شرح أبي داود للعيني

195- بَابُ: تفْريع أبْواب الجُمعةِ
أي: هذا باب في بيان تفريع أنول أحكام الجمعة؛ وفي بعض النسخ بعد قوله باب تفريع أبواب الجمعة: " باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة" (1) .
1017- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " خيْرُ يوم طلعت فيه الشمسُ يوم الجمعة فيه خُلِق اَدمُ وفيه اهْبطَ وفيه تيب عليه وفيه ماتَ وفيه تقومُ الساعةُ وما منْ دابة إلا وهي مُسيخة يوم الجمعَة من حين تُصْبح حتى تطلع الشمسُ شَفَقاً من الساعة إلا اَلجن والإنس وفيها (2) ساعة لا يُصادفها عبدٌ مُسلِمٌ وهو يُصلي يَسألُ الله حاجة إلا أعطاه إياها ". قال كعب: ذلَك في كل سنة يوم؟ فقلت: بلى (3) في كل جمعة. قال: فقرأ كعب التوراةَ فقال: صدق رسول الله. قال أبو هريرة: ثم لقيتُ عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب فقال عبد الله بن سلام: قد علمتُ أيّ (4) ساعة هي، قال أبو هريرة: فقلتُ له: أخبرني (5) بها، فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة من يوم الجمعة، فقلت: كيف هي آخرُ ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسوَل الله: " لا يصادفُها عبد مسلم وهو يُصلي، وتلك الساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يَقُل
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود:" وفيه".
(3) في سنن أبي داود: " بل ".
(4) في سنن أبي داود: "أية".
(5) في سنن أبي داود: " فأخبرني".

(4/360)


رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من جلسَ مجلساً يَنْتظر الصلاةً فهو في صلاة حتى يصلي؟ فقلتُ (1) : بلى، قال: هو ذاك (2) .
ش- مالك بن أنس، ويزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهند الليثي المدني، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث القيمي.
قوله: " خيرُ يومٍ " مبتدأ.
وقوله: " طلعت فيه الشمس " صفة اليوم، من الصفات الكاشفة. وقوله: " يوم الجمعة " خبر المبتدأ. ومعنى قوله: " خير يوم ": أخيرُ الأيام، يعني: أفضلها، وقد علم أن الهمزة حذفت من خير وشر اللذين هما للتفضيل؛ لكثرة دورانهما في الكلام، حتى صار إثباتها فيهما شاذا. والجُمعة: بضم الميم (3) وإسكانها وفتحها؛ حكاها الفراء، ووجهوا الفتح بأنها تجمع الناسَ ويكثرون فيها كما يقال: هُمزة ولُمزة لكثير الهمز واللَّمْز ونحو ذلك. وفي " المعاني " للزجاج: قرئت الجُمِعة- بكسر الميم - سميت جمعة لاجتماع الناس فيها، وكان يوم الجمعة في الجاهلية تسمى العَرُوبة. وعن ابن عباس: سمي يوم الجمعة لأن الله تعالى جمع فيه خلق آدم. وفي " الأمالي " لثعلب: إنما سمي يوم الجمعة؛ لأن قريشا كانت (4) تجتمع إلى قصي في دار الندوة. وقال الطبري: سمي بذلك لاجتماع آدم فيه مع حواء عليهما السلام في الأرض. وروى ابن خزيمة، عن سلمان/ مرفوعاً " يا سَلْمان" هل تدري لم سمي يوم الجمعة؟ " قلت: اللهُ ورسوله أعلم، قال: " فيه جُمع أبوك أو أبوكم " الحديث.
__________
(1) في سنن أبي داود: " قال: فقلت ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة (491) ، النسائي: كتاب السهو، باب: ذكر الساعة التي يستجاب فيها الدعاء
يوم الجمعة (3/ 114) .
(3) في الأصل "الجيم " خطأ.
(4) في الأصل " كان ".

(4/361)


قوله:" فيه خلق اَدمُ" المراد منه: نفخ الروح فيه. قال العزيزي: تلج في آدم الروحُ يوم الجمعة عنْد الزوال.
قلتُ: يجوز أن يكون ابتداء خلق آدم من الطين يوم الجمعة، ثم قعد
ما شاء الله، ثم نفخ فيه الروح يوْم الجمعة- أيضاً-.
قوله: " وفيه أهبط " أي: وفي يوم الجمعة أنزل آدم إلى الأرض بعد أن أخرج من الجنّة على جبل سَرنديب.
قوله: " وفيه تيب عليه " أي: وفي يوم الجمعة تاب الله على اَدم بعد أن مكث ثلاثمائة سنةَ لا يرفع رأسه حياء من الله. وقال ابن عباس: بكى آدم وحواء على ما فاتهما من نعيم الجنّة مائتي سنة، لم يأكلا ولم يشربا أربعين سنةً، ولم يقرب آدم حواء مائة سنة، فلمًا أراد الله أن يرْحمه لقنه كلمات كانت سبب توبته كما قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مَن ربه كَلمَات فَتَابَ عًلَيْهِ} (1) قيل: هو قوله: {ربنا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} الآية (2) ،َ وقيلَ غير ذلك.
قوله: " وفيه مات " أي: في يوم الجمعة مات آدم على نوذ بالهند. وقال ابن عباس: لما كان أيام الطوفان حمل نوح تابوت آدم في السفينة، فلما خرج دفنه ببيت المقدس، وكانت وفاته يوم الجمعة في الساعة التي خلق فيها، وهي أفضل ساعة يوم الجمعة، وقيل: دُفن بمكة في غار أبي قبيس؛ وهو الذي يقال: غار الكنز. وعن ابن عساكر: قيل: ورأسه عند مسجد إبراهيم، ورجلاه عند صخرة بيت المقدس.
قوله: " وفيه تقوم الساعة" أي: القيامة.
قوله: " مُسيخة " من أساخ، وأساخ وأصاخ بمعنى واحد، أي: مُستمعة مقبلة علَى ذلك، وقيل: مستمعة مُشْفِقة.
قوله:" شفقة من الساعة " أي: خوفا من القيامة؛ وانتصابُه على التعليل.
__________
(1) سورة البقرة: (37) .
(2) سورة الأعراف: (23) .

