شرح أبي داود
للعيني 203- بَابُ: الجُمعة للمَمْلُوك وَالمرأةِ
أي: هذا باب في بيان الجمعة للمملوك والمرأة.
1038- ص- نا عباس بن عبد العظيم: حدثني إسحاق بن منصور: نا
هُريم، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن قيس بن مسلم، عن
طارق بن
شهاب، عن/ النبي- عليه السلام- قال: " الجمعة حق واجب على
كل [2/75 - ب] مسلمٍ في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك أو
امرأة أو صبيّ أو مريض " (2) .
ش- إسحاق بن منصور: السلمي، روى عن: هُرَيم، روى عنه:
عباس بن عبد العظيم، روى له: أبو داود (3) .
وهريم: ابن سفيان البجلي الكوفي، روى عن: عبيد الله بن
عُمر،
ومنصور بن المعتمر، وليث بن أبي سليم، والأعمش، وغيرهم.
روى
__________
(1) شرح صحيح مسلم (207/5) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 480 هامش 3) .
25* شرح سنن أبي داوود 4
(4/385)
عنه: الأسود بن عامر، وعبد الحميد بن صالح،
وإسحاق بن منصور، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له:
الجماعة إلا النسائي (1) . وهريم: بضم الهاء وفتح الراء.
وإبراهيم بن محمد بن المنتشر: ابن الأجدع، ابن أخي مسروق
بن الأجْدع الهمداني الكوفي، يَرْوي عن: أبيه. روى عنه:
شعبة وأهل العراق، ذكره ابن حبان في " الثقات "، واحتج به
الشيخان في "صحيحيهما" (2) .
وقيس بن مُسلم: الجدلي العَدْواني، أبو عمرو الكوفي. روى
عن: طارق بن شهاب، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعبد الرحمن بن
أبي ليلى. روى عنه: الأعمش، ومسعر، والثوري، وشعبة، وغير
هم. قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. مات سنة عشرين ومائة.
روى له الجماعة (3) .
وطارق بن شهاب: ابن عبد شمس بن سلمة بن هلال بن عوف بن
جُشم البجلي الأحْمسي، أبو عبد الله، رأى النبي- عليه
السلام-، وأدرك الجاهلية وغزا في خلافة أبي بكر وعمر
ثلاثاً وثلاثين أو ثلاثاً وأربعين من غزوة إلى غزية. روى
عن: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود،
وسلمان الفارسي، وخالد بن الوليد، وحذيفة بن اليمان، وأبي
موسى الأشعري، وأبي سعيد الخدري، أخرج له البخاري، عن أبي
بكر الصِّدِّيق وعبد الله بن مسعود، وأخرج له مسلم، عن أبي
سعيد الخدري، وأخرج له أبو داود، والنسائي، عن النبي- عليه
السلام-. روى عنه: قيس بن مسلم، ومخارج بن عبد الله،
وعلقمة بن مرثد، وغيرهم. توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة (4) .
__________
(1) المصدر السابق (0 3/ 6562) .
(2) المصدر السابق (2/ 235) .
(3) المصدر السابق (24/ 4921) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 237) ،
وأسد الغابة (3/ 70) ، والإصابة (2/ 0 22) .
(4/386)
قوله: " الجمعة سنن واجب" أي: فرض عين لا
يجور التخلف عنها. قوله: " في جماعة" لأنه إذا لم تكن
جماعة لا تجب الجمعة؛ وأقلها: ثلاثة سوى الإمام عند أبي
حنيفة. وبهذا الحديث استدل أصحابنا، وقال صاحب " الهداية":
ولا تجب- أي: الجمعة- على مسافرِ ولا امرأةِ ولا مريض ولا
عبد ولا أعْمى.
وقال الخطابي (1) : أجمع الفقهاء على أن النساء لا جمعة
عليهن، فأما العبيد: فقد اختلفوا فيهم، فكان الحسن وقتادة
يوجبان على العبد الجمعة إذا كان مُخارَجاً، وكذلك قال
الأوزاعي، وأحسب أن مذهب داود: إيجاب الجمعة عليه. وقد روي
عن الزهري أنه قال: إذا سمع المسافر الأذان فليحضر الجمعة.
وعن إبراهيم النخعي نحو منْ ذلك. ص- قال أبو داود: طارق بن
شهاب قد رأى النبي- عليه السلام- ولم يَسْمع منه شيئاً.
ش- هذا غير قادح في صحة الحديث؛ فإنه يكون مرسل صحابي وهو
حجة، وكذا قال النووي في "الخلاصة "، وقال: والحديث على
شرط الشيخين. انتهى. ورواه الحاكم في "المستدرك " عن هريم
بن سفيان به، عن طارق بن شهاب، عن أبى موسى مرفوعاً وقال:
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد احتجا
بهريم بن سفيان. ورواه ابن عيينة، عن إبراهيم بن محمد بن
المنتشر، فلم يذكر فيه أبا موسى، وطارق بن شهاب يُعد في
الصحابة. وقال البيهقي في " سننه ": هذا الحديث وإن كان
فيه إرسال فهو مُرسل جيد، وطارق من كبار التابعين، وممن
رأى النبي- عليه السلام- وإن لم يسمع منه، ولحديثه شواهد.
وقد صرح ابن الأثير في "جامع الأصول " بسماعه من النبي-
عليه السلام- حيث قال: رأى النبي- عليه السلام- وليس له
سماع منه إلا شاذا، ويؤيدُ هذا قول الزهري في "التهذيب ":
صحابي
__________
(1) معالم السنن (1/ 210) .
(4/387)
أدرك الجاهلية وصحب النبي- عليه السلام-،
وعقد له المزي في "أطرافه " مُسنداً، وذكر له عدة أحاديث.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا حميد بن عبد الرحمن الرقاشي،
عن حسن، عن أبيه، عن أبي حازم، عن مولى لآل الزبير قال:
قال رسول الله- عليه السلام-: " الجمعة واجبة على كل حالم
إلا أربعة: الصبي، والعبد، والمرأة، والمريض".
نا هشيم، عن ليث، عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول
الله- عليه السلام-:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا على امرأة أو صبي أو مملوك أو
مريض ". وأخرج عن مجاهد: ليس على العبد جمعة. وكذا عن
الحسن.
* * *
204- بَابُ: الجُمعَةِ في القُرَى
أي: هذا باب في بيان إقامة الجمعة في القرى جمع قريةِ.
[1/76 - أ] / 1039- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد
الله المخرمي لفظُه قالا: نا وكيع، عن إبراهيم بن دهمان،
عن أبي جَمْرة، عن ابن عباس قال: إن أؤل جمعة جُمعت في
الإسلام بعد جُمعة جُمعت في مسجد رسول الله بالمدينة لجمعة
جمّعت بجُواثَا قرية من قُرَى البحْرين. قال عثمان: قرية
من قُرى عبد القيس (1) .
ش- أبو جَمْرة- بالجيم- نَصْر بن عمران بن عاصم بن واسع
الضبعي البصري. سمع: ابن عباس، وابن عمر، وجارية بن قديمة،
وغيرهم. وروى عن: أنس بن مالك. روى عنه: أيوب، وإبراهيم بن
طهمان، وهشام بن حسان، وشعبة، وغيرهم. قال ابن معين وابن
__________
(1) البخاري: كتاب الجمعة، باب: الجمعة في القرى والمدن
(892) .
(4/388)
حنبل وأبو زرعة: ثقة. توفي سنة ثمان وعشرين
ومائة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " لجمعة" بلام التأكيد خبر " إن".
قوله: " بجواثا " أي: في جواثا- بضم الجيم وواو مخففة،
ومنهم مَن يَهمزها.
قوله: " قرية " بالجرّ على أنها بدل من قوله: " بجواثا".
وقال الزمخشري: جواثا: حصْن بالبحرَيْن. وقال البكري: هو
بضم أوله على وزن فُعالى مَدينة بالبَحرين لعَبْد القيس؛
قال امرئ القيس:
ورحنا كأنا في جُواثا عشية ... يُعَالى النعاج بين عِدْلٍ
ومُحقَب
يُريد كأنا من تُجّار جُواثا لكثرة ما معهم من الصيْد،
وأراد كثرة أمتعة تجار جُواثا. وهو معنى قوله: " قال عثمان
" أي: عثمان بن أبي شيبة: قريةٍ من قرى عَبْد القيس.
وبهذا الحديث استدلت الشافعية أن الجمعة تقامُ في القرية
إذا كان فيها أربعون رجلاً أحراراً مقيمين، حتى قال
البَيْهقي: " باب العدد الذين إذا كانوا في قرية وجبت
عليهم " ثم ذكر فيه إقامة الجمعة بجُواثا.
قلنا: لا نُسلم أنها قريةٌ؛ بل هي مدينةٌ كما قال البكري،
حتى قيل: كان يَسكنُ فيها فوق أربعة آلاف نفس، والقرية لا
تكون كذلك، والقرية - أيضا تطلق على المدينة، قال تعالى:
"عَلَى رَجُلٍ منَ القَرْيَتَيْنِ " (2) وهما: مكة
والطائف، وتسمى مكة أم القرى، ولئن سلمنا أنها قريةٌ فليس
في الحديث أنه- عليه السلام- اطلع على ذلك وأقرّهم عليه.
والحديث: أخرجه البخاري.
وقد اختلف العلماء في الموضع الذي تقام فيه الجمعة؛ فقال
مالك:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6408/29) .
(2) سورة الزخرف: (31) .
