شرح أبي داود للعيني

96- بَابُ: الرَّجُل يَركعُ دونَ الصَّف
أي: هذا باب في بيان الرجلِ الذي يَركع خارج الصف، وفي بعض النسخ: " باب: ما جاء في الرجل ".
664- ص- نا حُميد بن مَسْعدة، أن يَزيدَ بن زُرَيْع حدثهم قال: نا سَعيد بن أبي عروبة، عن زياد الأعلم قال: ما الحسن أن أبا بكرة حدّث أنه دخل المسجد ونبي الله صلى الله عليه وسلم راكع قال: فركعتُ دون الصف "، فقال النبي - عليه السلام -: " زادك الله حرْصاً ولا تَعُدْ " (1) .
ش- زياد الأعلم: هو زياد بن حسان بن قرة البصري، والحسَن: البصري، وأبو بكرَة: نُفَيْع بن الحارث.
قوله: " دون الصف " أي: وراءه.
قوله: " زادك الله حرصاً " أي: في الخير والمبادرة إليه، لأنه استعجل في الركوع قبل أن يتساوى مع من في الصف.
قوله: " ولا تعد " إرشاد له في المستقبل إلى ما هو الأفضل. وفيه دليل على أن صلاة المنفرد خلف الصف جائزة، لأن جزءاً من الصلاة إذا جاز في حال الانفراد جاز سائر أجزائها، ولو لم تكن جائزة لأمره- عليه السلام- بالإعادة، فعلم من هذا أن الأمر بالإعادة في حديث وابصة على الاستحباب دون الوجوب- كما ذكرناه. والحديث: أخرجه البخاري، والنسائي.
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: إذا ركع دون الصف (783) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: الركوع دون الصف (2 / 118) .

(3/240)


665- ص-[نا] ، موسى بن إسماعيل: نا حَماد: أنا زياد الأعلم، عن الحسن، أن أبا بكرة جاء ورسول الله راكع، فركع دون الصَّفّ ثم مشى إلى الصف، فلما قضىِ النبي- عليه السلام- صلاته قال: " أيكم الذي ركعَ دون الصف ثمِ مَشى إلى الصف؟ " فقال أبو بكرة: أنا، فقال النبي- عليه السلام-: " زادكَ اللهُ حِرصاً ولا تَعُدْ " (1) .
ش- فيه: أن المشي إلى الصف بعد الشروع في الصلاة غير مُفسد، ولكنه مُقدر، فقدره بعض أصحابنا بخَطوة حتى لو مشى خطوتين أو كَثر فسدت صلاته، وقدر [5] ، بعضهم بموضع سجوده، كذا في " المُحيط ". وفيه: أن الصلاة خلف الصف وحده تكره وإن كانت جائزةً. وعن أبي حنيفة: إذا لم يجد فرجةَ في الصف ينتظر حتى يجيء آخرُ فيقوم معه، فإن لم يجد أحداً حتى أراد الإمام الركوع يجذبُ وأحداً من الصف، فيقوم معه لئلا يصير مرتكباً للمنهي عنه، وإن كان في الصحراء، قيل: يكبر أولاً ثم يجذب أحداً من الصف حتى تأخذ تلك البقعة حرمة الصلاة، فلا تفسد صلاة المجذوب، وقيل: وإن لم يكبر لا تفسد صلاته، لأنه متى أراد الصلاة فقد أخذت، تلك البقعة حرمة الصلاة.
وقال أبو بكر: نا عباد بن عوام، عن عبد الملك، عن عطاء في الرجل يدخل المسجد وقد تم الصفوف؟ قال: إن استطاع أن يدخل في الصفّ دخل، وإلا أخذ بيد رجل فأقامه معه، ولم يَقُمْ وحده.
***
97- بَابُ: مَا يَسْتُر المُصلي
أي: هذا باب في قدر ما يستر المصلي، وفي بعض النسخ: " تفريع أبواب السترة في الصلاة، قدْرُ ما يستر المصلي " (2) .
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: إذا ركع دون الصف (783) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: الركوع دون الصف (2 / 118) .
(2) كما في سنن أبي داود
16. شرح سنن أبي داود 3

(3/241)


666- ص- نا محمد بن كثير العَبْدي: أنا إسرائيل، عن سماك، عن موسى بن طلحة، عن أبيه: طلحة بن عُبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا جعلت بين يديك مثل مُؤخرة الرحل فلا يضرك مَنْ مر بين يديك " (1) . ش- إسرائيل: ابن يونس، وسماك: ابن حَرْب.
ومُوسى بن طلحة: ابن عبيد الله أبو عيسى أو أبو محمد المدني، سكن الكوفة. سمع: أباه، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبا أيوب الأنصاري، والزبير بن العوام، وأبا ذر الغفاري، وغيرهم. روى عنه: عبد الملك بن عُمير، وأبو إسحاق السبيعي، وسماك بن حرب، وغيرهم. قال أحمد بن عبد الله: كوفي ثقة. مات بالكوفة سنة ثلاث ومائة. روى له الجماعة (2) .
وطلحة بن عبيد الله: ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سَعْد بن تيم
[1/ 230 - أ] ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي، / يلقى رسول الله في الأب السابع مثل أبي بكر الصديق، وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر، وأحد الستة أصحاب الشورى، سماه رسول الله طلحة الخير، وطلحة الجود، وطلحة الفياض، رُوِيَ له عن رسول الله ثمانية وثلاثون حديثاً، اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بثلاثة، قتل يوم الجمعة لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وهو ابن أربع وستين، وقبره بالبصرة. روى عنه: السائب بن يزيد، والأحنف بن قيس، وأبو سلمي، وجماعة آخرون. روى له الجماعة (3) .
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: سترة المصلي (241 / 499) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في سترة المصلى (335) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما يستر المصلي (940) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29 / 6269) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2 / 219) ، وأسد الغابة (3 / 85) ، والإصابة (2 / 229) .

