شرح أبي داود للعيني

64- بَابٌ: إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون؟
أي: هذا باب في بيان ما إذا كان المصلون ثلاثة أنفس كيف يقومون
في الصلاة؟
593- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن] 1/ 208 - ب] أبي طلحة، عن أنس / بن مالك أن جدته: مُليكة دعَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لطعامِ صنعَتْه فأكل منه، ثم قال: " قوموا فلأصلب لكم " قال أنس ": فقمتُ إلى حَصِيرِ لنا قد اسود من طول ما لُبسَ، فنضحتُه بماء فقام علي رسولُ الله،، فصففت (1) أنا واليتيم وراءه والَعجوز من ورائنا، فصلى لنا ركعتَيْن ثم انصرف (2) .
ش- مالك: ابن أنس، وإسحاق بن عبْد الله بن أبي طلحة: زيد بن سَهْل الأنصاري.
قوله: " أن جدته مُليكة " الضمير في " جدته " يَرْجع على إسحاق المذكور، وهي جدة إسحاق أم أبيه عبد الله بن أبي طلحة، وهي أم سليم بنْت ملحان زوج أبي طلحة الأنصاري، وهي أم أنس بن مالك، ويقال، الضميَر يرجع على أنس، وهو القائل: " أن جدته " وهي جدة أنس بن مالك أم أمه، واسمها: مُليكة بنت مالك بن عدي، ويؤيد الوجْه الأول أن في بعْض طرق الحديث: " أن أم سُليم سألت رسول الله- عليه السلام- أن يأتيها " أخرجه النسائي عن يحي بن سعيد، عن إسحاق بن عبد الله فذكره، وأم سُليم هي أم أنس، جاء ذلك مصرحاً في البخاري. وقال النووي في " الخلاصة ": الضمير في جدته لإسحاق على الصحيح
-------------------------------
(1) في سنن أبي داود: " وصففت ".
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: الصلاة على الحصير (380) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصيرة وخمرة وثوب وغيرهما من الطاهرات (658) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يصلي ومعه الرجال والنساء (234) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: إذا كانوا ثلاثة وامرأة (2 / 86) .

(3/128)


وهي أم إسحاق، وجدة إسحاق، وقيل: جدّة أنس، وهو باطل، وهي أم سليم صرّح به في رواية للبخاري. ومُليكة- بضم الميم وفتح اللام-، وبَعْض الرواة رواه بفتح الميم وكسر اللام، والأول أصح. قوله: " الطعام " أي: لأجل طعام.
قوله: " فأكل منه " فيه حذف، أي: فأجاب دعوته فجاء فأكل منه. قوله: " من طول ما لُبس " أي: من كثرة ما استُعْمل. وقال الشيخ تقي الدين: دل ذلك أَن الافتراش يطلق علي لباس، ورتب على ذلك مسألتان، أحدهما: لو حلف لا يلبس ثوبا ولم يكن له نية فافترشه أنه يحنث، والثانية: أن افتراش الحرير حرام، لأنه كاللّبس.
قلت: أما الأولى فإنما يحدث فيه، لان مبنى اليمن على العُرْف، وأما الثانية: فليْس الافتراش كاللبس، لأن بجواز الافتراش قد جاء الحديث. قوله: " فنضحته " إن كان لنجاسة متيقنة يكون النضح هاهنا بمعنى الغَسل، وإن كان لتوقع نجاسة لامتهانه بطول افتراشه يكون النضح بمعنى الرش لتطييب النفس، ويقال: إن كان النضح ليلين الحصير للصلاة يكون بمعنى الرش وأن كان لوَضَر الدوس والأقْدام يكون بمعنى الغَسْل.
قوله: " فصففت أنا واليتيمُ وراءه " فيه حجة لجمهور الأمة في أن موقف الاثنين وراء الإمام، وكان بعض المتقدمة رأى أن يكون موقف أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، وقوله: " واليتيم " عطف على ما قبله، إنما ذكر " أنا " لأن العطف على الضمير المرفوع المتصل لا يجور إلا بعد الضمير المرفوع المنفصل، حتى لا يتوهم عطف الاسم على الفعل، وقد ذكرناه غير مرة، وكالعجوز " عطف على واليتيم "، واسم اليتيم: سميرة بن سَعد الحميري، جذ حسين بن عبد الله بن ضُميرة.
قوله: " ثم انصرف " أي: عن البَيْت، وهذا هو الأقرب، ويحتمل
أنه أراد الانصراف من الصلاة، إما على رأي أبي حنيفة بناء على أن السلام
9. شرح سنن أبي داوود 3

(3/129)


لا يدخل تحت مُسمى الركعتين، وإما على رأي غيره فيكون الانصراف عبارة عن التحلل الذي يَسْتعقب السلام.
ويُستفاد من الحديث فوائد، الأولى: فيه استحباب التواضع وحسن الخلق.
الثانية: إجابة دَعْوة الداعي.
الثالثة: فيه دليل على إجابة أولي الفضل لمنْ دعاهم لغير الوليمة. الرابعة: استحباب الصلاة للتعليم، أو لحصول البركة.
الخامسة: فيه بيان موقف الاثنين وراء الإمام لما ذكرنا.
السادسة: فيه دليل على أن للصبي موقفا في الصف.
السابعة: فيه دليل على أن موقف المرأة وراء موقف الصبي.
الثامنة: فيه دليل على جواز الاجتماع في النوافل خلف الإمام.
التاسعة: فيه دليل على أن صلاة الصبي (1) صحيحة معتد بها.
العاشرة: عدم كراهة الصلاة على الحصير ونحوه. والحديث: أخرجه
البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
594- ص- نا عثمان بن أبي شيبة /: نا محمد بن فضيل، عن هارون ابن عنترة، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه قال: استأذن علقمة والأسْودُ على عبد الله وقد كُنا أطَلنا القعود على بابه، فخرجت الجاريةُ فاستأذنت لهما فأذن لهما، ثم قام فصلى بيني وبَينه، ثم قال: هكذا رأيتُ رسول اللهِ فعَلَ (2) .
ش- محمد بن فضيل: ابن غزوان الكوفي.
وهارون بن عَنْترة: الشيباني الكوفي، أبو عبد الرحمن. روى عن:
-------------------------
(1) في الأصل: " صبي الصلاة "
(2) النسائي: كتاب الإمامة، باب: موقف الإمام إذا كانوا ثلاثة (2 / 84) .

