شرح أبي داود للعيني

88- بَابُ: تفْريع أبْواب الصُّفُوفِ
أي: هذا باب في بيان تفريع أبواب الصفوف، وإنما قال: تفريع
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/4678) .
(2) كذا.

(3/208)


أبواب الصفوف، لأن أحكام الصفوف كثيرة، ذكرها أولا بالعموم، ثم شرع في ذكرها مبينا كل نوع من أنواعها في باب مُستقلٍ بذاته.
***
89- تَسْويةُ الصُّفوف (1)
أي: هذا الذي نذكره من الأحاديث هي تَسوية الصفوف، أي: بيان تسوية الصفوف، فيكون ارتفاع التسوية على أنها خبر مبتدأ محذوف، ويجور أن يكون " تسوية الصفوف" مبتدأ وخبره محذوفا، والتقدير: تسوية الصفوف هذه، أي: أحكام تسوية الصفوف هذه، ويجور انتصاب التسوية على تقدير: هاكَ تسْويةَ الصفوف.
642- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زهير قال: سألتُ سليمان الأعمش عن حديث جابر بن سمرة في الصفوف المقدمة، فحدثنا عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سَمُرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا تصُفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟ " قلنا: وكيف تصف الملائكةُ عند ربهم؟ قال: " يُتمون الصفوف المقدمة، ويتراصون في الصف " (2) .
ش- زهير: ابن معاوية، والمسيب بن رافع: الأسدي، والد العلاء. وتميم بن طرفة: الطائي الكوفي. سمع: جابر بن سمرة، وعدي بن حاتم الطائي، والضحاك بن قيس الفهري. روى عنه: سماك بن حرب،
__________
(1) في سنن أبي داود:" باب تسوية الصفوف ".
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة باليد رفعها عند السلام وإتمام الصفوف والتراص فيها والأمر بالاجتماع (119 / 430) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها (2 / 92) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إقامة الصفوف (992) .
14* شرح سنن أبي داود 3

(3/209)


والمسيب بن رافع. مات سنة أربع وسَبْعين. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " الا تصفون " كلمة " ألا " للتحضيض، وهو حثهم على أن يصفوا كصف الملائكة.
قوله: " عند ربهم" اعلم [أن] كلمة " عند " للحضُور الحسي، نحو
(فَلما راَهُ مُسْتَقرا عندَهُ) (2) ، والمعنوي نحو: " قَالَ الذي عندَهُ عِلِم منَ الكتاب) (2) ، وللقُرب نحو: (وإِنهُمْ عِندَنَا لَمِنً المصطفين الأخْيَارِ) (3) " وعند ربهم" من هذا القبيل، ويجوز فتح عَيْنها وضمها، والكسر أكثر، ولا تقع إلا ظرفا أو مجرورة بمِنْ، وقول العامة: ذهبت إلى عنده لحن.
قوله:" ويتراصون " أي: يتلاصقون حتى لا يكون بينهم فُرج، من رص البناء يرصه رَصا، إذا ألصق بعضه ببَعْضِ، فافهم.
ويُستفاد من الحديث: استحباب إتمام الصف الأول، واستحباب التَراص في الصفوف. والحديث أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
643- ص- نا عثمان بن أبى شيبة: نا وكيع، عن زكرياء بن أبى زائدة، عن أبي القاسمِ الجدَلي قال: سمعتُ النعمان بن بَشير يقولُ: أقبلَ رسولُ الله على الناس بوجْهه فقال:" أقيموا صفوفكم " - ثلاثا- " والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن اللهُ بين قلوبكم ". قال: فرأيت الرجل يُلزقُ منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بِكعْبه (4) .
ش- أبو القاسم هذا: اسمه: الحسين بن الحارث أبو القاسم الجدلي
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4 / 804) .
(2) سورة النمل: (40) .
(3) سورة ص: (47) .
(4) تفرد به أبو داود.

(3/210)


- جَديلة قيس- الكوفي. سمع: ابن عُمر، والنعمان بن بشير، والحارث بن حاطب، وغيرهم. روى عنه: عطاء بن السائب، وشعبة، وابن أبي زائدة. روى له: أبو داود (1) .
قوله: " لتُقيمُن " بضم الميم؟ لأن أصله:" تُقيمون" دخل علي نون التأكيد الثقيلة، وحذفت الواو لالتقاء / الساكنين. [1/224-أ]
قوله: " أو ليخالفن اللهُ " بفتح اللام الأولى، لأنها لام التأكيد، وكسر اللام الثانية وفتح الفاء، ولفظ " الله" مرفوع بالفاعلية.
اعلم أن " أو" في الأصل موضوع لأحد الشيئين أو الأشياء، وقد تخرج إلى معنى (بل) وإلى معنى " الواو"، وهي حرف عطف، ذكر المتأخرون لها معاني كثيرةً، وهاهنا لأحد الأمْرين؟ لأن الواقع أحد الأمرين إما إقامة الصفوف أو المُخالفة، والمعنى: أو ليخالفن الله إن لم تُقيموا، لأنه قابلَ بين الإقامة وبيْنه، فيكون الواقع أحد الأمرين. ومعنى المخالفة بَيْن القلوب: أن يَتغيرَ بعضُهم على بَعْضٍ، فإن تقدم الإنسان على الشخص أو على الجماعة وتخليفه إياهم من غير أن يكون مقاما للإمامة، قد يُوغر صدورهم، وذلك موجب لاختلاف قلوبهم.
قوله: " يُلزق منكبه " - بضم الياء- من ألزق أي: يُلصق، يقال: لزقَ به لزوقا أي: لصق به، وألزقه به غيره.
قوله: " وكعبه بكعبه " أي: يلزق كعبه بكعب صاحبه. وفيه ما يدل على أن الكعب هو العَظم الناتِئ في مَفْصل الساق والقدم، وهو الذي يمكن إلزاقه، خلافاً لمَنْ قال: إنه مَعْقد الشراك من ظهر القدم. وأنكر الأصمعي قول من قال: إنه في ظهر القدم، قاله الشيخ زكي الدين في " مختصره".
قلت: نعم، إن الكعب هو العظم الناتئ في مفصل الساق والقدم،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6 / 2 0 13) ، و (34 / ص 93 1) .

(3/211)


وهو الصحيح عنْدنا- أيضاً- فكأنه يُشنعُ بقوله: " خلافاً لمنْ قال: إنه مَعْقد الشراك من ظهر القدم"على أصحابنا، فإن هشاما روى عن محمد ابن الحسن أن الكَعْب هو المفصل الذي على وسط القدم عند مَعْقد الشراك، ولكن تفسير محمد هذا ليس في باب الوضوء، وإنما هو في باب الحج، والخصمُ- أيضاً- يُفسر الكعب في باب الحج بهذا التفسير. وبهذا الحديث قالت العلماء: إن إقامة الصف من حسن الصلاة، وينبغي للإمام أن يتعهد تسوية الصفوف، فقد كان لعمر، وعثمان رجال وكَلاهُم بتسوية الصفوف.
فإن قيل: قوله- عليه السلام-:" أقيموا صفوفكم " أمر قارنه التكرار، وذكر معه الوعيد على تركه، فينبغي أن تكون إقامة الصفوف واجبا. قلت: فليكن واجبا، ولكنه ليس منْ واجبات الصلاة بحيث إنه إذا تركها أفسَد صلاته أو نقصها، ولكنه إذا تركها يأثم.
644- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد، عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير يَقولُ: كان النبي- عليه السلام- يُسوينا في الصفوف كما يُقومُ القدح، حتى إذا ظن أنَا قَدْ أخذنا ذلك عنه وصَفَفْنا (1) ، أقبل ذات يوم بوجهه إذا رجل منتبذ بصدْره فقَال: " لَتُسونَ صفوفَكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم " (2) .
ش- القِدح- بكسر القاف وسكون الدال-: خشب السهم حين تنحت وتُبرَى قبل أن يُنصلَ ويُراش، وجمعها: قداح- بكسر القاف. والمْعنى: يُبالغ في تسويتها حتى تصير كما تقوم السَهامُ.
قوله:" وصففنا " وفي نسخةِ:" وَصفنا" وفي رواية:" وفقِهنا"-
__________
(1) في سنن أبي داود:" وفقهنا" وسيذكر المصنف أنها رواية.
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: إقامة الصف من تمام الصلاة (723) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإ قامتها وفضل الأول فالأول منها
(4 2 1 / 433) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إقامة الصفوف (993) .