(3/242)


قوله: " مثل مؤخرة الرحل " المؤخرة: بضم الميم وكسر الخاء وهمزة ساكنة، ويُقال: بفتح الخاء المشددة مع فتح الهمزة، ويقال: بفتح الميم وكسر الخاء وسكون الواو، ويقال: آخرة الرحل بهمزة ممدودة وكسر الخاء - وهي: الخشبة التي يستند إليها الراكبُ من كور البَعير. وفيه: بيان الندب إلى السُّترة بين يدي المصلي، وبيان أن أقلها كمؤخرة الرحل، وهي قدر عظم الذراع، وهو نحو ثلثي ذراع، ويحصل بأي شيء أقامه بين يديه. وشرط مالك أن تكون في غلظ الرمح، وقال صاحب " الهداية ": ومقدارها: ذراع فصاعداً. انتهى. وقيل: مثل مقدار سهم. وقال صاحب " الهداية ": وقيل: في غلظ الإصبع , لأن ما دونه لا يبدُو للناظرين من بعيد فلا يَحْصله المقصود. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، وابن ماجه.
667- ص- نا الحسن بن علي: نا عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء قال: آخرة الرحل: ذراع " فما فوقه (1) .
ش- عطاء: ابن أبي رباح. وقال أبو بكر: نا زيد بن حباب: أنا عبد الملك بن الربيع بن سَبْرة بن معبد الجهني قال: اخبرني أبي، عن أبيه قال: قال النبي- عليه السلام-: " ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسَهْم ".
نا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير قال: رأيت أنس بن مالك في المشعر الحرام قد نصَبَ عصاً فصلى إليها.
نا مَعْنُ بن عيسى، عن ثابت بن قيس أبي الغصن قال: رأيتُ نافع بن جُبير يُصلي إلى السوْط في السفر وإلى العَصَا.
668- ص- نا الحسن بن علي: نا ابن نمير، عن عُبَيْد الله، عنِ نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله- عليه السلام- إذا خرج يوم العيد أمر بالحرْبة
__________
(1) تفرد به أبو داود.

(3/243)


فتوضعُ بين يدَيْه، فيُصلي إليها والناسُ وراءه، وكان يفعل ذلك في السَفر فمِن ثم اتخذها الأمراًء (1) .
ش- ابن نُمير: هو عبدُ الله بن نُمير الكوفي، وعُبيد الله بن عُمر: ابن حفص العدوي المدني، ونافع: مولى ابن عمر.
قوله: " أمر بالحرْبة " قال في " المطالع ": قيل: إنه هو الرمح العريض النصل.
قوله: " فيصلي إليها " أي: إلى جهة الحرْبة.
قوله: " وكان يفعل ذلك " أي: كان رسول الله- عليه السلام- يفعلُ وضع الحرْبة بين يديه للصلاة في السفر.
قوله: " فمن ثم " أي: فلأجل ذلك اتخذ الحربةَ الأمراء. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
669- ص- نا حفص بن عمر: نا شعبة، عن عَوْن بن أبى جُحيفة، عن أبيه أن النبي- عليه السلام- صلى بهم بالبطحاء وبن يديه عنزة الظهرَ ركعتين والعصرَ ركعتين، يمرُّ خلف العنزة المرأةُ والحمارُ (2) .
ش- أبو جُحيفة: وهب بن عبد الله السوائي، قد ذكرناه، وابنَه: عَوْن (3) مرةً.
__________
-
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: إدخال البعير في المسجد للعلة (464) ، وباب: الصلاة إلى الحربة (498) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: سترة المصلى (245 / 501) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الحربة يوم العيد (1305) .
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: الصلاة إلى العنزة (499) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: سترة المصلى (249 / 503) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: الانتفاع بفضل الوضوء (1 / 87) .
(3) كذا.

(3/244)


قوله: " بالبَطحاء " أي: بطحاء مكة , وبَطحاء الوادي وأبطحه: حصَاه
اللينُ في بطن المَسِيل.
قوله: " وبين يديه عنزة " حال، والعنزة: عصا في أسفلها حديدة،
ويقال: العنزة: قدر نصف الرمح أو أطول شيئاً فيها سنان مثل سنان
الرمح، والعكازة نحو منها، وقيل: العنزة: ما دُور نصلُه، والآلة
والحربة العريضة النصل.
قوله: " الظهر " منصوب بقوله: "صلى بهم "، و " العصر" عطف علي.
قوله: " المرأة " مرفوع لأنها فاعل قوله:" يمر " و " الحمار " عطف
علي، وهي- أيضاً- جملة وقعت حا"
ويستفاد منه فوائد؟ الأولى: استحباب نَصْب العنزة ونحوها إذا صلى
في الصحراء بين يدَيْه.
الثانية: أن الأفضل: قصر الصلاة في السفر وإن كان بقرب بلدِ ما لم
ينو الإقامة خمسة عشر يوماً.
/ والثالثة: أن مرور المرأة والحمار ونحوهما من خلف السّترة لا يضر [1/230-ب] ، المُصلي. والحديث: أخرجه البخاري، ومُسلم.
***
98- بَابُ: الخَطَّ إذا لم يَجِدْ عَصى
أي: هذا باب في بيان الخط إذا لم يجد عصى ونحوها للسترة.
670- ص- نا مسدد: نا بشر- يعني: ابن المفضل-: نا إسماعيل
- يعني: ابن أمية- قال: حدثني أبو عَمرو بن محمد بن حُريث أنه سمع
جده: حُريثاً يُحدث عن أبي هريرة أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صلى أحدكم
فليجعَلْ تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصاه (1) فإن لم يكن معه عصا فليخطط خطا ثم لا يَضره ما مر أمامَه " (2) .
(1) في سنن أبي داود: " عصا "
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما يستر المصلي (943) .