(3/130)


أبيه، وعبد الرحمن بن الأسود. روى عنه: عمرو بن مُرة، والثوري، ومحمد بن فضيل، وغيرهم. قال أحمد وابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به مستقيم الحديث. وقال الدارقطني: متروك يكذب. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
وعبد الرحمن بن الأسود: ابن يزيد أبو بكر الكوفي. وأبُوه: الأسْودُ ابن يزيد بن قيس بن عبد الله بن مالك أبو عبد الرحمن، وقد ذكرناهما. وعلقمة: ابن قَيْس النخعي الكوفي عم الأسْود، وعبد الله: ابن مسعود الصحابي- رضي الله عنه.
ويُستفاد من هذا الحديث: أن الإمام إذا كان معه اثنان يتساوى بهما ولا يتقدم عليهما، وبه استدل أبو يوسف في أن الإمام يتَوسطهما، والأصح: قول الجمهور للأحاديث الصحيحة، والجواب عن هذا: أنه محمول على أنه دليل الإباحة. وقال أبو محُمر النمري: هذا الحديث لا يصح رفعه، والصحيح فيه عندهم: التوقيف على ابن مَسْعود، أنه كذلك صلى بعلقمة والأسْود. وهذا الذي أشار إليه أبو محمر قد أخرجه مسلم في " صحيحه " أن ابن مسعود صلى بعلقمة والأسْود وهو موقوف. وقال بعضهم: حديث ابن مسعود منسوخ، لأنه إنما يعلم هذه الصلاة من النبي- عليه السلام- وهو بمكة وفيها التطبيق، وأحكام أخَرُ هي الآن متروكة، وهذا الحكم من جملتها، ولما قدم النبي- عليه السلام- المدينة تركوه.
*****
65- بَابُ: الإمام ينحرف بعد التسليم
أي: هذا باب في بيان الإمام ينحرف بعد تسليمه، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في الإمام يَتحرف بعد السّلام "
595- ص- نا مسدد: نا يحيى عن سفيان: حدثني يعلى بن عطاء
-------------------
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30 / 6521) .

(3/131)


عن جابر بن يزيد بن الأسْود، عن أبيه قال: صَلّيتُ خلف النبي- عليه السلام- فكان إذا انصَرف انْحرف (1) .
ش- يحيى: القطان، وسفيان: الثوري، ويعلى بن عطاء: القرشي الطائفي، وجابر وأبوه: يزيد الصحابي ذكرناهما.
قوله: " إذا انصرف انحرف " يعني: إذا انصرف من الصلاة انحرفَ واستقبل القوم، والمراد من الانصراف: السلام. وقد اختلف الفقهاء في هذا الباب، فقال أبو حنيفة: كل صلاة يتنفل بعدها يَقُوم، وما لا يتنفل بعدها كالعَصْر والصبح فلا، وقال أبو محمد: يتنفل في الصلوات كلها ليتحقق المأموم أنه لم يبق علي من سجوده سهو ولا غيره. وقال مالك: لا يثبت الإمام بعد سلامه. وقال أشهب: له أن يتنفل في موضعه، أخذاً بما رُوي عن القاسم بن محمد. قال ابن بطال: ولم أجده لغيره من الفقهاء. وقال الشافعي: يستحب له أن يثبت ساعةً. وقال ابن بطال: وأما مكث الإمام في مصلاه بعد السلام فكرهه كثر الفقهاء إذا كان إماما راتبا، إلا أن يكون مكثه لعلة كما فعل رسول الله، وهو قول الشافعي، وأحمد. وقال مالك: يقومَ ولا يقعد في الصلوات كلها إذا كان مسجد جماعة، فإن كان في سفر فإن شاء قام وإن شاء قعد. قال ابن خربوذ: من غير أن يَستقبل القبْلة. وفي " المصنف ": حدَثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أَبي الأحوص قال: كان عبد الله إذا قضى الصلاة انفتل سريعاً، فإما أن يقوم وإما أن ينحرف.
حدَّثنا هشيم، عن منصور وخالد، عن أنس بن سيرين، عن ابن عمر قال: كان الإمام إذا سلم قام، وقال خالد: انحرف.
حدَثنا أبو أسامة، عن الأعمش، عن أبي رزين قال: صليتُ خلف عليا فسلم عن يمينه وعن يساره، ثم وثب كما هو.
------------------------
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة (219) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: إعادة الفجر مع الجماعة
لمن صلى وحده (2 / 112، 113) .

(3/132)


حدثنا علي بن مسهر، عن ليث، عن مجاهد قال: قال عمر- رضي
الله عنه-: جلوس الإمام بعد التسليم بدْعة.
حدثنا وكيع، عن محمد بن قيس، عن أبي حصين قال: كان أبو عُبيدة
ابن الجراح إذا سلم كأنه على الرضف حتى يقوم.
حدثنا أبو معاوية /، عن عاصم، عن عبيد الله بن الحارث، عن [1/ 209 - ب] ، عائشة قالت: كان رسول الله- عليه السلام- إذا سلم لم يقعد إلا مقدار
ما يقول: " اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا (1) الجلال
والإكرام "
حدثنا وكيع، عن الربيع، عن الحسن، أنه كان إذا سلم انحرف أو قام
سريعاً.
حدثنا أبو داود، عن زمعة، عن ابن طاوس، عن أبيه أنه كان إذا
سلم قام وذهب كما هو ولم يجلس.
حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم أنه كان إذا سلم انحرف
واستقبل القوم.
حدثنا وكيع، عن أبي عاصم الثقفي، عن قيس بن مسلم، عن طارق
ابن شهاب أن عليا لما انصرف استقبل القوم بوجهه.
وفي كتاب ابن شاهين من حديث سفيان، عن سماك، عن جابر:
كان النبي- عليه السلام- إذا صلى الغداة لم يبرح من مجلسه حتى تطلع
الشمس حسنا، ومن حديث ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس:
صليتُ مع النبي- عليه السلام- فكان ساعةَ يُسلم يقومُ، ثم صليت مع
أبي بكر فكان إذا سلم وثبَ من مكانه كأنه يقومُ عن رَضفة. قال ابن
شاهين: الحديث الأول عليه العمل في الصلاة التي لا يتنفل بعدها،
والثاني في الذي بعده تنفل. وحديث جابر بن يزيد هذا: أخرجه ابن
أبي شيبة، والترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
596- ص- نا محمد بن رافع: نا أبو أحمد الزُّبيري: ما مِسْعر، عن
----------------
(1) كذا، وفي المصنف لابن أبي شيبة (1 / 302) : " يا ذا الجلال والإكرام ".