(4/389)
كل قرية فيها مسجد أو سوق فالجمعة واجبة
على أهلها، ولا تجب على أهل العمود وإن كثروا؛ لأنهم في
حكم المسافرين. وقال الشافعي، وأحمد: كل قرية فيها أربعون
رجلاً أحراراً بالغين عقلاء مقيمين بها، لا يظعنون عنها
صيفا ولا شتاء إلا ظعن حاجة، فالجمعة واجبة عليهم، وسواء
كان البناء من حجر أو خشب أو طين أو قصب أو غيرها، بشرط أن
تكون الأبنية مجتمعة، فإن كانت متفرقة لم تصح، وأما أهل
الخيام فإن كانوا ينتقلون من موضعهم شتاء أو صيفاً لم تصح
الجمعة بلا خلاف، وإن كانوا دائمين فيها شتاء وصيفاً وهي
مجتمعة بعضها إلى بعض، ففيه قولان أصحهما: لا تجب عليهم
الجمعة ولا تصح منهم؛ وبه قال مالك، والثاني: تجب عليهم
وتصح منهم؛ وبه قال أحمد، وداود. ومذهب أبي حنيفة: لا تصح
الجمعة إلا في مِصرٍ جامع، أو في مصلى المصر، ولا تجوز في
القرى، وتجوز في منَى إذا كان الأمير أمير الحاج، أَو كان
الخليفة مسافراً. وقال محمد: لَا جمعة بمنَى، ولا تصح
بعرفات في قولهم جميعاً وقال أبو بكر الرازي في كتاَبه"
الأحكام ": اتفق فقهاء الأمْصار على أن الجمعة مخصوصة
بموضع لا يجوز فعلها في غيره؛ لأنهم مجتمعون على أنها لا
تجوز في البوادي ومناهل الأعراب. وذكر ابن المنذر عن ابن
عمر أنه كان يرى على أهل المناهل والمياه أنهم يجمعون.
ثم اختلف أصحابنا في المصر الذي تجوز فيه الجمعة؛ فعن أبي
يوسف: هو كل موضع يكون فيه كل محترف، ويوجد فيه جميع ما
يحتاج الناس إليه في معايشهم عادةً، وبه قاضٍ يقيم الحدود.
وقيل: إذا بلغ سكانه عشرة آلاف، وقيل: عشرة آلاف مقاتل،
وقيل: بحيث أن لو قصدهم عدو لأمكنهم دفعُه، وقيل: كل موضع
فيه منبر وقاضٍ يقيم الحدود، وقيل: أن لو اجتمعوا إلى أكبر
مساجدهم لم يَسعهم، وقيل: أن يكون [2/ 76 -ب] بحال يَعيش/
فيها كل محترف بحرفته من سنة إلى سنة من غير أن يشتغل
بحرفة أخرى. وعن محمد: كل موضع مَضره الإمامً فهو مصر، حتى
إنه لو بعث إلى قرية نائبا لإقامة الحدود والقصاص يَصير
مصرا، فإذا عزله
(4/390)
ودعاه يُلحق بالقرى، ثم استدل أبو حنيفة
على أنها لا تجوز في القرى بما رواه عبد الرزاق في " مصنفه
": أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليّ- رضي
الله عنه- قال: لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع. ورواه
ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا عباد بن العوام، عن حجاج، عن
أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: لا جمعة ولا تشريق، ولا
صلاة فطر، ولا أضحى إلا في مصر جامع، أو مدينة عظيمة.
وروى- أيضا- بسند صحيح: نا جرير، عن منصور، عن طلحة، عن
سعد بن عَبيدة، عن أبي عبد الرحمن قال: قال علي: لا جمعة
ولا تشريق إلا في مصر جامع.
ولا التفاتَ إلى قول النووي: حديث علي ضعيف متفق على ضعفه،
وهو موقوف عليه بسند ضعيف منقطع، فكأنَّه عثَر على حديث
عليّ من طريق حجاج بن أرطأة، ولم يَعثر على طريق جرير، عن
منصور؛ فإنه سند صحيح، ولو اطلع عليه ما ادعى هذه الدعوى.
وأما قوله: " متفق على ضعفه " فزيادة من عنده، ولا يُدْرى
من سلَفُه في ذلك، على أن أبا زَيْد زعم في" الا"سْرار "
أن محمد بن الحسن قال: رواه مرفوعا: معاذ، وسراقةُ بن
مالك. وروى أبو بكر بن أبي شيبة، عن ابن فضيل، عن عطاء بن
السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عَمرو ابنه كان يشهد
الجمعة في الطائف وهو في قرية يُقال لها: الوَهْطُ على رأس
ثلاثة أميال. وروى عن عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري أنهم
كانوا يشهدون الجمعة مع النبي- عليه السلام- من ذي
الحليفة.
وعن وكيع، عن أبي البُحْتري قال: رأيتُ أنسا شهدَ الجمعةَ
مِنَ الزاوية؛ وهي فرسخان من البصرة.
وعن أزهر، عن ابن عون قال: كان أبو المليح عاملاً على
الأبلة، فكان إذا أتت الجمعة جمّع منْها.
(4/391)
وجه الدلالة من هذه الآثار: أن الجمعة لو
أقيمت في القرى لما احتاجوا أن يأتوا إليها من مسيرة
أميال.
فإن قيل: إنها لم تُقَم في قرى المدينة لينالوا فضيلة
الصلاة معه- عليه السلام-. قيل له: كان يأمر بها في القرَى
النائية عن المدينة؛ لأنه يشق عليهم الحضور، ويتعذر عليهم
إدراك الفضيلة، فلما لم يأمر بها دل على عدم الجواز؛ إذ لو
جاز لأمر بها كما أمر بإقامة الجماعة في مساجد المدينة مع
فوات فضيلة الصلاة معه؛ وإلى هذا القول ذهب سحنون.
فان قيل: " في سنن سعيد بن منصور " عن أبي هريرة أنهم
كتبوا إلى عمر بن الخطاب من البحرين يسألونه عن الجمعة؟
فكتب إليهم: اجمعوا حيث ما كنتم. وذكره ابن أبي شيبة بسند
صحيح بلفظ: جمّعوا. وفي "المعرفة": أن أبا هريرة هو
السائل، وحسن سنده.
وروى الدارقطني بإسناده عن أم عبد الله الدوسيّة قالت: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" الجمعة واجبة على أهل
كل قرية فيها إمام وإن لم يكونوا إلا أربعة ". زاد أبو
أحمد الجرجاني: حتى ذكر النبي- عليه السلام- ثلاثةً.
وفي " المصنف" عن مالك: كان أصحاب النبي- عليه السلام- في
هذه المياه بين مكة والمدينة يجمّعون.
وفي " صحيح ابن خزيمة " عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه أنه
كان إذا لمجمع الأذان للجمعة صلى على أبي أسامة أسْعد بن
زرارة فسألته فقال: أي بُني كان أول مَنْ جمع بنا بالمدينة
في هَزْم النَّبيت من حرّة بني بياضة يُقال له: نَقيع
الخَضمَات، قلتُ: وكم كنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلاً. وعند
البيهقي: قبل مقدم النبي- عليه السلام-.
وفي " المعرفة ": قال الزهري: " بعث النبي- عليه السلام-
مُصْعب بن عمير إلى المدينة ليقرئهم القرآن جمع بهم، وهما
اثنا عشر رجلاً، فكان مُصعب أول مَن جمع الجمعة بالمدينة
بالمسلمين قبل أن يقدمها
(4/392)
رسول الله- عليه السلام-. قال البيهقي:
يُريدُ: الاثني عشر النقباء الذين خرجوا به إلى المدينة/
وكانوا له ظَهراً. وفي حديث كعْب: جمَّع [2/77 - أ] بهم
اسْعدُ وهم أربعون، وهو يُريد جميع مَنْ صلى معه ممن أسلم
من أهل المدينة مع النقباء. وعن جعفر بن برقان قال: كتب
عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي: أما أهل قرية ليسوا
بأهل عَمود ينتقلُون فأمِّرْ عليهم أميرا يُجمع بهم؛ رواه
البيهقي.
قلنا: أما الجواب عن الأوّل: فمعناه: جَمعوا حيث ما كنتم
من الأمصار، ألا ترى أنها لا تجوز في البراري.
وعن الثاني: أن رواته كلهم عن الزهري متروكون، ولا يصح
سماع الزهري من الدوسية. وقال عبد الحق في " أحكامه ": لا
يصح في عدد الجمعة شيء.
وعن الثالث: إنه ليس فيه دليل على وجوب الجمعة على أهل
القُرى.
وعن الرابع: نذكره الآن؛ لان أبا داود رواه مثل ما روى ابن
خزيمة. وعن الخامس: أن النبي- عليه (1) السلام- لم يأمرهم
بذلك ولا أقرهم عليه.
وعن السادس: أن رأي عمر بن عبد العزيز ليْس بحجةٍ، ولئن
سلمنا فليْس فيه ذكر عددِ.
وأما قول ابن حزم مستدلا لمذهبه: " ومن أعظم البرهان: أن
النبي
- عليه السلام- أتى المدينة، وإنما هي قرى صغار متفرقة،
فبنى مسجده في بني مالك بن النجار، وجمع فيه في قرية ليست
بالكبيرة ولا مصر هناك فغير جيد من وجوه؛ الأول: هو قد صحح
قول علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه (2) - الذي هو من
أعلم الناس بأمر المدينة " لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر
جامع "، الثاني: الإمام أيّ موضع حل جمع، الثالث: التمصير
هو للإمام، فأقي مَوضع مَصره مصر.
__________
(1) في الأصل: " عليهم".
(2) تقدم التعليق على خطأ هذه الكلمة (1/ 182) .
(4/393)
1040- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا ابن إدريس،
عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي أمامة بن سَهْل، عن
أبيه، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك- وكان قائد أبيه بعد
ما ذهَب بصرُه-، عن أبيه كعب بن مالك (1) أنه كان إذا سمعَ
النداء يوم الجمعة ترحم لأسْعد بن زرارة فقلت له: إذا سمعت
النداء ترَحمتَ لأسعد بن زرارة؟ قال: لأنه أول مَنْ جمّع
بنَا في هَزْم النَبيت من حَرّة بني بياضة في نقيع يقال
له: نقيع الخَضِمَات، قَلتُ: كم أنتمَ يومئذ؟ قال: أربعون
(2) .
ش- ابن إدريس: عبد الله بن إدريس الكوفي.
ومحمد بن أبي أمامة: أسعد بن سَهْل بن حُنيف الأنصاري
الأوسي. روى عن: أبيه. روى عنه: محمد بن إسحاق بن يَسار.