(3/245)


ش- إسماعيل: ابن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي المكي. سمع: أباه، وسعيد بن المسيّب، ونافعاً، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وابن عيينة، وبشر بن المفضل، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. مات سنة أربع وأربعين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وأبو عمرو بن محمد بن حريث: العذري. سمع من جَده حديثا عن أبي هريرة. وقال ابن معين: هو جد لإسماعيل بن أميّة من أمِّه. وقال الطحاوي: هو مجهول. روى له: أبو داود، وابن ماجه (2) .
قوله: " أمامه " أي: أمام الخط , والمراد منه: خلفه، لأن " الإمام " مشترك بين الخلف والقدام. ثم هذا الحديث تكلموا فيه، فقال القاضي عياض: هو ضعيف، وإن كان قد أخذ به أحمد. وقال سفيان بن عيينة: لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث- على ما يجيء الآن- وكان إسماعيل ابن أمية إذا حدث بهذا الحديث يقول: عندكم شيء تشدونه به؟. وقد أشار الشافعي إلى ضعْفه. وقال البيهقي: ولا بأس به في مثل هذا الحكم إن شاء الله تعالى. وقال الشيخ محي الدين: فيه ضعف واضطراب. واختلف قول الشافعي فيه، فاستحبه في " سنن حرملة " وفي " القديم " ونفاه البُويطي، وقال جمهور أصحابه باستحبابه، وليس في حديث مؤخرة الرحل دليل على بطلان الخط. وقال القاضي عياض: ولم ير مالك وعامة الفقهاء الخط.
قلت: وكذا قال أصحابنا، فقال صاحب " المحيط ": والخط ليس بشيء، لأنه لا يصيرُ حائلاً بينه وبَيْن المار. وكذا قال صاحب " الهداية " ونقل بعض أصحابنا أن الخط معتبر عند عدم ما يَنْصبُه، فقيل: يُخط طولاً، وقيل: مثل المحراب، ونذكره الآن إن شاء الله. وهذا الحديث: أخرجه ابن ماجه- أيضاً- وأبو بكر في " مصنفه ".
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3 / 426) .
(2) المصدر السابق (34 / 7534) .

(3/246)


ص- قال (1) أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل سُئلَ عن الخط غير مرة فقال: هكذا- يعني: عَرْضاً مثل الهلال.
ش- يعني: يخطه عرضاً مثل الهلال ولا يخطه طولاً، وبه قال بعض أصحابنا- كما ذكرناه.
ص- قال أبو داود: وسمعت مُسدداً قال: قال ابن داود: الخط بالطول (2) .
ش- ابن داود: هو عبد الله بن داود بن عامر الخُرَيْبي البصري.
قوله: " الخط بالطول" يعني: الخط المذكور في الحديث هو أن يكون طولاً لا عرضاً، وبه قال بعض أصحابنا.
671- ص (3) - نا عبد الله بن محمد الزهري: نا سفيان بن عيينة قال: رأيت شريكاً صلى بنا في جنازة (4) فوَضع قلنسوته بَيْن يديه- يعني: في فريضة حضرت (5) .
ش- عبد الله بن محمد: ابن عبد الرحمن بن المسْور بن مخرمة بن نوفل البصري الزهري. روى عن: سفيان بن عيينة، وأبي داود الطيالسي، ومالك بن سعير. روى عنه: محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبو حاتم - وقال: صدوق-، والجماعةُ إلا البخاري. مات سنة ست وخمسين ومائتين (6) .
وشريك: النخعي.
__________
(1) هذا النص والذي بعده جاء في سنن أبي داود عقب الحديث بعد الآتي.
(2) جاء في سنن أبي داود بعد هذا: " قال أبو داود: وسمعت أحمد بن حنبل وصف الخط غير مرة فقال: هكذا- يعني: بالعرض حوراً دوراً مثل الهلال- يعني: منعطفاً".
(3) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود بعد الحديث الآتي.
(4) في سنن أبي داود: وفي جنازة العصر ".
(5) تفرد به أبو داود.
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16 / 3540) .

(3/247)


قوله: " فوضع قلنسوته " ذكر في " شرح الفصيح ": هي غشاء مُبطن يُلبَسُ على الرأس، وذكر ثعلب في " فصيحه " فيها لغة أخرى وهي "القُلَيْسِيَة "- بضم القاف، وفتح اللام، وسكون الياء الأولى، وكسر السين، وفتح الياء الثانية- وقال في " الجامع ": الجمع: قلانس وقلاس وحكى فيه القَلَنْس، كما قال الراجز:
لا نوم حتى تلحقي بعَنْس....... أهل الرباط البيض والقَلَنْس
وهي: القلاسي. وفي " شرح الفصيح " لابن خالويه: والعربُ تسمي [1/231 - أ] القلنسوة بُرنُساً، وفي " التلخيص " لأبي هلال العسكري /: البرنس: القلنسوة الواسعة التي تُغطى بها العمائم ويَسترُ من الشمس والمطر، وفي " العين ": الكُمه: القَلنسوة. وقال ابن هشام في " شرحه ": هي التي يقول لها العامة: الشاشية، وعن يونس: أهل الحجاز يقولون: قلَنْسية- بالنون بعد اللام- وتميم يقولون: قلَنْسُوَة، وبعضهم يقول: قلَيْسَية- بالياء بعد اللام-، وهي ردية، وإذا صغرتها تقول: قُلَيْنِسَةْ وقُلَيْسَيةْ وقلنسية. ذكر هذه الوجوه الثلاث الجوهري في " الصحاح "
672- ص- نا محمد بن يحيى بن فارس: نا عليّ، عن سفيان- يعني: ابن عيينة-، عن إسماعيل بن أميّة، عن أبي محمد بن عمرو بن حريث، عن جَدّه: حُريث رجل من بني عُذْرة، عن أبي هريرة، عن أبي القاسمِ. قال فذكر حديث الخط. قال سفيان: لم نجدْ شيئاً نَشدُّ به هذا الحديث، ولم يجئ إلا من هذا الوَجه. قال: قلتُ لسفيان: إنهم يَخْتلفون فيه فتفكر ساعة ثم قال: ما أحفظُ إلا أبا محمد بن عمرو، قال سفيان: قدمَ هنا رجل بعد ما مات إسماعيل بن أمية فطلبَ هذا الشيخَ أبا محمد حتى وجَده فسأله عنه فخلَط عليه (1) .
ش- علي: ابن عياش بن مسلم الحمصي.
قوله: " عن أبي محمد بن عَمرو " هكذا في رواية ابن عُيينة، عن
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.

