رواه البيهقي، عن عطاء بن السائب، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال قال: أمرني رسول الله أن لا أُثوب إلا في الفجر , والحديثاًن حجة عليهم. وأما التصويب في غير الفجر: فمكروه، لحديث ابن عمر هذا. وقال صاحب " الهداية ": والمتأخرون استحسنوه في الصلوات كلها لظهور التواني في الأمور الدينية. وقال أبو يوسف: لا أرى بأساً أن يقول المؤذن للأمير في الصلوات كلها: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة يرحمك الله، فاستبعده محمدٌ , لأن الناسَ سواسية في أمر الجماعة، وأبو يوسف خصّهم بذلك لزيادة اشتغالهم بأمور المسلمين، كيلا تفوتهم الجماعة، وعلى هذا القاضي والمُفْتِي.
* * *