روى له: أبو داود، وابن ماجه (3) .
وأسعد بن سَهْل: الصحابي الأنصاري.
وعبد الرحمن بن كعب بن مالك: الأنصاري السلمي المدني أبو
الخطاب. سمع: أباه، وجابر بن عبد الله. روى عنه: أبو عامر
صالح بن رستم، والزهري، وإسحاق بن يسار- والد محمد. توفي
في خلافة سليمان بن عبد الملك. وقال الواقدي: في خلافة
هشام (4) . روى له الجماعة (5) . وكعب بن مالك: ابن أبي
كعب- واسمه: عمرو- ابن القين بن كعْب، أبو عبد الرحمن، أو
أبو محمد، أو أبو بشير، وهو أحد
__________
(1) في الأصل: "عن أبيه، عن كعب بن مالك" خطأ.
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: في فرض الجمعة
(1082) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/ 5080) .
(4) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (259/6) : إنما قال ذلك
الواقدي في عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب المتقدم، وأما
هذا فقال ابن سعد: توفي في خلافة سليمان، وكذا ذكر خليفة
ويعقوب بن سفيان وغير واحد.
(5) المصدر السابق (17/ 3941) .
(4/394)
الثلاثة الذين تاب الله عليهم وأنزل فيهم:
"وَعَلَى الثَّلاثَة الذينَ خُلفُواً" (1) ، روي له عن
رسول الله ثمانون حديثاً؛ اتفقا علىَ ثلَاثة أحاديث،
وللبخاري حديث واحد، ولمسلم حديثان، شهد العقبة مع
السبعين، والأصح أنه لم يشهد بدراً. روى عنه: بنوه: عبد
الله،
وعبيد الله، وعبد الرحمن، ومحمد بنو كعب، وعبد الله بن
عباس،
وأبو أمامة الباهلي، وغيرهم. مات بالمدينة قبل الأربعين،
وقيل: سنة خمسين. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه (2) .
وأسعد بن زرارة: كُنيته أبو أمامة، وكان عقبيا نقيبا،
وقيل: إنه أول
مَنْ بايع النبي- عليه السلام- ليلة العقبة ومات قبل بدر،
ودفن بالبقيع،
وهو أول مدفون به، وقيل: عثمان بن مظعون، وقيل: توفي أسعد
في
شوال من السنة الأولى، وقيل: مات قبل قدوم النبي- عليه
السلام-
المدينة؟ والصحيح: الأول (3) .
قوله: " في هَزْم النَبيت " الهَزْم- بفتح الهاء، وسكون
الزاي، وبعدها
ميم-: موضع بالمديَنة؛ والنَبيت- بفتح النون، وكسْرِ
الباءِ المُوحدة،
وبعدها ياء آخر الحروف ساكنةَ، وبعدها تاء ثالث الحروف-:
حي من
اليمن.
قوله: " من حَرّة بني بياضة "- بالحاء المهملة- هي قرية
على ميل من
المدينة، وبنو بياضة/ بطن من الأنصار منهم: سلمي بن صَخْر
البياضي، [2/77 - ب] له صحبة.
قوله: " في نَقيع " النقيع- بفتح النون، وكسر القاف، وسكون
الياء
__________
(1) سورة التوبة: (118) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب (3/ 286) ، وأسد الغابة (4/
487) ، والإصابة (302/3) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب (1/ 82) ، وأسد الغابة
(1/86) ، والإصابة (1/ 34) .
(4/395)
آخر الحروف، وفي آخره عين مهملة- بَطْن من
الأرض يُستنقَعُ فيه الماء مُدةً، فإذا نضب الماء أنبتَ
الكلأَ، ومنه حديث عمر- رضي الله عنه- أنه حَمَى النَقِيع
لخيل المسلمين. وقد يُصحِّفُه بعض الناس فيَروونه بالباء،
والبَقيعُ بالباء بالمدينة موضع القبور، وهو بقيع الغرقد.
قوله: " يُقال له نقِيع الخضمات " الخضمات: بفتح الخاء
وكسر الضاد المعجمتين. قال ابن الأثير: نقيع الخَضِمات
موضع بنواحي المدينة. والحديث: أخرجه ابن ماجه، وابن
خزيمة، والبَيْهقي، ثم العجبُ من البيهقي صحح هذا الحديث،
وفيه ابن إسحاق، فقال: إذا ذكر سماعَه وكان الراوي ثقةً
استقام الإسناد، وقال في " باب تحريم قتل ما له روحٌ ":
الحُفاظ يتوقون ما يَنفردُ به ابن إسحاق، والحالُ أنه قد
تفرد به هاهنا فكيف يكون هذا الإسناد صحيحاً؟ فليت شعري
البيهقي ينسَى تعارُضَ كلامه أو يَتغافلُ؟ ولو كان الحديث
عليهم كان يجعل إسنادَه أضعفَ الأسانيد، وكان يتكلم في ابن
إسحاق بأنواع الكلام.
فإن قيل: قد قال الحاكم: إنه على شرط مسلم.
قلت: هو مردود؛ لأن مداره على ابن إسحاق، ولم يخرج له مسلم
إلا متابعةً، ثم إنه ليس في الحديث اشتراط الأربعين، وأن
الجمعة لا تجوز بأقل منهم، وإنما وقع الأربعون اتفاقاً.
وقال الخطابي: حرة بني بياضة على ميل من المدينة فتكون من
توابعها. وعند الحنفية: تجوز الجمعة فيها. قال القدوري في؛
التجريد": عندنا تجوز أن تقام في مصلى المدينة وإن كان
بينهما كثر من ميل.
* * *
205- بَابٌ: إذا وَافق يومُ الجُمعةِ يَوْمَ العِيدِ (1)
أي: هذا باب في بيان ما إذا وافق يوم الجمعة يوم العيد.
1041- ص- نا محمد بن كثير: أنا إسرائيل: نا عثمان بن
المغيرة، عن
__________
(1) في سنن أبي داود: "عيد".
(4/396)
إياس بن أبي رَمْلة الشامي قال: شهدت
معاوية بن ألي سفيان وهو يسألُ زَيدَ ابن أرقم قال: شهدت
مع رسول الله عيدينِ اجتمعَا في يَوْمٍ؟ قال: نعَمْ قال:
فكيفَ صَنَعَ؟ قال: صلي العيدَ ثم رَخص في الجُمعة فقال: "
مَنْ شاء أن يُصلي فليُصل " (1) .
ش- إسرائيل: ابن يونس.
وعثمان بن المغيرة: الثقفي، أبو المغيرة الكوفي، مولى ابن
عقيل. روى عن: علي بن ربيعة الوالبي، ومجاهد، وسعيد بن
جبير، وغير هم. روى عنه: إسرائيل، والثوري، وشعبة، وغيرهم.
قال أحمد: ثقة، وكذا قال ابن معين. روى له الجماعة (2) .
وإياس بن أبي رَمْلة الشامي: سمع: معاوية بن أبي سفيان
يسأل هذا الحديث عن زيد (3) . روى عنه: عثمان بن المغيرة.
روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) .
قوله: " شهدت " أي: هل شهدت؟ وكذا في بعض النسخ: " قال: هل
شهدت؟ ". والحديث: رواه أحمد- أيضا ولفظه: " من شاء أن
يجمع فليجمّع". وبهذا الحديث استدل أصحاب أحمد أن العيد
إذا اتفق يوم الجمعة سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد إلا
الإمام؛ فإنها لا تسقط عنه، وقيل: فيه روايتان. وفي "
المغني ": وممن قال بسقوطها: الشعبي، والنوعي، والأوزاعي،
وقيل: هذا مذهب عمر، وعثمان، وعلي، وسعد، وابن عمر، وابن
عباس، وابن الزبير. وقالت عامة الفقهاء: تجب الجمعة لعموم
الآية والأخبار الدالة على
__________
(1) النسائي: كتاب صلاة العيدين، باب: الرخصة في التخلف عن
الجمعة لمن شهد العيد (3/ 194) ، ابن ماجه: كتاب إقامة
الصلاة، باب: ما جاء فيما
إذا اجتمع العيدان في يوم (1310) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9 1/ 3864) .
(3) كذا، والجادة: " يسأل زيدا عن هذا الحديث" كما في
تهذيب الكمال.
(4) المصدر السابق (3/ 589) .
(4/397)
وجوبها؛ ولأنهما صلاتان واجبتان فلم تسقط
إحداهما بالأخرى كالظهر
مع العيد.
1042- ص- نا محمد بن طريف البجلي: نا أسباط، عن الأعمش،
عن عطاء بن أبى رباح قال: صلى بنا ابنُ الزُبير في يَوم
عيد في يوم جمعة
أول النهار، ثم رحْنا إلى الجُمعة فلم يَخرجُ إلينا،
فصلينا وُحداناً، وكان ابنً
عباس بالطائف فلما قلِم ذكرنا له ذلك فقال: أصابَ السنُةَ
(1) .
ش- محمد بن طريف: ابن خليفة، أبو جعفر البجلي الكوفي.
سمع: أبا معاوية، ووكيعاً، والفضل بن صالح (2) ، وغيرهم.
روى
عنه: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وغير هم. قال
الخطيب: وكان ثقةً. مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين (3) .
وأسباط: ابن محمد الكوفي.
قوله: "وحدانا" أي: متوحدين منفردين.
وقال الخطابي (4) : أما صنع ابن الزبير: فإنه لا يجوز عندي
أن يُحملَ [2/78 - ب] / إلا على مذهب من يرى تقديم صلاة
الجمعة قبل الزوال، وقد روي ذلك عن ابن مسعود، وروي عن ابن
عباس أنه بلغه فعل ابن الزبير فقال:
أصاب السنةَ وقال (5) : كل عيدِ حين يمتد الضحى: الجمعةُ.
وحكى
إسحاق بن منصور، عن أحمد بن حنبل أنه قيل له: الجمعة قبل
الزوال
أو بعده؟ قال: إن صليت قبل الزوال فلا أعيبه، وكذلك قال
__________
(1) النسائي: كتاب العيدين، باب: الرخصة في التخلف عن
الجمعة لمن شهد العيد (3/ 194) .