(3/212)


بكسر القاف- أي: فهمنا، من الفقه وهو الفهم، واشتقاقه من الشقً
والفتح، يقال: فقه يَفقه فقها- بفتح القاف- وفقها- بسكونها- وفقُه
- بضم القاف- صًار فقيها، وذكر ابن دريد فيه الكسر كالأول، وقد
جعله العُرف خاصا بعلم الشريعة، وتخصيصا بعلم الفروع منها.
قوله: " إذا رجل منتبذ بصَدْرِه " يعني: منفرد من الصف بعيد عنه،
وثلاثيه نبذتُ الشيءَ أنبذهُ نبذأ فهو مَنْبوذ، إذا رمَيْتَه وأبْعدتَه. وفي الحديث:
مر بقبر مُنتبذ عن القبورَ، أي: منفرد بعيد عنها.
قوله: " لتسون " بفتح اللام وضم التاء وتشديد الواو وضمها.
قوله: " أو ليخالفن الله " الكلام فيه كالكلام في " ليخالفن " في
الحديث الأول، ومعنى المخالفة بين الوجوه: يحتمل أن تكون كقوله:
"أن يحول الله صورته صورة حمار " يخالف بصفتهم إلى غيرها من
المسوخ، أو ليخالف بوجه من لم يُقِم صفه، ويُغير صورته عن وجه من
أقامه، أو ليخالف باختلاف صورها بالمسخ والتغيير، / أو يكون المعنى: [1/224-ب] يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب كما يقال: تغير وجهُ فلان
علي، أي: ظهر لي من وجهه كراهية لي، وتغير قلبُه علي، لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر هو
سبب لاختلاف البواطن.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم من حديث سالم بن أبي الجعْد،
عن النعمان بن بشير، فلفظ البخاري: قال النبي- عليه السلام-:
لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم" ولفظ مسلم: " كان
يُسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح، حتى رأى أنا قد عقلنا عنه
خرج يومأ فقام حتى كاد أن يكبر، فرأَى رجلاً باديا صدره فقال:"عباد
الله، لتسون صفوفكم) . وعند ابن ماجه: كان يسوي الصف حتى
يجعله مثل الرمح أو القِدح، قال: فرأى صدرَ رجلٍ ناتئا فقال الحديث.
وعند الترمذي، عن النعمان بن بشير قال: " كان رسول الله يسوي
صفوفنا، فخرج يوما فرأى رجلاً خارجا صدرُه عن القوم، فقال

(3/213)


الحديث، وقال: حديث النعمان حديث حسن صحيح. وقد روي عن النبي- عليه السلام- أنه قال:" من تمام الصلاة: إقامة الصف". وروي عن عمر أنه كان يُوَكلُ رجالا بإقامة الصفوف، فلا يكبر حتى يخبرُ أن الصفوف قد استوت. وروي عن علي وعثمان أنهما كانا يتعاهدان ذلك ويقولان: استوُوا، وكان علي يقول: تقدمْ يا فلان وتأخر يا فلان.
645- ص- نا هناد بن السريّ، وأبو عاصم بن جوّاس الحنفي، عن
أبي الأحْوص، عن منصور، عن طلحة الإيامي (1) ، عن عبد الرحمن بن عَوْسجة، عن البراء بن عازب قال: كان رسول الله يتخللُ الصف من ناحية إلى ناحية يَمْسحُ صدورنا ومَناكبَنا، ويَقُولُ: " لا تختلفوا فتَخْتلفَ قلوبكم "، وكان يقوًلُ: " إن الله وملائكته يصلون على الصفُوفِ الأوَل " (2) .
ش- أبُو عاصم: أحمد بن جواس الحنفي الكوفي. سمع:
أبا الأحْوص، وابن المبارك، ومحمد بن الفضل، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، ومسلم، وأبو داود، وغيرهم. مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين (3) .
وأبو الأحوص: سلام بن سليم، ومنصور: ابن المعتمر، وطلحة:
ابن مصرف الإِيامي (4) الهَمداني الكوفي، وعبد الرحمن بن عوسجة التميمي الهَمداني الكوفي.
قوله:" يتخللُ الصفّ " أي: يدخل في أثنائه؟ وأصل التخلل من إدخال الشيء في خلال الشيء أي: وَسطه.
قوله:" يَمْسح " بدل من قوله: " يتخلل، أو عطف بحذف حرف العطف، وحرف العطف قد يُحذف.
__________
(1) في سنن أبي داود: " اليامي"
(2) النسائي: كتاب الإمامة، باب: كيف يقوم الإمام الصفوف (2 / 89) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 / 21) .
(4) كذا.

(3/214)


قوله: " فتختلفَ " بالنصب جواب النهي، وأصله: فإن تختلفَ، والمعنى: إن يكن منكم اختلاف في الصفوف فاختلافُ القلوب من الله، وذلك نحو قوله تعالى:" وَلا تَطغَوْا فِيهِ فَيَحِل عَلَيكُمْ غضَبِي " (1) ، والمعنى: إن يكن منكم طغيان فإحلال غضب من الله.
قوله: " يصلون " قد ذكرنا غيْر مرة أن الصلاة من الله: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن المؤمنين: الدعاء. والحديث أخرجه النسائي. وعند أحمد: " إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول ".
646- ص- نا ابن معاذ: نا خالد- يعني: ابن الحارث-: نا حاتم
- يعني: ابن أبي صغيرة-، عن سماك قال: سمعتُ النعمان بن بشير قال: كان رسولُ الله يسَوي صفوفنا إذا قمنا للصلاة إذا استوينا كبر (2) .
ش- ابن معاذ: عُبيد الله.
وحاتم بن أبي صغيرة: أبو يونس القشيري مولى بني قشير من أهل البصرة، واسم أبيه: مسلم، يَرْوي عن: عمرو بن دينار، وسماك بن حَرْب. روى عنه: شعبة، ويحيى القطان، وأبو صغيرة الذي نسب إليه حاتم: أبو أمه.
قلت: ذكره ابن حبان في" الثقات" ولم أجده في " الكمال " فكأنه سقط من الشيخ أو من الناسخ (3) .
قوله: " إذا استوينا" بدل من قوله: " إذا قمنا "، وبه أخذ مالك، أن الإمام يشرع بعد الفراغ من الإقامة واستواء الصفوف.
647- ص- نا عيسى بن إبراهيم الغافقي: نا ابن وهب ح، ونا قتيبةُ: نا الليثُ- وحديثُ ابن وهب أتم-، عن معاوية بن صالح، عن
__________
(1) سورة طه: (81) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5 / 996) .

(3/215)


أبي الزاهريّة، عن كثير بن مرة، عن عبد الله بن عمر. قال قتيبةُ: عن أبي الزاهرية، عن أبي شجرة، لمِ (1) يذكر ابن عمر أن رسول الله- عليه
[1/225-أ] السلام- قال: " أقيموا الصفوف / وحاذوا بَيْن المناكب، وسُدوا الخَللَ ولِينُوا بأيدي إخوانكم "- لم يَقُلْ عيسى: " بأيْدي إخوانِكم " ولا تذَرُوا فُرْجَات للشيطان، ومَنْ وَصَلَ صفا وصَله الله، ومنْ قطعَ صفا قطعه الله، (2) ، (3) .
ش- عيسى بن إبراهيم: ابن عيسى بن مَثْرُود الغافقي مولاهم المَثْرودي الأحدبي نسبة إلى أحْدب- بالحاء المهملة- بطن من غافق، أبو موسى البصري. روى عن: ابن عيينة، وابن وهب، وحجاج بن سليمان، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم. توفي يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من صفر سنة إحدى وستين ومائتين، وكان مولده سنة سبعين ومائة، وكان ثقة ثبتا (4) .
وابن وهب: هو عبد الله بن وهب، والليث: ابن سَعْد، ومُعاوية
[ابن] صالح: أبو عمرو الحمصي، قاضي أندلس.
وأبو الزاهرية: حُدَير بن كُريب- بالحاء المهملة- المخرمي، ويقال: الحميري الحمصي. روى عن: حذيفة، وأبي الدرداء، وابن عَمرو، ورافع بن عُمير، وغيرهم. روى عنه: معاوية بن صالح، وسعيد بن سنان، والأحوص بن حكيم، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقال الدارقطني: لا بأس به إذا روى عن ثقة.
__________
(1) في سنن أبي داود:" ولم".
(2) جاء في سنن أبي داود بعد هذا: "قال أبو داود: أبو شجرة كثير بن مرة. قال أبو داود: ومعنى "لينوا بأيدي إخوانكم": إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه، فينبغي أن يلين له كل رجل منكبيه حتى يدخل في الصف"
(3) النسائي: كتاب الإمامة، باب: من وصل صفا (2 / 93) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 4616) .