(3/133)


ثابت بن عُبيد، عن عبيد بن البراء، عن البراء قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله أحْببنا أنْ نكُون عَنْ يَمِينه، فيُقْبلُ علينا بوَجْهِهِ (1) .
ش- محمد بن رافع: القُشيري النيسابوري.
وأبو أحمد: محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الزبيري الأسدي مولاهم الكوفي، نُسب إلى جده، وليس من ولد الزبير بن العوام. سمع: مسْعراً، ومالك بن أنس، وزهير بن معاوية، وغيرهم. روى عنه: ابنه: طاهر، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن رافع، وغيرهم. قال ابن معين: ليس به بأس. وقال أبو زرعة: صدوق. وقال العجلي: ثقة. مات سنة ثلاث ومائتين بالأهواز. روى له الجماعة (2) .
ومسعر: ابن كدام، وثابت بن عبيد: الأنصاري الكوفي.
وعُبَيْد بن البراء: ابن عازب الأنصاري الحارثي الكوفي، أخو يزيد (3) والربيع ولوط. روى عن: لبيه. روى عنه: ثابت بن عبيد، ومحارب ابن دثار. قال أحمد بن عبد الله: كوفي تابعي ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) .
واختلف العلماء في الرجل إذا سلم، ينصرف عن يمينه أو عن يساره؟ فقالت طائفة: ينصرف عن يمينه، فاستدلوا بهذا الحديث، وكذا روى أبو بكر: نا وكيع، عن سفيان، عن السدي، عن أنس أن النبي- عليه السلام- كان ينصرف عن يمينه.
وقالت طائفة: ينصرف عن شماله، لما روى أبو بكر: نا وكيع، عن
--------------------
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب يمين الإمام (62 / 709) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: المكان الذي يستحب من الصف (1 / 94) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: فضل ميمنة الصف
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25 / 5343) .
(3) في الأصل: " زيد " خطأ.
(4) المصدر السابق (9 1 / 3705) .

(3/134)


سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية أن أبا عُبيدة رأى رجلاً انصرف على يَساره فقال: أما هذا فقد أصاب السُّنَة.
وقالت طائفة: إن كانت حاجته عن يمينه ينصرف عن يمينه، وإن كانت عن شماله ينصرف عن شماله، لما روى أبو بكر: نا الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي- رضي الله عنه- قال: إذا قضيت الصلاة وأنت تريد حاجة، فكانت حاجتك عن يمينك أو عن يسارك فحِد نحو حاجتك.
وحديث البراء: أخرجه النسائي، وابن ماجه، وفي حديث ابن ماجه: عن ابن البراء، عن أبيه؟ ولم يُسمه.
******
66- بَابُ: الإِمَام يتطوعُ في مكَانه
أي: هذا باب في بيان أن الإمام هل يتطوع في المَكان الذي صلى فيه الفرض أم لا؟ وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في الإمام ".
597- ص- نا أبو توبة الربيع بن نافع: نا عبد العزيز بن عبد الملك القرشي: نا عطاء الخراساني، عن المغيرة بن شُعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يُصلي الإمامُ في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول " (1) .
ش- أي: حتى ينتقل من الموضع الذي صلى فيه الفرض، وعن هذا قالت العلماء: المستحب للإمام أن يتنفل بعد الفَرْض في غير مَوْضع الفرض. وقال أبو بكر: حدثَّنا شريك، عن ميسرة بن المنهال، عن عمار بن عبد الله، عن عليا قال: إذا سلم الإمام لم يتطوع حتى يتحول من مكانه أو يفصل بينهما بكلام.
حدثنا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن أبي إسحاق، عن
-----------------
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة النافلة حيث نصلى المكتوبة (1428) .

(3/135)


الشعبي، عن ابن عُمر، أنه كره إذا صلى الإمام أن يتطوع في مكانه،
ولم ير به لغير الإمام بأساً.
حدَّثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد،
عن عبد الله بن عمرو، أنه كره للإمام أن يصلي في مكانه الذي صلى فيه
[1/ 210 - أ] الفريضة. وكذا / بإسناده عن ابن أبي ليلى، وابن المسيب، والحسن، وإبراهيم- رحمهم الله.
ص- قال أبو داود: عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة بن شعبة.
ش- لأن عطاء الخراساني مولى المهلب بن أبي صُفْرة، ولد في السنة
التي مات فيها المغيرة بن شعبة، وهي سنة خمسين من الهجرة على المشهور، أو يكون ولد قبل وفاته بسنة على القول الآخر.
***
67- بَابُ: الإمام يُحْدثُ بَعْدَ ما يَرْفعُ رأسَه (1)
أيْ: هذا باب في بيان حكم الإمَام الذي يُحْدث بعد ما يرفع رأسه من
آخر الركعة، وفي بعض النسخ: " باب ما جاءَ في الإمام يُحدث بعد ما
يرفع رأسه من آخر ركعة ".
598- ص- نا أحمد بن يونس: نا زهير: نا عبد الرحمن بن زياد بن
أنعُم، عن عبد الرحمن بن رافع، وبكر بن سوادة، عن عبد الله بن عَمرو أن
رسول الله- عليه السلام- قال: " إذا قضى الإمامُ الصلاةَ وقَعدَ فأحْدث (2)
قبل أن يتكلم فقد تمت صلاته، ومَنْ كان خلفه ممن أتم الصلاة " (3) .
ش- زُهير: ابن معاوية.
-------------------
(1) في سنن أبي داود: " ... رأسه من آخر ركعة "، وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(2) سقطت كلمة " فأحدث " من سنن أبي داود.
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يحدث في التشهد (408) .

(3/136)


وعبد الرحمن بن رافعِ: التنوخي قاضي إفريقية، يكنى أبا الجَهْم. روى عن: عبد الله بن عمرو، وعقبة بن الحارث. روى عنه: عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم الإفريقي، وسليمان بن عوسجة، وغيرهم. قال البخاري: في حديثه مناكير. توفي سنة ثلاث عشرة ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
وبكر بن سوادة: ابن ثمامة المصْري.
قوله: " إذا قضى الإمامُ الصّلاةَ " مَعْناه: إذا فرغ منها وقعد في آخرها، فأحدث قبل أن يتكلم، فقد تمت صلاته، لأنه لم يبق علي شيء من الفروض.
قوله: " ومَنْ كان خلفه " أي: وصلاة من كان خلفه- أيضاً ممن أتم الصلاة، والمرادُ منه: صلاة المدركين بخلاف المَسبوقين فإن حَدَثَ. الإمام يكون في أثناء صلاتهم فتفسدُ. وبهذا الحديث استدل أصحابنا أن المصلي إذا سبقه الحدث بعد ما قعد قدر التشهد، لا يضر ذلك صلاته، فيقوم ويتوضأ ويُسلم، لأنه لم يبق عليه إلا التسليم فيأتي به، وإن تعمد الحدث في هذه الحالة أو تكلم، أو عمل عملاً ينافي الصلاة تمت صلاته لأنه لم يبق علي شيء من الأركان، وإن رأى المتيمم (2) الماء، أو كان ماسحاً فانقضت مدة مسحه، أو خلع خفيه بعمل يسيرِ، أو كان أمّيا فتعلم سورة، أو عرياناً فوجد ثوبا أو مُومئاً قَمَرَ على الركوع والسجود، أو تذكر فائتةَ علي قبل هذه، أو القارئ اسَتخلف أمياً في هذه الحالة، أو طلعت الشمس في الفجر، أو دخل وقت العصر في الجمعة، أو كان ماسحا على الجبيرة فسقطت عن بُرء، أو كان صاحب عُذر فانقطع عذره كالمستحاضة ومن بمعناها، لم تبطل الصلاة في الكل عند أبي يوسف ومحمد بهذا الحديث. وقال أبو حنيفة: تبطل في الكل، وذلك لأن الخروج
-------------------
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17 / 3811) .
(2) في الأصل: " التيمم ".