(2) قال محقق تهذيب الكمال: جاء في حواشي النسخ من تعقبات
المؤلف على صاحب "الكمال" قوله: " كان فيه الفضل بن صالح،
وهو خطأ ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/ 5309) .
(4) معالم السنن (1/ 212) .
(5) في " المعالم" أن القائل هو عطاء، ولفظه: " قال عطاء:
كل عيد حين يمتد الضحى الجمعة والأضحى والفطر ".
(4/398)
إسحاق، فعلى هذا يُشبهُ أن يكون ابن الزبير
صلى الركعتين على أنهما جمعة وجعل العيد في معنى التبع
لها.
قلت: قول الصحابة: " ثم رحنا إلى الجُمعة فلم يخرج إلينا
فصلينا وحدانا " يُنافي تأويل الخطابي من قوله: " يُشبه أن
يكون " إلى آخره؛ لأنهم لو لم يتحققوا أن الّتي صلاها عيد
لما راحُوا إلى الجمعة بَعْدها، ولم يُصلوا الظهر بعدها
وُحْدانا، وأيضا حديث زيد بن أرقم يؤيدُ ما قلناه لأن قضية
ابن الزبير مثل قضية النبي- عليه السلام- بعينها وذكر زيد
فيها: " صلي العيدَ " ثم رخصَ في الجُمعة. وأيضا قول ابن
عباس: " أصاب السُّنَّة " أراد بها هذه. وقال ابن العربي:
اتفق العلماء عن بكرةِ أبيهم على أن الجمعة لا تجب حتى
تزول الشمس، ولا تجزىْ قبل الزوال، إلا ما روي عن أحمد
أنها تجوز قبل الزوال. ونقله ابن المنذر، عن عطاء " إسحاق،
والماوردي عن ابن عباس. وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة (1) ،
عن مصعب بن سعد قال: كان سَعْد يقيل بعد الجمعة. وعن سهل
بن سَعْد قال: كنا نتغدى (2) ونقيل بعد الجمعة. وعن سعد
الأنصاري: كنا نجمّع مع عثمان بن عفان ثم نرجع فنقيل. وعن
أنس: كنا نجمع فنرجع فنقيلُ. وعن ابن عمر قال: كنا نجمع ثم
نرجع فنقيل. وعن امرأة قالت: جاورت مع عمر سنةً فكانت
القائلة بعد الجمعةَ. وعن الزبرقان قال: كنا نوقع مع أبي
وائل ثم نرجع ونقيل. وعن سويد بن الغفلة قال: كنا نصلي
الجمعة ثم نَرْجع فنقيل. وعن زيد بن وهب قال: كنا نصلي مع
عبد الله الجمعة ثم نرجعَ فنقيل. وعن عبد الله بن سيدان
السُّلمي قال: شهدت الجمعة مع أبي بكر الصديق فكانت خطبته
وصلاته قبلَ نصف النهار، ثم شهدنا مع عمر فكانت خطبته
وصلاته إلى أن أقول: انتصف النهار، ثم شهدنا مع عثمان
فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: زال النهار، فما رأيت
أحداً عَابَ ذلك ولا أنكره. وعن عطاء قال: كان مَن
__________
(1) انظره وما بعده في المصنف (106/2- 109) .
(2) في الأصل:" نتغذى ".
(4/399)
قبلكم يصلون الجمعة وإن ظل الكعبة كما هو.
وعن عبد الله بن سلمة قال: صلى بنا عبد الله الجمعة ضُحىً
وقال: خشيت عليكم الحر. وعن سعيد بن سُويد قال: صلى بنا
معاوية الجمعة ضُحَى. فالجميع أخرجه ابن أبي شيبة في " باب
من كان يَقيلُ بعد الجمعة ويقولُ: هي أول النهار ". فهذه
الآثار كلها تدل على أن الجمعة تصح قبل الزوال. ثم أخرج
- أيضا- حجة من يقول: وقتها زوال الشمس وقت الظهر، فقال:
نا زيد ابن حُباب: نا فُلَيح بن سليمان: أخبرني عثمان بن
عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك يقول: كنا نُصلي مع رسول
الله الجمعة إذا مالت الشمس. ونا وكيع، عن يحيى بن الحارث،
عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال: كنا نُصلي مع
النبي- عليه السلام- الجمعة إذا زالت الشمس، ثم نرجع
نتتبّعُ الفيء.
ونا وكيع، عن أبي العنبس عمرو بن مروان، عن أبيه قال: كنا
نجمع مع علي إذا زالت الشمس.
ويمكن أن يُجابَ عن الآثار التي فيها القيلولة: بأن
القيلولة هي الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم،
وكانوا يُجمّعون حين زالت الشمس من غير تأخير، ثم يقيلون
بمعنى يَستريحُون. وأما حديث عبد الله بن سيدان: فقد رواه
الدارقطني وغيره- أيضا- فهو حديث ضعيف. قال النووي في "
الخلاصة": اتفقوا على ضَعْف ابن سيدان- بكسر السن المهملة.
وأما حديثُ عبد الله ومعاوية الذي فيه ما ضُحى، فمعناه:
صلي قريبا من الضحى من "كما زالت الشمس" فأطلق الضحى على
وقت زوال الشمس باعتبار القرب، كما أطلق العشي على ما بعد
الزوال./ وأخرج النسائي من حديث وهب بن كيسان، عن ابن عباس
نحو حديث عطاء مختصراً.
1043- ص- نا يحيي بن خلف: نا أبو عاصم، عن ابن جرير قال:
(4/400)
قال عطاء: اجتمع يومُ الجمعة ويوم فطر على
عهد ابن الزُبير فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما
جميعاً فصلاهما ركعتين بُكرةً لم يَزدْ عليهما حتى صلّى
العَصر (1) .
ش- أبو عاصم: الضحاك بن مخلد، وابن جريج: عبدُ الملك،
وعطاء: ابن أبي رباح.
ومقتضى هذا: الاكتفاءُ بالعيد في هذا اليوم وسقوط فَرضيّة
الجمعة؛ وهو مذهب عطاء، ولم يقُلْ به أحدٌ من الجُمهور؛
لأن الفَرضَ لا يَسْقط بالسُّنًة، وأطلق العيدين على العيد
والجمعة بطريق أن أحدهما عيد حقيقة، والجمعة- أيضا- في
معنى العيد؛ لاجتماع الناس فيه، أو لأنها تعود كل شهر
مرات، وقال محمد في " الجامع الصغير ": عيدان اجتمعا في
يوم واحد، فالأول سُنَّة، والثاني فريضة، ولا يُتركُ واحد
منهما. 1044- ص- نا محمد بن المُصفَى، وعُمر بن حَفْص
الوَصَابِي المعنى قالا: نا بقية: نا شعبة، عن المغيرة
الضبيّ، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح، عن أبي
هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شَميه أنه
قال: " قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأت من
الجمعة وَإنا مُجمعُون " (2) .
ش- محمد بن المصفى: ابن بهلول الحمصي.
وعُمر بن حَفْص: ابن عمر بن سَعْد بن مالك الحمْيري
الوَصَّابي، روى عن: بقية بن الوليد، ومحمد بن حمير،
وسليمان بن عدي. روى عنه: أبو حاتم، وأبو داود (3) .
والوَصَابي: نسبة إلى وَصَاب- بفتح الواو والصاد المهملة
المشددة، وفي آخره باء موحدة- وهي قبيلة من حمير.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيما إذا
اجتمع العيدان في يوم (1312) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/ 4216) .
26* شرح سنن أبى داوود 4
(4/401)
والمغيرة: ابن مِقْسم أبو هشام الضبيّ
الكوفي.
وعبد العزيز بن رفيع: الأسدي أبو عبد الله المكي. سمع: عبد
الله ابن عباس، وابن الزبير، وأنس بن مالك، وعامر بن
واثلة، وغيرهم. روى عنه: عمرو بن دينار، ومغيرة بن مقسم
الضبي، والأعمش، وغيرهم. قال ابن معين وأحمد: ثقة. مات سنة
ثلاثين ومائة، وقد أتى عليه نيف وتسعون سنة. روى له:
الجماعة (1) .
وأبو صالح: ذكوان الزيات. وقال الخطابي (2) : في إسناد أبي
هريرة مقال، ويُشبه أن يكون معناه- لو صح- أن يكون المراد
بقوله: " فمن شاء أجزأه من الجمعة " أي: عن حضور الجمعة
ولا يَسْقط عنه الظهرُ. قلت: كأن قوله: " فيه مقال" من جهة
بقية؛ لأن فيه مقالاً. والحديث: أخرجه ابن ماجه.
ص- قال عُمر: عن شعبة.
ش- أي: قال عُمر بن حفص في روايته: عن شعبة بن الحجاج،
وأسقط بقية بن الوليد (3) ؛ فعلى روايته الحديث صحيح، ولا
يكون في إسناده ما زعمه الخطابي.
ومعنى قوله: " فمن شاء أجزأه " أي: كفاه عن حضور الجمعة.
وهذا كانت رخصةٌ في سنن أهل التوالي في أوّل الأمْر، ثم
تقرر الأمرُ: أن إقامة صلاة العيد لا تجزئ عن صلاة الجمعة،
حتى إذا صلى العيدَ ولم يحضر الجمعة مع الإمام صلى الظهر
أربعاً.
* * *
__________
(1) المصدر السابق (18/ 3446) .
(2) معالم السنن (1/ 212) .
(3) في "عون المعبود" (223/6) : " أي: قال عمر بن حفص أحد
شيخي المصنف في روايته: عن شعبة بالعنعنة، بخلاف محمد بن
المصفى، فإنه قال
في روايته: حدثنا شعبة".
(4/402)
206- بَابُ ما يَقْرأ فِي صَلاةِ الصُّبْح
يَوْمَ الجُمْعَةِ
أي: هذا باب في بيان ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة.