(3/248)


إسماعيل بن أمية، عن أبي محمد: بن عمرو بن حريث، عن جده، وفي رواية بشر بن المفضل، عن إسماعيل بن أمية: " نا، أبو عمرو بن محمد ابن حريث- كما مر في الرواية المتقدمة.
قوله: " من بني عُذرة " بضم العين المهملة، وسكون الذال المعجمة. قوله: " قال: قلت لسفيان " أي: قال علي بن عياش: قلت لسفيان بن عُيينة: إن الرواة يختلفون في راوي هذا الحديث، هل هو أبو محمد بن عمرو بن حريث أو هو أبو عمرو بن محمد بن حريث؟
قوله: " فطلبَ هذا الشيخَ ": الشيخ منصوب لأنه مفعول " طلب " و" أبا محمد " منصوب لأنه بدل من الشيخ أو عَطْفُ بيان، والمقصود: أشار أبو داود بهذا الكلام إلى أن هذا الحديث فيه ضَعْف واضطراب، والله أعلم.
***
99- باب: الصّلاةِ إلَى الرَّاحلةِ
أي: هذا باب في بيان حكم الصلاة إلى الراحلة، والراحلة: المركب من الإبل ذكراً كان أو أنثى، وقد مر تفسيرها غير مرة.
673- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، ووهب بن بقية، وابنُ أبي خلف، وعبد الله بن سعيد، قال عثمان: نا أبو خالد قال: أنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عُمر أن النبي- عليه السلام- كان يُصلي إلى بعيره (1) .
ش- وهب بن بقية: الواسطي.
وابن أبي خلف: اسمه: أحمد بن محمد بن أحمد بن [محمد بن] أبي خلف البغدادي القطيعي، حدث عن: حصين بن عمر الأحمسي،
__________
(1) البخاري: كتاب الوتر، باب: الوتر على الدابة، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جوار صلاة النافلة على الدابة (36) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة إلى الراحلة (352) .

(3/249)


وابن عيينة. وروى عنه: أبو داود، وإبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة، وهو ثقة (1) .
وعبد الله بن سعيد: ابن حُصَين أبو سعيد الأشج الكوفي الكندي. سمع: عيسى بن يونس، وحفص بن غياث، ومحمد بن فضيل، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، والجماعةُ، وغيرهم. وقال ابن مَعين: ليس به بأس، ولكنه يروي عن قوم ضعفاء. وقال النسائي: صدوق، وفي رواية: لا بأس به. مات سنة سبع وخمسين ومائتين (2) .
وأبو خالد: سليمان بن حيان الأحْمر الجعْفري الكوفي، وعُبيد الله:
ابن عمر العمري.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي. ولا يُعارضُه حديث كراهة الصلاة في أعطان الإبل، لأنه ليس في هذا الحديث أنه صلى في مَوضع الإبل، وإنما صلى إلى البعير، لا في موضعه، وليس إذا أنيخ بعير في موضع صار ذلك عطناً أو مأوى للإبل، والمعاطن: هي مواضع إقامتها عند الماء واستيطانها. وقال القرطبي: فيه دلالة أن أبوال الإبل ليست بنجسة، وكذا أرواثها. وقال ابن التيًن عن مالك: ولا يُصلى إلى الخيل والحُمر، لأن أبوالها نجسة. وعند محمد من أصحابنا: أبوال الفرس طاهرة فيُصلي إليها.
* * *
100- باب: إذا صلى إلى سارية أو نحوها أين يجعلها منه؟
أي: هذا باب في بيان / حكم الرجل إذا صلى إلى سارية- أي: أسطوانة- أو نحوها أين يجعل السارية منه؟
674- ص- نا محمود بن خالد الدمشقي: نا علي بن عياش: نا
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 / 92) .
(2) المصدر السابق (15 / 3303) .

(3/250)


أبو عُبيدة: الوليد بن كامل، عن المهلب بن حُجْرِ البَهراني، عن ضُباعة بنْت المقداد بن الأسود، عن أبيها قال: ما رأيتُ رسول الله يصلي إلى عُود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيْسر، ولا يصمُد له صَمْداً (1) .
ش- الوليد بن كامل: ابن معاذ بن محمد بن أبي أمية (2) أبو عُبيدة البجلي مولاهم الشامي الحمصي، وقيل: إنه دمشقي. روى عن: المُهلب بن حجر، ونصر بن علقمة الحضرمي، ورجاء بن حيوة، وغيرهم. روى عنه: على بن عياش، وبقية بن الوليد، ويحيى بن صالح الوحاظي، وغيرهم. قال أبو حاتم: شيخ. وقال البخاري: عنده عجائب. روى له: أبو داود (3) .
والمهلب بن حُجر البهراني: الشامي. روى عن: ضباعة بنت المقداد. روى عنه: الوليد بن كامل. روى له: أبو داود (4) .
وضُبَاعة: بضم الضاد المعجمة، وفتح الباء الموحدة، روت عن: أبيها. وروى عنها: المهلب المذكور. روى لها: أبو داود، وابن ماجه (5) .
قوله: " ولا يَصْمد له صَمْداً " من صَمدتُ الشيء صَمْداً: قصَدته. قال الجوهري: صَمَده يصمُده صمْداً: قصده.
قلت: من باب نَصر ينصرُ. والصَمَد: السيد الذي يُصمَد إليه في الحوائج، أي: يقصد فيها. وبهذا الحديث: استند أصحابنا أنه يجْعلُ السترة على حاجبه الأيْمن أو الأيْسرِ. وقال صاحب " الهداية ": ويجعلُ السترة على جانبه (6) الأيمن أو على الأيْسر، به ورَد الأثرُ.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل:" عبيدة ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 3 / 1 673) .
(4) المصدر السابق (29 / 6228) .
(5) المصدر السابق (35 / 7882) .
(6) في الأصل: (جانب) .