(3/216)


توفي سنة تسع وعشرين ومائة. روى له: مسلم، وأبُو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وكثير بن مُرة: الحضرمي الرهاوي، أبو شجرة، ويُقال: أبو القاسم الحمصي. سمع: معاذ بن جبل، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعقبة بن عامر الجُهني، وغيرهم. روى عنه: خالد بن معدان، وأبو الزاهرية، وداود بن جميل، وغيرهم. قال الليث، عن يزيد بن أبي حبيب: أدرك سبعين بَدريا. قال محمد بن سَعْد: كان ثقة. وقال عبد الرحمن بن يوسف: هو صدوق. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
قو له: "حاذوا "أي: ساووا.
قوله:" وسدوا الخَلل " أي: الثلمة والفُرْجة.
قوله: " ولِينُوا بأيدي إخوانكم" قال أبو داود: معناه: إذا جاء رجل
إلى الصف فذهب يدخلُ فيه، فينبغي أن يلين له كل رجل منكبَيْه حتى يدخل في الصفً.
توله: " لم يقل عيسى " أي: لم يقل عيسى بن إبراهيم المذكور في روايته: " بأيدي إخوانكم" بل اقتصر على قوله: " ولِينُوا ".
قوله: " ولا تذروْا " أي: لا تتركوا، من وذرَه يذره مثل وسعه يسعه، ولكن أميت الماضي ولا يُقال: وذره ولا واذر، ولكن يقال: تركه وتارك. والفُرْجات- بتسكين الراء- جمع "فُرجة"، ومعنى فرجات الشيطان: أنه إذا وجَد بَيْن الصفوف موضعا خاليا يدخل فيه ويُوَسْوس. والحديث روي مُرسلاَ- أيضاً-، أشار إلى ذلك بقوله: "عن أبي شجرة لم يذكر ابن عُمر، وهو كثير بن مرة.
648- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا أبان، عن قتادة، عن أنس بن
__________
(1) المصدر السابق (5 / 1144) .
(2) المصدر السابق (24 / 4963) .

(3/217)


مالك، عن رسول الله- عليه السلام- قال: " رصوا صفوفكم، وقاربوا بيْنها، وحَافُوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده، إني لأرَى الشَيطانَ يَدخلُ من خلل الصف كأنها الحَذف" (1) .
ش- أبان: ابن يزيد العطار.
قوله: " رُصوا " أي: ضُموا بَعْضها إلى بَعْض وقاربوا بينها، ومنه رَص البناء، قال الله تعالى: (كَأنهُم بنيَان مرْصُوص) (2) .
قوله: " فوالذي " الفاء فيه للعطف وفيه معنى السببية، والواو للقسم، والتقدير: فوالله الذي، لأن الواو لا تدخل إلا على اسم مُظهر.
قوله: " كأنها الحذف"- بفتح الحاء المهملة، وفتح الذال المعجمة،
بعدها فاء- جمع حذفة، وهي غنم صغار سُود أكثر ما تكون باليمن، وقيل: هي صغار جُرد ليس لها آذان ولا أذناب، يجاء بها من جُرَش اليمن، وقيل: هي غنم صغار حجازية. وعند الحاكم: " رصوا الصفوف لا يتخللكم مثلُ أولاد الحَذف) قيل: يا رسول الله، وما أولاد الحذَفِ؟ قال: " غنم سُود صغار تكوَن باليمن" وصححه.
649- ص- نا أبو الوليد الطيالسي، وسليمان بن حرب قالا: نا شعبة،
عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله: " سَووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة " (3) .
ش- أخرجه البخَاري، ومسلم، وابن ماجه، وفي رواية: " من حُسن الصلاة"، وعند السراج من حديث شعبة: قال قتادة: قال أنس:
[1/225-ب] إن من حسن الصلاة: / إقامة الصف، وفي لفظ: من تمام الصلاة.
ثم إن تَسوية الصفوف من سُنة الصلاة عند أبي حنيفة ومالك والشافعي،
__________
(1) النسائي: كتاب الإمامة، باب: حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها (2/92) .
(2) سورة الصف: (4) .
(3) البخاري: كتاب الأذان، باب: إقامة الصف في تمام الصلاة (723) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها (433) ، ابن ماجه: كتاب
إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: إقامة الصفوف (993) .

(3/218)


وزعم ابن حزم أنه فرض، لأن إقامة الصلاة فرض، وما كان من الفرض فهو فرض، قال عليه السلام: "فإن تسوية الصف من تمام الصلاة ". قلنا: قوله: "فإنه من حُسن الصلاة " يدل على أنها ليْست بفرضِ،
لأن ذلك أمر رائد على نفس الصلاة، ومعنى قوله: " من تمام الصلاة ": من تمام كمال الصلاة، وهو- أيضاً- أمر زائد، فافهم.
650- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا حاتم بن إسماعيل، عن مُصْعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، عن محمد بن مسلم بن السائب صاحب المقصورة قال: صليتُ إلى جنب أنس بن مالك يومأ فقال: هل تَدْري لم صنِع هذا العُودُ؟ فقلت: لا والله، قال: كان رسولُ الله يَضَع علي يده (1) فيَقولُ: " استَوُوا وأعْدلوا (2) صفَوفكم " (3) .
ش- حاتم بن إسماعيل: الكوفي المدني، نزل المدينة.
ومُصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير: ابن العوام القرشي الأسدي المديني. سمع: أبا حازم، وعمه: عامر بن عبد الله بن الزبير، وهشام ابن عروة. روى عنه: ابن المبارك، وعيسى بن يونس، وابنه: عبد الله ابن مصعب، وغيرهم. قال أبو زرعة: ليس بقوي. وقال ابن معين: ضعيف. وقال أبو حاتم: صدوق كثير الغلط، ليس بالقوي. مات بالمدينة سنة سبع وخمسين ومائة، وهو ابن ثلاث وسبعين. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) .
ومحمد بن مسلم بن السائب: ابن خَباب (5) صاحب المقصورة. سمع: أنس بن مالك. وروى عن: أبي عبد الرحمن مولى أم فهكُم (6)
__________
(1) في سنن أبي داود: " يده عليه ".
(2) في سنن أبي داود: " وعدلوا".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/5980) .
(5) في الأصل: "جناب" خطأ.
(6) في الأصل: " فكهم ".