1045- ص- نا مسدد: نا أبو عوانة، عن مُخوَل بن راشد، عن
مُسلم البَطين، عن سَعيد بن جبير، عن ابن عباس أن رسول
الله كان يَقْرأ في صلاة الفجَر يوم الجمعة ب: "تنزيلَ"
(1) السجدة، و "هل أتى على الإنسان حين من الدهر" (2) .
ش- أبو عوانة: وَضَاح.
ومخول- بالخاء المعجمة المفتوحة والواو المشددة، وضبطه
بعضهم بكسر الميم وإسكان الخاء؛ والأول أصح- ابن راشد
النهدي أبو راشد الكوفي، أخو مجاهد، وهو ابن أبي المجالد.
روى عن: مُسْلم بن عمران البَطين، ومحمد بن علي بن الحسين،
روى عنهُ: الثوري، وشعبة، وقال ابن معين: ثقة. روى له
الجماعة (3) .
قوله: " تنزيل " السجدة، أي: بسُورة تنزيل السجدة، وفي بعض
النسخ: " تنزيل السجدة" بالنصب بدون باء الجر.
وقال الشيخ محيي الدين (4) : فيه دليل لمذهبنا ومذهب
موافقتنا في استحبابهما في صبح الجمعة، وأنه لا يكره قراءة
آية السجدة في الصلاة ولا السجود، وكره مالك وآخرون ذلك؛
وهم محجوبون بهذه الأحاديث الصحيحة المروية من طرق عن أبي
هريرة وابن عباس.
__________
(1) في سنن أبي داود: "تنزيل" وأشار المصنف إلى أنها نسخة.
(2) مسلم: كتاب الجمعة، باب: ما يقرأ في يوم الجمعة (64/
879) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في ما يقرأ به
في صلاة الصبح يوم الجمعة (520) ، النسائي: كتاب الافتتاح،
باب: القراءة في الصباح يوم الجمعة
(3) انظْر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/ 5846) .
(4) شرح صحيح مسلم (6/168) .
(4/403)
قلت: أما عندنا- أيضا- إذا قرأهما على وجه
اتباع السنَة فمستحب ذلك، وأما إذا قرأ شيئاً من القرآن
على وجه التعيين، فمكروه/، لما فيه من هجران الباقي.
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي.
1046- ص- نا مسدّد: نا يحيي، عن شعبة، عن مخول بإسناده
ومعناه، وزاد: في صلاة (1) الجمعة بسورة الجمعة و "إذا
جاءك المنافقون" (2) .
ش- أي: بإسناد الحديث المذكور ومعناه، وزاد فيه: " وفي
صلاة الجمعة " إلى آخره "الجمعة "، وفي بعض النسخ: " وفي
صلاة الجمعة الجمعة " بنصب الجمعة أي: سورة الجمعة. وفي
رواية مسلم: " قرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة سورة
الجمعة، وفي الثانية: المنافقين". وقال الشيخ محيي الدين
(3) : وفيه استحباب قراءتهما بكمالهما فيهما؛ وهو مذهبنا
ومذهب آخرين.
قلت: ومذهبنا- أيضا إذا لم يقصد التعيين؛ وليس في هذه
المسألة خلاف بيننا وبَيْن الشافعي؛ فالذي يُثبت الخلافَ
هو من قصور فهمه؛ لأن أبا حنيفة إنما كره الملازمة إذا لم
يَعْتقد الجواز بغيره، والشافعي- أيضا يكره مثل هذا، وأما
إذا اعتقد الجواز بغيره ولازمَ على سورة مُعيّنة إما لأنها
أيسرُ عليه، أو اقتداء بفعله- عليه السلام- فلا يكره، فلم
يكن في الحقيقة خلاف. وأما الحكمة في ذلك: فلاشتمال سورة
الجمعة على وجُوب الجمعة وغير ذلك من أحكامها، وقراءة سورة
المنافقة لتوبيخ
__________
(1) في سنن أبي داود:" صلاته ".
(2) مسلم: كتاب الجمعة، باب: ما يقرأ في يوم الجمعة (64/
879) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: القراءة في صلاة الجمعة
بسورة الجمعة والمنافقة
(3) شرح صحيح مسلم (166/6) .
(4/404)
حاضريها منهم، وتَنْبيههم على التوبة
وغيرها مما فيها من القواعد؛ لأنهم ما كانوا يجتمعون في
مجلس كثر من اجتماعهم فيها. والحديث: أخرجه مسلم،
والنسائي، والبيهقي.
* * *
207- بَابُ: اللُّبْس يَوْمَ الجُمعة (1)
أي: هذا باب في بيان اللبس يوم الجمعة.
1047- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن
عمر أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- رأى حُلةَ سيَرَاءَ-
يعني: تُباعُ- عند باب المسجد فقال: يا رسولَ الله، لو
اشتريت هذه فلبستَهِا يوم الجمعة وللوَفْد إذا قدِموا
عليك، فقال رسول الله: "إنما يلبَسُ هذَه من لا خلاقَ له
في الآخرة "، ثم جاءت رسولَ الله منها حُلَل فأعْطى عمر بن
الخطاب منها حلةَ، فقال عُمر: يا رسول الله، كسَوْتنيها
(2) وقد قلتَ في حُلة عطارد ما قلتَ؟ فقالَ رسولُ الله: "
إني لم أكسكها لتَلبَسَها " فكسَاهَا عمرُ أخاً له
مُشْرِكاً بمكة (3) .
ش- الحلةُ: ثوبان غير لفقين: رداء وإزار؛ سميا بذلك؛ لأن
كل واحد منهما يحُل عن الآخر؛ والجمعُ: حُلَل وحلال. وقال
ابن التين: لا يُقال: حلة حتى تكون جديدة؛ سميت بذلك
لَحلها عن طيها.
قوله: " سيراء"- بكسر السين المهملة، وفتح الياء آخر
الحروف، وبعدها راء مهملة ممدودة- وهو الحرير الصافي؛
فمعناه: رأى حلة
__________
(1) في سنن أبي داود:" باب اللبس للجمعة".
(2) في سنن أبي داود:" كسوتنيها يا رسول الله".
(3) البخاري: كتاب الجمعة، باب: يلبس أحسن ما يجد (886) ،
مسلم: كتاب اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال أناء الذهب
والفضة على الرجال (2068) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب:
الهيئة للجمعة (1382) ، ابن ماجه: كتاب اللباس، باب:
كراهية لبس الحرير (3591) .
(4/405)
حريراً. وقال ابن قرقول: ضبطناه على
الإضافة عن ابن سراج ومتقني شيوخنا.
قلت: فحينئذ ينبغي أن يُسقط التنوينُ من " حلة". ورواه
بعضهم بالتنوين على الصفة، وزعم بعضهم أنه بدل لا صفة.
وقال الخطابي (1) : " حلة سِيَراء" كناقة عُشَراء.
قال ابن قرقول: وأنكره أبو مَرْوان؛ لأن سيبويه قال: لم
يأت فعلاء صفة؛ لكن اسماً.
وقال الخطابي (1) : الحلّة السيراء: هي المضلعة بالحرير
التي فيها خطوط، وهو الذي يسقونه المُسير؛ وإنما سقوه
مُسيّراً للخطوط التي فيه كالسيور.
ويقال: السيراء وَشْي من حرير. وعن ابن الأنباري: السيراء:
الذهبُ، وقيل: نبت ذو ألوان وخطوط ممتدة كأنها السيور شُبه
به بعضُ الثياب، وقيل: السيراء: المُضلّع بالقز. وفي "
الصحاح ": هي برود فيها خطوط صُفْر. وقال صاحب " المغيث":
برود يخالطها حرير كالسيور، فهو فعلاء من السَّيْر الذي هو
القِد- بكسر القاف-؛ لأن عليها أمثال السيوَر. وقال
الخليل: ليس في الكلام " فعلاء"- بالكسر ممدوداً- إلا
حِولاء وعنباء وسيراء. وقال غيرُه: الحِوًلاء: الماء الذي
[2/ 79 - ب] يخرج على رأس الولد/ إذا وُلد، والعنباء لغة
في العنب، وقد قيل: الحُولاء- با لضم.
قوله: "لو اشتريت هذه" جوابُ " لو" محذوف، والتقدير: لو
اشتريت هذه الحقة فلبستها يوم الجمعة أو للوفد لكان
حسًناً، ونحو ذلك. والوَفْدُ: جمعُ وافد؛ وهم القوم
يجتمعون ويَرِدون البلادَ ويقصدون الأمراء لزيارة أو
استرفادِ أو غير ذلك.
__________
(1) معالم السنن (1/ 213) .
(4/406)
قوله: " من لا خلاق له" الخلاق: الحظ
والنصيب من الخير والصلاح، ورجل لا خلاق له: لا رغبة له في
الخير.
قوله: " في حلة عُطارد " بالإضافة؛ وهو عطارد بن حاجب بن
زرارة ابن عُدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن
حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وفد على النبي- عليه
السلام- سنة تسع؛ وعليه الأكثرون، وقيل: سنة عشر، وهو صاحب
الثوب الديباج الذي أهداه للنبي- عليه السلام-، وكان كسرى
كساه إياه فعجب منه الصحابة فقال - عليه السلام-: "
لمناديل سَعْد بن معاذ في الجنة خير من هذا" (1) .
قوله: "أخا له مشركاً بمكة" أخوه هذا: هو عثمان بن حكيم،
وكان أخاه لأمّه، فأما زيد بن الخطاب أخو عُمر فإنه أسلم
قبل عُمر. وفي "صحيح أبي عوانة": فكساها عمر أخاً له من
أمه من أهل مكة مشركاً. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم،
والنسائي. والحديث لا يُطابق الترجمة؛ لأن كثر ما فيه أن
عُمر أشارَ مشورة ردت عليه، والذي يناسبُ الباب: ما رواه
ابن ماجه عن عائشة: قال - صلى الله عليه وسلم -: " ما على
أحدكم إن وجَد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته".
وعند ابن أبي شيبة- بسند صحيح على شرط مسلم-: نا عبدة: نا
عثمان بن حكيم، عن عثمان بن أبي سليمان، عن أبي سعيد
مرفوعاً: فإن من الحق على المسلم إذا كان يوم الجمعة:
السواك، وأن يلبس من صالح ثيابه، وابن يتطيب بطيب إن كان".