(3/137)


من الصلاة بصُنعه فرض عنده، ولم يُوجَدْ صُنْعه، وفسروا ذلك: بأن
يَبْني على صلاته إما فرضاً، أو نفلاً أو يضحك قهقهة، أو يُحدث عمداً
أو يكلم، أو يَذهب أو يُسلم، وهاهنا بحث كبير ومحله كتب الفروع.
والحديث: أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث ليس إسناده بالقوي،
وقد اضطربوا في إسناده. وأخرجه الدارقطني (1) ثم البيهقي في " سننهما "
قال الدارقطني: عبد الرحمن بن زياد ضعيف لا يحتج به. وقال البيهقي:
وهذا الحديث إنما يُعرف بعبد الرحمن بن زياد الإفريقي وقد ضعفه يحيى
ابن معين ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن
مهدي. قال: وإن صح فإنما كان قبل أن يفرض التسليم.
وقال الخطابي (2) : هذا حديث ضعيف، وقد تكلم الناس في بعض
نقلته، وقد عارضته الأحاديث التي فيها إيجاب التشهد والتسليم، ولا
أعلم أحداً من الفقهاء قال بظاهره، لأن أصحاب الرأي لا يرون أن صلاته
قد تمت بنفس القعود حتى يكون ذلك بقدر التشهد على ما رووه عن ابن مسعود، ثم لم يقودوا قولهم في ذلك، لأنهم قالوا: إذا طلعت علي الشمس، أو كان متيمما فرأى الماء وقد قعد مقدار التشهد قبل أن يُسلم، [1/ 210 - أ] فقد فسدت صلاته، وقالوا فيمن قهقه بعد الجلوس / قدر التشهد لا ينقض " الوضوء إلا أن يكون في صلاة، والأمرُ في اختلاف هذه الأقاويل ومخالفتها الحديث بين.
قلت: هذا الحديث حجة عليهم، فلذلك يُثبتون له أنول الضعْف،
فعبد الرحمن بن زياد وإن كان ضيفه البعضُ فقد وحقه آخرون. قال
أبو داود: قلت لأحمد بن صالح: يحتج بحديث الإفريقي؟ قال: نعم،
قلت: صحيح الكتاب؟ قال: نعم. ونقل أحمد بن محمد بن الحجاج
ابن رشد، عن أحمد بن صالح قال: من يتكلم في ابن أنعام فليس
بمقبول، ابن أنعام من الثقات. وقال عباس بن محمد: سمعت ابن معين
----------------
(1) سنن الدارقطني (1 / 379) .
(2) معالم الحق (1 / 151) .

(3/138)


يقول: ليس به بأس. وقال إسحاق بن راهويه: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: هو ثقة. وقال البخاري: روى عنه الثوري. وقال أبو عبد الرحمن: ليس به بأس. وقال أحمد: رأيت محمد بن إسماعيل يُقوي أمره ويقول: هو مقارب الحديث. وقد عرفت بهذا تحامل البيهقي وطعنه الواسع في الناس. وروى الحديث- أيضاً إسحاقُ بن راهويه في " مسنده ": أخبرنا جعفر بن عون: حدثني عبد الرحمن بن رافع، وبكر ابن سوادة قالا: سمعنا عبد الله بن عَمْرو مرفوعاً، فذكره، ورواه الطحاوي - أيضاً بسَند السنن ولفظه: قال: " إذا قضى الإمام الصلاة فقعد فأحدث هو، أو أحد ممن أتم الصلاة معه قبل أن يُسلم الإمام، فقد تمت صلاته فلا يُعيدها ". ومما يؤيده: حديث رواه أبو نعيم الأصبهاني في كتاب " الحلية " في ترجمة عمر بن ذر: حدثنا محمد بن المظفر: ثنا صالح بن أحمد: ثنا يحمى بن مخلد- المعنى-: ثنا عبد الرحمن بن الحسن أبو مسعود الزجاج، عن عمر بن ذر، عن عطاء، عن ابن عباس أن رسول الله- عليه السلام- كان إذا فرغ من التشهد أقبل علينا بوجهه وقال:" مَنْ أحدَث بعد ما فرغ من التشهد فقد تمت صلاته "، وما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: إذا جلس الإمام في الرابعة ثم أحدث فقد تمت صلاته، فليقم حيث شاء. وأخرجه البيهقي، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، فذكره، وراد فيه: قدر التشهد. وأخرج ابن أبي شيبة- أيضاً نحوه، عن الحسن، وابن المسيب، وعطاء، وإبراهيم النخعي.
وقول البيهقي:" وان صح فإنما كان قبل أن يفرض التسليم " غير مسلم، لأنه مجرد دعوى، ولا نسلم أن التسليم فرض لحديث ابن مسعود، ولا يصح الاستدلال على فرضيته بقوله- عليه السلام-: " وتحليلها التسليم " لأنه ليس فيه نفي التحليل بغير التسليم، إلا أنه خص التسليم لكونه واجباً، ويُرد بهذا التقرير قول الخطابي- أيضاً " وقد عارضته الأحاديث" إلى آخره.
وقول الخطابي: أولا أعلم أحداً من الفقهاء قال بظاهره، إلى آخره

(3/139)