(3/219)


روى عنه: مصعب بن ثابت، والعلاء بن عبد الرحمن. روى له: أبو داود (1) .
قوله: " وأعدلوا "- بفتح الهمزة- من أعْدل يُعدِل بمعنى عَدلُوا.
651- ص- نا مسدد: نا حُميد بن الأسود: نا مصعب بن ثابت، عن محمد بن مسلم، عن أنس بن مالك بهذا الحديث قال: إن رسول الله كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه ثم التفت فقال: " اعتدلوا، سَوّوا صفوفكم " ثم أخذه بيساره وقال (2) : " اعتدلوا، سوّوا صفوفكم " (3) .
ش- حُمَيد بن الأسود: الكرابيسي أبو الأسود البصري. روى عن: عبد الله بن عون، وحجاج الصواف، وأسامة بن زيد، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، ومسدد، ونصر بن علي، وغيرهم. قال أبو حاتم: ثقة. روى له: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (4) .
قوله: " بهذا الحديث " إشارة إلى الحديث المذكور.
قوله: " أخذه " أي: أخذ العُود، وهو العود المذكور في الرواية الأولى
من الحديث.
قوله: " سوّوا " بيان لقوله: " اعتدلوا ".
652- ص- ما محمد بن سليمان الأنباري: نا عبد الوهاب- يعني:
ابن عطاء-، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس أن رسول الله- عليه السلام- قال: " أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه، فما كان من (5) نقصٍ فليكن في الصف المؤخر " (6) .
ش- عبد الوهاب: ابن عطاء أبو نصر الخفاف البصري، وسعيد:
ابن أبي عروبة.
__________
(1) المصدر السابق (6 2 / 5603) .
(2) في سنن أبي داود: " فقال".
(3) انظر التخريج المتقدم.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7 / 523 1) .
(5) في الأصل: " في "، وما أثبتناه من الشرح وسنن أبي داود.
(6) النسائي: كتاب الإمامة، باب: الصف المؤخر (2 / 93) .

(3/220)


قوله: " فما كان من نقص " يعني: فالذي كان من الصف من نقصِ فليكن ذلك النقص في الصف الأخير، والقصدُ من ذلك: أن لا يخلى موضع من الصف الأول مهما أمكن، وكذلك من الثاني والثالث وهلم جرا إلى أن ينتهي وتتكمل الصفوف، ف " ذا كان ثمة نقص يجعل ذلك في الصف الأخير. والحديث: أخرجه النسائي.
653- ص- نا ابن بشار: نا أبو عاصم: نا جعفر بن يحيى بن ثوبان قال: أخبرني عمي: عمارة بن ثوبان، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسولُ الله: "خيارُكم ألينكم مناكبَ في الصلاة " (1) ، (2) .
ش- ابن بشار: محمد، بندار، وأبو عاصم: النبيل.
وجعفر بن يحيى بن ثوبان الحجازي، روى عن: عمه: عمارة بن ثوبان. روى عنه: أبو عاصم، وعبيد بن عقيل. قال عليا بن المديني: هو شيخ مجهول لم يرو عنه غير أبي عاصم. روى له: أبو داود، وابن ماجه (3) .
وعمارة بن ثوبان: روى عن: عطاء، وعامر بن وائلة، وموسى بن باذان. روى عنه: ابن أخيه: جعفر المذكور. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) . وعطاء: ابن أبي رباح.
قوله: " ألينكم مناكب" لين المناكب: هو لزوم السكينة / في الصلاة، [1/226-أ]
والطمأنينة فيها: لا يلتفت، وقد تكون أن لا يمتنع على مَنْ يريد الدخول بين الصفوف لسد الخَلل، أو لضيق المكان، بل يُمكنه من ذلك ولا يدفعه بمنكبه لتتراص الصفوف، وتتكاثف الجموع.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في سنن أبي داود زيادة: " قال أبو داود: جعفر بن يحيى من أهل مكة ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5 / 960) .
(4) المصدر السابق (1 2 / 77 1 4) .

(3/221)


وقوله: "خياركم" مبتدأ بمعنى: خيركم و " ألينكم" خبره أفعل التفضيل من الليَّن، و " مناكب" نصب على التمييز، وإنما لم يدخله التنوين لكونه لا ينصرف، لكونه على منتهى صيغة الجموع كمساجد، والمراد منها: المنكبان، لأن الرجل ليس له ثلاث مناكب، وقد يذكر الجمع ويراد به التثنية كقوله تعالى: (فَقَدْ صغَتْ قُلُوبُكُمَا) (1) أي: قلباكما.
***
90- بَابُ: الصفُوف بيْن السواري
أي: هذا باب في بيان حكم الصفوف بين السواري، وفي بعض النسخ: " باب الصلاة والصف بين السواري) ، وفي بعضها: " الصلاة والصف بين السواري"، وفي بعضها: " باب ما جاء في الصفوف بين السواري"، وهي جمع سَاريةٍ وهي الأسطوانة.
654- ص- نا محمد بن بشار: نا عبد الرحمن: نا سفيان، عن يحيى ابن هانئ، عن عبد الحميد بن محمود قال: صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة فدُفعْنا إلى السَّواري فتقدمنا وتأخرنا، فقال أنس: كنا نتقي هذا عَلى عَهد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم (2) .
ش- عبد الرحمن: ابن مَهْدي العنبري البصري، وسفيان: الثوري. ويحيى بن هانئ: ابن عروة بن قعاص (3) ، ويقال: فضفاض المرادي، أبو داود الكوفي كان من أشراف العرب. روى عن: عبد الله ابن مسعود، وفروة بن مُسَيك. وسمع: أباه، وأنس بن مالك،
__________
(1) سورة التحريم: (4) .
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية الصف بين السواري (229) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: الصف بين السواري (2 / 94) .
(3) في الأصل:" عقاص" خطأ.

(3/222)


وعبد الحميد، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، وشريك، وغيرهم. وقال ابن معين وأبو حاتم: هو ثقة. وقال الدارقطني: يحتج به. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
وعبد الحميد بن محمود: المِعْوَلي البصري. روى عن: ابن عباس، وأنس بن مالك. روى عنه: يحيى بن هانئ، وعمرو بن هَرِم، وابنه: حمزة بن عبد الحميد. قال أبو حاتم: هو شيخ. وقال الدارقطني: كوفي ثقة يحتج به. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (2) . قوله: "فدفعنا إلى السواري " هذا إما لانقطاع الصف، وإما لأنه موضع جمع النعال، والأول أشبه، لأن الثاني محدث ولا خلاف في جوازه عند الضيق، وأما مع السعة فمكروه. والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي. وقال الترمذي: حديث حسن. وقد كره قوم من أهل العلم أن يصف بين السواري، وبه يقول أحمد، وإسحاق. وقد رَخص قوم من أهل العلم في ذلك. وقال أبو بكر: نا هشيم: أنا خالد، عمن حدثه، عن أنس قال: نُهِينا أن نصلي بين الأسَاطين.
نا وكيع: ما سفيان، عن أبي إسحاق، عن معدي كرب، عن ابن سَعْد قال: لا تَصُفوا بين الأساطين، ولا تأتموا بقوم يمترون ويلغون.
نا فضيل بن عياض، عن حصين بن هلال، عن حذيفة أنه كره الصلاة بين الأساطين.
نا شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم أنه كره الصلاة بيْن
الأساطين.
ثم بين أبو بكر مَنْ رخص فيه فقال: نا ابن علية، عن يونس، عن الحسن أنه كان لا يرى بأساً بالصف بين السواري.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32 / 6936) .
(2) المصدر السابق (6 1 / 3728) .

(3/223)


نا يحيى بن سعيد، عن وقاء قال: كان سعيد بن جبير يؤمنا بين
ساريتين.
نا محمد بن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد قال: رأيت إبراهيم التيمي يؤم قومه بين أسطوانتين.
نا وكيع: نا سفيان وإسرائيل، عن إبراهيم بن عبد الأعلى قال: كان سُويد بن غفلة يؤمنا بين أسطوانتين.
***
91- بَابُ: مَنْ يستحب أن يَلِي الإِمامَ في الصف وكراهية التَّأخُّرِ
أي: هذا باب في بيان من يستحب أن يقرب من الإمام في الصف وكراهة التأخر عنه، وفي بعض النسخ، "باب ما جاء فيما يستحب "، وفي بعضها: "باب مَن يلي الإمام " إلى آخره.
655- ص- نا ابن كثير: نا سفيان، عن الأعمش، عن عمارة بن عُمير، عن أبي معمر، عن أبي مَسْعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليَلِني منكُم أولُو
[1/226-ب] الأحْلام والنهى، ثم الذين / يَلُونهم، ثم الذين يلونهم " (1) .
ش- ابن كثير: هو محمد بن كثير البصري، وسفيان: الثوري، وسليمان: الأعمش.
وعُمارة بن عمير: التيمي تيم الله بن ثعلبة الكوفي، رأى عبد الله بن عُمر. وسمع: علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، وأبا معمر، وغيرهم. روى عنه: الأعمش، ومنصور بن المعتمر، والحكم بن عُتَيْبة وغيرهم. قال أحمد وابن معين وأبو حاتم: ثقة. روى له الجماعة (2) .
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول منها والازدحام على الصف الأول والمسابقة عليها وتقديم أولي الفضل وتقريبهم من الإمام (122/432) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: من يلي الإمام ثم الذي يليه (2 / 87) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من يستحب أن
يلي الإمام (976) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4193) .