وأخرج عن أبي جعفر أن رسول الله كان يلبس بُرْده الأحمرَ
يوم الجمعة، ويعتم يوم العيدين. وعن ابن أبي ليلى قال:
أدركت أصحاب محمد- عليه السلام- من أصحاب بدر، وأصحاب
الشجرة إذا كان يوم
__________
(1) انظر: ترجمته في الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 165) ،
وأسد الغابة (4/ 42) ، والإصابة (2/ 483) .
(4/407)
الجمعة لبسوا أحسن ثيابهم، وان كان عندهم
طيب مَسّوا منه، ثم راحوا إلى الجمعة.
ويُستفاد من حديث الباب فوائد؛ الأولى: جواز بيع الحرير
صان كان حراماً على الرجال.
الثانية: حرمة الحرير على الرجال.
الثالثة: جواز تملك الإنسان ما لا يجوز له لبْسه.
الرابعة: جواز قبول الهدية من الكافر.
الخامسة: جواز الهدية للكافر.
وقال القرطبي: وفيه دلالة على أن عمر من مذهبه: أن الكفار
ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة، إذ لو اعتقد ذلك لما كساه
إياها، ولقائل أن يقول: لم يهدها إليه ليلبسها بل لينتفع
بها كما فعل - صلى الله عليه وسلم - مع عمر وغيره.
1048- ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب: أخبرني يونُس،
وعمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه قال:
وَجدَ عمر ابن الخطاب حلة إستبرق تُباع بالسُوق فأخذها
فأتى بها رسول الله- عليه السلام- فقال: " ابتَعْ هذه
تجملْ بها للعيد وللوفود لما ثم ساق الحديث، والأولُ أتمُ
(1) .
ش- الإستبرق: ما غلظ من الحرير والإبريسم؛ وهي لفظة
أعجميّة معرّبة أصلها: إستبره، وقد ذكرها الجوهري في الباء
من القاف على أن الهمزة والسن والتاء زوائدُ وأعاد ذكرها
في السن من الراء. وذكرها الأزهري في خماسي القاف على أن
همزتها وحدها زائدة، وقال: أصلها بالفارسية: استَفَره،
وقال- أيضا- إنها وأمثالها من الألفاظ حروف
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(4/408)
عربية وقع فيها وفاق بين العجمية والعربية،
وقال: هذا عندي هو الصوابُ. وفي لفظ: "من ديباج أو خز "،
وفي رواية: "من سُنْدس ". قوله: " ابْتع هذه " أي: اشِترِ.
قوله: " تجمل " بجزم اللام على أنه أمر.
قوله: " ثم ساق الحديث " أي: الحديث المذكور.
قوله: " والأول أتم " أي: الحديث الأول؛ وهو رواية القعنبي
أتم؛ لأنه أكثر فوائد.
1049- ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب: أخبرني عمرو (1) ،
[2/80 - أ] / أن يحيي بن سعيد الأنصاري حدثه، أن مُحمد بن
يحيي بن حبان حدثه، أن رسولَ الله- عليه السلامِ- قالَ: "
ما على أحدكم إن وجَد أو ما على أحدكم إن وجدتُم أن يَتخذ
ثوبَيْن ليَوْم الجمعة سوى ثوبي مَهْنته ". قال عَمرو:
وأخبرني ابنِ أبي حبيب، عن موسى بن سَعْد، عن ابن حبان، عن
ابن سلام أنه سمع رسُولَ الله يقولُ ذلك على المنبر (2) .
ش- حَبان- بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة- وقد ذكرناه.
قوله: " ثوبي مهنته "- بفتح الميم وكسرها- أي: ثوبي بذلته
وخدمته؛ والرواية بفتح الميم. قال الأصمعي: المَهنة- بفتح
الميم-: الخدْمة، ولا يقال: مِهنة- بالكسْر- وكان القياس
أن يقال مثل جلسة وخدْمة؛ إلا أنه جاء على فَعلة، وحكى
غيرُه الكسر- كما تقدم.
قوله: " قال عمرو " أي: عمرو بن الحارث المصري. وابنُ أبي
حبيب:
هو يزيدُ بن أبي حبيب- سُويد- المصري.
وموسى بن سَعْد: ابن زيد بن ثابت الأنصاري، وقال عبد
الرزاق: موسى بن سعيد. روى عن: حرص بن عبيد الله بن انس،
وربيعة بن
__________
(1) في سنن أبي داود: " أخبرني يونس وعمرو ".
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الزينة
يوم الجمعة (1095) .
(4/409)
أبي عبد الرحمن. روى عنه: يزيد بن أبي
حبيب، وعُمر بن محمد العمري، وعطاف بن خالد. روى له: مسلم،
وابن ماجه (1) .
وابن سلام: هو عبد الله بن سلام الصحابيّ.
قوله: " يقول ذلك " إشارة إلى قوله: " ما على أحدكم إن وجد
" الحديث.
ص- قال أبو داود: رواه وهب بن جرير، عن أبيه، عن يحيي بن
أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن موسى بن سَعْد، عن يوسف بن
عبد الله بن سلام، عن النبي- عليه السلام.
ش- أي: روى هذا الحديث: وهب بن جرير البَصْري، وأبوه: جرير
بن حازم بن يزيد البَصْري، ويحيي بن أيوب: الغافقي المصري.
ويوسف بن عبد الله بن سلام: أبو يعقوب، أجلسه رسولُ الله
في حجره ووضع يده على رأسه وسقاه يوسف، له حديث في
الأطعمة. قال ابن أبي حاتم: ليست له صحبة. وقال البخاري:
له صحبة. وروى عن: عثمان، وعلي، وأبيه، وأبي الدرداء،
وخولة بنت مالك، وجدته: أم معقل. روى عنه: يزيد بن أبي
أمية الأعور، والنضير بن قيس، وعمر بن عبد العزيز، ويحيي
بن سَعيد الأنصاري، ومحمد بن يحيي بن حبان، وغيرهم. روى
له: أبو داود، والنسائي، والترمذي في "الشمائل" (2) .
* * *
208- بَابُ: التَحلُّقِ يَوْمَ الجُمعَة قبل الصلاة
أي: هذا باب في بيان التحلق يوم الجمعة ففي المسجد قبَل
الصلاة. والتحلق: اتخاذ الحلقة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/ 6257) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 679) ،
وأسد الغابة (5/ 529) ، والإصابة (3/ 671) .
(4/410)
1050- ص- نا مسدد: نا يحيى، عن ابنٍ عجلان،
عن عمرو بن
شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- نهى عنِ الشراء والبيْع في المَسْجد وأن تُنشَد فيه ضالة
وأن يُنشدَ فيه شعر، ونهى عن التحلق قبل
الصلاة يومَ الجمعة (1) .
ش- النهيُ عن الشَرى والبيْع في المسجد نهي تنزيه، حتى لو
باع في
المسجد أو عقد انعقد البَيْع والشراء؛ ولكنه يكره؛ لأن
المساجد بنيت لأداء
الفرائض والأذكار.
قوله: " وأن تُنشدَ فيه " أي: ونهى أن تنشد في المسجد
ضَالة، يُقال:
نَشدتُ الدابةَ إذا طلبتها، وأنشدتُها إذا عرفتها، وقد
ثبت: " من سمع
ينشد ضالةً في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك؛ فإن
المساجد لم تبن لهذا".
وقال الشيخ محيي الدين: ويلحق به ما في معناه من البيع
والشرى
والإجارة ونحوها من العقود، وكراهة رفع الصوت في المسجد.
قال القاضي: قال مالك وجماعة من العلماء: يكره رفع الصوت
في المسجد بالعلم وغيره. وأجاز أبو حنيفة، ومحمد بن مسلمة
من أصحاب مالك رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغير ذلك مما
يحتاجُ إليه الناسُ، لأنه مجمعهم ولا بد لهم منه.
قوله: " وأن يُنْشد فيه شعر " أي: ونهى أن يُنْشد في
المسجد شعْرٌ،
وقال أبو نعيم الأصبهاني في كتاب " المساجد": نهى عن تناشد
أَشعار
الجاهلية والمبطلين فيه، فأما أشعار الإسلام والمُحقين
فواسع غير محظورِ [2/80 - ب]
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية البيع
والشراء (322) ، النسائي: كتاب المساجد، باب: النهي عن
البيع والشراء في المسجد (713) ،
ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: ما يكره في
المساجد (749) ، وباب: النهي عن إنشاد الضوال في المسجد
(766) ، وكتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الحلق يوم
الجمعة قبل الصلاة (1133) .
(4/411)
وقال ابن حبيب: رأيت ابن الماجشون، ومحمد
بن مسلمة ينشدان فيه الشعر، ويذكران أيام العرب، وقد كان
ينشد بين يدي مالك فيُصغي إليه. قال أبو عبد الملك: كان
حسان ينشد الشعر في المسجد في أول الإسلام، وكذا لعب الحبش
فيه، وكان المشركون إذ ذاك يدخلونه، فلما كمل الإسلام زال
ذلك كله. وقال البخاري: " باب إنشاد الشعر في المسجد" (1)
، ثم قال: حدَّثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري:
أخبرني أبو سلمة أنه سمع حسان بن ثابت يستشهد أبا هريرة:
أنشدك الله هل سمعتَ النبيَّ- عليه السلام- يقولُ: " يا
حسان، أجِبْ عن رسول الله، اللهم أيّده بروح القدس "؟ قال
أبو هريرة: نعم فدل الحديث على أن الشعر حق، يتأهل صاحبه
لأن يكون مؤيداً في النطق بنصر الملائكة، وما كان هذا شأنه
فلا يتخيل أنه يحرم في المسجد لأن الذي يحرمُ في المسجد من
الكلام إنما هو السفه وما هو باطل. وقد روى الترمذي من
حديث عائشة: كان رسول الله ينصبُ لحسان منبراً في المسجد،
فيقوم عليه يهجو الكفار.
