شرح أبي داود
للعيني 57- بَاب: في الرجل يَؤمُّ القومَ وَهُمْ
لهُ كَارِهُونَ
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يؤم جماعة والحال أنهم
كارهون إيّاه، وفي بعض النسخ: "باب ما جاء في الرجل".
575- ص- نا القعنبي: نا عبد الله بن عمر بن غانم، عن عبد
الرحمن ابن زياد، عن عمران بن عَبْد المُعافِري، عن عبد
الله بن عَمرٍ وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانَ
يقولُ: " ثلاثة لا تقبل منهم (1) صلاة: من تَقدّم قوماً
وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دبارا- والدبارُ: أن
يأتيها بعد أن تفُوتَه- ورجل اعْتَبد مُحرّرَهُ" (2) .
ش- عبد الرحمن بن زياد: ابن أنعم الإفريقي وهو ضعيف- كما
ذكرناه. وعمران بن عَبْد المُعافري: المصْري، أبو عبد
الله. روى عن: ابن عَمرو بن العاص. روى عنه: عبد الرحمن بن
زياد. وعمران بن عبْد (3) روى له: أبو داود، وابن ماجه (4)
.
قوله: "ثلاثة " أي: ثلاثُ طوائف لا يقبل الله منهم صلاة،
وفي رواية كذا:" لا يقبل الله".
__________
(1) في سنن أبي داود: " لا يقبل الله منهم"
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من أم قوماً وهم له
كارهون (970) . (3) كذا بالتكرار.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 4495) .
7. شرح سنن أبي داوود 3
(3/97)
قوله: " منْ تقدّم قوماً " أي: أحدها: من
تقدم قوماً والحال أنهم كارهون إياه، وهذا الوعيد في حق
الرجل الذي ليس من أهل الإمامة، فيتغلب عليها حتى يكره
الناس إمامته، فأما المستحق للإمامة فاللومُ على مَنْ
كرِهَهُ.
قوله: " ورجل " أي: وثانيها: رجل أتى الصلاة دبارا فهو أن
يكون
قد اتخذه عادةَ حتى يكون حضوره الصلاة بعد فراغ الناس،
وقيل: أن يأتيها بعد ما يفوت وقتها أو يأتيها حين أدبر
وقتها.
قوله: " دبارا " نَصب على الظرفية، ويجوز أن ينتصب على
الحالية بمعنى: ورجَل أتى الصلاة حال كونها مُدبرةَ أي:
مُوليه "، بمعنى: أن يأتيها بعد توليها وذهابها. وقال في "
الصحاح": فلان يأتي الصلاة دبارا أي: بعد ما ذهب الوقتُ.
وقال ابن الأثير: وقيل: دبار جمع دبر، وهو آخر أوقات الشيء
كالأدبار في قوله تعالى:" وَأدْبَارَ السجُود " (1) ويقال:
فلان ما يَدْري قبالَ الأمر من دباره أي: ما أوله من آخره،
والمراد: أنه يأتي الصلاة حين أدبر وقتُها.
قلت: الدبار- بكسر الدال- وأما الدبار- بفتح الدال- مثل
الدمَّار، وبضم الدال: اسمُ يَوم الأربعاء، من أسمائهم
القديمة.
قوله:" ورجل اعتبد مُحرّره " أي: ثالثها. رجل اتخذ محرره
عبدا، وهو أن يعتقه ثم يكتم عتقه، أو يُنكره، أو يَعْتقله
بعد العتق فيَستخدمه كرها، أو يأخذ حرا فيدعيه عبدا
ويتملكه، وهذا الوجه قاله البعْض، ولكن فيه بُعْد، لأن
قوله:" محرره" بالإضافة يَمْنعُ هذا الوجه ويتمشى هذا
الوجه على رواية من روى " اعتبد حُرا " بدون الضمير، ويدخل
في القسم الثالث: غالب ملوك الترك في هذا الزمان، فإن منهم
من يَعْتق مملوكه، ثم يُنكر عتاقه، ومنهم من يعتقه ثم
يستخدمه كرها، وهذا كثير جدا، ومنهم من يَشْتري الغلمان
على أنهم مماليك، وهو يَعرف أنهم
__________
(1) سورة ق: (40) .
(3/98)
أحرار أولاد أحرار، وهذا الصنف كثير-
أيضاً. وقوله: " اعتبد " من باب الافتعال وهو الاعتباد
فالاعتبادُ والاستعباد والتَعْبيد كلها بمعنى واحدة وهو أن
يتخذه عبدا.
* * *
58- (1) بَاب ٌ: فِي إمامة الأعْمى
أي: هذا باب في بيان إمامة الأعمى، وفي بعض النسخ: " باب
ما
جاء في إمامة الأعمى "، الأعمى أفعلُ من عَمِي يعْمى عَما
من باب علم
يعلم، والعَمَى: ذهاب البصر.
576- ص- نا محمد بن عبد الرحمن العَنْبري أبو عبد الله: نا
ابن
مهدي: نا عمران القَطان، عن قتادة، عن أنس أن النبي- عليه
السلام- استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناسَ وهو أعْمَى (2) .
ش- ابن مَهْدي: هو عبد الرحمن بن مهدي العنبري البصري.
وعمران القطان: هو عمران بن داور أبو العوام البصري. روى
عن:
الحسن، وابن سيرين، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير. روى عنه:
ابن
مهدي، وأبو داود الطيالسي، وأبو عاصم النبيل، وغيرهم. قال
أحمد:
أرجو أن يكون صالح الحديث. وقال ابن معين: ليس بالقوي.
وقال النسائي: ضعيف، وذكره ابن حبان في " الثقات ". روى
له: الجماعة
إلا مسلما، [و] البخاري في المتابعات (3) .
قوله: / [" استخلف "] من الاستخلاف، وهو أن يجعل غيره
خلَفا [1/203-أ]
__________
(1) جاء في سنن أبي داود قبل هذا الباب: " باب إمامه البر
والفاجر": حدَثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، حدَثني
معاوية بن صالح، عن العلاء
ابن الحارث، عن مكحول، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
" الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم: بَرا كان أو فاجراَ،
وإن عمل الكبائر" فلعله غير موجود في نسخة المصنف، والله
أعلم.
(2) تفرد به أبو داود. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال
(22 / 4489) .
(3/99)
عنه. وحكى النمري أنه استخلفه رسول الله
صلى الله عليه وسلم على المدينة ثلاث عشرة مرةً: في غزوة
الأبْواء، وبُواط، وذي العُسَيْرة، وخروجه إلى ناحية
جهَيْنة في طلب كُرز بن جابر، وفي غزوة السويق، وغطفان،
وأُحُد، وحمراء الأسد، وبُحْران (1) ، وذات الرِقاع،
واستخلفه حين سار إلى بَدْر، ثم رد أبا لبابة واستخلفه
عليها، واستخلفه عُمر- أيضاً- في حجة الوداع. وذكر البغوي
أنه- عليه السلام- استخلفه يوم الخندق. ويُستفاد من الحديث
أن إمامة الأعمى جائزة بلا خلاف، ثم إنها هل تكره أم لا؟
فقال الشافعي، ومالك، وأحمد: لا تكره. وقال أصحابنا: تكره،
وعللوا بأنه لا يتوق النجاسة. وروى أبو بكر قال: نا وكيع،
عن سفيان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس
قال: كيف أؤمهم وهم يعدلوني إلى القِبْلة؟ !
ونا الفضل بن دكين، عن حسن بن أبي الحسْناء، عن زياد
النميري قال: سألت أنسا عن الأعمى يؤم فقال: ما أفقركم إلى
ذلك؟
وحدثنا زيد بن حباب، عن إسرائيل، عن مرزوق، عن سعيد بن
جبير أنه قال: الأعمى لا يؤم.
* * *
59- بَابُ: إمامة الزائر
أي: هذا باب في بيان إمامة الرجل الزائر قوماً.
577- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا أبان، عن بُديل قال: حدثني
أبو عطية مولى منَّا قال: كان مالك بن الحويرث يأتينا إلى
مُصلانا هذا، فأقيمت الصلاة فَقلنا له: تقدَّمْ فصَلهْ!
فقال لنا: قدمَوا رجلاً منكم يُصلي بكم، وسَأحدثكم لم لا
أصلي بكم، سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
يَقولُ: " مَنْ زار قوماً فلا يؤمَّهُم وليؤَمهم رجلٌ منهم
" (2) .
__________
(1) كتب فوقها " معا"، أي: بفتح الباء وضمها.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء فيمن زار قوماً لا
يصلي بهم (356) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: إمامة
الزائر (2 / 80) .
(3/100)
ش- مسلم بن إبراهيم: القصّاب، وأبان: ابن
يزيد العطار.