(3/224)


وأبو مَعْمر: عبد الله بن سَخْبرة الأزدي من أزد شنُوءة، ويُقال: الأسْدي- بسكون السن- الكوفي. روى عن: أبي بكر الصديق مُرسلاً. وروى عن: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب. وسمع: عبد الله بن مسعود، وخباب بن الأرَت، وأبا مسعود البدري، والمقداد ابن الأسود. روى عنه: مجاهد، ويزيد بن شريك، وإبراهيم النخعي، وعمارة بن عُمير. قال ابن معين: هو ثقة. روى له الجماعة (1) .
وأبو مَسْعُود: عقبة بن عمرو البدري.
قوله: " لِيلني منكم " بكسر اللامين وتخفيف النون، من غير ياء قبل النون، من وَلي يلي أصله: يَوْلِي، حذفت الواو لوقوعهما بين الياء والكسرة فصار " يلي" وأمر الغائب منه " لِيَلِ" لان الياء تسقط للجزم، وأمر الحاضر "لِ" مثل " ق " على وزن " ع ". وقال الشيخ محيي الدين: ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التأكيد.
قلت: القاعدة: أن النون المؤكدة إذا دخلت الناقص تعود الياء والواو المحذوفتان فيصيرُ " ليليني منكم أولو الأحلام " أي: العُقلاء، وقيل: البالغون، والأحلام جمع حُلم- ب " م الحاء وسكون اللام- وهو ما يراه النائم، تقول: حلَم- بالفتح- واحتلم، وتقول: حلَمتُ بكذا وحلمتُه - أيضاً ولكن غلب استعماله فيما يراه النائم من دلالة البلوغ، فكان المراد هاهنا، ليلني البالغون. وذكر في " الفائق ": أمَر معاذا أن يأخذ من كل حالم دينارا، قيل: المراد: مَنْ بلغ وقت الحُلْم حَلَم أو لم يَحلُمْ. قوله: " والنهى "- بضم النون- جمع نُهْية- بضم النون وسكون الهاء- وهي العقل، ويقال: بفتح النون- أيضاً-، لأنه ينهى صاحبه عن الرذائل، وكذلك العقل لعَقْله، وهو مأخوذ من عقال البعير، وكذلك الحكمة من حكمة البعير، وهي حديدة لجامها التي تمنعها من العدول عن الاستقامة. وقيل: " أولو النهى " لأنه ينتهي إلى رأيهم واختياراتهم
__________
(1) المصدر السابق (15 / 3291) .
15* شرح سنن في داوود3

(3/225)


لعقلهم، ويُقالُ: رَجل نَه ونَهِي من قوم نهين. وقال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون" النُّهَى"مصدرا كالهُدى، وأن يكون جمعا كالظلَم، قال: والنهى معناه في اللغة: الثبات والحَبْس، ومنه النهْيُ والنَهْيُ- بكسر النون وفتحها- والتَنْهِيَةُ للمكان الذي ينتهي إليه الماء فيُسْتنقع. قال الواحدي: فيرجع القولان في اشتقاق النُهْية إلى قول واحد وهو الحَبْس، فالنُهْية هي التي تَنْهى وتَحْبس عن القبائح.
قلت: التنهية- بفتح التاء المثناة من فوق، وسكون النون، وكسر الهاء، وفتح الياء آخر الحروف- وقال في" الصحاح ": تنهية الوادي بحيث ينتهي إليه الماء من حروفه، والجمع: التناهِي.
فإن قيل: ما وجه هذا العطف؟ قلت: إن فسر أولو الأحلام بالعُقلاء يكون عطف قوله:" والنهى" على " الأحلام " للتأكيد، لأن المعنى واحد وإن اختلف اللفظ، وإن فسر أولو الأحلام بالبالغين يكون المعنى: ليَقْرُبْ مني البالغون العقلاء.
فإن قيل: ما وجه تخصيصهم بذلك؟ قلت: لاستخلافه إن احتاج، ولتبليغ ما سمعوه منه، وضبط ما يحدث عنه، والتنبيه على سَهْو إن وقع، ولأنهم أحق بالتقدّم، وليقتدي بهم مَن بعدهم. وكذا ينبغي لسائر الأمة الاقتداء بسيرته- عليه السلام- في كل حال من جموع الصلاة، ومجالس العلم والذكر، ومجالس الرأي ومعارك القتال.
قوله: " ثم الذين يلونهم " معناه: الذين يقربون منهم في هذا الوصف. واستدل بهذا الحديث أصحابنا في ترتيب الصفوف، فقال صاحب " الهداية": ويصف الرجال ثم الصبيان ثم النساء، لقوله- عليه السلام-:
[1/227-أ] " ليلني منكم أولو الأحلام والنهى". / واستدلّ- أيضاً بهذا الحديث أن محاذاة المرأة الرجلَ وهما مشتركان في صلاةِ تُفسِدُ صلاة الرجل.
فإن قيل: كيف تثبت الفرضية بهذا وهو خبر الآحاد؟ قلنا: إنه من المشاهير، فتثبت به فرضيّة تمييز مقام المرأة من مقام الرجل، ويجور به

(3/226)


الزيادة على الكتاب. وقال صاحب " الأسرار ": إن لم تثبت فروض الصلاة بخبر الواحد ففروض الجماعة تثبت، لأن أصل الجماعة ثبت بالسنة فافهم.
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه. وروى الحاكم في " المستدرك " في كتاب " الفضائل" من حديث عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب قال: كان رسول الله- عليه السلام- يأتينا إذا أقيمت الصلاة، فيَمْسحُ عواتقنا ويَقولُ: " أقيموا صفوفكم، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وليلني منكم أولو الأحلام والنُهى" انتهى. وسكتَ عنه.
656- ص- نا مسدّد: نا يزيد بن زريع: نا خالد، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي- عليه السلام- مثله، وزاد: " ولا تختلفوا فَتخْتلفَ قلوبكم، وإياكم وهَيْشاتِ الأسْواق" (1) .
ش- خالد: الحذاء، وأبو معشر: زيادُ بن كليب، وإبراهيم: النخعي، وعلقمة: ابن قيس النخعي، وعبد الله: ابن مسعود.
قوله: " مثله " أي: مثل الحديث المذكور.
قوله: (فتختلف" بالنصب جواب النهي، وقد مر نظيرُه.
قوله: " وإياكم وهيشات الأسواق " أي: اتقوا أنفسكم ابن تتعرض لهَيْشات الأسواق، وهذا من المنصوبات باللازم إضمارُه كما في قولك: إياك والأسَدَ. والهيشات- بفتح الهاء، وسكون الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة- وروية "هَوْشات" وأصله من الهَوْش وهو الاختلاط، والهَوْشة: الفتنة، وبينهم تهاون أي: اختلاط واختلاف، والمعنى:
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: تسوية الصفوف وفضل الأول فالأول منها ... إلخ (123 / 432) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء ليلني منكم أولو الأحلام والنهى (228) ، النسائي في الكبرى: كتاب الشروط.