فإن قيل: روى ابن خزيمة في " صحيحه" عن عبد الله بن سعيد:
نا
أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه،
عن جده: نهى رسول الله عن تناشد الأشعار في المساجد. وحسنه
الحافظان: الطوسي، والترمذي. وروى أبو داود من حديث صدقة
بن خالد، عن محمد بن عبد الله الشعيثي، عن زفر بن وثيمة،
عن حكيم ابن حزام مرفوعاً: نهى أن يستقاد في المسجد، وأن
تُنشد فيه الأشعار (2) . قلنا: قال ابن حزم: حديث عَمرو لا
يصح لأنه صحيفة، وحديث حكيم بن حزام زعم أبو محمد الإشبيلي
أنه حديث ضعيف. وقال ابن القطان: لم يُبين أبو محمد من
أمرهَ شيئا وعلته: الجهل بحال زفر فلا يُعرف.
__________
(1) كتاب الصلاة (453) .
(2) أبو داود: كتاب الحدود، باب: في إقامة الحد في المسجد
(4490) .
(4/412)
قلت: ليس كما قال؛ بل حاله معروف، قال
عثمان بن سعيد الدارمي: سألتُ يحيي عنه فقال: ثقة،
وذكره ابنُ حبان في كتاب، "الثقات"، وصحح له الحاكم
حديثا عن المغيرة بن شعبة؛ ولكن تصحيح الحاكم فيه نظر؛
لأن ابن حبان لما ذكره في الثقات قال: روى عن حكيم- إن
كان سمع منه- وصرح دُحيم لما ذكره ووثقه بِقوله: لم
يلق حكيم بن حزام.
فإن قيل: روى عبد الرزاق في " مصنفه " من حديث أسيد بن
عبد الرحمن أن شاعراً جاء إلى النبي- عليه السلام- وهو
في المسجد قال: أنشدك يا رسول الله؟ قال: " لا" قال:
بلى، فقال له النبي - عليه السلام-: "فاخرج من المسجد
" فخرج فأنشد، فأعطاه- عليه السلام- ثوباً وقال: هذا
بدل ما مَدحت به ربّك. قلنا: ذكره عبد الرزاق من حديث
ابن أبي يحيي شيخ الشافعي- وفيه كلام شديد-، عن ابن
المنكدر، عنه.
فإن قيل: روى أبو نعيم من حديث جبير بن مطعم: " لا
تُسل السيوفُ، ولا تُنتر النبلُ في المساجد، ولا تنشد
فيها الأشعار". قلنا: سنده ضعيف.
فإن قيلِ: روى أبو أحمد الجرجاني في "كامله" من حديث
ابن عباس: " نزهو المساجدَ ولا تتخذوها طرُقاً، ولا
تمر فيه حائض، ولا يقعدُ فيه جنب إلا عابر سبيل، ولا
ينتر فيه نبل، ولا يُسل فيه سيف، ولا يضربُ فيه حد،
ولا ينشدُ فيه شعر، فان أنشد فقل: فض الله فاك". قلنا:
رواه جويبر بن سعيد، وهو ضعيف عن الضحاك، ولم يَسْمع
من ابن عباسٍ.
فإن قيل: روي عن ابن عمر- رضي الله عنهما-: نَهى - صلى
الله عليه وسلم - أن ينشدَ الشعرُ في المَسْجد. قلنا:
رَفَه أبو أحمد بالفرات بن السائب.
قوله: " ونهى عن التحلق قبل الصلاة " أي: عن اتخاذ
الحلقة، وفي
(4/413)
رواية: " نهى عن الحَلَقِ"- بفتح الحاء
وفتح اللام- جمع الحلقة- بسكون اللام- مثل هَضْبة
وهَضَب. وفي " المحكم ": الحلْقة: كل شيء استدار كحلقة
الحديد والفضةَ والذهب، وكذلك هو في الناس، والجمع:
"حلاق " على الغالب، و" حلَق " على النادر، و "الحلَق
" عند سيبويه: اسم للجمع؛ وليس يجمعُ؛ لأن " فَعْلة"
ليست مما يكسر على فَعَلِ. وقد حكى سيبويه/ في الحلقة
فتح اللام. وأنكرها ابن السكيت وغيره. وقال اللحياني:
حلْقة الباب وحلَقته بإسكان اللام وفتحها. وقال كراع:
حَلْقة القوم وحَلَقتهم. وحكى يونس عن أبي عمرو: "
حَلَقة" في الواحد بالتحريك، والجمع "حلقات ". وقال
الجوهري: الجمع "حلَق " على غير قياس. وقال كراع:
الجمع "حَلَق " و"حِلَق" و"حِلاق".
وقال الخطابي (1) : وكان بعض مشايخنا يرويه أنه نهى عن
الحَلْق
- بسكون اللام- وأخبرني أنه بقي أربعين سنة لا يحلق
رأسه قبل الصلاة، فقلت له: إنما هو الحِلق جمع الحلقة.
فقال: قد فرجت عني وجزاني خيراَ، وكان من الصالحين.
وإنما كره الاجتماع قبل الصلاة للعلم والمذاكرة، وأمر
أن يشتغل بالصلاة، وينصت للخطبة والذكر، فإذا فرغ منها
كان الاجتماع والتحلق بعد ذلك ". والحديث: أخرجه
الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
* * *
209- باب: اتخاذ المنبر
أي: هذا باب في بيان اتخاذ المنبر للخطبة.
1051- ص- نا قتيبة بن سعيد، نا يعقوب بن عبد الرحمن بن
محمد ابن عبد الله بن عبد القاري القرشي قال: حدثني
أبو حازم بن دينار، أن رجالاً أتوا سهلَ بن سعدِ
الساعدي، وقد امْتَرُوا في المِنبرِ مم عُوده،
فسألُوهُ
__________
(1) معالم السنن (1/ 213) .
(4/414)
عن ذلك، فقال: والله إني لأعرفُ مما هو،
ولقد رَأيتُهُ أولَ يوم وُضِعَ، وأوَل يَوم جَلَسَ
عليه رسولُ الله، أرسلَ رسولُ الله إلى فُلانة- امرأة
قد سماهَا سهلٌ - أنْ مُرِي غُلامَك الَنجَّار أن
يَعملَ لي أعَواداً أجْلسُ عليهن إذا كَلَمتُ الناسَ،
فأمرتْهُ، فعَمَلَهَا من طَرفاءَ الغابةِ، ثم جَاء
بَها، فأرْسَلَتْهُ إلى رسولِ الله- عليه السلام-
فأمَر بها فوُضعَتْ هاهنا، فرأيْتُ رسولَ اللهِ صلي
عليها، وَكبر عليها، ثم رَكَعَ وهو عليهاَ، ثم نَزَلَ
القَهْقَرِيَ فسجَدَ في أصل المنبرِ، ثم عَادَ، فلما
فَرِغَ أقبلَ على الناسِ فقال: " أيُّهَا الناسُ، إنما
صَنَعْت هَذا لتأتَمُّوا بي، ولِتَعْلَمُوا صَلاتِي "
(1) .
ش- عَبْد- بالتنوين- والقاري- بالتشديد- وقد ذكرنا
ترجمته، وأبو حازم: سلمة بن دينار.
قوله: "وقد امتروا" جملة حالية من الضمير الذي في "
أتوا " أي: وقد شكوا في المنبر مم عوده؟ أي: من أيّ
شيء كان عوده؟ و" المنبر " من نبرت الشيء أنبره نبراً،
رفعته، ومنه سمي المنبر.
وقوله: " مم " أصله: " من ما "، ومنه: "عَمَّ
يَتَسَاءَلُون"هو (2) فلما أدغمت الميم في الميم حذفت
الألف للتخفيف.
قوله: " أرسل رسول الله إلى فلانة امرأة" وفي رواية
جابر في " صحيح البخاري " وغيره: أن المرأة قالت: " يا
رسول الله، ألا أجعل لك شيئاَ تقعد عليه؟ فإن لي
غلاماً نجاراً "، وهذه الرواية في ظاهرها مخالفة
لرواية سهل، والجمع بينهما أن المرأة عرضت هذا أولاً
على رسول الله، ثم بعث إليها النبي- عليه السلام- يطلب
تنجيز ذلك.
قوله: " أن مري " أن " تفسيرية مثل قوله تعالى:
"فَأوْحَيْنَا (3) إِلَيْهِ
__________
(1) البخاري: كتاب الجمعة، باب: الخطبة على المنبر
(917) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز
الخطوة والخطوتين في الصلاة (544) ، النسائي: كتاب
المساجد، باب: الصلاة على المنبر (739) .
(2) سورة النبأ: (1) .
(3) في الأصل: " وأوحينا".
(4/415)
أنِ اصْنَع الفُلكَ " (1) و"مُرِي " أصله
اءمري، وقد عرف في موضعه،
ووزن " مُري " عُلي، واختلف في اسم النجار، فقيل:
باقول. قال ابن
الأثير: كان روميَا غلاما لسعيد بن العاص، مات في حياة
النبي- عليه
السلام- ويقال: باقوم، وذكر أبو إسحاق الطليطلي في
كتاب " الصحابة"
أن اسمه قبيصة المخزومي، قال: ويقال: ميمون. قال:
وقيل: صُبَاح
غلام العباس بن عبد المطلب. زاد ابن بشكوال، وقيل:
ميناء، وقيل:
إبراهيم. قوله: " من طرفاء الغابة " " الطرفاء "- بفتح
الطاء، وسكون الراء
المهملتين- وهي ممدودة: شجر من شجر البادية، واحدها
طرفة- بفتح
الراء- مثل قصبة وقصباء. وقال سيبويه: الطرفاء واحد
وجمع. وفي
رواية: " من أثل الغابة". وقال أبو زياد: من العضاه
أثل، وهو طوال
في السماء سلب، ليس له ورق ينبت، مستقيم الخشب، وخشبه
جيد،
يحمل إلى القرى فتبنى عليه بيوت المدر، وورقه هدب
دقاق، وليس له
شوك، ومنه تصنع القصاع والأواني الصغار والكبار
والمكاييل والأبواب [2/81 - ب] وهو النضار، وقال أبو
عمرو: هو أجود الخشب/ للآنية، وأجود النضار الورسي
لصفرته، ومنبر رسول الله نضار، وفي "الواعي ":
الأثلة خمصة مثل الأشنان ولها حب مثل حب التنوم، ولا
ورق لها،
وأنما هي أشنانة يغسل بها القصارون، غير أنها ألين من
الأشنان. وقال
القزاز: هو ضرب من الشجر يشبه الطرفاء وليس به، وهو
أجود منه
عوداً، ومنه تصنع قداح المَيْسر.