وبُدَيل: ابن مَيْسرة العقيلي البصري. روى عن: أنس بن
مالك، وأبي العالية البَرَّاء، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم.
روى عنه: قتادة، وشعبة، وأبان بن يزيد، وغيرهم. قال ابن
معين: ثقة وقال أبو حاتم: صدوق. مات سنة ثلاثين ومائة. روى
له: الجماعة إلا " البخاري (1) .
وأبو عطية مولى لبني عقيلٍ. روى عن: مالك بن الحويرث. روى
عنه: بديل بن مَيْسرة. قال أبو حاتم: لا يُعرف ولا يسمّى.
روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .
قوله: " فصلَّهْ " الهاء فيه هاء السكْت دون الضمير.
والحديث: أخرجه النسائي مختصرا، وأخرجه الترمذي وقال: هذا
حديث حسَن، والعملُ على هذا عند كثر أهل العلم من أصحاب
النبي- عليه السلام- وغيرهم، قالوا: صاحب المنزل أحق
بالإمامة من الزائر. وقال بعض أهل العلم: إذا أذن له فلا
بأس أن يصلي به. وقال إسحاق: لا يصلي اْحد بصاحب المنزل
وإن أذن له صاحب المنزل، قال: وكذلك في المسجد لا يصلي بهم
في المسجد إذا زارهم يقول: ليُصل بهم رجل منهم.
* * *
60- بَابُ: الإِمَام يَقُوم مكانا أَرْفعَ مِن مكان
القَوْم
أي: هذا باب في بيان الإمام يقوم في مكان اْرفع من مكان
القوم، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في الإمام يقوم مكانا
"، وانتصاب " مكانا " على الظرفية، و" أرفع " نصب على أنه
صفته.
578- ص- نا أبو مسعود الرازي أحمد بن الفُرات، وأحمد بن
سنان
- المعنى- قالا: نا يعلى: ما الأعمش، عن إبراهيم، عن همام
أن حذيفة
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4 / 648) . (2) المصدر
السابق (34 / 7517) .
(3/101)
أمّ الناسَ بالمدائن على دكان، فأخذ أبو
مسعود بقميصه فجَبَذهَ، فلما فرِغَ
من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلكَ؟ قال:
بلى، قد
ذكرتُ حين مَدَدْتني (1) .
ش- أحمد بن الفرات: ابن خالد الضبي أبو مسعود الرازي
الوراق،
أحد الأئمة الأعلام، وحفاظ الحديث، ونُقاد الأثر. سمع:
حماد بن
أسامة، ويعلى، وأبا داود الطيالسي، وغيرهم. روى عنه: أبو
داود،
وحميد بن الربيع، وعبد الله بن جعفر بن أحمد، وغيرهم. قال
أحمد
ابن حنبل: ما تحت أديم السماء أحفظ لأخبار رسول الله من
أبي مَسْعود.
وقال إبراهيم بن محمد الطيّان: سمعت أبا مسعود يقول: كتبتُ
عن ألف
وسبع مائة وخمسين رجلاً، أدخلتُ في مُصنفي ثلثمائة وعشرة
وعطلْتُ
سائر ذلك، وكتبتُ ألف ألف حديث وخمس مائة ألف حديث، فأخذت
[1/ 3.2 - ب] من ذلك ثلثمائة ألف في التفسير والأحكام
والفوائد / وغيره. توفي سنة ثمان وخمسين ومائتين بأصبهان،
وقبرُه ظاهر يُزارُ (2) .
واْحمد بن سنان: القطان الواسطي.
ويَعْلى: ابن عُبيد بن أبي أمية أبو يوسف الطنافسي الإيادي
الحنفي
الكوفي، أخو محمد وإبراهيم وعمر. سمع: يحيى بن سعيد
الأنصاري
والأعمش، والثوري، وغيرهم. روى عنه: أخوه: محمد، وأبو بكر
ابن أبي شيبة، وأحمد بن سنان، وأحمد بن الفرات، وغيرهم.
قال
أحمد بن حنبل: كان صحيح الحديث صالحا في نفسه. وقال ابن
معين:
ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق. توفي سنة تسع ومائتين. روى له:
الجماعة (3) .
وإبراهيم: النخعي، وهمام: ابن الحارث النخعي الكوفي،
وحذيفة:
ابن أليمان.
__________
(1) تفرد به أبو داود. (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال
(1 / 88) (3) المصدر السابق (32 / 7115) .
(3/102)
قوله: " بالمدائن " أي: في المدائن؛ وهي
مدينة قديمة على دجلة تحت بغداد سهما سَبْعة فراسخ، وفيها
كانت إيوان كسْرى، واسمها بالفارسية: طَيْسَفُون.
قوله: " على دكان" الدكان واحد الدكاكين وهي الحوانيت
فارسي معرب، وقيل: الدكان: الدكة المَبْنِية للجلوس عليها،
واختلف في النون فمنهم يَجْعلها أصلاً، ومنهم من يَجْعلها
زائدةً.
قوله: " أبو مسعود " هو عقبة بن عَمرو البدري.
وبهذا الحديث استدل أصحابنا أن الإمام إذا كان وحده على
الدكان يكره ذلك، لأنه يُشبه صنيع أهل الكتاب من حيث تخصيص
الإمام بالمكان، وكذا إذا كان القوم على الدكان وحدهم،
لأنه ازدراء بالإمام.
579- ص- نا أحمد بن إبراهيم: نا حجاج، عن ابن جريج: أخبرني
أبو خالد، عن عدي بن ثابت الأنصاري: حدثني رجل أنه كان مع
عمار بن ياسر بالمدائن: فأقيمت الصلاةُ فتقدّم عمّار بن
ياسر وقامَ على دُكانٍ يُصلي والناس أسفلَ منه، فتقدّمَ
حذيفةُ فأخذ على يدَيْهً فاتبعَه عمَار حتى أنزلَه حذيفة،
فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة: ألم تَسْمَعْ رسول
الله يَقولُ: " إذا أم الرجلُ القومَ فلا يَقُم في مكان
أرفعِ من مقامِهم " أو نحو ذلك؟ قال عمار: لذلك اتبعتك حين
أخذتَ علي يدي (1) .
ش- أحمد بن إبراهيم: ابن كثير بن زيد بن أفلح بن منصور بن
مزاحم العبدي أبو عبد الله المعروف بـ " الدورقي ". سمع:
أخاه: يعقوب، وابن مهدي، والحجاج، وأبا داود الطيالسي،
وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه،
وغير هم. قال أبو حاتم: صدوق. مات بالعسكر يوم السبْت لسبع
بقين من شعبان، سنة ست وأربعة ومائتين (2) .
وحجاج: ابن محمد الأعور، وعبد الملك: ابن جريج.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/ 3) ،
(3/103)
وأبو خالد: روى عن: عدي بن ثابت، روى عنه:
ابن جريج. روى له: أبو داود (1) .
قوله: " أسفل منه " منصوب على الظرفية.
قوله: " لذلك " أي: لأجل قول النبي- عليه السلام- هذه
المقالة. وفي إسناد الحديث رجل مجهول.
* * *
61- بَابُ: إمامة مَنْ صَلى (2) بقَوْم وَقد صلى تِلك
الصَّلاةَ
أي: هذا باب في بيان إمامة من صلى بقوم والحال أنه قد صلى
تلك الصلاة التي يصليها بالقوم.
580- ص- نا عُبيد الله بن عُمر بن مَيْسرة: نا يحيى بن
سعيد، عن محمد بن عجلان: نا عُبَيْد الله بن مقسم، عن جابر
بن عبد الله، أن معاذَ بن جبل كان يُصلّي مع رسول الله "
صلى الله عليه وسلم " العشاء، ثم يأتي قومَه فيُصلي بهم
تلك الصلا (3) .
ش- عبيد الله بن مقسم المديني مولى ابن أبي نمير. سمع: عبد
الله ابن عُمر، وأبا هريرة، وجابر بن عبد الله، وأبا صالح
السمان، وغيرهم. روى عنه: يحيى بن أبي كثير، وابن عجلان،
وسلمة بن دينار، وغيرهم. قال أبو زرعة: ثقة. وقال أبو
حاتم: لا بأس به. روى له: الجماعة إلا الترمذي (4) .
وبهذا الحديث استدل الشافعي على جواز اقتداء المفترض
بالمتنفل، فقال: لأن صلاة معاذ مع رسول الله هي الفريضة،
وإذا كان قد صلى فرضه كانت صلاته بقومه نافلة له، وبه قال
أحمد، والأوزاعي، وهو قول عطاء وطاوس. وقال أبو حنيفة: لا
يجوز ذلك، وهو قول
__________
(1) المصدر السابق (33 / 7339) . (2) في سنن أبي داود: "
يصلي" (3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19 / 3688) .