(3/227)


اتقوا أنفسكم من المنازعات والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها.
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي. وقال الترمذي: حسن غريب. وقال الدارقطني: تفرد به: خالد بن مهران الحذاء، عن أبي معشر زياد بن كليب.
657- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا معاوية بن هشام: نا سفيان، عن أسامة بن زيد، عن عثمان بن عروة، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله وملائكته يُصلون على ميامن الصفوف" (1) .
ش- عثمان بن عروة: ابن الزبير بن العوام الأسدي القرشي. روى عن: أبيه. روى عنه: أخوه: هشام، وابن إسحاق، وسفيان بن عيينة، وأسامة بن زيد، وغيرهم. قال ابن معين: هو ثقة. مات قبل الأربعين ومائة. روى له: الجماعة إلا الترمذي (2) .
قوله: " على ميامن الصفوف " الميامن: جَمْع مَيْمنة، لأن اليمين لها فضل على اليَسار في كل شيء. والحديث: أخرجه ابن ماجه- أيضاً رحمه الله.
***
92- بَابُ: مقام الصِّبْيان مِن الصَّفِّ
أي: هذا باب في بيان مقام الصبْيان من الصف، وفي بعض " النسخ:
" باب ما جاء في مقام الصبيان من الصف ".
658- ص- نا عيسى بن شاذان: نا عياش الرقّام: نا عبد الأعلى: نا قرة ابن خالد: نا بُديل: نا شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنْم قال: قال أبو مالك الأشعري: ألا أحدّثكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقامَ الصلاةَ
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: فضل ميمنة الصف (1005) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9 1 / 5 384) .

(3/228)


فصف (1) الرجالَ، وصف خلفهم الغلمانَ، ثم صلى بهم، فذكر صلاتَه،
ثم قال:" هكذا صلاة ". قال عبد الأعلى: لا أحْسِبُه إلا قال: "أمتي (2) " (3) .
ش- عيسى بن شاذان: البصري نزيل مصر، حدّث بها سنة ثلاثين
ومائتين، ومات بعد ذلك. روى عن: عياش الرقام. روى عنه:
أبو داود (4) .
وعياش بن الوليد أبو الوليد الرقام البصري القطان. سمع: عبد الأعلى
ابن عبد الأعلى، وأبا معاوية الضرير، ووكيعاً، وغيرهم. روى عنه:
محمد بن يحيى الذهلي، وأبو زرعة، وأبو حاتم- وقال: هو من الثقات-، والبخاري، وأبو داود، وغيرهم. توفي سنة ست وعشرين
ومائتين (5) .
وعبد الأعلى: ابن عبد الأعلى السامي القرشي، أبو همام.
وقرة بن خالد: أبو خالد ويقال: أبو محمد السدُوسي البصري.
روى عن: أبي رجاء العطاردي /، والحسن البصري، وابن سيرين، [1/227-ب]
وقتادة، وغيرهم. روى عنه: شعبة، ويحيى القطان، ووكيع، وغيرهم. قال ابن معين: هو من أثبت شيوخنا. وقال أبو حاتم: ثقة.
توفي سنة نيف وسبعين ومائة. روى له الجماعة (6) .
وبُديل: ابن مَيْسرة البصري، وشَهر بن حَوْشب: الشامي الحمصي.
وعبد الرحمن بن غنم: ابن كريب بن هانئ الأشعري، كان ممن قدم
على رسول الله في السفينة، وكان يسكن فلسطين وقدم دمشق، وبعضهم
ينكر صحبته. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: هو جاهلي، ليست له
__________
(1) في سنن أبي داود: "فأقام الصلاة وصف"
(2) في سنن أبي داود: "صلاة أمتي ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4628) .
(5) المصدر السابق (22 / 3 0 46) .
(6) المصدر السابق (23 / 0 487) .

(3/229)


صحبة. روى عن: النبي- عليه السلام-، وعن: عمر، وعلي، ومعاذ، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وأبي مالك الأشعري. رو ى عنه: ابنه: محمد، وأبو سلام الحبشي، وشهر بن حوشب، وجماعة آخرون. مات سنة ثمان وسبعين. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه عن الصحابة، ولم يرووا له عن رسول الله - عليه السلام- (1) . وأبو مالك الأشعري: اختلف في اسمه، فقيل: الحارث، وقيل: عبيد، وقيل: كعب بن عاصم، وقيل: عمرو. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " قال عبد الأعلى: لا أحْسبه إلا قال " مُعترض بين قوله: " صلاة"وبين قوله:" أمتي " بيْن المضاف والمضاف إليه، والضمير المنصوب في "لا أحسبُه " راجع إلى قرة بن خالد، وكذا الضمير الذي في " قال ". وأخرج أحمد في " مسنده " عن أبي مالك الأشعري أنه قال يوما: يا معشر الأشعريين، اجتمعوا واجمعوا نساءكم وأبناءكم حتى أريكم صلاة رسول الله، فاجتمعوا وجمعوا أبناءهم ونساءهم، ثم توضأ وأراهم كيف يتوضأ، ثم تقدم فصف الرجال في أَدنى الصف، وصف الولدان خلفهم، وصف النساء خلف الصبيان.
ورواه ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن ليث بن أبي سليم، عن شهر بن حوشب، عن أبي مالك الأشعري أن النبي - عليه السلام- صلى فأقام الرجال يلونه، وأقام الصبيان خلف ذلك، وأقام النساء خلف ذلك.
ومن طريقه: رواه الطبراني في " معجمه ".
وقال أبو بكر: حدثنا عبد الله، عن أبان العطار، عن أبي هاشم، عن إبراهيم، أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى غلاما في الصف أخرجه.
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2 / 424) ، وأسد الغابة (3 / 487) ، وا لإصابة (2 / 17 4) .

(3/230)


93- بَابُ: صف النسَاء والتأخّر (1) عَنِ الصَّفِّ الأوّل
أي: هذا باب في بيان حكمَ صف النساء وحكم التأخر عن الصف الأول، وفي بعض النسخ:" باب ما جاء في صف النساء والتأخير عن الصف الأول ".
659- ص- نا محمد بن الصباح البزاز: نا خالد، وإسماعيل بن زكرياء، عن سُهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيرُ صفوف الرجال: أولها، وشرها: آخرها، وخير صفوف النساء: آخرها، وشرها: أولها " (2) .
ش- خالد: ابن عبد الله الواسطي.
وإسماعيل بن زكرياء: الخُلقاني أبو زياد الكوفي الأسدي- أسد خزيمة- مولاهم، نزل بغداد، يلقب: شَقُوصا. سمع: الأعمش، وسهيل بن أبي صالح، وعاصما الأحول، وغيرهم. روى عنه: محمد بن الصباح، وأبو الربيع الزَّهْراني، ومحمد بن بكار، وغيرهم. قال أحمد: هو مقارب. وقال ابن معين: هو صحيح الحديث. توفي ببغداد في أول سنة ثلاث وستين ومائة وهو ابن خمس وستين سنة. روى له: الجماعة إلا النسائي (3) .
وسُهَيل بن أبي صالح: ذكوان الزيات.
قوله: "خير صُفوف الرجال: أولها " لما رُوي أن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأوَل، ولأن أصحاب الصف الأول هم المبادرون المُسارعون ولهم فضيلة السبق والقرب من الإمام، وليس بينهم وبيْن القبلة أحد، ثم
__________
(1) في سنن أبي داود: " وكراهية التأخر ".
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: تسوية الصفوف (132 / 0 44) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل الصف الأول (224) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: ذكر خير صفوف النساء وشر صفوف الرجال (2 / 93) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: صفوف النساء (1000) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3 / 445) .