(3/251)


(1) والحديث: أخرجه أحمد في " مسنده " (2) ، والطبراني في "معجمه" وابن عدي في " الكامل " (3) ، وأعلَّه بالوليد بن كامل. وقال ابن القطان: فيه علتان , علة في إسناده، وعلة في متنه، أما التي في إسناده، فقال: إن فيه ثلاثة مجاهيل، فضباعة مجهولة الحال ولا أعلم أحداً ذكرها، وكذلك المهلب بن حجر مجهول الحال، والوليد بن كامل من الشيوخ الذين لم تثبت عدالتهم، وليس له من الرواية كثير شيء يستدل به على حاله. وأما التي في مَتنه: فهي أن أبا علي بن السكن رواه في " سننه " هكذا: نا سعيد بن عبد العزيز الحلبي: نا أبو تقي هشام بن عبد الملك: ما بقية، عن الوليد بن كامل: نا المهلب بن حجر البهراني، عن ضُبَيْعة بنْت المقدام بن معدي كرب، عن أبيها قال: قال رسول الله: " إذا صلى أحدكم إلى عمود أو سارية أو شيء، فلا يَجْعله نصْبَ عينَيْه وليجعله على حاجبه الأيْسر ". قال ابن السكنَ: أخرج هذا الحديث أبو داود من رواية عليا بن عياش، عن الوليد بن كامل، فغير إسناده ومَتْنه. فإنه عن ضباعة بنْت المقداد بن الأسود، عن أبيها , وهذا الذي روى بقية هو عن ضبيعة بنت المقدام بن معدي كرب، عن أبيها، وذلك فعل، وهذا قول " (4) .
* * *
101- باب: الصَّلاةِ إلى المتحدثين والنِّيام
أي: هذا باب في بيان الصلاة إلى ناس متحدثين وناس نيام، والنيام: جمع نائم كالصيام جمع صائم، والقيام جمع قائم.
675- ص- نا عبد الله بن مسلمة القعنبي: نا عبد الملك بن محمد بن أيمن، عن عبد الله بن يَعْقوب بن إسحاق، عن مَنْ حدّثه، عن محمد بن
__________
(1) انظر: نصب الراية (2 / 83- 84) .
(2) (6/4)
(3) (8/ 362- ترجمة الوليد بن كامل) .
(4) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(3/252)


كعب القرظي قال: قلت (1) - يعني: لعمر بن عبد العزيز-: حدَّثني
عبد الله بن عباس، أن النبي- عليه السلام- قال: " لا تصلوا خلف النائم
ولا المتحدث " (2) .
ش- عبد الملك بن محمد بن أيمن: روى عن: عبد الله بن يعقوب.
وروى عنه: ابن مسلمة. روى له: أبو داود (3) .
وعبد الله بن يعقوب بن إسحاق: المدني. روى عن: أبي الزناد،
وعمن حدثه عن ابن كعب. روى عنه: عبد الملك المذكور، وعبد الله
ابن أبي الزناد. روى له: أبو داود، والترمذي (4) .
وهذا الحديث: أخرجه ابن ماجَه، وفي سند أبي داود رجل مجهول،
وفي سند ابن ماجه: أبو المقدام هشام بن زياد البصري لا يحتج بحديثه.
وقال الخطابي (5) : هذا الحديث لا يصح عن النبي- عليه السلام-،
لضعف سَنده، وعبد الله بن يعقوب لم يسمِّ من حدثه عن محمد بن
كعب، وإنما رواه عن محمد بن كعب رجلان / كلاهما ضعيفان: تمام [1 /232-أ] ابن بَزِيع، وعيسى بن مَيْمون، وقد تكلم فيهما ابن معين والبخاريّ،
ورواه- أيضاً- عبد الكريم أبو أميّة، عن مجاهد، عن ابن عباس،
وعبد الكريم: متروك الحديث. قال أحمد بن حنبل: ضربنا علي
فاضربوا عليه. وقال ابن معين: ليس بثقة ولا يحمل عَنه، وقد ثبت عن
النبي- عليه السلام- أنه صلى وعائشة نائمة معترضة بينه وبين القِبْلة.
انتهى.
وروى البزار في " مسنده ": حدثنا محمود بن بكر: نا أبي، عن
عيسى بن المختار، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الكريم، عن مجاهد،
__________
(1) في سنن أبي داود: " قلت له ".
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من صلى وبينه وبين القبلة شيء (959) ، وباب: من رفع يديه في الدعاء ومسح بهما وجهه (1181) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 / 3554) .
(4) المصدر السابق (16 /3671) .
(5) معالم الحق (1 / 161) .

(3/253)


عن ابن عباس أن النبي- عليه السلام- قال: " نهيت أن أصلي إلى النيام والمتحدثين "، وقال: لا نعلمه يُروَى إلا عن ابن عباس. انتهى.
قلت: وفي إسناده: عبد الكريم، وقد سمعتَ ما قالوا فيه. وروى البزار (1) - أيضاً-: حدثنا أحمد بن يحيى الكوفي: ثنا إسماعيل بن صبيح: نا إسرائيل، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن محمد ابن الحنفية، عن علي أن رسول الله رأى رجلاً يُصلي إلى رجل فأمَره أن يُعيد الصلاة، قال: يا رسول الله، إني صليتُ وأنت تنظر إلي. قال: هذا حديث لا نحفظه إلا بهذا الإسْناد. وكأن هذا المصلي كان مستقبل الرجل بوَجْهه فلم يتنح عن حياله. انتهى.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا إسماعيل بن علية، عن ليث، عن مجاهد يرفعه قال: " لا يأتم بنائم ولا محدثٍ ".
ونا وكيع: نا سفيان، عن عبد الكريم أبي أمية، عن مجاهد أن النبي
- عليه السلام- نهى أن يصلى خلف النوام والمتحدثين. انتهى.
قلت: في إسناده- أيضاً عبد الكريم. ثم حكم الصلاة خلف النائم أنه يجوز بلا خلاد، لحديث عائشة. وأما الصلاة خلف المتحدث: فقال صاحب " الهداية ": ولا بأس أن يُصلي إلى ظهر رجل قاعدٍ يتحدث، لأن ابن عمر- رضي الله عنهما- ربما كان يستتر بنافع في بعضِ أسْفاره. وقال الخطابي: وأما الصلاة إلى المتحدثين فقد كرهها الشافعي، وأحمد بن حنبل، وذلك من أجل أن كلامهم يُشْغل المُصلي عن صلاته.
***
102- باب: الدنو من الستْرة
أي: هذا باب في بيان الدنو- أي: القرب- من السُّترة.
676- ص- نا ابن الصباح: أنا سفيان ح، ونا عثمان بن أي شيبة،
__________
(1) كشف الأستار (1 / 583)

(3/254)