(3/104)
الزهري، وابن المسيب، والنخعي، وأبي قلابة،
ربيعة بن أبي عبد الرحمن،
ويحمى بن سعيد الأنصاري، والحسن البصري في رواية، ومجاهد،
ومالك بن اْنس، واستدل على ذلك بقوله- عليه السلام-: "
إنما جعل
الإمام ليُؤتم به، فلا تختلفوا علي ". قال ابن بطال: ولا
اختلاف أعظم
من اختلاف النيات، ولأنه لو جاز بناء المفترض على صلاة /
المتنفل لما [1/ 4، 2 - أ] شرعت صلاة الخوف مع كل طائفة
بعضها، وارتكاب الأعمال التي لا
تصح الصلاة معها في غير الخوف، لأنه- عليه السلام- كان
يمكنه أن
يصلي مع كل طائفة جميع صلاته، وتكون الثانية له نافلةً
وللطائفة الثانية
فريضةً.
والجواب عن حديث معاذ- رضي الله عنه- من وجوه، الأول: أن
الاحتجاج به من باب ترك الإنكار من النبي- عليه السلام-،
وشرطه:
علمهُ بالواقعة، وجاز أن لا يكون علم بها، وأنه لو علم
لأنْكر.
فإن قيل: يَبْعُد أو يمتنعُ في العادة أن لم يعلم النبي -
عليه السلام -
بذلك من عادة معاذ. قلتُ: لا يَبْعدُ ولا يمتنع ذلك، ألا
ترى إلى قوله
- عليه السلام-: " يا معاذ، لا تكن فتانا، إما أن تصلي معي
وإما أن
تخفف عن قومك "، وذلك حين أتى سُلَيم رسولَ الله فقال: إنا
نُصلي
في أعمالنا فنأتي حين نُمسي فنُصلي، فيأتي معاذ بن جبلٍ
فيُنادي بالصلاة
فنأتيه فيُطوّل علينا، فقوله - عليه السلام - هذا يدل على
أنه عند رسول
الله كان يفعل أحد الأمْرين: إما الصلاة معه أو بقومه وأنه
لم يكن يَجْمعهما، لأنه قال: إما أن تصلي معي أي: ولا تُصل
بقومك، وإما
أن تخففه بقومك أي: ولا تصل معي، ولو كان جمعه بينهما
صحيحا
لأمره بالتخفيف فقط.
الثاني: أن النية أمر باطن لا يطلع علي إلا بإخبار
الناوِي، فجاز أن
تكون نيته مع النبي- عليه السلام- الفرض، وجاز أن تكون
النفل ولم
يَرِد عن معاذ ما يدل على أحدهما، وإنما يعرف ذلك بأخباره.
(3/105)
فإن قيل: قد جاء في الحديث رواية ذكرها
الدارقطني (1) من حديث
أبي عاصم وعبد الرزاق، عن عَمرو، أخبرني جابر، أن معاذا
كان يصلي مع النبي- عليه السلام- العشاء، ثم ينصرف إلى
قومه فيصلي بهم تلك الصلاة هي لهم فريضة وله تطوع. وفي "
مسند الشافعي " بسند صحيح، عن عبد المجيد، عن ابن جريج، عن
عمرو: فيُصليها لهم، هي له تطوع ولهم مكتوبة. قال:
البيهقي: هذا حديث ثابت لا أعلم حديثاً يروى من طريق واحدة
أثبت من هذا، ولا أوثق رجالا. وكذا رواه أبو عاصم النبيل،
عبد الرزاق، عن ابن جريج بذكر هذه الزيادة. قلت: ذكر
الطحاوي أن ابن عيينة روى عن عمرو حديث جابر فلم يذكر " هي
له نافلة ولهم فريضة "، فيجور أن يكون من قول ابن جريج، أو
من قول عمرو، أو من قول جابر بناء على ظن واجتهاد لا بجزم
"، وزعم أبو البركات ابن تيمية أن الإمام أحمد ضعف هذه
الزيادة، وقال: أخشى أن لا تكون محفوظة، لأن ابن عيينة
يزيد فيها كلاما لا يقوله أحد. زاد ابن قدامة في " المغني
": وقد روى الحديث: منصور بن زاذان وشعبة فلم يقولا ما قال
سفيان. وقال ابن الجوزي: هذه الزيادة لا تصح، ولو صحت كانت
ظنا من جابر، وبنحوه ذكره ابن العربي في " العارضة ". فإن
قيل: لا يظن معاذ أنه يترك فضيلة فرضه خلف النبي- عليه
السلام- ويأتي بها مع قومه. قلت: قال ابن العربي: وفضيلة
النافلة خلفه لتأدية فريضة لقومه تقوم مقام أداء الفريضة
معه، وامتثال أمره- عليه السلام- في ثمامة قومه زيادة
طاعة، أو يحمل على أن معاذا كان يصلي مع النبي- عليه
السلام- صلاة النهار، ومع قومه صلاة الليل، فأخبر الراوي
في قوله: " فهي لهم فريضة وله نافلة، بحال معاذ في وقتين
لا في وقت واحدِ.
الثالث: أن هذا حكاية حالِ لم يُعلم كيفيتها فلا يعمل بها،
ويُستدل
__________
(1) سننه (1 / 274، 275) .
(3/106)
بما في صحيح ابن حبان: " الإمام ضامن "
يعني: يضمنها صحةً وفسادا،
والفرض ليست مضمونا في النفل. فإن قيل: إن النبي- عليه
السلام-
قال: " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " فكيف يظن
بمعاذ مع
سماع هذا، أن يصلي النافلة مع قيام المكتوبة؟ قلت: إن
مفهومه أن لا
يُصلي نافلة كير الصلاة التي تقام، لأن المحذور وقوع
الخلاف على الأئمة،
وهذا المحذور منتف مع الاتفاق في الصلاة المُقامة، ويؤيد
هذا الاتفاق من
الجمهور على جواَز اقتداء المتنفل بالمفترض، ولو تناوله
النهي لما جاز
مطلقا.
الرابع: أن هذا حديث منسوخ، قال الطحاوي: يحتمل أن يكون
ذلك وقت كانت الفريضة تصلى مرتين، فإن ذلك كان يفعل أول
الإسلام
حتى نهى عنه، ثم ذكر حديث ابن عمر /: " لا تُصفى صلاة في
يوم [1/ 4، 2 ب] مرتين "
فإن قيل: إثبات النسخ بالاحتمال لا يجور. قلت: يُسْتَدلُّ
على ذلك
بوجه حسنِ، وذلك أن إسلام معاذ متقدم، وقد صلى النبي- عليه
السلام- بعد سنين من الهجرة صلاة (1) الخوف غير مرة من وجه
وقع فيه
مخالفة ظاهرة بالأفعال المنافية للصلاة، فيُقال: لو جازت
صلاة المفترض
خلف المتنفل، لأمكن إيقاع الصلاة مرتين على وجه لا تقع فيه
المنافاة والمفسدات في غير هذه الحالة، وحيث صُليت على هذا
الوجه مع إمكان
دفع المفسدات- على تقدير جوار اقتداء المفترض بالمتنفل -
دل على أنه لا
يجور ذلك.
الخامس: قال المُهلب: يحتمل أن يكون حديث معاذ كان أول
الإسلام
وقت عدم القراء، ووقت لا عوض للقوم من معاذ، فكًانت حال
ضرورة
فلا تجعل أصلاَ يُقاسُ عليه.
581- ص- نا مُسدد: نا سفيان، عن عمرو بن دينار سمع جابر بن
__________
(1) في الأصل:" صلاف "
(3/107)
عبد الله يقول: إن معاذاً كان يُصلِّي مع
النبي- عليه السلام- ثم يرجعُ فيؤمُ قومَه (1) . ش-
الحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، ولفظ مسلم: " إن
معاذا كان يُصلي مع رسول الله عشاء الآخرة ثم يرجع إلى
قومه فيصلي بهم تلك الصلاة ". ولفظ البخاري: " فيُصلي بهم
الصلاة المكتوبة ".
* * *
62- باب: الإمام يصلي من قعود
أي: هذا باب في بيان حكم الإمام يصلي قاعدا، وفي بعض
النسخ: " باب إذا صلى الإمام قاعدا وفي بعضها: " إذا صلى
من قعود ".
582- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا، فصُرع عنه
فجُحشَ شقُّهُ الأيمنُ، فصلى صلاةً من الصلواتِ وهو قاعد
وصلينا وراءه قعوداً، فلما انصرف قال: "إنما جُعل الإمامُ
ليؤتمَّ به، فإذا صلّى قائما فصلوا قياما، وإذا ركعَ
فاركعوا، وإذا رفع فارْفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده
فقولوا: ربنا ولك الحمدُ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا
أجمعون " (2) .