(4/362)


قوله: " إلا الجنُّ والإنْسَ " بالنَصْب؛ لأنه مستثنى من قوله: " وهي مُسيخةٌ " وهو كلام موجب، والمُسْتثنى يَنْتصبُ إذا كان بعد "الا" غير صفة في كلام مُوجب- كما عرف في موضعه- والجن: ولد إبليس- عليه اللعنة- والكافر منهم شيطان، ولهم ثواب وعقاب، واختلف في دخولهم الجنة. وعن ابن عباس: إنهمِ ولد الجن بني الجان، وليسوا بشياطين؛ ومنهم كافر ومنهم مؤمن، ويعيشون ويموتون، والشياطين لا يموتون إلا عند موت إبليس. وذهبَ الجاحظ إلى أن الجن والملائكة واحد. فمن طَهُر منهم فهو ملك، ومَنْ خبُث منهم فهو شيطان، ومن كان بَيْن بين فهو جِن. وقال الجوهري: الجن خلاف الإنس، والواحِد: جني؛ يقال: سميت بذلك؛ لأنها تُتقى ولا تُرى.
قلت: سمّيت بذلك لأنهم مستورون من بني الدم؛ من الامتنان وهو الاستتار؛ ومنه الجُنة- بالضم- ما استترتَ به من سلاح، والجَنة - بالفتح- البستان؛ لاجتنانهم بأشجارها، والجَنين لاستتاره في بطن أمه، والجَنان: القلب كذلك، الجَننُ: القَبرُ كذلك- والإنسُ: البشر، والواحد: إنسِي وأنَسِي- أيضا- بالتحريك، والجمع: َ أناسي. وتقديم الجن لا يدل على تفضيله؛ لأن الواو لا تدل على الترتيب.
قوله: " وفيها ساعة " أي: في يوم الجمعة ساعةٌ؟ والساعة: اسمٌ لجزء مخصوص من الزمان، ويرد على أنحاء، أحدها: يطلق على جزء من أربعة وعشرين جزءاً؛ وهي مجموع اليوم والليلة، وتارة تطلق مجازاً على جزء ما غير مقدر في الزمان فلا يتحقق، وتارة تطلق على الوقت الحاضر، ولأرباب النجوم والهندسة وضع آخر؛ وذلك أنهم يقسمون كل نهار وكل ليلة باثني عشر قسماً سواء كان النهار طويلا أو قصيراً وكذلك الليل، ويُسمّون كل ساعة (1) من هذه الأقسام ساعةً؛ فعلى هذا
__________
(1) كذا، والجادة " قسم ".

(4/363)


تكون الساعة تارةً طويلة وتارة قصيرة على قدر النهار في طوله وقصره، ويسمون هذه الساعات: المُعوَجة وتلك الأولة: مُستقيمة.
قوله: " لا يُصادفها " أي: لا يُوافقها.
قوله: " وهو يصلي " جملة حالية.
قوله: " يَسألُ الله حاجةً " جملة حالية- أيضا- وهما حالان متداخلتان أو مترادفتان.
[2/ 71 - ب] قوله: " قال كعب " وهو كعب/ بن ماتع بن هيثوع، ويقال: ابن هَسْلوع بن ذي هجرى بن ميتم بن سَعْد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد، ويقال غير ذلك، أبو إسحاق الحميري المعروف بكعب الأحبار، أدرك النبي- عليه السلام- وأسْلم في خلافة أبي بكر الصديق، ويقال: في خلافة عمر بن الخطاب، وروى عنه، وعن صهيب، روى عنه: ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وأبو هريرة، وسعيد بن المسيب وجماعة آخرون كثيرة، سكن حمص، توفي بالشام سنة ثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه، قال أبو فوزة: توفي بحمص ودفناه بين زيتونات أرض حمص. روى له: النسائي (1) .
قوله: " ثم لقيت عبد الله بن سَلام "- بتخفيف اللام- ابن الحارث الخزرجي، يكنى أبا يوسف حليف القوافلة، من بني عوف بن الخزرج من الأنصار، وهو رجل من بني إسرائيل من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم- عليهم السلام-، أسلم عند قدوم النبي- عليه السلام- المدينة، وكان اسمه: الحُصَين، فسماه رسول الله: عبد الله، وشهد له بالجنة، روي له عن رسول الله خمسة وعشرون حديثا؛ اتفقا على حديث واحد، وللبخاري آخرُ، روى عنه: ابناه: محمد، ويوسف، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وعبد الله بن المغفل المزني، وعبد الله بن حنظلة بن الراهب، وأبو سلمي عبد الله بن عبد الرحمن بن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/4980) .

(4/364)


عوف، وقيس بن عبادة، وأبو بردة، وعطاء بن يسار وغيرهم، شهد مع عمر بن الخطاب فتح بيت المقدس والجابية، وتوفي بالمدينة سنة ثلاث وأربعين روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) . قوله:؛ " لا يُصادفها عبد مُسلم وهو يصلي " إلى آخره، واختلفوا في تلك الساعة فقيل: هي من بعد العصر إلي الغروب، وقيل: من حين خروج الإمام إلي فراغ الصلاة، وقيل: من حين تقام الصلاة حتى يفرغ، وقيل: من حين يجلس الإمام على المنبر حتى يفرغ من الصلاة، وقيل: آخر ساعة من يوم الجمعة وقد رويت في ذلك كلَّه آثار. وقيل: هي عند الزوال، وقيل: من الزوال إلي أن يصير الظل نحو ذراع، وقيل: هي مخفية في اليوم كليلة القدر، وقيل: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وقال قوم: قد رفعت، وقد رد السلف هذا على قائله. والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حديث صحيح. وقد أخرج البخاري، ومسلم طرفا منه في ذكر ساعة الجمعة من رواية الأعرج، عن أبي هريرة، وأخرج مسلم الفصل الأول في" فضل الجمعة" من رواية الأعرج- أيضا-.
1018- ص- نا هارون بن عبد الله: نا حسين بن علي، عن عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصَنْعاني، عن أوْس بن أوْس قال: قال النبي- عليه السلام: " إنّ من أفضل أيامكم: يوم الجمعة؛ فيه خلق آدمُ، وفيه قُبض، وفيه النفخةُ، وفيه الصَعْقة؛ فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكَم مَعروضة علي". قال: قالوا: ياَ رسول الله! وكيف تُعرَضُ صلاتُنا عليك وقد أرَمْتَ؟ قال: يَقُولُون: بَليتَ فقال: "إن الله عز وجل حَرم على الأرضِ أجساد الأنبياء" (2) .
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 382) ، أسد الغابة (3/ 264) ، الإصابة (2/ 0 32) .
(2) أخرجه النسائي: كتاب الجمعة، باب: ذكر فضل يوم الجمعة (3/ 91) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: في فضل الجمعة (1085) ، وكتاب الجنائز، باب: ذكر وفاته - صلى الله عليه وسلم - (1636) .