غير صحيح، لأن علماءنا ولا سيما أبا يوسف ومحمداً قالا به، وليس المراد من قوله في الحديث: " وقَعد " نفس القعود، بل القعود قدر التشهد كما فسر به في حديث عمر بن ذر وفي حديث علي وغيرهما. وقوله: لا لأنهم قالوا: إذا طلعت الشمس إلى آخره غير صحيح - أيضاً-، لأن بطلان الصلاة من هذه الصُوَر عند أبي حنيفة بناء على أن الخروج من الصلاة بفعل المصلي فرض، وليس لهذا تعليق بالحديث المذكور عند أبي حنيفة، وأما أبو يوسف ومحمد فلا يريان بطلان الصلاة في هذه الصور بهذا الحديث- كما ذكرناه مفصلاً- وكيف يلتئم كلام الخطابي؟ أم كيف يكون حجة لتضعيف هذا الحديث؟
599- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا وكيع، عن سفيان، عن ابن عقيل، عن محمد ابن الحنفية، عن علي- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - عليه السلام-: " مفتاح الصلاة: الطهور، وتحريمها: التكبير، وتحليلها: التسليم " (1) .
ش- ابن عقيل: هو عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب.
" (2) رُوي هذا من حديث علي، ومن حديث الخدري، ومن حديث عبد الله بن زيد، ومن حديث ابن عباس.
أما حديث علي: فأخرجه أبو داود، والترمذي، وقال الترمذي: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسَن. وقال النووي في " الخلاصة ": / هو حديث حسَنٌ، وقال في " الإمام ": ورواه الطبراني ثم البيهقي (3) من جهة أبي نعيم، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن ابن الحنفية رفعه إلى النبي- عليه السلام- قال: لا مفتاح الصلاة: الطهور " الحديث قال: وهذا على هذا الوجه مرسل.
وأما حديث أبي سعيد: فرواه الترمذي، وابن ماجه من حديث طريف
----------------
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء مفتاح الصلاة الطهور (3) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: مفتاح الصلاة الطهور (275) .
(2) انظر: نصب الراية (1 / 307- 308) .
(3) السنن الكبرى (2 / 173، 379) ، وأخرجه كذلك أحمد (1 / 123، 9 2 1) ، وا أد " ربطني (1 / 360، 379) ، والدارمي (63) .

(3/140)


ابن شهاب أبي سفيان السعْدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مفتاح الصلاة: الطهور، وتحريمها: التكبير، وتحليلها: التسليم " أخرجه الترمذي في الصلاة (1) ، ورواه الحاكم في " المُسْتدرك " (2) وقال: حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وأما حديث عبد الله بن زيد: فأخرجه الدارقطني في " سننه " (3) ، والطبراني في " معجمه الوسَط " (4) عن محمد بن عمر الواقدي: ثنا يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة، عن أيوب بن عبد الرحمن، عن عباد بن تميم، عن عمه: عبد الله بن زيد، عن النبي نحوه سواء. ورواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء " من حديث محمد بن موسى بن مسكين قاضي المدينة، عن فليح بن سليمان، عن عبد الله بن أبي بكر، عن (5) عباد بن تميم به، وأعفَه بابن مسكين وقال: إنه يَسْرق الحديث ويَروي الموضوعات عن الأثبات.
وأما حديث ابن عباس: فرواه الطبراني في " معجمه الكبير " (6) : ثنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي: ثنا سليمان بن عبد الرحمن: ثنا سَعدان بن يحيى: ثنا نافع مولى يوسف السلَمي، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي- عليه السلام- نحوه سواء. وهذا الحديث ذكره أبو داود مرةَ في (باب فرض الوضوء بهؤلاء الرواة بأعيانهم، وقد تكلمنا فيه بما فيه الكفاية فليراجع فيه الطالب.
----------------------
(1) الترمذي: باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها (238) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: مفتاح الصلاة الطهور (276) .
(2) (1 / 132) ، وأخرجه كذلك الدارقطني (1 / 359) ، والطبراني في الأوسط (3 / 2390) من طريق سعيد الثوري، عن أبي نضرة به.
(3) (1 / 1 36)
(4) (7 / 175 7) .
(5) في الأصل: " بن " خطأ.
(6) (11369) ، وكذا في معجمه الأوسط (9/ 9267) قال: حدثنا الوليد بن حماد: نا سليمان بن عبد الرحمن به.

(3/141)


وقال الخطابي (1) : في هذا الحديث بيان أن التسليم ركن للصلاة كما
أن التكبير ركن لها، وأن التحليل منها إنما يكون بالتسليم دون الحدث والكلام، لأنه قد عرفه بالألف واللام وعينه كما عين الطهور وعرفه، فكان ذلك منصرفا إلى ما جاءت به الشريعة من الطهارة المعروفة، والتعريف بالألف واللام معِ الإضافة يوجب التخصيص، كقولك: فلان مَبيتُه المَساجد تُريدُ أنه لا مبيت له يأوي إليه غيرها. وفيه دليل على أن افتَتاح الصلاة لا يكون إلا بالَتكبير دون غيره من الأذكار.
قلتُ: قوله: " إن التسليم ركن للصلاة كما أدق التكبير ركن لها " ممنوع، لأن هذا الحديث خبر الآحاد، وبمثله لا تَثبت الفرضية (2) ، وقياسه على التكبير فاصد، لأن التكبير ما فرض بهذا الحديث، بل بقوله تعالى:" {ربكَ فكبر} (3) .
وقوله:"وأن التحليل منها إنما يكون بالتسليم " غير مُسلم، لأنه ليس فيه نفي التحليل بغير التسليمِ، والألف واللام إذا دخلا في اسم سواء كان ذلك الاسم مفرداً أو جمعا يصرفه إلى الجنس، والجنس فرد من وجه حتى يقع على الأقل، وجمع من وَجه، لأن الجنس يتضمن معنى الجمع، فيكون المراد: جنس السلام من جنس التحليل، فكما أنه يقع بالسلام يقع بالكلام ونحوه، ولكن لما عين التسليم يكون واجبا.
وقوله: " وفيه دليل على أن افتتاح الصلاة " إلى آخره غير صحيح، لأن الأصل في النصوص: التعليل، وقال تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ ربه فصلى} (4) والمراد: ذكر اسم الرب لافتتاح الصلاة، لأنه عقيب الصلاةَ الذكرَ بحرف التعقيب بلا فصل، والذكر الذي يتعقبه الصلاة بلا فصل هو تكبيرة الافتتاح، فقد شرع الدخول في الصلاة بمطلق الذكر فلا يجور تقييده باللفظ المشتق من الكبرياء بأخبار الآحاد، والحديث معلولٌ به، وقد استوفينا الكلام فيه في " باب فرض الوضوء " عند هذا الحديث.
-------------
(1) معالم الحق (1 / 151- 152) .
(2) انظر لحجية خبر الآحاد (1 / 184) .
(3) سورة المدثر: (3) .
(4) سورة الأعلى: (15) .