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: إذا طول الإمام وكان للرجل
حاجة فخرج فصلى (701) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: القراءة
في العشاء
(178 / 465) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: القراءة في
العشاء الآخرة
بـ " سبح اسم ربك الأعلى " (2 / 172) .
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به
(687) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: ائتمام المأموم بالإمام
(482) ، الترمذي: كتاب الصلاة باب: ما جاء إذا صلى الإمام
قاعدا فصلوا قعوداَ (361) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب:
الإمام المأموم الإمام (2 / 82) ، وكتاب التطبيق، باب: ما=
(3/108)
ش- " صرع عنه " أي: سقط؛ وكذا في رواية
البخاري.
قوله: " فجُحش "- بضم الجيم وكسر الحاء المهملة وبالشين
المعجمة- من الجحش وهو مثل الخَدْش، وقيل: فوقه. وقال
الخطابي (1) : معناه: أنه قد انسحج جلْده، وقد يكون ما
أصاب رسول الله من ذلك السقوط مع الخدش رض في الأعضاء
وتوجع، فلذلك منعه القيام للصلاة.
قوله: "وهو قاعد " جملة اسميّة وقعت حالاً من الضمير الذي
في " فصلّى ".
قوله: " قعودا " حال أي: قاعدين، وهو جمع قاعد، كالسجود
جمع ساجدٍ.
قوله: " إنما جعل الإمام ليؤتم به " تمسّك به أبو حنيفة
ومالك فقالا: يأتم به في الأفعال والنيات. وعند الشافعي
وغيره: يأتم به في الأفعال " الظاهرة "
قوله: " قياما " حال أيضاً- أي: قائمين، وهو جمع قائم،
كالصيام جمع صائم.
قوله: " وإذا رفع " أي: رأسه، فارفعوا رءوسكم.
قوله: " وإذا قال: سمع الله لمنْ حمده " ما وهذا مجاز عن
الإجابة، والإجابة مجاز عن الدعاء، فصار هذا مجاز المجاز،
والهاء فيه للسكتة والاستراحة، لا للكتابة حتى لا يجوز فيه
إلا الوقف.
قوله: " ربنا ولك الحمد " انتصاب " ربنا " على أنه منادى،
وحرف النداء محذوف، فهذه الواو زائدة، وقيل: عاطفة تقديره:
ربنا حمدناك ولك الحمد. وبه استدل أبو حنيفة على أن وظيفة
الإمام: التسميع،
__________
= يقول المأموم (2 / 195) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة
والسنة فيها، باب:
ما جاء في إنما جعل الإمام ليؤتم به (1238) .
(1) معالم الحق (1 / 149) .
(3/109)
ووظيفة المقتدي: التحميد، لأنه- عليه
السلام- قسَم، والقسمة تنافي الشركة، وهو قول مالك، وأحمد
في رواية، وعند أبي يوسف ومحمد: يأتي الإمام بهما، وهو قول
الشافعي، وأحمد في رواية، والحديث حجة عليهم. وأما المؤتم:
فلا يقول إلا " ربنا لك الحمد " ليس إلا عندنا. وقال
الشافعي ومالك: يجمع بينهما، وسنَسْتوفي الكلام في هذا
الباب عند انتهائنا إلى بابه إن شاء الله تعالى.
قوله: " جلوسا " حال- أيضاً- أي: جالسين، وهو جمع جالس.
قوله: " أجمعون " تأكيد للضمير المرفوع الذي في قوله: "
فصَلوا ". والحديث أخرجه باقي الأئمة الستة، واستدلوا به
الإمام أحمد، وإسحاق ابن راهويه، وابن حزم، والأوزاعي،
ونفى من أهل الحديث: أن الإمام إذا صلى قاعدا يصليْ خلفه
قعوداً. وقال مالك، لا تجوز صلاة القادر على القيام خلف
القاعد لا قائما ولا قاعداً. وقال أبو حنيفة، والشافعي،
[1/ 5، 2 - أ] والثوري /، وأبو ثور، وجمهور السلف: لا يجوز
للقادر على القيام أن يُصلي خْلف القاعد إلا قائما. وقال
المرغيناني: النفل والفرض سواء. والجواب عن الحديث من
وجوه، الأول أنه منسوخ، وناسخه:صلاة النبي- عليه السلام-
بالناس في مرض موته قاعداً وهم قيام، وأبو بكر قائم
يُعلمهم بأفْعال صلاته، بناء على أن النبي- عليه السلام-
كان الإمامَ، وأن أبا بكر كان مأموما في تلك الصلاة.
فإن قيل: كيف وجه هذا النَسْخ، وقد وقع في ذلك خلاف، وذلك
أن هذا الحديث الناسخ وهو حديث عائشة فيه أنه كان -عليه
السلام إماما وأبو بكر مأموم، وقد ورد فيه العكس كما أخرجه
الترمذي والنَسائي عن نُعيم بن أبي هند، عن أبي وائل، عن
مَسْروق، عن عائشة قالت: " صلى رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم في مرضه الذي توفي فيه خلف أبي بكر قاعدا ". وقال
الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرج النسائي- أيضاً-، عن حُميد،
عن أنسٍ قال: آخر صلاة صلاها رسول الله مع القوم صلى في
(3/110)
ثوب واحد متوشحا خلف أبي بكر؟ قلت: مثل هذا
ما يُعارضُ مَا وقع في " الصحيح " مع أن العلماء جمعوا
بيْنهما، فقال البيهقي في " المعرفة ": ولا تعارض بين
الخبَريْن، فإن الصلاة التي كان فيها النبي- عليه السلام-
إماما هي صلاة الظهر يوم السَّبْت أو الأحد، والتي كان
فيها مأموما هي صلاة الصبح من يوم الاثنين، وهي آخر صلاة
صلاها- عليه السلام- حتى خرج من الدنيا. قال: وهذا لا
يُخالفُ ما ثبت عن الزهري عن أنس في صلاتهم يوم الاثنين،
وكشفه- عليه السلام- الستر ثم إرخائه، فإن ذلك إنما كان في
الركعة الأولى، ثم إنه- عليه السلام- وجد في نفسه خفةً،
فخرج فأدرك معه الركعة الثانية. وقال القاضي عياض: نسخْ
إمامة القاعد محتملة بقوله- عليه السلام-: " لا يؤمن اْحد
بَعْدي جالسا " وبفعل الخلفاء بعده، وأنه لم يؤم اْحد منهم
قاعدا، وإن كان النسخ لا يمكن بعد النبي- عليه السلام-
فمثابرتهم على ذلك تشهد بصحة نهيه- عليه السلام- عن إمامة
القاعد بعده.
قلت: هذا الحديث أخرجه الدارقطني، ثم البيهقي في ما
سننهما، عن جابر الجُعفي، عن الشعبي، وقال الدارقطني: لم
يَرْوه عن الشعبي غير جابر الجُعْفي، وهو متروك، والحديث
مُرْسل لا تقوم به حجة. وقال عبد الحق في " أحكامه ":
ورواه عن الجُعْفي: مجالد، وهو- أيضاً- ضعيف.
الثاني: أنه كان مخصوصا بالنبي- عليه السلام-. وفيه نظر،
لأن الأصل عدم التخصيص حتى يدلّ علي دليل- كما عرف في
الأصول. الثالث: يُحمل قوله: " فإذا صلى جالسا فصلّوا
جلوسا " على أنه إذا كان الإمام في حالة الجلوس فاجْلسوا
ولا تخالفوه بالقيام، وكذلك " إذا صلى قائما فصّلوا قياما
" أي: إذا كان في حالة القيام فقوموا ولا تخالفوه بالقعود،
وكذلك في قوله: " فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا ".
ولقائل أن يقول: لا يَقْوى الاحتجاج على أحمد بحديث عائشة
المذكور أنه- عليه السلام- صلى جالسا والناس خلفه قيام، بل
ولا يصلح لأنه
(3/111)
يجوز صلاة القائم خلف من شرع في صلاته
قائما ثم قعد لعُذر، ويجعلون هذا منه سيّما وقد ورد في بعض
طرق الحديث أن النبي- عليه السلام- أخذ في القراءة من حيث
انتهى إليه أبو بكر، رواه الدارقطني في
" سننه " وأحمد في " مسنده "
فإن قيل: قال ابن القطان في كتابه " الوهم والإيهام ": وهي
رواية
مُرْسلة، فإنها ليست من رواية ابن عباس عن النبي- عليه
السلام-،
وإنما رواها ابن عباس، عن أبيه: العباس، عن النبي- عليه
السلام-،
كذلك رواه البزار في " مسنده " بسند فيه قيس بن الربيع،
وهو ضعيف،
ثم ذكر له مثالب في دينه قال: وكان ابن عباس كثيرا ما
يُرْسل. قلت:
رواه ابن ماجه من غير طريق قيس، فقال: حدَّثنا علي بن
محمد: ثنا
وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأرقم بن شرحبيل، عن
ابن عباس قال: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فذكره إلى أن قال: قال ابن
عباس: وأخذ رسول الله في القراءة من حيث كان بلغ أبو بكر-
رضي [1/ 5،2 - ب] الله عنه- /.