(4/365)


ش- هارون بن عبد الله: البزار، وحسن بن علي: الجُعفي الكوفي، وأبو الأشعث الصنعاني: اسمُه: شراحيل بن آدة، وقد مر ذكره مرةً. قوله: " وفيه النفخة" أي: وفي يوم الجمعة نفخة الصور؛ وهي النفخة الأولى، والنفخة الثانية وهي نفخة الصعقة، وهيٍ المَوْت؛ قال تعالى: {وَنُفِخَ في الصورِ فَصَعقَ مَن في السموات ومنِ في الأرْضِ} (1) والنفخة الثالثة: نفخة البَعث والحشَر، ونفخ الَصور: عبارة عن الدعاء، كما أن الجيش يُجمع بالنفخ في البُوق.
قوله: " وقد أرَمْتَ "- بفتح الراء بوزن ضربتَ- وأصله: أرَمَمْت أي بليتَ وصرْتَ رميماً؛ حذفوا إحدى الميمَين؛ وهي لغة كما قالوا: ظلتُ أفعل كذا أي: ظللت، قال تعالى: {ظَلتَ عَلَيْه عَاكفاً} (2) قال الحربي: أرَمْت ب بفتح الراء- كذا يرويه المحدثون، وَلا أَعْرف وجهه؛ والصواب: أرمَتْ- بسكون الراء وفتح الميم- فتكون التاء لتأنيث [2/ 72 - أ] العظام، أو رَممْتَ أي: صرت رميماً / وقيل: إنما هو " أرمَت " بتشديد التاء على أنه أَدغم إحدى الميمين في التاء. وهذا بعيد؛ لأن الميم لا تدغم في التاء. وقيل: يجوز أن تكون " أرِمْت " - بضم الهمزة بوزن " أمرْت " من قولهم: أرَمَت الإبلُ تَأرِمُ إذا تناولت العلفَ وبلعَتْه من الأَرْض. والأول هو الذي يَرويه أصحاب الحديث، وتوجيهه ظاهر. كما تقدم. والحديث: أخْرجه النسائي.
***
196- بَابُ: الإجَابة أية سَاعَةٍ هي في يوْم الجمعة؟
أي: هذا باب في بيان الإجابة أية ساعة هي في يوم الجمعة؟ و" أية" تأنيث " أي " وهي اسم يستفهم به، تقولً: أي شخص هو هذا؟ وأية امرأة هي هذه؟ وتفسير الساعة قد مر.
1019- ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب قال: أخبرني عَمْرو
__________
(1) سورة الزمر: (68) .
(2) سورة طه: (97) .

(4/366)


- يعني: ابن الحارث- أن الجُلاح مولى عبد العزيز حدثه أن أبا سلمة - يعني: ابن عبد الرحمن حدثه عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله- عليه السلام- أنه قال: " يوم الجمعة ثنتا عشرة- يُريد: ساعةً- لا يوجد مسلم يَسألُ الله شيئاً إلا آتاه الله؛ فالتمسوها آخر الساعة (1) بعد العَصْرِ " (2) . ش- الجُلاح- بضم الجيم، وفي آخره حاء (3) أبو كبير القرشي الأموي مولاهم البصري مولى عبد العزيز بن مروان، يروي عن: حنش الصنعاني، وسعيد بن سلمة، والمغيرة بن أبي بردة وغيرهم، روى عنه: عبيد الله بن أبي جعفر، والليث بن سَعْد، وعمرو بن الحارث، وحديثه في المصريين. روى له: مسلم، وأبو دود، والترمذي (4) .
والحديث دل على أن الساعة التي تستجابُ فيها الدعاء هي آخر الساعة بعد العصر، ودل- أيضا- أن المراد من تلك الساعة هي الساعة الزمانية التي هي جزء من اثني عشر جزءا وهي خمسة عشر درجة على ما عُرف. وأخرجه النسائي- أيضا-.
1020- ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب قال: أخبرني مخرمة بن بُكير، عن أبيه، عن أبي بُرْدة بن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبدُ الله ابن عمر: أسمعتَ أباك يُحدث عن رسول الله- عليه السلام- قال: في شأن الجمعة-َ يعني: الساعةَ؟ قال: قلت: نعم سمعتُه يقولُ: سمعتُ رسولَ الله يَقولُ: " وهي ما بَيْن أن يجلسَ الإِمامُ إلى أن تُقْضى الصلاةُ " قال أبو داود: يعني: على المنبر (5) .
ش- الهمزة في " أسمعت " للاستفهام.
__________
(1) في سنن أبي داود: " ساعة "
(2) النسائي: كتاب الجمعة، باب: وقت الجمعة (3/ 99) .
(3) في الأصلي " جيم" خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 988) .
(5) مسلم: كتاب الجمعة، باب: الساعة التي في يوم الجمعة (16/ 853) .

(4/367)


قوله:" أن يجلسَ الإمام " أي: على المنبر- كما فسره أبو داود. وقوله: " إلى أن نقضى الصلاة " أي: صلاة الجمعة. والحديث: أخرجه مسلم.
* * *
197- بابُ: فَضْلِ الجُمْعة
أي: هذا باب في بيان فضل الجمعةُ.
1021- ص- نا مسدد: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " منْ توضأ فأحسنَ الوضوءَ ثم أتى الجمعةَ فاستمعْ وأنْصَتْ غُفرَ له ما بَيْن الجمعة إلى الجمعة "زيادةَ ثلاثة أيام، ومن مَس الحصَا فقَدْ لغى " (1) .
ش- إحسانُ الوضوء: الإتيانُ به ثلاثا ثلاثا، وإسباغه، والإتيان بآدابه ومستحباته، والإتيان بسُننه المشهورة.
قوله: " وأنصتَ " وفي بعض رواية مسلم: " وانتصت" يُقال: أنصت، وانتصت ونصَت، والإنصات: السكوت والاستماع والإِصْغاء. قوله: " وزيادة ثلاثة أيام " لأن الحسنة بعَشْر أمثالها. وأيام الجمعة سبعة أيام، فإذا زيدت عليها ثلاثة تصير عشرةً. وقوله: " وزيادة" منصوب إما عطفا على قوله: " بَيْن " وهو منصوب على الظرفية أو بمعنى: "مع " أي: مع زيادة ثلاثة أيام.
قوله: " ومن ميسر الحصَى فقد لغة " إشارة إلى ترك أنقول العبث في حال الخطبة، والإقبال بقلبه وجوارحه إليها ولدى من اللَّغْو؛ وهو الباطل
__________
(1) مسلم: كتاب الجمعة، باب: فضل من أنصت واستمع في الخطبة 27- (857) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الوضوء يوم الجمعة (498) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الرخصة في ذلك (1090) .