(3/142)


68- بَابُ: ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام
أي: هذا باب في بيان ما يؤمر المأموم من اتباع الإمام، وفي بعض
النسخ: " باب ما جاء فيما يؤمر المأموم من اتباع الإمام ".
600- ص- نا مسدد: نا يحيى، عن ابن عجلان: حدثني محمد بن
يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن معاوية بن أبي سفيان / قال: قال [1/ 211 - ب] رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تُبادرُوني بركُوع ولا بسجُود، فإنه مَهْما أسْبِقكُمْ به إذا
ركعتُ تُدْركوَني به إذا رَفعتُ، واني (1) قد بَدنْتُ " (2) .
ش- يحيى: القطان، ومحمد: ابن عجلان، ومحمد بن يحيى بن
حبان: بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة، وعبد الله: ابن محيريز
المكي.
قوله: " لا تبادروني " من المبادرة؟ وهي المُسارعة.
قوله: " فإنه " أي: فإن الشأن.
قوله:" مهما أسبقكم به " أي: بالركوع، ويجور أن يكون الضمير
راجعا إلى " مَهْما "، وذلك لأن " مهما " اسم لعود الضمير إليها في
قوله تعالى: {مهْمَا تَأتِنَا به} (3) وزعم السهيلي أنها تأتي حرفا، والأصح: أنها بَسيطة، ويقالً: إنها مركبة من " مه" و " ما" الشرطية،
ويقال: من " ما " الشرطية و " ما " الزائدة ثم أبدلت الهاء من الألف
الأولى دفعا للتكرار، ولها ثلاثة معان، أحدها: ما لا يعقل غير الزمان
مع تضمن معنى الشرط، ومنه الآية، الثاني: الزمان والشرط، فيكون
ظرفا لفعل الشرط، الثالث: الاستفهام، ذكره جماعة منهم: ابن مالك،
واستدلوا بقوله:
-------------------
(1) في سنن أبي داود: " إني"
(2) ابن ماجه: كتاب " إقامة الصلاة، باب: النهي أن يسبق الإمام بالركوع والسجود (962) .
(3) صورة الأعراف: (132) .

(3/143)


مهما لي الليلةَ مَهمالِيَهْ أوْدى بنَعْلي وسِرباليَة
والذي في الحديث من القسم الثاني، فلذلك جزم "أسبقكم" وجزم الجزاء- أيضاً- وهو قوله: (تُدْركوني،، وعلامة الجزم: سقوط نون الجمع.
قوله: " إذا ركعت " بمعنى: حين ركعت.
قوله: " تدركوني به " أي: بالركوع إذا رفعت رأسي، وحاصل المعنى:
لا تَسْبقوني أنتم بالركوع والسجود، فإني متى أسْبقكم بركوع حين أركع، فأنتم تدركونني حين أريد أن أرفع رأسي، وكذلك الكلام في السجود، وإنما بين حكم الركوع وحده بعد أن نهى عن المبادرة بالركوع والسجود، اكتفاء بما دل الحكم في الركوع على الحكم في السجود، ومن هذا قالت العلماء: إن (1) المقتدي إذا لحق الإمام وهو في الركوع فلو شرع معه ما لم يرفع رأسه، يصير مدركا لتلك الركعة، فإذا شرع وقد رفع هو رأسه، لا يَصير مدركا لتلك الركعة، ولو ركع المقتدي قبل الإمام فلحقه الإمام قبل قيامه يجوز عندنا خلافاً لزفر.
قوله: " واني قد بدنت " يُروى على وجهين: بتشديد الدال ومعناه، كبر السن، يُقالُ: بَدن الرجلُ تبدينا إذا أسن، وبتخفيف الدال مع ضمها ومعناه: زيادة الجسم واحتمال اللحم، وروت عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما طعن في السن احتمل بدنُه اللحمَ، وكل واحد من كبر السن واحتمال اللحم يُثْقِلُ البدن ويُثبطه عن الحركة.
والحديث أخرجه ابن ماجه، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه "، وعند ابن ماجه بسند منقطع فيما بين سعيد بن أبي بُردة وأبي موسى قال رسولُ الله: " إني قد بَدُنت فإذا ركعت فاركعوا، وإذا رفعت فارفعوا، وإذا سجدتُ فاسجدوا، ولا ألفن رجلاً سَبقَني إلى الركوع ولا إلى السجود ".
----------------------
(1) مكررة في الأصل.

(3/144)


601- ص- نا حفص بن عُمر: نا شعبةُ، عن أبي إسحاق قال: سمعت عبدَ الله بن يزيد الخطمي يخطبُ الناس قال: حدثنا البراءُ- وهو غير كذوب- أنهم كانوا إذاَ رفعوا رءوسهم من الركوع مع رسول الله قاموا قياما، فإذا رأوه قد سجد سجَدُوا (1) .
ش- أبو إسحاق: عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي.
وعبد الله بن يزيد: ابن زيد بن حُصَين (2) بن عمرو بن الحارث بن الخطْمَة، واسم الخطمة: عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس أبو مُوسى الأَنصاري الخطمي، سكن الكوفة، رُوِيَ له عن رسول الله سبعة وعشرون حديثاً، أخرج له البخاري حديثين ولم يخرج له مسلم شيئاً، ورويا له عن البراء بن عازب، شهد الحديبية مع رسول الله وهو ابن سبع عشرة سنا، وشهد صفين والجَمل والنهروان مع علي- رضي الله عنه- وكان أميرا على الكوفة. روى له أبو داود، والترمذي (3) .
قوله: " وهو غير كذوب " جملة اسمية وقعت حالاً عن البراء / والذي يفهم من كلام يحمص بن معين في هذا الموضع أنه حال من عبد الله بن يزيد؛ لأنه قال: القائلُ: " وهْوَ غير كذوبا هو أبو إسحاق، قال: ومراده أن عبد الله بن يزيد غير كذوب، وليْسِ المراد أن البراء غير كذوب / [1/ 212 - أ] لأن البراء صحابي لا يحتاج إلى تزكية، ولا يَحسنُ فيه هذا القولُ. قال الشيخ محي الدين: وهذا الذي قالهَ ابن معين خطأ عند العلماء، قالوا:
----------------
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: متى يسجد من خلف الإمام (690) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: متابعة الإمام والعمل بعده (197 / 474) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية أن يبادر الإمام بالركوع والسجود (281) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: مبادرة الإمام (2 / 96) .
(2) كذا، وفي مصادر الترجمة: " حِصن " وفي تهذيب الكمال (16 / 3656) كما عندنا.
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2 / 391) ، وأعمد الغابة (3 / 416) ، والإصابة (2 / 382) .
10. شرح سنن أبي داوود 3

(3/145)