وقال الخطابي (1) : وذكر أبو داود هذا الحديث من رواية
جابر،
وأبي هريرة، وعائشة، ولم يذكر صلاة رسول الله- عليه
السلام- آخر
ما صلاها بالناس وهو قاعد والناس خلفه قيام وهذا آخر
الأمرين من
فعله- عليه السلام-. ومن عادة أبي داود فيما أنشأه من
أبواب هذا الكتاب: أن يذكر الحديث في بابه ويذكر الذي
يُعارضُه في باب آخر على
إثْره، ولم أجده في شيء من النُّسَخ، فلستُ ادْري كيف
أغفلَ ذكر هذه
القصّة وهي من أمهات السنن؟ وإليه ذهب كثر الفقهاء.
قلت: إما تركها سَهْواً وغفلةً، أو كان رأيه في هذا الحكم
مثل ما
ذهب إليه الإمام أحمدُ، فلذلك لم يذكر ما يَنْقضه، والله
أعلم.
583- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير ووكيع، عن الأعمش،
عن
__________
(1) معالم الحق (1 / 148) .
(3/112)
أبي سفيان، عن جابر قال: ركب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فرسا بالمدينة فصرَعه على جذْم نخلة
فانفكّت قدمُه، فأتيناه نَعُوده فوجدناه في مَشْرُبَة
لعائشةَ يُسبح جالسا، قًال: فقمنا خَلفه فسكت عنّا، ثم
أتَيْناه مرةً أخرى نعُوده فصلى المكتوبة جالسا فقمنا
خلفه، فأشار إلينا فقعدنا قال: فلما قضى الصلاةَ قال: "
إذا صلى الإمامُ جالسا فصلوا جلوسا، " إذا صلى الإمام
قائما فصَلوا قياما، ولا تفعلوا كما يفعلُ أهلُ فارسٍ
بُعظمائها " (1) .
ش- جرير: ابن عبد الحميد.
وأبو سفيان: اسمه: طلحة بن نافع القرشي مولاهم الواسطي
ويقال: المكي. روى عن: عبد الله بن عباس، وابن عُمر، وجابر
بن عبد الله، وأنس بن مالك، والحسن البصري، وعُبيد بن
عُمير. روى عنه: الأعمش، وأبو خالد الدالاني، وحجاج بن
أرطاة، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: ليس به بأس. وقال ابن
عدي: لا بأس به. روى له: الجماعة إلا البخاريّ (2) .
وجابر: ابن عبد الله.
قوله: "على جِذم نخلة "- بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة-
أي: أصل نخلةٍ، وجذْم كل شيء: أصله.
قوله: " في مَشْرُبة "- بفتح الميم، وسكون الشين المعجمة،
وفتح الراء وضمها- وهي الغرفة، وقيل: كالجرانة فيها الطعام
والشراب، وبه سفيت مشربةً، والميم فيها زائدة.
قوله: " يُسبّح جالسا " أي: يصلي بصلاة الضحى حال كونه
جالساً قوله: " بُعظماها " العُظماء: جمع عظيم، كالكرماء
جمع كريم
__________
(1) ابن ماجه: كتاب الطب، باب: موضع الحجامة (3485)
مختصراً
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13 / 2983) .
8. شرح سنن أبي داوود 3
(3/113)
فإن قيل: كيف سكت النبي- عليه السلام- في
الحالة الأولى، وأشار إليهم بالقعود في الحالة الثانية؟
قلت: لأن الحالة الأولى كان النبي - عليه السلام- فيها
متطوعا، والتطوعات يحتمل فيها ما لا يحتمل في الفرائض "،
بخلاف الحالة الثانية فإنه كان فيها مفترضا، وقد صرح بذلك.
والحديث: أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ثم قال: وفي هذا
الخبر دليل على أن ما في حديث حميد، عن أنس أنه صلى بهم
قاعدا وهم قيام أنه إنما كانت تلك الصلاة سبحة، فلما حضرت
الفريضة أمرهم بالجلوس فجلسوا، فكان أمر فريضة لا فضيلة.
584- ص- نا سليمان بن حرب، ومسلم بن إبراهيم- المعنى- عن
وهيب، عن مُصْعب بن محمد، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال:
قال النبي- عليه السلام-: " إنما جعل الإمام ليؤتم به،
فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا
ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا:
اللهم ربنا لك الحمد "- قال مسلم: " ولك الحمد "- " وإذا
سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يَسْجد، وإذا صلى قائما فصلوا
قياما، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون (1) " (2) . ش-
وُهَيْب: ابن خالد البصري.
ومصعب بن محمد: ابن شرحبيل بن محمد بن عبد الرحمن بن
شرحبيل بن أبي عزيز القرشي العَبْدري، من بني عبد الدار بن
قصي. روى عن: أبي صالح، ونافع بن مالك. روى عنه: محمد بن
عجلان، والثوري، ووُهَيب، وابن عيينة. قال أحمد: لا أعلم
إلا
__________
(1) في الأصل: " أجمعين "، وقد ذكرها في شرحه " أجمعون "،
وفي كلامه ما يشعر بأنها سبق قلم، والله أعلم.
(2) تفرد به أبو داود.
(3/114)
خيرا. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم:
يكتب حديثه ولا يحتج
به. روى له: أبو داود، وابن ماجه (1) .
وأبو صالح: ذكوان الزيات.
قوله: " فكبروا " وبه استدل أبو حنيفة على أن المقتدي يكبر
مقارنا لتكبير
الإمام، لا يتقدم الإمام ولا يتأخر عنه، لأن الفاء للحال.
وقال
أبو يوسف، ومحمد: الأفضل: أن يكبر بعد فراغ " الإمام من
التكبير / لأن [1/ 6، 2 - أ] ، الفاء للتعقيب، وإن كبر
مقارنا مع الإمام أجزأه عند محمد روايةً واحدةً،
وقد أساء، وكذلك في أصح الروايتين عن أبي يوسف. وفي
روايةٍ: لا
يصير شارعا ثم ينبغي أن يكون اقترانهما في التكبير على
قوله كاقتران حركة
الخاتم والإصبع، والبعدية على قولهما أن يُوصل ألف " الله
" براء
" أكبر ". وقال شيخ الإسلام جواهر زاده: قول أبي حنيفة
أدقُّ وأجودُ،
وقولهما أرفقُ وأحوطُ، ثم قيل: الخلاف في الجواز والفتوى
أنه في الأفضلية. وقول الشافعي كقولهما، وعند الماورديّ:
إن شرع في تكبيرة
الإحرام قبل فراغ الإمام منها، دم تنعقد صلاته، ويركع بعد
شروع الإمام
في الركوع، فإن قارنه أو سابقه فقد أساء ولا تبطل صلاته،
فإن سلم
قبل إمامه بطلت صلاته، إلا أن ينوي المفارقة ففيه خلاف
مشهور.
قوله: " وإذا ركع فاركعوا " الفاء فيه وفي قوله: " فاسجدوا
" تدل
على التعقيب، وتدل على أن المقتدي لا يجوز له أن يسبق
الإمام بالركوع والسجود، حتى إذا سبق الإمام فيهما ولم
يلحقه الإمام فسدت صلاته.
قوله: " قال مسلم " أي: مسلم بن إبراهيم القصاب أحد شيوخ
أبي داود.
قوله: " أجمعون " تأكيد للضمير الذي في " فصلوا "، وفي بعض
النسخ،" أجمعين "، فإن كان صحيحا فوجهه أن يكون تأكيداً
لقوله:
" قعودا ".
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال له (28/ 5989) .
(3/115)
ص- قال أبو داود: اللهم ربنا لك الحمد.
أفهمني بعض أصحابنا عن سليمان.
ش- أي: بدون حرف الواو. وسليمان: هو ابن حرب، اْحد شيوخ
أبي داود.
585- ص- نا محمد بن اَدم: نا أبو خالد، عن ابن عجلان، عن
زبد ابن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه
السلام- قال: " إنما جُعِل الإمامُ ليؤتم به " بهذا الخبر،
زادَ: " وإذا قرأ فأنصتوا " (1) . ش- محمد بن آدم: ابن
سليمان المصيصي.