(3/231)


هذا الممدوح من الصفوف هو الصف الذي يلي الإمام سواء جاء صاحبه متقدما أو متأخرا، وسواء تخلله مقصورة ونحوها أم لا. وقال بعضهم: الصف الأول هو المتصل من طرف المسجد إلى طرفه لا يتخلله مقصورة ونحوها، فإن تخلل الذي يلي الإمام شيء فليس بأوّل، بل الأول ما لا يتخلله شيء وان تأخر. وقيل: الصف الأول عبارة عن مجيء الإنسان إلى المسجد أولا وإن صلى في صف متأخرِ.
[1/228-أ] وقال الشيخ محيى الدين: هذان القولان / غلط صريح.
قلت: لفظ الأوّل من الأمور النسْبيّة، فيُطلقُ على كل صف في المَسْجد من عند الإمام إلى أن ينتهي إلى آخر الصُفوف، فآخر الصفوف هو نقيض كل صف قبله إلى الإمام، فيُطلقُ على كل واحد من الصفوف غير الصف الأخير أنه خير الصفوف، ولم يُطلق شرّ الصفوف إلا على آخر الصفوف ليس إلا فافهم. وإنما صار آخر صفوف الرجال شر الصفوف إما لبُعدهم من الإمام، أو لقربهم من النساء، وقد يكون شرا لمخالفتهم أمرَه فيها عليه السلام، وتحذيراً من فعل المنافقين بتأخرهم عنه وعن سماع ما يأتي به، ومعنى كونها شرا: أقلّها أجراً فهو بالنسبة إلى الأول مطلقا ناقصٌ.
قوله: " وخير صفوف النساء: آخرُها " هذا إذا صلّين مع الرجال، وأما إذا صلين جماعةً وحدهن فهن كالرجال خيرُ صفوفهن: أولها، وشرها: آخرها، وأما إذا صلين مع الرجال فخيرُ صفوفهن: آخرها لبُعْدهن من الرجال ورؤيتهم، وتعلّق القلب بهم عند رؤية حركاتهم، وسماع كلامهم ونحو ذلك، وشر صفوفهن: أولها لِعكسِ ذلك المعْنى. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأبو بكر في " مصنفه ".
660- ص- نا يحيى بن معين: نا عبد الرزاق، عن عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:

(3/232)


قال رسول الله- عليه السلام-: " لا يزالُ قوم يَتأخرُون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النارِ " (1) .
ش- عبد الرزاق: ابن همام.
وعكرمة بن عمار: أبو عمار اليمامي العجلي البَصْري. سمع: سالم ابن عبد الله، وسماك بن الوليد، ونافعا مولى ابن عمر، ويحيى بن أبي كثير، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، ويحيى القطان، وجماعة آخرون. قال أحمد بن حنبل: مضطرب الحديث عن غير إياس، وكل حديثه عنه صالح، وحديثه عن يحيى بن أبي كثير صالح. وقال ابن معين: صدوق ليس به بأس. وقال أبو حاتم: كان صدوقا وربما وهم في حديثه وربما دلس، وفي حديثه عن يحيى بن أبي كثير بعض الأغاليط. وقال أحمد بن عبد الله: ثقة. روى له: الجماعة إلا البخاري، وكان مستجاب الدعوة (2) .
وأبو سلمة: عبد الله بن عبد الرحمن.
قوله: " حتى يؤخرهم الله في النار" أي: يوقعهم فيها، وهذا تغليظ في حق من يتكاسل عن المبادرة إلى الصف الأول، ويجيء في أخريات الناس وتعود بذلك.
661- ص- نا موسى بن إسماعيل، ومحمد بن عبد الله الخزاعي قالا:
نا أبو الأشهب، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرا فقال لهم: " تقدموا فَائتموا بي، وليأتم بكم مَنْ بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم اللهُ " (3) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20 / 4008) .
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول=

(3/233)


ش- أبو الأشْهب: جعفر بن حيان العطاردي السعْدي الخراز (1) البصري الأعمى. روى عن: الحسن البصري، وأبي رجاء العطاردي، وأبي نضرة العبدي، وعكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم. روى عنه: الثوري، ويحيى القطان، ووكيع، وغيرهم. قال ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم: ثقة. مات سنة ست وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (2) . وأبو نضرة: منذر بن مالك.
قوله: " وليأتم بكم مَنْ بعدكم " معناه: يَستدلون بأفعالكم على أفعالي،
لا أنهم يقتدون بهم، فإن الاقتداء لا يكون إلا لإمام واحد، ففيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يَسْمعه على مَبلغ عنه، أو صف قدامه يراه متابعا للإمام. وقوله: " مَنْ " - بفتح الميم- اسم فاعل لقوله:" وليأتم ".
قوله: " لا يزال قوم يتأخرون " أي: عن الصفوف الأوَل حتى يؤخرهم الله عن رحمته، أو عظيم فضله، ورفع المنزلة ونحو ذلك. وقد قيل: هذا في حق المنافقين. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
***
94- بَابُ: مَقام الإِمَام مِنَ الصَّفّ
أي: هذا باب في بيان مقام الإمام من الصف، وفي بعض النسخ: "في الصف ".
662- ص- نا جعفر بن مسافر: نا ابن أبى فديك، عن يحيى بن بشير ابن خلاد، عن أمه، أنها دخلت على محمد بن كعب القُرظي فسمعته
__________
-
= (130 / 438) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: الائتمام بمن يأتم بالإمام (2 / 83) ، ابن ماجه: كتاب " قامة الصلاة " باب: من يستحب أن يلي الإمام (978) .
(1) في الأصل:" الجرار ".
(2) المصدر قبل السابق (5 / 937) .

(3/234)


يقولُ: حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وَسطُوا الإمامَ وسُموا
الخللَ " (1) .
ش- جعفر بن مسافر: التنيسي / أبو صالح الهذلي، وابن أبي فديك: [1/228-ب]
محمد بن إسماعيل بن أبي فُديك- دينار- المدني.
ويحيى بن بشير بن خلاد: الأنصاري. روى عن: أمه: [أمة]
الواحد (2) بنت يامين بن عبد الرحمن بن يامين. روى عنه: اَبن
أبي فديكَ، وإبراهيم بن المنذر. روى له: أبو داود (3) .
ومحمد بن كعب: ابن حيان بن سليم بن أسد، أبو حمزة القُرظي
المدني، من حلفاء الأوس بن حارثة، وكان أبوه من سَبْي القريظة،
سكن الكوفة ثم تحول إلى المدينة، قال قتيبة: بلغني أنه ولد في زمن النبي
- عليه السلام-. سمع: معاوية بن أبي سفيان، وابن عباس، وزيد بن
أرقم، ويقال: سمع ابن مسعود، ورأى ابن عُمر بن الخطاب. وروى
عن: جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وأبي ذر،
وغيرهم. ومن التابعين: عبد الله بن شداد. روى عنه: عمرو بن دينار،
ونافع بن مالك، ومحمد بن المنكدر، وجماعة آخرون. قال أبو زمعة:
مدني ثقة وقال ابن سَعْد: كان ثقة عالما كثير الحديث ورعا. مات سنة
ثمان ومائة وهو ابن ثمان وسبعين. روى له الجماعة (4) .
قوله: " وَسِّطُوا الإمام " مِنْ وَسطتُ القومَ- بالتَشديد- بمعنى:
توَسّطتُهم إذا كنتَ في وسَطهم، ويُقالُ: وَسَطْتُ القوم- أيضاً بالتخفيف-
أسِطُهم وسطا وسِطَةً، وفي بعض النسخ:"توسطوا " من توسطتُ،
والمقصود من ذلك: أن تكون الجماعة فرقتين،فرقة عن يمين الإمام وفرقة
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " الواجد " خطأ، وهي مترجمة في تهذيب الكمال (35 / 7787) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمالي (31 / 6796) .
(4) المصدر السابق (26 / 5573) .

(3/235)


عن يساره، ويكون الإمامُ وسْطهم، وليس المعنى أن يقوم مساويا معهم في وسطهم، لأن وظيفة الإمام التقدم على القوم.
قوله: " وسدُوا الخلل " أي: الفُرْجة التي تكون في الصفوف. وقال أبو بكر: نا وكيع، عن ابن جريج، عن عطاء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سد فرجةً في صَفّ رفعه الله بها درجةً، أو بنى له بيتاً في الجنّةِ ". وقال- أيضاً-: نا ابن أبي عدي، عن محمد بن عون قال: سألت محمداً عن الإمام يُصلي بالقوم يقوم في راوية ولا يقوم وسَطاً؟ فقال: لا أعلم به بأساً. فإن قيل: هذا يُخالفُ حديث أبي هريرة. قلت: حديث أبي هريرة محمول على الفضيلة دون الوجوب، حتى إذا قامت الجماعة كلهم عن يمين الإمام أو عن يساره تجوز صلاتهم، ولكن يكونون تاركين للسُنَّة والفضيلة.
***
95- بَابُ: الرَّجُل يُصَلِّي وَحْدهَ خَلفَ الصَّفِّ
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يُصلي وحده خلف الصفّ، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في الرجل " إلى آخره.
663- ص- ما سليمانُ بن حرب، وحفصُ بن عُمر قالا: نا شعبة، عن عمرو بن مُرة، عن هلال بنِ يَساف، عن عمرو بن راشد، عن وابصة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يُصلي خلف الصف وَحْده فأمرَه أن يُعيدَ. قال سليمان: الصلاةَ (1) .
ش- عمرو بن راشد: الأشجعي أبو راشد الكوفي. روى عن: عمر
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده (230، 231) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: صلاة الرجل خلف الصف وحده (1004) .