وحامد بن يحيى، وابن السرحْ قالوا: ثنا سفيان، عن صفوان بن سليم، عن نافع بن جبير، عن سَهْل بن أبي حثمة يبلغ به النبي- عليه السلام- قال: " إذا صلى أحدكم إلى سترة فَليُدن منها، لا يقطعُ الشيطانُ عليه صلاته " (1) .
ش- محمد: ابن الصباح الدولابي، وسفيان: ابن عيينة.
وحامد بن يحيى: ابن هانئ البلخي، أبو عبد الله، سكن طرسوس. روى عن: ابن عُيينة، ومروان بن معاوية، ويحيى بن سليم، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو داود، وغيرهم. مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين. قال أبو حاتم: صدوق. روى له: الترمذي (2) . وابن السرْح: هو أحمد بن طاهر بن السَرْح، وصفوان بن سليم: المدني.
وسهل بن أبي حَثْمة- واسم أبي حثمة: عبد الله- بن ساعدة الأنصاري المدني أبو يحيى أو أبو محمد، مات النبي- عليه السلام- وهو ابن ثمان سنين وقد حفظ عنه، رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام- خمسة وعشرون حديثاً اتفقا على ثلاثة أحاديث. روى عنه: بشير بن يَسار، وصالح بن خوات، وأبو ليلى بن عبد الله، ونافع بن جبير، وغيرهم. روى له الجماعة (3) .
قوله: " فليدن منها " أي: فليقرب من السترة.
قوله: " لا يقطع الشيطان علي صلاته " خرج مخرج التعليل، ومعنى " قطع الشيطان صلاته عليه " إذا لم يدن من السّترة: أنه ربما يمر بينه وبينها أحد أو حيوان فيحصل له التشوش بذلك، ولا يدري كم صلى، فيحصل
__________
(1) النسائي: كتاب القبلة، باب: الأمر بالدنو من السترة (2 / 62) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5 / 1063) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (97 / 2) ، وأسد الغابة (2 / 468) ، وا لإصابة (2 / 86) .

(3/255)


له وَسوسة فيقطع صلاته، وإنما نُسب إلى الشيطان، لأن قطع العبادة
وإبطالها من أعمال الشيطان. والحديث: أخرجه النسائي، وكذلك رواه
ابن حبان في " صحيحه " في النوع الخامس والتسعين من القسم الأول.
ص- قال أبو داود: رواه واقد بن محمد، عن صفوان، عن محمد بن
سهل، عن أبيه أو عن محمد بن سهل، عن النبي- عليه السلام-. وقال
[1 / 232- ب] بعضهم: عن نافع بن جبير، / عن سهل بن سَعْد، واختلف في إسناده.
ش- أشار أبو داود بهذا الكلام إلى اختلاف إسناد هذا الحديث، ولا
يضر ذلك، فإن الحاكم أخرجه وقال: على شرط البخاري ومسلم.
وواقد بن محمد: ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي
القرشي أخو أبي بكر، وعمر، وزيد، وعاصم. روى عن: أبيه،
ومحمد بن المنكدر، وسعيد بن مرجانة، ونافع مولى ابن عمر. روى
عنه: شعبة، وأخوه: عاصم. وقال أحمد ويحيى بن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: لا بأس به، ثقة يحتج بحديثه. روى له: البخاري،
ومسلم، وأبو داود، والنسائي (1) .
وصَفْوان: ابن سليم المذكور. ومحمد بن سَهْل: ابن عسكر أبو بكر.
روى عن: عبد الرزاق. وروى عنه: مسلم، والترمذي، والنسائي،
وابنُ صاعد، وجماعة آخرون.
قوله: " وقال بعضهم: عن نافع بن جبير، عن سهل بن سَعْد " يعني:
عن صفوان بن سليم، عن نافع بن جبير. وبهذا الطريق أخرجه الطبراني
في " معجمه " عن ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن صفوان
ابن سليم، عن نافع بن جبير، عن سهل بن سَعْد الساعدي أن رسولَ الله
قال: " إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يمرّ الشيطان بينه
وبيْنها ". وبهذا السند رواه أبو نُعيم في " الحلية، في ترجمة صفوان بن
سليم. ورواه الطبراني- أيضاً بطريق أخرى، عن جُبير بن مطعم
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30 / 6670) .

(3/256)


مَرفوعاً نحوه سواء. ورواه البزار في " مسنده "- أيضاً- من " حديث، جبير بن مطعم. ورواه ابن حبان في " صحيحه " من حديث زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سَعيد الخدري، عن أبيه قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، فإن الشيطان يمرّ بينه وبينها، ولا يدع أحداً يمرّ بين يديْه ".
677- ص- نا القعنبي والنفيلي قالا: نا عبد العزيز- هو ابن أبي حازِم- قال: أخبرني أبي، عن سهل قال: كان بَيْن مقام النبي- عليه السلام- وبيْن القبلة ممرُّ العَنْزِ (1) ، (2) .
ش- عبد العزيز: ابن أبي حازم- سلمة- بن دينار، أبو تمام المدني المخزومي مولاهم. سمع: أباه، وزيد بن أسلم، وسهيل بن أبي صالح، وغيرهم. روى عنه: القعنبي، والنفيلي، ويحيى بن بكير، وإبراهيم ابن محمد الشافعي، وغيرهم. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. مات سنة أربع وثمانين ومائة. روى له الجماعة (3) .
وأبوه: سلمة بن دينار أبو حازم المدني الأعرج، وسهل بن سَعْد الساعدي الأنصاري.
قوله: ما ممرّ العنز " مرفوع على أنه اسم " كان "، وفي بعض النسخ: "ممرّ عَنزِ " وهو الصحيح، والعَنْز: ا"عز، وهي الأنثى من المعْز. وأخرجه: البخاري، ومسلم، وفيه: " ممرّ الشاة ". وزعم القرطبي أن بعض المشايخ حملَ حديثَ ممر الشاة على ما إذا كان قائماً، وحديثَ بلال أن النبي- عليه السلام- " صلى في الكعبة جعل بينه وبين القبلة قريباً من ثلاثة أذرع على ما إذا ركع أو سجد، قال: ولم يحد مالكٌ في ذلك
__________
(1) في سنن أبي داود: " ممر عنز "، وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: قدركم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة (496، 497) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: دنو المصلي من السترة (508 / 262) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 / 3439) .
17. شرح سنن في داوود 3

(3/257)