وأبو خالد هذا: هو سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر الجعفري
الكوفي الأزدي، ولد بجرجان. سمع: يحيى الأنصاري، وسليمان
التيمي، والأعمش، ومحمد بن عجلان، وغيرهم. روى عنه: أحمد
ابن حنبل، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، وغيرهم. قال ابن
معين: ليس به بأس، وقال- أيضاً-: ثقة. وقال أبو حاتم:
صدوق. توفي سنة سبعين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وزيْد بن أسلم: مولى عمر بن الخطاب.
قوله: " بهذا الخبر" أي: الخبر المذكور المرويّ من طريق
مُصعب، عن أبي صالح، وزاد أبو خالد في هذا الطريق المروي
من " طريق " زيد بن أسلم عن أبي صالح: " وإذا قرأ " أي:
الإمام " فأنْصِتوا ". وبهذا استدل أصحابنا أن المقتدي لا
يقرأ خلْف الإمام أصلاً، وهو حجة على الشافعي، حيث يُوجب
القراءة على المقتدي في جميع الصلوات، وعلى مالك في الظهر
والعصر
__________
(1) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: تأويل قوله عَر وجَل:
{وإذا قرىْ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} (2 /
141) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إذا قرأ الإمام
فأنصتوا (846) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11 / 2504) .
(3/116)
وقال صاحب " الهداية ": يستحسن على سبيل
الاحتياط، فيما يروى
عن محمد، ويكره عندهما لما فيه من الوعيد.
قلت: المراد منه في غير الجهرية. وفي الجهرية اختلف
المشايخ قال
بعضهم: لا يكره، وإليه مال الشيخ الإمام أبو حفص، والأصح:
أنه
يكره، وقال شمس الأئمة السرخسي: تفسد صلاته. وقوله:، " لما
فيه
من الوعيد " وهو ما رواه أبو بكر (1) : حدثنا محمد بن
سليمان الأصبهاني، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن ابن أبي
ليلى، عن
عليّ قال: من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة.
وحدَّثنا وكيع، عن داود بن قيس، عن أبي نجاد، عن سَعْدٍ
قال:
وددتُ أن الذي يَقرأ خلف الإمام في فيه جمرة.
وحدثنا هشيم قال: أنا إسماعيل بن أبي خالد، عن وَبْرة، عن
الأسود بن يزيد أنه قال: وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام
مُلِئَ فُوه ترابا. وسَنَسْتوفي الكلام عند انتهائنا إلى
باب " من ترك القراءة في صلاته " إن
شاء الله تعالى. والحديث: رواه النسائي، وابن ماجه، وابن
أبي شيبة
في " مصنفه ".
ص- وهذه الزيادة: " إذا قرأ فأنصتوا " ليْست بمحفوظة،
الوهمُ من
أبى خالد عندنا.
ش- " هذه ": مبتدأ، و " الزيادة ": مبتدأ ثان، وخبره: "
ليْست بمحفوظة "، والجملة خبر المبتدأ الأول.
وقوله: " إذا قرأ فأنصتوا " في محل البيان عن الزيادة.
وقوله: " الوهمُ " مبتدأ، وخبره: قوله: " من أبي خالد "،
وفي
غالب / النسخ: " الوهم عندنا من أبي خالد " (2) ، وكذا قال
البيهقي [1 / 206 - ب]
__________
(1) انظره والآثار التي بعده في المصنف (1 / 376- وما
بعدها) .
(2) كما في سنن أبي داود.
(3/117)
في " المعرفة " بعد أن روى حديث أبي هريرة
وأبي موسى وقد أجمع الحُفاظ على خطإ هذه اللفظة في الحديث:
أبو داود، وأبو حاتم، وابن معين، والحاكم، والدارقطني
وقالوا: إنها ليست بمحفوظة، وقال الدارقطني: وقد رواه
أصحاب قتادة الحُفّاظ عنه، منهم: هشام الدستوائي، وسعيد،
وشعبة، وهمام، وأبو عوانة، وأبان، وعَدي بن أبي عمارة، ولم
يَقل أحد منهم: " وإذا قراْ فأنصتوا "، قال: وإجماعهم يدل
على وهمه، وعن أبي حاتم: ليست هذه الكلمة محفوظة، إنما هي
من تخاليط ابن عجلان، وعن ابن معين في حديث ابن عجلان: "
وإذا قرأ فأنصتوا ": ليس بشيء.
قلت: في هذا كله نظر، لأن أبا خالد هذا من الثقات الذين
احتج البخاري ومسلم بحديثهم في " صحيحيهما "، ومع هذا فلم
ينفرد بهذه الزيادة، فقد أخرج النسائي هذا الحديث في "
سننه " بهذه الزيادة من طريق محمد بن سَعد الأنصاريّ، ومن
طريق أبي خالد الأحمر ومحمد ابن سَعْد: ثقة، وَثقه يحيى بن
مَعين، ومحمد بن عبد الله المخرمي والنسائي، فقد تابع ابنُ
سَعْد هذا أبا خالد، وتابعه- أيضا إسماعيلُ ابن أبان،
وبهذا ظهر أن الوهم ليس من أبي خالد كما زعم أبو داود،
وابن خزيمة صحح حديث ابن عجلان، ويؤكد هذا: ما يُوجد في
بعض نسخ مسلم هذه الزيادة عقيب هذا الحديث. وقال أبو إسحاق
صاحب مُسلم: قال أبو بكر ابن أخت أبي النضر في هذا الحديث:
أي طعن فيه؟ فقال مسلم: تريد احفظ من سليمان؟ " فقال له
أبو بكر: فحديث أبي هريرة تقول هذا صحيح؟ يعني: " وإذا قرأ
فأنصتوا لا فقال: هو عندي صحيح، فقال: لمَ لمْ تضعه هاهنا؟
قال: ليْس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، إَنما وضعت هاهنا
ما أجمعوا عليه. فقد صحح مسلم هذه الزيادة من حديث أبي
موسى الأشعري، ومن حديث أبي هريرة- رضي الله عنهما. وأيضا
هذه الزيادة من ثقة، وزيادة الثقة مقبولة، والعجب من أبي
داود نسَب الوهم إلى أبي خالد وهو ثقة بلا شك، ولم يَنْسب
إلى ابن عجلان وفيه كلام.
(3/118)
586- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن
عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي- عليه السلام- أنها
قالت: صلّى رسول الله [صلى الله] عليه وسلم في بَيْته وهو
جالس فصلى وراءه قوم قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما
انصرف قال: " إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع
فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صَلى جالسا فصَلّوا جلوسا
" (1) .
ش- " أن اجلسوا " أن تفسيريّة كما في قوله تعالى:
{فَأوْحَيْنَا إِلَيْهِ أنِ اصْنَع الفُلكَ} (2) . وجواب
هذا الحديث: ما مر في حديث أنس وجابر- رضي الله عنهم-.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم. 587- ص- نا قتيبة بن سعيد،
ويزيد بن خالد بن موهب المعنى أن الليث حدثهم عن أبي
الزبير، عن جابر قال: اشتكى النبي- عليه السلام- فصلينا
وراءه وهو قاعد وأبو بكر يُكبر يُسْمع (3) الناس تكبيره،
ثم ساق الحديث (4) .
ش- الليث: ابن سَعْد، وأبو الزُّبير: محمد بن مسلم بن تدرس
المكي الأسدي.
قوله: ما اشتكى النبي- عليه السلام- لما أي: مَرِضَ، من
الشكْو وهو المَرضُ، تقول منه: شكى يشكو واشتكى شكايةً
وشكاوة وشكوَى
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به
(688) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الإمام المأموم بالإمام
(82 / 412) .
(2) سورة المؤمنون: (27) ، وفي الأصل: " وأوحينا ".
(3) في سنن أبي داود: " ليسمع ".
(4) النسائي: كتاب السهو، باب: الرخصة في الالتفات في
الصلاة يمينا وشمالا، (3/ 8) ، ابن ماجه: كتاب إقامة
الصلاة، باب: ما جاء في إنما جعل الإمام ليؤتم به (1240) .
(3/119)
وشكوى. قال أبو علي: والتنوين رَديء جدا.
وقال ابن دريد: الشكوُ
مصدر شكوتُه.
قوله: " ثم ساق الحديث " وتمامُه في " صحيح مسلم ": "
فالتفتَ إلينا
صلى الله عليه وسلم فرآنا قياما، فأشار إلينا فقعدنا،
فصلينا بصلاته قعودا، فلما سلم
قال: " إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارسَ والروم " يقومون على
ملوكهم
وهم قعود فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم، إن صَلّوا قياما
فصلوا قياما، وإن
صلوا قعوداً فصلّوا قعودا ". وأخرجه النسائي، وابن ماجه.