(3/236)


ابن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، ووابصة. روى عنه: هلال بن
يِسَاف. روى له: أبو داود، والترمذي (1) .
ووابصة- بكسر الباء الموحدة وبالصاد المهملة- ابن معبد بن عتبة بن
الحارث بن مالك الأسدي أبو سالم أو أبو الشعثاء، أو أبو سعيد، قدم
على النبي- عليه السلام- في عشرة رهط من بني أسد سنة تسع،
فأسلموا ورجع إلى بلاد قومه، ثم نزل الجزيرة وسكن الرقة، وقدم
دمشق وكانت له بها دار بقنطرة سنان. روى عن النبي- عليه السلام-،
وعن: ابن مسعود، وغيره. روى عنه: ابناه: سالم وعمرو، والشعبي،
وعمرو بن راشد، وغيرهم. توفي بالرقة وقبره بها عند منارة مسجد
جامع الرقة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
قوله: " قال سليمان " أي: ابن حرب. وأخذ بظاهر الحديث:
أحمد، وإسحاق، والنخعي، وعن بعض أصحاب أحمد: إذا افتتح
صلاته منفرداً خلف الإمام، فلم يلحق به أحد من القوم حتى رفع رأسه
من الركوع، فإنه لا صلاة له، ومن تلاحق به بعد ذلك فصلاتهم كلهم
فاسدة وإن كانوا مائة أو كثر. وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك: صلاة
المنفرد خلف الإمام جائزة، / وتأولوا أمره إياه بالإعادة على الاستحباب [1/ 229 - أ] ، دون الوجوب. وفي حديث أبي بكرة الذي يأتي الآن دلالة على أن صلاة
المنفرد خلف الصف جائزة، لأن جزءاً من الصلاة إذا جاز على حال
الانفراد جاز سائر أجزائها، ويدل- أيضاً - حديث المرأة المصلية خلفه في
حديث أنس منفردةً، وحكم الرجل والمرأة في هذا واحد. وروى الطبراني
في " الأوسط " (3) من حديث يونس بن عُبيد، عن ثابت، عن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 4363) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3 / 641) ، وأسد الغابة (5 / 427) ، والإصابة (3 / 626) .
(3) (3 /2711) ، وفيه زيادة: " بعدُ " بعد " الناس ".

(3/237)


أنس أنه صلى خلف النبي- عليه السلام- وحده ووراءه امرأة حتى جاء الناسُ، وقال: تفرد به: إسماعيل.
وحديث وابصة: أخرجه الترمذي، وابن ماجه، عن حُصين، عن هلال بن يساف قال: أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي ونحن بالرقة فقام بي على شيخَ يُقال [له] ، وابصة، فقال زياد: حدثني هذا الشيخ- والشيخ يَسْمع- أن رجلاً صلى، فذكره، وقال: حديِث حسن. قال: واختلف أهل العلم فقال بعضهم: حديث عمرو بن مرة أصحِ، وقال بعضهم: حديث حصين أصح، وهو عندي أصح من حديثِ عمرو، لأنه رُوِيَ من غير وجه عن هلال، عن زياد، عن وابصة. انتهى، وليس في حديث ابن ماجه: " أخبرني هذا الشيخ " فكأن هلالاً، (1) رواه عن وابصة نفسه، وقال ابن حبان: سمع هذا الخبر هلال، عن عمرو، عن وابصة، وسمعه من زياد عن وابصة، فالطريقان جميعاً محفوظان، وليس هذا الخبر مما تفرد به هلال بن يساف، ثم أخرجه عن يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد، عن عم عبيد الله بن أبي الجعد، عن أبيه: زياد بن أبي الجعد، عن وابصة، فذكره. ورواه البزار (2) في " مسنده " بالأسانيد الثلاثة المذكورة، ثم قال: أما حديث عمرو بن راشد: فإن عمرو بن راشد رجل لا نعلم حدث إلا بهذا الحديث، وليس معروفاً بالعدالة، فلا يحتج بحديثه، وأما حديث حُصين: فإن حُصيناً لم يكن بالحافظ، فلا يحتج بحديثه في الحكم، وأما حديث يزيد بن أبي زياد: فلا نعلم أحداً من أهل العلم إلا وهو يضعف أخباره فلا يحتج بحديثه، وقد روُيَ عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، عن وابصة، وهلال لم يَسمع من وابصة فأمسكنا عن ذكره لإرسالهَ. انتهى.
وقال الشافعي: سمعت بعض أهل العلم بالحديث يذكر أن بعض المحدثين يُدخِل بين هلال ووابصة رجلاً، ومنهم مَن يَرويه عن هلال، عن وابصة سمعه منه.
__________
(1) في الأصل: " هلال ".
(2) في الأصل: " البزاز " خطأ.

(3/238)


قلتُ: كأنه يُوهنُه بذلك. وقال البيهقي: لم يُخرجاه لما حكاه
الشافعي من الاختلاف في سنده، ولما في حديث علي بن شيباَن من أن
رجاله غير مشهورين. وقال الشافعي في موضع آخر: لو ثبت الحديثُ
لقلتُ به. وقال الحاكم: إنما لم يخرج الشيخان لوابصة في كتابيهما
لفساد الطريق إليه. وقال ابن المُنذر: بينه أحمدُ وإسحاق. وقال أبو عمر:
فيه اضطراب ولا يُثْبتُه جماعة. وقال: الإشبيلي: غيرُ أبي عُمر يَقولُ:
الحديث صحيحْ، لأن حُصَيناً ثقة، وهلالَاً مثله وزياداً كذلك، وقد
أسْندوه والاختلاف فيه لا يضره.
فإن قيل: أخرج ابن ماجه، عن عبد الله بن بدر، عن عبد الرحمن
ابن علي بن شيبان، عن أبيه قال: صلينا وراء النبي- عليه السلام-،
فلما قضى الصلاة رأى رجلاً فرداً يصلي خلف الصف، قال: فوقف علي
نبي الله حتى انصرف ثم قال له: " استقبل صلاتك، فإنه لا صلاة لمن
صلى خلف الصف وحده " (1) . قلتُ: رواه ابن حبان في " صحيحه،
والبزار في " مُسْنده " وقال: وعبدُ الله بن بدر ليس بالمعروف، إنما حَدث
عنه ملازمُ بن عمرو، ومحمدُ بن جابر، فأما ملازم: فقد احتُمل حديثُه
وإن لم يُحتج به، وأما محمد بن جابر: فقد سكت الناسُ عن حديثه،
وعلي بن شيبان: لم يحدث عنه إلا ابنه، وابنه هذا صفته، وإنما ترتفع
جهالة المجهول إذا روى عنه ثقتان مشهوران، فأما إذا روى عنه من لا
يحتج بحديثه لم يكن ذلك الحديث حجةً، ولا ارتفعت جهالته. فإن
قلتَ: حديث آخر أخرجه البزار فيه مسنده عن النضر بن عبد الرحمن،
عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي- عليه السلام- نحو حديث ابن شيبان /. قلت: قال البزار: ولا نعلم رواه عن عكرمة إلا النضرُ وهو [1/229 - ب] لين الحديث، وقد روى أحاديث لا يتابع عليها وهو عند بعض أهل العلم
ضعيف جداً فلا يحتج بحديثه. انتهى. وسئل أبو عبد الله عن حديث ابن
(1) ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: صلاة الرجل خلف الصف وحده (1003) .

(3/239)


عباس فقال: هذا حديث منكرٌ أو باطلٌ. قال الأثرم: قلتُ له: أي شيء أحْسنها إسناداً؟ قال: حديث شعبة، عن عمرو بن راشد، عن وابصة
***