(4/368)


المذموم المردود؛ فإذا كان بمس الحَصَى لاغيا فبالكلام ونحوه بالطريق
الأولى. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، وابن ماجه.
1022- ص- نا إبراهيم بن موسى: أنا عِيسَى: نا عبد الرحمن بن يزيد
ابن جابر قال: حدثني عطاء الخراساني، عن مولى امرأته أم عثمان قال (1) :
سَمعتُ عليا- رضي الله عنه- على منبر الكوفة يقولُ: إذا كان يوم الجمعة
غدَت الشياطينُ براياتها إلى الأسواق فيَرْمون الناسَ بالترابيث أو الرِبائث ويُثَبطونهم عن الجمعة، وتَغدُو الملائكةُ فيجلسون على باَب (2) المسجد
فيكتبون الرجل من ساعة والرجل من ساعتين حتى يخرج الإمامُ، فإذا جلسَ
الرجل مجلساً يَسْتمكن فيه من الاستماع والنظر فأنصْتَ ولم يَلغُ كان له
/ كفلان من أجْر، فإن ناء حيث لا يَسْتمعُ (3) فأنصت ولم يَلغُ كان له كفل [2/ 72 - ب] من أجْر، وإن جًلس مجلساً يَسْتمكن فيه من الاستماع والنظر فلغى وَلم
ينصت كان له كفل من وزر، ومن قال يوم الجُمعة لصاحبه: صهْ فقد لغى،
ومَنْ لغى فليس له في جمعته تلك شي. ثم يقولُ في آخر ذلك: سمعتُ
رسولَ الله يَقولُ ذلك (4) .
ش- عيسى بن يونس، وعَطاء بن مُسلم الخراساني.
قوله: " غدت الشياطين براياتها " أي: ذهبت؛ والرايات: جمع راية
وهي العَلَم.
قوله: " فيَرْمون الناسَ بالترابيث " وقال الخطابي (5) : الترابِيث ليس
بشيء؛ وإنما هو الربَائث؛ وأصله من رَبثْتُ الرجلَ عن حاجته أي:
حبسته عنها، واحدتها: رَبِيثة، وهي تجري مجرى العلة والتسبيب الذي
يَعُوقك عن وجْهك الذي تتوجه إليه؛ وقوله: " فيرمون الناسَ " إنما هو
"يُربثون الناسَ "، هكذا روي لنا في غير هذا الحديث.
__________
(1) في الأصل: " قالت ".
(2) في سنن أبي داود: " أبواب ".
(3) في سنن أبي داود: " يسمعه.
(4) تفرد به أبو داود.
(5) معالم السنن (1/ 210) .
524 شرح سنن أبي داوود 4

(4/369)


وقال ابن الأثير (1) : يجوز "الترابيث " إن صحت الرواية، وتكون جمع " تَربِيثةٍ " وهي المرة الواحدة من التَرْبِيث؛ تقولُ: رَبَّثْتُه تَرْبيثا وتَرْبِيثةً واحدةً مثل: قدمته تقديماً وتقديمه واحدةً.
قوله: " فيكتبون الرجل من ساعة " يعني: ممن حضر من ساعة قبل خروج الإمام، وكذلك التقدير في قوله: " من ساعتين ".
قوله: " كفْلان " الكفْل- بكسر الكاف وسكون الفاء- هو الحظ والنصيب.
قوله: " فإن ناء " أي: بَعُد من ناء يَنُوء نأيا.
قوله: " من وزْر " الوزر- بكسر الواو وسكون الزاي-: الإثم والخطيئة.
قوله: " صَهْ " هي كلمة من أسماء الأفعال بنيت على السكون، ومعناه: اسكُتْ، فإن وصلتَ نوّنت قلت صَهٍ صَهْ.
قوله: " فقد لغة " يعني: تكلم، وقيل: لغى عن الصواب أي: مال، وقيل: صارت جمعته ظهراً وقيل: خاب من الأجر، ويقال منه: لغى يلغُو، ولغوي- بالكسر- يَلْغى مثله. والحديث معلول؛ لأن فيه مجهولاً وعطاء- أيضا- فيه كلام.
ص- قال أبو داود: رواه الوليد بن مسلم، عن ابن جابر قال: بالربائث، وقال: مولى امرأته أم عثمان بن عَطاء.
ش- أي: روى الحديث المذكور: الوليد بن مسلم الدمشقي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال:" بالرَّبائث "- بفتح الراء والباء الموحدة
* * *
__________
(1) النهاية (2/ 182) .

(4/370)


198- بَابُ: التشْدِيدِ في تَرْك الجُمعةِ
أي: هذا باب في بيان التشديد بالوعيد في ترك الجمعة من غير عذر. 1023- ص- نا مسدد: نا يحيي، عن محمد بن عَمرو قال: حدثنا عَبِيدة بن سفيان الحضرمي، عن أي الجَعْد الضمْرِيِ- وكانت له صحبة- أن رسول الله- عليه السلام- قال:" مَنْ ترك ثلاث جُمَع تَهاوُناً بها طبعَ الله على قلبِه، (1) .
ش- يحيي: القطان، ومحمد بن عَمرو: ابن علقمة بن وقاص. وعَبيْدة بن سفيان- بفتح العين وكسر الباء الموحدة-: ابن الحارث بن الحضرمَي، وهو ابن أخي العلاء الحضرمي. روى عن: أبي هريرة، وأبي الجعد الضمْري. روى عنه: ابنُه: عَمرو- ويقال: عُمر-، ومحمد بن عَمرو، وأبو سلمة. قال أحمد بن عبد الله: هو مدني تابعي ثقة. روى له: الجماعة إلا البخاري (2) .
وأبو الجَعْد: اسمُه: عمرو بن بكر؛ ذكره الكرابيسي، وقال غيره: أدرع، وقيل: جنادة. قال الترمذي: وسألت محمداً يعني: البخاري- عن اسم أبي الجَعْد الضميري فلم يعرف اسْمه وقال: لا أعرف له عن النبي- عليه السلام- إلا هذا الحديث. وقال عبد الغني في " الكمال": أبو الجعد: قيل: اسمه: جنادة من بني ضمرة بن بكر بن عبد مناف، وله دار في ضمرة بالمدينة. قال ابن سَعْد: بعثه النبي- عليه السلام- يحشر قومه لغزوة الفتح ولغزوة تبوك. روى عنه: عبيدة بن سفيان. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في ترك الجمعة من غير عذر (500) النسائي: كتاب الجمعة، باب: التشديد في التخلف عن الصلاة (3/ 88) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: فيمن ترك الجمعة من غير عذر
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/ 3755) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/ 38) ، وأسد الغابة (6/ 51) ، والإصابة (4/ 32) .