588 - ص- نا عَبْدة بن عبد الله: نا زيد- يعني: ابن
الحُباب، عن
محمد بن صالح: حدَثني حُصَين من ولد سَعْد بن معاذ، عن
أسَيْد بن
[1/ 207 - أ] ، حُضَير / أنه كان يَؤُمهِم قال: فجاء رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم يَعُوده فقال (1) : يا رسولَ
الله، إن إمامنا مريض فقال: " إذا صلى قاعداً فصلوا قعُودا
" (2) .
ش- عَبْدَة بن عبد الله: ابن عبْدة الصفار الخزاعي أبو سهل
البصري،
أصله كوفي. روى عن: معاوية بن هشام، ومحمد بن بشر العبْدي،
وعبد الصمد بن عبد الوارث، وغيرهم. روى عنه: البخاريّ،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. قال
أبو حاتم:
صدوق. مات سنة ثمان وخمسة ومائتين بالأهْواز (3) .
وزيد: ابن الحُباب بن الريان الكوفي.
ومحمد بن صالح: ابن دينار التمار المدني، أبو عبد الله،
رأى ابن
المسيّب. وروى عن: ابن شهاب، وعمر بن عبد العزيز، وحميد بن
نافع، وغير. روى عنه: عبد الله بن نافع الصائغ، وأبو عامر
العقدي، والقعنبي، وغيرهم. قال أبو حاتم: شيخ ليس بالقوي
ولا
يعجبني حديثه. وقال أحمد: ثقة ثقة. روى له: أبو داود،
والترمذي،
وابن ماجه (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقالوا ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 / 3616) .
(4) المصدر السابق (25 / 5293) .
(3/120)
وحُصَيْن: ابن عبد الرحمن بن [عمرو بن]
سَعْد بن معاذ بن النعمان الأنصاري الأشهلي المدني. روى
عن: محمود بن عَمرو، وعبد الرحمن ابن ثابت، ومحمود (1) بن
لبيد. روى عنه: محمد بن إسحاق، وعتبة بن جُبيرة المدني.
وقال ابن سَعْد: ويكنى أبا محمد، وكان قليل الحديث. توفي
سنة ست وعشرين ومائة (2) .
وهذا الحديث وأمثاله كما قلنا منسوخ، لأن آخر ما صلى عليه
السلام صلى قاعداً والناس خلفه قيام، وإنما يؤخذ بالآخر
فالآخر من فعله عليه السلام، قاله الحُميدي. وابن حبان لم
يَر بالنسخ، فإنه قال بعد أن روى حديث عائشة المذكور: وفي
هذا الخبر بيان واضح أن الإمام إذا صلى قاعداً كان على
المأمومين أن يصلوا قعوداً، وأفتى به من الصحابة: جابر ابن
عبد الله، وأبو هريرة، وأسيد بن حُضير، وقيْس بن قَهْد،
ولم يُرْو عن غيرهم من الصحابة خلاف هذا بإسْناد متصل ولا
منقطع فكان إجماعا، والإجماعُ عندنا إجماع الصحابة، وقد
أفتى به من التابعين: جابرُ بن زيد، ولم يُرْو عن غيره من
التابعين خلافه بإسناد صحيح ولا وَاه، فكان إجماعا من
التابعين- أيضاً وأولُ من أبطل ذلك في الأمة: المُغًيرة بن
مقسم، وأخذ عنه: حماد بن أبي سليمان، ثم أخذه عن حماد: أبو
حنيفة، ثم عنه: أصحابه، وأعلى حديث احتجوا به: حديث رواه
جابر الجُعْفي، عن الشعبي قال عليه السلام: " لا يؤمن أحد
بعدي جالسا "؛ وهذا لو صح إسناده لكان مُرْسلاً، والمُرسل
عندنا وما لم يُرْو سيان، لأنا لو قبلنا إرسال تابعي وإن
كان ثقةً للزمنا قبول مثله عن أتباع التابعين، وإذا قبلنا
لزِمَنا قبوله من أتباع أتْباع (3) التابعين، ويؤدي ذلك
إلى أن نقبل من كل أحد إذا قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم وفي هذا نقض الشريعة. والعجب أن أبا حنيفة
يَجْرحُ جابرا الجُعفي ويكذبه، ثم لما اضطره الأمرُ جعل
يحتج بحديثه، وذلك كما أخبرنا به الحُسن بن
(1) في الأصل:" محمد " خطأ.
(2) المصدر السابق (6 / 1357)
(3) كتب فوقها:" صح "
(3/121)
عبد الله بن يزيد القطان بالرقة: ثنا أحمد
بن أبي الحوراء: سمعت
أبا يحيى الحُماني: سمعت أبا حنيفة يقولُ: ما رأيْتُ فيمن
لقيتُ أفضل
من عطاء، ولا لقيتُ فيمن لقيت كذبَ من جابر الجُعْفي، ما
أتيته بشيءٍ
من رأى قط إلا جاءني فيه بحديثٍ.
قلتُ: أما إنكاره النسخ: فليس له وَجْه، وقد ذكرنا وجهه
مستوفى.
وأما قوله: " أفتى به من الصحابة، جابر وغيره "، فقد قال
الشافعي:
إنهم لم يبلغهم النسخ، وعِلمُ الخاصة يُوجد عند بَعْضٍ
ويَغرب عن بعْضٍ.
انتهى، وكذا مَنْ أفتى به من التابعين لم يبلغه خبر النسخ،
وأفتى بظاهر
الحديث المنسوخ، وأما قوله: " والإجماع عندنا إجماع
الصحابة، فغير
مُسلم، لأن الأدلة غير فارقة بين أهل عصرٍ، بل هي تتناول
لأهل كل
عصرٍ كتناولها لأفل عصر الصحابة، إذ لو كانت خطابا
للموجودين وقت
النزول فقط يلزم أن لا ينعقد إجماع الصحابة بعد مَوْت من
كان موجودا
وقت النزول، لأنه ح (1) لا يكون إجماعهم إجماع جميع
المخاطبين وقت
النزول، ويلزم أن لا يعتد بخلاف من أسْلم، أو ولد من
الصحابة بعد
[1/ 207 - ب] النزول، لكونهم خارجين عن الخطاب، / وقد
اتفقتم معنا على إجماع هؤلاء فلا يختص بالمخاطبين، والخطاب
لا يختص بالموجودين كالخطاب
بسائر التكاليف. وهذا الذي قاله ابن حبان هو مذهب داود
وأتباعه.
وأما قوله: " والمرسل عندنا وما لم يُرْو سيان، إلى آخره
فغير مُسلم
- أيضا لأن إرسال العدل من الأئمة تعديل له، إذ لو كان غير
عدل
لوجب علي التنبيه على جرْحه، والإخبار عن حاله، فالسكوت
بعد
الرواية عنه يكون تلبيسا أو تحميلاً للناس على العمل بما
ليس بحجة،
والعدل لا يتهم بمثل ذلك، فيكون إرساله توثيقا له، لأنه
يحتمل أنه كان
مشهورا عنده فروي عنه بناء على ظاهر حاله، وفوض تعريف حاله
إلى
السامع حيث ذكر اسمه، وقد استدل بعض أصحابنا لقبول المرسل
باتفاق
-------------------
(1) أي: " حينئذ ".
(3/122)
الصحابة، فإنهم اتفقوا على قبول روايات ابن
عباس- رضي الله عنه- مع أنه لم يسمع من النبي- عليه
السلام- إلا أربع أحاديث لصغر سنه - كما ذكره الغزالي- أو
بضع عشر حديثاً- كما ذكره شمس الأئمة السرخسي. وقال ابن
سيرين: ما كنا نُسند الحديث إلى أن وقعت الفتنة. وقال
بعضهم: ردّ المراسيل بدعة حادثة بعد المائتين، والشعبي
والنخعي من أهل الكوفة وأبو العالية والحسن من أهل البصرة
ومكحول من أهل الشام كانوا يُرْسلون ولا يظن إلا الصدق،
فدل على كون المرسل حجة، نعم وقع الاختلاف في مراسيل من
دون القرن الثاني والثالث، فعند أبي الحسن الكرخي: نقبل
إرسال كل عدل في كل عصر، لأن العلة الموجبة لقبول المراسيل
في القرون الثلاثة وهي العدالة والضبط يَشمل سائر القرون،
فبهذا التقرير انتقض قوله: " وفي هذا نقض الشريعة ".
وأما قوله: " والعجب من أبي حنيفة " إلى آخره، فكلائم فيه
مجرد تشنيع بدون دليل جلي، فإن أبا حنيفة من اْين احتج
بحديث جابر الجُعْفي في كونه ناسخا ومَنْ نقلَ هذا من
الثقات عن أبي حنيفة حتى يكون مُتناقضاً في قوله وفعله؟ بل
احتج أبو حنيفة في نسخ هذا الباب بمثل ما احتج به غيره
كالشافعي والثوري وأبي ثور وجمهور السلف- كما مر مستوفى.