بل الصواب أن القائل: " وهو غير كذوب "0 هو عبد الله بن يزيد، ومراده من قوله: " غير كذوب " تقوية الحديث وتفخيمه والمبالغة في تمكينه من النفس، لا التزكية التي تكون في مشكوك فيه، ونظيره: قول ابن مسعود: حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق، وعن أبي هريرة مثله، وفي " صحيح مسلم ": الخولاني: حدثني الحبيب الأمين: عوف ابن مالك الأشجعي، ونظائره كثيرة، فمعنى الكلام: حدثني البراء وهو غير متهم كما علمتم، فثقُوا بما أخبركم به. وقوله: " إن البراء صحابي فينزه عن هذا الكلام" لا وَجه له؛ لأن عبد الله بن يزيد صحابي- أيضاً- معدود في الصحابة، فالذي يقال في البراء يُقال فيه- أيضاً.
قوله: " قاموا قياما " أي: قائمين، وذلك لأنه- عليه السلام- كان يدعو في الركوع كثيرا وكانوا (1) يرفعون رءوسهم قبله ويقومون قياما، فإذا رأوه قد سجد سجدوا معه. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي بنحوه.
602- ص- نا زُهير بن حَرْب، وهارون بن مَعْروف المعنى قالا: نا سفيان، عن أبان بن تغلب. قال زهير: قال: حدثنا الكوفيون: أبانُ وغيرُه، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحنُو أحد منا ظهرَه حتى نرى (2) النبي- عليه السلام- يضع (3) .
ش- زهير بن حَرْب: ابن شداد النسائي، وهارون بن معروف: الخزاز المروري، وسفيان: ابن عُيينة.
وأبان بن تغلب- بالتاء المثناة من فوق- الربعي أبو سَعد الكوفي القاري. روى عن: أبي إسحاق السبِيعي، والحكم، والأعمش،
--------------------
(1) في الأصل: " وكان "
(2) في سنن أبي داود: " يرى"
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: متابعة الإمام والعمل بعده (200) .

(3/146)


وغيرهم. روى عنه: ابن عُيينة، وحماد بن زيد، وزهير بن معاوية، وغيرهم. قال أحمد، وابن معين، وأبو حاتم: ثقة. وقال ابن عدي: ولأبان أحاديث ونسخ وعامتها مستقيمة إذا روى عنه ثقة، وهو من أهل الصدق في الروايات، وإن كان مذهبه مذهب الشيعة. روى له: الجماعة إلا البخاري (1) .
والحكم: ابن عُتَيْبة.
قوله: " فلا يحنو " من حَنَى يحنو، يُقال: حنَيتُ ظهري وحنَيْت العُودَ عَطفتُه، وجاء حنى يحني، وهما لغتان حكاهما صاحب " المنتهى " وغيره، يقال: حنيتُ وحنوتُ، والياء أكثرُ.
قوله:" حتى يضع " أي: حتى يضع رأسه للسجود. وفي هذا دليل لمن قال: إن فعل المأموم يقع بعد فعل الإمام، ورواية البخاري: " كان رسول الله إذا قال: سمع الله لمن حمده، لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي- عليه السلام- ساجدا، ثم نقع سجودا بعده ". ورواية مسلم: " كان لا يَحنِي منا رجل ظهرَه حتى يستتم ساجدا- يعني: رسول الله ". وقال الدارقطني: هذا الحديث محفوظ لعبد الله بن يزيد، عن البراء، ولم يَقُل أحد: " عن ابن أبي ليلى " غيرُ أبان بن تغلب، عن الحكم، وغيرُ أبان أحفظُ منه.
قلت: حديث أبان: خرجه مُسلم في " صحيحه ".
603- ص- نا الربيع بن نافع: نا أبو إسحاق- يعني: الفزاري-، عن أبي إسحاق، عن محارب بن دثار قال: سمعت عبد الله بن يزبد بقولُ على المنبر: حدثني البراء أنهم كانوا يُصلون معِ النبي- علبه السلام-، فإذا ركع ركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده لم نزل قياما حتى يَرونه (2) قد وضع جبهته بالأرض، ثم يتبعونه (3) .
------------------
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2 / 135) .
(2) في سنن أبي داود: " يروه " وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: متابعة الإمام والعمل بعده (199) .

(3/147)


ش- أبو إسحاق: إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة ابن حُصين (1) بن حذيفة بن بدر الفِزاري الكوفي، سكن المصيصة. سمع: أبا إسحاق السبِيعي، وحميدا (2) الطويل، ومالك بن أنس، والثوري، وغيرهم. روى عنه: الثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، وحماد بن أسامة، وجماعة آخرون. قال ابن عُيينة: كان أبو إسحاق إماما. وقال ابن معين: ثقة ثقة. وقال أبو حاتم: الثقة المأمون الإمام. توفي سنة ست وثمانين ومائة. روى له الجماعة (3) .
وأبو إسحاق الثاني هو السبيعي.
ومُحارب بن دثار- بكسر الدال وبالثاء المثلثة- ابن كُردُوس بن قِرواش ابن جَعْونة السدوسي، أبو مطرف، أو أبو النضر، أو أبو كُردوس، أو أبو دثار الكوفي قاضيها. سمع: عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، [1/ 212 - ب] وعبد الله / بن يزيد، وابن بُريدة، وغيرهم. روى عنه: الأعمش، ومسْعر، والثوري، وشعبة، وابن عُيينة، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: ثقة صدوق. وقال أبو زمعة: ثقة مأمون. وقال ابن مع " ين: ثقة. توفي في ولاية خالد بن عبد الله. روى له الجماعة (4) .
قوله: " لم نزل قياما " أي: قائمين، وفي رواية: " لم يزالوا قياما ". قوله: " حتى يَروْنه " وحتى " هنا عاطفة، وفي بعض الرواية: وحتى يَرَوْه " بدون النون، فتكونت حتى، ناصبة بتقديري أنْ ".
قوله: " ثم يتبعونه " بوَجْهين على اختلاف المعطوف عليه. والحديث: أخرجه مُسلم.
*********
--------------------------
(1) في الأصل: " حضين " خطأ.
(2) في الأصل: " حميد ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2 / 225) .
(4) المصدر السابق (27 / 5793) .

(3/148)


69- بَابُ: التَشْديد فيمَنْ يَرْفعُ قبل الإِمام أو يضع قبله
أي: هذا باب في بيانَ التشديد فيمَنْ يرفع رأسه قبل الإمام أو يضعها قبل وضعه، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في التشديد ".
604- ص- نا حفص بن عُمر: نا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم " أمَا يخشىِ أو [أ] لا يَخشى أحدُكم إذا رفع رأسَه والإمامُ ساجداً أن يُحول الله رأسه رأسَ حمار، أو صُورتَه صورةَ حمارٍ " (1) .
ش- محمد بن زياد: أبو الحارث القرشي الجُمحي مولى عثمان بن مَظعون، مديني الأصل، سكن البصرة. سمع: أبا هريرة، وعبد الله ابن الزبير، وعبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي. روى عنه: شعبة، وقرة بن خالد، والحمادان، وغيرهم. وقال أحمد، ويحيى، والترمذي: هو ثقة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " أو [أ] لا يخشى " شك من الراوي.
قوله: " والإمام ساجد " جملة اسمية وقعت حالاً.
قوله: " أن يُحول اللهُ " في محل النَصْب على أنه مفعول " [أ] ، لا يخشى و " أنْ " مصدرية، والتقدير: لا يخشى أحدكم تحويلَ اللهِ رأسَه.
قوله: " رأس حمار" منصوب بنزع الخافض أي، كرأس حمار ولا يجور أن يكون منصوبا بقوله:" يُحول " لأن حَول لا يتعدى إلى مفعولَين،
----------------------
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: إثم من يرفع رأسه قبل الإمام، رقم (691) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما،
رقم (427) ، الترمذي: كتاب الجمعة، باب: ما جاء في التشديد في الذي يرفع رأسه قبل الإمام (582) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: مبادرة الإمام (2 / 96) ، ابن ماجه: كتاب " قامة الصلاة والمنَة فيها، باب: النهي أن بسبق الإمام بالركوع والسجود (961) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25 / 5222) .