(4/371)


قوله: " تهاونا بها " أي: كسلاً واستهتارا بها؛ وانتصابه يجوز أن يكون
على التعليل، ويجوز أن يكون على الحال يعني: مُتهاوناً بها.
قوله: " طبعَ الله على قلبه " أي: ختم عليه وغشاه ومنعه ألطافه
والطبع- بالسكون-: الختمَ، وبالتحريك: الدنَس؛ وأصله من الوسخ
[2/ 73- أ] والدنس يغشيان/ السيْف، يُقال: طبِع السيفُ يطبعَ طبعا، ثم استعمل فيما يُشبه ذلك من الا"وْزار والآثام وغيرهما من المقابح. والحديث:
أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال الترمذي: حديث
حسن، ولا يعرف إلا من حديث محمد بن عَمْروٍ.
***
199- بَابُ: كفّارة مَنْ تركهَا
أي: هذا باب في بيان كفارة من ترك الجمعة من غير عذر شرعي.
1024- ص- نا الحسن بن عليّ: نا يزيد بن هارون: أنا همام: نا قتادة،
عن قدامة بن وَبْرِة العُجَيْفي، عن سَمُرة بن جُندب، عن النبي- عليه
السلام- قال: " من ترك الجمعةَ من غير عذر فليتصدق بدينار، فإن لم يجدْ
فنصف (1) دينارِ" (2)
.َ
ش- همام: ابن يحيي.
وقدامةُ بن وَبْرَةَ العُجَيفي- بضم العين وفتح الجيم-، روى عن:
سمرة بن جندل. روى عنه: قتادة. قال ابن معين: ثقة. وقال أحمد
ابن حنبل في هذا الحديث: قديمة يَرْويه لا نعرفه، رواه أيوب أبو العلاء
فلم يصل إسناده كما وصله همام. وقال البخاري: لم يصح سماعه من
سمرة. روى له: أبو داود، والنسائي (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " فبنصف "
(2) النسائي: كتاب الجمعة، باب: كفارة من ترك الجمعة من غير عذر (3/ 89) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4861) .

(4/372)


قوله: " فليتصدق " أمرُ استحباب لا وجوب، وهذا لأجل تخلفه عن الحضور إلى الجمعة، وأما الجمعة- وإن كانت قد فاتت- فالظهر عليه واجبٌ.
قوله: " فنصف دينار " عطف على قوله: " بدينار" أي: فليتصدق بنْصف دينار.
ص- قال أبو داود: هكذا رواه خالد بن قَيْس، وخالفه في الإسْناد ووافقه في المَتْنِ.
ش- أي: هكذا روى الحديث: خالد بن قيس الأزدي الحُدَاني البصري أخو نوح، وهو ثقة؛ قاله ابن معين. روى عن: عمرو بن دينار، وقتادة، وأبي مسلمة سعيد بن يزيد، ومطر الوراق، وعطاء بن أبي رباح. روى عنه: أخوه: نوح، وعلي بن نصر الجَهْضمي. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (1) .
قوله: " وخالفه " ... (2) ، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " بعين ما روى الحسن بن علي إسنادا ومتنا. وروى- أيضا- عن هُشيم، عن عوف، عن سعيد بن أبي الحسن، عن ابن عباسِ قال: من ترك الجمعة ثلاثاً متواليات طبع الله على قلبه.
1025- ص- نا محمد بن سليمان الأنباري: نا محمد بن يزيد، وإسحاق بن يوسف، عن أيوب أبي العلاء، عن قتاة، عن قدامة بن وَبْرة قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " مَنْ فاتته الجمعة من غير (3) عذرِ فليتصدق بدرهمِ أو نصف درهمِ أو صاع حنطة أو نصْف صاعِ " (4) .
__________
(1) المصدر السابق (8/ 1645) .
(2) بياض في الأصل قدر سطر ونصف.
(3) في سنن أبي داود: " من فاته الجمعة بغير ".
(4) النسائي: كتاب الجمعة، باب: كفارة من ترك الجمعة من غير عذر (3/ 89) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: فيمن ترك الجمعة من
غير عذر (1128) .

(4/373)


ش- أيوب: ابن مسكين القصاب أبو العلاء. وهذا الحديث مُرسل. وقد أخرجه النسائي، وابن ماجه في " سننهما" من حديث الحسن، عن سمرة؛ وهو منقطع.
ص- قال أبو داود: رواه سَعيد بن بَشِير هكذا (1) ؛ إلا أنه قال: مُد أو نصفُ مُدٍّ، وقال: عن سمرة (2)
ش- أي: روى هذا الحديث: سعيد بن بشير- بفتح الباء الموحدة- عن قتادة هكذا؛ إلا أنه قال: مُدّ أو نصف مُدّ موضع صاع أو نصْف صاع؛ والمدّ: ربع الصاع؛ والصاع: ثمانية أرطال عراقية؛ وقد مر تفسيرهما مستوفى.
قوله: " وقال " أي: وقال سَعيد في روايته: عن سمرة بن جندب
/ وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن اختلاف هذا الحديث فقال: همام أحفظ من أيوب- يعني: أبا العلاء/ (3) .
***
200- بَابُ: مَنْ تجبُ عليه الجمعة
أي: هذا باب في بيان من تجب عليه الجمعة، وفي بعض النسخ: "باب على من تجب الجمعة؟،.
1026- ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب: أخبرني عَمرو، عن عُبيد الله بن أبي جَعْفر أن محمد بن جعفر حدثه عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي- عليه السلام- أنها قالت: كان الناسُ يَنْتَابُون الجمعة من منازلهم ومَن العولي (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود:" سعيد بن بشير عن قتادة هكذا ".
(2) جاء في سنن أبي داود بعد هذا:" قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اختلاف هذا الحديث فقال: همام عندي أحفظ من أيوب- يعني:
أبا العلاء- ".
(3) ما بين الشرطتين المائلتين ذكر في سنن أبي داود عقب الحديث السابق.
(4) البخاري: كتاب الجمعة، باب: من أين تؤتى الجمعة وعلى ما تجب (902) ،=

(4/374)


ش- عمرو: ابن الحارث.
وعبيد الله بن أبي جعفر: أبو بكر الفقيه المصري الكناني مولاهم،
رأى عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيدي. روى عن: نافع مولى ابن
عمر، وبكير بن عبد الله بن الأشج، ومحمد بن جعفر، وغيرهم.
روى عنه: الليث بن سعد/، وحيوة بن شريح، وابن لهيعة، وغيرهم [2/ 73 - ب] قال ابن أبي حاتم: ثقة. مات سنة خمس وثلاثين ومائة. روى له
الجماعة (1)
ومحمد بن جعفر: ابن الزبير بن العوام.
قوله: " يَنْتابون " أي: يقصدون مَرةً بعد أخرى؟ من انْتاب افتعل من
النَّوْبة، وقيل: يَنْتابُون: يأتونَ.
قوله: " ومن العَوالي " وهي أماكن بأعلى أراضي المدينة، وأدناها من المدينة على أربعة أميال، وأبعدها من جهة نجد: ثمانية؛ والميل: ثلث الفرسخ، وهو أربعة آلاف خطوة؛ وهي ذراع ونصف بذراع العامة، وهو أربع وعشرون إصبعاً بعدد حروف لا إله إلا الله محمد رسول الله. والفرسخ: اثنا عشر ألف خطوة؛ فيكون أدنى العوالي من المدينة: فرسخا وثلث فرسخ، وأبعدها: فرسخين وثلثي فرسخ. وبهذا قال بعض العلماء: إنه تجب الجمعة على من كان بينه وبين المصر ميل أو ميلان أو ثلاثة أو أربعة. وعن محمد من أصحابنا: إلى ثلاثة؛ وهو قول مالك والليث. وفي " منية المغني ": على أهل السواد الجمعة إذا كانوا على قدر فرسخ؛ وهو المختار. وعنه: إذا كان أقل من فرسخين. وعن معاذ: تجب من خمسة عشر فرسخاً وكان أنس في قصره أحيانا يُجمّع، وأحيانا لا يجمع، وهو بالزاوية على فرسخين من البصرة. وقال ابن
__________
= مسلم: كتاب الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال، وبيان ما أمروا به (6/ 847) .
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/ 3625) .