حدا إلا أن ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد، ويتمكن من دفع من يمر بين
يديه، وقيده بعض الناس بشبر، وآخرون بثلاثة أذرع، وبه قال الشافعي وأحمد، وهو قول عطاء، وآخرون بستة أذرع، ذكر السفاقسي: قال
أبو إسحاق: رأيت عبد الله بن مغفل يصلي بينه وبين القبلة ستة أذرع،
وفي نسخة: " ثلاثة أذرع " وفي " مصنف ابن أبي شيبة " بسند صحيح
نحوه.
ص- قال أبو داود: الخبرُ للنفيلي.
ش- أي: الخبر المذكور لعبد الله بن محمد النفيلي.
***
103- باب: مَا يُؤمر المُصلي أَنْ يَدْرأ عن الممر بينَ يديه
أي: هذا باب في بيان ما يؤمر المصلي أن يدرأ- أي: يدفع- عن
الممر- أي: المرور- بيْن يدَيْه، وفي بعض النسخ: " عن المرور ".
678- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن
عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان أحدكم يُصلي فلا يدع أحداً يمر بين يمَيْه وليَدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان " (1) .
ش- مالك: ابن أنس، وزيد بن أسلم: أبو أسامة القرشي.
قوله: " وليدرأه ما استطاع " أي: وليدفعه قدر استطاعته. قال الشيخ [1 / 233- أ] محيي الدين (2) : هذا أمر ندب متأكد / ولا أعلم أحداً من الفقهاء أوجبه، قال القاضي عياض: وأجمعوا أنه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح، ولا
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: منع ا"ر بين يدي المصلي (505) ، النسائي: كتاب القبلة، باب: التشديد في المرور بين يدي المصلي وسترته (2 / 67) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: اقرأ ما استطعت (954) .
(2) شرح صحيح مسلم (223 / 4) .

(3/258)


ما يؤدي إلى هلاكه، فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قوَد عليه باتفاق العلماء، وهل تجب ديته أم يكون هدراً؟ فيه مذهبان للعلماء وهما قولان في مذهب مالك.
قال ابن شعبان: عليه الدية في ماله كاملة، وقيل: هي على عاقلته، وقيل: هدر، ذكره ابن التين. قال عياض: واتفقوا على أنه لا يجوز له المشي إليه من موضعه ليرده؛ إنما يدافعه ويرده من مَوقفه، لأن مفسدة المشي في صلاته أعظم من مروره بين يديه، وإنما أبيح له قدر ما يَناله من موقفه، وإنما يرده إذا كان بعيداً منه بالإشارة والتسبيح، واتفقوا على أنه إذا مر لا يرده لئلا يصير مروراً ثانياً، وقد رُوِيَ عن البَعض أنه يَردُه، واختلفوا إذا جاز بين يَديه وأدركه هل يرده أم لا؟ فقال ابن مسعود: يردهُ، ورُوِيَ ذلك عن سالم، والحسن. وقال أشهب: يرده بإشارة ولا يمشي إليه، لأن مشيه أشد من مروره، فإن مشى إليه ورده لم تفسد صلاته. وقال بعضهم: معنى فليُقاتله: فليلعنه. قال تعالى: " قتِلَ الخَراصُونَ " (1) أي: لعنوا، وأنكره بعضهم.
قوله: " فإنما هو شيطان " قال القرطبي: يحتمل أن يكون معناه: الحامل له على ذلك شيطان، يؤيده حديث ابن عمر من عند مسلم: " لا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن أبى فليُقاتله فإن معه القرين "، وعند ابن ماجه: " فإن معه القرين ". وفي " الأوسط ": " فرُدَه فإن عاد فرده، فإن عاد الرابعة فقاتله، فإنما هو الشيطان ". وقيل: فعل الشيطان لشغل قلب المصلي كما يخطر الشيطان بين المرء ونفسه.
قلت: الشيطان اسم لكل متمرد، قال في " الصحاح ": كل عات متمرد من الإنْس والجن والدواب فهو شيطان، فعلى هذا يحمل الكلام على ظاهره، أو يكون هذا من باب التشبيه البليغ، نحو: زيد أسد، شبه ا"ر بين يديه بالشيطان لاشتراكهما في شغل قلب المصلي والتشْويش عليه.
__________
(1) سورة الذاريات: (10) .

(3/259)


فإن قيل: المقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلي أو هو من أجل ا"رّ؟ قلت: الظاهر أنه من أجل ا"ر؛ يدل عليه قوله عليه السلام: " لأن يقف أربعين خير له من أن يمرّ بين يديْه " (1) . وقال في حق المصلي- أي الصلاة -: " لا يقْطعها شيء " ثم المقاتلة إنما تكون بعد الدفع، لاحتمال أن يكون ا"ر ساهياً، أو لم ير المصلي، أو لم يتبين له أنه يُصلي، أو فعله عامداً، فإن رجع حصل المقصود، فإن لم يرجع قُوتل. وحكى السفاقسي عن أبي حنيفة بطلان الصلاة بالدفع، وهو قول الشافعي في " القديم ". وقال ابن المنذر: يدفع في نحره أول مرة ويُقاتله في الثانية، وقيل: يُؤاخذه على ذلك بعد إتمام الصلاة ويُؤنّبه، وقيل: يدفعه دفعاً أشد من الردّ منكراً عليه، وهذا كله ما لم يكثر، فإن كثر فسدت صلاته. وضمّن عمر بن عبد العزيز رجلاً دفع آخر وهو يُصلي فكسر أنفه دية ما جنى على أنفه. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه. 679- ص- نا محمد بن العلاء: نا أبو خالد، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قال: رسولُ الله- عليه السلام -: " إذا صلّى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها ثم ساق معناه (2) .
ش- أبو خالد: الأحمر، ومحمد: ابن عجلان.
قوله: " وليدن منها " أي: ليقرب من السترة.
قوله: " ثم ساق معناه " أي: بمعنى الحديث المذكور. ورواه ابن حبان في " صحيحه " من حديث زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " إذا صلى
__________
(1) يأتي بعد ثلاثة أحاديث.
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: منع ا"ر بين يدي المصلي (258 / 505) ، النسائي: كتاب القبلة، باب: التشديد في المرور بين يدي المصلي وبين سترته (2 / 66) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ادرأ ما استطعت (954) .