(3/149)


بل الغالب فيه اللزوم، وقد يجيء متعديا إلى مفعول واحد، وهاهنا قد تعدى إلى قوله: " رأسَه ".
قوله: " أو صورتَه " شك من الراوي- أيضاً- أي: أن يحولَ الله صُورتَه.
فإن قيل: ما المراد من الصُّورة؟ قلت: الصُّورَة تطلَقُ على الوَجْه كما في قوله: " الصُّورة محرمة " أراد بها الوجه، وتُطلق على معنى حقيقة الشيء وهيئاته وعلى مَعنى صفته، يُقال: صورة الفعل كذا وكذا، أي: هيئاته، وصورة الأمر كذا وكذا أي: صفته، ثم إنه يجوز أن يكون المراد من الصورة هاهنا معنى الوجه؟ والمعنى: يحولَ الله وَجْهه وجه حمار، ويجوز أن يكون بالمعنى الثاني بمعنى يُحول الله حقيقته وهيئته، ثم هذا الكلام يحتمل أن يكون حقيقةً وهو تغيير الصُورة الظاهرة، ويحتمل أن يكون مجازا على سبيل الاستعارة وذلك أن الحمار موصوف بالبلادة، فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب علي من فرض الصلاة ومُتابعة الإمام. فإن قيل: كيف وجه احتمال الحقيقة في هذا الكلام، ولم يقع ذلك مع كثرة رفع المأمومين قبل الإمام؟ قلت: ليس في الحديث ما يدل على وقوع ذلك؛ وإنما يدل على كون فاعله متعرضا لذلك، وكون فعله صالحا لأن يقع عنه ذلك الوعيدُ، ولا يلزم من التعرض للشيء وقوع ذلك الشيء، وأيضا- فالمُتوعدُ به لا يكون موجوداً في الوقت الحاضِر أعني: عند الفِعْل.
ثم اعلم أن في الحديث دليلاً على منع تقدّم المأموم على الإمام، لأنه توعد على هذا الفعل، ولا يكون التوعد إلا على ممنوع.
فإن قيل: المنع المذكور مخصوص في حالة السجدة بظاهر الحديث أو عام؟ قلت: بل عام، والدليل على ذلك: ما روي عن ابن مسعود أنه نظر إلى من سَبق إمامَه فقال: " لا وَحْدك صليت، ولا بإمامك اقتديت " وعن ابن عمر نحوه، وأمره بالسعادة، ولكن خصّ في الحديث حالة

(3/150)


السجدة لكثرة وجود المخالفة في هذه الحالة، فيقاس عليها غيرُها. فإن
قيل: ما حكم هذا المخالف، فهل تجوز صلاته أم لا؟ قلت: قال
القرطبي وغيرُه: من خالف الإمام فقد خالف سُنَّة المأموم وأجزأته صلاته
عند جمهور العلماء /. وفي " المغنى " لابن قدامة: فإن سبق إمامه فعليه [1/ 213 - أ] ، أن يرفع ليأتي بذلك مؤتما بالإمام، فإن لم يفعل حتى لحقه الإمام سهواً أو
جهلاً فلا شيء علي، فإن سبقه عالما بتحريمه فقال أحمد في " رسالته ":
ليس لمن سبق الإمام صلاةٌ، لقوله: " أما يخشى الذي يرفع رأسه " الحديث، ولو كانت له صلاة لرجى له الثواب ولم يخش علي العقاب.
والحديث أخْرجه الأئمة الستة، وفي " المصنف " عن أبي هريرة موقوفا:
إن الذي يخفضُ ويرفعُ رأسَه قبل الإمام، إنما ناصيتُه بيد شيطان. وكذا
قاله- أيضاً- سلمانُ من طريق ليْث بن أبي سُليم.
****
70- بَابٌ: فيمَنْ يَنصرفُ قبل الإمام
أي: هذا باب في بيان مَنْ ينصرف من الصلاة قبل انصراف إمامه،
وفي بعض النسخ: " باب الرجل ينصرف قبل الإمام "، وفي بعضها:
" باب فيما جاء فيمن ينصرف ".
605- ص- نا محمد بن العلاء: نا حفص بن بُغيل الدهني: نا زائدةُ،
عن المختار بن فلفل، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم حَضهم على الصلَاة ونهاهُم أن
ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة (1) .
ش- حَفص بن بُغَيل- بضم الباء الموحدة، وفتح الغين المعجمة-
الدهني (2) الكوفي. روى عن: زائدة، إسرائيل بن يونس. روى
عنه: محمد بن العلاء، وأحمد بن بديل. روى له: أبو داود. والدهني: بضم الدال المهملة وكسر النون.
--------------------
(1) تفرد به أبو داود.
(2) جاه في تهذيب الكمال (7 / 5) بدل " الدهني: " المُرْهبي " وعلقِ محققه
قائلاً: " علق المؤلف في الحاشية بقوله:" كان فيه الدهني، وهو وهم "

(3/151)


وزائدة: ابن قدامة.
والمختار بن فُلْفُل: المخزومي الكوفي مولى اّل عمرو بن حريث. سمع: أنس بن مالك، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البَصْري، وطلق ابن حبيب. روى عنه: الثوري، وزائدة، ومحمد بن فضيل، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة، وسئل عنه أحمد فقال: لا اعلم إلا خيراً (1) . قوله: " حضهم " أي: حرضهم على حفظ الصلاة في وقتها.
قوله: " قبل انصرافه " أي: قبل انصراف النبي- عليه السلام-، والمراد منه: قبل سلامه، ثم إذا انصرف المقتدي قبل سلام الإمام بعد ما قعد قدر التشهد تجوز صلاته عندنا، ويكون مسيئا لتركه السلام الواجب مع الإمام، وارتكابه النهْي، وعند الشافعي: لا تجوز وتفسد صلاته؛ بناء على أن السلام فرض عنده.
***