(4/375)


المنذر: تجب عند ابن المنكدر، وربيعة، والزهري من أربعة أميال. وقال الزهري- أيضا-: ستة أميال. وحكى أبو حامد عن عطاء: عشرة أميال، وعن أبي يوسف: من ثلاثة فراسخ، وعنه: إذا أمكنه المبيت في أهله، وهو اختيار كثير من المشايخ. وعن أبي حنيفة: لا تجب إلا على ساكني المصر والأرباض دون السواد، سواء كان قريباً من المصر أو بعيداً. وقيل: إذا سمع صَوت النداء؛ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. وقال صاحب "المجمع ": فهي على قرى يجيء خراجها مع المصر، الحاصل: أن الجمعة تجب عند أبي حنيفة على أهل القرى التي يجيء خراجها مع خراج المصر؛ لأنهم تبع للمصر فكانوا (1) كأهل المصر. وقال أبو يوسف: تجب على أهل القرى المشمولين بسور البلد وهو حائطها؛ لأنهم من أهل البلدة. وشرط محمد: سماع النداء في وجوبها عليهم، فمن سمع أذان الجمعة وجبت عليه، وبه قال الشافعي وأحمد. وأخرج ابن أبي شيبة في" مصنفه " عن ابن عمر أنه قال: الجمعة على مَنْ أواه المراح. وعن إبراهيم: تؤتى الجمعة من فرسخين. وعن عكرمة: من أربعة فراسخ. وعن الحسن: على كل مَنْ أواه الليل إلى أهله، وكذا عن نافع مثله. وعن عطاء: من سبعة أميال. وعن الحكم: على مَنْ يجيء ويذهب في يوم. وعن أبي هريرة: من فرسخين. والحديث: أخرجه البخاري.
1027- ص- نا محمد بن يحيي بن فارس: نا قَبيصةُ: نا سفيان، عن محمد بن سعيد- يعني: الطائفي-، عن أبي سلمي بن نبيه، عن عبد الله بن هارون، عن عبد الله بن عَمرو، عن النبي- عليه السلام- قال: " الجمعةُ على مَنْ (2) سمع النكداء " (3) .
ش- قبِيصة: ابن عاقبة بن محمد بن سفيان، أبو عامر السُوَائى
__________
(1) في الأصل: " وكانوا ".
(2) في سنن أبي داود:" على كل من ".
(3) تفرد به أبو داود.

(4/376)


الكوفي. روى عن: الثوري، وشعبة، ومسعر، وغير هم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، والبخاري، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة في كل شيء إلا في حديث سفيان الثوري، ليس بذاك القوي. وقال ابن خراش: صدوق. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وروى مسلم حديثا واحداً، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عنه. مات سنة خمس عشرة ومائتين (1) .
ومحمد بن سعيد: الطائفي المؤذن، أبو سعيد. سمع: عطاء بن أبي رباح، وعبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، وعبد الله بن هارون (2) ، وغيرهم. روى عنه: الثوري، والمعتمر، ويحيى بن سليم، وغيرهم. روى له: أبو داود، والنسائي (3) .
وأبو سلمة بن نُبيه: روى عن: عبد الله بن هارون، روى عنه: محمد بن سعيد الطائفي. روى له: أبو داود (4) .
وعبد الله بن هارون: روى عن: عبد الله بن عمرو بن العاص، روى عنه: أبو سلمة بن نبيه. قال عبد الرحمن: عبد الله بن هارون، ويُقال: عبد الله/ بن أبي هارون. سمع: عبد الله بن عمرو في قصة الجمعة. [2/ 74 - أ] روى له: أبو داود (5) .
قوله: " الجمعةُ على من سمع النداء " أي: الجمعة تجبُ على من سمع الأذان يوم الجمعة. وبهذا الحديث اتخذ محمد بن الحسن، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4843) .
(2) لم يذكره الحافظ المزي في تهذيب الكمال، وقال محققه: جاء في حواشي النسخ من تعقبات المؤلف على صاحب " الكمال " قوله: " ذكر في شيوخه
عبد الله بن هارون ولم يذكر أبا سلمي بن نُبيه، وذلك وهم، إنما يروي عن
أبي كلمة بن نبيه عن عبد الله بن هارون ". أ. هـ.
(3) المصدر السابق (25/ 5249) .
(4) المصدر السابق (33/ 7410) .
(5) المصدر السابق (16/ 3624)

(4/377)


ص- قال أبو داود: رَوى هذا الحديث جماعة عن سفيان مقصوراً على عبد الله بن عَمْرو لم يرفعوه، وإنما أَسْنده قبِيصَةُ.
ش- أشار بهذا الكلام إلى أن الصحيح في هذا الحديث أنه موقوف على عبد الله بن عمرو، ولم يُسْنده غير قبيصة بن عقبة؛ وقد سمعت الآن ما قال أحمد في رواية قبيصة عن سفيان، على أن الطائفي مجهول؛ كذا في " الميزان "، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما ليْس من أحاديثهم، لا يحلّ الاحتجاج به، وفيه: أبو سلمة بن نُبيه، عن عبد الله ابن هارون، ولا يعرف حالهما. وذكر البيهقي هذا الحديث وقال: الذي رفعه ثقة؛ ولكنهم تركوا العمل بظاهر الحديث فلم يعتبروا السماع؛ وإنما اعتبروا كونه في موضع يَبْلغه النداء.
***
201- بَابُ: الجُمعة في اليَوْم المَطيرِ
أي: هذا باب في بيان الجمعة في الَيَوْم المطير، وَهو اليوم الذي يقع فيه ابطرُ.
1028- ص- نا محمد بن كثير: نا همام، عن قتادة، عن أبي مليح، عن أبيه أن يوم حنين كان يومَ مَطر فأمر النبي- عليه السلام- مُناديَه أن الصلاة في الرحال (1) .
ش- همام: ابن يحيي، وأبو المليح: اسمه: عامر بن أسامة، وقيل: زيد بن أسامة، وقيل: أسامة بن عامر، وقيل: عمير بن أسامة، وقد ذكرناه مستوفىَ.
قوله: " يوم حُنين " حُنين: وادٍ بَيْنه وبين مكة ثلاثة أميال، ويُصرف ولا يُصرف، وكان يوم حنين في السنة الثامنة من الهجرة؛ وهي غزوة
__________
(1) النسائي: كتاب الإمامة، باب: القدر في ترك الجماعة (2/ 110) .