(3/260)


أحدكم إلى سترة فليدن منها، فإن الشيطان يمرّ بينه وبينها، ولا يدع أحداً
يمر بين يديْه ". انتهى.
قلت: وإسناد أبي داود صحيح- أيضاً- وكذا قال الشيخ محي الدين
في " الخلاصة ".
680- ص- نا أحمد بن أبي سُريج الرازي: أنا أبو أحمد الزبيري: أنا
مَسَرَّةُ بن مَعْبد اللخمي- لقِيتُه بالكوفة- / قال: حدثني أبو عبيد حاجب [1 / 233- ب] سليمان قال: رأيتُ عطاء بن يزيد الليثي قائماً يُصلّي فذهبتُ أمُرُّ بين يدَيْه فَردّني ثم قال: حدثنى أبو سعيد الخدريّ أن رسول الله قال: " من استطَاع منكم أن لا يحول بَيْنه وبين قِبْلته أحد فليَفْعَل " (1) .
ش- أحمد بن أبي سُريج: هو أحمد بن الصباح النهشلي، وأبو أحمد
الزبيري [] (2) .
ومَسرة بن معبد اللخمي: من بني أبي الحرام الفلسطيني، كان يسكُن
كورة بيْت جبرين، وهي على فراسخ من بيت المقدس. سمع: أبا عبيد
حاجب سليمَان بن عبد الملك، والزهري، ونافعاً، وغيرهم. روى
عنه: أبو أحمد الزبيري، وضمرة بن ربيعة الرملي، والوليد بن النضر الرملي، وغيرهم. قال أبو حاتم: شيخ ما به بأس. روى له:
أبو داود (3) .
وأبو عُبيد: اسمه: حُيى، ويقال: حُوَي حاجب سليمان ومولاه.
روى له: البخاري، وأبو داود (4) .
قوله: " أن لا يحول " أي: أن لا يفصل بينه وبين قبْلته أحد فليفعل
ذلك. وفي " المصنف ": حدَثنا أبو معاوية، عن عَاصم، عن ابن
سيرين قال: كان أبو سعيد قائماً يُصلي، فجاء عبد الرحمن بن الحارث
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) بياض قدر كلمة.
(3) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (27 / 5900) .
(4) المصدر السابق (34 / 7492) .

(3/261)


ابن هشام يمر بين يديْه فمنعه وأبى إلا أن يجيء، فدفعه أبو سعيد فطرحه، فقيل له: تصنع هذا بعبد الرحمن؟ ! فقال: والله لو أبى إلا أن آخذ بشعره لأخذتُ.
681- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا سليمان- يعني: ابن المغيرة -، عن حميد- يعني: ابن هلال- قال: قال أبو صالح: أحدثك عما رأيتُ من أبى سعيد وسمعتُه منه، دخل أبو سعيد على مروان فقال: سمعت رسولَ الله- عليه السلام- يَقُول: " إذا صلى أحدُكم إلى شيء يَسْتُره من الناسِ فأراد أحد أن يجتاز بن يدَيْه فليَدْفعه (1) في نَحره، فإن أبى فليُقاتله، فإنما هو شيطان " (2) .
ش- حُميد: ابن هلال بن هُبيرة البصري، أبو نصر العَدوي- عدي تميم-، روى عن: عتبة بن غزوان، وعبد الله بن مغفل. وسمع: أنس بن مالك، وأبا قتادة العدوي، وعبد الله بن الصلت، وأبا صالح السمان، وغيرهم. روى عنه: قتادة، وأيوب السختياني، وشعبة، وسليمان بن المغيرة، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة (3) .
وأبو سعيد الخدري، ومروان بن الحكم بن أبي العاص، وقد ذكرناه. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم بمعناه أتم منه، فقال البخاري:
نا أبو معمر: نا عبد الوارث: نا يونس، عن حميد بن هلال، عن أبي صالح، أن أبا سعيد قال: قال النبي- عليه السلام-[ح] ، ونا آدم: نا سليمان بن المغيرة: نا حُميد بن هلال: نا أبو صالح قال: رأيت أبا سعيد الخدري في يوم جمعة يصلي إلى شيء يَستره من الناسِ، فأراد شاب من بني أبي مُعَيط أن يجتاز بين يديه، فدفع أبو سعيد في
__________
(1) في سنن أبي داود: " فليدفع"
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: إثم ا"ر بين يدي المصلي (501) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: منع ا"ر بين يدي المصلي (259 / 505) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7 /1542) .

(3/262)


صدره، فنظر الشاب فلم يجد مساغاً إلا بين يديْه فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى، فنال من أبي سعيد ثم دخل على مروان فشكى إليه ما لقي من أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان فقال: مالك ولابن أخيك يا أبا سعيد؟ فقال: سمعتُ رسولَ الله يقول: " إذا صلى أحدكم إلى شيء يَستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديْه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان ".
وعند مسلم: " فليدفع في نحره، وَلْيدرأه ما اسْتطاع ". وعند ابن ماجه: " إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها، ولا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن جاء أحد يمر فليُقاتله فإنه شيطان ". وفي " صحيح ابن حبان ": " فليدن منها " - يعني. السترة - " فإن الشيطان يَمر بينه وبَيْنها ".
ص- قال أبو داود: قال سُفيان الثوريّ: يَمر الرجلُ يتبَخْترُ بَيْنَ يدي وأنا أصلي فأمْنعُه، ويَمرّ الضعِيفُ فلا أمْنعه.
ش- هذا ليس بمَوْجُود في النسخ الصحيحة.
قوله: " يَتبخْترُ، حَال من الرجل، التبختر في المشي: هو مشْية المتكبر المُعْجب بنفسه. وفهم من كلام سفيان أن منعه لم يكن لأجلَ كونه مارا بين يديه مطلَقا. وقد ورد ترك التعرض إلى ا"ر على ما روى أبو بكر بن أبي شيبة: نا أبو خالد الأحمر، وابن فضيل، عن داود بن أبي هند /، [1/234- أ] عن الشعبي قال: إن مرّ بين يديك فلا ترده. وقد قلنا: إن الأمر بالدفع ندب، فذا ترك الندب لا يُلام عليه، والله أعْلم.
* * *