ص- قال أبو داود: هذا الحديث ليس بمتصل.
ش- أي: حديث حُصَين، لأنه يَرْوى عن التابعين، لا يحفظ له
رواية عن الصحابة، سيما أسيد بن حضير، فإنه قديم الوفاة،
توفي سنة عشرين، وقيل: سنة إحدى وعشرين- كما ذكرناه- وحصين
هذا توفي سنة ست وعشرين ومائة- كما ذكرناه.
***
63- بَابُ الرَّجُلَيْن يَؤمُّ أحدُهما صاحبه كَيْفَ
يقومانِ؟
أي: هذا باب في بيان الرجلة يؤم أحدهما صاحبَه كيف يقومان؟
(3/123)
وفي بعض النسخ: " يؤم أحدهما الآخر "، وفي
بعضها: " باب ما جاء في الرجلين ".
589- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد: أنا ثابت، عن أنس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم حَرام فأتوه
بسَمْن وتمر فقالَ: " رُدّوا هذا في وعائه وهذا في سقائه
فإني صائمٌ "، ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعا، فقامت أم
سُليم وأم حرام خلفنا. قال ثابت: ولا أعلمه إلا قال:
أقامني عن يمينه على بساط؟ (1) .
ش- حماد: ابن سلمي، وثابت: البناني.
وأم حرام أخت أم سليم بنت ملحان، ويقال: اسمها: الغُميصاء.
وقال أبو عمر النمري: لا أقف لها على اسم صحيح. وفي "
الكمال ": اسم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن
جندب بن عامر بن غنم ابن مالك بن النجار، يقال: اسمها:
الرميصاء، ويُقال: الغُميصاء. روى عنها: اْنس بن مالك،
وعطاء بن يَسار، ويعلى بن شداد. روى لها: البخاري، ومسلم،
وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وأم سليم بنت ملحان المذكور [ة] وهي أم أنس بن مالك،
اسمها: سُهَيْلة، وقد ذكرناها، ويقال اسم ملحان: مالك.
قوله: " هذا في وعائه" أي: ردوا التمر في ظرفه.
قوله: " وهذا في سقائه " أي: ردوا السمن في سقائه، السقاء-
بكسر السين- ظرف من الجلد يجعل فيه الماء واللبن ونحوهما
والجمع: أسقية. قوله: " قال ثابت " أي: ثابت البناني، "
ولا أعلمه " أي: ولا أعلم أنساً " إلا قال: أقامني رسول
الله عن يمينه على بساط ".
{1/ 208 - أ] ويُستفاد من / الحديث فوائد، الأولى: جواز
دخول الرجل في بَيْت صاحبه ومَن بَيْنه وبينه انْبساط.
--------------------------
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35 / 7962) .
(3/124)
الثانيةُ: استحباب تقديم الطعام لمنْ ينزل
عنده.
الثالثة: جواز ترك الإفطار إذا كان صائماً، إلا إذا كان
مَدْعوا فح (1) الإفطار أفضل.
الرابعة: جواز الجماعة في التطوع.
الخامسة: أن السُّنَّة فيمن يُصفي إماماً للرجال والنساء
يجعل النساء وراء الرجال، فإن كان الرجل وأحداً يُوقفُه
على يمينه متساوياً، فإن كان اثنان غير، يتقدم عليهما كما
يجيء إن شاء الله تعالى.
590- ص- نا حَفْصُ بن عمر: نا شعبة، عن عبد الله بن
المختار، عن موسى بن أنس يُحدث عن أنس أن رسولَ الله- عليه
السلام- أمه وامرأةً منهم فجعله عن يمينه والمرأة خلفً ذلك
(2) .
ش- حفص بن عمر: النمري البصري.
وعبد الله بن المختار: البصري. روى عن: موسى بن أنس،
والحسن البصري، وابن سيرين، وغيرهم. روى عنه: شعبة وغيره.
قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. روى له:
مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وموسى بن أنس: ابن مالك الأنصاري قاضي البصرة، سمع: أباه.
روى عنه: حميد الطويل، ومكحول، وابن عون، وشعبة، وغيرهم.
قال ابن سعد: كانت أقه من أهل اليمن، وكان ثقة قليل
الحديث. روى له: الجماعة (4) .
-------------------------
(1) أي: فحينئذ.
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز الجماعة
في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من
الطاهرات (269 / 660) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: موقف
الإمام إذا كان معه صبي وامرأة
(2 / 86) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الاثنان
جماعة (975) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16 / 3556) .
(4) المصدر السابق (29 / 6237) .
(3/125)
قوله: " وامرأةً " عطف على الضمير المنصوب
في " أمه ".
قوله: " والمرأةَ " أي: جعل المرأةَ خلف ذلك. وأخرجه مسلم،
والنسائي، وابن ماجه.
591- ص- نا مسند: نا يحيى، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن
عطاء، عن ابن عباس قال: بت في بيت خالتي ميمونة فقام رسولُ
الله من الليل فأطلق القِربةَ فتوضأ ثم أوكأ القربة، ثم
قام إلى الصلاة، فقمتُ فتوضأتُ كما توضأ، ثم جئت فقمتُ عن
يَسارِه فأخذني بيمينه فأدَارني من ورائه، فأقامني عن
يمينه فصليتُ معه (1) .
ش- يحيى: القطان.
وعبد الملك بن أبي سليمان العَرزمي (2) أبو محمد أو أبو
عبد الله الكوفي، واسم أبي سليمان: ميْسرة، نزل حارة عرْزم
(2) بالكوفة فنُسب إليها. روى عن: انس بن مالك، وعطاء،
وسعيد بن جبير، وغير هم. روى عنه: الثوري، وشعبة، وابن
المبارك، ويحمى القطان، وغيرهم. قال أحمد: ثقة. قال ابن
معين: ضعيف. مات سنة خمس وأربعين ومائة. روى له: الجماعة
إلا البخاري (3) .
وعطاء: ابن أبي رباح. وميمونة: بنت الحارث أخت أم ابن عباس
أم الفضل بنْت الحارث.
قوله: " فأطلق القربةَ " أي: أرسلها بمعنى: حل شدها
------------------------
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: يقوم عن يمين الإمام
بحذائه سواء إذا كانا اثنين (697) ، مسلم: كتاب صلاة
المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (763) ،
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يصلي ومعه رجل
(232) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: الجماعة إذا كانوا
اثنين
(2 / 104) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنة فيها،
باب: الاثنان جماعة (973)
(2) في الأصل: " العزرمي- عزرم " خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال له (18 / 3532) .
(3/126)
قوله: " ثم أوْكأ القربة " أي: شد رأسها
بالوِكاء، وهو الخيط الذي تشدُ به القربة والكيس ونحوهما،
يُقال: أوكيتُ السقاء أوكِيه إيكاء فهو موكى.
ويُستفاد من الحديث فوائد، الأولى: جواز مبيت الرجل عند
محارمه
مع الزوج، وقيل: إن ابن عباس- رضي الله عنه- تحرى وقتاً
لذلك لا يكون فيه ضرر بالنبي- عليه السلام-، وهو وقت
الحيض، وقيل: إنه بات عندها لينظر إلى صلاة رسول الله-
عليه السلام-.
الثانية: جواز الائتمام بمنْ لم ينو الإمامة.
الثالثة: أن الصبي له موقف في الصف مع الإمام.
الرابعة: أن موقف المأموم الواحد مع الإمام يمين الإمام.
الخامسة: أن العمل اليَسيرَ في الصلاة لا يُبْطلها.
السادسة: جواز الجماعة في التطوع.
السابعة: استحباب القيام من الليل. والحديث: أخرجه الستة
مُطولاً ومختصراً.
592- ص- نا عمرو بن عون: نا هُشيم، عن أبي بشْر، عن سعيد
بن جُبير، عن ابن عباس في هذه القصّة قال: فأخذ برأسي أول
بذؤابتي، فأقامني عن يمينه (1) .
ش- عمرو بن عون: أبو عثمان الواسطي البزاز، وهُشيم: ابن
بَشير السُّلَمي الواسطي، وأبو بِشر: جَعْفر بن أبي
وَحْشيّة.
قوله: " في هذه القصة " أي: القصة المذكورة.
قوله: " أو بذؤابتي " شك من الراوي، والذؤابة- بضم الذال
المعجمة- من الشعر، وهو مهموز العين، وجمعها: ذوائب،
فافهم.
*****
(1) البخاري: كتاب اللباس، باب: الذوائب (5919) .
(3/127)
|