(4/378)


هوازن. وقال ابن إسحاق: خرج رسول الله إلى هوازن بعد الفتح في خامس شوال سنة ثمان، وزعم أن الفتح كان لعشر بقين من رمضان قبل خروجه إليهم بخمس عشرة ليلة، وبه قال عروة بن الزبير، واختاره ابن جرير في " تاريخه" وقال الواقدي: خرج رسول الله إلى هوازن لست خلون من شوال، فانتهى إلى حنين في عاشره.
قوله: " في الرحال " جمع "رَحْل "؛ وهو المنزل. والحديث: أخرجه النسائي. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا أزهر، عن ابن عون قال: نبِئت أن محمداً اشتد المطر يوم الجمعة فلم يجمع.
نا يحيى بن سعيد القطان، عن سعيد، عن قتادة، عن كثير مولى ابن سمرة قال: مررتُ بعبد الرحمن بن سمرة وهو على بابه جالس فقال: ما خطب أميركم؟ قلت: أما جمعت؟ قال: منعنا منها هذا الردغ.
نا محمد بن بشر، نا سعيد، عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث أن ابن عباس أمر مناديه فنادى في يوم مَطير يوم الجمعة: الصلاة في الرحال، الصلاة في الرحال.
قلتُ: وبه قال أصحابنا، وقال صاحب "الخلاصة": إذا أصاب الناس مطر شديد يوم الجمعة، فهم في سَعة من التخلف.
1029- ص- نا محمد بن المثنى: نا عبد الأعلى: نا سعيد، عن صاحب له، عن أبي مليح أن ذلك كان يوم جمعة (1) .
ش- عبد الأعلى: ابن عبد الأعلى السامي، وسعيد: ابن أبي عروبة. قوله: " أن ذلك " أي: ذلك اليوم الذي أمر النبي- عليه السلام- مناديا أن الصلاة في الرحال، كان يومَ جمعة، وفيه مجهول.
1030- ص- نا نَصرُ بن علي: قال سفيان بن حبيب: خبرنا عن خالد الحذاء، عن أمي قلابة، عن أمي المليح، عن أبيه أنه شهد النبي - عليه السلام-
__________
(1) انظر التخريج السابق.

(4/379)


زمن الحدَيبية في يوم جمعة وأصابهم مطر لم يَبتل أسفلُ نعالهم فأمرهم أن يُصلوا في رحالهم (1) .
ش- سفيان بن حبيب: أبو محمد، ويقال: أبو معاوية، ويقال: أبو حبيب البزار البصري. روى عن: موسى بن علي بن رباح، وثور ابن يزيد، وخالد الحذاء، وغيرهم. روى عنه: نصر بن علي، وحبان ابن هلال، وعبد الرحمن بن المبارك، وغيرهم. وقال أبو حاتم: صدوق ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .
وأبو قلابة:/ عبد الله بن زيد الجَرْمي.
قوله: " زمن الحديبية " بتخفيف الياء؛ رواه الربيع عن الإمام الشافعي. وقد روي بالتشديد؛ وسميت بذلك لأجل شجرة حَدْباء كانت هنالك، وقيل: سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة، وبينها وبين المدينة تسع مراحل والى مكة مرحلة. وقال الإمام مالك: هي من الحرم. وقال ابن القصار: بعضها في الحل؛ وهي قرية ليست بالكبيرة. وغزوة الحديبية كانت في ذي القعدة سنة ست بلا خلاف، وممن نص" على ذلك الزهري ونافع مولى ابن عمر وقتادة وموسى بن عقبة وابن إسحاق.
قوله: " لم يبتل أسفل نعالهم " النعال: جمع نعل؛ وهي التي تلبس في الرجل، قالوا: المرادُ من الحديث الآخر: " إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحْل " أن النعال جمع نعل، وهو ما غلظ من الأرض في صلابة، وخصها بالذكر لأن أدنى بلل يُنَديها بخلاف الرخوة؛ فإنها تنشف الماء. وحمله بعضهم على ظاهره، وقالوا: إذا وقع من المطر ما تبتلُ به النعالُ به، وتعذر المشي للرجل فهو عذر ظاهر في ترك الجماعة، ويؤيد هذا حديث أبي المليح المذكور. والحديث: أخرجه ابن ماجه.
* * *
__________
(1) ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: الجماعة في الليلة المطيرة (936) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/ ما 23) .

(4/380)


202- بَابُ: التخلفِ عن الجماعةِ في الليْلةِ البَارِدةِ (1)
أي: هذا باب في بيان التخلف عن الحضور إلى الجماعة في الليلة الباردة.
1031- ص- نا محمد بن عبيد: نا حماد بن زيد: نا أيوب، عن نافع
أن ابن عمر نَزل بضَجْنَانَ في ليلة باردة فأمر المنادي فنادى: أن الصلاة في الرحال. قال أيوب: وحدث نافع، لمحن ابن عمر أن رسول الله- عليه السلام- كان إذا كانت ليلة باردة أو مَطيرة أمر المنادي فنادى: الصلاة في الرحال (2) .
ش- ضَجْنان- بفتح الضاد المعجمة، وبعدها جيم ساكنة، ونون مفتوحة، وبعد الألف نون أيضا-: وهو جبل على بريدٍ من مكة. وقال ابن الأثير: هو موضع أو جبل بين مكة والمدينة.
قوله:" قال أيوب " أي: السختياني. وأخرج ابن عدي، عن أبي هريرة: كان رسول الله- عليه السلام- إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة أمر المؤذن فأذن الأذان الأول، فإذا فرغ نادى: الصلاة في الرحال أو في رحالكم. وفي سنده: محمد بن جابر اليمامي، وهو ضعيف. وفي "شرح البخاري ": الرحال: المنازل والدور والمساكن جمع رحل، وسواء كانت من حجر أو مدر أو خشب أو شعر أو صوف أو وبرٍ وغيرها. قال ابن سيده: والجمع: أرحل.
1032- ص- نا مؤملُ بن هشام: نا إسماعيل، عن أيوب، عن نافع قال: نادَى ابن عمر بالصلاة بضجنان ثم نادَى أن صَلُوا في رحالكم. قال فيه: ثم حدث عن رسول الله أنه كان يأمر المُنادي فيُنادي بالصلاة ثم يُنادي: "أن صلوا في رحالكم " في الليلة الباردة وفي الليلة الَمَطيرة في السفر (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "الليلة الباردة أو الليلة المطيرة".
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: الجماعة في الليلة المطيرة
(3) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الجماعة في الليلة المطيرة (937) .