وقال الخطابي: هو شجر الطرفاء.
وقال ابن سيده: يشبه الطرفان إلا أنه أعظم منه، و
"الغابة "- بغير
معجمة وباء موحدة-: أرض على تسعة أميال من المدينة،
كانت إبل
النبي- عليه السلام- مقيمة بها للمرعى، وبها وقعت قصة
__________
(1) سورة المؤمنون: (27) .
(4/416)
العرنيين الذين أغاروا على سرحه. وقال
ياقوت: بينها وبين المدينة أربعة أميال.
وقال البكري في "معجم ما استعجم": هما غابتان عليا
وسفلى. وزعم محمد بن سهل الأحول أن الغابة من (1)
أعراض البحرين، وهي غير المذكورتين. وقال الزمخشري:
الغابة بريد من المدينة من طريق الشام. قال الواقدي:
ومنها صنع المنبر. وقال محمد بن الضحاك، عن أبيه قال:
كان عباس بن عبد المطلب يقف على سَلع فينادي غلمانه
وهم بالغابة فيُسمِعُهم، وذلك من آخر الليل، وبين
الغابة وبين سلع ثمانية أميال، وفي "الجامع": كل شجر
ملتف فهو غابة، وفي "المحكم ": الغابة: الأجمة التي
طالت ولها أطراف مرتفعة باسقة. وقال أبو حنيفة: هي
أجَمةُ القصب، قال: وقد جعلت جماعة الشجر غاباً مأخوذ
من الغيابة، والجمع غابات وغاب.
قوله: " ثم نزل القهقري " وهو الرجوع إلى خلف، وذلك
لئلا يولي ظهره إلى القِبْلة. قال العلماء: كان المنبر
ثلاث درجات كما صرح به مسلم في روايته: "فنزل النبي-
عليه السلام- بخطوتين إلى أصل المنبر، ثم سجد في جنبه
"، وفيه دليل على أن الصلاة لا تبطل بالخطوتين ولا
بالخطوة؛ ولكن الأولى تركه إلا لحاجة، فإن كان لحاجة
فلا كراهة فيه كما فعل النبي- عليه السلام-، وفيه دليل
أيضا أن الفعل الكثير بالخطوات وغيرها إذا تفرق لا
تبطل؛ لأن النزول عن المنبر والصعود تكرر وجملته
كثيرة، ولكن أفراده المتفرقة كل واحد منها قليل، وفي
والإكليل، للحاكم عن يزيد بن رومان: كان المنبر ثلاث
درجات، فزاد فيه معاوية لعلة، قال: جعله ست درجات،
وحوله عن مكانه، فكسفت الشمس يومئذ. قال الحاكم: وقد
أحرق المنبر الذي عمله معاوية، ورد منبر النبي - عليه
السلام- إلى المكان الذي وضعه فيه. وفي "الطبقات": كان
__________
(1) مكررة في الأصل.
27. شرح سنن أبي داود 4
(4/417)
بينه وبين الحائط ممر الشاة. وقال ابن
التين: وهو أول منبر عمل في الإسلام. وذكر ابن سعد
وغيره: أن المنبر عمل سنة سبع. ويقال: سنة ثمان. ولما
قام النبي- عليه السلام- عليه حن الجذع الذي كان يخطب
عليه كالعُشارِ؛ لأنه- عليه السلام- كان يخطب إليه
قائماً قبل أن يتخذ المنبر. وعن عائشة- رضي الله
عنها-: " وضع النبي- عليه السلام- يده على الجذع
وسكنه، غار الجذع فذهب. وعن الطفيل بن أُبي بن كعب، عن
أبيه قال: كان النبي- عليه السلام- يصلي إلى الجذع إذ
كان المسجد عريشاً، وكان يخطب إلى ذلك الجذع فقال رجل
من أصحابه: يا رسول الله، هل لك أن نجعل لك منبراً
تقوم عليه يوم الجمعة، وتسمع الناس يوم الجمعة خطبتك؟
قال: " نعم "، فصنع له ثلاث درجات هي على المنبر، فلما
صنع المنبر وضع موضعه الذي وضعه فيه رسول الله، وبدأ
الرسول أن يقوم (1) فيخطب عليه، فمر إليه فلما جاز
الجذع الذي كان يخطب إليه غار حتى تصدع وانشق، فنزل
النبي- عليه السلام- لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده، ثم
رجع إلى المنبر، فلما هُدم المسجد أخذ ذلك أبيُّ بن
كعب، فكان عنده إلى أن بَلِيَ وأكلته الأرضة، فعادَ
رُفَاتاً، رواه الشافعي، وأحمد، وابن ماجه.
قوله: "ولتعلموا صلاتي" بفتح العين، واللام المشددة،
أي: ولتتعلموا، فحذفت إحدى التائين للتخفيف، فبين-
عليه السلام- أن [2/82 - أ] صعوده/ المنبر وصلاته عليه
إنما كان للتعليم، ليرى جميعُهم أفعاله- عليه السلام-،
بخلاف ما إذا كان على الأرض، فإنه لا يراه إلا بعضهم
ممن قرب منه- عليه السلام-. وقال ابن حزم: وبكيفية هذه
الصلاة قال أحمد، والشافعي، والليث، وأهل الظاهر.
ومالك، وأبو حنيفة: لا يجيز إنه.
قلت: ذكر صاحب "المحيط" أن المشي في الصلاة خطوة لا
يبطلها،
__________
(1) كذا، ولعلها: "وبدا للرسول أن يقوم".
(4/418)
وخطوتين وأكثر تبطلها، فعلى هذا ينبغي أن
تفسد الصلاة على هذه الكيفية، ولكنا نقول: إذا كان ذلك
لمصلحة ينبغي أن لا تفسد صلاته، ولا تكره أيضا عند أبي
حنيفة كما هو مذهب الشافعي، كما في مسألة من انفرد خلف
الصف وحده، فإن له أن يجذب واحداً من الصف إليه
ويصطفان، فإن المجذوب لا تبطل صلاته، ولو مشى خطوة أو
خطوتين، وبه صرح أصحابنا في الفقه.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
فالبخاري أخرجه في باب الصلاة على المنبر، ومسلم في
باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة.
1052- ص- نا الحسن بن على، نا أبو عاصم، عن ابن أبي
رواد، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي- عليه السلام-
لما بدَنَ قال له تميمٌ الداريُ: ألا اتَخذُ لك منبراً
يا رسولَ الله يَجْمَعُ- أو يَحملُ- عظَامَكَ؟ قال:
"بلى. " فاتَخَذَ لَه مِنبراً مِرْقَاتيَنِ (1) .
ش- أبو عاصم الضحاك بن مخلد البصري، وابن أبي رواد عبد
العزيز، واسم أبي رواد: ميمون المكي.
قوله: " لما بدن" بتشديد الدال أي: كبر وأسن.
قوله: "مرقاتين " المرقاة: الدرجة، أي: اتخذ له منبراً
درجتين، ونصبها على أنها بدل من المنبر، وهي من رَقيتُ
في السلم- بالكسر- رقياً ورقياً إذا صعدت، وارتقيت
مثله. قال الجوهري: والمرقاة - بالفتح-: الدرجة، فمن
كسرها شبهها بالآلة يعمل بها، ومن فتح قال: هذا موضع
يفعل فيه، فيجعله بفتح الميم مخالفاً.
فإن قيل: ما التوفيق بين الحديثين؟ فإن في حديث مسلم
كما ذكرنا
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(4/419)
ثلاث درجات، وفي هذا الحديث مرقاتان وهما
درجتان؟ قلنا: الذي قال: "مرقاتين" كأنه لم يعتبر
الدرجة التي يجلس عليها، والذي روى ثلاثاً اعتبرها.
وفي "طبقات ابن سعد" من حديث أبي هريرة وغيره قالوا:
كان النبي- عليه السلام- يخطب يوم الجمعة إلى جذع
قائماً فقال: " إن القيام قد شق عليَّ " فقال له تميم
الداريُّ: ألا أعمل لك منبراً كما رأيتُه بالشام؟
فشاور النبيّ- عليه السلام- المسلمين في ذلك، فرأوا أن
يتخذه، فقال العباس بن عبد المطلب: إن لي غلاماً يقال
له كلاب أعملُ الناس، فقال النبي- عليه السلام-: " مره
أن يعمله "، فعمله درجتين ومقعداً، ثم جاء به فوضعه في
موضعه.
وفي كتاب ابن التين: عمله غلام لسعد بن عبادة. وفي "
دلائل النبوة" لأبي نعيم: "صُنع للنبي- عليه السلام-
كرسي أو منبر" الحديث.
210- باب: موضع المنبر
أي: هذا باب في بيان موضع المنبر.
1053- ص- نا مخلد بن خالد، نا أبو عاصم، عن يزيد بن
أبي عبيد، عن سلمي قال: كان بين مِنبرِ رسولِ الله -
صلى الله عليه وسلم - وبين الحائطِ كَقَدْرِ مَمَر
الشَاةِ (1) . ش- يزيد بن أبي عبيد مولى كلمة بن
الأكوع.
والحديث: أخرجه مسلم بنحوه أتم منه، وابن سعد في
"الطبقات "، وفيه من السنة أن لا يلزق المنبر بالحائط
حتى لا يكون متخللاً بين الصف في الصلاة.
* * *
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: قدر كم ينبغي أن يكون
بين المصلى والسترة (497) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب:
دنو المصلي من السترة (263/ 509) . "
(4/420)
|