(4/381)


ش- إسماعيل: ابن علية.
قوله: " قال فيه " أي: قال نافع في الحديث المذكور: ثم حدّث ابن عمر عن رسول الله- عليه السلام-. والحديث: أخرجه ابن ماجه. ص- قال أبو داود: رواه حماد بن سلمة، عن أيوب، وعبَيد الله قال فيه: في السفر في الليلة القَرّةِ أو المَطيرةِ.
ش- أي: روى الحديث: حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني وعبيد الله بن عُمر العُمري.
قوله: " في الليلة القَرة " أي: الباردة؛ القر: البردُ، يقال: قر يومنا يقَرّ قرَّةً، ويوم قَر- بالفتح- أي: بارد، وليلة قرّةٌ.
1033- ص- نا عثمان بن أبي شيبة نا، أبو أسامة، عن عُبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أنه نادى بالصلاة بضَجْنانَ في ليلة ذاتَ بَرْد وريح، فقال في آخر ندائه: ألا صَلُوا في رحالكم، ألا صَلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله- عليه السلام- كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلةً باردةً أو ذاتُ مطر في سفرٍ يقولُ: " ألا صَلوا في رحالكم " (1) .
ش- في هذه الأحاديث تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار، وأنها متأكدة إذا لم يكن عذر، وأنها مشروعة في السفر، وأن الأذان مشروع في السفر. والحديث: أخرجه مسلم، والبخاري، والنسائي.
1034- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن نافع/ أن ابن عمر- يعني: أذن بالصلاة في ليلة ذات بَرْد وريح فقال: ألا صلوا في الرحال ثم قال: إن رسول الله كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلةً باردةً ذات مطر يقولُ: " ألا صَلُوا في الرحال" (2) .
__________
(1) انظر التخريج السابق.
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: الأذان للمسافر إذا كان جماعة والإقامة، وكذلك بعرفة وجمع، وقول المؤذن: "الصلاة في الرحال" في الليلة الباردة =

(4/382)


ش- أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
1035- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال: نَادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه السلام- بذلك في المدينة في الليلة المطيرة، والغداة القَرة (1) .
ش- " بذلك " أي: بقوله: " ألا صلُوا في الرحال".
ص- قال أبو داود: روى هذا الخبر: يحيي بن سعيد الأنصاري، عن القاسم، عن ابن عمر، عن النبي- عليه السلام- قال فيه: " في السفر ". ش- أشار بهذا إلى تضعيف رواية محمد بن إسحاق؛ لأن الثقات مثل يحيي الأنصاري والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رويا هذا الحديث وفيه: " في السفرِ".
1036- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا الفضل بن دكين: نا زهير، عن أبي الزبير، عن جابر قال: كنا مع النبي- عليه السلام- في سفر فمطرنا فقال رسولُ الله: " ليُصلِ مَنْ شاء منكم في رَحْله " (2) .
ش- زهير: ابن معاوية، وأبو الزبير: محمد بن مسلم، وجابر: ابن عبد الله.
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي. وعند الطبراني- بسند صحيح- عن نُعَيم بن النحام قال: أذن مؤذن رسول الله ليلة فيها برد وأنا تحت لحافي، فتمنيتُ أن يُلْقِي اللهُ على لسانه: ولا حرجَ، فلما فرغ قال: ولا حرج. وعند البيهقي: فلما قال: الصلاة خير من النوم قال: ومنْ قعد
__________
= أو المطيرة (632) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الصلاة
في الرحال في المطر (22/ 697) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: الأذان في التخلف عن شهود الجماعة في الليلة المطيرة (3/ 15) .
(1) تفرد به أبو داود.
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الصلاة في الرحال في المطر (25/ 698) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء إذا كان المطرُ فالصلاة
في الرحال (409) .

(4/383)


فلا حرج. وعند أحمد: فلما بلغ حي على الفلاح قال: صلوا في رحالكم، ثم سألت عنها فإذا النبي- عليه السلام- قد أمره بذلك. 1037- ص- نا مسدد: نا إسماعيل: أخبرني عبد الحميد صاحب الزيادي: نا عبد الله بن الحارث- ابن عم محمد بن سيرين- أن ابن عباس قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت: أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم. قال: فكأن الناس استنكرُوا ذلكَ فقال: قد فعل ذَا مَنْ هو خير مني؛ إن الجمعة عَزْمةٌ وإني كرهتُ أن أحرجَكُم فتمشون في الطين والمطر (1) .
ش- إسماعيل: ابن علية.
وعبد الحميد: ابن دينار، وهو عبد الحميد بن كُرْديد صاحب الزيادي، سمع: أنس بن مالك، وأبا الوليد عبد الله بن الحارث، وثابتا البناني، روى عنه: شعبة، وحماد بن زيد، وابن علية. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (2) .
قوله: " استنكروا ذلك " أي: ذلك القول من المؤذن، وكذلك " ذا " إشارة إليه.
قوله: " عزْمة "- بفتح العين وإسكان الزاي- أي: واجبة متحتمة، فلو قال المؤذن: " حي على الصلاة، لتكلّفتم المجيء إليها ولحقتكم المشقةُ. ثم إنه جاء في حديث ابن عباس هذا: " صلوا في بُيوتكم" في وسط الأذان، وفي حديث ابن عمر في آخر ندائه، والأمران جائزان، نص عليها الشافعي في " الأم" في كتاب الأذان، وتابعه جمهور الشافعية
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: الكلام في الأذان (616) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الصلاة في الرحال في المطر (26/ 699) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنَة فيها، باب: الجماعة في الليلة المطيرة (939) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6 1/ 2 1 37) .

(4/384)


فيجوز بعدَ الأذان وفي أثنائه لثبوت السُنَّة فيهما، لكن قوله بعدَه أحسن
ليَبقى نظمُ الأذان على وَضْعه.
قال الشيخ محيي الدين (1) : ومن أصحابنا من قال: لا يقوله إلا بعد
الفراغ؛ وهذا ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس، ولا منافاة بينه
وبين حديث ابن عمر؛ لأن هذا جرى في وقت وذاك في وقت؛ وكلاهما
صحيح.
قوله: "أن أحرجكم "- بالحاء المهملة- أي: أشق عليكم بإلزامكم
السعي إلى الجماعة في الطين والمطر، وفي رواية: " كرهتُ أن أوثمكم"
أي: كون سبب اكتسابكم الإثم عند ضيق صدُوركم، فربما يتسخط
ويتكلم به. وروي بالخاء المعجمة، من الخروج. والحديث: أخرجه البخاريّ، ومسلم، وابن ماجه.
* * *